موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

في الظهر في غير يوم الجمعة.

وما أفاده قدس‌سره متين جدّاً ، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور هذه الأخبار في الوجوب ، لعدم إحراز قيام الإجماع على الخلاف ، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

وأمّا الظهر يوم الجمعة ، فلا ينبغي الإشكال في استحباب الجهر فيها ، كما لا خلاف أيضاً إلاّ عن ابن إدريس (١) حيث ذكر أنّ الأحوط الإخفات ، لقاعدة الاشتغال لكنه شاذ ، ومستند الحكم عدة روايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة ، واجهروا بالقراءة فقلت : إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال : اجهروا بها » (٢).

وصحيحة عمران الحلبي « عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة؟ قال : نعم » (٣) ، ومصحح الحلبي « عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال : نعم » (٤) ، المؤيدة بخبر محمد بن مروان « عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال : تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهراً » (٥).

وظاهرها وإن كان هو الوجوب (٦) لكنه يرفع اليد عنه وتحمل على الاستحباب من أجل القرينة العامة التي تمسكنا بها في كثير من المقامات ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران التي هي محل الابتلاء لجميع‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٩٨.

(٢) ، (٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ٦ : ١٦٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٦ ، ١ ، ٣ ، ٧.

(٦) هذا في غير صحيحتي الحلبي ، أمّا فيهما فيمكن أن يكون السؤال عن الجواز دون الوجوب.

٣٨١

المكلفين في كل أسبوع لاشتهر وبان وشاع وذاع ، بل كان من المسلّمات الواضحات ولم يقع فيه خلاف من أحد ، فكيف ذهب المشهور بل عامة الأصحاب ما عدا ابن إدريس إلى الاستحباب ، بل هو المرتكز في أذهان المتشرعة وقد قامت سيرتهم وعملهم على عدم الوجوب حتى في زماننا هذا ، وإن كان شيخنا الأُستاذ قدس‌سره يحتاط في ذلك برهة من الزمن بتكرار الصلاة تارة ، وبتكرار القراءة قاصداً بإحداهما الواجب الواقعي مدة أُخرى.

فيظهر أنّ عدم الوجوب كان أمراً مفروغاً مسلّماً عندهم ، حتى أنّ ابن إدريس جعل الإخفات أحوط كما سمعت ، فلو كان الجهر واجباً أو محتمل الوجوب لم يكن ذاك احتياطاً كما لا يخفى.

فان قلت : إنّ هذا الوجه بعينه يجري في صلاة الجمعة ، فكيف اخترتم فيها وجوب الجهر ولم تلتزموا بالاستحباب.

قلت : كلا ، ولا مجال لقياس إحداهما بالأُخرى ، فإنّ صلاة الجمعة لم تكن شائعة عند الشيعة ، بل هي متروكة مهجورة في عصر الغيبة ، فلم تكن محلاًّ للابتلاء ، ومن المسائل الكثيرة الدوران الذي هو الضابط في التمسك بهذا الوجه فتبقى ظواهر النصوص الآمرة بالجهر سليمة عن القرينة على الخلاف ، بخلاف الظهر من يوم الجمعة التي يبتلى بها عامة المكلفين. فلا مناص من حمل نصوص المقام على الاستحباب كما عرفت.

بل إنّ هناك صحيحتين ربما يستشكل من أجلهما حتى في الاستحباب لتضمنهما النهي عن الإجهار بالقراءة فتعارض النصوص السابقة.

إحداهما : صحيحة جميل قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر ، فقال : يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر‌

٣٨٢

ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة ، إنّما يجهر إذا كانت خطبة » (١) وهذه وما بعدها هي التي أشرنا فيما سبق أنّه يظهر من بعض أخبار الجمعة لزوم الإخفات في الظهر من غير يوم الجمعة.

الثانية : صحيحة محمد بن مسلم قال : « سألت عن صلاة الجمعة في السفر فقال : تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنّما يجهر إذا كانت خطبة » (٢).

لكن الاشكال المزبور ضعيف ، إذ النهي فيهما واقع موقع توهم الوجوب ، لما عرفت من وجوب الجهر في صلاة الجمعة الواقعة فيهما بإزاء صلاة الظهر فيتخيل وجوبه في ظهر الجمعة أيضاً ، ولا فرق بين الأمر والنهي في ذلك ، فكما أنّ الأمر الواقع عقيب توهم الحظر لا يدل على الوجوب بل غايته الجواز ، فكذا النهي الواقع عقيب توهم الوجوب لا يقتضي إلاّ الجواز ولا يدل على التحريم فلا ينبغي الريب في ثبوت الاستحباب.

ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد ، خلافاً للسيد المرتضى قدس‌سره (٣) حيث فصّل بين الإمام فيجهر ، والمنفرد فيخفت ، استناداً إلى خبر علي بن جعفر قال : « سألته عن رجل صلى العيدين وحده ، والجمعة هل يجهر فيهما بالقراءة؟ قال : لا يجهر إلاّ الإمام » (٤) لكنها ضعيفة السند ، لمكان عبد الله بن الحسن الواقع في الطريق. مع أنّها معارضة بصحيحة الحلبي المتقدمة (٥) الآمرة بالجهر مع تصريح السائل بأنّه يصلِّي وحده.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٦١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ١٦٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٧٨.

(٤) الوسائل ٦ : ١٦٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ١٠.

(٥) في ص ٣٨١.

٣٨٣

[١٥١٣] مسألة ٢١ : يُستحب الجهر بالبسملة في الظّهرين للحمد والسورة (١).

______________________________________________________

فالأقوى ثبوت الاستحباب في الإمام والمنفرد ، وإن كان الإخفات أحوط.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في رجحان الجهر بالبسملة في الركعتين الأوّلتين من الصلوات الإخفاتية ، والمشهور استحباب ذلك بل نسب إلى الأصحاب تارة وإلى علمائنا اخرى ، وعن الخلاف دعوى الإجماع عليه (١) ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى الصدوق وابن البراج فذهبا إلى الوجوب (٢) ، وكذا أبو الصلاح حيث خصّ الوجوب بالركعتين الأوّلتين (٣) ، ولا يبعد أن يكون مراد من أطلق هو ذلك.

وكيف كان ، فقد استدل للوجوب بروايتين ، إحداهما : ما رواه في الكافي بإسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة طويلة قال عليه‌السلام فيها « ... وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ... » إلخ (٤).

الثانية : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « قال : والإجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في الصلاة واجب » (٥).

وربما يجاب بأنّ ضعف الخبرين في نفسهما وإعراض الأصحاب عنهما مانع عن الاعتماد عليهما.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ ، المهذب ١ : ٩٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٤) الوسائل ١ : ٤٥٧ / أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٣ ، الكافي ٨ : ٥٨ / ٢١.

(٥) الوسائل ٦ : ٧٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٥ ، الخصال : ٦٠٤ / ٩.

٣٨٤

وفيه : أنّ الخدش في السند وإن كان في محله بالإضافة إلى رواية الأعمش كما لا يخفى ، لكنه لا يتم في الرواية الأُولى ، فإنّ سليم بن قيس وإن لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، لكن يمكن استفادة توثيقه من كلام البرقي حيث قال : إنّه كان من أولياء أصحاب علي عليه‌السلام (١) فيظهر أنّه كان من خواص أصحابه ومن الطبقة الراقية الغنية عن التوثيق ، بل يمكن استفادته أيضاً من كلام الشيخ في رجاله حيث قال : وقد صحب عليّاً عليه‌السلام (٢) ، إذ من المعلوم أنّ جميع من ذكره في باب أصحابه عليه‌السلام قد صحبه ، فلا يختص هذا التوصيف به ، فيظهر أنّه كان يمتاز عن غيره بشدة الملازمة به عليه‌السلام وكونه من خواصه وأنّه كان من الأولياء كما ذكره البرقي.

فالمناقشة السندية في هذه الرواية غير تامّة (٣) ، بل الظاهر أنّها صحيحة كما وصفها بها في الحدائق (٤).

نعم ، يمكن النقاش الدلالي فيهما ، أمّا أوّلاً : فللقرينة العامة التي تكررت منا في أمثال المقام ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لاشتهر وبان وشاع وذاع ، فكيف يمكن خفاؤه بحيث لم يفت به إلاّ هؤلاء الثلاثة.

وثانياً : أنّ رواية سليم بن قيس لم يظهر أنّ المراد بها الجهر بالبسملة في‌

__________________

(١) رجال البرقي : ٤.

(٢) رجال الطوسي : ١١٤ / ١١٣٦.

(٣) بل تامة ، إذ الراوي عن سليم في هذه الرواية هو إبراهيم بن عثمان الذي هو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام وفي روايته عن سليم الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إشكال كما صرّح ( دام ظله ) به في معجم الرجال ١ : ٢٣٣ / ٢٠٨. وأشرنا إليه في هامش شرح العروة ١٧ : في شرح المسألة [١٨٦٩].

(٤) الحدائق ٨ : ١٦٨.

٣٨٥

كافّة الصلوات حتى الإخفاتية ، فإنّها حكاية قضية في واقعة ولا إطلاق لها كي يتمسك به ، ولعل المراد الإجهار بها في خصوص الصلوات الجهرية ، فإنّ من تقدّمه عليه‌السلام من الولاة تركوها من أصلها حتى فيها كما هو مذهب العامة (١) ، فأمرهم بالإجهار بها لتزول البدعة.

وأما النقاش في دلالة رواية الأعمش فأظهر ، إذ الوجوب فيها بمعناه اللّغوي وهو الثبوت دون المصطلح ، فلا تدل على أكثر من الاستحباب. على أنّها ضعيفة السند كما عرفت.

هذا ، مضافاً إلى معارضتهما بصحيحتين لصفوان ظاهرتين في الاستحباب قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أياماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، فاذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك » (٢).

وقال في صحيحته الأُخرى « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يجهر في السورتين جميعاً » (٣). والقاسم بن محمد الواقع في طريق الثاني المراد به الجوهري الذي هو ثقة لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٤).

وقد دلّتا بوضوح على عدم وجوب الجهر بالبسملة ، وأنّه كان أمراً مستحبّاً يلتزم به الصادق عليه‌السلام في صلاته وكان من خواصه ، وإلاّ فلو كان واجباً لم يكن وجه للتخصيص بالذكر ، فإنه نظير (٥) أن يقول صليت خلفه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٣٤٢ ، المغني ١ : ٥٥٧ ، المبسوط ١ : ١٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٥٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٧٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ١.

(٤) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٥) في التنظير ما لا يخفى.

٣٨٦

( عليه‌السلام ) وكان يركع أو يسجد.

ونظيرهما رواية أبي حفص الصائغ (١).

هذا ، وربما يستدل على عدم الوجوب بصحيحة الحلبيين عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : نعم ، إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً ، فقالا أفيقرؤها مع السورة الأُخرى؟ فقال : لا » (٢) وهي صريحة في عدم الوجوب لولا الاقتران بالذيل المشتمل على النهي عن البسملة في السورة الأُخرى ، فإنّه يقرب ورودها مورد التقية فيمنع عن الاستدلال بها ، والتفكيك بين الصدر والذيل مشكل كما لا يخفى.

وكيف كان ، فيكفي في الدلالة على الاستحباب ما عرفت. ويؤيده عدّة روايات لا تخلو عن ضعف في السند أو الدلالة ، كما روي في جملة من النصوص من عدّه من علامات المؤمن (٣) ، فإنّه من الجائز أن يراد بها الإجهار في الصلوات الجهرية ، إذ لا إطلاق لها تعم الإخفاتية.

وكرواية الفضل بن شاذان « قال : والإجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع الصلوات سنّة » (٤) ، فإنّها ضعيفة السند كرواية رجاء بن الضحاك عن الرضا عليه‌السلام « أنّه كان يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع صلواته بالليل والنهار » (٥). وصاحب الحدائق اشتبه عليه الأمر فأسند هذا المتن إلى رواية الفضل مع أنّه رواية رجاء كما نبّه عليه معلّق الحدائق (٦).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٧٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٦١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ٤٧٨ / أبواب المزار ب ٥٦ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٧٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٧٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٧.

(٦) الحدائق ٨ : ١٦٩.

٣٨٧

ورواية أبي حمزة قال : قال علي بن الحسين عليه‌السلام « يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول هل ذكر ربه؟ فان قال : نعم ذهب ، وإن قال : لا ، ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا. قال فقلت : جعلت فداك أليس يقرءون القرآن؟ قال : بلى ، ليس حيث تذهب يا ثمالي إنّما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (١) فإنها ضعيفة بالإرسال.

ورواية هارون عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال لي : كتموا بسم الله الرّحمن الرّحيم فنعم والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت قريش يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ويرفع بها صوته فتولى قريش فراراً » (٢). وهذه الرواية صحيحة السند فانّ المسمّى بـ ( هارون ) ممّن له كتاب المنصرف إليه اللفظ عند الإطلاق مشترك بين عدّة أشخاص كلهم من أصحاب الصادق عليه‌السلام وكلهم ثقات ، فلا يهمّنا التصدي للتعيين ، لكنّها قاصرة الدلالة ، لعدم التعرّض فيها للصلاة الإخفاتية كي يستحب فيها بعنوانها. وبالجملة : فهذه النصوص كلّها تؤيد المطلوب. والعمدة في الاستدلال ما عرفت فلا ريب في ثبوت الاستحباب.

ويقع الكلام في جهات.

الجهة الأُولى : مقتضى إطلاق الأدلة تعميم الحكم للإمام ولغيره كما عليه المشهور. وعن ابن الجنيد (٣) التخصيص بإمام الجماعة ، استناداً إلى صحيحتي صفوان المتقدمتين (٤) فإنّهما ظاهرتان في ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٧٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٧٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٧٢.

(٤) في ص ٣٨٦.

٣٨٨

وفيه : أنّ الظاهر أنّ صفوان حكى ذلك عن الصادق عليه‌السلام بما أنّه كان يصلي لا بما أنّه كان إمام الجماعة (١) ، بل لم يعلم انعقاد الجماعة من الأوّل ولعلّه لحق الإمام عليه‌السلام وصلّى خلفه في الأثناء ، لا أنّه ائتمّ به في افتتاح الصلاة.

واستدل أيضاً : برواية أبي حمزة المتقدمة.

وفيه : أنّها ضعيفة بالإرسال كما عرفت. فالأقوى ثبوت الحكم للإمام وللمنفرد لإطلاق الأدلة.

الجهة الثانية : هل يعمّ الحكم للركعتين الأخيرتين لو اختار فيهما القراءة كما عليه المشهور تمسكاً بإطلاق النصوص ، أو يختص بالأوّلتين كما اختاره الحلِّي (٢) وذكر أنّ الإخفات في الأخيرتين هو الأحوط؟

لا يخفى أنّ روايات الباب لم يتم شي‌ء منها عدا صحيحتين لصفوان ، فانّ بقية الأخبار كصحيحة هارون وخبر الأعمش وابن شاذان ورجاء ورواية علائم المؤمن لم تخل عن النقاش سنداً ودلالة كما مرّ.

فالعمدة هما الصحيحتان ، وهما قاصرتان عن الشمول للركعتين الأخيرتين فإنهما حكاية فعل ، ومثله لا إطلاق له ، بل إنّ الظاهر هو عدم الشمول ، إذ الأفضل فيهما هو التسبيح (٣) ، ومن البعيد جدّاً أنّ الإمام عليه‌السلام يترك الأفضل ويختار المفضول مداوماً عليه في أيام عديدة صلى فيها خلفه صفوان.

بل إنّ الصحيحة الأُخرى (٤) كالصريح في الأوّلتين لقوله « وكان يجهر في‌

__________________

(١) لا سبيل لنا ، بل ولا لصفوان إلى معرفة ذلك ما لم يخبر به الإمام عليه‌السلام ومجرد احتمال اللّحوق لا يكفي في إحرازه كما لعلّه واضح.

(٢) السرائر ١ : ٢١٨.

(٣) لكنك ستعرف أنّه ( دام ظله ) يستشكل في الأفضلية وإن كان المشهور ذلك.

(٤) الوسائل ٦ : ٧٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢١ ح ١.

٣٨٩

السورتين جميعاً » إذ ليست في الأخيرتين سورة.

وبالجملة : فإثبات الاستحباب من الأخبار مشكل جدّاً ، فان بنينا على التسامح في أدلّة السنن وقلنا بشموله لفتوى الفقيه ثبت الاستحباب بقاعدة التسامح لفتوى المشهور بذلك كما عرفت ، وإلاّ كما هو الصحيح فالجزم به مشكل.

والذي يهوّن الخطب : أنّ دليل الإخفات في الأخيرتين أيضاً قاصر الشمول للبسملة ، فانّ دليل وجوب الإخفات فيهما هو إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) « رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه » المتضمنة للبطلان لو كان متعمداً ، والمتيقن ممّا لا ينبغي الإجهار فيه في الأخيرتين إنّما هو نفس القراءة بالسيرة القطعية وغيرها كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى. وأمّا بسملتها فلم يعلم كونها مما لا ينبغي ، كيف وقد ذهب المشهور إلى استحباب الجهر فيها كما عرفت ، ومعلوم أنّ الصحيحة لا تتكفل لحال الصغرى ولا تعيّن المصداق بل لا بدّ من إحراز ذلك من الخارج ولم يحرز ، فدليل الإخفات قاصر الشمول كدليل استحباب الجهر على ما عرفت ، فهو مخيّر بين الأمرين.

الجهة الثالثة : هل يعمّ الحكم للاخفات لعارض كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية حيث يجب عليه إخفات القراءة لعارض الجماعة ، فهل يستحب له أيضاً الجهر بالبسملة أو لا؟

الظاهر العدم ، بل لا يشرع للأمر باخفات القراءة حينئذ بقوله عليه‌السلام « يقرأ في نفسه » (٢) ومقتضى الإطلاق وجوبه حتى في البسملة ، فإنّها جزء من السورة ، وما دلّ على استحباب الجهر بالبسملة مورده الصلاة الإخفاتية بالذات كالظهرين ، فالتعدِّي منها إلى الإخفات العرضي يحتاج إلى دليل مفقود في المقام فإطلاق دليل الخفت هو المحكّم فلم يثبت مشروعية الجهر حينئذ فضلاً عن‌

__________________

(١) في ص ٣٧٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤ ، ( نقل بالمضمون ).

٣٩٠

[١٥١٤] مسألة ٢٢ : إذا جهر في موضع الإخفات ، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت صلاته ، وإن كان ناسياً ، أو جاهلاً ولو بالحكم صحّت سواء كان الجاهل بالحكم متنبّهاً للسؤال ولم يسأل أم لا ، لكن الشرط حصول قصد القربة منه ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة (١).

[١٥١٥] مسألة ٢٣ : إذا تذكّر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة ، بل وكذا لو تذكّر في أثناء القراءة ، حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها ، لكن الأحوط الإعادة ، خصوصاً إذا كان في الأثناء.

[١٥١٦] مسألة ٢٤ : لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر والإخفات بين أن يكون جاهلاً بوجوبهما ، أو جاهلاً بمحلّهما ، بأن علم إجمالاً أنّه يجب في بعض الصلوات الجهر ، وفي بعضها الإخفات ، إلاّ أنّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلاً جهرية والظهر إخفاتية بل تخيّل العكس ، أو كان جاهلاً بمعنى الجهر والإخفات ، فالأقوى معذوريته في الصورتين ، كما أنّ الأقوى معذوريته إذا كان جاهلاً بأنّ المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه وإن كانت الصلاة جهرية فجهر ، لكن الأحوط فيه وفي الصورتين الأوّلتين الإعادة.

______________________________________________________

استحبابه ، لما عرفت من قصور الدليل.

(١) أمّا البطلان في صورة العمد فقد ظهر وجهه ممّا مرّ.

وأمّا الصحة في فرض النسيان أو الجهل ، فلا إشكال فيها كما لا خلاف فتوى ونصّاً ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) « فان فعل ذلك ناسياً‌

__________________

(١) في ص ٣٧٢.

٣٩١

أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمّت صلاته ». وفي ثبوت العقاب وأنّه على مخالفة الواقع أو شي‌ء آخر ، كلام طويل الذيل تعرّضنا له في الأُصول (١).

والمتيقن من الجاهل هو الجاهل المركب غير الملتفت إلى جهله رأساً ، وكذا الجاهل بالحكم عن قصور وعذر وإن كان ملتفتاً ، كمن كان نظره أو نظر مقلده هو الجهر في مورد مثلاً ثم انكشف الخلاف ، ويلحقه الجاهل المقصّر غير الملتفت الذي لم يتنبّه للسؤال كما هو الغالب في العوام ، إذ يصدق في حقه أنّه لا يدري. ودعوى التخصيص بالقاصر لم يظهر وجهه.

وأمّا شموله للمقصّر المتردد وإن تمشّى منه قصد القربة ، كأن أتى به رجاءً ليسأل عن الحكم بعدئذ ثم انكشف الخلاف فمشكل جدّاً ، بل الظاهر العدم ، لأنّ المنسبق من النص الجاهل الذي يعتقد فراغ ذمته ويأتي به كما يأتي به غيره ، بحيث يرى أنّ هذا موجب للتفريغ عن عهدة التكليف المشغول به الذمة من دون أن يحتاج إلى الإعادة ، وأمّا المتردد فلا يرى ذلك ، بل وظيفته الإعادة بحكم العقل.

ثم إنّ الماتن ذكر بمناسبة المقام فروعاً ، ونتكلم في جهات يظهر منها حال تلك الفروع وغيرها مما لم تذكر في المتن.

الجهة الاولى : في بيان موضوع الحكم ، هل الحكم بالصحة عند الجهل والنسيان خاص بالرجال أو يعم النساء؟

أمّا بالنسبة إلى السهو والنسيان والجهل القصوري فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث للجاهل القاصر من دون حاجة إلى شمول هذه الأخبار. إنّما الكلام في الجاهل المقصّر غير المعذور الذي لا يشمله الحديث ، ولا ينبغي الشك أيضاً في شمول هذه النصوص لها‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١٦٠.

٣٩٢

فانّ ذكر الرجل في الصحيح من باب المثال ، فيثبت الحكم في غيره بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع ، إلاّ فيما ثبت من الخارج اختصاص الحكم بأحدهما كما هو الحال في غير المقام ، فانّ كثيراً من الأحكام مستفاد من أخبار قد ذكر فيها الرجل ومع ذلك يتعدى إلى النساء بلا إشكال فكذا في المقام.

الجهة الثانية : في بيان مورد الحكم ، هل يختص بالركعتين الأوّلتين أو يعم الأخيرتين؟ أمّا في غير الجاهل المقصّر فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد كما عرفت ، وأمّا فيه فالظاهر أيضاً ذلك لإطلاق النص ، فإنّه يصدق أنّه أجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وهو لا يدري ، ولا وجه لدعوى الانصراف إلى الركعتين الأولتين كما لا يخفى.

كما أنّ مقتضى الإطلاق شمول الحكم للاخفات الواجب لعارض ، كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية لعين ما ذكر ، خلافاً لجماعة حيث ذهبوا إلى انصراف الإطلاق إلى الجهر والإخفات الذاتيين ، وأنّ المنسبق من النص الصلاة الجهرية في طبعها وبحسب ذاتها ، فلا يشمل العارض.

ولم يظهر وجهه ، فانّ موضوع الحكم عام وضابطه يشمل المقام ، وهو أنّه أجهر فيما ينبغي فيه الإخفات وهو لا يدري سواء أكان الانبغاء لأمر ذاتي أو عارضي ، فإنّ الصلاة لها صنفان وهذا الصنف مما لا ينبغي فيه الإخفات فعلاً وإن كانت في ذاتها جهرية. وبالجملة فهذا الإخفات راجع إلى الصلاة ومن شرائطها وإن كان لأمر عارضي.

نعم ، لو وجب الإخفات لأمر آخر ولجهة خارجية غير مرتبطة بالصلاة بحيث لا يعدّ من شرائطها لا ذاتاً ولا عرضاً ، بل كان حكماً مستقلا في نفسه كما لو وجب الخفت خوفاً من العدو لئلا يسمع صوته فيقع في المهلكة ، أو كان المصلي امرأة وعندها أجنبي وقلنا إنّ صوتها عورة والإسماع حرام ولا نقول به فمثله غير مشمول للصحيحة ، لانصرافها إلى الجهر والإخفات المربوطين‌

٣٩٣

بالصلاة والمعدودين من شرائطها بحيث لو أخلّ بهما بطلت الصلاة لفقد شرطها لا ما إذا اعتبرا في أنفسهما. وعليه فبما أنّ هذه القراءة تقع مصداقاً للحرام لاتحاد الجهر مع القراءة نفسها ، فهي واقعة على صفة المبغوضية ولا يمكن التقرب بها فلا بدّ من إعادتها مع بقاء محل التدارك كما لا يخفى.

الجهة الثالثة : في بيان خصوصيات الجهل والنسيان.

أمّا النسيان ، فالظاهر أنّه أعم من نسيان الحكم وموضوعه ، لإطلاق النص ، وإن أبيت إلاّ عن انصراف النص إلى الثاني فيكفي اندراج الأول في قوله عليه‌السلام « لا يدري » (١) فإنّ ناسي الحكم جاهل فعلاً وإن كان منشأ جهله هو النسيان.

وأمّا الجهل ، فالمتيقن منه الجاهل المركب الغافل بالمرة ، وكذا الجاهل بالحكم عن قصور وعذر وإن كان ملتفتاً ، كمن كان نظره أو نظر مقلده الجهر في مورد ثم انكشف الخلاف ، بل إنّ هذا كالنسيان مشمول لحديث لا تعاد بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لمثل هذا الجهل ، ويلحقه المقصّر إذا كان غافلاً حين العمل كأكثر العوام ، إذ يصدق في حقه أنّه لا يدري ، فلا وجه لدعوى انصراف النص عنه.

وأمّا الجاهل المقصّر المتردد المتمكن من الفحص والسؤال مع تمشّي قصد القربة منه ، كما لو أتى به بقصد الرجاء ، فقد ذكروا أنه أيضاً مشمول لإطلاق النص ، لكنّه مشكل جدّاً كما تقدم ، لانصرافه إلى مَن يصلي كما يصلي غيره معتقداً فراغ ذمته عن عهدة التكليف ، ويرى صحة عمله من دون حاجة إلى الإعادة وفي المقام ليس كذلك ، فإنّ قاعدة الاشتغال تقضي بالإعادة وإن لم ينكشف الخلاف. وقد قلنا بمثل هذا في حديث لا تعاد ومنعنا عن شموله للمتردد الذي‌

__________________

(١) في صحيحة زرارة المتقدمة في ص ٣٧٢.

٣٩٤

لا يعتقد عدم الإعادة ، لاختصاصه بمن يرى عدمها والاجتزاء به في مقام الامتثال كما لا يخفى.

وأولى بالإشكال أو مثله ، ما لو كان جهله في التطبيق لا في أصل الحكم كما لو علم إجمالاً بوجوب الجهر في صلاة الصبح أو الظهر فتخيل أنّ مورده الظهر فصلاها جهراً ، فإنّه لا يعتقد صحة ما صدر منه ولا يراه مجزئاً ، لقضاء العقل بلزوم الإعادة ، عملاً بالعلم الإجمالي وقاعدة الاشتغال ، وقد عرفت أنّ النص منصرف عن مثل ذلك فلا يشمل الجهل بالتطبيق فتدبر جيداً.

نعم ، لو كان جاهلاً بمعنى الجهر والإخفات فأتى ببعض مراتب الإخفات زاعماً أنّه جهر أو بالعكس ، فالظاهر الصحة ، لصدق أنّه لا يدري.

هذا كله فيما إذا كان الالتفات بعد الفراغ من الصلاة ، أو بعد الدخول في الركوع بحيث جاوز محل التدارك ، وأمّا إذا كان قبله فسيأتي الكلام عليه.

الجهة الرابعة : إذا أخلّ بالجهر أو الإخفات وتذكر أثناء القراءة أو قبل الدخول في الركوع ، فهل هو محكوم بالصحة أيضاً ويشمله النص؟

المشهور ذلك للإطلاق. وقد يقال : بانصراف النص عنه ، لظهور قوله عليه‌السلام : « فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته » (١) فيما إذا مضى وتجاوز المحل بحيث لا يمكن التدارك إلاّ بإعادة الصلاة ، وأنّ الإعادة غير واجبة في صورة عدم العمد ، وفي المقام لا حاجة إلى الإعادة بعد التمكن من تدارك القراءة على ما هي عليها لعدم تجاوز المحل ، فالنص لا يشمل هذا الفرض ومقتضى القاعدة وجوب التدارك.

لكن الظاهر الصحة وعدم الحاجة إلى الإعادة ، أمّا بناءً على القول بوجوب الجهر أو الإخفات في الصلاة مستقلا غايته أنّ ظرفهما القراءة من دون أن‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

٣٩٥

يكونا شرطاً في صحتها ومعتبراً فيها فظاهر ، لعدم إمكان التدارك ، إذ القراءة قد وقعت على صفة الصحة ، لعدم خلل فيها في نفسها على الفرض فقد تحقق الجزء وسقط أمره ، فلو أعادها فليست هي من أجزاء الصلاة ، ومحل الجهر أو الإخفات هي القراءة الواجبة في الصلاة المعدودة من أجزائها ، فلا سبيل للتدارك بعدئذ لمضي المحل كما هو واضح.

لكن الظاهر فساد المبنى وأنّهما معتبران في القراءة شرطاً لا مستقلا ، بل إنّ الحال كذلك في كل ما هو معتبر في الصلاة ، فإنّ الجميع معتبر على وجه الشرطية كما هو مقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء والشرائط ، فالقراءة الواجبة المعدودة من الأجزاء هي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع والمقارنة للجهر أو الإخفات ، وكذا الستر والاستقبال ونحوهما ، فالفاقدة لشي‌ء منها لا تكون جزءاً ، فانّ فرض الارتباطية تلازم الشرطية وتنافي الاستقلالية كما لا يخفى.

وعليه فالقراءة الفاقدة للجهر مثلاً المعتبر فيها ليست بجزء ، فوجودها كالعدم فمحل التدارك باقٍ ما لم يركع ، ومقتضى القاعدة لزوم التدارك ، فلو قلنا بشمول النص له وأنّ الجهر والإخفات شرط واقعي معتبر في القراءة لزمه الإعادة لبقاء المحل.

لكن الأقوى مع ذلك الصحة ، لقصور المقتضي في دليل الاشتراط عن الشمول لذلك ، فانّ الدليل منحصر في صحيحة زرارة كما تقدّم (١) ، وهي لا تدل على أكثر من اعتبار الجهر والإخفات بالنسبة إلى خصوص العالم العامد وقوله عليه‌السلام : « فان فعل ذلك ناسياً ... » إلخ بيان لمفهوم الشرطية الأُولى فالمدار في وجوب الإعادة على العمد ، وحيث لا تعمّد في مفروض الكلام فلا‌

__________________

(١) في ص ٣٧٢.

٣٩٦

[١٥١٧] مسألة ٢٥ : لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية (١) بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم سماع الأجنبي ، وأمّا معه فالأحوط إخفاتهنّ.

______________________________________________________

مقتضي للإعادة إذ لم ينهض دليل يقضي بوجوب الجهر أو الإخفات على الإطلاق كي يكون شرطاً واقعياً حتى تجب الإعادة والتدارك مع بقاء المحل فمقتضى الوجوب قاصر في حد نفسه ، والوجوب خاص بالعالم العامد ، وغيره لا وجوب عليه ولو شكّ فيه يدفع بالأصل.

على أنه يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة بنفسها تدل على عدم وجوب التدارك في المقام ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « ولا شي‌ء عليه » ، أي لا إعادة الصلاة ولا تدارك القراءة ، فالأقوى الصحة سواء أكان التذكر بعد الفراغ عن الصلاة أم بعد الدخول في الركوع ، أم قبله أثناء القراءة ، أو بعدها كما عليه المشهور.

ومن جميع ما ذكرناه في الجهات المتقدمة يظهر حال الفروع المذكورة في المتن إلى نهاية المسألة الرابعة والعشرين فلاحظ.

(١) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن غير واحد. ويدلُّ عليه :

أوّلاً : قصور المقتضي ، لتقييد موضوع الحكم بالرجل في صحيحتي زرارة المتقدمتين (١) اللتين هما المدرك الوحيد في المسألة ، والتعدي يحتاج إلى دليل الاشتراك في التكليف ، ومستنده الإجماع القائم على اتحادهما في الأحكام ، إلاّ ما خرج بالدليل الثابت في كثير من المقامات ، ولم يقم إجماع في المقام ، كيف والإجماع قائم على العدم كما عرفت.

وثانياً : السيرة القطعية العملية القائمة على عدم الوجوب المتصلة بزمن‌

__________________

(١) في ص ٣٧٢.

٣٩٧

المعصومين : ، مع أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل الابتلاء ، ولو كان الوجوب ثابتاً كالرجال لاشتهر وبان ، فالسيرة القولية والعملية كاشفة عن عدم الوجوب ، وهي بنفسها دليل مستقل.

وربما يستدل للحكم : بخبر علي بن جعفر قال : « وسألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : لا ... » إلخ (١).

لكنه ضعيف السند من أجل عبد الله بن الحسن فليس بمعتمد. ودعوى الانجبار ممنوعة كبرى ، بل وكذا صغرى ، للقطع بعدم استناد الأصحاب إلى هذا الخبر ، فانّ البناء وكذا السيرة على عدم وجوب الجهر عليهنّ كان ثابتاً في الأزمنة السالفة حتى قبل صدور هذه الرواية ، وقبل أن يخلق علي بن جعفر.

وربما يستدل أيضاً : بأنّ صوت المرأة عورة فمن أجله سقط عنها الجهر.

وفيه أوّلاً : أنّه لا دليل عليه ، بل إنّ السيرة العملية منذ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا قائم على الاستماع والتكلم معهنّ وإسماعهنّ الرجال ، فلم ينهض دليل على أنّ صوتها عورة كي يحرم السماع أو الإسماع.

وثانياً : أنّ اللاّزم مع التسليم اختصاص الحكم بما إذا سمع صوتها الأجنبي فمع عدمه وجب الجهر عليهنّ ، لفقد المانع حينئذ بعد شمول دليل الجهر لهنّ كما هو المفروض ، مع أنّه لم يقل به أحد ، بل هي مخيّرة فيه على التقديرين إجماعاً.

وثالثاً : أنّ لازم ذلك حرمة الجهر عليهنّ ، لحرمة الإسماع لا عدم الوجوب ولا قائل بالحرمة ، بل الفتوى على سقوط الجهر وعدم الوجوب.

وممّا يدل على عدم حرمة الجهر عليهن ويكشف (٢) أيضاً عن عدم كون‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ٣.

(٢) هذا الكشف غير واضح ، لابتنائه على انعقاد الإطلاق من حيث شمول الإسماع

٣٩٨

صوتها عورة : صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال : بقدر ما تسمع » (١). ونحوها صحيحة علي بن جعفر التي هي بعين هذا المتن إلاّ في قوله « فقال » العاري عن الفاء في هذه الصحيحة (٢) فإنّ السائل قد فرض رفع الصوت الملازم للجهر وسأل عن حده ، والإمام عليه‌السلام أمضى أصل الجهر وحدده بأن تسمع الغير ، أو بأن تكون القراءة مسموعة ، كما هو ظاهر قوله « تسمع » سواء قرئ مبنياً للمفعول ( تُسْمَع ) أو للفاعل من باب الافعال ( تُسمِع ).

وأمّا ما عن الحدائق (٣) من احتمال قراءة « تَسْمَع » أي تسمع نفسها الملازم للاخفات فلا تدل على جواز الجهر ، فساقط لبعده جدّاً ، لما عرفت من فرض رفع الصوت الملازم للجهر والسؤال عن حده وقد أمضاه الإمام عليه‌السلام وحدده بما عرفت ، ولو كان المراد ما ذكره كان اللازم أن يجيب عليه‌السلام بقوله : لا ترفع ، لا أن يحدد الرفع بما ذكر.

وبالجملة : فالمستفاد من النصوص جواز الجهر لهنّ.

وربما يقال بوجوبه عليها إذا كانت إماماً ، لرواية علي بن جعفر المتقدمة « هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها » (٤) فانّ ظاهر كلمة « على » الوجوب.

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بعبد الله بن الحسن كما مرّ ، أنّ الإسماع غير‌

__________________

للأجنبي ، وهو قابل للمنع ، لعدم كونه عليه‌السلام بصدد البيان من هذه الجهة بل بصدد بيان إسماع المأمومين لا غير ، بل يكفينا مجرد الشك في ذلك كما لا يخفى.

(١) ، (٢) الوسائل ٦ : ٩٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ١ ، ٢.

(٣) الحدائق ٨ : ١٤٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٩٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ٣.

٣٩٩

وأمّا في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال (١) ويعذرن فيما يعذرون فيه (٢).

______________________________________________________

واجب حتى على الرجل فضلاً عن المرأة ، فسياقها سياق ما دلّ على استحباب الإسماع ، وأنّه يستحب للإمام أن يسمع من خلفه ، فلا ظهور لها في الوجوب.

فتحصّل : أنّ المرأة تتخيّر بين الجهر والإخفات في الصلوات الجهرية مطلقاً إماماً كانت أم منفردة ، من غير فرق بين سماع الأجنبي وعدمه ، فالاحتياط المذكور في المتن غير لازم.

(١) كما هو المشهور ، وخالف فيه الأردبيلي (١) وبعض من تبعه فذهب إلى التخيير كما في الجهرية ، مستنداً إلى تقييد موضوع الحكم في صحيحة زرارة التي هي المدرك لوجوب الخفت بالرجل ، فلا دليل في المرأة والمرجع الأصل.

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ ذكر الرجل فيها كما في غيرها من الأخبار التي يستفاد منها أحكام الشكوك والموانع والسهو في الركعات بل وغيرها من الأبواب المتفرقة في الفقه ، إنّما هو من باب المثال وبعنوان أنّه مكلف ومصلّ ، لا بما أنّه رجل ، فيتعدى إلى المرأة بقاعدة الاشتراك في التكليف إلاّ فيما ثبت الاختصاص بدليل خارجي الثابتة بالإجماع ، ولا ينتقض بما قدّمناه من إنكار ذلك في الصلاة الجهرية ، لقيام الإجماع هناك على الخلاف غير المتحقق في المقام.

(٢) لقاعدة الاشتراك كما تقدم توضيحه في الجهة الاولى من المسألة السابقة فلاحظ.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٢٨.

٤٠٠