موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤١٩] مسألة ٦ : الأحوط (١) ترك التلفظ بالنيّة في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك (٢) ، وإن كان الأقوى الصحة معه (*) (٣).

______________________________________________________

وانّ ما يتراءى منه ذلك كالقنوت فهو مستحب نفسي ظرفه الواجب ، فالأمر أوضح.

(١) منشأ الاحتياط ما يراه قدس‌سره من وجوب الإقامة واحتمال بطلانها بالتكلم واحتياجها إلى الإعادة ، وعليه فيختص بغير موارد سقوطها ، إذ لا مانع حينئذ من التلفظ بوجه.

ولكنّه قدس‌سره مع ذلك أفتى بالصحة ، نظراً إلى انصراف دليل البطلان عن مثل هذا التكلم الراجع إلى شؤون الصلاة ، كالأمر بتعديل الصفوف على ما نطق به بعض النصوص (١) ، حيث يستفاد منه حكم كلِّي منطبق على المقام وغيره وقد تقدّم ما فيه (٢).

وكيف ما كان ، فحيث إنّا لا نرى وجوب الإقامة فلا حاجة إلى هذا الاحتياط وإن كان الأولى ترك التلفظ كما مرّ.

(٢) لاحتمال كونها جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، المستلزم لكون التلفّظ بالنيّة تلفظاً أثناء الصلاة.

(٣) لما يرتئيه قدس‌سره من أنّها صلاة مستقلة ، وإن شرّعت لتدارك النقص المحتمل ، هذا.

__________________

(*) الأقوى عدم الصحة معه في صلاة الاحتياط.

(١) راجع الوسائل ٨ : ٤٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠.

(٢) شرح العروة ١٣ : ٣٥٥.

٢١

[١٤٢٠] مسألة ٧ : من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه (١) فيأتي بها جزءاً فجزءاً ، ويجب عليه أن ينويها أوّلاً على الإجمال (٢).

[١٤٢١] مسألة ٨ : يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء ، فلو نوى بها الرياء بطلت ، بل هو من المعاصي الكبيرة ، لأنّه شرك بالله تعالى (٣).

______________________________________________________

ولكنّ المختار عندنا لمّا كان هو الاحتمال الأوّل ، أي أنّ صلاة الاحتياط جزء متمّم للصلاة الأصلية على تقدير نقصها ، فلا جرم كان الأقوى ترك التلفّظ حذراً عن احتمال وقوعه أثناء الصلاة من غير مؤمّن كما لا يخفى.

(١) فإنّه من أنحاء القدرة الواجب عليه تحصيلها بعد وضوح كونها أعم من المباشرة بنفسه أو بواسطة التلقين.

(٢) حسبما تقدّم (١).

(٣) المشهور بين الفقهاء إن لم يكن إجماعاً اعتبار الخلوص في الصلاة بل مطلق العبادات ، فلو نوى بها الرياء بطلت ، بل كان آثماً لكونه من المعاصي الكبيرة ، وقد عبّر عنه بالشرك في لسان الأخبار ، وهذا في الجملة مما لا إشكال فيه ، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد عدا السيّد المرتضى قدس‌سره في الانتصار القائل بالحرمة دون البطلان (٢) ، وخلافه ناظر إلى بعض الأقسام مما يرى فيه عدم التنافي بين الرياء وقصد القربة كما في الضميمة على ما سيجي‌ء تفصيلها (٣) وإلاّ فاعتبار القربة في العبادات لعلّه من الضروريات الّتي لا تقبل الإنكار.

__________________

(١) في ص ٢٠.

(٢) الانتصار : ١٠٠ / المسألة ٩.

(٣) في ص ٤١.

٢٢

ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه :

أحدها : أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس (١) من دون أن يقصد به امتثال أمر الله تعالى ، وهذا باطل بلا إشكال ، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً.

الثاني : أن يكون داعيه ومحرِّكه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً ، وهذا أيضاً باطل ، سواء كانا مستقلّين أو كان أحدهما تبعاً والآخر مستقلا ، أو كانا معاً ومنضمّاً محرّكاً وداعياً (٢).

______________________________________________________

وكيف كان ، فأصل الاعتبار المستلزم لبطلان العبادة المراءى فيها ممّا لا غبار عليه ، وقد تظافرت به الروايات التي عقد لها في الوسائل باباً مستقلا (١) إنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب وستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية.

(١) بأن يكون الداعي الوحيد هو الرياء فحسب ولا يقصد به طاعة الربّ بوجه ، والبطلان في هذا القسم ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف حتى من السيّد المرتضى ، لفقد قصد القربة المعتبر في صحة الصلاة ، فإنّ كون الصلاة عبادة وافتقار العبادة إلى قصد التقرب كاد أن يكون من الواضحات التي لا مرية فيها.

(٢) وهذا القسم أعني ضمّ قصد الرياء إلى القربة ينحل إلى صور أربع :

إحداها : أن يكون الباعث على ارتكاب العمل والمحرِّك نحوه مجموع القصدين فكل منهما جزء من المؤثر بحيث لو انعزل أحدهما عن الآخر لما ترتب الأثر لقصور كل منهما وحده عن صلاحية الدعوة والتحريك ، فلا يكون الداعي إلاّ مجموع القصدين على صفة الانضمام.

الثانية : أن يكون كل منهما مستقلا في التأثير في حدّ نفسه ، بحيث لو انفرد‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١ : ٧٠ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٢.

٢٣

عن الآخر كان تامّ الداعوية وصالحاً للتحريك ، وإن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين لا خصوص كل منهما من جهة استحالة توارد علّتين على معلول واحد.

الثالثة : أن يكون الداعي الإلهي أصيلاً والريائي تابعاً.

الرابعة : عكس ذلك.

لا ريب في البطلان في الصورة الاولى ، من جهة الإخلال بقصد التقرب المعتبر في صحّة العبادة ، إذ المعتبر فيها أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر ، والمفروض في المقام عدمه ، لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوة في حدّ نفسه على الفرض ، فالبطلان في هذه الصورة على طبق القاعدة ولو لم يكن نص في البين ، كما لا ريب في البطلان في الصورة الأخيرة كما هو واضح.

وأمّا الصورة الثانية ، فمقتضى القاعدة الصحة ، إذ لا يعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من صدوره عن داعٍ قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه المتحقق في الفرض ، ولم يعتبر عدم اقترانه بداع آخر ولو كان مستقلا في الدعوة ، فالمناط بلوغ الباعث الإلهي حدّا يصلح للدعوة التامّة من دون قصور فيها ، سواء اقترن بداع آخر أم لا.

ومن هنا يحكم بصحة الغسل مثلاً ولو كان قاصداً للتبريد أيضاً ، على نحو يكون كل منهما في حدّ نفسه مستقلا في التحريك ، كما يحكم بصحة الصوم ممّن له كرامة في المجتمع بحيث لا يكاد يتجاهر بالإفطار في شهر رمضان ولو لم يكن هناك رادع إلهي ، تحفظاً على كرامته ومقامه.

وبالجملة : حيث إنّ الضميمة المزبورة لا ينثلم بها قصد التقرب المعتبر في العبادة ، ولا توجب خللاً في صدق الطاعة ، فمقتضى القاعدة الصحة في هذه الصورة.

٢٤

وبطريق أولى في الصورة الثالثة كما لا يخفى ، من دون فرق بين المقام وغيره من سائر الضمائم ممّا تكون الضميمة من هذا القبيل ، أي كانت مستقلّة في التحريك كقصد القربة ، أو كانت تابعة والتقرّب أصيلاً.

لكنّا خرجنا عنها في خصوص المقام أعني الرياء بمقتضى النصوص المتظافرة الدالّة بإطلاقها على البطلان حتى في هاتين الصورتين فضلاً عن غيرهما ، وهي كثيرة جدّاً قد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا وأكثرها مرويّة عن المحاسن نذكر بعضها :

فمنها : صحيحة زرارة وحمران عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً » (١).

وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : يقول الله عزّ وجلّ : أنا خير شريك فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري » (٢). ونحوهما غيرهما. فانّ المراد بالشرك الشرك في العبادة دون الربوبية كما هو واضح ، ومن أظهر آثاره الحرمة ، فإذا كان حراماً بطل ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

ومن الواضح أنّ إدخال رضا أحد من الناس صادق حتى فيما إذا كان الرياء تابعاً ، فضلاً عما إذا كان مستقلا في التحريك في عرض الباعث الإلهي ، وكذا قوله : « فمن عمل لي ولغيري » في الرواية الأخيرة ، فالروايتان وغيرهما تشمل جميع الصور المتقدمة ، فيحكم بالبطلان من أجلها.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٦٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ١١ ح ١١ ، المحاسن ١ : ٢١٢ / ٣٨٤.

(٢) الوسائل ١ : ٧٢ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٢ ح ٧ ، المحاسن ١ : ٣٩٢ / ٨٧٥.

٢٥

الثالث : أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء وهذا أيضاً باطل ، وإن كان محل التدارك باقياً ، نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن والأذان والإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختصّ البطلان به ، فلو تدارك بالإعادة صح (١).

______________________________________________________

(١) أمّا نفس الجزء فباطل بلا ارتياب لصدوره رياءً حسب الفرض ، وبتبعه تفسد الصلاة أيضاً ، سواء تداركه مع بقاء محل التدارك أم لا ، للإخلال بها من جهة النقيصة أو الزيادة كما لا يخفى.

وعن المحقق الهمداني (١) الصحة في فرض التدارك ، بدعوى انصراف أدلة الزيادة عن مثل المقام ، فإنّها خاصة بما إذا أحدث الزائد ولا تعمّ ما لو أوجد صفة الزيادة لما تحقق سابقاً ، والمقام من هذا القبيل فإنّه لو اقتصر على الجزء المراءى فيه فالعمل فاسد من جهة النقص ، ولو تداركه أوجب ذلك اتصاف الجزء السابق بالزيادة من هذا الحين بعد ما لم يكن كذلك ابتداء.

وقد ذكر قدس‌سره (٢) نظير ذلك فيما لو أتى بجزء من الآية ثمّ رفع اليد عنه واستأنفها ، كما لو قال مال ثمّ قال مالك يوم الدِّين ، فإنّ الثاني وإن أوجب اتصاف الأوّل بالزيادة ، لكن مثلها غير مبطل بلا إشكال ، والمقام من هذا القبيل ، هذا.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الجزء المراءى فيه إن كان من سنخ السجود والركوع ، فلا ينبغي الشك في بطلان الصلاة حينئذ ، سواء أتى به بقصد الجزئية أم لا ، لعدِّه حينئذ من الزيادة المبطلة ، كما يفصح عنه ما ورد من النهي‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٣٨ السطر ١٠.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٥٤٠ ، السطر ١٥.

٢٦

عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً باستلزامها سجود التلاوة وأنّه زيادة في المكتوبة (١) ، مع أنّ سجدة التلاوة لم يؤت بها بقصد الجزئية ، فكأنها حاكمة على أدلّة الزيادة المبطلة ومفسّرة لموضوعها ، وأنّه عام يشمل حتى مثل ذلك وإن لم يقصد به الجزئية.

وأمّا إن كان من سنخ الأذكار كالقرآن والدعاء ونحوهما ، فان كان بقصد الجزئية ، كما لو راءى في فاتحة الكتاب المأتي بها بقصد كونها من الصلاة فالأقوى حينئذ البطلان أيضاً ، لصدق الزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا معنى للزيادة سوى الإتيان بشي‌ء بقصد كونه من الصلاة ولم يكن منها. ودعوى انصراف الأدلّة عن مثله كما تقدّم عن المحقق الهمداني قدس‌سره غير مسموعة.

وأمّا إذا لم يقصد به الجزئية ، كما لو قرأ بعد الحمد مثلاً سورة الجمعة بقصد القرآنية رياءً وبعدها أتى بسورة أُخرى قاصداً بها الجزئية ، فهل تبطل الصلاة حينئذ؟ إشكال ينشأ من شمول أدلّة مبطلية الكلام لمثله وعدمه.

اختار جمع منهم شيخنا الأُستاذ قدس‌سره الأوّل (٢) ، بدعوى أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كل تكلم عمدي فهو مبطل للصلاة ، وإنّما الخارج عنه بالتخصيص ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً مأموراً به وجوباً أو استحباباً ، فغير المأمور به من هذه الأُمور داخل في عموم قوله عليه‌السلام : « مَن تكلّم في صلاته متعمداً فعليه الإعادة » (٣). ولا شك أنّ المأتي به رياءً من هذه الأُمور حيث إنّه محرّم فهو خارج عن عنوان المخصص ومشمول لعموم العام ، فيكون مبطلاً.

__________________

(١) راجع الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠.

(٢) كتاب الصلاة ٢ : ١٨ ، ١٩.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢ ( نقل بالمضمون ).

٢٧

هذا ، ولكنّ الأقوى الثاني ، لقصور الأدلة المزبورة عن الشمول للمقام ، فانّ المبطل من الكلام خاص بكلام الآدمي كما قيّد بذلك في كلمات الفقهاء ، وسيجي‌ء بيانه في محلّه إن شاء الله تعالى (١) ، ولا ريب أنّ الذكر أو الدعاء أو القرآن خارج عن موضوع كلام الآدمي وإن كان محرّماً ، فهو قرآن أو ذكر أو دعاء محرّم ولا يعدّ من كلام الآدمي في شي‌ء ، واختلاف الحكم من كونه مأموراً به وعدمه لا يؤثِّر في ذلك شيئاً ، فهي خارجة عن الكلام المبطل خروجاً موضوعياً ، والنسبة نسبة التخصص دون التخصيص.

فالأقوى : أنّ هذه الأُمور المأتي بها رياءً إنما تبطل الصلاة إذا كانت بعنوان الجزئية من جهة استلزام الزيادة حينئذ كما عرفت ، دون ما إذا لم يقصد بها الجزئية ، إلاّ إذا استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة ، كما إذا قرأ سورة طويلة رياءً ، فإنّها توجب البطلان حينئذ من هذه الجهة وإن لم يقصد بها الجزئية.

وعلى الجملة : الرياء في الجزء بما هو كذلك لا يقتضي إلاّ فساده في حدّ نفسه وإنّما يسري إلى الصلاة فيما إذا استلزم عروض عنوان آخر يقتضي الفساد ، إما من جهة الزيادة ، أو محو الصورة ، أو التكلم العمدي على القول به كما عرفت هذا كلّه في الصلاة.

وأمّا فيما عداها من سائر العبادات ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها كالوضوء والغسل ونحوهما ، فلا موجب للبطلان أصلاً. فلو غسل يده اليمنى مثلاً رياءً حتى بقصد الجزئية ثم ندم فتداركه بقصد التقرب صحّ مع مراعاة الموالاة ، لعدم كون الزيادة مبطلة في غير الصلاة.

نعم ، هناك وجه آخر للبطلان لو تمّ لعمّ وشمل جميع أقسام العبادات ، وهو‌

__________________

(١) في ص ٢٩٣ ، شرح العروة ١٥ : ٤٤٥ شرح المسألة [١٧١٠].

٢٨

التمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام : في الصحيحة المتقدمة (١) « وأدخل فيه رضا أحد من الناس » حيث إنّ مفاده أنّ كل عمل تضمّن الرياء ورضا أحد من الناس ولو باعتبار جزئه كان باطلاً ، لسراية الفساد الناشئ من الرياء إلى الكل كسراية النار في القطن ، فينتج فساد الوضوء في الفرض المزبور فضلاً عن الصلاة وكذا غيرهما من سائر العبادات.

لكن هذا الوجه مبني على أن يكون المراد من كلمة « فيه » في الصحيحة مطلق الظرفية ، ومن الواضح عدم إمكان الالتزام بذلك ، وإلاّ لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم فيما لو قرأ في الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً ، لصدق إدخال رضا الناس فيه وكونه ظرفاً للرياء وإن كان مبايناً مع المظروف وجوداً وماهية.

وهكذا يلزم فساد الحج لو أتى ببعض أجزائه رياءً كالطواف أو السعي ونحوهما وإن تداركه في محلّه ، لصدق الظرفية ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به سيّما في الحج ، بل هو غير محتمل جزماً كما صرّح به المحقق الهمداني في الحج وفي الوضوء (٢).

وعلى الجملة : ليس المراد بالظرفية معناها الواسع ، بحيث يشمل كون العمل الصادر منه وعاءً لعمل آخر صادر لغير الله ، بل المراد نفي الخلوص وتشريك غيره معه تعالى في العبادة ، بحيث يصدر العمل الوحداني عن داع إلهي وداع ريائي ، كما يفصح عنه قوله عليه‌السلام بعد ذلك « كان مشركاً » المفقود فيما نحن فيه ، بعد فرض التدارك ، فلا جرم يختص البطلان بالجزء الذي راءى فيه ولا يعمّ غيره.

__________________

(١) في ص ٢٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٣٩ السطر ١٠.

٢٩

الرابع : أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء كالقنوت في الصلاة وهذا أيضاً باطل على الأقوى (*) (١).

______________________________________________________

والحاصل : أنّ مجرّد الظرفية لا يستوجب الاتصاف بالمشركية إلاّ بضرب من التجوّز والعناية باعتبار ملاحظة مجموع العمل ، ومن البيّن أنّه لا عبرة بهذا الاسناد المجازي ، لعدم منعه عن صدق صدور تمام أجزاء العبادة بأسرها عن داع قربي لا غير وإن قورنت مع عمل آخر غير قربي.

فتحصّل : أنّ بطلان الجزء لا يسري إلى الكل فيما إذا تدورك وكان مصوناً عن محذور آخر في كافّة العبادات من الصلاة وغيرها حسبما عرفت.

(١) فيه نظر بل منع حتى لو بنينا على السراية في الجزء الوجوبي ، لما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ الجزء المستحب غير معقول ، سواء أُريد به جزء الماهية أم جزء الفرد ، ضرورة أنّ افتراض الجزئية مساوق لافتراض الدخل في الطبيعة وتقوّمها به ، وهو مضاد لمفهوم الاستحباب الذي معناه عدم الدخل وجواز الترك.

وما يتراءى منه ذلك كالقنوت في الصلاة يراد به أنّه عمل مستقل ظرفه الواجب ، كالأدعية المأثورة للصائم أو للناسك ، فهو مزيّة خارجية تستوجب كون الفرد المشتمل عليها أفضل الأفراد ، والتعبير عنه بالجزء المستحب مبني على ضرب من التوسّع والمسامحة. وقد عرفت أنّ مجرّد الظرفية لا يستلزم السراية ولا يقتضي البطلان إلاّ إذا قورن بموجب آخر له من الفصل الطويل الماحي للصورة ، أو الموجب لفوات الموالاة ونحو ذلك. إذن فما ذكره في المتن محل إشكال بل الأظهر هو عدم البطلان.

__________________

(*) فيه إشكال ، والأظهر عدم البطلان.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

٣٠

الخامس : أن يكون أصل العمل لله لكن أتى به في مكان وقصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء ، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياءً (١) وهذا أيضاً باطل على الأقوى (٢).

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الرياء في الجزء مطلقاً لا يترتب عليه إلاّ فساده ، ولا يسري إلى المركب إلاّ مع طروء عنوان آخر موجب للفساد من زيادة أو نقيصة أو فقدان شرط ونحو ذلك.

(١) فكان الرياء فيما هو خارج عن ذات العمل كلا أو جزءاً من الخصوصيّات الفردية المكانية أو الزمانية أو المكتنفة كما سيجي‌ء.

(٢) إذ الخصوصية المفرّدة مصداق للطبيعة ومحقّق لها ، ومن الضروري أنّ الكلي الطبيعي متحد مع مصداقه خارجاً ، وموجودان بوجود واحد ، يضاف مرّة إلى الطبيعة ، وأُخرى إلى الفرد ، فليست الصلاة الموجودة في الخارج شيئاً آخر مغايراً مع الصلاة في هذا المكان ليكونا موجودين بوجودين ، ولا يسري الفساد من إحداهما إلى الأُخرى ، بل بينهما الاتحاد والعينيّة ، فلا جرم يحكم بالفساد ، إذ المبغوض لا يكون مقرّباً ، والحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

وكذلك الحال فيما بعده من الأمثلة ، فإنّ الكل من سنخ الخصوصيّات المكانية التي يرجع الرياء فيها إلى الرياء في نفس العمل الواجب حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا راءى في الصلاة في هذا المكان ، بأن كان مصبّ الرياء ومركزه هو مصداق الطبيعة بالذات ، أعني الصلاة الكذائية.

وأمّا لو راءى في مجرّد الكون في هذا المكان ، بأن تعلّق قصده الريائي بصرف البقاء في المسجد واللّبث فيه أو في أحد المشاهد المشرّفة ليري الناس أنّه من أهل التقوى المعظِّمين لشعائر الله ، وفي خلال ذلك صلّى خالصاً لوجهه ، فلا موجب‌

٣١

وكذا إذا كان وقوفه في الصفّ الأوّل من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياءً.

السادس : أن يكون الرياء من حيث الزمان ، كالصلاة في أوّل الوقت رياءً وهذا أيضاً باطل على الأقوى (١).

السابع : أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل ، كالاتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع أو نحو ذلك ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى (٢).

______________________________________________________

حينئذ للحكم بالفساد ، لخروج الرياء عن حريم المأمور به وعدم مسّه بكرامته فلا اتحاد ولا عينية ، غايته أنّه راءى في مقارنات العمل ، ومثله لا ضير فيه كما سيجي‌ء.

(١) لاشتراك الخصوصية الزمانية مع المكانية في مناط البحث فيجري فيه ما مرّ بعينه ولا نعيد.

(٢) لما عرفت من انطباق الطبيعة المتحدة وجوداً مع مصداقها على الفرد الريائي.

نعم ، لمّا كان الخضوع والخشوع ، أو البكاء أو التباكي من الأفعال الاختيارية المقارنة للصلاة ولم تكن متحدة معها كالجماعة والفرادى ، فيمكن تصوير الرياء فيها على نحو لا يسري إلى الصلاة ، بأن تعلّق قصده بالصلاة خالصاً لوجهه تعالى ثم بدا له أن يبكي أو يخشع ، بحيث كان ذلك بنفسه موضوعاً مستقلا للرياء ، لا أنّه من الأوّل قصد الصلاة المتصفة بالخشوع الريائي ، فحينئذ لا موجب للفساد وإن ارتكب الإثم.

وعليه فينبغي التفصيل في الخشوع الريائي وأشباهه بين ما إذا تعلّق القصد‌

٣٢

الثامن : أن يكون في مقدّمات العمل ، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد ، والظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (١).

التاسع : أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة ، وهذا لا يكون مبطلاً إلاّ إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً (٢).

العاشر : أن يكون العمل خالصاً لله ، لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس والظاهر عدم بطلانه أيضاً (٣)

______________________________________________________

بهذا الفرد الخاص من الصلاة فتبطل ، إذ الطبيعة وإن كانت مقصودة لله إلاّ أنّها لمّا كانت متحدة مع فردها خارجاً فلا جرم يسري الفساد منه إليها ، وبين ما إذا خشع أو بكى في ضمنها رياءً ، فلا يسري لعدم الاتحاد.

(١) لوضوح أنّ المقدمات أُمور خارجة عن العمل ، فلا مقتضي للسراية.

(٢) كما ظهر وجهه في كلتا الصورتين ممّا قدمناه في الخشوع ، من الاتحاد مع الطبيعة تارة وعدمه اخرى ، فلاحظ ولا نعيد.

(٣) فانّ صفة العجب وإن كانت منقصة ينبغي للمؤمن الحقيقي تنزيه نفسه عنها ، إلاّ أنّها لا تستوجب البطلان بعد فرض صدور العمل بكامله خالصاً لوجهه الكريم ، سيّما وإنّها عامّة البلوى لا ينجو منها إلاّ الأوحدي والعارف الحقيقي الذي لا يهمّه مدح الناس أو قدحهم ، وكل همّه طلب مرضاته سبحانه وإلاّ فغالب الناس تعجبهم عباداتهم ويدخلهم السرور من رؤية الناس ، ويحبّون أن يُمدحوا بها ، ويعرفوا بين الناس بأنّهم من المتعبّدين ومن عباد الله الصالحين لكن مجرّد ذلك لا دليل على قدحه في صحّة العبادة ، بل قد دلّت على عدم القدح صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك ، قال : لا بأس ، ما من أحد إلاّ وهو‌

٣٣

كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ (١) خصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور (٢) وكذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد (٣).

______________________________________________________

يحبّ أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » (١). وقد دلّ ذيلها على أنّه لو فعل الخير لغاية المعرفة فحسب بطل ، لفقد قصد القربة حينئذ كما هو ظاهر.

(١) لعدم منافاته مع الإخلاص المعتبر في صحة العبادة والانبعاث عن محض قصد الامتثال ، بل هو من وساوس الشيطان كما جاء في بعض الأخبار (٢).

(٢) فانّ هذا التأذّي كاشف قطعي عن بلوغه مرتبة راقية من الخلوص وموجب لتأكد إضافة العمل إلى المولى سبحانه وتعالى.

(٣) كما لو كان في مجلس يتكلم أهله بما يرجع إلى أُمور الدنيا ، فأعرض عنهم وترك مجالستهم مظهراً أنّه لا يحب اللغو والخوض في غير أُمور الدين فكان مرائياً في هذا الابتعاد والانفصال وقد تشاغل حينئذ في الصلاة ، فإنّه لا موجب لفسادها ، لعدم تعلق الرياء بها ، بل بترك ضدّها وهو الاشتراك في ذاك المجلس الذي هو أمر آخر مقارن مع الصلاة ، ولم يكن متّحداً معها.

وقد تحصّل من جميع الأقسام المتقدِّمة : أنّ الخصوصية المراءى فيها إن اتّحدت خارجاً مع العبادة كالصلاة جماعة أو أوّل الوقت أو في المسجد ، بحيث كانت النسبة بينهما نسبة الطبيعي إلى أفراده ، بطلت إذ الاتحاد يستوجب السراية لا محالة ، ومن البيِّن أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٧٥ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ١٠٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٤ ح ٣.

٣٤

[١٤٢٢] مسألة ٩ : الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره ، أو عمل عملاً يدل على أنّه فعل كذا (١).

______________________________________________________

وأمّا لو لم تتّحد كالتحنّك رياءً والتخشع أثنائها كذلك ، فتلك الخصوصية وإن حرمت إلاّ أنّها لمّا كانت وجوداً مستقلا مغايراً لنفس العبادة ، وإن كان مقارناً معها ، فلا مقتضي حينئذ للسراية بوجه.

(١) إذ المنافي للخلوص إنّما هو الرياء المقارن للعمل ، فإنّه الذي يمنع عن صدوره على وجه العبادة ، إمّا المتأخر فلا تأثير له في المتقدّم ، ضرورة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

أجل ، ورد في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه « قال : الإبقاء على العمل أشدّ من العمل. قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له سراً ، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياءً » (١) ، فإنّها صريحة في سقوط العبادة بالكلية بذكرها مرّتين ، ولكنّها لمكان الإرسال غير صالحة للاستدلال.

نعم ، لا ريب في أنّ الذكر المزبور والرياء بعد العمل صفة رذيلة ومنقصة في العبد ينبغي تنزيه ساحته عنها ، كما تشهد به صحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) قال : قول الإنسان : صلّيت البارحة وصمت أمس ونحو‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٧٥ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٤ ح ٢.

٣٥

[١٤٢٣] مسألة ١٠ : العجب المتأخر لا يكون مبطلاً ، بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط ، وإن كان الأقوى خلافه (١).

______________________________________________________

هذا ، ثم قال عليه‌السلام : إنّ قوماً كانوا يصبحون فيقولون صلّينا البارحة وصمنا أمس ، فقال علي عليه‌السلام : ولكنّي أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئاً لنمته » (١).

فإنّها ظاهرة في عدم محبوبيّة الإفشاء والإشاعة ، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس.

(١) لا شبهة في قبح صفة العجب تكويناً ، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها ضرورة أنّ العاقل الكيِّس ، متى لاحظ وفور نعم البارئ تعالى البالغة من الكثرة حدّا لا تحصى ، ومن أبرزها نعمة الوجود ، ثم النعم الظاهرية والباطنية يرى نفسه عاجزاً عن أداء شكر واحدة منها ، كيف وهو ممكن لا يزال يستمد القوى من بارئه ولا يستغني عنه طرفة عين ، بل يفتقر إليه في جميع حالاته حتى حالة التصدي للشكر ، فيحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل.

ومنه تعرف أنّه لو استغرق في العبادة طيلة حياته واستوعبت ليله ونهاره لم يكن يقابل نعمة من نعمه الجزيلة ، فكيف وهو لا يتشاغل بها إلاّ في بضع ساعات ، فإعجابه بعبادته الضئيلة التي استمدت مبادئها منه تعالى ، والحقيرة تجاه تلكم النعم العظيمة ، وهو بهذه المثابة من العجز بحيث لا يستطيع من أداء شكر نعمة الوجود فقط ، فضلاً عن سائر النعم في غاية القبح والوهن ، بل لا يكاد يجتمع مع سلامة العقل إلاّ إذا فرض محالاً أنّه واجب وجود ثان ، فلعلّ مثله يتمكّن من أداء شكره ، لعدم انتساب وجوده إليه تعالى.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٧٤ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٤ ح ١.

٣٦

وأمّا حكمه تشريعاً ، فلا ينبغي التأمل في حرمته ، لأوله إلى هتك حرمة المولى وتحقير نعمه ، إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نعم ربّه ، لأنّه قد أتى بما يساويها أو يزيد عليها ، فلا يرى والعياذ بالله فضلاً له تعالى عليه ، وهو من أعظم الكبائر والجرائم (١).

على أنّ النصوص الكثيرة وفيها المعتبرة قد دلت على الحرمة.

فمنها : ما رواه الكليني بإسناده ، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله تعالى : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي ، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين ، نظراً منّي له وإبقاءً عليه ، فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زارئ عليها ، ولو أُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله ، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه ، حتى يظنّ أنّه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ التقصير فيتباعد منِّي عند ذلك وهو يظن أنّه يتقرّب إليّ » (٢).

__________________

(١) هذا وجيه لو أُريد بالعجب ذلك ، دون ما كان خارجاً عن الاختيار ممّا لا يصح تعلّق التكليف به ، كالذي يعرض في الأثناء من الهواجس والخواطر أو الاعتقاد الراسخ الناشئ من ضم الصغرى إلى الكبرى ، وإن كان مخطئاً في الاستنتاج لاستناد مبادئه إلى نوع من الجهل والغرور ، فإنّه بهذا المعنى صفة نفسانية غير مسبوقة بالعزم والإرادة لتقع مورداً للتكليف ، وعليه يبتني ما اختاره المحقق الهمداني قدس‌سره من إنكار الحرمة كما صرّح به في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه : [ ١٢٣ ، السطر ٦ ]. واختاره ( دام ظله ) هناك [ شرح العروة ٦ : ٢٠ ].

(٢) الوسائل ١ : ٩٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٣ ح ١ ، الكافي ٢ : ٦٠ / ٤.

٣٧

وهي وإن كانت واضحة الدلالة ، إلاّ أنّ السند ضعيف ، لاشتماله على داود بن كثير الرقي الذي تعارض فيه التوثيق والتضعيف ، فلا يمكن التعويل عليها (١).

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ، ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به ، فقال : هو في حاله الاولى وهو خائف أحسن حالاً منه في حال عجبه » (٢).

وهي أيضاً واضحة الدلالة ، لأنّ مفادها أنّ المعصية مع الخوف أهون من العبادة مع العجب.

كما أنّها معتبرة السند ، إذ ليس فيه من يتأمل فيه ما عدا محمد بن عيسى العبيدي الذي استثناه الصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد من روايات يونس لكنّك عرفت غير مرّة ما في هذا الاستثناء ، وأنّه محكوم بالتوثيق ، بل قيل إنّه من مثله ، ولمزيد التوضيح راجع معجم الرجال (٣).

إذن فلا ينبغي التأمّل في أنّ الإعجاب مبغوض عقلاً ، ومحرّم شرعاً ، بل قد عدّ من المهلكات فيما رواه الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي (٤).

وإنّما الكلام في أنّه هل يستوجب البطلان أيضاً أو لا؟ ظاهر الأصحاب هو الثاني ، وهو الصحيح.

__________________

(١) لاحظ معجم رجال الحديث ٨ : ١٢٦ / ٤٤٢٩.

(٢) الوسائل ١ : ٩٩ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٣ ح ٢.

(٣) معجم رجال الحديث ١٨ : ١١٩ / ١١٥٣٦.

(٤) الوسائل ١ : ١٠٢ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٣ ح ١٢ [ لكنّها ليست من الصدوق بل هي مروية من المحاسن للبرقي ، والتي رواها الصدوق ليست عن أبي حمزة الثمالي ].

٣٨

أمّا في العجب المتأخر فظاهر جدّاً ، لما تقدّم في الرياء اللاّحق من عدم تأثيره في السابق ، إذ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

وأمّا في المقارن ، فلأجل أنّ العجب فعل نفساني ، والصلاة عمل خارجي فلا اتحاد بينهما ليسري الفساد منه إليها ، ولا دليل على بطلان الصلاة المقرونة بذلك بعد صدورها عن نيّة خالصة كما هو المفروض ، وعدم خلل في شي‌ء مما يعتبر فيها.

فالصحة إذن مطابقة لمقتضى القاعدة. مضافاً إلى معتبرة يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب ، فقال : إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان » (١) فإنّ الراوي لم يذكر في كتب الرجال ، لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات (٢).

نعم ، ربّما يستفاد الفساد مما رواه في الكافي بإسناده عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال : العجب درجات : منها : أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنّه يحسن صنعاً ، ومنها : أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله عزّ وجلّ ، ولله عليه فيه المنّ » (٣).

فإنّ السند صحيح ، إذ الظاهر أنّ المراد بالراوي هو علي بن سويد السائي الذي وثّقه الشيخ (٤) من غير معارض ، وقد دلّت على أنّ مفسديّة العجب في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٠٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٤ ح ٣.

(٢) لكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشمله التوثيق.

(٣) الوسائل ١ : ١٠٠ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٣ ح ٥ ، الكافي ٢ : ٣١٣ / ٣.

(٤) رجال الطوسي : ٣٥٩ / ٥٣٢٠.

٣٩

الجملة أمر مسلّم مفروغ عنه عند الراوي ، وقد أقرّه الإمام عليه‌السلام على ذلك.

ولكنّ الظاهر أنّها غير دالة على البطلان فيما نحن فيه ، فانّ الفساد في الدرجة الأُولى لم يطرأ على العمل الصحيح الذي هو محل الكلام ، بل العمل كان فاسداً من الأوّل ، وإن حسب المعجب أنّه يحسن صنعاً ، فتوصيف العجب بالمفسديّة من قبيل قولنا : ضيّق فم الركيّة ، وقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) (١) كما لا يخفى.

وأمّا في الدرجة الثانية فالفساد أيضاً واضح ، ضرورة أنّ المنّ مبطل للعمل كما يكشف عنه قوله تعالى ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (٢) فانّ المنّة إذا كانت مبطلة للصدقة المعطاة للفقير ، فكيف لا تبطل الإيمان بالله الغني.

وأين هذا كلّه من الفساد والذي نتكلّم حوله من إعجاب المرء بعبادته بحيث يرى نفسه غير مقصّر في مقام العبودية ، ومؤدّياً لحقّ الربوبية. نعم ، هو مبغوض ومحرّم كما تقدم ، إلاّ أنّ إبطاله للعمل لا دليل عليه سواء أكان بعده أم أثناءه.

وأمّا قبل العمل فنادر جدّاً ، إذ لا موضوع له إلاّ بلحاظ إعجابه بما يروم ارتكابه من العبادة وإعظامها.

وكيف ما كان ، فما صنعه في المتن من الاحتياط الاستحبابي في مبطلية العجب المقارن حسن ، حذراً عن مخالفة مَن ذهب إلى الإبطال على ما حكاه في الجواهر (٣) عن بعض مشايخه.

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٤.

(٣) الجواهر ٢ : ١٠٠.

٤٠