موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٣٩] مسألة ٢٦ : لا بأس بترامي العدول (١) كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها ، فإنّه يعدل منها إليها وهكذا.

______________________________________________________

ابتدأ في أوّل صلاته كما في الثانية وإن لم نستدل بهما لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ.

وكيف كان ، فالمستفاد منها أنّ العدول إلى صلاة أُخرى غفلة كما في المقام غير قادح في الصحة ، وإنّما العبرة بالنيّة الاولى ، بل عن صاحب الجواهر (١) قدس‌سره احتمال شمولها لصورة العمد أيضاً ، أخذاً بالإطلاق وإن كان ساقطاً قطعاً ، لامتناع قصد أمر يعلم بعدمه إلاّ على وجه التشريع المحرّم كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلا قصور في تلك الأخبار لشمولها للمقام فيحكم بالصحة على النيّة الأُولى وإن عدل إلى الظهر بزعم عدم إتيانها ، فإنّه يلحق بالعدول السهوي لا العمدي ، استناداً إلى هذه الروايات ، ولا حاجة إلى إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر فلا نروم إثبات الصحة على طبق القاعدة كي يقال بأنّ القاعدة تقتضي البطلان ، بل نستند في الصحة إلى هذه الأخبار التي هي على خلاف القاعدة.

(١) كما لو كان عليه المغرب فدخل فيها فتذكر أنّ عليه العصر فعدل إليها فتذكر أنّ عليه الظهر فعدل إليها ، ومنها إلى الصبح مثلاً وهكذا ، فإنّه بعد البناء على جواز العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة كما هو مقتضى إطلاق صحيحة عبد الرحمن « فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي » (٢) كان الترامي المزبور جائزاً بمقتضى الإطلاق من دون حاجة فيه إلى دليل بالخصوص.

__________________

(١) الجواهر ٩ : ٢٠٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

٨١

[١٤٤٠] مسألة ٢٧ : لا يجوز العدول بعد الفراغ (١) ، إلاّ في الظهرين إذا أتى بنيّة العصر بتخيل أنّه صلى الظهر فبان أنّه لم يصلها ، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة (٢) أنّه يجعلها ظهراً ، وقد مرّ سابقاً.

______________________________________________________

فما عن بعض من عدم ثبوت العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة فضلاً عن الترامي ، لاختصاص النصوص بالعدول من الحاضرة إلى مثلها ، أو منها إلى الفائتة ، وابتناء التعدي على القول بتبعية القضاء للأداء في غير محله لأنّ العمدة من نصوص العدول هما صحيحتا زرارة وعبد الرحمن (١) وقد عرفت عدم قصور في إطلاق الثانية للشمول للفوائت في أنفسها وللترامي فيها. وأمّا دعوى التبعية فساقطة كما مرّ في محلها (٢).

(١) لخروجه عن مورد النصوص ، لاختصاصها بالعدول في الأثناء ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي تقتضيها القاعدة كما عرفت.

(٢) وهي صحيحة زرارة قال عليه‌السلام فيها : « إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة ، أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع » (٣) لكن النص معرض عنه ، وقد أفتى الأصحاب باحتسابها عصراً ولزوم إتيان الظهر بعد ذلك ، وأنّ شرطية الترتيب ساقطة حينئذ لكونه شرطاً ذكريا لا واقعياً كما استفيد ذلك من حديث لا تعاد لدخول الترتيب في المستثنى منه ، وإلاّ فليس على ذكريته دليل بالخصوص.

وكيف كان ، فبناءً على مسلكنا من عدم قدح الإعراض كعدم جبر العمل‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١ ، ٢.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٦٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٨٢

[١٤٤١] مسألة ٢٨ : يكفي في العدول مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة (١).

[١٤٤٢] مسألة ٢٩ : إذا شرع في السفر وكان في السفينة أو العربة مثلاً فشرع في الصلاة بنيّة التمام قبل الوصول إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص ، فان لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر وإن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام والإعادة (*) قصراً وإن كان في السفر ودخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام (٢).

______________________________________________________

كان اللاّزم العمل بالنص المزبور وفاقاً للمتن ، إلاّ أنّ الأحوط حذراً عن مخالفة المشهور أن يعدل بها إلى الظهر ثم يأتي بأربع بقصد ما في الذمة ، فإنّ ما صلاّهُ صحيح قطعاً ، إمّا ظهراً كما يقتضيه النص ، أو عصراً كما عليه المشهور ، فالذمة غير مشغولة إلاّ بصلاة واحدة مرددة بين الظهر والعصر فيقصد بها ما في ذمته.

(١) لم يتضح المراد من العبارة ، فإنّ النيّة بمعنى واحد في كلا الموردين ، وهو القصد الارتكازي المتعلق نحو العمل على حد سائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب ، ولم يتقدم منه قدس‌سره اعتبار شي‌ء آخر زائداً على ذلك في ابتداء النيّة كي لا يحتاج إليه في المقام. ومن المعلوم أنّ نيّة الرياء ونحوه قادحة في كلا الموردين فلم يتضح الفرق بين المقامين ، بل هما على حد سواء وبمعنى واحد فتدبر جيداً.

(٢) فصّل قدس‌سره في من دخل في الصلاة بنيّة التمام لدى شروعه في‌

__________________

(*) وإن كان الأظهر جواز القطع والإعادة قصراً.

٨٣

السفر وقد بلغ إلى حدّ الترخص قبل الفراغ منها ، بين ما إذا كان البلوغ بعد الدخول في ركوع الثالثة ، وما إذا كان قبله ، فذكر أنّ الأحوط الإتمام والإعادة قصراً في الصورة الأُولى ، وأنّه يعدل إلى القصر في الصورة الثانية.

أقول : أمّا ما ذكره من الاحتياط في الصورة الأُولى فهو حسن لكنّه غير لازم ، بل الأقوى بطلانها ، فيرفع اليد عنها ويأتي بالقصر ، إذ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ من بلغ إلى حدّ الترخص وجب عليه القصر أنّ وظيفته الفعلية هي القصر ، وإن أتى ببعض الصلاة قبل ذلك ، لعدم قصور للإطلاق في شموله للمقام بعد تحقق موضوعه كما لا يخفى. وحيث إنّه لا يتمكن من تتميم هذه الصلاة قصراً لفرض تجاوز محل العدول ، ولا تماماً لعدم الأمر به فتبطل لا محالة ، إذ ما هو المأمور به لا يتمكن من إتيانه ، وما يتمكن منه ليس مأموراً به. فلا مناص من رفع اليد عنها واستئنافها قصراً.

وأمّا الصورة الثانية : فالظاهر صحتها وإتمامها قصراً وإن شرع فيها بنيّة التمام ، وذلك لما عرفت سابقاً من أنّ القصر والتمام ليسا حقيقتين مختلفتين وماهيتين متباينتين كي يلزم قصد كل منهما بخصوصه ، بل هما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بحسب الأحكام من وجوب التسليم على الثانية في الأوّل وعلى الرابعة في الثاني ، فلا يلزم إلاّ تعيين عنوان الصلاة من الظهر أو العصر وينظر في تعيين أيّ الفردين لتشخيص الوظيفة الفعلية إلى حال المكلف في مرحلة الامتثال وأنّه حاضر أو مسافر ، وحيث إنّه بعد الانتهاء عن الركعتين مسافر على الفرض وإن كان حاضراً قبله ، فينقلب الموضوع ويجب عليه القصر حينئذ.

وبعبارة اخرى : لا شك أنّ الركعتين الأولتين واجبتان على عامة المكلفين من الحاضرين والمسافرين ، وهذا قدر مشترك بين الطائفتين ، وبعد الانتهاء منهما‌

٨٤

واستكمالهما يقسّم المكلف حينئذ إلى الحاضر ويلحقه من لم يبلغ حدّ الترخّص وإلى المسافر أي البالغ حدّه ، فان كان في هذا الحال مندرجاً تحت العنوان الأوّل خوطب بوجوب التمام ، وإن اندرج في الثاني خوطب بوجوب القصر والتسليم على الركعتين ، وحيث إنّ المفروض في المقام اندراج المكلف في هذه الحالة تحت العنوان الثاني وإن لم يكن كذلك لدى شروعه في الصلاة ، فلا محالة يخاطب بوجوب القصر ، لما عرفت من أنّ العبرة في ملاحظة الخطاب بقسميه إنّما هي بهذه الحالة دون ما قبلها ، لاشتراك الطائفتين في الركعتين الأولتين.

نعم ، إنّما يجب قصد أربع ركعات على الحاضر من حين شروعه في الصلاة لأنّ الظهر الواجب عليه إنّما هو هذا الفرد دون القصر ، لا لخصوصية فيه زائداً على عنوان الظهرية مثلاً ، وإلاّ فهما حقيقة واحدة كما عرفت. وهذا إنّما يتحقق فيما إذا استمر على صفة الحضور إلى انتهاء الأربع ركعات دون ما إذا تبدل الوصف وانقلب إلى المسافر ببلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء كما في المقام.

ومنه تعرف جواز الشروع في الصلاة وإن علم من الأوّل بلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء ، غايته أنّه لا تجوز له نيّة التمام حينئذ لكونه من التشريع المحرّم ، وإنّما يقصد ذات الظهر مقتصراً على هذا العنوان فحسب.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر حكم عكس المسألة ، وأنّه إن كان في السفر ودخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام ، أي يتمّها على أربع ركعات ، لتبدل الموضوع حينئذ واندارجه بعد الركعتين تحت عنوان الحاضر المخاطب بوجوب التمام ، والدخول بنيّة القصر ضم حجر لا تأثير له بعد ما عرفت من أنّ العبرة في القصر والتمام بملاحظة الحالة الفعلية بعد انتهائه عن الركعتين ، من كونه فعلاً حاضراً أو مسافراً.

٨٥

[١٤٤٣] مسألة ٣٠ : إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلاً ، وتخيّل أنّها الظهر مثلاً ، ثم تبيّن أنّ ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة (*) ، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت في بعض المباحث السابقة اختصاص باب الخطأ في التطبيق بما إذا لم يكن المأمور به من العناوين القصدية ، فكان الاشتباه في شي‌ء لا يتقوّم الامتثال بقصده ، كما لو تخيّل أنّ ما بيده هي الركعة الثانية فبان أنّها الأُولى ، أو أنّ من في المحراب زيد فبان عمراً ، أو أنّ من أعطاه الدرهم عادل فبان فاسقاً وهكذا ، فإنّ خصوصية كون الركعة هي الثانية مثلاً ، أو كون من في المحراب زيداً ، أو من يعطيه عادلاً لا يعتبر قصد شي‌ء منها في تحقق الامتثال لخروجها عن حريم المأمور به ، فقصد خلافها غير قادح ، وكان باب الاشتباه في التطبيق واسعاً في أمثال ذلك.

وأمّا إذا كان المأمور به من العناوين القصدية بحيث لا يتحقق الامتثال إلاّ بقصده ولو إجمالاً ، كعنوان الظهرية والعصرية حيث لا ميز بينهما إلاّ بقصد هذا العنوان ، ففي مثله لا سبيل لتطبيق باب الخطأ في التطبيق فيما لو قصد أحد العنوانين بتخيّل أنّه الواجب معتقداً ذلك اعتقاداً جزمياً ثم بان الخلاف ، لأنّ امتثال المأمور به لا يتحقق إلاّ بقصده حسب الفرض ، فما قصده لا واقع له ، وما له الواقع غير مقصود به ، ولا يصححه ضمّ قصد ما في الذمة ، إذ لا أثر لقصد هذا اللفظ قطعاً ، وإنّما المؤثّر قصد واقع ما في الذمة ، وكيف يمكنه قصد ذاك الواقع مع اعتقاده الجزمي بأنّ الواجب عليه حسب تخيله هو الظهر مثلاً وكان الواقع هو العصر ، فهو غير قاصد إلاّ إلى الظهر ليس إلاّ ، ولم يقصد العصر‌

__________________

(*) بل الظاهر عدمها إذا اعتقد جزماً أنّ ما في ذمّته صلاة معيّنة كصلاة الظهر مثلاً وأتى بها بهذا العنوان ثم تبيّن أنّه كان غيرها.

٨٦

[١٤٤٤] مسألة ٣١ : إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلاً فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك ، فبان أنّه لم يصلّ الأولتين ، صحت وحسبت له الأوّلتين ، وكذا في نوافل الظهرين. وكذا إذا تبيّن بطلان الأولتين وليس هذا من باب العدول ، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين ، فتحسب على ما هو الواقع ، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلاً فبان أنّها الأُولى أو العكس أو نحو ذلك ، لا يضر ويحسب على ما هو الواقع (١).

______________________________________________________

بوجه حتى إجمالاً ، فالتلفظ بقصد ما في الذمة حينئذ مجرد لقلقة لسان لا يجدي مثله شيئا.

نعم ، إنّما يجدي ذلك فيما إذا تردد وشكّ فيما اشتغلت به الذمة وما تعلّق به الأمر الفعلي من دون تخيل واعتقاد ، فلم يدر أنّ الواجب هو الظهر أو العصر فصلى بقصد ما في الذمة صحّت ، لتعلق القصد حينئذ بما هو الواقع إجمالاً ، فإنّه كافٍ ، إذ لا يعتبر القصد التفصيلي كما مرّ سابقاً (١).

والحاصل : أنّ قصد ما في الذمة لا يجتمع مع القصد إلى صلاة معيّنة بخصوصها ولا يكون ذلك من باب الخطأ في التطبيق. وهذا نظير ما إذا صام بقصد ما في الذمة معتقداً أنّ الذمة مشغولة بقضاء شهر رمضان فنوى القضاء بخصوصه ، ثم انكشف أنّ الذمة غير مشغولة به ، بل هي مشغولة بالصوم الاستئجاري ، فهل يمكن القول بوقوعه امتثالاً عنه وفراغ ذمته عن الصوم النيابي الواجب عليه بدعوى كون قصد الخلاف من باب الخطأ في التطبيق.

(١) قد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة ، فإنّ قصد كون الركعتين‌

__________________

(١) في ص ١١.

٨٧

فصل

في تكبيرة الإحرام

وتسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً ، وهي أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة (١) بناءً على كون النيّة شرطاً ، وبها يحرم على المصلي المنافيات (٢) وما لم يتمّها يجوز له قطعها.

______________________________________________________

هما الأولتين من ركعات نافلة الليل أم الثالثة والرابعة وهكذا غير معتبر في تحقق امتثال النافلة ، كقصد كون الركعة التي بيده من الفريضة هي الركعة الأُولى أو الثانية ، فقصد الخلاف غير قادح لكونه من باب الاشتباه في التطبيق غير القادح في أمثال المقام ممّا لا يتقوّم المأمور به بقصده ، فيحسب له على ما هو الواقع عند خطئه ، وليس ذلك من باب العدول في شي‌ء كما صرّح به في المتن.

(١) على ما تشهد به النصوص الكثيرة (١) المصرّحة بأنّ أوّلها التكبيرة ، أو افتتاحها أو تحريمها على اختلاف ألسنتها ، وأمّا القيام حالها فليس من أفعال الصلاة ، بل هو شرط للتكبيرة مختص بحال التمكن كسائر الشرائط من الستر والاستقبال ونحوهما ، فصحّت دعوى أنّ التكبيرة هي أوّل الأجزاء ، بعد الفراغ عن أنّ النيّة شرط لا جزء كما مرّ (٢).

(٢) أمّا الحرمة الوضعية ، فلإطلاق أدلّة المنافيات الشامل لمجرد الشروع في التكبيرة وإن لم يفرغ بعد عنها ، فلو تكلم أو تقهقه أو أتى بسائر المنافيات‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١.

(٢) في ص ٥.

٨٨

وتركها عمداً وسهواً مبطل ، كما أنّ زيادتها أيضاً كذلك (*) (١) فلو كبّر بقصد الافتتاح وأتى بها على الوجه الصحيح ثم كبّر بهذا القصد ثانياً بطلت واحتاج إلى ثالثة ، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى خامسة ، وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر.

______________________________________________________

أثناءها بطلت ، لصدق كونه في الصلاة بمجرد الشروع فيها ، ولا يتوقف على استكمالها فتشمله المطلقات.

وأمّا الحرمة التكليفية ، وأنّه هل يجوز قطعها ما لم يتمها أو لا ، فهي من شؤون البحث عن حرمة قطع الفريضة اختياراً الذي عقد الماتن له فصلاً مستقلا بعد فصل المكروهات في الصلاة (١) ، فيبحث عن أنّ الحرمة ثابتة أم لا ، وعلى تقدير الثبوت فهل تعمّ المقام أو لا ، فالأولى تأخير التعرض لذلك إلى حينه.

(١) على المشهور بينهم ، ومن هنا عدّوها من الأركان بعد أن فسّروها بما تبطل الصلاة بنقيصته وزيادته عمداً وسهواً ، لكنّ الركن بلفظه لم يرد في شي‌ء من الروايات ، وإنّما اصطلح عليه الفقهاء وتداول في ألسنتهم ، والتفسير المزبور ممّا لا شاهد عليه بعد أن لم يساعده المفهوم اللغوي ، فإنّه لا يقتضي إلاّ الإخلال من حيث النقيصة دون الزيادة ، ألا ترى أنّ الأُسطوانات وهي أركان البناء ينهدم بفقدها ولا تضرّ زيادتها. وكيف كان فالمتبع في الحكم المذكور هو الدليل فلا بدّ من النظر إلى الأدلة ، ويقع الكلام تارة من حيث النقيصة وأُخرى من حيث الزيادة ، فهنا مقامان.

__________________

(*) مرّ أنّ زيادتها سهواً لا توجب البطلان.

(١) راجع العروة الوثقى ١ : ٥٤٠.

٨٩

أمّا المقام الأوّل : فلا ريب أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان بالإخلال العمدي كما هو الشأن في سائر الأجزاء ، إذ أنّ ذلك هو مقتضى فرض الجزئية والدخل في المركب الارتباطي. كما لا ريب أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية فيها وفي سائر الأجزاء مع قطع النظر عن مثل حديث لا تعاد ونحوه هو البطلان أيضاً بتركها سهواً ، لانتفاء المركب بانتفاء جزئه بعد إطلاق دليل الجزئية الشامل لحالتي الالتفات وعدمه كما صرّح به الشيخ قدس‌سره (١) على أنّ الحكم في المقام ممّا تسالم عليه الأصحاب ، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد ، بل ادعي الإجماع على البطلان بالنقص السهوي فضلاً عن العمدي في غير واحد من الكلمات محصّلاً ومنقولاً.

وقد تضمّنت جملة من النصوص الصحيحة بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة كصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد » (٢) وموثقة عمار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح » (٣).

وصحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع ، قال : يعيد الصلاة » (٤) ، إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب تكبيرة الإحرام.

نعم ، بإزائها روايات أُخرى معتبرة فيها الصحيح والموثق دلت صريحاً على عدم الإعادة التي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتى دخل في الصلاة ، فقال : أليس كان من‌

__________________

(١) فرائد الأُصول ٢ : ٤٨٣.

(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ٦ : ١٢ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١ ، ٧ ، ٥.

٩٠

نيّته أن يكبّر؟ قلت : نعم ، قال : فليمض في صلاته » (١). ونحوها غيرها ممّا تضمّن التفصيل بين كون التذكر قبل الركوع وبعده ، وأنّه يكبّر في الأوّل ويمضي في الثاني كموثق أبي بصير (٢) ، أو بين كونه في الصلاة أو بعدها ، فيكبّر قائماً في الأوّل ويقضيها ولا شي‌ء عليه في الثاني كصحيح زرارة (٣) وغيرها ممّا ذكرت في الباب المزبور.

وقد يقال كما عن المحقق الهمداني قدس‌سره (٤) : بإمكان الجمع بين صحيحة الحلبي والطائفة الاولى بارتكاب التخصيص ، حيث إنّ نسبة الصحيحة إليها نسبة الخاص إلى العام ، لأنّ موردها من كان من نيّته أن يكبّر فنسي ، وتلك الأخبار مطلقة ، فتخصص بالصحيحة وتحمل على من لم يكن من نيّته ذلك ، إلاّ أنّه متعذّر في خصوص المقام ، للزوم حمل تلك المطلقات على الفرد النادر.

لكنه كما ترى لا سبيل إلى التخصيص حتى لو جاز حمل المطلق على الفرد النادر ولم يكن مستهجناً ، إذ النسبة بينهما هي التباين دون العموم والخصوص ضرورة أنّ فرض نسيان التكبيرة مساوق لسبق الالتفات إلى جزئيتها الملازم للبناء على إتيانها حين إرادة الصلاة ، فالناسي ناوٍ للتكبيرة وبانٍ عليها ومن نيّته أن يكبّر مهما صلّى ولا تنفك عنه أبداً ، وإلاّ فهو إمّا جاهل أو عامد كما لا يخفى. فالموضوع في الطائفتين شي‌ء واحد قد حكم عليه بالإعادة تارة وبعدمها اخرى ، فهما متعارضان من أوّل الأمر.

وربما يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب. وفيه : ما لا يخفى ، لما تكرّر منّا غير مرّة من امتناع ذلك في مثل يعيد ولا يعيد كما في المقام إذ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد ، ولا معنى لاستحباب الفساد.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩.

(٢) ، (٣) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١٠ ، ٨.

(٤) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٤١ السطر ٢٧.

٩١

فالأولى في المقام أن يقال : إن كان هناك إجماع على البطلان عند النسيان بحيث أورث القطع بالحكم ، فالطائفة الثانية المتضمنة للصحة ساقطة عن الحجية في حدّ نفسها ، فلا تصلح للمعارضة ، بل يردّ علمها إلى أهله ، وإن لم يورث القطع ، للتشكيك في كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام كما لا يبعد ، فان ثبت حينئذ أنّ فتوى العامّة هي الصحة حملت هذه الطائفة على التقية ، وكان الترجيح مع الطائفة الأُولى لمخالفتها لهم ، وإن لم يثبت لذهاب جمع منهم إلى البطلان أيضاً كما قيل (١) ، فلا مناص من استقرار المعارضة حينئذ ، فيتساقطان ويرجع إلى إطلاق دليل الجزئية من قوله عليه‌السلام : افتتاحها التكبير ، أو تحريمها التكبير (٢) ونحو ذلك ، وتكون النتيجة أيضاً هو البطلان عند النسيان ، ولا سبيل للرجوع إلى حديث لا تعاد لتصحيحها لاختصاصه بمن تلبّس بالصلاة وشرع فيها ، المتوقف على الإتيان بالتكبيرة التي هي افتتاحها ، فناسي التكبيرة غير داخل بعد في الصلاة ، بل هو خارج عنها وإن أتى ببقية الأجزاء فلا يشمله الحديث ، ولعلّ هذا هو السر في عدم عدّ التكبيرة من المستثنيات ، مع لزوم إعادة الصلاة بالإخلال بها ولو سهواً بلا إشكال كما في الخمسة المستثناة.

وأمّا المقام الثاني : أعني الإخلال من حيث الزيادة ، فالمشهور هو البطلان‌

__________________

(١) الذي يظهر من كتاب المغني لابن قدامة ١ : ٥٤١ أنّ العامة على قولين : فمنهم من قال بالفساد مطلقاً وهو قول ربيعة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر. ومنهم من قال بالاجتزاء بتكبيرة الركوع بدلاً عن تكبيرة الافتتاح ، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي ولم يوجد قول لهم بالصحة مطلقاً ، ولو كان فهو شاذ لا يعبأ به ، ومنه يظهر أنّ الروايات الدالة على الصحة هي المخالفة للعامة فينبغي الأخذ بها وطرح سواها.

(٢) الوسائل ٦ : ٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١.

٩٢

ولذا عدّوها من الأركان ، بعد تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، ومن هنا ذكروا أنّه لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح بطلت واحتاج إلى الثالثة ، فإن أبطلها بالرابعة احتاج إلى الخامسة ، وهكذا تبطل بالشفع ، وتصح بالوتر.

لكن البطلان بالثانية يتوقف على القول بعدم الخروج عن الصلاة بمجرد نيّة القطع ، وأمّا على القول به كما عليه المشهور وإن كان خلاف التحقيق كما مرّ (١) فتصح الثانية من دون حاجة إلى الثالثة ، إذ قصد الافتتاح بالثانية ملازم لقصد الخروج عن الأولى ، فالبطلان في مرتبة سابقة على التكبيرة فلا تتصوّر الزيادة حينئذ كما لا يخفى.

وبهذا يشكل على المشهور في الجمع بين الأمرين ، حيث ذهبوا إلى الخروج بمجرّد نيّة القطع ، ومع ذلك حكموا في المقام ببطلان الثانية والافتقار إلى الثالثة.

وكيف كان ، فلا بدّ من فرض الكلام بعد الفراغ عن عدم الخروج بنيّة القطع كي تتصوّر الزيادة. ويقع الكلام تارة في الزيادة العمدية وأُخرى في السهوية.

أمّا الأوّل : فقد استدلّ على البطلان بوجوه نذكر عمدتها :

فمنها : ما عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره من أنّ الثانية زيادة واقعة على جهة التشريع فتحرم وتبطل الصلاة بها ، لكونها من الكلام المبطل مع العمد إليه اتفاقاً (٢).

وفيه : أنّ المبطل هو خصوص كلام الآدمي ، ولم يثبت البطلان بمطلق الكلام المحرّم وإن كان ذكراً. على أنّ التشريع لا يجري فيما لو أعادها ثانياً من باب الرجاء وبقصد الاحتياط كما ستعرف فلا يتمّ على إطلاقه. هذا مع أنّ‌

__________________

(١) في ص ٥٠.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٥٥٣.

٩٣

ذلك لا يختص بالتكبير ، بل يجري في سائر أجزاء الصلاة ممّا كان من قبيل الأقوال كما لا يخفى.

ومنها : ما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره من أنّ الثانية قادحة في صدق الهيئة الاتصالية المعتبرة بين الأجزاء ، حيث إنّها مسبوقة لا محالة بالعزم على الخروج عن الصلاة برفع اليد عن الاولى حتى يتحقق الافتتاح بالثانية ، وهذا العزم وإن لم يكن بمجرّده موجباً للبطلان ، ولذا لم نقل بالخروج بمجرّد نيّة القطع ، إلاّ أنّ الجري على مقتضاه خارجاً باستئناف الصلاة والإتيان بالثانية بقصد الافتتاح يوجب قطع الهيئة الاتصالية العرفية المانع عن صلاحية انضمام الأجزاء اللاحقة بالسابقة (١).

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّه لا مساغ للعرف لتشخيص كيفية اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء ، بل لا بدّ من أخذها من مخترعها وهو الشرع. نعم لا ريب في انقطاع الهيئة الاتصالية مع الفصل الطويل الماحي للصورة ، كما لو كبّر وبعد نصف ساعة مثلاً قرأ وبعد هذا المقدار من الفصل ركع وهكذا ، وأمّا مجرد إعادة التكبيرة واستئنافها فلا شك أنّ العرف لا يساعد على قدحها في صدق الهيئة الاتصالية إلاّ بعد ثبوت الإخلال بها من قبل الشارع وتقيد الصلاة بعدمها ، وهو بعد أوّل الكلام. فهذان الوجهان ضعيفان.

وأضعف منهما بقية الوجوه المذكورة في المقام التي منها دعوى الإجماع على ركنيتها ، بعد تفسير الركن بما تبطل الصلاة بزيادته كنقيصته عمداً وسهواً ، إذ فيه : ما عرفت من عدم الشاهد على هذا التفسير نصّاً ، لخلوّها طرّاً عن هذا التعبير ، ولا فتوًى لما يظهر من بعض الكلمات من تخصيص الإخلال بناحية النقص ، كما لا يساعد عليه المفهوم لغة ولا عرفاً كما لا يخفى.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٥٠ السطر ٥.

٩٤

فالأولى الاستدلال لذلك : بأنّ التكبيرة الثانية لا أمر بها بعد فرض صحة الأُولى ، إذ لا معنى للافتتاح عقيب الافتتاح ، وحيث إنّها تقع بقصد الجزئية ، إذ لا تكاد تتصف بكونها تكبيرة الافتتاح إلاّ إذا كانت مقرونة بهذا القصد ، فهي لا محالة تقع على صفة الزيادة ، إذ لا نعني بها إلاّ الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية ولم يكن مأموراً به ، فتشمله أدلة الزيادة المبطلة كقوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١).

لكن هذا يختص بما إذا أعادها بقصد الجزئية ، وأمّا إذا أعادها بقصد الرجاء ومن باب الاحتياط كما لو شك في صحة الأُولى بشك لا يعتنى به شرعاً ، كما لو كان بعد الفراغ عن الأُولى المحكومة بالصحة حينئذ ظاهراً ، فأعادها رجاءً دركاً للواقع فقصد بها الافتتاح على تقدير فساد الاولى ، وإلاّ فتقع ذكراً فإنّه لا موجب للبطلان حينئذ ، لعدم كونها من الزيادة المبطلة بعد عدم قصد الجزئية بها. هذا كله في الزيادة العمدية.

وأمّا السهوية : فالمشهور أيضاً هو البطلان ، إلاّ أنّ وجهه غير ظاهر ، لعدم الدليل عليه ، فانّ الوجوه المتقدمة لا تقتضيه في هذه الصورة كما لا يخفى ، والتمسّك بالإجماع على ركنيتها بضميمة الإجماع على تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، قد عرفت ما فيه ، إذ بعد تسليم الإجماع الأوّل لا دليل على الثاني ، بل ثبت عدمه بعد اختلاف الكلمات حيث ظهر من بعضهم الاقتصار في تفسيره بالإخلال من ناحية النقص فحسب ، ومفهوم الركن لغة وعرفاً لا يساعد على أكثر من ذلك ، فإنّه ما يتقوّم به الشي‌ء ، والزيادة غير قادحة في التقوّم لو لم تكن مؤيّدة ، ولم يرد اللفظ في شي‌ء من الروايات وإنما وقع التعبير به في كلمات الأصحاب خاصة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

٩٥

ولو كان في أثناء صلاة فنسي وكبّر لصلاة أُخرى فالأحوط (*) إتمام الأُولى وإعادتها (١).

______________________________________________________

وعليه فالأقوى عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً ، عملاً بإطلاق حديث لا تعاد الحاكم على أدلة الزيادة المبطلة مثل قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) والموجب لتخصيصها بالزيادة العمدية ، إذ لا قصور في شمول الحديث للمقام.

ودعوى اختصاصه بما إذا كان الإخلال من ناحية النقص لا شاهد عليها فانّ بعض ما ذكر في المستثنى وإن لم تتصور فيه الزيادة كالوقت والطهور والقبلة ، لكنّها تتصور في البعض الآخر كالركوع والسجود ، فالمستفاد من إطلاق الحديث أنّ الإخلال العارض للصلاة سواء أكان من ناحية النقيصة أم الزيادة ، إن كان من ناحية الخمسة المستثناة فتعاد وإلاّ فلا ، ومن الواضح دخول التكبيرة في عموم المستثنى منه فيشملها الحديث إن كان الإخلال من حيث الزيادة.

نعم ، إذا كان من حيث النقيصة فقد عرفت عدم شموله لها حينئذ ، لاعتبار التلبس بالصلاة المتوقف على الدخول والشروع فيها ، وناسي التكبيرة غير شارع بعد في الصلاة.

(١) تقدّم حكم ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده ، وعرفت أنّ الأقوى اختصاص البطلان بصورة العمد دون النسيان.

وأمّا إذا نسي فكبّر ثانياً لصلاة أُخرى ، فقد احتاط في المتن بإتمام الاولى ثم‌

__________________

(*) والأظهر كفاية الإتمام بلا حاجة إلى الإعادة.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

٩٦

إعادتها ، وكأنّ الوجه في توقفه التردد في صدق الزيادة حينئذ على التكبيرة الثانية حتى يشملها ما دلّ على البطلان بالزيادة ، فإنّ المتيقن في الصدق ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده لا لغيرها.

هذا ، ولا ينبغي الريب في عدم الصدق ، لتقوّم الزيادة بقصد الجزئية للصلاة المتلبس بها المنفي في الفرض ، وإلاّ فمجرّد الإتيان بشي‌ء عارياً عن القصد المزبور لا يدرجه في عنوان الزيادة المبطلة ، ولذا لو جلس لحاجة كقتل العقرب مثلاً أو قام لغرض كالنظر إلى الأُفق ، أو أعاد سورة الفاتحة هدية لميت لا يوجب شي‌ء منها البطلان. فانّ الجلوس والقيام والفاتحة وإن كانت من أجزاء الصلاة ، لكنّه حيث لم يقصد كونها منها ، ولم يؤت بها بعنوان الجزئية فلا تكون زيادة في الصلاة.

نعم ، ثبت في خصوص السجدة أنّ مجرد الزيادة الصورية قادحة وإن لم يقصد بها الجزئية ، وذلك للأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة (١) ، مع أنّ المأتي بها سجدة التلاوة لا سجدة الصلاة ، ويتعدى عنها إلى الركوع بطريق أولى كما لا يخفى. فيعلم من ذلك أنّ الشارع عيّن لكل ركعة كمية خاصة من السجود والركوع لا يتجاوز عنها ولا يزاد عليها ولو صورة. وأمّا بقية الأجزاء ومنها التكبيرة فحيث لم يرد فيها مثل هذا الدليل فلا يكون القادح فيها إلاّ الزيادة الحقيقية المتقوّمة بقصد الجزئية دون الصورية.

وعليه فأدلة الزيادة المبطلة غير شاملة للمقام ، فلا مانع من الحكم بالصحة استناداً إلى حديث لا تعاد ، بعد ما عرفت من شمول الحديث لمطلق الإخلال سواء أكان من ناحية النقيصة أو الزيادة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

٩٧

وصورتها الله أكبر من غير تغيير ولا تبديل ، ولا يجزئ مرادفها ولا ترجمتها بالعجمية أو غيرها (١).

______________________________________________________

ومع الغض عنه فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية هذه التكبيرة ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بل يمكن الحكم بها حتى فيما إذا كبّر لصلاة أُخرى عامداً عالماً فضلاً عن النسيان ، إذ لا موجب للبطلان بعد عدم صدق الزيادة ، وقد تقدّم أنّ نيّة القطع بمجردها غير قادحة (١) ، فالتكبيرة لصلاة أُخرى بمجردها بل ومع مقدار من الأجزاء غير الركوع والسجود لا تضرّ بصحة الصلاة الاولى لو رجع إليها ما لم يستلزم الفصل الطويل الماحي للصورة كما لا يخفى.

(١) يقع الكلام في جهات ثلاث :

الاولى : في وجوب المحافظة على هذه الصورة بما لها من المادة والهيئة من غير تبديل ولا تغيير في شي‌ء منهما ، فلا يجزئ مرادفها كقوله : الرّحمن أعظم ونحوه ، أو ترجمتها بلغة اخرى ، كما لا يجزئ الإخلال بالهيئة مثل تعريف أكبر أو تقديمه على لفظ الجلالة ، أو الفصل بينهما بمثل كلمة سبحانه أو جلّ جلاله أو عزّ وجلّ أو تعالى ، ونحو ذلك.

الثانية : في عدم وصلها بما سبقها من دعاء ونحوه.

الثالثة : في عدم وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة ونحوهما.

أمّا الجهة الاولى : فلا خلاف بين الفقهاء ، بل قيل بين المسلمين قاطبة من الخاصة والعامة في وجوب الإتيان بتلك الصورة من غير تغيير ولا تبديل ، وأنّه‌

__________________

(١) في ص ٥٠.

٩٨

قلّت مسألة في الفقه تتفق عليها آراء عموم المسلمين كهذه (١). وهذا الإجماع بنفسه دليل مستقل صالح للاعتماد عليه ، فان اكتفينا به ، وإلاّ فلا بدّ من إقامة الدليل على الحكم.

وقد استدل له تارة : بمرسلة الصدوق قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم » (٢) بضميمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « صلوا كما رأيتموني أُصلّي » (٣).

وأُخرى : بما في خبر المجالس بإسناده في حديث « وأمّا قوله الله أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلاّ بها » (٤) فانّ مرجع الضمير في قوله « إلاّ بها » هي التكبيرة المتقدم ذكرها على صورة الله أكبر ، لا مطلق التكبيرة كما هو ظاهر.

وربّما يورد على الوجه الأوّل : بأنّ المراد بالموصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كما رأيتموني أُصلّي » لا يمكن أن تكون الصلاة المشتملة على جميع الخصوصيات ، لاختلافها وعدم انضباطها ، فلا بدّ وأن يراد البعض المعيّن من تلك الخصوصيات ، وحيث لا قرينة عليه لعدم كونه متحصلاً لدينا فيكون مجملاً فلا يصلح للاستدلال.

__________________

(١) ولكن الذي يظهر من ابن رشد في بداية المجتهد وجود الخلاف فيه قال في ج ١ ص ١٢٣ ما لفظه : قال مالك : لا يجزئ من لفظ التكبير إلاّ الله أكبر. وقال الشافعي : الله أكبر والله الأكبر اللفظان كلاهما يجزى به. وقال أبو حنيفة : يجزئ عن لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل : الله الأعظم والله الأجل.

(٢) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١١ ، الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢١.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٤٥.

(٤) الوسائل ٦ : ١٢ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٢ ، أمالي الصدوق : ٢٥٥ / ٢٧٩.

٩٩

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ الخصوصيات التي اقترنت بها صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان بعضها مختلفة كوقوعها في المسجد تارة وفي الدار أُخرى ، أو مع اللباس الشتوي مرّة ، والصيفي اخرى ونحو ذلك ممّا يقطع بعدم دخله في الصلاة ، إلاّ أنّ جملة أُخرى منها ومنها التكبيرة معيّنة منضبطة كان يواظب عليها في جميع صلواته قطعاً ، وإلاّ لنقل إلينا بالضرورة فلا إجمال فيها.

نعم ، يرد عليه أوّلاً : أنّ مرسلة الصدوق ضعيفة بالإرسال فلا تصلح للاستدلال. وثانياً : قصور الدلالة لو لم تكن ظاهرة في الجواز ، غاية ما هناك أنّ الصلاة حينئذ لا تكون من الموجز ، لا أنّها لا تصح كما لا يخفى.

وثالثاً : أنّ رواية « صلّوا كما رأيتموني أُصلّي » لم ترد بطرقنا ولم توجد في كتبنا ، وإنّما ذكرت في كتب العامة ورويت بطرقهم فلا يمكن الاعتماد عليها ، وإن أرسلها الأصحاب كالمحقق الهمداني (١) وغيره إرسال المسلمات من دون غمز في السند.

وأمّا الوجه الثاني : أعني خبر المجالس ، فهو ضعيف السند أوّلاً ، إذ الصدوق يرويه عن شيخه محمد بن علي ماجيلويه وهو مهمل في كتب الرجال ، ومجرد كونه من مشايخ الإجازة لا يدل على التوثيق ، كيف وقد صرّح الصدوق في حق بعض مشايخه بما لفظه : لم أر أنصب منه (٢). هذا وقد اشتمل آخر السند على الحسن بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام والحسن مجهول. نعم ، والده من شهداء الطف المستغنين عن التوثيق بل التعديل ، إذ ليسوا بأقل من شهداء بدر.

كما اشتمل وسطه على علي بن الحسين البرقي وهو أيضاً مجهول ، فالسند‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٤٢ السطر ١٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٧٩ / ٣.

١٠٠