موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٥٥٥] مسألة ٣ : يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد وفي الأُخرى التسبيحات ، فلا يلزم اتحادهما في ذلك (١).

[١٥٥٦] مسألة ٤ : يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات (٢).

______________________________________________________

فانّ التعبير بالإجزاء يكشف عن أنّ الوظيفة الأوّلية إنّما هي القراءة وإن أجزأ عنها التسبيح ، ولا سيّما بملاحظة قوله عليه‌السلام في الذيل « أقرأ فاتحة الكتاب » فيعارض مضمونها الصحيحة الأُولى وبعد التساقط يرجع إلى إطلاق صحيحة عبيد وموثقة علي بن حنظلة الدال على التخيير بين الأمرين والتساوي بينهما كما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّه لم تثبت أفضلية شي‌ء من التسبيح أو القراءة ، بل الأقوى هو التخيير والمساواة بينهما ، من غير فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد ، ما عدا صورة واحدة وهي المأموم في الصلوات الجهرية ، فانّ الأحوط وجوباً اختياره التسبيح حينئذ كما عرفت وجهه (١).

(١) لإطلاق نصوص التخيير ، فانّ الموضوع فيها كل واحدة من الأخيرتين لا مجموعهما.

(٢) على المشهور المعروف ، بل عليه دعوى الإجماع ، وذهب بعض منهم صاحب الحدائق إلى التخيير (٢) ، ولا يخفى أنّه لم يرد في شي‌ء من الأخبار التعرّض لحكم الأخيرتين من حيث الجهر أو الإخفات ، وإنّما هي مسوقة لبيان حكم الأوّلتين أو سائر الأذكار من ذكر الركوع والسجود والتشهد ونحوها.

__________________

(١) في ص ٤٧٧.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٣٧.

٤٨١

ومع ذلك فالأقوى ما عليه المشهور ، للسيرة القائمة من الأئمة : وأصحابهم ، بل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا المتشرعة متصلة بهم على مراعاة الإخفات في الأخيرتين ، بحيث لم ينقل الجهر عن أحدهم ، وهذه السيرة بمجرّدها وإن لم تدل على الوجوب ، لإمكان قيامها على أمر راجح كالقنوت الذي تلتزم به الخاصة مع استحبابه ، بل غايتها عدم وجوب الجهر وأنّ الإخفات مشروع إباحة أو ندباً ، لكنها تحقق صغرى لكبرى تضمنتها صحيحة زرارة من عدم جواز الإجهار متعمداً في كل ما لا ينبغي الإجهار فيه قال : عليه‌السلام « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة » (١) فبضم الصغرى الثابتة بالسيرة وهي إنّ الإجهار في الأخيرتين ممّا لا ينبغي إلى الكبرى المستفادة من الصحيحة وهي البطلان في صورة العمد ينتج المطلوب.

فانّ المراد بكلمة « ينبغي » في هذه الصحيحة ليس هو الوجوب ولا الاستحباب قطعاً لوضوح الحكم على التقديرين ، وهو أنّ الإخلال بالجهر مع وجوبه يقتضي البطلان ، ومع استحبابه لا يقتضي ، فلا حاجة إلى السؤال ، بل المراد به في المقام ما هو اللائق بحال الصلاة والمناسب لها بحسب التداول والتعارف الخارجي ، وحيث إنّ الوظيفة المقررة في الأخيرتين من التسبيح أو القراءة ممّا يليق بها الإخفات كما كشفت عنه السيرة والتداول الخارجي على ما عرفت ، فكان هو ممّا ينبغي ، والإجهار فيها مما لا ينبغي فتشملها الصحيحة حينئذ من أنّ الإجهار في مثله موجب للإعادة.

نعم ، في الصحيحة الأُخرى لزرارة تخصيص الحكم بالقراءة فلا تعم التسبيح‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

٤٨٢

لو اختاره في الأخيرتين (١) لكن المستند هي الصحيحة الأُولى المطلقة ، إذ لا تنافي بين المثبتين حتى تراعى صناعة الإطلاق والتقييد كما لا يخفى.

وربما يستدل للحكم بصحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكتّ فلا بأس » (٢) بناءً على إرادة الإخفات من الصمت ، إذ لا صمت للإمام في شي‌ء من الركعات إجماعاً وإرادة الأخيرتين من الركعتين ، فانّ توصيفهما بذلك يكشف عن معهودية الحكم كذلك ، وأنّ الخفت فيهما شي‌ء مسلّم مفروغ عنه.

لكنه كما ترى ، فانّ المراد بالركعتين الأولتان قطعاً ، بشهادة الجواب بتخيير المأموم بين القراءة والسكوت ، إذ لا سكوت في الأخيرتين ، لعدم تحمل الإمام هنالك بالضرورة ، وإنّما مورده الأولتان اللتان يتحمل فيهما الإمام. فالصحيحة ناظرة إلى حكم الأوّلتين من الصلوات الإخفاتية ، فتكون أجنبية عمّا نحن فيه بالكلية.

ويؤيد ما ذكرناه : أنّ لابن يقطين صحيحة أُخرى بعين هذا السند عن أبي الحسن عليه‌السلام وقد سأله عن حكم الأوّلتين في الصلوات الجهرية (٣) فسأله عليه‌السلام عن حكم المأموم في الركعتين الأوّلتين تارة في الجهرية وأُخرى في الإخفاتية فأجاب عليه‌السلام فيهما بالتخيير بين القراءة والسكوت. فالعمدة في الاستدلال ما عرفت. وأمّا بقية الوجوه المذكورة في المقام فكلها ساقطة لا ينبغي الالتفات إليها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٥٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١.

٤٨٣

نعم ، إذا قرأ الحمد يُستحب الجهر بالبسملة على الأقوى (*) وإن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في جواز الجهر بالبسملة ، وأُخرى في استحبابه على تقدير الجواز ، أمّا أصل الجواز فالمشهور ذلك ، وخالف فيه ابن إدريس فذهب إلى المنع (١) ، واستدل له تارة : بأنّه مقتضى الاحتياط ، إذ لا يحتمل وجوب الجهر.

وفيه : أنّ المورد من موارد الأقل والأكثر ، والمختار فيه البراءة دون الاشتغال.

وأُخرى : بأنّ ذلك هو مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الإخفات في الأخيرتين ، فإنّه يشمل الفاتحة بأجزائها لو اختار القراءة ، ولا شك أنّ البسملة جزء لها. فالقائل بالتقييد وجواز الجهر فيها لا بدّ له من إقامة الدليل وإلاّ فالإطلاق حجة عليه ، ولعله من أجل ذلك ذكر في المتن أنّ الإخفات أحوط.

والجواب : أنّ هذا إنّما يتم لو كان الإخفات في الأخيرتين مستفاداً من دليل لفظي فيتجه حينئذ التمسك بإطلاقه ، لكنك عرفت أنّ المستند فيه إنّما هي السيرة والتعارف الخارجي المحققة لصغرى ما لا ينبغي الإجهار فيه ، بضميمة صحيحة زرارة بالتقريب المتقدم (٢) ، وحيث إنّ السيرة دليل لبي فلا إطلاق لها كي يتمسك به ، بل لا يحتمل الإطلاق بعد ذهاب المشهور إلى جواز الجهر في البسملة بل استحبابه كما عرفت ، ولم يثبت أنّ سيرة الأئمة : وأصحابهم كانت على الإخفات فيها لخلوّ الأخبار إلاّ ما شذّ عن التعرّض‌

__________________

(*) فيه إشكال ، والأحوط لزوماً الإخفات.

(١) السرائر ١ : ٢١٨.

(٢) في ص ٤٨١.

٤٨٤

[١٥٥٧] مسألة ٥ : إذا أجهر عمداً بطلت صلاته (١) ، وأما إذا أجهر جهلاً أو نسياناً صحت ، ولا يجب الإعادة وإن تذكّر قبل الركوع.

______________________________________________________

لاختيارهم : القراءة في الأخيرتين فضلاً عن بيان الإخفات في بسملتها فدعوى قيام السيرة منهم أو من غيرهم على الخفت فيها ساقطة جدّاً ، سيّما بعد كون الغالب اختيار التسبيح في الأخيرتين.

وبالجملة : فالقائل بالجواز يكفيه عدم الدليل على المنع ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل على الجواز بعد كونه مطابقاً للأصل كما عرفت.

وأمّا الاستحباب فالمشهور أيضاً ذلك إلاّ أنّ إثباته بحسب الدليل مشكل فانّ ما استدل به جملة من النصوص قد تقدّمت (١) الإشارة إليها في المسألة الحادية والعشرين من الفصل السابق ، وهي قاصرة سنداً ودلالة من أجل انصرافها إلى القراءة في الركعتين الأوّلتين ولا تعمّ الأخيرتين.

نعم ، قد يظهر من موثقة هارون (٢) استحباب الجهر بالبسملة مطلقاً ، لكنه لا يختص بحال الصلاة ، فإثبات الاستحباب بهذا العنوان مشكل إلاّ أنّ يستند فيه بقاعدة التسامح بناءً على شمولها لفتوى المشهور ، لكن القاعدة لم تثبت ، وعلى تقدير ثبوتها فالمبنى ضعيف كما مرّ غير مرّة ، فالأولى لمن أراد الجهر بها بهذا العنوان أن يقصد الرجاء ، وإلاّ فالأحوط الإخفات.

(١) مرّ الكلام حوله مفصلاً في المسألة الثانية والعشرين من الفصل السابق فلاحظ (٣).

__________________

(١) في ص ٣٨٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٧٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٢.

(٣) ص ٣٩١.

٤٨٥

[١٥٥٨] مسألة ٦ : إذا كان عازماً من أوّل الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات ، وكذا العكس (١) ، بل يجوز العدول في أثناء أحدهما إلى الآخر ، وإن كان الأحوط عدمه.

[١٥٥٩] مسألة ٧ : لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به (٢) ، وكذا العكس.

______________________________________________________

(١) إذ لا دليل على تعين الواجب التخييري فيما عزم على اختياره من أحد الطرفين بمجرد القصد ، فيبقى إطلاق دليل التخيير بحاله ، بل الحال كذلك حتى لو شرع في أحدهما ثم بدا له في الأثناء العدول إلى الآخر ، فانّ مقتضى القاعدة حينئذ جوازه أيضاً ، ومن هنا ذكرنا فيما سبق أنّ العدول من سورة إلى أُخرى على طبق القاعدة إلاّ ما خرج بالنص كالعدول من الجحد أو التوحيد أو فيما بعد تجاوز النصف أو الثلثين على تفصيل تقدم في محله (١) ، وذلك لأنّ المأمور به هو الطبيعي الجامع وما لم يسقط أمره بالفراغ عما اختاره من الفرد له رفع اليد عنه واختيار الفرد الآخر ، إذ لا يترتب عليه محذور عدا توهم الزيادة المبطلة وقد أشرنا غير مرّة إلى أنّ أدلّة الزيادة قاصرة الشمول لأمثال المقام ، لانصرافها إلى ما لو أوجد الزائد من أوّل الأمر لا ما لو أحدث صفة الزيادة لما وقع سابقاً كما فيما نحن فيه ، فالأقوى هو الجواز وإن كان الأحوط تركه كما في المتن حذراً عن هذه الشبهة.

(٢) بل الأقوى ذلك ، لفقد القصد مع السبق ، ولا بدّ في تحقّق العبادة من القصد والاختيار. وبالجملة : سبق اللسان مساوق للسهو ولذا لا يوجب البطلان لو وقع مثله في كلام الآدمي فهو مقابل للعمد فينتفي معه القصد المعتبر في صحة العبادة.

__________________

(١) في ص ٣٤٧.

٤٨٦

نعم ، لو فعل ذلك غافلاً من غير قصد إلى أحدهما (١) فالأقوى الاجتزاء به ، وإن كان من عادته خلافه.

[١٥٦٠] مسألة ٨ : إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين (٢) فذكر أنّه في إحدى الأخيرتين ، فالظاهر الاجتزاء به‌

______________________________________________________

(١) فسّرت العبارة بانتفاء القصد السابق على أحدهما مع صدور ما وقع منه عن قصد ، بأن يكون حين الشروع في الصلاة غافلاً عن وظيفة الأخيرتين فلم يكن قاصداً وقتئذ لا للتسبيح ولا القراءة ، لكنه في ظرف العمل قصد وامتثل لكنه كما ترى فان حكم هذا قد ظهر من المسألة السابقة بالأولوية القطعية حيث ذكر هناك أنّه لو كان عازماً أوّل الصلاة على أحدهما جاز له العدول إلى الآخر ، فاذا جاز ذلك مع قصد الخلاف من أوّل الأمر فالجواز مع انتفاء القصد من أصله لمكان الغفلة بطريق أولى ، فالتعرّض له هنا مستقلا يصبح لغواً مستدركاً.

فالظاهر أن مراده قدس‌سره بذلك على ما يقتضيه ظاهر العبارة أيضاً ما لو صدر منه أحدهما من غير قصد إليه بخصوصه ، مع تعلق القصد بالطبيعي الجامع ، فخصوصية الصادر مغفول عنها فلا قصد إليها ، لكن الطبيعي المأمور به مقصود كما يتفق ذلك كثيراً ، ونظيره اختيار السورة ، فإنّ المصلي بعد الانتهاء من الفاتحة ربما يشرع في سورة من غير قصد إليها بخصوصها لأجل غفلته عنها ، وإنّما يقصد طبيعي السورة المأمور بها. والأقوى حينئذ الصحة وإن كان من عادته خلافه كما أفاده في المتن ، لوضوح أنّ الخصوصية غير مأمور بها فلا مقتضي لقصدها ، وإنّما الواجب هو الطبيعي وقد قصده حسب الفرض ، فلم يلزم منه الإخلال فيما تتقوّم به العبادة.

(٢) أمّا إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين ، فذكر أنّه في إحدى‌

٤٨٧

ولا يلزم الإعادة ، أو قراءة التسبيحات وإن كان قبل الركوع ، كما أنّ الظاهر أنّ العكس كذلك ، فإذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين ثم تبيّن أنّه في إحدى الأُوليين لا يجب عليه الإعادة.

______________________________________________________

الأخيرتين ، فلا ينبغي الشك في الصحة ، فإنّ المأمور به حينئذ وإن كان هو الطبيعي الجامع بين الحمد والتسبيح لا خصوص أحدهما ، إلاّ أنّ تعلّق القصد بخصوص الحمد بزعم أنّه في إحدى الأولتين لا ينفك عن تعلق القصد بالطبيعي المأمور به ، فانّ الفرد يتضمن الطبيعي وزيادة ، فقصده ملازم لقصده لا محالة ، فلا قصور في ناحية العبادة بوجه. ومن هنا ترى أنّ كثيراً من العوام يأتون بالتسبيح في الأخيرتين قاصدين خصوصيته ، غافلين عن أنّ الواجب هو الطبيعي بينه وبين الحمد ، أو يقرءون التوحيد بعد الفاتحة بزعم أنّه بخصوصه واجب لا طبيعي السورة ، ولم يستشكل أحد في صحة صلاتهم ، وسرّه ما عرفت من أنّ قصد الفرد لا ينفك عن قصد الجامع. فلا خلل في تحقق المأمور به بوجه.

وأمّا عكس ذلك أعني ما لو قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين فبان أنّه في إحدى الأولتين فربما يتوهم عدم الاجتزاء به حينئذ ، بدعوى أنّه لم يقصد بالحمد حسب زعمه إلاّ الطبيعي ، وأما خصوصية الحمد الواقع في الأولتين فغير مقصودة ولا بدّ من تعلق القصد بهذه الخصوصية كما هو شأن الوظيفة المقررة في الأوّلتين ، فيلزم الخلل في العبادة ، إذ ما هو الواجب غير مقصود ، وما هو المقصود غير واجب.

ولكنه ليس بشي‌ء ، ضرورة أنّ الواجب إنّما هو ذات الحمد وقد حصل ، ولا يعتبر قصد خصوصية كونه واقعاً في إحدى الأوّلتين ، فإنّ هذا القصد غير دخيل في موضوع الأمر قطعاً ، ومن هنا ترى أنّه لو ركع أو سجد بتخيل أنّه‌

٤٨٨

نعم ، لو قرأ التسبيحات ثم تذكّر قبل الركوع أنّه في إحدى الأولتين يجب عليه قراءة الحمد وسجود السهو بعد الصلاة (*) لزيادة التسبيحات (١).

[١٥٦١] مسألة ٩ : لو نسي القراءة والتسبيحات وتذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته وعليه سجدتا السهو للنقيصة ، ولو تذكّر قبل ذلك وجوب الرجوع (٢).

______________________________________________________

في الأُولى فقصد بهما هذا العنوان الخاص ثم بان أنّه في الثانية مثلاً أجزأ عنه بلا إشكال ، لعدم مدخلية لقصد الأوّلية والثانوية في حصول الواجب بلا ريب.

(١) حكم قدس‌سره بوجوب قراءة الحمد وبسجود السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات ، أمّا الأخير فهو مبني على القول بوجوب سجدة السهو لكل زيادة ونقيصة ، لكنه لم يثبت ، وإنّما الثابت وجوبها في موارد خاصة ليس المقام منها ، كما سيجي‌ء التعرّض له في محلِّه إن شاء الله تعالى. وأمّا الأوّل فوجهه ظاهر ، لعدم الإتيان بوظيفة الأولتين والمحل باق على الفرض ، لكون التذكر قبل الركوع فلا مناص من تداركها ، فهو على طبق القاعدة مضافاً إلى ورود النص الخاص في ناسي القراءة المتضمن لوجوب التدارك ما لم يركع ، كموثق سماعة « عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال ـ : ليقرأها ما دام لم يركع ... » (١).

(٢) حكم قدس‌سره حينئذ بصحة الصلاة وبوجوب سجدتي السهو للنقيصة إمّا سجدة السهو فقد مرّ الكلام عليها آنفاً ، وأمّا الصحة فهي على طبق القاعدة من أجل حديث لا تعاد ، بعد أن لم تكن القراءة من الخمسة‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى ، وكذا في المسألة الآتية.

(١) الوسائل ٦ : ٨٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

٤٨٩

[١٥٦٢] مسألة ١٠ : لو شكّ في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن (١) وإن كان قبل الوصول إلى حدّه (*) ، وكذا لو دخل في الاستغفار (٢).

______________________________________________________

المستثناة. مضافاً إلى النصوص الخاصة التي منها صحيحة منصور قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، قال : قد تمّت صلاتك إذا كانت نسياناً (١).

هذا كله إذا كان التذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك ، سواء أكان في حال الهوي أم قبله ، وجب الرجوع وتدارك القراءة بلا إشكال كما ذكره في المتن ، لما عرفت في المسألة السابقة من كونه مطابقاً للقاعدة. مضافاً إلى النص الخاص الوارد فيه كما عرفت بالنسبة إلى القراءة.

(١) هذا مبني على كفاية الدخول في المقدمات في جريان قاعدة التجاوز وعدم اعتبار الدخول في نفس الجزء المترتب على المشكوك ، فيكفي الدخول في الهوي أو النهوض اللذين هما مقدمة للركوع وللقيام لو شكّ في تحقق الجزء السابق ، لكنه لم يثبت ، بل الأقوى عدم الكفاية كما تعرضنا له عند البحث عن القاعدة مستقلا (٢) وفي بعض المباحث السابقة ، وسيأتي الكلام عليه في بحث الخلل إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا أيضاً مبني على كفاية الدخول في الجزء الاستحبابي في جريان قاعدة التجاوز ، وعدم اختصاصه بالجزء الوجوبي ، وبما أنّ الاستغفار من الأجزاء المستحبة فالدخول فيه كافٍ في الحكم بعدم الاعتناء.

__________________

(*) الظاهر وجوب العود في هذا الفرض وفيما بعده.

(١) الوسائل ٦ : ٩٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٢.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠١.

٤٩٠

[١٥٦٣] مسألة ١١ : لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث (١) إذا لم يكن بقصد الورود بل كان بقصد الذكر المطلق.

______________________________________________________

وفيه أوّلاً : أنّ المبنى غير تام ، فانّا لا نعقل الجزء الاستحبابي ، لمنافاة الجزئية مع الاستحباب ، فان مقتضى الأول الدخل في الماهية ، ومقتضى الثاني عدم الدخل ، فهو في نفسه لا تعقّل له كي يبحث عن كفاية الدخول فيه وعدمها ، بل إنّ ما يسمى بالجزء المستحب كالقنوت فهو في الحقيقة مستحب ظرفه الواجب لا أنّه من الجزء المترتب.

وثانياً : على تقدير التسليم وتصور الكبرى فالاستغفار ليس من هذا القبيل إذ هو لم يرد في شي‌ء من الأخبار إلاّ في صحيحة عبيد المتقدمة (١) وقد عرفت فيما مرّ (٢) أنّ المراد به بقرينة الذيل هو الدعاء ، والاستغفار من مصاديقه فالمأمور به هو مطلق الدعاء لا خصوص الاستغفار ، وحيث قد بيّنا فيما سبق عند التعرض لكيفية التسبيح أنّ المأمور به هو كل تسبيح وارد في النصوص الصحيحة التي منها هذه الصحيحة ، غايته أنّ الوجوب حينئذ تخييري لا تعييني فلو اختار العمل بهذه الصحيحة المشتملة على الدعاء وأتى بالاستغفار بهذا العنوان فهو حينئذ جزء وجوبي وإن كان تخييرياً لا أنّه جزء استحبابي وحيث إنّ الظاهر من كل واحد من النصوص مراعاة الترتيب بين أجزاء التسبيح الواردة فيها ، فلو كان في الاستغفار وشك في تحقق الجزء السابق جرت قاعدة التجاوز بالنسبة إليه بناءً على جريانها في جزء الجزء كما سيجي‌ء ، لكنّه من باب الدخول في الجزء الوجوبي دون الاستحبابي كما عرفت.

(١) فان التحديدات الواردة في التسبيح التي أقصاها اثنتا عشرة تسبيحة‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ١.

(٢) في ص ٤٧١.

٤٩١

[١٥٦٤] مسألة ١٢ : إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة (*) ولا يقصد الوجوب والندب حيث إنّه يحتمل أن يكون الأُولى واجبة والأخيرتين على وجه الاستحباب ، ويحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً ، فيكون من باب التخيير بين الإتيان بالواحدة والثلاث ويحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث ، فحيث إنّ الوجوه متعددة فالأحوط الاقتصار على قصد القربة ، نعم لو اقتصر على المرّة له أن يقصد الوجوب (١).

______________________________________________________

تكون لا بشرط بالإضافة إلى الزائد عليها إذا لم يكن بقصد الورود ، فلا بأس بالزيادة على المقدار المقرّر إذا قصد بالزائد الذكر المطلق ، لما دلّ على جواز الذكر والدعاء والقرآن في الصلاة ، وأنّ كل ما ذكرت به ربّك في الصلاة فهو من الصلاة.

(١) ذكر قدس‌سره أنّ مقتضى الاحتياط فيما إذا أتى بالتسبيحات ثلاثاً أن لا يقصد بها الوجوب ولا الندب ، بل يقصد بها القربة المطلقة ، لما تقدّم (١) من اختلاف الأقوال في ذلك ، فيحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً من باب التخيير بين الواحدة والثلاث ، كما يحتمل أن يكون الواجب خصوص الاولى ، والأخيرتان على وجه الاستحباب ، كما يحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث ، فلأجل اختلاف الوجوه وتعدّدها كان قضية الاحتياط الاقتصار على قصد القربة من دون تعرّض للوجه من الوجوب والندب. نعم لدى الاقتصار على المرّة جاز له قصد الوجوب كما هو ظاهر ، هذا.

وقد اتضح لك من جميع ما أسلفناه أنّ الواجب من بين الثلاث إنّما هو‌

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في جواز قصد الوجوب في التسبيحة الأُولى.

(١) في ص ٤٥٩.

٤٩٢

فصل في مستحبات القراءة

وهي أُمور (١) :

الأوّل : الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأُولى (٢) بأن يقول : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » ، أو يقول : « أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » وينبغي أن يكون بالإخفات.

______________________________________________________

طبيعي التسبيح الصادق على الوجود الأوّل ، فإنّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي فلا سبيل إلى اختيار المكلف في التطبيق كما لا سبيل إلى التخيير بين الواحدة والثلاث ، لامتناع التخيير عقلاً بين الأقل والأكثر في الوجودات المستقلّة ، وما إذا كان للأقل وجود منحاز بحياله في مقابل الأكثر كما في أمثال المقام.

وعليه فلا مناص من اتصاف التسبيحة الأُولى بالوجوب ، والأخيرتين بالاستحباب ، فله قصد الوجوب بالأُولى سواء اقتصر عليها فكانت مرّة ، أم أتى بها ثلاث مرات.

(١) ذكر قدس‌سره في هذا الفصل جملة من المستحبات ونحن نتعرّض للبعض منها لوضوح الباقي.

(٢) كما هو المشهور المعروف ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي من القول بالوجوب (١) وعلى تقدير صدق النسبة فهو قول شاذ منفرد به محجوج عليه بالإجماع قبله وبعده على خلافه.

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٣٣١.

٤٩٣

الثاني : الجهر بالبسملة في الإخفاتية وكذا في الركعتين الأخيرتين (١) إن قرأ الحمد ، بل وكذا في القراءة خلف الإمام (*) حتى في الجهرية ، وأمّا في الجهرية فيجب الإجهار بها على الإمام والمنفرد.

______________________________________________________

وكأنه استند فيه إلى الأمر بها في صحيحة الحلبي الظاهر في الوجوب (١).

وفيه أوّلاً : أنّ الأمر الواقع فيها غير ظاهر في الوجوب في حد نفسه ، لاقترانه بجملة من المستحبات كرفع الكف وبسطها والإتيان بتكبيرات الافتتاح والأدعية في خلالها وغير ذلك مما يشهد بمقتضى اتحاد السياق بإرادة الاستحباب من الأمر في الجميع بمثابة يورث القطع بعدم إرادة الوجوب من هذا الأمر كما لا يخفى.

وثانياً : مع الغض عن هذه القرائن الداخلية فالقرينة الخارجية تشهد بعدم إرادة الوجوب ، فإنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل الابتلاء لكل مكلف في كل يوم ، فلو كانت الاستعاذة واجبة لكانت ظاهرة واضحة ولم يقع فيها الخلاف كيف والمشهور ذهبوا إلى عدم الوجوب بل لم ينسب القول بالوجوب إلاّ إلى ابن الشيخ كما عرفت ، فهو محمول على الاستحباب قطعاً.

هذا ، مضافاً إلى ما يظهر من بعض النصوص من عدم الوجوب كخبر فرات ابن أحنف (٢) ، ومرسل الصدوق (٣) لكنها لضعف أسانيدها لا تصلح إلاّ للتأييد. والعمدة ما عرفت من قصور المقتضي للوجوب.

(١) أمّا في الجهرية فلا إشكال في وجوب الجهر بالبسملة بعد ما عرفت من‌

__________________

(*) جواز الجهر بالبسملة فيها فضلاً عن استحبابه لا يخلو من إشكال.

(١) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٣٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ١٣٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٨ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢١.

٤٩٤

جزئيتها لكل سورة كما تقدّم (١) ، وأمّا فيما عداها فقد ذكر في المتن استحباب الجهر بالبسملة في مواضع ثلاثة : في الأولتين من الإخفاتية إماماً كان أو منفرداً ولا يتصوّر في المأموم لسقوط القراءة عنه وفي الركعتين الأخيرتين إن اختار الحمد ، وفيما إذا وجب الإخفات لعارض الائتمام كالمأموم المسبوق حتى في الجهرية.

أمّا الأوّلان فقد تقدم حكمهما (٢) ، وعرفت ثبوت الاستحباب في الأولتين للنصوص الكثيرة الدّالة عليه ، كما عرفت الإشكال في ثبوته في الأخيرتين بعنوان أنّها من الصلاة ، لعدم دليل يعتمد عليه عدا فتوى المشهور بناءً على قاعدة التسامح كما مرّ مستقصى فلاحظ.

وأمّا الأخير أعني المأموم المسبوق فلم يتقدم حكمه (٣) ، والظاهر عدم مشروعية الجهر بالنسبة إليه حتى في الجهرية ، فضلاً عن الاستحباب ، للأمر باخفات القراءة في محل الكلام وأنّه يقرأها في نفسه في صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق ، « قال ... إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأُم الكتاب وسورة ... » إلخ (٤).

ومقتضى الإطلاق وجوب الإخفات في جميع أجزاء القراءة التي منها البسملة ولا معارض لهذا الأمر في المقام لا خصوصاً كما هو ظاهر ، ولا عموماً لانصراف إطلاقات الجهر بالبسملة إلى الركعتين الأولتين كما عرفت سابقاً.

إذن فالأحوط وجوباً لو لم يكن أقوى مراعاة الإخفات في المقام ، فالقول بالجواز مشكل جدّاً فضلاً عن الاستحباب.

__________________

(١) في ص ٣٢٦.

(٢) في ص ٣٨٤ ، ٣٨٩.

(٣) [ لم يتقدّم في المتن وإن تقدّم في الشرح في ص ٣٩٠ ].

(٤) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٤٩٥

الثالث : الترتيل أي التأنّي في القراءة وتبيين الحروف على وجه يتمكن السامع من عدّها.

الرابع : تحسين الصوت بلا غناء.

الخامس : الوقف على فواصل الآيات.

السادس : ملاحظة معاني ما يقرأ والاتعاظ بها.

السابع : أن يسأل الله عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منها.

الثامن : السكتة بين الحمد والسورة ، وكذا بعد الفراغ منها بينها وبين القنوت أو تكبير الركوع.

التاسع : أن يقول بعد قراءة سورة التوحيد : كذلك الله ربي مرّة ، أو مرّتين أو ثلاث ، أو كذلك الله ربنا ، وأن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة الحمد إذا كان مأموماً : الحمد لله رب العالمين ، بل وكذا بعد فراغ نفسه إن كان منفرداً.

العاشر : قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات كقراءة عمّ يتساءلون ، وهل أتى ، وهل أتاك ، ولا اقسم ، وأشباهها في صلاة الصبح وقراءة سبّح اسم ، والشمس ونحوهما في الظهر والعشاء ، وقراءة إذا جاء نصر الله ، وألهيكم التكاثر في العصر والمغرب ، وقراءة سورة الجمعة في الركعة الأُولى ، والمنافقين في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة ، وكذا في صبح يوم الجمعة ، أو يقرأ فيها في الأُولى الجمعة ، والتوحيد في الثانية وكذا في العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأُولى الجمعة ، وفي الثانية المنافقين وفي مغربها الجمعة في الأُولى ، والتوحيد في الثانية ، ويستحب في كل صلاة قراءة إنا أنزلناه في الأُولى والتوحيد في الثانية ، بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل أُعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما ، بل ورد‌

٤٩٦

أنّه لا تزكو صلاة إلاّ بهما ، ويستحب في صلاة الصبح من الاثنين والخميس سورة هل أتى في الأولى ، وهل أتاك في الثانية.

[١٥٦٥] مسألة ١ : يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمسة.

[١٥٦٦] مسألة ٢ : يكره قراءة التوحيد بنَفَس واحد ، وكذا قراءة الحمد والسورة بنَفَس واحد.

[١٥٦٧] مسألة ٣ : يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلاّ سورة التوحيد.

[١٥٦٨] مسألة ٤ : يجوز تكرار الآية في الفريضة وغيرها والبكاء ، ففي الخبر : كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا قرأ مالك يوم الدِّين يكرِّرها حتى يكاد أن يموت. وفي آخر : عن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرّجل يصلي ، له أن يقرأ في الفريضة فتمرّ الآية فيها التخويف فيبكي ويردِّد الآية؟ قال عليه‌السلام يردّد القرآن ما شاء وإن جاءه البكاء فلا بأس.

[١٥٦٩] مسألة ٥ : يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلاّهما فقرأ غير الجمعة والمنافقين ، أو نقل النية إلى النفل إذا كان في الأثناء وإتمام ركعتين ثم استئناف الفرض بالسورتين.

[١٥٧٠] مسألة ٦ : يجوز قراءة المعوّذتين في الصلاة ، وهما من القرآن.

[١٥٧١] مسألة ٧ : الحمد سبع آيات ، والتوحيد أربع آيات (*) (١).

______________________________________________________

(١) أمّا الأوّل فلا إشكال فيه كما لا خلاف. وأمّا الثاني فقيل إنّ آياته أربع بل إنّ هذا هو المعروف عند العامة بناءً على مسلكهم من عدم عدّ البسملة‌

__________________

(*) بل هي خمس آيات عند معظم الإمامية.

٤٩٧

[١٥٧٢] مسألة ٨ : الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقوله إِيّاكَ نَعْبُدُ (١) وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ إذا قصد القرآنية أيضاً ، بأن يكون قاصداً للخطاب‌

______________________________________________________

جزءاً من السورة (١) ، وقيل إنّها ثلاث بناءً على أنّ لم يلد ولم يولد إلى آخر السورة آية واحدة.

والصحيح أنّ آياته خمس ، بناءً على ما هو المعروف عند معظم الإمامية وهو الصواب كما تقدم (٢) من أنّ البسملة جزء من كل سورة ، وأنّ لم يلد ولم يولد ... إلى أحد ، آيتان.

ثم إنّه لا يترتب هناك أثر مهم على تحقيق عدد الآيات لوجوب الإتيان بسورة كاملة على كل حال ، عدا ما يقال من ظهور الأثر في صلاة الآيات لو أراد تقطيع السورة ، وتقسيط الآيات على الركعات ، فإنّه إنّما يصح لو كانت الآيات خمساً كي يأتي قبل كل ركوع بآية تامة ، لاشتمال كل ركعة على خمسة ركوعات. لكنّا سنذكر في محله إن شاء الله تعالى عدم لزوم الإتيان بآية تامة لكل ركوع لعدم الدليل عليه. وإنّما اللازم قراءة بعض السورة سواء أكانت آية كاملة أم لا. وعليه فيجوز التقطيع في سورة التوحيد مطلقاً كانت الآيات خمساً أم أقل.

نعم ، ربما يظهر أثر غير مهم بالنسبة إلى الجنب والحائض ، حيث يكره لهما قراءة أكثر من سبع آيات ، فيختلف الحال حينئذ في مقدار آيات التوحيد لو أراد احتسابها من السبع.

(١) قد يقال بعدم جواز الجمع بين قصد الإنشاء وقصد القرآنية ، فلا يجوز إنشاء الخطاب بقوله ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، ولا إنشاء الحمد بقوله الحمد لله‌

__________________

(١) المغني ١ : ٥٥٨ ، ٥٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٢٦ ، المجموع ٣ : ٣٣٤.

(٢) في ص ٣٢٦.

٤٩٨

بالقرآن ، بل وكذا في سائر الآيات ، فيجوز إنشاء الحمد بقوله ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، وإنشاء المدح في ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وإنشاء طلب الهداية في ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، ) ولا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.

______________________________________________________

ربّ العالمين ، ولا إنشاء الدعاء وطلب الهداية في قوله ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) وهكذا ، للزوم استعمال اللفظ المشترك في معنيين ، فانّ قصد القرآنية يتقوّم باستعمال اللفظ في شخص الألفاظ التي نزل بها الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ القرآن عبارة عن ذاك الفرد المعيّن النازل ، فقصده لا يتحقق إلاّ بالاستعمال في شخص ذاك الفرد من اللفظ ، فهو من باب استعمال اللفظ في اللفظ كما في قولك : زيد في ضرب زيد فاعل ، فانّ المستعمل فيه لكلمة زيد الأوّل هو لفظ زيد الواقع بعد ضرب ، ولم يستعمل في معناه ، وإلاّ فهو باعتباره مبتدأ لا فاعل ، وقصد الإنشاء بها يتقوّم بالاستعمال في نفس المعنى كما لا يخفى ، فيلزم الجمع بين استعمال اللفظ في المعنى واللفظ ، وهو ما عرفت من استعمال المشترك في معنيين.

ويندفع : بأنّ قصد القرآنية خارج عن باب الاستعمال رأساً ، وإنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل لما هو النازل.

وتوضيحه : أنّ قوام القرآن وما يترتب عليه من الفصاحة والبلاغة والإعجاز كغيره من قصيدة أو شعر أو نثر إنّما هو بطبيعي تلك الألفاظ المترتبة على هيئة معيّنة وشكل خاص. وأمّا شخص الفرد النازل أو الصادر من الشاعر أو الخطيب فلا دخالة له في صدق هذا العنوان بالضرورة. نعم ، النازل أو الصادر إنّما هو الفرد والشخص الخاص ، لامتناع وجود الطبيعي في الخارج إلاّ في ضمن فرد معيّن ، إلاّ أنّ المناط بالطبيعي الموجود في ضمنه ، وأمّا خصوصية الفرد الذي يوجد وينصرم فلا دخل لها في صدق القرآن أو الشعر ونحوهما قطعاً ، فلا‌

٤٩٩

مقتضي لاستعمال اللفظ فيه.

وعليه فقصد ذاك العنوان في مقام التلفظ مرجعه إلى الحكاية عن ذاك الطبيعي بإيجاد فرد آخر مشابه للفرد الأوّل الذي نزل على قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو صدر عن الشاعر أو المتكلم ، فكما أنّ قراءة شعر المتنبّي أو قصيدة امرئ القيس عبارة عن إيجاد فرد من تلك الألفاظ المنسّقة على النهج الخاص المماثل لما صدر منه بقصد الحكاية عن الطبيعي ، فكذا في القرآن.

ونظير المقام ما لو سألك أحد عن العصفور مثلاً وأنّه أيّ شي‌ء ، ولم يره طيلة عمره ، فأخذت عصفوراً بيدك وأريته وقلت هذا العصفور ، فإنّك قصدت بذلك إراءة الطبيعي الذي وضع له هذا اللفظ باراءة هذا الفرد ، فقد حكيت عن الطبيعي باراءة المصداق ، لا أنّ لفظ العصفور موضوع لفرد معيّن وقد أريته باراءة هذا الفرد.

وعلى الجملة : فلا نعقل لقصد القرآنية معنى آخر وراء هذا ، وليس ذلك من استعمال اللفظ في اللفظ لعدم خصوصية فيه ، وإنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل كما عرفت ، هذا.

ومن المعلوم أنّ الحكاية عن ذاك الطبيعي بالإضافة إلى قصد المعنى من خبر أو إنشاء تكون لا بشرط ، سواء فسّرنا الإنشاء بإيجاد المعنى باللفظ كما عليه القوم ، أو بمعنى آخر ، إذ لم تتقيد بعدمه بالضرورة ، فإذا اقترنت الحكاية المزبورة بقصد المعنى كان هناك استعمال للفظ في معناه زائداً على الحكاية ، وإلاّ فهي حكاية صرفة وليست من الاستعمال في شي‌ء.

وعليه فلا مانع من أداء المقاصد بالحكاية عن القرآن كغيره من شعر ونحوه سواء أكانت خبرية كما لو أردت الاخبار عن مجي‌ء رجل من أقصى البلد فقلت جاء رجل من أقصى المدينة ، أم كانت إنشائية كما لو أردت إنشاء الحمد أو‌

٥٠٠