موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

تيسر ، وإلاّ وجب بالمقدار الذي يمكنه وإن كان سورة البقرة مع أنّه غير واجب قطعاً ، بل المراد طبيعي ما يتيسر ، الصادق على المقدار الممكن من القراءة ، فلا موجب للتعويض.

ثالثها : قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (١) ، فانّ ظاهره نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة المستلزم للبطلان ، خرجت عنه ما اشتملت على الفاتحة الناقصة المعوّضة بالإجماع ، فيبقى غيره تحت عموم النفي. ولعلّ هذه أحسن الوجوه.

والجواب : أنّ الاستدلال مبني على أن تكون الرواية بصدد الإخبار عن الدخل في الحقيقة ، وليس كذلك ، بل هي إرشاد إلى الجزئية ولو بضميمة العلم الخارجي بعدم دخل الفاتحة في حقيقة الصلاة وأنّها لا تسقط بحال ، وأنّ المقوّم لها ليس إلاّ الركوع والسجود والطهور حسبما ثبت بالنص (٢).

وعليه فالجملة المزبورة في قوة الأمر بالفاتحة ، المختص بحال التمكّن جزماً فيسقط لدى العجز لا محالة ، فالأمر بالتعويض يحتاج إلى الدليل ، والأصل البراءة. وبالجملة : غاية ما يثبت بهذه الرواية جزئية الفاتحة ، وأمّا وجوب البدل فكلاّ.

رابعها : خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام « أنّه قال : أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلاّ يكون القرآن مهجوراً إلى أن قال وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنّه ليس شي‌ء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد » (٣) الدال على وجوب كل من قراءة القرآن ومن خصوص سورة الحمد من باب تعدد المطلوب ، فإذا تعذّر‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ / ٢ ، المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٣.

٤٢١

المطلوب الأرقى لزم التحفّظ على المطلوب الأدنى ، فيجب التعويض محافظة على أدنى المطلوبين بعد تعذر الآخر.

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما لا يخفى ، قصور الدلالة ، بداهة أنّ المراد من قراءة القرآن الذي هو المطلوب الأدنى الطبيعي الصادق على المقدار الميسور من الفاتحة ، فالمصلحة القائمة بقراءة القرآن من عدم كونه مهجوراً حاصلة ، والقائمة بالفاتحة ساقطة بالعجز ، والتبديل عن المقدار الفائت يحتاج إلى الدليل ، والأصل البراءة.

فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ ما ذكره بعضهم من عدم وجوب التعويض هو الأظهر ، وإن كان مراعاته أحوط.

ثم على تقدير الوجوب ، فهل يتعيّن أن يكون العوض من سائر القرآن غير الفاتحة ، إذ لا أثر للتكرار ، فإنّ الشي‌ء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً فلا يجمع بينهما ، أو يتعيّن أن يكون منها ، فيكرّر ما يعلمه حتى يستكمل مقدار الفاتحة لكونه أقرب إلى المتعذر من غيره ، لاشتراكهما في كونهما من أجزاء الفاتحة؟

قيل بكلّ منهما ، وكلاهما ليس بشي‌ء ، إذ مستندهما وجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي ، وأيّ مانع من أن يكون الشي‌ء الواحد باعتبار وجوده الأول أصلاً وبلحاظ الوجود الثاني بدلاً ، والأقربية المزبورة لم يقم دليل على وجوب مراعاتها. فالتعيين لا دليل عليه ، ولعلّه برعاية هذين الوجهين جمع الماتن بينهما وجعل ذلك أحوط.

نعم ، لا يبعد أن يكون الجمع واجباً لو كان المستند في أصل وجوب التعويض قاعدة الاشتغال ، فانّ هذا الاستدلال كما يقتضي أصل التعويض يقتضي وجوب الجمع في المقام بملاك واحد ، إذ لا يحصل الجزم بالفراغ إلاّ بذلك ، لاحتمال وجوب كل منهما كما مرّ. كما أنّ الحال كذلك لو كان المستند قوله ( عليه‌السلام )

٤٢٢

وإن لم يعلم شيئاً من القرآن سبّح وكبّر وذكر بقدرها ، والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربعة بقدرها (١).

______________________________________________________

« لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (١) إذ المتيقن خروجه عن عموم النفي صورة الجمع فيبقى ما عداها تحت العموم المقتضي للبطلان بالتقريب المتقدم ، لعدم العلم بالخروج لو اقتصر على واحد منهما ، ومن هنا كان الجمع أحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب التعويض من أصله كما عرفت.

ثم على تقدير الوجوب فهل يعتبر أن يكون البدل من الفاتحة أو من غيرها مساوياً للمقدار الفائت في الحروف والآيات والكلمات أو لا؟

يجري فيه الكلام المتقدم آنفاً بعينه ، فانّ المستند لو كان قاعدة الاشتغال أو قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » فاللازم الاحتياط ، فلا بدّ من رعاية كل ذلك مما يحتمل دخله في الواجب ، نعم ما لا يحتمل كعدد الحروف الساكنة أو المتحركة وعدد الفتح والضم والكسر ونحوها ممّا يقطع بعدم اعتبارها لا يلزم رعايتها ، ولو احتمل اعتبار هذه أيضاً وجب الاحتياط فيها.

(١) إذا لم يتمكّن من قراءة القرآن أصلاً لا الفاتحة ولا غيرها فما هي الوظيفة حينئذ؟

نسب إلى المشهور أنّه يسبّح الله ويهلّله ويكبّره ، وزاد بعضهم التحميد ، واكتفى بعضهم بمطلق الذكر كما عن الشهيد في اللّمعة (٢) ، وذكر بعضهم أنّه يأتي بالتسبيحات الأربع الواجبة في الركعتين الأخيرتين على هيئتها الخاصة.

وكل ذلك ممّا لا دليل عليه ، فانّ الوارد في المقام نبويّان ، أحدهما : تضمّن‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ / ٢ ، المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥.

(٢) الروضة البهية ١ : ٢٦٨.

٤٢٣

التكبير والتهليل والتحميد (١) ، والآخر : تضمّن التسبيحات الأربع بزيادة قوله : ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، أو مع إضافة العلي العظيم (٢) ، ومعلوم أنّ سند النبويين قاصر ولم يعمل بمضمونهما الأصحاب حتى ينجبر الضعف بالعمل لو سلّم كبرى الانجبار ، فانّ التسبيح يلتزم به المشهور والنبوي الأوّل خال عنه كما أنّ الزيادة التي يشتمل عليها النبوي الآخر لا يلتزمون بها.

وبالجملة : فلم نعرف مستنداً صحيحاً لهذه الأقوال. إذن لا مناص من الرجوع إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٣) ، والمذكور فيها قوله عليه‌السلام « أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ... » إلخ ، والمستفاد من الصحيحة أنّ الركن المقوّم للصلاة إنّما هو الركوع والسجود ، وأمّا القراءة فهي واجبة في حق المتمكّن ، وأمّا العاجز فيجزئه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي.

ولا يبعد أن يكون قوله عليه‌السلام « ويصلي » بمعنى يركع ، أي يمضي في صلاته ، وإلاّ فهو من الأوّل داخل في الصلاة. فعلى هذا ، الواجب بدلاً عن القراءة إنّما هو التسبيح فقط ، وأمّا التكبير المذكور قبله فهي تكبيرة الإحرام ، فما ذكره المحقق الأردبيلي (٤) من نفي البعد عن كون التكبير المزبور تكبيرة الصلاة لا أن يكون مع التسبيح بدلاً عن القراءة وجه حسن جدّاً ، بل هو الظاهر من الصحيحة كما عرفت.

فالظاهر الاجتزاء بالتسبيح فقط ، وإن كان الأولى والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع جمعاً بين الأقوال وتحصيلاً للقطع بالموافقة.

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٣٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢٨ / ٨٦١.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٨١.

(٣) في ص ٤١٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٦.

٤٢٤

ويجب تعلّم السورة أيضاً ، ولكن الظاهر عدم وجوب البدل لها في ضيق الوقت وإن كان أحوط (١).

[١٥٢٧] مسألة ٣٥ : لا يجوز أخذ الأُجرة (*) على تعليم الحمد والسورة بل وكذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة ، والظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات (٢).

______________________________________________________

(١) لا ريب في وجوب تعلّم السورة كالفاتحة بملاك واحد ، غير أنّ التعويض غير واجب في الثاني ، فلو لم يتعلم السورة قصوراً أو تقصيراً سقطت واجتزأ بالفاتحة على التفصيل المتقدم ، لعدم الدليل على وجوب التعويض هنا ، والأصل البراءة.

بل يمكن إقامة الدليل على العدم ، فانّ المستفاد من صحيحة ابن سنان المتقدمة (١) أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو لدى العجز عن طبيعي القراءة ، فمع التمكن منه لا تصل النوبة إلى التسبيح بدلاً عن السورة ، كما أنّه مع العجز عنه يجزئ التسبيح بدلاً عن القراءة الواجبة لا أنّه يأتي بمقدار بدلاً عن الفاتحة ومقداراً آخر بدلاً عن السورة ، فإنّ هذا يحتاج إلى مئونة يدفعها الإطلاق والأصل كما لا يخفى.

(٢) لا ينبغي الشك في أنّ التعليم كالتعلم واجب في مثل المقام ، لما دلّ على وجوب تبليغ أحكام الشريعة المقدسة وبثّها ونشرها كما يرشد إليه قوله تعالى ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... ) (٢) إلخ ، حيث دلّت الآية المباركة على وجوب التعليم‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) في ص ٤١٦.

(٢) التوبة ٩ : ١٢٢.

٤٢٥

للعالم كوجوب التعلم للجاهل ، وهل يجوز أخذ الأُجرة عليه أو لا؟

تكلّمنا حول هذه المسألة ونظائرها في بحث المكاسب المحرّمة (١) وقلنا إنّ المشهور وإن نسب إليهم عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات ، بل عمّم المنع بعضهم إلى الواجبات الكفائية إلاّ ما خرج بالدليل.

لكنّه لا يمكن المساعدة عليه ، إذ الوجوب بما هو لا يقتضي إلاّ لزوم الإتيان بالعمل تكليفاً. وهذا بمجرده لا يكون مانعاً عن الإيجار ، وإلاّ لمنع حتى في التوصّليات ، لعدم التنافي بين الأمرين ، فإنّ الوجوب بنفسه لا يقتضي سقوط العمل عن المالية أو سلب سلطنة العامل عليه أو خروجه عن ملكه كي لا يتمكن من تمليكه للغير حتى يتنافى مع أخذ الأُجرة عليه ، فكما أنّ الواجب يمكن وقوعه شرطاً في ضمن عقد لازم ، فكذا يمكن إيجاره ، غايته أنّه يجب حينئذ لملاكين وبوجوبين ، وجوبه لنفسه ، ووجوبه من قبل الأمر الاستيجاري أو الأمر بالوفاء بالشرط ، فهذا الأمر ممّا يؤكد الوجوب ويعضده لا أنّه ينافيه ويعارضه.

وبالجملة : حيثية الوجوب في نفسها لا ينافي الإيجار ، فإنّ الأوّل باب التكليف ، والثاني باب الوضع ، فالحيثيّتان متغايرتان ، وكل منهما لا يأبى عن الآخر ، فما أُفيد من أنّ الوجوب سالب للمالية ، أو أنّ المكلف بعد تعلق الوجوب بالعمل لا يكون مسلّطاً عليه لخروجه عن ملكه وصيرورته ملكاً لله تعالى ، غير سديد ، ضرورة أنّ العمل لا يكون ملكاً له تعالى تلك الملكية المصطلحة ، وإنّما ملكيته تعالى ليس إلاّ بمعنى الوجوب التكليفي المحض ، غير المنافي لوقوعه‌

__________________

(١) [ مصباح الفقاهة ١ : ٤٥٩ ] لمزيد التفصيل يلاحظ ما ضبطناه عنه ( دام ظله ) في كتاب الإجارة المسألة [٣٣٤٢].

٤٢٦

مورداً للإجارة ، فهو باق على ملك العامل وتحت حيطته وسلطنته فله إيجاره كما أنّ للمستأجر إجباره لو امتنع لا من باب الأمر بالمعروف ، بل من باب الوفاء بالعقد والمطالبة بالحق.

كما أنّ حيثية العبادية بما هي أيضاً لا تنافيه ، ولذا التزموا بجواز الاستئجار في المستحبات حتى العبادية ، ولو كانت مانعة لعمّ المنع للواجبات والمستحبات بملاك واحد مشترك بينهما كما لا يخفى.

ودعوى منافاة الإيجار للخلوص المعتبر في العبادة ، إذ العمل حينئذ يؤتى لله تعالى ولداعي أخذ الأُجرة ، كما ترى ، ضرورة أنّ الأُجرة يستحقها المؤجر بمجرّد عقد الإيجار ، سواء أتى بالعمل أم لا ، فلا داعي للعبادة إلاّ نفس الأمر الأوّل المتعلق بها المتأكد بالأمر الثاني الناشئ من قبل الإجارة ، وأمّا الأُجرة فهي مملوكة بنفس العقد كما عرفت من دون توقّف على الامتثال والوفاء ، فحيث إنّ شيئاً من الوجوب والعبادية لا ينافي الإيجار ، فاجتماعهما في مورد أيضاً لا ينافيه.

وبذلك كلّه يظهر أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على الواجب وإن كان عباديّاً سواء أكان عينياً أم كفائياً كما في المقام.

نعم ، لا بدّ وأن يكون هناك نفع عائد للمستأجر وأثر مترتب عليه فبدونه يبطل ، لكونه من أكل المال بالباطل كما في غير الواجبات ، مثل ما لو استأجر زيداً أن ينام في بيته نفسه ، فإنّ المستأجر لا ينتفع من مثل ذلك ويعدّ أخذ الأُجرة حينئذ من الأكل بالباطل ، إلاّ أنّ المنع في هذه الصورة لم ينشأ من قبل الوجوب بل لجهة أُخرى مشتركة بين الواجب وغيره ، فلو كان الواجب أو العبادة أو الواجب العبادي من هذا القبيل بطلت الإجارة لهذه الجهة لا لجهة الوجوب أو العبادية ، إذ الكلام في الإجارة الصحيحة في نفسها ، وإذا لم يكن من هذا القبيل صحّ مطلقا.

٤٢٧

[١٥٢٨] مسألة ٣٦ : يجب الترتيب بين آيات الحمد والسورة وبين كلماتها وحروفها (١) ، وكذا الموالاة (٢) ،

______________________________________________________

نعم ، ربما لا يصح في بعض الموارد ، كما إذا علمنا من الخارج بناء العمل على المجانية لكونه مورداً لحق الناس ، وأنّه ممّا يستحقونه على العامل ولو كفاية ، كما لا يبعد دعواه في تجهيزات الميت كغسله وكفنه ودفنه والصلاة عليه ، لقيام ارتكاز المتشرعة على أنّه حق للميت على المسلمين مجّاناً ، وأنّ الله تعالى أوجبه كذلك.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف : أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على تعليم القراءة وغيرها من أجزاء الصلاة الواجبة والمستحبة ، فلا بأس بإمرار المعاش والارتزاق من هذه الناحية ، وإن كان الأحوط تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور.

(١) أمّا الترتيب بين نفس الحمد والسورة بتقديم الأوّل على الثاني ، فقد تقدم الكلام فيه سابقاً فلاحظ (١).

وأمّا بين الآيات والكلمات والحروف ، فلا إشكال فيه كما لا خلاف ، فانّ مفهوم الحمد أو السورة يتقوّم بتلك الآيات على النهج الخاص والترتيب المقرّر بينهما بمالها من الأجزاء ، فمع الإخلال لا يصدق عنوان السورة التي هي متعلق التكليف ، فلم يتحقق المأمور به فيحكم بالبطلان ، وإن تداركه بالتكرار مراعياً للترتيب ، من جهة الزيادة العمدية المبطلة ، ضرورة أنّها تتحقق بنفس القراءة الأُولى على خلاف الترتيب لأنه أتى بها بقصد الجزئية حسب الفرض ، نعم لو قصد بذلك مطلق القرآن دون الجزئية لم يكن به بأس ، لعدم كونه من الزيادة القادحة حينئذ.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لتقوّم مفهوم الكلمة أو الآية بذلك ، من جهة اعتبار الوحدة الاتصالية العرفية بين الأجزاء ، بحيث لو تخلّل الفصل الطويل‌

__________________

(١) في ص ٢٩٠.

٤٢٨

فلو أخلّ بشي‌ء من ذلك عمداً بطلت صلاته (١).

______________________________________________________

بسكوت ونحوه الماحي للصورة أو للهيئة الكلامية خرجت الكلمة أو الآية عن حقيقتها ، فلو قال : ما ، وبعد مدّة قال : لـ ، وبعد مدّة أُخرى قال : كـ ، لم يعد ذلك مصداقاً لكلمة مالك ، بل يعد غلطاً في العرف واللغة ، ويكون خارجاً عن العربية.

وكذا لو قال : مالك ، وبعد فصل طويل قال : يوم ، وبعد فصل كذلك قال : الدين ، لم يكن ذلك مصداقاً للآية المباركة ، بل كان خارجاً عن قانون المحاورة وعن الكلام العربي ، وكذا الحال بين الآيات بعضها مع بعض ، فصدق عنوان السورة أو الآية أو الكلمة موقوف على مراعاة تلك الهيئة الاتصالية الملحوظة بين أجزائها بحيث لو أخلّ خرج عن الكلام العربي ، بل ربّما عد غلطاً كما عرفت. ومن المعلوم أنّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن على النهج العربي الصحيح ، ولأجل ذلك اعتبرنا الموالاة بين الإيجاب والقبول ، وبين فصول الأذان والإقامة ونحوهما ممّا اعتبرت فيه الهيئة الاتصالية العرفية.

وعلى الجملة : فالموالاة بهذا المقدار معتبرة جزماً ، وأمّا الزائد عليه فلا دليل على اعتباره ، والظاهر أنّ المشهور أيضاً لا يعتبرون أكثر من ذلك.

(١) فيما إذا كان بانياً على الإخلال من أوّل الأمر ، والوجه في البطلان حينئذ ظاهر ، وذلك لأجل الزيادة العمدية المبطلة. مضافاً إلى صدق كلام الآدمي لخروج مورد الإخلال عن القرآن والذكر والدعاء ، فيستوجب البطلان من ناحيتين ولا ينفعه التدارك بتكرار القراءة بعد حصول ما يبطل معه الصلاة ، فما في بعض الكلمات من بطلان القراءة بذلك في غير محله ، بل الظاهر بطلان الصلاة كما عرفت.

٤٢٩

[١٥٢٩] مسألة ٣٧ : لو أخلّ بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفاً بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت ، وكذا لو أخلّ بحركة بناء أو إعراب أو مد واجب أو تشديد أو سكون لازم ، وكذا لو أخرج حرفاً من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب (١).

______________________________________________________

نعم ، إذا لم يكن بانياً عليه من الأوّل بل بدا له ذلك في الأثناء ، كما لو أخذه السعال أو العطاس أو انقطع النفس أثناء الآية أو الكلمة بحيث تخلل الفصل المخل ، فالظاهر الصحة لو تدارك ، بل لا ينبغي الإشكال فيها لعدم تحقق الزيادة المبطلة حينئذ ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المستفاد من قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) أنّ المبطل هو إحداث الزائد من أوّل الأمر لا إحداث صفة الزيادة لما تقدمه كما في المقام ، فإنّه بعد التكرار والتدارك يتصف السابق بصفة الزيادة من دون أن يكون متصفاً بها حين حدوثه ، فمثل هذا غير مشمول لتلك الأدلة.

ومن هنا ذكرنا أنّ جواز العدول من سورة إلى أُخرى ، أو من الحمد إلى التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل خاص ، فانّ ذلك هو مقتضى التخيير المفروض في المقام ، إذ لا دليل على تعيّن الواجب فيما اختاره أوّلاً ما لم يفرغ عنه ، كما أنّ الزيادة العمدية غير متحققة في أمثال المقام لما عرفت آنفاً.

(١) أمّا الإخلال في المواد بتغيير كلمة أو تبديل حرف ولو بما يقاربه في المخرج ، كالضاد بالظاء أو بالعكس بناءً على تعدد الحرفين وتغاير المخرجين فلا إشكال في البطلان مع العمد ، للزوم الزيادة المبطلة. مضافاً إلى كونه من‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

٤٣٠

كلام الآدمي بعد عدم كونه من القرآن ولا الذكر ولا الدعاء. وأمّا مع السهو فتبطل الكلمة خاصة ، فتصح القراءة مع التدارك كما هو ظاهر.

وأمّا الإخلال في الهيئات ، فإن كان بتغيير في ترتيب الحروف بتقديم وتأخير كتغيير الحمد بالمدح وإن اتحد المعنى ، فحاله كالتغيير في المواد الذي مرّ حكمه من البطلان مع العمد ، وبطلان خصوص الكلمة مع السهو ، فإنّه من مصاديق ذلك كما لا يخفى.

ويلحق بذلك التغيير في حركات الكلمة من أوّلها أو وسطها أو آخرها إذا كانت مبنية ونعبّر عنها بالحركات اللاّزمة ، فإنّه أيضاً تغيير في القرآن فلا يكون منه ، ويجري فيه ما مرّ من بطلان الصلاة مع العمد ، وبطلان الكلمة مع السهو.

وأمّا التغيير في الحركات غير اللاّزمة كالأعراب ، فان عدّ غلطاً في كلام العرب ، كقوله الحمد بالكسر ، فهو أيضاً ملحق بما سبق ، لكونه مغايراً للكلام النازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا بدّ من قراءة القرآن قراءة صحيحة كما نزلت ، فيجري فيه أيضاً ما مرّ من بطلان الصلاة أو الكلمة مع العمد أو السهو.

إنما الكلام فيما إذا لم يكن غلطاً ولا مغيّراً للمعنى ، وهذا كما في الصفة ككلمة الرب في قوله ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، وكلمة مالك في ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ، حيث قالوا بجواز الوجوه الثلاثة في إعرابها الجر تبعاً للموصوف كما هو الشائع الذائع والنصب بتقدير كلمة أعني ، والرفع خبراً لمبتدإ محذوف ، فهل يجوز في الصلاة اختيار كل ذلك ، أو يتعين الأوّل كما هو المتعارف فلا يتغير عما هو عليه؟

ربما يقال بالجواز ، نظراً إلى أنّ اللاّزم هو الإتيان بقراءة صحيحة وهي متحققة في كل ذلك ، لكن الظاهر البطلان لأنّا مأمورون بقراءة القرآن كما انزل وكما يقرأه الناس ، للنصوص الدالة على ذلك كما سيجي‌ء ، لا بكل كلام عربي‌

٤٣١

[١٥٣٠] مسألة ٣٨ : يجب حذف همزة الوصل في الدرج (١) مثل همزة ( الله ) و ( الرّحمن ) و ( الرّحيم ) و ( اهدنا ) ونحو ذلك ، فلو أثبتها بطلت ، وكذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة ( أنعمت ) فلو حذفها حين الوصل بطلت.

[١٥٣١] مسألة ٣٩ : الأحوط ترك الوقف بالحركة والوصل بالسكون (٢).

______________________________________________________

صحيح فصيح ، فليس كل صحيح مجزئاً ، بل اللاّزم قراءة القرآن على الوجه النازل ، فلا يجوز التغيير عمّا هو عليه وإن لم يخرج بذلك عن الصحة ، وإلاّ لجاز التغيير والتبديل في المواد أيضاً مع التحفظ على المعنى ، كأن يقول بدل قوله تعالى ( يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) هكذا : يس والكتاب الحكيم إنّك لمن النبيين ، وهو كما ترى.

وعلى الجملة : فلا يجوز التخطي عن القراءات المتعارفة لا في المواد ولا في الهيئات ، سواء صحت بحسب اللغة والقواعد العربية أم لا.

وممّا قدّمنا يظهر الحال في التشديد ، فلا يجوز تغييره والإخلال به ، فلو قال بدل إنّا أنزلناه ، إننا أنزلناه بالتفكيك ، بطل لكونه على خلاف القرآن المنزل ، بل ربما يعد من الغلط في كلام العرب كما لا يخفى.

وأمّا المدّ الواجب وكذا تغيير الحروف عن مخارجها فسيجي‌ء الكلام عليها.

(١) كما نصّ عليه علماء الأدب من غير خلاف ، فلا يجوز الإظهار فإنّه يعدّ من الغلط في كلام العرب ، إلاّ في ضرورة الشعر ، كما أنّ همزة القطع لا بدّ من إظهارها على ما صرّحوا به أيضاً ، فلو أدرجها كان من الإخلال بالحروف الذي مرّ حكمه من بطلان الصلاة مع العمد ، والقراءة مع السهو.

(٢) الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار شي‌ء منهما بعد ما رأينا الخطباء والفصحاء‌

__________________

(١) يس ٣٦ : ١ ٣.

٤٣٢

[١٥٣٢] مسألة ٤٠ : يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها (١) مثلاً إذا أراد أن لا يقف على ( الْعالَمِينَ ) ويصلها بقوله ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح وهكذا. نعم ، إذا كان يقف على كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

[١٥٣٣] مسألة ٤١ : لا يجب أن يعرف مخارج الحروف (٢) على طبق ما ذكره علماء التجويد ، بل يكفي إخراجها منها وإن لم يلتفت إليها ، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج ، بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف وإن‌

______________________________________________________

من ادباء العرب لا يلتزمون بذلك في محاوراتهم ، فلا يعدّ ذلك عيباً في الكلام ولا لحناً أو خروجاً عن قانون اللغة أو القواعد العربية. نعم ، ربما يعدّ ذلك نقصاً في مقام الخطابة ، أو نظم الشعر ، إلاّ أنّ اعتباره في صحة الكلام العربي بمثابة يورث الإخلال به اللحن ممنوع ، ولو شكّ فيه فمقتضى الأصل البراءة عن مانعية كل منهما. وقد تقدم (١) في بحث الأذان جواز الوصل بالسكون كما هو المتعارف ، فلا يقاس المقام بهمزتي الوصل والقطع كما لا يخفى ، إلاّ أنّ الأحوط والأولى مع ذلك تركهما.

(١) إحرازاً للصحة ، وحذراً عن الوقوع في الغلط المحتمل ، كما هو الشأن في وجوب التعلم كلية ، نعم لا يجب التعلم لو أراد الوقف ، لعدم كونه واجباً نفسياً بل طريق لإحراز الصحيح ، فلا حاجة إليه بعد التمكن من الطريق الآخر.

(٢) غير خفي أنّ أكثر العرب لا يعرفون المخارج على ما هي عليه ممّا ذكره علماء التجويد ، بل لا يعرفها إلاّ أقل القليل منهم ، وإنّما يتكلمون على رسلهم وبمقتضى طبعهم ، وكذا الحال عند غير العرب ، غايته أنّ المخارج عند العرب أكثر.

__________________

(١) [ لم نجد تصريحاً بذلك فيما تقدّم ].

٤٣٣

خرج من غير المخرج الذي عيّنوه ، مثلاً إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن أو الأيسر على الأضراس العليا صح ، فالمناط الصدق في عرف العرب وهكذا في سائر الحروف ، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب.

[١٥٣٤] مسألة ٤٢ : المدّ الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد (١) وهي الواو المضموم ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها ، والألف المفتوح ما قبلها همزة مثل جاء ، وسوء ، وجي‌ء (*) ، أو كان بعد أحدها سكون لازم خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل الضالّين.

______________________________________________________

ومنه يظهر أنّ العبرة في أداء الحرف تميّزه عمّا عداه بحيث لا يلتبس بالآخر فالمناط الصدق عند العرب ، وأمّا ما ذكره علماء التجويد من المخارج المعيّنة فإن توقف أداء الحرف على رعايتها فلا كلام ، وأمّا إذا تمكن المتكلم من أداء نفس الحرف عن ذاك المخرج المعيّن وعن غيره من دون أي تغيير فيه كما قد يتّفق (١) فلا دليل حينئذ على لزوم رعاية تلك المخارج بخصوصها. فالمدار على صدق التلفّظ بذلك الحرف ، سواء خرج عن المخرج الذي عيّنوه أم لا.

(١) مراده قدس‌سره بذلك اجتماع حرف المدّ والهمزة في كلمة واحدة المُعبّر عنه بالمد المتّصل ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وأمّا الواقع في كلمتين المُسمّى‌

__________________

(*) وجوب المدّ في هذه الموارد مبنيّ على الاحتياط.

(١) والاستشكال في إمكان الفرض بل دعوى استحالته عادة كما عن المحقق النائيني قدس‌سره [ العروة الوثقى مع تعليقات عدة من الفقهاء ٢ : ٥١٧ ] وغيره ، لعله في غير محله ، لقضاء الوجدان بأداء الحروف بعينها وإفصاحها عمّا يقارب المخارج الستة عشر أيضاً ، التي ذكرها علماء التجويد وغيرهم ، وإن اختلفت مرتبة الإفصاح بمقدار لا يقدح في الصدق العرفي بوجه فلاحظ.

٤٣٤

[١٥٣٥] مسألة ٤٣ : إذا مدّ في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل إلاّ إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة.

[١٥٣٦] مسألة ٤٤ : يكفي في المد مقدار ألفين (*) وأكمله إلى أربع ألفات ، ولا يضرّ الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

______________________________________________________

بالمد المنفصل فغير واجب ، وكلامه قدس‌سره غير ناظر إليه بشهادة الأمثلة المزبورة.

وكيف كان ، فالظاهر عدم الوجوب حتى في المتصل لعدم الدليل عليه. نعم المد بمقدار يظهر حرف الألف أو الواو أو الياء الواقعة قبل الهمزة ممّا لا بدّ منه فالإخلال به بحيث يقول : جَأَ بدل جاء ، أو : سُؤ بدل سوء ، أو جِئ بدل جي‌ء قادح قطعاً ، فإنّه من الإخلال بالحرف الذي تقدم حكمه من بطلان الصلاة مع العمد ، وبطلان القراءة مع السهو.

وأمّا الزائد على هذا المقدار حتى قيل إنّ أقله ألفان ، وأكثره أربعة ، فالظاهر عدم وجوبه لفقد دليل معتبر عليه ، وإنّما هو تزيين للكلام في مقام إلقاء الخطب ونحوها ، وأمّا في غيره كمقام المحاورة والتكلّم العادي فليس تزييناً بل ولا متعارفاً في كلام العرب ، فهل ترى أنّ المولى إذا أعطى نقداً لعبده ليقسّمه بين المستحقين يقول له : أعطه للفقراء بالمد وهكذا في سائر موارد المد ، ليس الأمر كذلك جزماً ، بل هو على خلاف قانون المحاورة.

وكيف كان ، فصحة القراءة غير متوقفة على ذلك بلا إشكال ، وإنّما اللاّزم إظهار الحرف فقط ، فلا يجب المد أكثر من ذلك ، ولو شك فالمرجع هو البراءة.

وأمّا إذا مدّ بأكثر من المقدار المتعارف ، أو مدّ في غير مورده ، فان خرجت‌

__________________

(*) الظاهر كفاية أداء الحرف على الوجه الصحيح وإن كان المدّ بأقلّ من ذلك.

٤٣٥

[١٥٣٧] مسألة ٤٥ : إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت ومع العمد أبطلت (*).

[١٥٣٨] مسألة ٤٦ : إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نَفَسه فحصل الوقف بالحركة ، فالأحوط إعادتها ، وإن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.

[١٥٣٩] مسألة ٤٧ : إذا انقطع نَفَسه في مثل ( الصراط المستقيم ) بعد الوصل بالألف واللاّم وحذف الألف ، هل يجب إعادة الألف واللاّم بأن يقول : المستقيم أو يكفي قوله مستقيم؟ الأحوط الأوّل ، وأحوط منه إعادة الصراط أيضاً ، وكذا إذا صار مدخول الألف واللاّم غلطاً ، كأن صار مستقيم غلطاً فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف واللام أيضاً بأن يقول : المستقيم ولا يكتفي بقوله : مستقيم ، وكذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف ، فاذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً (١).

______________________________________________________

الكلمة بذلك عن كونها تلك الكلمة كان من الإخلال بالكلمة الذي تقدّم حكمه من بطلان الصلاة أو القراءة في صورتي العمد والسهو ، وإلاّ فلا ضير فيه كما نبّه قدس‌سره عليه في المسألة الآتية.

ومن جميع ما تلوناه عليك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية فلا حاجة إلى التعرض لها.

(١) قد عرفت اعتبار الموالاة بين الآيات والكلمات والحروف وأنّها في الأخيرة أضيق ممّا قبلها ، وهي أيضاً أضيق من سابقتها ، فتختلف دائرتها سعة وضيقاً‌

__________________

(*) هذا إذا كان من الأوّل قاصداً لذلك.

٤٣٦

[١٥٤٠] مسألة ٤٨ : الإدغام في مثل مدّ وردّ ممّا اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب ، سواء كانا متحركين كالمذكورين ، أو ساكنين كمصدرهما (١).

______________________________________________________

باختلاف الموارد ، وعليه فحيث إنّ لام التعريف يعدّ جزءاً من الكلمة ، فإذا انقطع النَّفَس عليه في مثل ( المستقيم ) فهل يجب حينئذ أداء الكلمة مع إعادة أداة التعريف أو مع إعادة الموصوف وهو الصراط أيضاً ، أو مع إعادة الفعل وهو اهدنا؟ وجوه.

أمّا الأوّل ، فلا ينبغي الشك فيه ، وإلاّ لزم الفصل بين أجزاء الكلمة ، لما عرفت من أنّ لام التعريف يعد جزءاً منها فتفوت معها الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلمة الواحدة كما مرّ ، إلاّ أن يكون الفصل يسيراً جدّاً بحيث لم يخل بالهيئة الاتصالية المعتبرة في الكلمة ، وكذا الحال لو صار مدخول اللاّم غلطاً فاللازم إعادة اللام أيضاً لما عرفت.

والأحوط في الصورتين إعادة الموصوف أيضاً ، فيقول : الصراط المستقيم إذ الصفة والموصوف كالمضاف والمضاف إليه أيضاً في حكم الكلمة الواحدة ، لما بينهما من شدة الارتباط ، فالإخلال قادح ، لا لكونه من الفصل بالأجنبي لعدم كون الكلمة المعادة أجنبية ، بل لاحتمال الإخلال بالهيئة الاتصالية كما عرفت ولذا كان التكرار أحوط.

وأحوط منه إعادة الفعل أيضاً فيقول : اهدنا الصراط المستقيم ، لما ذكر من احتمال اعتبار الاتصال بين الفعل ومتعلقاته.

وممّا ذكرناه من اعتبار الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ، يظهر أنّه إذا لم يصح لفظ المغضوب فوقع غلطاً ، فالأحوط إعادة لفظ غير أيضاً ، ويقصد به كما في غيره ممّا سبق من موارد الإعادة الجامع بين الجزئية والقرآنية.

(١) لا شك في وجوب الإدغام فيما إذا اجتمع حرفان متماثلان في كلمة‌

٤٣٧

[١٥٤١] مسألة ٤٩ : الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف يرملون مع الغنّة فيما عدا اللاّم والراء ، ولا معها فيهما لكن الأقوى عدم وجوبه (١).

______________________________________________________

واحدة ، سواء أكانا متحركين كمدّ وردّ ، أو ساكنين كمصدرهما ، لاعتبار ذلك في صحة الكلمة ووقوعها عربية ، فالتفكيك على خلاف قواعد اللغة لا يصار إليه إلاّ لدى الضرورة ، كما قيل : الحمد لله العلي الأجلل ، وكيف كان فهو في حال الاختيار غير جائز بلا إشكال كما نص عليه علماء الأدب ، وأمّا الإدغام في كلمتين فسيأتي في المسألة الآتية.

(١) صرّح علماء التجويد بوجوب الإدغام فيما إذا تعقب التنوين أو النون الساكنة أحد حروف يرملون مع رعاية الغنّة فيما عدا اللاّم والراء ، ونسب الوجوب إلى الرضي قدس‌سره أيضاً (١) ، لكن الظاهر أنّه لم يثبت الاعتبار بمثابة يستوجب الإخلال به الغلطية أو الخروج عن قواعد اللغة وقانون المحاورة وإنّما هو من محسّنات الكلام. وعلى تقدير الشك واحتمال الدخل في صحة القراءة فالمرجع أصالة البراءة كما في غيره من موارد الأقل والأكثر.

وما يقال بل قيل : من أنّ المقام من الدوران بين التعيين والتخيير الذي يتعين فيه الاشتغال ، قد تكرر الجواب عنه في نظائر المقام مراراً ، من أنّ باب الدوران بين التعيين والتخيير هو بعينه باب الدوران بين الأقل والأكثر ، ولا فرق بينهما إلاّ من حيث التعبير ، فالمرجع ليس إلاّ البراءة كما عرفت.

وعليه فالأقوى عدم وجوب الإدغام وإن كان الأحوط رعايته.

__________________

(١) شرح الشافية ٣ : ٢٧٢.

٤٣٨

[١٥٤٢] مسألة ٥٠ : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، بل يكفي القراءة على النهج العربي (*) ، وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب (١).

______________________________________________________

(١) فصّلنا الكلام حول القراءات في مبحث التفسير ، ومجملة : أنّه لا شك أنّ القرّاء السبعة المعروفين الّذين أوّلهم نافع وآخرهم الكسائي ، متأخرون عن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يدركه واحد منهم ، وإن كان قبلهم قرّاء آخرون أدركوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كابن مسعود وابن عباس وأُبيّ وغيرهم ، أمّا هؤلاء فكانوا معاصرين للصادق عليه‌السلام وأدرك بعضهم الباقر عليه‌السلام أيضاً ، وبقي بعض آخر منهم إلى ما بعد الصادق عليه‌السلام آخرهم الكسائي الذي مات سنة ١٩٠ تقريباً.

وعليه فلا ينبغي الريب في عدم كون هذه القراءات متواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ولا مسندة إليه حتى بالخبر الواحد ، ولم يدّع ذلك أحد منهم ، ولا نسب قراءته إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بطريق مسند ولا مرسل ، وإنّما هو اجتهاد منهم ، أو من أساتيذهم ورأي ارتأوه ، بل إنّ هذه القراءات لم يثبت تواترها حتى من نفس هؤلاء القرّاء ، وإنّما أُسند إليهم بأخبار آحاد بتوسيط تلاميذهم. على أنّ بعض هؤلاء التلاميذ معروفون بالفسق والكذب كحفص الراوي لقراءة عاصم على ما صرّح به في ترجمته (١).

وعلى الجملة : فلم تثبت هذه القراءات ثبوتاً قطعياً عن نفس القرّاء فضلاً‌

__________________

(*) فيه منع ظاهر ، فانّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن بخصوصه لا ما تصدق عليه القراءة العربية الصحيحة ، نعم الظاهر جواز الاكتفاء بكل قراءة متعارفة عند الناس ولو كانت من غير السبع.

(١) لاحظ تفسير البيان ص ٨٢ ، ١٢٣.

٤٣٩

عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما حكيت عنهم بطريق الآحاد. هذا وحيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنّها المعنيّ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما روى عنه « إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف » (١) وهذا كما ترى غلط فاحش ، فإنّ أصل الرواية لم تثبت وإنّما رُويت من طريق العامّة ، بل هي منحولة مجعولة كما نصّ الصادق عليه‌السلام على تكذيبها بقوله عليه‌السلام : « كذبوا أعداء الله ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (٢).

وعلى تقدير الصحة فلها معنى آخر ، إذ لا يحتمل تطبيقها على هذه القراءات السبع المستحدثة المتأخر أصحابها عن عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفت. وعليه فلا خصوصية ولا امتياز لهذه السبع من بين القراءات جزماً.

إذن مقتضى القاعدة الأوّلية بعد ورود الأمر بقراءة الفاتحة وبسورة بعدها هو الأخذ بالمقدار المتيقن الذي لا اختلاف فيه ، وما تضمّن الاختلاف يكرّر القراءة ، فيقرأ مرّة مثلاً ملك وأُخرى مالك ، ويختار من السورة المأمور بها ما اتفقت فيه القراءات ، ولو اختار مورد الخلاف يكرّر عملاً بقاعدة الاشتغال وخروجاً عن عهدة التكليف المعلوم ، فيقصد بأحدهما لا بعينه القرآن ، وبالآخر الذكر المطلق.

نعم ، وردت في المقام عدة روايات تضمّنت الأمر بالقراءة كما يقرؤها الناس فيظهر منها الاجتزاء بكل قراءة متعارفة بين

الناس ، ولا شك أنّها غير محصورة في السبع ، وقد عدها بعضهم إلى أربع عشرة وصنّف في ذلك كتاباً وأنهاها بعض آخر إلى سبعين ، وإن كانت جملة منها شاذة لا محالة ، وبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة المتقدمة لو تمت هذه النصوص فلا بدّ من التعرض إليها.

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٣٠٠ ، مستدرك الحاكم ١ : ٥٥٣ ، تفسير الطبري ١ : ٩.

(٢) الكافي ٢ : ٦٣٠ / ١٣.

٤٤٠