موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

هذا كلّه فيما إذا كان شكه فيما في يده على نحو يشك في حالته الفعلية أيضاً.

وهناك نوع آخر تعرّض له في المتن ، وهو ما إذا لم يتعلّق الشك بالحالة الفعلية ، فيرى نفسه فعلاً في صلاة العصر مثلاً وشكّ في أنّه نواها من الأوّل كي تصح ، أو نوى غيرها كالظهر مثلاً كي لا تصح ، لعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة. وليفرض الكلام فيما لو كان آتياً بصلاة الظهر وإلاّ إمّا جزماً أو احتمالاً فيعدل بها إليه ويتمّها ظهراً ولا إشكال كما تقدّم ، أو رأى نفسه في الفريضة وشكّ في أنّه نواها من الأوّل ، أو نوى النافلة.

حكم في المتن حينئذ بالصحة ، وأنّه يبني على أنّه نواها كذلك من الأوّل وإن لم يكن ممّا قام إليه ، وعلّله بأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

أقول : إن أراد قدس‌سره إجراء قاعدة التجاوز في نفس النيّة ابتداءً فعليه إشكال ظاهر كما ستعرف ، وإن أراد إجراء القاعدة في شي‌ء آخر يلازم الشك في النيّة بحيث يكون مرجعه إلى الشك بعد تجاوز المحل على وجه دقيق لا أنّه منه ابتداءً ، كما لا يبعد ظهور العبارة فيه ، للتعبير بقوله : لأنّه يرجع ... إلخ فهو في غاية الجودة ، ويحكم بصحة الصلاة من أجل ذلك ، وبيانه : أنّه ربّما يشكل في المقام بعدم جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى النيّة ، لعدم كونه من الشك بعد تجاوز المحل ، لتوقفه على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف مقرر له بحيث كان تركه تركاً لما ينبغي أن يفعل ، كما لو شكّ في القراءة بعد ما ركع ، أو فيه بعد ما سجد وهكذا ، فانّ محل القراءة سابق على الركوع وهو على السجود.

ومعلوم أنّ الشك في النيّة ليس من هذا القبيل ، فإنّ نيّة صلاة العصر مثلاً إنّما يكون محلّها قبلها (١) وينبغي فعلها فيما إذا كانت الصلاة معنونة بصلاة العصر‌

__________________

(١) ربّما يتراءى التنافي بين المقام وبين ما أُفيد في [ العروة ١ : ٦٤٥ المسألة ٢١٣٤ ] فليلاحظ.

٦١

لا نافلتها مثلاً ، وإنّما تكون معنونة بالعصر فيما إذا سبقتها نيّة العصر لا كل نيّة.

وعليه ، فإذا أُحرز أنّ الصلاة معنونة بالعصر فقد أُحرزت نيّتها ، فلا حاجة لإثباتها بقاعدة التجاوز ، وإذا لم يحرز ذلك وشكّ في عنوان ما بيده من الصلاة حينما دخل فيها ، فلم يعلم أنّ نيّة العصر محلّها قبل هذه الصلاة ، لاحتمال الدخول فيها بعنوان النافلة مثلاً ومثلها لا تتقدّمها نيّة العصر قطعاً ، فلا يكون ترك نيّة العصر حينئذ تركاً لما ينبغي أن يوجد ، فكون النيّة ممّا ينبغي أن تفعل تابع لعنوان العمل الذي تجاوز عنه ، فهو من مقوّمات جريان القاعدة ، فكيف تصلح القاعدة لإثباتها.

وهذا الاشكال وجيه جدّاً لا مدفع عنه ، غير أنّ بالإمكان أن تجري القاعدة في شي‌ء آخر يصدق معه التجاوز الذي لا ينفك عنه الشك المزبور ، بل يرجع إليه عند التحليل ، وهي الأجزاء السابقة على الجزء الذي بيده ، فلو رأى نفسه في الركعة الثانية مثلاً بانياً على صلاة العصر وشكّ في أنّه كان بانياً عليه أوّل العمل أولا ، فهو لا محالة يشك في أنّ الأجزاء السابقة على هذه الركعة إلى أوّل التكبيرة هل وقعت بنيّة العصر أو بعنوان آخر كالظهر مثلاً.

وهذا الشك وإن لم يكن شكّاً في الوجود لعلمه بوجود التكبيرة مثلاً ، بل هو شكّ فيما هو الموجود ، وأنّ التكبيرة الواقعة هل كانت بعنوان العصر أو لا ، إلاّ أنّه بالأخرة يرجع إلى الشك في الوجود ، للشك وجداناً في وجود التكبيرة للعصر كي تصح ما بيده عصراً ، وعدمها كي لا تصح. ولا ريب في شمول القاعدة لكل من الشك في الوجود والموجود ، فكما أنّه إذا شكّ في الفاتحة بعد الدخول في السورة تجري القاعدة بالنسبة إليها ، فكذلك إذا علم بعد الدخول فيها بأنّه قرأ سورة وترددت بين كونها هي الفاتحة أم سورة أُخرى غيرها لرجوعه في الحقيقة إلى الشك في وجود الفاتحة وعدمها كما عرفت.

٦٢

[١٤٣٣] مسألة ٢٠ : لا يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى (١) إلاّ في موارد خاصّة :

______________________________________________________

وعليه ، ففي المقام يشك في وجود التكبيرة للعصر وعدمها ، فيشمله قوله : « رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي ... » (١) إلخ. ولا ريب في تجاوز محلها بالدخول في الجزء اللاحق فتشملها القاعدة ، وببركتها يحكم بوقوع التكبيرة للعصر.

ولا نعني من نيّة العصر إلاّ وقوع التكبيرة وما بعدها من الأجزاء بنيّة العصر ، وقد تكفّلت القاعدة لإثباته ، فهي وإن لم تجر في نفس النيّة ابتداءً ، لكنّها تجري في شي‌ء آخر يلازمها ، ويشارك إجراء القاعدة فيها بحسب النتيجة كما اتّضح بما لا مزيد عليه ، وقد عرفت إمكان استظهاره من عبارة الماتن أيضاً فتدبّر جيداً.

(١) والوجه فيه ظاهر ، فإنّ الصلاة الأُولى بعد فرض كونها مغايرة للصلاة الثانية ، فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأُخرى ، ومن الضروري أنّ كل أمر لا يدعو إلاّ إلى متعلقه بتمامه بأجزائه وشرائطه ، فلو أتى بإحداهما بقصد امتثال أمرها ، فإنّها لا تقع امتثالاً إلاّ له دون الأمر الآخر.

وعليه فلو أتى ببعض الصلاة ثم عدل بها إلى الأُخرى فهي لا تقع امتثالاً للأمر الأوّل ، لعدم الإتيان ببقية الأجزاء بداعي ذلك الأمر ، كما لا تقع امتثالاً للثاني ، لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السابقة بداعي هذا الأمر ، فلا تقع امتثالاً لشي‌ء منهما ، ومن المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من عنوانين ومتعلقة لأمرين.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

٦٣

أحدها : في الصلاتين المرتبتين كالظهرين والعشاءين (١) إذا دخل في الثانية قبل الاولى ، عدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول‌

______________________________________________________

بل إنّ هذا التقرير يتّجه ولو لم تكن الصلاة من العبادات ، ولا يتوقف بيانه على عباديتها ، وذلك لوضوح أنّ الصلوات حقائق مختلفة وماهيات متباينة وإن اتحدت صورة كما في الظهرين ، كما يكشف عن ذلك اختلافها بحسب الأحكام من النفل والفرض ، ولزوم رعاية الترتيب كما بين الظهر والعصر ، وحيث لا ميز بين هذه الماهيات إلاّ من ناحية العنوان ، فلا بدّ من قصده في تحققه ، وإلاّ فلا يقع مصداقاً لشي‌ء منها. ومن الضروري أنّ كلا من تلك الماهيات معنون بتمامها بعنوان خاص وليست ملفّقة منه ومن عنوان آخر. فلو عدل في الأثناء إلى صلاة أُخرى فلا تقع مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين للإخلال بإحداهما حدوثاً وبالأُخرى بقاءً كما هو ظاهر.

نعم ، ورد في الشرع موارد رخّص فيها في العدول تعبداً توسعة في مرحلة الامتثال ، وحيث إنّ ذلك على خلاف القاعدة ولا ضير في الالتزام به تعبّداً الكاشف عن حصول الغرض منها بذلك ، فلا بدّ من الاقتصار عليها ، وعدم التعدي عن مواردها.

ثم إنّ العدول قد يكون من الحاضرة إلى الحاضرة ، وأُخرى من الفائتة إلى مثلها ، وثالثة من الحاضرة إلى الفائتة ، وأمّا عكس ذلك فلا يجوز لعدم ورود النص فيه ، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة العدم ، وسنتعرض لأحكامها.

(١) هذا من العدول من الحاضرة إلى الحاضرة ، فإذا دخل في العصر ثم التفت في الأثناء أنّه لم يصلّ الظهر عدل بها إليها وأتمّها ظهراً ثم صلى العصر كما أنّه لو دخل في العشاء ثم التفت أنّه لم يصلّ المغرب عدل إليها ، ما لم يتجاوز محل العدول ، دون ما إذا تجاوزه ، كما لو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

٦٤

وأمّا إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول ، لعدم بقاء محلّه فيتمّها عشاءً (*) ثم يصلِّي المغرب ويعيد العشاء أيضاً احتياطاً ، وأمّا إذا دخل في قيام الرابعة ولم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول فيهدم القيام ويتمّها بنيّة المغرب.

______________________________________________________

وقد تقدّم الكلام حول ذلك في فصل أوقات اليومية ونوافلها مستقصى (١) وذكرنا دلالة النصوص المستفيضة عليه كصحيح زرارة والحلبي وعبد الرحمن وغيرها (٢).

نعم ، قد يعارضها في العشاءين خبر الحسن بن زياد الصيقل (٣) المتضمن أنّ من تذكر نسيان المغرب وهو في العشاء يتمّها ويأتي بالمغرب بعدها ، معللاً الفرق بينها وبين العصر ، بأنّ الثانية لا صلاة بعدها ، لكراهة الصلاة بعد العصر فلو لم يعدل لزم ارتكاب المكروه ، بخلاف العشاء إذ لا تكره الصلاة بعدها فلا مانع من الإتيان بالمغرب بعدها.

لكنّ الخبر لا يصلح للمعارضة لضعف السند ، فانّ الحسن بن زياد لم يوثق. على أنّ في السند محمد بن سنان وهو ضعيف. نعم ، في الوسائل الطبعة الجديدة هكذا : وبإسناده عن ابن مسكان ... إلخ ، وإسناد الشيخ إليه صحيح في المشيخة (٤) ، لخلوّه عن ابن سنان ، لكنّ الظاهر بل المقطوع به أنّ النسخة‌

__________________

(*) بل يرفع اليد عنها على الأظهر ، وإن كان ما في المتن أحوط.

(١) شرح العروة ١١ : ٣٩٨ وما بعدها.

(٢) راجع الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٣ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٥.

(٤) [ لم نعثر على طريق للشيخ إلى ابن مسكان لا في المشيخة ولا في الفهرست المطبوع ولكن نقل في معجم الرجال ١١ : ٣٤٧ طريقاً له إليه عن النسخة المخطوطة للفهرست ].

٦٥

غلط ، والصواب وبالإسناد ... إلخ (١) بدل وبإسناده ، على ما هو الموجود في الوسائل القديمة طبعة عين الدولة والمراد الإسناد المذكور في الرواية التي ذكرت قبل هذه الرواية متصلاً التي في سندها ابن سنان.

وكذا في التهذيب رواها هكذا : عنه أي عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن زياد الصيقل (٢).

نعم ، في تعليقة التهذيب الطبعة القديمة هكذا : ورواها في الاستبصار بإسناده عن ابن مسكان ، عن الحسن بن زياد الصيقل ... إلخ. لكنّا لم نجدها في الاستبصار. والظاهر أنّ هذا أيضاً اشتباه ، وكيف كان فالرواية ضعيفة من وجهين : محمد بن سنان ، والحسن بن زياد الصيقل ، ولا أقل من الثاني فلا تصلح للمعارضة. وعلى أيّ حال فالحكم في الجملة مسلّم لا غبار عليه نعم يقع الكلام في جهتين :

الأُولى : أنّه إذا كان التذكر بعد تجاوز محل العدول كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشاء ، فقد حكم المشهور حينئذ ببطلان العشاء ولزوم استئنافها بعد المغرب ، وقد حكى الماتن قدس‌سره هذه الفتيا عنهم في فصل الأوقات (٣) دون أن يعلّق عليها ، الظاهر في ارتضائها ، غير أنّه قدس‌سره في المقام حكم بصحتها عشاءً ، وإن احتاط بإعادتها بعد المغرب.

والأقوى ما عليه المشهور ، لإطلاق أدلّة اعتبار الترتيب القاضية بلزوم إيقاع العشاء بتمام أجزائها بعد المغرب ، وعدم جواز إيقاع شي‌ء منها قبلها عمداً ، فانّ لازم ذلك بطلان هذه الصلاة ، لأنّه هب أنّ الأجزاء السابقة وقعت‌

__________________

(١) هذا هو الموجود في الطبعة الجديدة.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٥.

(٣) العروة الوثقى ١ : ٣٧٤ المسألة [١١٨٢].

٦٦

قبلها سهواً فلا يعتبر فيها الترتيب ، لكنّه متعمد في تقديم الركعة الأخيرة عليها فقد أخلّ برعاية الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة عامداً ، المانع عن صحة الصلاة ، فلا يمكنه إتمامها عشاءً ، والمفروض عدم إمكان العدول إلى المغرب لتجاوز محلها ، فهي باطلة لا محالة.

ومنه يظهر عدم إمكان التمسّك بحديث لا تعاد ، لأنّه متعمد في الإخلال بالترتيب في الأجزاء اللاحقة كما عرفت ، والحديث غير شامل للعامد بلا إشكال.

الجهة الثانية : إذا تذكر عدم الإتيان بالمغرب بعد القيام إلى الركعة الرابعة من العشاء ، فالمعروف بقاء محل العدول حينئذ ، فيهدم القيام ويتمّها بنيّة المغرب كما صرّح به في المتن.

لكنّه لم يرد به النص ، لاختصاصه بما إذا كان التذكر في الركعة الثانية من العشاء أو الثالثة دون الرابعة ، ومن هنا ربما يشكل في جواز العدول حينئذ لخلوّ النص عنه ، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز ، لكنّ الظاهر جواز العدول في المقام ، فإنّه وإن لم يرد به نص بالخصوص ، لكن يمكن استفادته من إطلاق قوله عليه‌السلام في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ... إلخ » (١) الشامل لما إذا كان التذكّر بعد القيام إلى الرابعة.

نعم ، لا يعمّ ما إذا كان بعد الدخول في ركوعها ، للزوم زيادة الركن حينئذ فيعلم من ذلك أنّ ذكر الركعتين أو الثلاث في الأخبار ومنها نفس هذا الخبر ، إنّما هو من باب المثال لا لخصوصية فيهما.

وأمّا سند الخبر فليس هناك من يتأمل فيه عدا الحسين بن محمد الأشعري ومعلى بن محمد.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

٦٧

أمّا الأوّل ، المعبّر عنه بما ذكر تارة ، وبالحسين بن محمد بن عامر اخرى وبالحسين بن محمد بن عمران الذي هو جده ثالثة ، فهو من مشايخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه ، فإن قلنا إنّ مجرد ذلك كاف في التوثيق ، لكشف الإكثار عن الاعتماد عليه فهو ، وإلاّ فيكفي كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا وجه للغمز في السند من أجله ، بل قد وثقه النجاشي أيضاً بعنوان الحسين بن محمد بن عمران (١) ، وإن كان الموجود في كامل الزيارات بعنوان الحسين بن محمد بن عامر ، فهو موثق بتوثيقهما بعد ما عرفت من اتحاد الرجل.

وأمّا الثاني ، الذي هو شيخ الحسين بن محمد المزبور لروايته عنه كثيراً ، فقد ذكر النجاشي أنّه مضطرب الحديث والمذهب (٢) ، والظاهر أنّ مراده باضطراب الحديث روايته عن الضعفاء واشتمال حديثه على المناكير ، فلا يكون مستقيماً في حديثه وعلى نهج واحد ، فهذا التعبير على حدّ ما يعبّر من أنّ فلاناً يعرف من حديثه وينكر ، وليس المراد بذلك الخدش في وثاقه الرجل كما لا يخفى.

وأمّا الاضطراب في المذهب من كونه غالياً تارة ، أو مائلاً إلى سائر المذاهب اخرى ، فلا يقدح في التوثيق كما لا يخفى.

وعلى الجملة : لا يظهر من عبارة النجاشي تضعيف الرجل كي يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسانيد تفسير القمي ، فالأقوى وثاقته لما ذكر فلا بأس بالاعتماد على الرواية لقوة السند والدلالة ، فمن أجلها يحكم بجواز العدول في المقام.

هذا مضافاً إلى إمكان الاستناد في ذلك إلى حديث لا تعاد ، فانّ العدول إلى المغرب لو كان التذكر أثناء العشاء في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، ومن هنا لو‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٦٦ / ١٥٦.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.

٦٨

الثاني : إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً (١) فشرع في اللاحقة قبل السابقة ، يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول ، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكّر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر والعصر ، وأمّا إذا تجاوز‌

______________________________________________________

كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول بلا ارتياب ، فلو لم يجز بعده وحكم ببطلان الصلاة حينئذ كان البطلان مستنداً إلى القيام الذي هو داخل في المستثنى منه ، وقد حكم في الحديث بعدم الإعادة لو كان الإخلال من غير ناحية الخمسة المستثناة.

ونتيجة ذلك : جواز العدول حينئذ أيضاً وعدم بطلان الصلاة. ولا نعني بهذا الكلام التمسك باستصحاب جواز العدول الثابت قبل القيام إلى الرابعة ، لعدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية في نفسه سيّما التعليقي منه كما في المقام لأنّ الجواز المزبور كان معلّقاً على التذكر ، فيقال في تقرير الاستصحاب لو كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول فكذا ما بعد القيام إليها ، والاستصحاب التعليقي ساقط كما حقق في الأُصول (١).

بل المراد الاستناد إلى نفس حديث لا تعاد في الحكم بالصحة بالتقريب الذي عرفته.

ثم لا يخفى أنّ العدول في هذه الصورة أي من الحاضرة إلى الحاضرة واجب ، بمعنى أنّه لا يجوز له إتمام الصلاة بالعنوان الذي دخل فيها من العصر أو العشاء للزوم الإخلال بالترتيب ، فلو أراد إتمامها لزمه العدول ، وأمّا الوجوب بمعنى عدم جواز رفع اليد عنها فهو مبني على القول بحرمة القطع اختياراً.

(١) هذا من العدول من الفائتة إلى الفائتة ، فنقول :

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٣٧.

٦٩

أتمّ ما بيده على الأحوط ، ويأتي بالسابقة ويعيد اللاّحقة (*) كما مرّ في الأدائيتين وكذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنّه يعدل.

______________________________________________________

قد يفرض ذلك في المرتبتين ، كما لو دخل في العصر قضاءً فتذكّر فوت الظهر ، أو العشاء كذلك فذكر فوت المغرب ، والكلام فيه بعينه هو الكلام في الحاضرتين المرتبتين ، للزوم رعاية الترتيب بين الظهرين والعشاءين ، سواء أكانتا حاضرتين أو فائتتين بلا إشكال ، فيجري فيه جميع ما مرّ حتى من حيث التجاوز عن المحل وعدمه.

وأُخرى يفرض في غيرهما ، كما لو دخل في المغرب القضائي فتذكر فوت العصر أو في الظهر كذلك فتذكّر فوت الصبح السابق عليه ، وحينئذ فان لم يتجاوز محل العدول جاز بل وجب العدول إلى السابقة بناءً على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت ، وإن كان الأقوى عدم اللزوم فلا يجب العدول.

وإن جاوز محله كما لو كان تذكر فوت الصبح بعد الدخول في ركوع الثالثة من الظهر ، فبناءً على لزوم الترتيب في قضاء الفوائت بطل ما بيده ، فيرفع اليد عنه لعدم إمكان تحصيل الشرط ويستأنفهما ، وإن كان الأحوط إتمامه بما نواه ثم الإتيان بالسابقة وإعادة اللاحقة كما ذكره في المتن.

وأمّا بناءً على عدم اللزوم كما هو الأقوى ، فحيث لا محل للعدول أتمها ظهراً ثمّ أتى بالسابقة.

وكيف كان ، فأصل جواز العدول في هذه المسألة مستفاد من الإطلاق في صحيح عبد الرحمن وهو قوله عليه‌السلام : « فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ‌

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم وجوبها في غير المترتبتين في أنفسهما.

٧٠

الثالث : إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً (١) ، فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول ، والعدول في هذه الصورة على وجه الجواز بل الاستحباب ، بخلاف الصورتين الأولتين فإنّه على وجه الوجوب (*).

______________________________________________________

بالتي نسي » (١) ، فلا إشكال في الحكم ، وقد مرّ بعض الكلام في فصل أحكام الأوقات (٢) ، وسيجي‌ء مزيد التوضيح في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى (٣).

(١) هذا من العدول من الحاضرة إلى الفائتة ، وقد تضمّنته صحيحة زرارة صريحاً ، فيجوز العدول إلى القضاء مع بقاء محله ، كما لو تذكر فوت الصبح قبل الدخول في ركوع الثالثة من الظهر الأدائي ، بل يجب بناءً على لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة ، كما أنّه بناءً على هذا المبنى يجب رفع اليد عنه لو كان التذكّر بعد تجاوز المحل ، كما لو كان التذكر بعد الدخول في الركوع المزبور ، للزوم الإخلال بالترتيب لو أتمّه ، والعدول غير ممكن على الفرض ، لكن المبنى غير تام والترتيب غير لازم في المقام. كما سيجي‌ء تفصيله في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى (٤).

وعليه ، فمع بقاء المحل لا يجب العدول ، بل غايته الجواز للصحيحة المتقدمة. نعم ، هو مستحب بناءً على استحباب تقديم الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

__________________

(*) الحكم بالوجوب في الصورة الثانية مبني على القول بوجوب الترتيب.

(١) الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

(٢) شرح العروة ١١ : ٤٠١.

(٣) شرح العروة ١٦ : ١٣٣.

(٤) شرح العروة ١٦ : ١٨٢.

٧١

الرابع : العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة (١) لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ سورة أُخرى من التوحيد أو غيرها وبلغ النصف أو تجاوز (*) وأمّا إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة ولو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها ويستأنف سورة الجمعة.

______________________________________________________

(١) كما يدل عليه موثق صباح بن صبيح قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد ، قال : يتم ركعتين ثم يستأنف » (١) ، فيظهر منه جواز العدول إلى النافلة حينئذ اهتماماً بشأن سورة الجمعة ودركاً لفضيلتها.

لكنّ الماتن قيّد الحكم في المقام بما إذا بلغ النصف من السورة التي شرع فيها من التوحيد أو غيرها أو تجاوز ، وأمّا إذا لم يبلغ النصف فليس له العدول إلى النافلة ، وإنّما له العدول عن تلك السورة ولو كانت هي التوحيد التي لا يجوز العدول عنها في غير المقام إلى سورة الجمعة ، فيقطعها ويستأنف سورة الجمعة ، وتبعه على هذا التفصيل غيره ، وكأنّ الوجه فيه دعوى أنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين الموثق المتقدم وبين الروايات الدالة على جواز العدول من التوحيد إلى الجمعة يوم الجمعة (٢). فيحمل الأوّل على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه ، والطائفة الثانية على ما إذا لم يبلغ النصف.

لكنه كما ترى جمع تبرعي لا شاهد عليه ، مع أنّه لا تعارض بينهما كي يحتاج إلى الجمع كما لا يخفى ، فلا مانع من الأخذ بإطلاق كل منهما ، والحكم‌

__________________

(*) ما ذكره هو الأحوط ، والأظهر جواز العدول إلى النافلة أو إلى سورة الجمعة مطلقاً.

(١) الوسائل ٦ : ١٥٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩.

٧٢

الخامس : العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (١) إذا دخل فيها وأُقيمت الجماعة وخاف السبق (*). بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

______________________________________________________

بجواز العدول إلى النافلة أو من التوحيد إلى سورة الجمعة مخيّراً بينهما من دون فرق في كل منهما بين بلوغ النصف وعدمه ، فالأقوى جواز العدول إلى النافلة وإن لم يبلغ النصف. وسيأتي في مبحث القراءة إن شاء الله تعالى حكم العدول من سورة إلى أُخرى (١).

(١) كما دلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلِّي إذ أذّن المؤذِّن وأقام الصلاة ، قال : فليصلّ ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام وليكن الركعتان تطوّعاً » (٢) ونحوه موثق سماعة (٣). ومن المعلوم اختصاص الحكم بما إذا لم يتجاوز محل العدول ، بأن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة كما هو ظاهر.

ثم إنّ الماتن خصص الحكم بما إذا خاف السبق وعدم إدراك الجماعة ولو بركوع الركعة الاولى ، فلا يجوز العدول مع الأمن من ذلك ، بل يتم الفريضة ويعيدها جماعة لو شاء. ولم نعرف وجهاً لهذا التقييد بعد إطلاق النص ، فالأقوى جواز العدول حتى مع الأمن وعدم الخوف عملاً بإطلاق النص.

__________________

(*) بل مع عدم الخوف أيضاً على الأظهر.

(١) في ص ٣٤٧.

(٢) ، (٣) الوسائل ٨ : ٤٠٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١ ، ٢.

٧٣

السادس : العدول من الجماعة إلى الانفراد (١) لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى (*).

السابع : العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض.

______________________________________________________

(١) هذا خارج عن محل الكلام من موارد العدول ، فانّ عنوان المسألة متمحض في البحث عن العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى ، لا العدول في صلاة واحدة من كيفية إلى أُخرى ، ولا ريب أنّ الجماعة والفرادى فردان من ماهية واحدة يختلفان بحسب الأحكام والآثار من دون تعدد في نفس الصلاة بالذات فلا يجري هنا ما مرّ في تقرير أصالة عدم العدول وكونه على خلاف القاعدة.

نعم ، لا يجوز العدول في المقام أيضاً لو كان عازماً على الانفراد من أوّل الأمر ، لا لما ذكر ، لاختصاصه بما إذا تعدّدت ماهية المعدول عنها والمعدول إليها كما عرفت ، بل لعدم ثبوت مشروعية قصد الجماعة في بعض ركعات الصلاة وإنّما الثابت قصدها في تمامها ، والعبادات توقيفية فلا بدّ في إثبات مشروعيّتها من قيام الدليل ، وإلاّ فمقتضى الأصل العدم.

ودعوى أنّه قاصد للجماعة في تمامها حين الشروع وإن كان بانياً على العدول إلى الانفراد في الأثناء كما ترى ، فإنّهما متضادّان وكيفيتان متباينتان فالقصد إليهما معاً جمع بين المتضادين. وهذا نظير أن يقصد المسافر الإقامة في محل عشرة أيام ، ومع ذلك يبني من الأوّل على الخروج إلى ما دون المسافة خلال العشرة فإنّ صدور مثل هذا القصد غير معقول ، لامتناع القصد إلى المتضادين معاً في آن واحد.

__________________

(*) إذا لم يكن ناوياً له من أوّل الأمر.

٧٤

الثامن : العدول من القصر إلى التمام (١) إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

التاسع : العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

العاشر : العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

______________________________________________________

وبالجملة : فنية العدول إلى الانفراد من الأوّل قادحة ، سواء أكان لعذر أم غيره. وسيجي‌ء تمام الكلام فيه ، وفيما لو بدا له العدول في الأثناء دون أن يقصده من الأوّل ، وأنّه يصح لعذر أم مطلقاً أم لا يصح في مبحث الجماعة إن شاء الله تعالى (١).

وممّا ذكرنا يظهر حكم العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض وأنّه ليس من العدول المبحوث عنه في المقام ، فلا وجه للتعرض له فيما نحن فيه ، وسيجي‌ء البحث عنه في محلّه في أحكام الجماعة إن شاء الله تعالى (٢).

(١) تعرّض قدس‌سره في هذا وفي الموردين الآتيين إلى حكم العدول من القصر إلى التمام ، ومنه إلى القصر ، ومن كل منهما إلى الآخر.

فالأوّل : كما إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام فيعدل إلى التمام.

والثاني : كما إذا بدا له في نيّة الإقامة في الأثناء بعد ما قصدها ، فإنّه يعدل إلى القصر مع بقاء محل العدول ، كما لو كان البداء قبل الدخول في ركوع الثالثة وأمّا مع التجاوز كما لو كان بعد الدخول فيه فتبطل الصلاة لا محالة ، إذ المأمور به وهو القصر لا يتمكن منه وما يتمكنه من التمام ليس بمأمور به بعد فرض العدول عن نيّة الإقامة.

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ٥٧٤ المسألة [١٨٨٣].

(٢) العروة الوثقى ١ : ٥٧٤ المسألة [١٨٨١].

٧٥

والثالث : كما في مواطن التخيير ، فإنّه يجوز له العدول من كل منهما إلى الآخر مع بقاء محله.

وممّا تقدم يظهر أنّ العدول في هذه الموارد ليس من العدول المبحوث عنه في المقام ، إذ القصر والتمام ليسا حقيقتين متباينتين وماهيتين من الصلاة ، بل صلاة الظهر مثلاً ماهية واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام كالجماعة والفرادى فيجب التسليم على الركعة الثانية إن كان مسافراً ، وعلى الرابعة إن كان حاضراً ، ومحل الكلام هو العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى ، لا من فرد إلى فرد آخر مع اتحاد ماهيتهما كما في هذه الموارد. ومن هنا ذكرنا سابقاً أنّه لو قصد أحد الفردين فأتمّ على الفرد الآخر غفلة كما في مواطن التخيير صحت صلاته ، لعدم الإخلال بالمأمور به بوجه.

وتوضيح المقام : أنّ الفرق بين القصر والتمام هو الفرق بين الطبيعة بشرط لا ، والطبيعة بشرط شي‌ء ، فهما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بلحاظ العوارض اللاحقة للطبيعة ، فصلاة الظهر مثلاً إن لوحظت مقيّدة بعدم اقترانها بالركعتين الأخيرتين فهي القصر ، وإن لوحظ انضمامها بهما فهي التمام ، فلا اختلاف بينهما من حيث الذات بل هما متحدان في الحقيقة والعنوان.

وإنّما الفرق نشأ من الخصوصيات الملحوظة في كل من الفردين ، فليس حالهما كالفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ، والظهر والعصر ، حيث إنّهما متعددان عنواناً ، ومختلفان ماهية ، ومن هنا كان العدول فيهما على خلاف القاعدة ، لعدم كون الصلاة حينئذ مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين ، فلا تقع امتثالاً لشي‌ء من العنوانين بعد وضوح عدم تعلق الأمر بالصلاة الملفّقة منهما ، فيحتاج جواز العدول فيها إلى دليل بالخصوص ، وقد عرفت اختصاصه بالحاضرتين والفائتتين ، ومن الحاضرة إلى الفائتة ، ومن الفرض إلى النفل ، دون غيرها من بقية الموارد على البيان الذي سبق في محله.

٧٦

وهذا بخلاف القصر والتمام ، إذ بعد ما عرفت من كونهما حقيقة واحدة فجواز العدول حينئذ مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، فانّ العدول من أحدهما إلى الآخر قد يفرض في مواطن التخيير وأُخرى في غيرها.

أمّا في الأوّل : فمرجع الوجوب التخييري على ما بيّناه في محله (١) إلى أنّ الواجب إنّما هو الجامع الانتزاعي أعني عنوان أحدهما لا بعينه فخصوصية كل من الفردين ملغاة في مقام تعلق الأمر وخارجة عن حريمه ، إذ ليس المأمور به إلاّ نفس الجامع. وعليه فلو شرع في الصلاة بقصد التمام جاز له العدول إلى القصر وبالعكس ، فإنّه عدول من فرد إلى فرد ، لا من واجب إلى واجب.

وهذا كما لو كان بانياً لدى الشروع في الصلاة على الإتيان بسورة خاصة ثم عند الفراغ من الفاتحة بدا له وعدل إلى سورة أُخرى ، فإنّ هذا لا ضير فيه قطعاً ، إذ الواجب إنّما هي الصلاة المقيّدة بجامع السورة ولا عدول في ذلك ، وإنّما العدول من فرد إلى فرد لم يتعلق الأمر بشي‌ء منهما. والمقام من هذا القبيل كما هو واضح ، بل له الشروع في الصلاة مقتصراً على نيّة الظهر مثلاً من دون قصد شي‌ء من القصر والتمام ، ثم بعد البلوغ إلى حدّ الافتراق يختار أحد الفردين.

وأمّا في الثاني : كما لو شرع في الصلاة بنيّة التمام قاصداً للإقامة ثم بدا له فيها وعزم في الأثناء على السفر فعدل إلى القصر ، فانّ العدول حينئذ وإن كان من واجب إلى واجب ، لوجوب التمام بخصوصه لدى الشروع بعد كونه قاصداً للإقامة آن ذاك ، إلاّ أنّ الوجوب لم يكن فعليّاً منجّزاً ، بل كان معلقاً على استدامته على ذاك القصد إلى الانتهاء عن الصلاة ، كما كان مأموراً بالقصر أيضاً على تقدير العدول عن قصده.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٤٠.

٧٧

[١٤٣٤] مسألة ٢١ : لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة (١) فلو دخل في فائتة ثم ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها واستأنف ولا يجوز العدول على الأقوى.

[١٤٣٥] مسألة ٢٢ : لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض ولا من النفل إلى النفل ، حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت والسبق واللّحوق (٢).

[١٤٣٦] مسألة ٢٣ : إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (٣) كما لو نوى بالظهر العصر وأتمّها على نيّة العصر.

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ المكلف المزبور مخاطب عند افتتاح صلاته بخطابين مشروطين ، ومكلف بتكليفين تعليقيين ، فيؤمر بالتمام على تقدير البقاء على قصده ، وفي عين الحال يؤمر بالقصر على تقدير العدول عن قصده ، فالمكلف بعدوله في الأثناء يخرج نفسه عن موضوع ويدخله في موضوع آخر قد تعلّق الأمر بكل منهما على النحو الذي عرفت ، فجواز العدول من التمام إلى القصر وبالعكس مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل بالخصوص.

(١) لعدم الدليل عليه ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز ، لكون العدول على خلاف القاعدة كما مرّ. ومنه يظهر الحال في المسألة اللاحقة.

(٢) كالنوافل المرتّبة اليومية ونحوها.

(٣) أمّا بطلان المعدول عنها وهو الظهر فللإخلال بنيّتها ، وأمّا بطلان المعدول إليها وهو العصر فلعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة لعدم الدليل عليه ، ومقتضى القاعدة عدم الجواز كما مرّ. ومنه يظهر الحال في المسألة الآتية. وهذا كله مما لا إشكال فيه لوضوحه مما سبق.

إنّما الكلام فيما ذكره في المسألة التي بعدها من أنّه لو عدل بزعم تحقق موضع‌

٧٨

[١٤٣٧] مسألة ٢٤ : لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها ، لم يصح له العدول إلى العصر.

[١٤٣٨] مسألة ٢٥ : لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول (١) فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النيّة الأُولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان أنّه صلاّها ، فإنّها تصح عصراً لكن الأحوط الإعادة.

______________________________________________________

العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء ، كما لو اعتقد أثناء العصر أنّه لم يأت بالظهر فعدل إليها ، ثم بان أنّه صلاها ، فهل له حينئذ أن يعدل إلى النيّة الأُولى فيتمها عصراً أو لا؟ وستعرف الحال فيها.

(١) مفروض كلامه قدس‌سره ما إذا أتى بعد العدول إلى الظهر ببعض الأجزاء بنيّة الظهر ثم انكشف الخلاف بعد الفراغ ، أو في الأثناء. وأمّا إذا كان الانكشاف قبل أن يأتي بجزء أصلاً فعدل إلى العصر بعد عدوله إلى الظهر قبل أن يأتي بشي‌ء من الأجزاء بنيّة الظهر ، فينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محل الكلام ، ويحكم فيه بالصحة بلا إشكال ، إذ ليس هناك عدا مجرد عدول في النيّة فحسب وهو لا يزيد على نيّة القطع ، ثم العود قبل أن يأتي بشي‌ء التي عرفت سابقاً عدم قدحها في الصحة.

ثم إنّ الأجزاء التي يأتي بها بعد العدول إلى الظهر بنيّة الظهر إمّا ركنية أم لا.

أمّا الثاني ، كما لو اعتقد أثناء الفاتحة عدم الإتيان بالظهر فعدل إليها وأتمّ الفاتحة والسورة بنيّتها ، ثم بان الخلاف قبل الدخول في الركوع فعدل إلى العصر ، أو كان الاعتقاد المزبور حال التشهد فعدل وأتمّ التشهد وسلم بنيّة الظهر ، ثم بان الخلاف بعد الفراغ ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في صحّتها عصراً غايته لزوم إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر للإخلال بهذه النيّة ، ولا ضير فيه‌

٧٩

لعدم لزوم الزيادة المبطلة بعد عدم كونها ركنية ، وستعرف أنّ الإعادة أيضاً غير لازمة. فينبغي أن تكون هذه الصورة أيضاً خارجة عن محل الكلام.

وإنّما الكلام كله فيما لو كانت تلك الأجزاء ركنية ، كما لو كان انكشاف الخلاف بعد الدخول في الركوع ، أو بعد الفراغ وقد أتى بجزء ركني ، فإنّه ربما يستشكل حينئذ في الصحة ، بدعوى أنّ صحة العصر تتقوّم بقصد عنوان العصر في تمام الأجزاء بأسرها وإلاّ لم تقع مصداقاً لهذا العنوان كما هو الشأن في كل صلاة ذات عنوان. فالجزء المأتي به غير مجز ، للإخلال بنيّته حسب الفرض ، ولا يمكن تداركه للزوم زيادة الركن ، فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة حينئذ لعدم إمكان تصحيحها بوجه.

لكن الأقوى وفاقاً للمتن صحتها عصراً ، وذلك للروايات المتقدمة الدالّة على أنّ العبرة في النيّة بما افتتحت به الصلاة ، وأنّ من دخل في الفريضة وأتمّها بزعم النافلة غفلة ، أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه ، وموردها وإن كان هو العدول من الفرض إلى النفل وبالعكس الخارج عن محل الكلام إلاّ أنّه يستفاد منها حكم المقام بالإطلاق بعد إلغاء خصوصية المورد ، فانّ روايات الباب ثلاث على ما عرفت والعمدة منها صحيحة عبد الله بن المغيرة (١) والعبرة فيها بقوله عليه‌السلام في الجواب « هي التي قمت فيها ... » إلخ الذي هو بمنزلة التعليل للصحة ، وأنّ العبرة بالنيّة التي قمت فيها في الصلاة ، ومقتضى عموم العلة إطلاق الحكم لكل مورد.

وأظهر منها دلالة روايتا معاوية وابن أبي يعفور (٢) الصريحتان في أنّ العبرة بما افتتح الصلاة عليه كما في الأُولى وأنّه إنّما يحسب للعبد من صلاته التي‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢ ح ٢ ، ٣.

٨٠