بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

ويدفعه : أن المراد على بلوغ الثواب بأيّ وجه كان ويصدّق في جميع الصّور المذكورة ، مضافا إلى عدم التفصيل في المسألة كما ستقف عليه ، إلى غير ذلك ممّا ذكر في كلماتهم والعمدة ما ذكرنا.

تنبيهات متعلّقة بقاعدة التسامح

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : أن عنوان المسألة في كلمات الأكثرين يقتضي اختصاص الكلام بالتسامح في أدلّة السّنن بظاهره ، فلا يتسامح في أدلّة المكروهات. وصرّح غير واحد بالتعميم بحيث يظهر منه كونه من المسلّمات عندهم. وقد عرفت الإشارة إلى بعض الكلمات المقتضي له ، سيما ما عرفته عن « ذكرى » الشهيد قدس‌سره وصرّح شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » : بأن المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب.

وقال في « الفصول » في عنوان المسألة : « قد تداول بين أصحابنا التسامح في أدلّة السّنن والمكروهات بإثباتها بالرواية الضعيفة الغير المنجبرة ، وحمل الأخبار المفيدة للوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة عند ضعف السند وعدم الجابر » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

ويستدل للتعميم بعموم الشيء في الأخبار لهما ، بل الظّاهر ممّا يتراءى منه

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٣٠٥.

١٤١

الاختصاص العموم عند التأمّل ؛ فإن المراد من العمل في قوله : « من بلغه ثواب على عمل » هو الأعمّ من الفعل والترك ، ولذا كان قوله تعالى : ( لا يضيع عمل عامل منكم )(١) شاملا للأعمال مطلقا من الوجوديّة والعدمية.

لكن قال شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » : « ولا إشكال فيه بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط ، وأمّا بناء على الاستناد إلى الأخبار ، فلا بدّ من تنقيح المناط بين الاستحباب والكراهة ، وإلاّ فموارد الأخبار ظاهر الاختصاص بالفعل المستحبّ ولا يشمل المكروه ، إلاّ أن يدّعى عموم لفظ الفضائل في النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل عموم لفظ « الشيء » في غيره للفعل والترك فتأمل. مضافا إلى ظاهر إجماع [ ال ] ذكرى (٢)(٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

الثّاني (٤) : أنك قد عرفت : أنّ محلّ الكلام هو الخبر الغير الجامع لشرائط الحجيّة ؛ من غير فرق بين أن يكون مضمونه الثواب ، أو الطلب الغير الإلزامي المتعلّق بالفعل أو الترك ، أو الإلزامي المتعلّق بأحدهما. فلو دلّ علي الوجوب أو الحرمة ، يحكم بالاستحباب والكراهة في مورده ؛ نظرا إلى الأخبار المذكورة ، لا للتصرّف في الخبر بحمله على إرادة الاستحباب ، أو الكراهة منه ؛ فإن ذلك غير

__________________

(١) أل عمران : ١٩٥ ـ والصحيح : ( لا أُضِيعُ ).

(٢) ذكرى الشيعة : ج ٢ / ٣٤.

(٣) نفس الرسالة المزبورة : ١٦٠.

(٤) أي التنبيه الثاني.

١٤٢

معقول ، وإن أوهمه بعض العبائر ؛ حيث إنهم يذكرون كثيرا ما : إن الخبر ضعيف فيحمل على الاستحباب. فما أفاده الشيخ المتقدّم في « الفصول » في عنوان المسألة لا يخلو عن نظر فلا بدّ من حمله على ما ذكرنا.

نعم ، على ما ذكره ، وذكره شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » من رجوع الكلام في المسألة إلى حجيّة الخبر الغير الجامع لشرائط الحجيّة في إثبات الاستحباب والكراهة بأخبار الباب ، لا بدّ من التصرّف في أدلّة التصديق والتبعيض من حيث الأخذ والطرح ، كما صنعه في « الرسالة » ، وليس هذا أيضا ـ كما ترى ـ تصرّفا في دلالة الخبر.

الثالث : أنا قد أشرنا سابقا إلى أنه سرّى بعض الأصحاب أمر التسامح إلى الاكتفاء بفتوى الفقيه من أصحابنا به ، أو مطلقا على احتمال ضعيف. قال في محكيّ « المعتبر » ـ بعد أن حكى عن أبي الصّلاح كراهة الصلاة إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح (١) ـ ما هذا لفظه : « هو أحد الأعيان فلا بأس باتّباع فتواه » (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

وكلام الأكثرين خال عن السراية والتعميم ، والإنصاف : أن التعميم لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ الظاهر من البلوغ ، هو البلوغ بطريق الحسّ لا الحدس والاجتهاد.

__________________

(١) رسالة في قاعدة التسامح للشيخ الأعظم : ١٦٠.

(٢) المعتبر : ج ٢ / ١١٦ ـ بحث الأماكن المكروهة أواخر المقدّمة الخامسة.

١٤٣

بل قد يقال : إنه ليس إخبارا عن الواقع أصلا ؛ فإن مرجع إخبار الفقيه حقيقة عن الواقع إلى الإخبار عن الرأي الترجيح النفساني. وأين هذا من الإخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه؟

نعم ، لو استند في التسامح إلى حسن الاحتياط ورجحانه العقلي تعين التعميم ، لكنه لا يختصّ بما كان مستند احتمال الواقع فتوى الفقيه ، بل يشمل احتمال الواقع مطلقا على ما عرفت الإشارة إليه.

نعم ، يلحق بالرواية فتوى من نزّلوا فتاويه منزلة رواياته من حيث كونها روايات منقولة بالمعنى حقيقة. قال شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » :

« لا إشكال في الإلحاق بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط ».

وأمّا بناء على الاستناد إلى الأخبار فالتحقيق أن يقال :

إن كان يحتمل ذلك استناده في ذلك إلى الشارع ، أخذ به لصدق البلوغ بإخباره ، وأما إن علم خطأ في المستند بأن اطّلعنا أنّه استند في ذلك إلى رواية لا دلالة فيها ، فلا يؤخذ به وإن احتمل مطابقته للواقع ؛ لأن مجرّد احتمال الثواب غير كاف بمقتضى الأخبار ، بل لا بدّ من صدق البلوغ من الله تعالى أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقل ذلك احتمال صدقه في حكايته.

والمفروض أنا نعلم أنّ هذا الرجل مخطىء في حكايته ؛ فهو نظير ما إذا قال الرّجل : سمعت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن في كذا ثواب كذا ، مع أنا لم نشكّ في أنه سمع

١٤٤

رجلا اشتبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما الاكتفاء بمجرّد احتمال أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كذا ، فهو اكتفاء بمجرّد الاحتمال ولا يحتاج إلى قيد البلوغ ، وكذا لو علمنا أنه استند في ذلك إلى قاعدة عقليّة ؛ فإن البلوغ منصرف إلى غير ذلك.

ومن ذلك يظهر : أن ما حكي من الغزالي (١) : من الحكم باستحقاق الثواب على فعل مقدّمة الواجب لا يصير منشأ للتسامح ، لأن الظاهر استناده في ذلك إلى قاعدة عقليّة مثل تحسين العقل للإقدام على تهيّؤ مقدّمات الواجب ونحو ذلك. ومنه يظهر النظر فيما ذكره المحقق القميّ قدس‌سره في « القوانين » (٢) ؛ من إمكان كون ذلك منشأ للتسامح. وأضعف من ذلك ما ذكره في حاشية منه على ذلك الكلام : من أن القول بالتسامح في مثل المقام يستلزم تسديس الأحكام » (٣). انتهى كلام شيخنا قدس‌سره.

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرنا تعلم أن مجرّد احتمال استناد الفقيه في فتواه إلى الرّواية ، لا يوجب العلم بصدق البلوغ وإنّما يوجب احتماله على احتمال ، وهو غير كاف ؛ للشكّ في صدق الموضوع (٤).

__________________

(١) الحاكي الميرزا القمي قدس‌سره في القوانين : ج ١ / ١٠٤.

(٢) قوانين الأصول : ج ١ / ١٠٤ و١٠٥.

(٣) رسالة في التسامح في أدلة السنن : ١٥٩.

(٤) قال سيّد العروة قدس‌سره :

١٤٥

الرابع : أنه لا إشكال في اختصاص مورد المسألة فتوى ونصّا بما إذا لم يكن هناك خبر ضعيف يدلّ على تحريم الفعل أو كراهته فيما ورد الخبر الغير الجامع لشرائط الحجيّة على وجوبه واستحبابه ، من غير فرق بين الاستناد في المسألة إلى قاعدة الاحتياط فيما إذا كان مفادهما الحكم الإلزامي ، أو إلى الأخبار مطلقا ؛ لأن الحكم بطلب كل من الفعل والترك بعد تعميم المسألة بالنسبة إلى التسامح في الكراهة ، ممّا لا معنى له ؛ لعدم القدرة على امتثال الطلبين وإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي ؛ ضرورة خروج الفرض عن موضوع تلك المسألة لعدم المندوحة بالفرض.

وصرف الأخبار إلى استحباب أحدهما تخييرا ، موجب لاستعمالها في معنيين ، مع أن التخيير بين الفعل والترك في الاستحباب لا محصّل له. فتعيّن الحكم بخروج الفرض عن مورد الأخبار ، مضافا إلى انصرافها إلى غيره جزما. وأمّا لو كان في المسألة التي ورد الخبر فيها بالاستحباب أو الوجوب ، مجرّد احتمال التحريم أو العكس ؛ بأن كان هناك مجرد احتمال الوجوب فيما كان هناك خبر على التحريم أو الكراهة ، فالحكم من حيث جريان القاعدة ما عرفت.

__________________

« الظاهر عدم شمولها [ أخبار التسامح ] لمثل فتوى الفقيه وإن كان المشهور شمولها ؛ لأن ظاهر البلوغ هو البلوغ على وجه الحكاية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام مثل الروايات والإخبار المتداولة ، وأمّا فتوى الفقيه فهي من اجتهاده واستنباطاته الظنّيّة بحيث لا يمكن إسنادها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مجازا » إنتهى. حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٠٣.

١٤٦

وأمّا من حيث شمول الأخبار ، فقد يستشكل فيه من حيث انصرافها إلى غير الفرض ، سيّما بملاحظة التعليل المذكور في بعضها برجاء الثواب. واستظهر شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » الشمول ؛ نظرا إلى إطلاق أكثرها وعدم صلاحية المقيّد للتقييد في المقام على ما عرفت الإشارة إليه مرارا ، لكنّه لا يخلو عن إشكال.

ثم قال قدس‌سره في « الرّسالة » :

« وعلى الإطلاق ففي صورة احتمال الحرمة فيما وردت الرواية الضعيفة باستحبابه يتعارض استحباب الفعل لأجل الأخبار ، واستحباب الترك لأجل قاعدة الاحتياط ، والظاهر عدم التعارض ، بل يحكم بكون كل من الفعل والترك مستحبّا ولا ضير في ذلك ، كما إذا دلّ على استحباب شيء دليل معتبر ، ودلّ على تحريمه أمارة غير معتبرة كالشهرة مثلا ، فإنّ فعله من حيث هو مستحبّ وتركه لداعي احتمال مبغوضيّة المولى أيضا محبوب ، فلم يتوجّه الاستحبابان إلى الفعل المطلق والترك المطلق.

ثم لو فرض حكم العقل بأن دفع مضرّة التحريم المحتملة ، أولى من جلب منفعة الاستحباب المقطوع به حكم الشارع بطلب محتمل التحريم واستحباب تركه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار بما عدا صورة احتمال التحريم » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) رسالة في التسامح في أدلة السنن : ١٥٦.

١٤٧

وهو كما ترى ، لا يخلو عن إجمال ، بل مناقشة ؛ من حيث إن الحيثيّة التقييدية على تقدير تعلّق الأمر بكل من الفعل والترك لا يجدي شيئا ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بعدم تعلق الأمر بعنوان الاحتياط في الفرض ، أو الالتزام بعدم تعلّق الطلب بالفعل من جهة الأخبار ، وهذا معنى تقييدها حقيقة.

ثم إنه يعلم ممّا ذكرنا كلّه : حكم ما لو احتمل الكراهة فيما ورد الخبر الضعيف على وجوبه ، أو استحبابه من حيث حكم العقل والأخبار ، فلا حاجة إلى التكلم فيه.

السّادس : أنه لا فرق ظاهرا عندهم على ما صرّح به غير واحد منهم بين وجود الخبر في كتب الخاصة ومرويّا من طرقهم ، أو في كتب العامة ومرويّا من طرقهم ؛ لإطلاق الأخبار المتقدّمة. وعن بعض من أنكر التسامح (١) : « أنه يلزم القائلين به العمل بما رواه المخالفون مع ورود المنع من الرجوع إليهم ، بل تشديد الإنكار في ذلك » (٢).

وهذا كما ترى ، مبنيّ على ما استظهره غير واحد ، منهم : شيخنا قدس‌سره : من أن

__________________

(١) الظاهر انه بعض مشائخ صاحب الحدائق قدس‌سره انظر الحدائق الناضرة : ج ٤ / ٢٠٣ في الأغسال المسنونة.

(٢) كما في اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) : ج ١ / ٧ ـ ح ٤ ، عنه الوسائل : ج ٢٧ / ١٥٠ الباب « من أبواب صفات القاضي باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة ... » ـ ح ٤٢ وكذا انظر ما رواه في العيون : ج ١ / ٣٠٤ باب (٢٨) ـ ح ٦٣.

١٤٨

مرجع التسامح إلى حجيّة خبر الضعيف في باب السنن والكراهة ، وإلاّ فالحكم بالاستحباب والكراهة على ما عرفت منّا مستندا إلى الأخبار المذكورة ، ليس من الرجوع إليهم أصلا. وهذا ما ذكروه من التعارض بين الأخبار المذكورة وآية النبأ.

وأجاب عنه شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » : بأن الممنوع الرجوع إليهم في أخذ الفتوى ، وأمّا مجرّد الرجوع إلى كتبهم لأخذ الروايات والآداب في الأخلاق والسنن فنمنع قيام الدليل إلى منعه وتحريمه (١).

وهو كما ترى ؛ فإنه لا يساعده جميع ما دل على المنع من الرجوع إليهم كما لا يخفى لمن راجع إليها.

السّابع : أنه لا إشكال في جريان التسامح على القول به في الأحكام الشرعيّة ؛ لأنه المتيقّن ممّا دلّ عليه ، وأما لو ورد خبر ضعيف في تشخيص الموضوع والمصداق ، أو أخبر عدل واحد عن موضوع المستحبّ ، وتشخيص مصداقه على القول بعدم حجيّة خبره في الموضوعات كالوارد في رأس سيّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عند أمير المؤمنين عليهما‌السلام (٢) ، ومثله الأخبار الواردة

__________________

(١) الرسالة المزبورة : ١٥٧.

(٢) كامل الزيارات : ٨٣ ، الباب ٩ « الدلالة على قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام » ـ ح ٥ ، وتهذيب الأحكام : ج ٦ / ٣٤. باب « فضل الكوفة والمواضع التي ... » ـ ح ١٥ ، وسائل الشيعة : ج ١٤ / ٣٩٨ باب « استحباب زيارة رأس الحسين عليه‌السلام » ـ ح ١.

١٤٩

من الطرق الضعيفة في تشخيص مدفن الأنبياء والأولياء وأولادهم ، ومثل الواردة في تشخيص المقامات في مسجد الكوفة وغيره من المساجد الإلهيّة ، وهكذا.

فهل يلحق بالخبر الوارد في الأحكام أم لا؟ وجهان ؛ من اختصاص الأخبار والفتاوى بظواهرها بما ورد في الأحكام ، ومن اقتصار تمسّكهم بقاعدة الاحتياط للإلحاق في العموم. مضافا إلى تنقيح مناط الأخبار ، بل قد يدّعى برجوع الخبر عن الموضوع بالخبر عن الحكم حقيقة.

قال شيخنا في « الرسالة » ـ بعد نفي الإشكال في الإلحاق من حيث الاستحباب العقلي من باب الاحتياط ـ :

« إن الأخبار وإن كانت ظاهرة في الشبهة الحكميّة ، أعني : ما إذا كانت الرواية مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه ، إلاّ أن الظاهر جريان الحكم في محلّ الكلام بتنقيح المناط ؛ إذ من المعلوم عدم الفرق بين أن يعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان كبعض أماكن مسجد الكوفة ، وبين أن يعتمد عليه في أن هذا المكان هو المكان الفلاني الذي علم أنه يستحبّ فيه العمل الفلاني. مضافا إلى إمكان أن يقال : إن الإخبار بالموضوع مستلزم للإخبار بالحكم ، بل قد يكون الغرض منه هو الإخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاص.

والحاصل : أن التسامح أقوى. نعم ، لو ترتب على الخبر المذكور حكم آخر غير الاستحباب ، فلا يترتب عليه ، لما عرفت. فلو ثبت كيفيّة خاصّة للزيارة من

١٥٠

القرب بحيث لا يجوز من البعد فلا يجوز ؛ لأن الثابت من الرواية استحباب حضور هذا المكان لا كون الشخص مدفونا فيه ، وكذا يستحبّ الصّلاة في المكان الذي يقال له المسجد ، ولا يجب إزالة النجاسة عنه ، ولا يجوز الاعتكاف فيه إلى غير ذلك ممّا هو واضح » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

الثامن : لا إشكال في اختصاص الأخبار وكلمات المشهور بالتسامح من حيث سند الأخبار ، وأمّا التسامح من حيث الدلالة ؛ بأن يكون هناك خبر صحيح السند مجمل يحتمل إرادة الاستحباب منه ، فلا يستفاد منها قطعا ، وإن حكي عن بعض المتأخرين (٢) القول به فلعلّه تخيّل كون المستند في التسامح قاعدة الاحتياط على ما يستفاد من كلام غير واحد حسبما عرفت ، وعليه : وإن لم يكن إشكال في جريان التسامح بحسب الدلالة الضعيفة أيضا ، إلاّ أنّك قد أسمعناك فيما تقدم : أن الدائرة ـ على تقدير الاستناد فيها إلى القاعدة ـ أوسع مما ذكره بمراتب.

التاسع : ذكر غير واحد أنه كما يتسامح في السنن يتسامح في القصص والمواعظ والفضائل ، بل استظهر ممّا عرفت عن الشهيد قدس‌سره في « الذكرى » : أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم ، كونه مسلّما عند القائلين بالتسامح.

وعن ثاني الشهيدين قدس‌سرهما في « الدّراية » التصريح به حيث قال : « جوّز الأكثر

__________________

(١) رسالة في قاعدة التسامح في أدلة السنن : ١٧٢.

(٢) ذكر الشيخ الأعظم في رسالته المزبورة بانه من المعاصرين : ١٧٠.

١٥١

العمل بالخبر الضعيف في القصص ، والمواعظ ، وفضائل الأعمال ، لا في صفات الله تعالى وأحكام الحلال والحرام. وهو حسن حيث لم يبلغ الضعيف حدّ الوضع والاختلاق » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

فلعلّ المراد من التسامح في الخبر الضعيف الوارد في هذه الأمور ما ذكر شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » : من نقلها واستماعها وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها ، عدا ما يتعلّق بالواجب والحرام.

قال قدس‌سره بعد هذا : « والحاصل أن العمل بكل شيء على حسب ذلك الشيء ، وهذا أمر وجداني لا ينكر ، ويدخل فيها فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ومصائبهم ، ويدخل في العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكاية على حدّ الإخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتمدة ؛ بأن يقال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول كذا ، ويفعل كذا ، ويبكي كذا ، ونزل على مولانا سيّد الشهداء كذا وكذا ، ولا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة ، وإن جازت حكايتها ، فإن حكاية الخبر الكاذب ليس كذبا ، مع أنه لا يبعد عدم الجواز إلاّ مع بيان كونها كاذبة.

ثمّ إن الدليل على جواز ما ذكرنا من طريق العقل حسن العمل بهذه مع أمن المضرّة فيها على تقدير الكذب. وأمّا من طريق النقل فرواية ابن طاوس والنبوي ،

__________________

(١) الدّراية : ٢٣.

١٥٢

مضافا إلى إجماع الذكرى المعتضد بحكاية ذلك من الأكثر » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس‌سره.

أقول : الذي يقتضيه التحقيق في الاستدلال على التعميم ، أن يقال : إنه لا شبهة ولا ريب في ثبوت رجحان نقل فضائل النبيّ والأئمة عليهم‌السلام والصّدّيقة الطاهرة ( سلام الله عليها ) وذكر حالاتهم ومصائبهم بالدليل العلمي ، ووعد الثواب والأجر عليه ، وكذا كتبه واستماعه. فالخبر الضعيف الوارد فيها يتضمّن الإخبار على الثواب بنقل مضمونه ، كالخبر الضعيف الوارد في استحباب فعل ؛ فإنه يتضمّن الإخبار عن الثواب عليه.

وليس هذا أسوأ من الخبر الوارد في تشخيص الموضوعات من الطرق الضعيفة على ما عرفت الكلام فيه. فالخبر الضعيف الوارد في فضيلة من فضائلهم إخبار عن ترتّب الثواب على نقله واستماعه ، فهو من هذه الجهة نظير الخبر الصحيح الوارد في فضيلة من فضائلهم ؛ فإنه يجوز نسبة مضمونه إلى الواقع استنادا إلى الخبر الصحيح ؛ بأن يجعل جهة النّسبة كالإخبار عن الموضوعات العادية فيما كان طريقه معتبرا عند العقلاء وأدلّة حجيّة الطرق الشرعيّة ، وإن لم يقتضي بنفسها وجوب إظهار مضامينها ونقلها ، إلاّ أنّها ربّما يقتضيه بضميمة ما دلّ على وجوب نقل الأخبار وإظهار الحق للناس ونحو ذلك.

__________________

(١) رسالة في التسامح في أدلة السنن : ١٥٧.

١٥٣

وهذا البيان كما ترى ، أوفى ممّا أفاده قدس‌سره وإن أمكن إرجاعه إليه بنحو من التكلّف هذا.

وربّما يؤيّد الإلحاق ، بل يستدلّ عليه ـ كما في « محرق القلوب » (١) للفاضل النراقي ـ بما دل على رجحان الإبكاء وذكر الفضائل والمناقب والإعانة على البرّ والتقوى.

وأنت خبير بأن التأييد بأمثال هذه في المقام لا وجه له فضلا عن الاستدلال به ؛ فإنه يتوجّه عليه ـ مضافا إلى أنه لا إطلاق لها بالنسبة إلى السبب كما هو واضح ـ : أنها قد قيّدت بالإجماع ـ على تقدير الإطلاق ـ بالسبب المباح كما هو الشأن في جميع ما يثبت الرجحان للأفعال بالعنوانات الثانوية كإجابة المؤمن ونحوها ؛ فإنّها لا يقاوم المحرّمات الشرعيّة وليست في مرتبتها كما فصّل في محلّه ، وإلا لجاز التوصّل بها ـ ولو من جهة المعارضة بالعموم من وجه والرجوع إلى الأصل ـ إلى الحكم بإباحة المحرّمات الشرعيّة كالغناء في المراثي ، وقراءة القرآن ، والأدعية ، والعمل بالملاهي ؛ من جهة إجابة المؤمن.

وهو كما ترى ، وإن أوهم جواز الالتزام به كلام بعض المتأخّرين (٢) فذهب إلى جواز التغنّي في المراثي وقراءة القرآن لما عرفت من التعارض الموجب

__________________

(١) لم نعثر على الكتاب المزبور.

(٢) كالفيض الكاشاني والمحقق السبزواري.

١٥٤

للرجوع إلى الأصل ، لكنّه بمكان من الضّعف والسقوط.

نعم ، هذه العمومات المثبتة للرجحان والأجر والمثوبة لتلك العنوان ، ينفع في المقام بملاحظة الأخبار الواردة في باب التسامح على ما أسمعناك.

العاشر : لا إشكال في جريان الأخبار فيما لو احتمل الاستحباب في الواقعة في نفس الأمر ، وأما لو علم بانتفاء الاستحباب في نفس الأمر ؛ كما لو دار حكم الواقعة بين الوجوب والإباحة مثلا ، فهل يحكم بجريانها ؛ نظرا إلى ما عرفت : من صدق بلوغ الثواب بالإخبار عن الوجوب ، أو عدم جريانها ؛ نظرا إلى العلم بانتفاء الاستحباب واقعا ، فكيف يحكم بثبوته ظاهرا؟ وجهان : أوجههما : الأول.

نظرا إلى ما عرفت مرارا : من أن مخالفة الحكم الظاهري للواقع إذا لم يوجب المخالفة القطعيّة العمليّة ، لا ضير فيها أصلا ؛ حيث إنه ليس في المقام مخالفة عمليّة بالفرض ولو كان المأمور به على تقدير ثبوته من العبادات ؛ لإمكان قصد التقرّب بالأمر الواقعي المحتمل ، أو الظاهري المقطوع من حيث كونه مقرّبا على ما قضت به الأخبار المتقدّمة ، ولا الالتزاميّة أيضا ؛ لأن المفروض الالتزام بكون الحكم النفس الأمري هو ما ثبت للواقعة في نفس الأمر ، وإنّما يلتزم بالاستحباب في مرحلة الظاهر.

الحادي عشر : إذا ورد خبر ضعيف في استحباب فعل ، وورد خبر آخر على عدم استحبابه لا على حرمته ، فإن كان الآخر ضعيفا أيضا ، فلا إشكال في الحكم بالاستحباب ، سواء كان تقابلهما من التباين ، أو الإطلاق والتقييد ، والعموم

١٥٥

والخصوص. وإن كان الآخر معتبرا ، فلا ينبغي الإشكال في التسامح على تقدير الاستناد فيه إلى قاعدة الاحتياط ؛ ضرورة عدم التنافي بين عدم الاستحباب ونفيه في مرحلة الظاهر ، وحسن الاحتياط بملاحظة احتمال الواقع. ومن هنا يحكم في جميع موارد قيام الطرق الظاهريّة بتحقق الواقع من جهة احتمال خطأ الطريق.

ودعوى : اقتضاء دليل الخبر القائم على عدم الاستحباب ، عدم مشروعيّة الاحتياط ـ من حيث كون مفاده تنزيل الخبر منزلة القطع بالواقع ، فكما لا يحتاط في صورة القطع بعدم الاستحباب كذلك لا يجوز الاحتياط فيما دل الخبر على عدمه ـ فاسدة جدّا ، لما عرفت مرارا : من الاستفادة المذكورة من أدلّة اعتبار الطرق والأمارات الشرعيّة ، وأنّ مفادها تنزيل ما قامت عليه الأمارة منزلة الواقع في محمولاته الشرعيّة ، لا القطع به. وحسن الاحتياط إنّما هو من آثار الاحتمال لا المحتمل ؛ حتّى يقال بنفيه بالنظر إلى دليل الخبر على المعنى المختار في مفاده أيضا.

وأمّا على تقدير الاستناد فيه إلى الأخبار ، والقول بدلالتها على ثبوت الاستحباب الشرعي لما دلّ الخبر الضعيف على استحبابه ، لا مجرّد حسن الاحتياط في مورده فلا محالة يقع التعارض بينه وبين الأخبار المذكورة ، سواء كان التقابل بين الخبرين في المسألة الفرعيّة على وجه التباين ، أو الإطلاق والتقييد ؛ من غير فرق بين القول برجوع الأخبار المذكورة إلى إثبات حجيّة الخبر الضعيف في السّنن ، وبين القول بإثباتها استحباب ما كان فيه بلوغ الثواب ؛ من غير

١٥٦

نظر لها إلى إثبات حجيّة الخبر على ما عرفت الكلام فيه.

ضرورة ثبوت التنافي بين استحباب الفعل بالعنوان المذكور ظاهرا ، وعدم استحبابه في مرحلة الظاهر بمقتضى الخبر القائم عليه. فيخرج بمقتضى دليل اعتباره عن الأخبار ؛ نظرا إلى رجوع التعارض بينهما إلى العموم والخصوص.

نعم ، على القول برجوع الأخبار في المسألة إلى إثبات حجيّة الخبر الضعيف في السنن ، لا بدّ من ملاحظة النسبة بين الخبرين ؛ نظرا إلى رجوعهما إلى الإثبات والنفي ، فيرجع في صورة التباين إلى ما يقتضيه قاعدة العلاج بين المتعارضين المتباينين.

لكن يمكن على هذا القول أيضا الرجوع إلى الخبر النافي مطلقا ، بدعوى انصراف أخبار المقام إلى غير الفرض ، كما أنه يمكن أن يقال ـ بعد منع الانصراف ـ بثبوت الاستحباب بصدق بلوغ الثواب بعد وقوع التعارض بينهما ؛ فإنه لا يمنع من تحقّق الأمر الوجداني فيشمله أخبار المقام بحسب المناط ، وإن امتنع الشمول بحسب الدلالة اللفظيّة.

لكنّه كما ترى ، وإن اختاره شيخنا قدس‌سره في « الرسالة » حيث قال ـ بعد إظهار العجب ممّن أنكر التسامح في الفرض مع تمسّكه فيه بقاعدة الاحتياط ـ : ما هذا لفظه :

« والتحقيق : أنه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط ، بل هو

١٥٧

إجماعيّ ظاهرا. وأما من باب الأخبار ؛ فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا ، إلاّ أن يدّعى انصرافها إلى غير ذلك ، ولا شاهد عليه ؛ فيقع التعارض بين هذه الأخبار وأدلّة حجيّة ذلك الدليل المعتبر ، لا نفسه ؛ لاختلاف الموضوع. ومقتضى القاعدة وإن كان هو التساقط ، إلاّ أن الأمر لمّا دار بين الاستحباب وغيره وصدق بلوغ الثواب ـ ولو من جهة أخبار بلوغ الثواب ـ حكم بالاستحباب تسامحا. فإن قلت : أخبار بلوغ الثواب لا يعمّ نفسها. قلنا : نعم ، هو غير معقول ، إلاّ أن المناط منقّح ؛ فلا يقدح عدم العموم اللفظي ؛ لعدم تعقّله ، فافهم. فالقول بالتسامح قويّ جدّا » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

الثاني عشر : أنه يظهر الثمرة بين الاستناد في رجحان الفعل في موارد ورود الخبر الغير المعتبر على الاستحباب إلى قاعدة حسن الاحتياط ، وإلى الأخبار مع القول بأن مفادها الاستحباب الشرعي ، فيما يترتّب شرعا من الآثار على المستحبّ ؛ فإنه على الأول : لا يحكم بترتّبه وإن قيل بترتّب الثواب ؛ لأنه بمجرّده لا يلازم الطلب الشرعي على ما هو المفروض. وعلى الثّاني : يحكم بترتّبه.

وعلى هذا فيما ورد الخبر الضعيف على استحبابه من الوضوءات لا يحكم بكونه رافعا للحدث على الأول ، ويحكم به على الثاني لو ثبت في الشرع كون الرفع من أحكام ما أمر به شرعا من الوضوء ، كما هو الظاهر من غير واحد منهم ،

__________________

(١) رسالة في التسامح في أدلة السنن : ١٦٥.

١٥٨

بل المشهور على ما قيل ، وإلاّ فلا ثمرة بين القولين بالنسبة إليه.

وهو الوجه في أمر شيخنا قدس‌سره بالتأمّل في « الكتاب » (١)(٢) عقيب الثمرة المذكورة ؛ فإنه مبنيّ على التأمّل في الكليّة المذكورة في كلماتهم : من أنّ كلّ وضوء أمر به شرعا يكون رافعا للحدث ، إلاّ ما خرج ، وإن كان مستظهرا من بعض

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٥٨.

(٢) * قال السيّد المجدد الشيرازي قدس‌سره :

« الأمر بالتأمل لعلّه إشارة إلى أن الوضوء قد ثبت استحبابه في نفسه فحينئذ إن ورد أمر آخر به فهو إنما يكون غيريّا يفيد شرطيّته لغاية واجبة أو مندوبة ، ومن المعلوم انّه لم تتعلّق تلك الأوامر الغيريّة إلا به بعنوانه الرّجح الذي هو جهة استحبابه النفسي فلا بد في إتيانه لغاية مشروطه من قصد جهة استحبابه النفسي لا محالة ، فيكون إتيانه بتلك الجهة موجبا لانعقاده عبادة وصحيحة فيترتب عليه الطهارة البتة سواء تلك الغاية ممّا ثبت اشتراطه به بدليل معتبر أو غير معتبر ؛ فإنه اذا كان ذلك بدليل غير معتبر فأراد إتيانه إحتياطا فلا بد أن يأتي به بتلك الجهة وهذا موجب لانعقاده عبادة وصحيحا موجبا لرفع الحدث فلا تظهر الثمرة بين القولين فيه » إنتهى. انظر تقريرات المجدد الشيرازي : ج ٤ / ١٢٩.

* وقال سيّد العروة قدس‌سره الشريف :

« لعل وجه التأمل انه على تقدير ثبوت الإستحباب الشرعي أيضا لا يترتب عليه رفع الحدث لأنّ رفع الحدث إنّما يترتّب على عنوان الوضوء ولا يثبت هذا العنوان بأخبار التسامح بل غاية ما يستفاد منها : انّ نفس العمل برجاء إدراك الثواب مستحب ، أمّا انّه وضوء فلا.

نعم ، لو قيل بدلالتها على حجّيّة الخبر الضعيف ثبت عنوان الوضوء أيضا ؛ لأنه مدلول ذلك الخبر » إنتهى. انظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٠٢.

١٥٩

الأخبار المعتبرة ، وتحقيق المسألة يطلب من الفقه.

وبالجملة : هذا البحث متعلّق بالصغرى ، وإلاّ فلا إشكال في الكليّة التي ذكرنا من ترتب الرّفع على الوضوء المأمور به بالأخبار المذكورة ـ على تقدير تسليم دلالتها على الاستحباب الشرعي ـ على القول بكون الأصل في الوضوء المأمور به أن يكون رافعا للحدث.

وإن هو إلاّ نظير منع جواز المسح ببلل المسترسل من اللحية فيما يجوز أخذ البلل من مواضع الوضوء للمسح ، على القول باستحباب غسله بالنظر إلى الأخبار المذكورة ؛ من جهة دلالة بعض الأخبار الغير المعتبرة عليه ؛ نظرا إلى أن استحباب غسله لا يوجب دخوله في الوجه حتى يجوز أخذ البلل منه.

وممّا ذكرنا يظهر : أن ما ذكره في محكيّ « الذخيرة » ـ بعد الحكم بالتسامح في السنن من جهة الأخبار المذكورة من جهة أن هذا الوجه إنّما يفيد مجرّد ترتّب الثواب على ذلك الفعل ، ولا يستفاد منه الأمر الشرعي ؛ حتى يترتّب عليه الأحكام الوضعيّة المترتّبة على الأحكام الواقعيّة (١) ـ في كمال الجودة والاستقامة بناء على حمل الأخبار على بيان قاعدة الاحتياط والإطاعة الحكمية ، وإن كان الثابت بها خصوص الثواب البالغ لا أصل الثواب ، حيث إن المعنى المذكور أيضا لا يلازم

__________________

(١) ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد : ٤ ـ الوضوءات المستحبّة. للمحقق الفقيه الشيخ محمّد باقر السبزواري.

١٦٠