موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٢٤] مسألة ١١ : غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح فان كان حراماً وكان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء ، وإن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلاً ، وإن كان مباحاً أو راجحاً فان كان تبعاً وكان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة ، وإن كان مستقلا وكان داعي القربة تبعاً بطل ، وكذا إذا كانا معاً منضمّين محرّكاً وداعياً على العمل ، وإن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة ، وإن كان الأحوط الإعادة (١).

______________________________________________________

(١) ما قصده من الضميمة إمّا أن يكون متّحداً مع ما أتى به بقصد القربة وإمّا أن يكون خارجاً عنه مقارناً معه.

أمّا في الفرض الثاني ، فلا إشكال في صحة العمل حتى فيما إذا كانت الضميمة محرّمة ، ولكن بشرط عدم الإخلال بقصد القربة ، بأن كان الداعي الإلهي مستقلا ، سواء أكان داعي الضميمة أيضاً كذلك أم لا.

وأمّا في الفرض الأوّل ، فلا يخلو الحال من أنّ الضميمة إمّا أن تكون محرّمة أم لا ، سواء أكانت راجحة أم مباحةً أم مكروهةً.

أمّا إذا كانت الضميمة محرّمة فلا إشكال في بطلان العمل لما مرّ غير مرّة من عدم صلاحية الحرام للتقرب به.

وهل يجدي التدارك فيما إذا كانت الضميمة في خصوص الجزء أو لا؟

الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة (١) ولا يفرق في الحكم بالبطلان بين الصور الأربع ، من كون الداعيين مستقلّين أم منضمّين أم مختلفين ، فانّ الوجه المزبور يأتي في جميع الصور ولذا حكم الماتن قدس‌سره بالبطلان على الإطلاق.

__________________

(١) راجع ص ٢٦.

٤١

وأمّا إذا كانت الضميمة مباحة أو راجحة أو مكروهة ، كالاتيان بالصلاة بداعي الأمر وتعليم الغير تبرّعاً أو مع الأُجرة ، فإن كان داعي الضميمة تبعاً ، وداعي القربة مستقلا ، فلا إشكال في الصحة ، لعدم قادحية مثل هذه الضميمة التبعية بعد أن لم تكن مخلّة بقصد القربة الّذي هو المناط في صحة العبادة ، كما أنّه في فرض العكس لا ينبغي الشك في البطلان من جهة عدم تحقق القربة ، إذ المفروض أنّ الأمر الإلهي في نفسه لم يكن داعياً إلى الإتيان بالعبادة.

ومنه يعلم حكم ما إذا كانا معاً منضمّين محرّكين وداعيين ، فإنّه أيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة الإخلال بقصد القربة.

وأمّا إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الداعوية ، وسبباً تامّاً في عالم الاقتضاء وكافياً في تحقيق العمل منعزلاً عن الآخر ، وإن كان صدوره خارجاً مستنداً إليهما فعلاً ، لاستحالة صدور الواحد عن سببين مستقلين ، فالحق صحة العمل حينئذ ، لصحة استناده إلى أمر المولى بعد كونه في نفسه سبباً تامّاً في التأثير ، فإنّ ما دلّ على اعتبار القربة في العبادة لا يدل على أزيد من اعتبار كون العمل منبعثاً عن الداعي الإلهي ، وأمّا اعتبار عدم وجود محرّك آخر نحو العمل ، وخلوّه عن قصد آخر ، فالدليل المزبور قاصر عن إثباته.

كما أنّ ما دلّ على اعتبار الخلوص منصرف إلى ما يقابل الشرك في العبادة أعني الرياء ، كما أُشير إليه في بعض الأخبار (١) ولا أقل من عدم انعقاد إطلاق له بحيث يتناول سائر الضمائم كما لا يخفى. إذن فلا مانع من الصحة لا من ناحية الخلوص ولا من ناحية القربة.

بل كثيراً ما لا ينفك الرادع الإلهي عن مثل هذا القصد ، ألا ترى أنّ الوجيه والشريف بمقتضى مكانته وكرامته بين الناس لا يكاد يتناول المفطر في السوق‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٦١ / أبواب مقدمة العبادات ب ٨ ح ٩.

٤٢

[١٤٢٥] مسألة ١٢ : إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة وغيرها كأن قصد بركوعه تعظيم الغير والركوع الصلاتي ، أو بسلامه سلام التحيّة وسلام الصلاة ، بطل إن كان من الأجزاء الواجبة قليلاً كان أم كثيراً ، أمكن تداركه أم لا ، وكذا في الأجزاء المستحبة غير القرآن والذكر على الأحوط (*) وأمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلاً إلاّ إذا كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة ، أو كان كثيراً (١).

______________________________________________________

في شهر رمضان وإن لم يكن صائماً ، حفظاً منه على شرافته ، فيكون كل من الأمرين داعياً إلى الاجتناب عن المفطرات. فيظهر أنّ المدار في العبادية على إمكان داعوية الأمر الإلهي وصلاحيّته للبعث ، وإن لم تستند الدعوة إليه بالفعل لمانع خارجي كما عرفت.

وبالجملة : كثرة وقوع الفرض بين الناس ما عدا الأوحدي منهم خير شاهد على عدم اعتبار انفراد الداعي الإلهي ، وأنّ العبرة بكونه علة تامة في البعث أو الزجر لا علة منحصرة ، وإن كان هذا هو الفرد الكامل ، فالعمدة تمام العبودية ولا يعتبر كمالها. نعم ، الأحوط الإعادة كما في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) تعرّض قدس‌سره في هذه المسألة لحكم ما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بعنوانين ، بقصد عنوان الجزئية وبقصد عنوان آخر مغاير لها. فحكم قدس‌سره أنّ المأتي به إن كان من الأجزاء الواجبة بطل نفس الجزء ، قليلاً كان أم كثيراً ، كما أنّه يكون مبطلاً لأصل العمل بقرينة قوله قدس‌سره : أمكن تداركه أم لا ، فلا تصح الصلاة حتى مع التدارك.

وكأنّ الوجه فيه : أنّ الفعل الواحد الشخصي لا يصلح أن يقع مصداقاً‌

__________________

(*) لا فرق بين القرآن والذكر وبين غيرهما ، ولعدم البطلان في الجميع وجه غير بعيد.

٤٣

لعنوانين متغايرين ، ووقوعه لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. فهذا الجزء يكون بنفسه باطلاً ، لعدم صلاحيّته لأن يقع جزءاً من الصلاة ، فلو تداركه بعنوان الصلاة فقط لوقعت الزيادة العمدية في الصلاة فتبطل ، فالجزء الأوّل يكون باطلاً ومبطلاً. وهذا بخلاف ما لو أتى من الأوّل بشي‌ء من الأجزاء لا بقصد الصلاة ، بل بعنوان آخر ، فإنّه لا يكون مبطلاً ، لعدم استلزام التدارك الزيادة العمدية ، إذ المفروض أنّ الجزء الأوّل لم يأت به بعنوان الجزئية ولو منضماً.

هذا ، وأمّا إذا كان المأتي به من الأجزاء المستحبّة ، فحكم قدس‌سره أنّه يكون أيضاً باطلاً ومبطلاً ، إلاّ إذا كان المأتي به من القرآن أو الذكر.

أمّا حكمه قدس‌سره بالبطلان فلعين ما مرّ. وأمّا الإبطال في غير الذكر والقرآن فهو مبني على أنّ مطلق الزيادة في الصلاة وإن لم يكن من الأجزاء الواجبة مبطل. وأمّا استثناؤهما فلما دلّ على عدم كون زيادتهما من الزيادة القادحة ، بل هما من الصلاة كما ورد من أنّه كلّ ما ذكرت به ربّك في الصلاة ، أو كلّ ما قرأت من القرآن فهو من الصلاة (١).

أقول : للمناقشة فيما أفاده قدس‌سره مجال واسع. أمّا ما ذكره من الحكم ببطلان العمل فيما إذا كان المأتي به من الأجزاء الواجبة ، فهو على إطلاقه ممنوع وذلك لأنّ العنوانين المقصودين قد يكونان متنافيين وغير قابلين للاجتماع في شي‌ء واحد بوجه كالمثالين المذكورين في المتن ، فانّ الانحناء الركوعي في الصلاة لا بعنوان الصلاة يكون بمجرّده مبطلاً من جهة الزيادة العمدية كما في السجود وما يكون مبطلاً كيف يمكن أن يقع جزءاً من الصلاة ، فهما لا يجتمعان ، وكذا الحال في التسليم بعنواني الصلاة والتحيّة.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.

٤٤

وقد لا يكونان متنافيين وإن كانا متغايرين ، كالاتيان بالقراءة بعنوان الصلاة وبعنوان التعليم ، فانّ هذا العنوان لا يكون من المبطلات.

أمّا في الفرض الأوّل : فالمأتي به يكون فاسداً ومفسداً ، لا من جهة كبرى أنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يكون مصداقاً لعنوانين متغايرين ، لعدم كلية هذه الكبرى كما لا يخفى ، بل من أجل أنّ هذا الركوع يكون بنفسه من الزيادة العمدية كالسجود ، وكذلك السلام ، وما يكون مبطلاً للصلاة كيف يحسب جزءاً لها. فلا محالة يكون زيادة عمدية ، فتفسد الصلاة من أجله.

ومنه يعلم أنّه إذا أتى بالركوع أو السلام محضاً من غير قصد الصلاة يكون مفسداً لها أيضاً من جهة الزيادة العمدية. فما ذكره قدس‌سره من نفي البطلان في هذا الفرض يكون على إطلاقه ممنوعاً أيضاً.

وأمّا في الفرض الثاني : فلا مانع من صحة المأتي به ، ولا وجه لكونه مفسداً للصلاة إذا لم يكن قصد الصلاة تبعياً ، لأنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار كون الإتيان به منبعثاً عن الأمر الإلهي والمفروض تحققه ، وأمّا اعتبار عدم انضمام شي‌ء آخر إليه فلا دليل عليه ، بل هذا عند التأمل والدقّة يكون من الضميمة في النيّة ، فتكون من صغريات المسألة المتقدمة التي قد عرفت الحكم فيها بالصحة في مثل هذا الفرض.

فما أفاده صاحب الجواهر (١) قدس‌سره من اختلاف المسألتين موضوعاً نظراً إلى أنّ موضوع الضميمة الفعل الواحد الّذي له غايات وأراد المكلف ضمّها بنية واحدة ، وموضوع هذه المسألة قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقاً لكليين متغايرين ، وحكمه أنّه لو نواه لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما ، لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلاً وشرعاً ، ولذا لو نوى بالركعتين‌

__________________

(١) الجواهر ٩ : ١٩٣.

٤٥

الفرض والنفل لم يقع لأحدهما ، كل ذلك محل تأمل ومنع.

أمّا مثاله الأخير ، فلأنه تختلف كل من الفرض والنفل عن الآخر ماهية من جهة اختلافهما في الآثار والأحكام ، فلا مورد للنقض بذلك كما لا يخفى.

وأمّا التداخل ، فقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ الأصل في المسببات هو التداخل فيما لو أمر بعنوانين كان بينهما العموم من وجه كإكرام العالم والهاشمي ، فأكرم من يكون متّصفاً بالوصفين ، فإنّه قد امتثل كلا الأمرين ، ومن ثمّ التزمنا بالتداخل بين الغفيلة ونافلة المغرب.

والحاصل : أنّ العنوانين إذا لم يكونا متنافيين لا مانع من قصدهما معاً مع مراعاة الشرط المتقدم.

وأمّا تفكيك الماتن في الأجزاء المستحبة بين القرآن والذكر وغيرهما كجلسة الاستراحة ، فلا نعرف له وجهاً صحيحاً ، فإنّه إذا كان الوجه في إبطال مثل الجلسة لزوم الزيادة العمدية ولو باعتبار أنّ الأصل عدم التداخل ، وعدم كون فعل واحد مصداقاً لعنوانين ، فهذا الوجه بعينه يتمشّى في القرآن والذِّكر أيضاً ضرورة أنّه إذا لم يقع مصداقاً لشي‌ء من العنوانين فلا محالة لا يكون مأموراً به فتقع زيادة في الصلاة ، حيث إنّ المفروض قصد جزئيّته ولو على نحو الاستحباب وإذا قلنا بعدم قادحية الضميمة وأنّ الأصل هو التداخل ، فالجلسة أيضاً لا بدّ من الالتزام بصحتها وعدم كونها مفسداً. فالتفكيك بينهما لا وجه له.

هذا ، ولكنّ التحقيق هو صحة هذا الجزء وعدم كونه مفسداً على الإطلاق من غير فرق بين الذكر والقرآن وغيرهما ، وذلك لما بيّناه في محلِّه (٢) من أنّه لا معنى للجزء المستحب ، فانّ مقتضى الجزئية هو تقوّم المركّب بهذا الشي‌ء ، ومعنى‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٤.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

٤٦

[١٤٢٦] مسألة ١٣ : إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ، إلاّ إذا كان قصد الجزئية تبعاً وكان من الأذكار الواجبة (١).

______________________________________________________

الاستحباب جواز تركه ، وهذان الأمران مما لا يكاد اجتماعهما ، فالتعبير بذلك يكون مبنياً على ضرب من المسامحة ، بل هو عمل مستقل تعلق به أمر نفسي غايته أنّ وعاءه هو الصلاة ، كما في كثير من الأدعية المأثورة للصائم في شهر رمضان ، فيكون موجباً لمزية الفرد الذي يشتمل عليه.

فعليه لو أتى به قاصداً غير الصلاة أيضاً ، يكون لغواً من دون أن تتّصف بالزيادة العمدية كي توجب فساد الصلاة ، فلا يكون وجوده قادحاً في الصلاة بل غايته عدم ترتّب المزيّة والفضيلة على الفرد المأتي به في ضمنه كما هو ظاهر.

(١) فانّ الواجب على المكلّف المتصدِّي للعبادة إنّما هو الإتيان بالطبيعة المأمور بها بقصد القربة ، وأمّا الخصوصيات المكتنفة بها الأفراد من الإتيان في الزمان أو المكان ، أو مع اللباس المعيّن ونحوها ، كاختلاف مراتب رفع الصوت أو خفضه في الصلوات الجهرية أو الإخفاتية ، فكلّها خارجة عن حريم المأمور به ، ولا يعتبر فيها قصد التقرب وكان أمر التطبيق بيد المكلف ، فله اختيار ما شاء من الخصوصيات الفردية.

وعليه فلو أتى بذات الجزء الواجب بداعي الأمر الإلهي وقد رفع صوته بداعي الاعلام مثلاً ، لم يكن به بأس ، لعدم قدحه في حصول الامتثال بوجه إلاّ إذا كان الرفع المزبور مقصوداً بالذات وكانت جزئية أصل الذكر مقصودة بالتبع ، فإنّه يبطل لعدم كفاية القصد التبعي في صدق التعبد كما تقدّم (١). فالجزء‌

__________________

(١) في ص ٤٢.

٤٧

ولو قال الله أكبر مثلاً بقصد الذِّكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل (١) ، مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية.

[١٤٢٧] مسألة ١٤ : وقت النيّة ابتداء الصلاة وهو حال تكبيرة الإحرام وأمره سهل بناءً على الداعي (٢) وعلى الاخطار اللاّزم اتصال آخر النيّة المخطرة بأوّل التكبير ، وهو أيضاً سهل.

______________________________________________________

باطل لفقدان النية ، بل ومبطل للصلاة لنقصان الجزء إن اقتصر عليه ، وللزيادة العمدية إن تداركه ، بل وإن لم يتدارك كما لا يخفى.

وعلى الجملة : مجرّد ضمّ نيّة أُخرى في خصوصيات الأفراد لم يكن قادحاً في الصحة كما هو الحال في غير المقام أيضاً. فلو كان عنده ماءان طاهران أحدهما نظيف دون الآخر ، فاختار النظيف للوضوء وللتنظيف لم يكن به بأس بعد أن كان قاصداً للامتثال في أصل الوضوء مستقلا.

(١) كما نطقت به جملة من النصوص التي منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاته ، وإلى جنبه رجل راقد فيريد أن يوقظه ، فيسبّح ويرفع صوته لا يريد إلاّ ليستيقظ الرجل ، هل يقطع ذلك صلاته ، وما عليه؟ قال : لا يقطع ذلك صلاته ولا شي‌ء عليه » (١) ونحوها غيرها.

(٢) وهو القصد الإجمالي الكامن في أُفق النفس الباعث نحو العمل في كافة الأفعال الاختيارية التي منها الصلاة ، من غير فرق إلاّ في الانبعاث عن قصد التقرّب ، فهو إذن في غاية السهولة.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٩ [ لكن في المصدر قرب الإسناد : ٢٠٠ / ٧٦٦ فيصيح بدل « فيسبّح » ].

٤٨

[١٤٢٨] مسألة ١٥ : يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة ، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيِّراً (١) ، وأمّا مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة ، ولا يلزم الاستحضار الفعلي (٢).

______________________________________________________

وهكذا الحال بناءً على تفسيرها بالإخطار الراجع إلى إحضار صورة العمل بتمامه في الذهن مقارناً للتكبير ، وهو أيضاً لا صعوبة فيه وإن كان الأوّل أسهل ، وما عدا ذلك هواجس نفسانية ، بل وساوس شيطانية ينبغي للعاقل الاجتناب عنها ، وعدم الاشتغال بها وإتلاف الوقت في سبيلها.

وقد حكي عن بعض الأكابر أنّه لو وجب على الإنسان أن يصلي بلا نيّة لتعذّر ، ضرورة أنّ الفعل الاختياري لا بدّ وأن يصدر مع القصد ولا يمكن تفكيكه عنه ، فالصعوبة إذن في ترك النيّة لا في فعلها.

(١) لكشف التحيّر عن زوال تلك النيّة الإجمالية الارتكازية عن أُفق النفس ، إذ مع بقائها لزم الالتفات إليها بأدنى توجه.

وبالجملة : فالعبرة في الاستدامة باستناد العمل بقاءً إلى ما كان مستنداً إليه حدوثاً ، من غير فرق إلاّ من ناحية الالتفات التفصيلي والإجمالي.

والوجه في وجوب الاستدامة واضح ، ضرورة عدم صدق الإتيان بتمام أجزاء المركب عن نيّة إلاّ بذلك.

(٢) أي في تمام حالات الصلاة تفصيلاً ، إذ مضافاً إلى تعذّره غالباً ، بل ومنافاته مع الخشوع وحضور القلب المرغوب فيه في الصلاة ، لا دليل عليه بوجه.

٤٩

[١٤٢٩] مسألة ١٦ : لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلاً أو بعد ذلك أو نوى القاطع والمنافي فعلاً أو بعد ذلك ، فإن أتمّ مع ذلك بطل. وكذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى ، وأمّا لو عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة. ولو نوى القطع أو القاطع وأتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى فالبطلان موقوف على كونه فعلاً كثيراً (*) ، فان كان قليلاً لم يبطل خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) بعد الفراغ عن اعتبار النيّة في تمام أجزاء الصلاة واستدامتها إلى آخرها تعرّض قدس‌سره لمسألة القطع وهي تنحل إلى فروع ، ونحن نرتّبها على خلاف الترتيب المذكور في المتن ، لكونه أسهل تناولاً كما ستعرف.

فمنها : أنّه لو نوى القطع أو القاطع في أثناء الصلاة فعلاً أو بعد ذلك ، ثم عاد إلى النية الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء ، فالمشهور حينئذ هو بطلان الصلاة. وذهب المحقق في الشرائع (١) وجملة من المتأخرين منهم السيّد قدس‌سره في المتن إلى الصحة.

واستدلّ للمشهور بوجوه لا ينبغي التعرّض لأكثرها لوضوح فسادها. والعمدة منها إنّما هو وجه واحد وحاصله : أنّ المستفاد من أدلّة القواطع كقوله عليه‌السلام : إنّ القهقهة أو الحدث أو التكلّم يقطع الصلاة (٢) ، وكذا ممّا دلّ على أنّ‌

__________________

(*) أو كونه مما تبطل الصلاة بمطلق وجوده.

(١) الشرائع ١ : ٩٥.

(٢) راجع الوسائل ٧ : ٢٥٠ ، ٢٣١ ، ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ، ١ ، ٢٥.

٥٠

افتتاحها التكبير واختتامها التسليم (١) ، أنّ للصلاة هيئة اتصالية ملحوظة بين المبدأ والمنتهى ، وأنّها معتبرة في الصلاة ، فكما أنّ الأجزاء من الأفعال والأذكار من الصلاة ، فكذلك الأكوان والآنات المتخللة بينها ، فلا بدّ من مراعاة النيّة واستدامتها في جميعها حتى في تلك الأكوان ، لكونها منها كسائر الأجزاء ، والنيّة شرط في جميعها ، فكما أنّ الإخلال بسائر الشروط كالاستدبار والحدث والتكلّم ونحوها يوجب البطلان حتى في تلك الأكوان بلا إشكال ، فكذا استدامة النيّة وحيث إنّ نيّة القطع تستوجب الإخلال بالنيّة في هذه القطعة من الزمان ووقوعها عن غير نيّة ، فلا محالة توجب بطلان الصلاة.

وبعبارة أُخرى : نيّة القطع إمّا أن توجب قطع الصلاة والخروج عنها المساوق لبطلانها أو لا. فعلى الأوّل فهو المطلوب ، وعلى الثاني وتسليم كونه بعد في الصلاة ، فحيث إنّ هذا الكون الصلاتي عارٍ عن النيّة لا محالة فتختل استدامة النيّة في هذه القطعة من الزمان بالضرورة فيوجب البطلان من أجل فقدان الشرط قهراً.

وهذا أحسن ما قيل في وجه البطلان ، وأمّا بقية الوجوه فكلّها ضعيفة ساقطة التي منها ما قيل من أنّ النيّة الأُولى بعد زوالها لا يجدي الرجوع إليها ، لفوات المقارنة لأوّل العمل ، ولا بدّ من صدور العمل عن نيّة سابقة عليه.

إذ فيه : أنّ النيّة اللازم سبقها على العمل هي نيّة المجموع والمفروض سبقها عند النيّة الأُولى ، وأمّا نيّة الجميع أي نيّة كل جزء جزء قاصداً به الأمر الضمني المتعلِّق به ، فهو مقارن لكل جزء لا سابق عليه ، وهو حاصل بعد الرجوع والعود كما لا يخفى. وهكذا غيره من سائر الوجوه التي لا يخفى ضعفها على من لاحظها ، فالعمدة إذن هو الوجه الذي عرفته.

__________________

(١) راجع الوسائل ٦ : ٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ، ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١.

٥١

والجواب : أنّا نختار الشق الثاني ، وأنّ مجرد نيّة القطع أو القاطع لا يوجب الخروج عن الصلاة. قولكم إنّ اللاّزم منه الإخلال باستدامة النيّة في الأكوان المتخللة ، فيه : أنّه لا دليل على اعتبار الاستدامة فيما عدا الأجزاء من الأفعال والأذكار.

وأمّا الاستشهاد لذلك بأدلّة القواطع ، وبحديث التحليل والتحريم المستكشف بهما رعاية الهيئة الاتصالية ، فيدفعه : أنّ غاية ما يثبت بها أنّ المصلِّي بعد شروعه في الصلاة ما لم يأت بالمنافي ولم يسلّم فهو في الصلاة وليس خارجاً عنها ، أي انّ الأجزاء السابقة صالحة لأن تنضمّ إليها الأجزاء اللاّحقة ، وأين هذا من كون الأكوان المتخللة من الصلاة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في الأجزاء وكم فرق بين الكون في الصلاة وبين أن يكون الشي‌ء من الصلاة. والمستفاد من تلك الأدلة إنّما هو الأوّل دون الثاني كما هو ظاهر.

بل إنّ المستفاد من صحيحة حماد (١) الواردة في بيان كيفية الصلاة وما لها من الأجزاء ، عدم كون الأكوان المتخللة منها ، لعدم التعرض إليها.

وعليه فلا دليل على لزوم مراعاة النيّة في الأكوان المتخللة كي يصادمها نيّة القطع أو القاطع ، فلو عاد عن نيّته ورجع إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته للتحفّظ على استدامة النيّة فيما تعتبر فيه من الأجزاء أعني الأفعال والأذكار.

هذا ، ومع التنزّل عن ذلك والشك في اعتبار النيّة في الأكوان ، فتكفينا أصالة البراءة عن اعتبارها فيها بعد إمكان أخذها فيها شرعاً بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين.

وممّا ذكرنا يظهر حال فرع آخر وإن لم يتعرّض له في المتن ولعلّه لوضوحه ـ

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٥٢

وهو ما لو تردد في القطع ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء ، فإنّ الصحة حينئذ بطريق أولى ، إذ الحكم بالصحة مع نيّة القطع الجزمية يستوجب الحكم بها مع الترديد بالأولوية. على أنّ بعض الوجوه المذكورة للبطلان هناك غير جارٍ هنا كما لا يخفى.

ومنها : لو نوى القطع أو القاطع فعلاً أو بعد ذلك وأتمّ صلاته مع هذه الحالة ، وقد حكم في المتن بالبطلان حينئذ ، وحيث إنّ المنافاة بين نيّة القطع المساوقة لرفع اليد عن الصلاة والخروج عنها ، وبين الإتمام بعنوان الصلاة ظاهرة ، لما بينهما من المضادة ، ويمتنع القصد فعلاً إلى المتضادين معاً ، فلا بدّ من فرض كلامه قدس‌سره فيما إذا كان الإتمام لا بعنوان الصلاة ، بل بعنوان آخر من التعليم ونحوه ، أو بأن ينوي القطع في مقام الامتثال ، بأن يفرض الأجزاء السابقة كالعدم ويبني على استئناف العمل وإن لم يقطعها خارجاً.

وكيف ما كان ، فالظاهر هو البطلان سواء اقتصر عليها أم تدارك الأجزاء المأتي بها بعد نيّة القطع. أما الأوّل فظاهر ، للإخلال بقصد الجزئية واستدامة النيّة المعتبرة في الصلاة. وكذا الثاني ، للزوم الزيادة لو تداركها ، ولا أقل من حيث زيادة السلام المبطل لها بلا إشكال.

ومنه يظهر حكم ما لو أتى ببعض الأجزاء كركعة مثلاً ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل إتمام الصلاة ، فإنّه يحكم أيضاً بالبطلان ، سواء اقتصر عليها أم تداركها ، للإخلال بقصد الجزئية على الأوّل كما مرّ ، وللزوم الزيادة على الثاني في مثل الركوع والسجود ، فانّ المأتي منهما أوّلاً وإن لم يكن بعنوان الجزئية كما عرفت إلاّ أنّ المستفاد ممّا دلّ على المنع من قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بلزوم السجدة وأنّها زيادة في المكتوبة ، أنّ مطلق الركوع والسجود زيادة في الصلاة وإن لم يقصد بهما الجزئية كما في سجدة التلاوة.

٥٣

نعم ، لو لم تكن تلك الأجزاء من قبيل الركوع والسجود ، كما لو نوى القطع وهو في الركعة الثانية مثلاً فقرأ الفاتحة والسورة مع هذه الحالة ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل الركوع وتدارك القراءة ، فالظاهر الصحة ، لعدم اتصاف تلك القراءة بالزيادة بعد أن لم يقصد بها الجزئية كما هو المفروض اللهمّ إلاّ أن تكون تلك الأجزاء كثيرة ، كما لو قرأ سورة طويلة بحيث كانت ماحية (١) لصورة الصلاة فتوجب البطلان حينئذ من هذه الجهة.

وملخّص الكلام : أنّه مع نيّة القطع لو أتمّ الصلاة كذلك فهي محكومة بالبطلان مطلقاً ، ولو عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام فيفصّل حينئذ بين ما إذا كانت الأجزاء المأتي بها في تلك الحالة من الأركان كالركوع والسجود ، وبين ما كانت من غيرها كالقيام والقراءة ونحوهما فيحكم بالبطلان في الأُولى سواء تداركها أم لا ، وبالصحة في الثاني مع التدارك ، إلاّ إذا كانت كثيرة ماحية للصورة.

هذا كله فيما إذا نوى القطع فعلاً ، وأمّا إذا نوى القطع بعد ذلك فالظاهر البطلان مطلقاً ، أي سواء أتمّها أم عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام ، وسواء أكانت من الأركان أم لا ، وسواء تداركها أم لا ، لأنّ الأجزاء المأتي بها لم يقصد بها الأمر الصلاتي قطعاً ، إذ لا يجامع ذلك مع العزم على القطع فيما بعد ، ولا بدّ في الصحة من استدامة النيّة إلى آخر الصلاة ، الملازم للانبعاث عن الأمر النفسي المتعلق بمجموع الصلاة بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فهو غير قاصد لامتثال الأمر عند الإتيان بتلك الأجزاء ، فهو كمن دخل في الصلاة غير قاصد إلاّ إلى ركعة واحدة منها ، التي بطلانها أظهر من أن يخفى.

__________________

(١) السورة الطويلة غير ماحية للصورة كما سيأتي التعرّض لذلك ، راجع العروة ١ : ٥٣٥ / الثامن ، بعد الرقم [١٧٤٠] ، شرح العروة ١٥ : ٥٠١.

٥٤

فلم تقع تلك الأجزاء مصداقاً للمأمور به ، وحيث إنّه يأتي بها بعنوان الجزئية كما هو لازم فرض البناء على القطع فيما بعد لا فعلاً فلا ينفعه التدارك بعدئذ ، لاستلزامه اتصاف هذه الأفعال بالزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا نعني بها إلاّ الإتيان بشي‌ء بعنوان الجزئية ، ولم يكن منها المنطبق على المقام فيحكم بالبطلان وإن لم تكن من الأركان.

ومنه يظهر الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة ، أعني نيّة القطع فعلاً فإنّ الأفعال لم يقصد بها الجزئية هناك بخلاف المقام.

هذا كلّه في نيّة القطع. وأمّا إذا نوى القاطع ومع ذلك استمرّ في العمل وأتى بالأجزاء ، فإمّا أن ينويه فعلاً أو بعد ذلك.

أمّا في الأوّل : فالظاهر الصحة ، ضرورة أنّ الاستمرار في العمل مع البقاء على نيّة القاطع فعلاً ممّا لا يجتمعان ، فإنّهما متضادان ، للتضاد بين التكلّم مثلاً والصلاة المقيدة بعدمه ، فمقتضى العزم على القاطع رفع اليد عن الصلاة ، فكيف يجامع مع الإدامة بها والإتيان بالأفعال بقصد الجزئية ، فلا يمكن تصحيح الفرض إلاّ بالعدول إلى النيّة الأُولى قبل الأخذ في الاستمرار ، وقبل أن يأتي بشي‌ء من الأفعال ، فيرجع حينئذ إلى الفرع الأوّل الّذي ذكرناه في صدر المسألة ، أعني ما لو نوى القطع أو القاطع ثم عدل إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء ، وقد عرفت هناك بما لا مزيد عليه أنّ الأقوى الصحة.

وأمّا الثاني : أعني نيّة القاطع فيما بعد ، فيظهر حكمه مما مرّ آنفاً في نيّة القطع فيما بعد ، الذي عرفت أنّ الأقوى البطلان حينئذ في جميع الصور. هكذا ينبغي أن تحرّر المسألة ، وفي عبارة الماتن في المقام خلط وتشويش كما لا يخفى على من لاحظها.

٥٥

[١٤٣٠] مسألة ١٧ : لو قام لصلاة ونواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها ، ولا يضرّ سبق اللسان ولا الخطور الخيالي (١).

[١٤٣١] مسألة ١٨ : لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحّت على ما افتتحت عليه (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ المناط في النيّة التي عليها تبتني صحة العمل هو الانبعاث عن إرادة نفسية ارتكازية باعثة على ارتكاب العمل وإن لم يلتفت إليها فعلاً بالتفصيل ، وعليه فلا أثر لسبق اللسان ولا الخطورات الزائدة بعد صدور العمل عن تلك النيّة الارتكازية ، فشي‌ء منها غير قادح فيها.

(٢) ربما يعلل الحكم بمطابقته للقاعدة ، حيث إنّ الإتمام منبعث عن النيّة الاولى لا غير ، فغايته أنّ تخيل الخلاف يكون من باب الخطأ في التطبيق والاشتباه في تعيين المنوي ، وذلك ممّا لا دخل له في الإتمام ، فلا يقدح في الصحة على ما افتتحت عليه.

وفيه : أنّ باب الخطأ في التطبيق أجنبي عن أمثال المقام ممّا يتقوّم الامتثال بالقصد ، ولا واقع له وراء ما نواه وقصده ، وإنّما يجري فيما لو كان الاشتباه في الأُمور الخارجية الأجنبية عن حريم الامتثال ، كما لو أتى بالعمل بداع قربي باعتقاد أنّه واجب فتبيّن أنّه مستحب ، أو بالعكس ، أو صام يوماً بتخيّل أنّه يوم مبارك كالجمعة مثلاً فتبيّن الخلاف ، أو صلى خلف من في المحراب باعتقاد أنّه زيد فبان عمراً ونحو ذلك ، فانّ كون الأمر وجوبياً أو استحبابياً أو اليوم ذا فضيلة وعدمه ، أو من في المحراب زيداً أو عمراً لا دخل لشي‌ء من ذلك في تحقّق الامتثال بعد الإتيان بذات العمل على وجهه بداع قربي.

٥٦

فتخيل الخلاف والاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في أمثال ذلك لكون المأتي به مصداقاً للمأمور به الواقعي ، فالانطباق قهري والإجزاء عقلي.

وأمّا إذا كان المأمور به في حدّ ذاته متقوّماً بالقصد بحيث لا واقع له وراء ذلك ، فقصد الخلاف قادح في مثله بالضرورة ، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد الإخلال بالقصد الدخيل في حقيقته.

فلو اعتقد أنّ عليه فريضة قضائية فنواها ، ثم تبيّن أنّ الذمة غير مشغولة إلاّ بالأدائية ، أو اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلى فريضته ، أو أراد بيع شي‌ء فاشتبه ووهبه ، فإنّها لا تقع أداءً في الأوّل ، ولا نافلة في الثاني ، ولا بيعاً في الثالث بلا إشكال.

والسرّ هو ما عرفت من تقوّم تلك الأُمور بالقصود ودخلها في تحقّق الامتثال وقد تجرّد العمل عنها ، فلا تقع مصداقاً للمأمور به قطعاً ، ولا شك أنّ المقام من هذا القبيل ، فانّ قصد الفريضة والاستدامة على هذا القصد إلى آخر العمل دخيل في صحتها ووقوعها فريضة ، فلو عدل عنها في الأثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقاً للفريضة للإخلال بالنيّة بقاءً ، كما أنّها لا تقع مصداقاً للنافلة لعدم القصد إليها حدوثاً ، وكذا الحال فيما لو دخل في النافلة فأتمّها فريضة فإنّها لا تقع مصداقاً لشي‌ء منهما ، ومن المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من الفريضة والنافلة.

وعلى الجملة : فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة على طبق القواعد بل مقتضى القاعدة بطلانها كما عرفت ، وإنّما المستند الوحيد في صحتها ووقوعها على ما افتتحت عليه هي الروايات الخاصة الواردة في المقام ، وعمدتها صحيحة عبد الله ابن المغيرة قال في كتاب حريز أنّه قال : « إنِّي نسيت أنِّي في صلاة فريضة ( حتى ركعت ) وأنا أنويها تطوّعاً. قال : فقال عليه‌السلام هي التي قمت فيها ، إذا‌

٥٧

كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وإن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة ، وإن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة » (١).

ودلالتها على المطلوب ظاهرة ، والمراد من الشك في قوله عليه‌السلام « ثم دخلك الشك » السهو كما يطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار ، والسند صحيح فإنّ إبراهيم بن هاشم موثق ، وكذا عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الكاظم عليه‌السلام ، ولا يقدح روايته عن كتاب حريز لا عنه نفسه كي يتأمل في طريقه إلى الكتاب ، فانّ حريزاً وإن كان من أصحاب الصادق عليه‌السلام لكنّه بقي بعد وفاته عليه‌السلام بل قيل إنّه روى عن الكاظم عليه‌السلام وإن منعه النجاشي (٢). وكيف كان فهو معاصر لابن المغيرة ، بل إنّ كثيراً من أصحاب الكاظم عليه‌السلام رووا عن حريز (٣) بلا واسطة ، وعليه فطبع الحال يقتضي أن يكون كتابه معروفاً لديهم وواصلاً إليهم بطريق معتبر فروايته عنه إخبار عن الحسّ دون الحدس كما لا يخفى.

وهناك روايتان أُخريان موافقتان مع الصحيحة المتقدمة بحسب المضمون مؤيّدتان للمطلوب ، إحداهما : رواية معاوية ، والأُخرى رواية عبد الله بن‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٤٤ / ٣٧٥.

(٣) كثرة الرواية عن حريز نفسه لا تستوجب صحّة الطريق إلى كتابه ، كما أنّ المعروفية لا تلازمها. والعمدة أنّ الرواية مضمرة فلا يعوّل عليها حتى لو صحّ السند ، إذ لم يسندها إلى المعصوم ، ولعلّه رواها عن زرارة نفسه ، كما قد يعضده أنّ كتابه مشحون بنقل فتاواه ولم يكن في الجلالة بمثابة زرارة كي لا ينقل عن غير المعصوم ، وكلمة عليه‌السلام زيادة من صاحب الوسائل أو تصرّف من النسّاخ لخلوّ المصدر وهو الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٥ ، والتهذيب ٢ : ٣٤٢ / ١٤١٨ عن ذلك.

٥٨

[١٤٣٢] مسألة ١٩ : لو شكّ فيما في يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مثلاً (١) ، قيل بنى على التي قام إليها ، وهو مشكل ، فالأحوط الإتمام والإعادة (*) نعم لو رأى نفسه في صلاة معيّنة وشكّ في أنّه من الأوّل نواها أو نوى غيرها ، بنى على أنّه نواها وإن لم يكن مما قام إليه ، لأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

______________________________________________________

أبي يعفور (١) إلاّ أنّ سندهما لا يخلو عن الخدش ، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي فلا تصلحان إلاّ للتأييد.

(١) تارة يفرض الكلام في المترتبتين كالظهرين والعشاءين ، وأُخرى في غيرهما كالفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ونحوهما.

أمّا في الاولى : فلا ينبغي الإشكال في الصحة في فرض صحة العدول وبقاء محلّه ، كما لو علم بعدم الإتيان بالظهر ، أو شكّ فيه ورأى نفسه في صلاة لم يدر أنّه دخل فيها بعنوان الظهر أو العصر ، فإنّه يعدل بها إلى الظهر ويتمّها كذلك وتصح بلا إشكال ، لأنّه إن دخل فيها بعنوان الظهر فهو ، وإلاّ فله العدول إليه وهذا لا غبار عليه.

وكذا الحال في العشاءين مع بقاء محل العدول ، كما لو كان الشك المزبور قبل الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

وأمّا إذا لم يكن المورد من موارد العدول ، كما إذا كان شكّه فيما في يده بعد العلم بالإتيان بالصلاة الاولى من الظهر أو المغرب ، أو فرض الكلام في غير‌

__________________

(*) هذا في غير المترتبتين ، وأمّا فيهما فلو لم يكن آتياً بالأُولى جعل ما في يده الاولى وصحّت بلا إشكال.

(١) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢ ح ٢ ، ٣.

٥٩

المترتبتين كالفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ، فتارة يعلم أنّه قام إلى صلاة معيّنة ويشك في أنّه دخل فيها بالعنوان الذي قام إليه ، وأُخرى لا.

أمّا الثاني ، فلا إشكال في البطلان ، لعدم إحراز النيّة كما هو ظاهر.

وأمّا في الأوّل ، فربّما يقال بالصحة ووقوعها على التي قام إليها ، ويستدل له تارة : بأصالة عدم العدول عما قام إليه ، وأُخرى : بخبر ابن أبي يعفور المتقدم فانّ قوله عليه‌السلام في صدره : « هي التي قمت فيها ولها » شامل للمقام وظاهر في أنّ المدار على ما قام إليه وإن دخله الشك بعدئذ.

وفي كلا الوجهين ما لا يخفى ، فانّ العدول ليس بنفسه حكماً شرعياً ولا موضوعاً ذا أثر ، وإنّما اللاّزم إحراز استناد الصلاة إلى النيّة التي قام إليها وإثبات ذلك باستصحاب عدم العدول من أظهر أنحاء الأصل المثبت كما لا يخفى.

وأمّا الخبر فصدره وإن لم يأب عن الشمول للمقام كما عرفت إلاّ أنّ ذيله شاهد على الخلاف ومفسّر للمراد من الصدر ، فانّ قوله عليه‌السلام : « وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوي ... » إلخ ، وقوله عليه‌السلام : « إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته » ، يشهد بأنّ المراد مراعاة النيّة التي افتتح بها صلاته ودخل فيها بها ، لا ما قام إليها وإن لم يدر أنّه ابتدأ بها في أوّل صلاته أم لا كما في المقام. فالرواية ناظرة إلى المسألة السابقة ، وهي ما لو دخل في الصلاة بنية معيّنة ثم أتمّها بنية أُخرى غفلة ، وأجنبية عن المقام رأساً كما هو ظاهر.

هذا ، مضافاً إلى عدم خلوّ سندها عن الخدش ، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ ، وإن كان رجال السند كلّهم موثقين مع الغض عن الطريق المزبور.

فتحصّل : أنّ الأقوى هو الحكم بالبطلان في مثل ذلك ، لقاعدة الاشتغال بعد الشك في صدور النيّة على وجهها.

٦٠