موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وما عن صاحب الجواهر (١) من كفاية قصد الجامع وعدم وجوب تعيين البسملة ، إذ لا ينحصر التشخيص في القصد بل قد يحصل من أجل متابعة السورة المعيّنة ولحوقها بها فيصدق عرفاً تعيّن البسملة لها ،

كما ترى ، ضرورة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه ، والصدق العرفي انّما هو لبنائهم على قصد التعيين من أوّل الأمر ، وإلاّ فالصدق مع اطلاعهم على قصد الجامع ممنوع ، ولو سلّم فهو مبني على ضرب من المسامحة قطعاً ، لما عرفت من امتناع انقلاب الشي‌ء عما وقع عليه ، فانّ البسملة الواقعة بقصد الجامع كيف تنقلب بلحوق السورة وتقع لخصوصها ، وقياسه بالمركبات الخارجية كنحت الخشب الصالح لصنعه سريراً أو باباً ونحوهما مع الفارق ، لعدم الحاجة إلى القصد فيها ، بخلاف المقام الذي هو مركب اعتباري متقوّم بالقصد.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى وجوب تعيين البسملة للسورة قبل الشروع فيها ، وعدم كفاية قصد الجامع وإن كان حينئذ قرآنا أيضاً. نعم لا يعتبر التعيين تفصيلاً ، بل يكفي القصد الإجمالي ، كأن يقصد البسملة للسورة المعيّنة عند الله وإن كانت مجهولة لديه ، كما لو كتب سورة ووضعها في يده ثم نسيها فقصد البسملة لهذه السورة.

ثم إنّه على التقديرين أي سواء أقلنا بلزوم قصد التعيين أم لا لو عيّنها لسورة خاصة ثم عدل عنها لا يجوز الاكتفاء بها ، بل تجب إعادة البسملة بلا إشكال كما نبّه عليه في المتن ، فإنّ المأتي بها بقصد الجامع يمكن أن يقال كما قيل بكفايتها من أجل أنّ حكاية الجامع حكاية للفرد وإن عرفت ما فيه ، وأمّا المأتي بها بقصد الفرد المعيّن فلا يمكن أن تكون حكايته حكاية لفرد آخر مباين معه كما هو ظاهر.

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ٥٦.

٣٤١

[١٥٠٤] مسألة ١٢ : إذا عيّن البسملة لسورة ثم نسيها فلم يدر ما عيّن ، وجب إعادة البسملة لأيّ سورة أراد ، ولو علم أنّه عيّنها لإحدى السورتين من الجحد والتوحيد ولم يدر أنّه لأيّتهما أعاد البسملة (*) وقرأ إحداهما ، ولا يجوز قراءة غيرهما (١).

______________________________________________________

ثم إنّ صاحب الحدائق قدس‌سره بعد أن اختار عدم وجوب التعيين استدل له بخلوّ النصوص عن التعرض لذلك ، فيرجع إلى أصالة العدم من حديث الحجب وغيره من أخبار أدلة البراءة (١).

وفيه : أنّ اعتبار التعيين إنّما هو من أجل دخله في صدق القراءة المأمور بها في الصلاة كما عرفت ، فلو كان هناك شك فهو في الانطباق وحصول الامتثال ومثله مجرى للاشتغال دون البراءة.

(١) بعد ما بنى قدس‌سره على عدم وجوب تعيين البسملة ، وأنّه لو عيّنها لسورة وجب إعادتها لو عدل إلى أُخرى ، رتّب على ذلك فروعاً تعرّض لها في ضمن مسائل ، ولنقدّم الكلام فيما ذكره في المسألة الرابعة عشرة لكونه أسهل تناولاً. ثم نتكلّم في بقية الفروع على وجه يتضح الحال فيها أجمع إلى نهاية المسألة الخامسة عشرة ، فنقول :

لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أثنائها في ابتداء الركعة مثلاً على قراءة سورة معيّنة ، أو كانت عادته كذلك ثم نسي فقرأ سورة أُخرى ذاهلاً عن عزمه الأوّل صحت ولم تجب إعادة السورة بلا إشكال ، إذ المأمور به هو طبيعي‌

__________________

(*) لا أثر للإعادة مع العلم التفصيلي بعدم جزئيتها للصلاة ، والأحوط قراءة كلتا السورتين بقصد جزئية ما وقعت البسملة له من دون فصل بينهما بها.

(١) الحدائق ٨ : ٢٢٣.

٣٤٢

[١٥٠٥] مسألة ١٣ : إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء (*) ، ولو شكّ في أنّه عيّنها لسورة معيّنة أو لا فكذلك ، لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها ، بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مرّ من الاحتياط في التعيين.

[١٥٠٦] مسألة ١٤ : لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أوّل الركعة أن يقرأ سورة معيّنة فنسي وقرأ غيرها ، كفى ولم يجب إعادة السورة ، وكذا لو كانت عادته سورة معيّنة فقرأ غيرها.

[١٥٠٧] مسألة ١٥ : إذا شكّ في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها وقرأها نسياناً ، بنى على أنّه لم يعيّن غيرها.

______________________________________________________

السورة ، ولا دليل على تعينها في مصداق خاص بمجرد البناء والعزم وإن تجدّد عزم آخر على خلافه ، فلا قصور في اتصاف الأُخرى بكونها مصداقاً للمأمور به بعد صدورها عن قصد وإرادة ، وإن كان ذلك مبنيّاً على الذهول عن الداعي الأوّل الذي كان بانياً عليه في افتتاح الصلاة ، وهذا واضح لا سترة عليه.

وأمّا بقية الفروع فيجمعها أنّه تارة : يعلم بأنّه عيّن البسملة لسورة خاصة وأُخرى : يعلم بعدم التعيين وأنّه أطلق ، وثالثة : يشك في الإطلاق والتعيين ورابعة : يعلم بالتعيين إجمالاً ويجهل متعلقه ، وأنّه عيّنها لهذه السورة أم للأُخرى.

أمّا الصورة الأُولى : فهي مبحث العدول من سورة إلى أُخرى ، وقد تعرّض لها في المسألة السادسة عشرة ، وسيجي‌ء البحث عنها مفصلاً إن شاء الله تعالى.

وأمّا الصورة الثانية : فبناءً على مختار المتن من عدم وجوب التعيين ، له أن يقرأ بعدها أيّ سورة شاء كما صرح به في المسألة الثالثة عشرة ، لكن عرفت‌

__________________

(*) مرّ أنّ الأقوى وجوب التعيين ومنه يظهر حكم ما فرّع عليه.

٣٤٣

أنّ الأقوى خلافه ، فلا يجتزئ بها ، بل لا بدّ من إعادة البسملة بقصد سورة معيّنة.

وأمّا الصورة الثالثة : أعني الدوران بين التعيين والإطلاق قبل الدخول في السورة ، فقد صرح في المتن أنّه كذلك ، أي له أن يقرأ بعدها ما شاء. وهذا وجيه على مسلكه من عدم اعتبار التعيين لأصالة عدم التعيين ، وليس ذلك من الأصل المثبت ، ولا معارضاً بأصالة عدم الإطلاق ، إذ ليس المراد بالإطلاق في المقام لحاظ الطبيعة السارية في أفرادها المقابل للتقييد ، اللذين هما أمران وجوديان كل منهما مسبوق بالعدم ، ويكونان متقابلين بتقابل التضاد حتى يكون الأصل في كل منهما معارضاً بالآخر كما في باب الإنشائيات ، حيث إنّ المنشئ لا بد له من لحاظ أحد الأمرين كل منهما مجرى لأصالة العدم.

بل المراد به هنا الطبيعة المهملة الجامعة بين اللاّبدية بشرط القسمي والمقسمي بأقسامه الثلاثة المعراة عن كل قيد ولحاظ ، الذي هو مدلول الألفاظ ، فلم يعلم أنّه حين الشروع في البسملة هل لاحظ التقييد فعيّنها لسورة معيّنة أو أهملها فلم يقصد إلاّ الطبيعة الجامعة ، وحيث إنّ الثاني هو المتيقن المطابق للأصل لاحتياج الأوّل إلى مئونة زائدة مدفوعة بالأصل ، فبأصالة عدم التعيين السليمة عن المعارض ينتج أنّه قصد الطبيعة غير المتحصصة بحصة خاصة ، والمفروض أنّ حكمه جواز القراءة بعدها بأيّ سورة شاء.

فما أفاده قدس‌سره جيّد على مبناه إلاّ أنّ المبنى غير صحيح كما عرفت فالأقوى عدم الاكتفاء بتلك البسملة للزوم التعيين ولم يحرز ، فلا بدّ من إعادتها لسورة معينة.

وأمّا الصورة الرابعة : أعني ما لو شكّ بعد البسملة في أنّه هل عيّنها لهذه السورة أو لسورة أُخرى؟ فقد يكون الشك أثناء السورة ، وأُخرى قبل الدخول فيها.

٣٤٤

أمّا الأوّل : فلا إشكال في عدم الاعتناء والبناء على أنّه لم يعيّن غيرها ، كما نبّه عليه في المسألة الخامسة عشرة ، عملاً بقاعدة التجاوز لرجوع الشك حينئذ إلى وجود الجزء وعدمه ، وأنّه هل بسمل لهذه السورة أو لا ، ولا فرق في جريان القاعدة بين الجزء وبين جزء الجزء كما حرّر في محله (١).

وأمّا الثاني : فله فروض ثلاثة ، إذ قد يكون الترديد بين سورتين غير الجحد والتوحيد ، وأُخرى بينهما خاصّة ، وثالثة بين سورة أُخرى وإحدى هاتين السورتين.

أمّا الفرض الأوّل : فليس له الاجتزاء بتلك البسملة ، إذ لو أتى بأيّ من السورتين يشك في وقوع البسملة لها فلا يحصل اليقين بامتثال السورة التامّة فلا بدّ من إعادتها والإتيان بأيّ سورة أراد ، عملاً بقاعدة الاشتغال وتحصيلاً لليقين بالفراغ ، وهذا ظاهر.

وأما في الفرض الثاني : فليس له إعادة البسملة للعلم التفصيلي بعدم الأمر بها ، لأنّه لو أعادها لإحداهما فامّا أنّها تكون هي التي بسمل لها أوّلاً فقد سقط أمرها بالامتثال ، أو غيرها فلا أمر بها ، لعدم جواز العدول من إحداهما إلى الأُخرى ، كما ليس له قراءة إحداهما ، لعدم الجزم بوقوع البسملة لها ، فلم يحرز الإتيان بالسورة التامّة ، ولا قراءة سورة أُخرى غيرهما لعدم جواز العدول عنهما ، فلا مناص له من قراءة السورتين معاً مقتصراً على البسملة السابقة قاصداً الجزئية بإحداهما المعيّنة واقعاً ، ومعه يقطع بحصول السورة التامة ، ولا محذور فيه ،

عدا توهّم القرآن بين السورتين. وفيه : مضافاً إلى أنّ الأقوى عدم حرمته بل غايته الكراهة كما مرّ ، أنّ الممنوع منه حرمة أو كراهة إنّما هو صورة التمكّن من إتمام السورة الواحدة والاجتزاء بها ، فلا يشمل المقام الذي لا يتيسر ذلك كما عرفت.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٧.

٣٤٥

وعدا توهم لزوم الفصل بين السورة وبسملتها الموجب للإخلال بالموالاة المعتبرة بينهما. وفيه : أنّه لا ضير فيه بهذا المقدار ، ولا تفوت معه الموالاة العرفية ، بل تجوز قراءة القرآن بين السورة وبسملتها عمداً واختياراً فضلاً عن مثل المقام كما لا يخفى.

وممّا ذكر تعرف أنّ ما ذكره في المتن في المسألة الثانية عشرة في هذا الفرض من إعادة البسملة وقراءة إحدى السورتين ، لا يمكن المساعدة عليه.

وأما الفرض الثالث : كما لو تردد ما عيّن له البسملة بين القدر والتوحيد مثلاً ، فليس له قراءة إحدى السورتين من غير إعادة البسملة ، لعدم إحراز بسملتها ، وهذا واضح. كما ليس له قراءة القدر مع البسملة لها ، للعلم التفصيلي بعدم الأمر بهذه البسملة ، فإنّ البسملة السابقة إن كانت للقدر فقد سقط أمرها بالامتثال ، وإن كانت للتوحيد فلا يجوز العدول عنها.

هذا ، وإطلاق كلام الماتن أعني قوله في المسألة الثانية عشرة : وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد شامل لذلك ، ومقتضاه جواز قراءة القدر مع البسملة لها ، وقد عرفت ما فيه.

فالظاهر أنّ المتعيّن في حقه اتخاذ أحد طريقين :

الأول : أن يعيد البسملة للتوحيد ويقرأها ، إذ لا ضير فيه عدا احتمال الزيادة من جهة احتمال أن تكون البسملة السابقة لها فتتكرر بسملتها ، وهو غير ضائر بعد أصالة عدم الزيادة ، ولا أقل من الإتيان بها رجاء أو بقصد القرآنية ، ولو كانت السابقة للقدر فلا تقدح لجواز العدول من غير التوحيد إليها.

الثاني : أن يعيد البسملة لسورة أُخرى غير التوحيد والقدر كالكوثر ، فيقرأ سورة الكوثر مثلاً مع بسملتها. وهذا أيضاً لا ضير فيه عدا احتمال العدول الممنوع لو كانت السابقة للتوحيد ، وهو أيضاً مدفوع بالأصل لأصالة عدم قراءة التوحيد ، ولا تعارض بأصالة عدم قراءة القدر إذ لا أثر لها إلاّ إذا ثبت‌

٣٤٦

[١٥٠٨] مسألة ١٦ : يجوز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف (*) (١).

______________________________________________________

بها قراءة التوحيد ، والأصل لا يتكفل بإثباتها لعدم حجية الأُصول المثبتة.

وبالجملة : جواز العدول ليس من آثار قراءة القدر كي يجري فيها الأصل بل من آثار قراءة سورة لم تكن توحيداً ، كما أنّ عدم جوازه من آثار قراءة التوحيد ، وحيث إنّ طبيعي القراءة متيقنة وكونها توحيداً مشكوك ، فبعد دفعه بالأصل وضمّه إلى الوجدان يحرز أنّ المقروء سورة غير التوحيد ، فيترتب عليه جواز العدول من غير أصل معارض كما هو ظاهر جدّاً.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في جواز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً في الجملة ، بل هو المطابق لمقتضى القاعدة ، فإنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة ولا دليل على تعيّنه في سورة معيّنة بمجرد الشروع فيها (١) ، واحتمال وجوب المضي والإتمام مدفوع بالأصل. وقد ذكرنا نظير ذلك في مسألة القصر والإتمام في مواطن التخيير ، وقلنا إنّ المأمور به إنّما هو الطبيعي ، ولا يعتبر قصد إحدى الخصوصيتين ولا يتعين فيها الطبيعي لو قصد ، فلو نوى التمام وقبل تجاوز الحد المشترك بدا له العدول إلى القصر ، أو بالعكس جاز وصحت صلاته.

ويقتضيه أيضاً إطلاق بعض نصوص المقام كما ستعرف ، فلا إشكال في الحكم.

__________________

(*) أمّا بعد بلوغه فالأحوط وجوباً عدم العدول ما بينه وبين الثلثين.

(١) هذا على المسلك المشهور من عدم جواز التبعيض ، وأما بناءً على الجواز كما يميل إليه سيدنا الأُستاد ( دام ظله ) بمقتضى الصناعة حسبما تقدم فغير واضح ، لتحقق الامتثال بالبعض المأتي به وسقوط الأمر وامتناع الامتثال عقيب الامتثال ومعه لا موضوع للعدول ، إلاّ أن يراد به العدول الرجائي أو عن السورة الكاملة المستحبة إلى مثلها سواء أقلنا بجزئيتها للصلاة أم بظرفيتها لها.

٣٤٧

إنّما الكلام في المورد الذي لا يجوز فيه العدول ، فإنّه المحتاج إلى الدليل لكونه على خلاف الأصل كما عرفت ، والأقوال فيه أربعة :

أحدها : ما عن الصدوق (١) وتبعه بعض من تحديد ذلك بعدم بلوغ النصف فلا يجوز العدول إذا بلغ نصف السورة.

الثاني : ما هو المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات من تحديده بعدم تجاوز النصف فيجوز مع بلوغ النصف وإنّما يمنع إذا جاوزه وأخذ في النصف الآخر.

الثالث : ما هو المحكي عن كشف الغطاء (٢) من التحديد ببلوغ ثلثي السورة.

الرابع : ما اختاره في الحدائق (٣) من جواز العدول مطلقاً من غير تحديد بحد.

أمّا القول الأوّل : فليس له مستند ظاهر ، ولم ينقل عليه الإجماع ، نعم يوافقه الفقه الرضوي (٤) ، لكن الإشكال في اعتباره معلوم كما تكرر غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليه. على أنّه معارض ببعض النصوص المصرّح فيها بجواز العدول مع بلوغ النصف ، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها ، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال : نعم ... » إلخ (٥) فإنّها وإن رويت بطريق ضعيف لمكان عبد الله بن الحسن ، لكن صاحب الوسائل رواها أيضاً عن كتاب علي بن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٢) كشف الغطاء : ٢٣٥ السطر ٣٥.

(٣) الحدائق ٨ : ٢١٥.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٣٠.

(٥) الوسائل ٦ : ١٠٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٥ ح ٣.

٣٤٨

جعفر (١) ، وطريقه إلى الكتاب المنتهى إلى طريق الشيخ إليه صحيح.

وموثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، قال : له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها » (٢) فهذا القول ساقط جزماً.

وأمّا القول الثاني : فإن كان هناك إجماع تعبدي يطمأن أو يوثق معه بقول المعصوم عليه‌السلام فهو ، وإلاّ فإثباته بحسب الروايات مشكل لعدم تماميّتها إذ ليس له مستند عدا مرسلة الدعائم ، ورواية الشهيد في الذكرى ، قال في دعائم الإسلام : وروينا عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « أنّه قال : من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأُخرى ... » إلخ (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف روايات الدعائم بالإرسال ، بل وجهالة مؤلفه وإن بالغ النوري في اعتباره (٤) أنّها قاصرة الدلالة ، فإنّها ظاهرة في العدول عن نصف سورة إلى النصف الآخر من السورة الأُخرى ، بحيث يكون المجموع سورة ملفّقة من سورتين ، كما يشهد له تأنيث كلمة « الأُخرى » التي هي صفة للسورة لا للنصف. وعليه فتكون أجنبية عما نحن فيه من العدول إلى سورة أُخرى تامّة.

نعم ، حكى المحقق الهمداني (٥) عن المستند (٦) أنّ النسخة التي عنده كانت هكذا‌

__________________

(١) مسائل علي بن جعفر : ١٦٤ / ٢٦٠.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦ ح ٢.

(٣) المستدرك ٤ : ٢٠٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ١ ، الدعائم ١ : ١٦١.

(٤) راجع المعجم ٢٠ : ١٨٤ / ١٣١٠٢.

(٥) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٣٢٣ السطر ٢١.

(٦) المستند ٥ : ١١٢.

٣٤٩

« في نصف السورة الآخر » بتذكير الآخر كي يكون صفة للنصف ، وحينئذ للاستدلال بها وجه ، وإن كانت العبارة حينئذ لا تخلو عن الركاكة كما لا يخفى وكان الأولى لو أُريد ذلك أن يعبّر هكذا : في النصف الثاني ، أو في النصف الآخر بل الظاهر أنّ النسخة مضافاً إلى عدم الوثوق بها مغلوطة ، والصحيح ما أثبتناه فتخرج عن محل الكلام كما عرفت.

وأمّا رواية الشهيد فقد حكى في الوسائل ، وكذا المجلسي في البحار (١) عن الذكرى نقلاً من كتاب نوادر البزنطي ، عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى ، قال : يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف » (٢) بتقريب أنّها ظاهرة في أنّ بلوغ النصف هو غاية الحد ولذا عبّر عنها بكلمة إن الوصلية ، لإدراج الفرد الخفي ، وإلاّ لقال وإن جاوز النصف.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند ، لعدم وضوح طريق الذكرى إلى كتاب البزنطي (٣) فتكون الرواية مرسلة ، والمراد بأبي العباس هو الفضل بن عبد الملك البقباق لأنّ الواقع في هذه الطبقة ليس غيره فلا إشكال من أجله.

هذا ، مع أنّ صاحب الحدائق (٤) ذكر أنّ النسخ التي وقف عليها من الذكرى عارية عن إسناد الرواية إلى أبي عبد الله عليه‌السلام بل مروية عن أبي العباس نفسه ، ولم يعلم أنّها فتواه أم رواية عن الإمام عليه‌السلام وعليه فتكون الرواية مضافاً إلى الإرسال مقطوعة أيضاً.

__________________

(١) البحار ٨٢ : ٦١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦ ح ٣ ، الذكرى ٣ : ٣٥٦.

(٣) يمكن تصحيحه بأنّ للشهيد طريقاً صحيحاً إلى الشيخ الطوسي ، وطريق الشيخ إلى كتاب البزنطي صحيح.

(٤) الحدائق ٨ : ٢١٠.

٣٥٠

وثانياً : بإمكان الخدشة في الدلالة ، فإنّ ما ذكر لا يتجاوز الإشعار ولا يبلغ حدّ الاستدلال ، لإمكان أن يكون التعبير بقوله : « وإن بلغ النصف » إشارة إلى الفرد النادر ، إذ قلّ ما يعدل المصلي عن السورة بعد بلوغ نصفها ، والغالب في العدول قبل البلوغ هذا الحد كما لا يخفى. فلا يدل على أنّ هذا نهاية الحد الشرعي لجواز العدول.

على أنّ هاتين الروايتين رواية الدعائم والذكرى تعارضهما موثقة عبيد ابن زرارة المتقدمة (١) المصرّحة بجواز العدول ما بينه وبين أن يقرأ ثلثي السورة.

وبذلك يظهر مستند القول الثالث الذي اختاره في كشف الغطاء ، فإنه استند فيه إلى هذه الموثقة التي هي قوية السند صريحة الدلالة ولا إشكال عليها ، إلاّ من حيث إعراض الأصحاب عنها ، لأنّ المشهور هو القول الثاني كما عرفت. فان بنينا على قادحية الإعراض سقطت عن الحجية ، وإلاّ كما هو المختار فلا مانع من الاعتماد عليها. ومن ذلك تعرف قوة هذا القول.

وأمّا القول الرابع : أعني جواز العدول مطلقاً الذي اختاره صاحب الحدائق فقد استدل قدس‌سره له بإطلاق الأخبار وقدمه على التحديدات المذكورة في رواية الفقه الرضوي وغيرها التي هي حجة عنده ، ولا يتم ذلك على مسلكه كما لا يخفى.

نعم ، يمكن تقريب هذا القول ، بل وتقويته ببيان آخر نتيجته جواز العدول مطلقاً ، وحمل التحديد بالنصف أو الثلثين على ضرب من الكراهة والمرجوحية على اختلاف مراتبها. وهذا البيان نتيجة الالتزام بمبنيين : أحدهما جواز التبعيض والآخر جواز القرآن بين السورتين اللذين عرفت فيما مضى أنّهما الأقوى بالنظر إلى الأدلّة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦ ح ٢.

٣٥١

وعليه نقول التحديد بالثلثين الذي تضمنه موثق عبيد المتقدم لا يمكن حمله على اللّزوم على وجه لا يجوز العدول بعده ، لأنّ الوجه في عدم الجواز إن كان هو وجوب إتمام هذه السورة التي بيده فقد بنينا على جواز التبعيض وعدم وجوب الإتيان بسورة تامّة حسب الفرض ، وإن كان عدم جواز القرآن بين السورتين بدعوى شموله للزائد من السورة الواحدة وإن لم تتم السورتان كما قد يقتضيه إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور المتقدمة سابقاً : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (١) ، فقد بنينا على جواز القرآن فليس لهذا التحديد وجه ظاهر ويبعد جدّاً حمله على التعبد المحض فتأمل. فلا مناص من حمله على ضرب من المرجوحية والكراهة ، التي دونها في المرتبة ما لو كان العدول قبل هذا الحد ، وبعد تجاوز النصف الذي تضمنته صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة (٢).

بل يمكن أن يقال : بتعين الوجه الأوّل ، لعدم شمول القرآن الممنوع للعدول المبحوث عنه في المقام ، لأنّ أخبار الباب قد تضمنت بأجمعها التعبير بـ « الرجوع » وظاهره رفع اليد عن السورة التي بيده ، والإتيان بسورة أُخرى على نحو يشبه تبديل الامتثال بالامتثال ، وأين هذا من القرآن الذي هو عبارة عن الامتثال بكلتا السورتين وجعلهما معاً مصداقاً للمأمور به ، فلا علاقة بين المسألتين بوجه ، إذن فالوجه في المنع عن العدول بعد ما عرفت من استبعاد التعبد المحض ليس إلاّ المنع عن التبعيض وقد بنينا على جوازه.

والمتحصل من مجموع الأخبار : أنه إذا لم يبلغ الثلثين جاز له العدول ، بمعنى رفع اليد عما بيده ، وتبديل الامتثال بامتثال آخر ، فيعدل إلى سورة أُخرى‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٢) في ص ٣٤٨.

٣٥٢

إلاّ من الجحد والتوحيد فلا يجوز العدول منهما (١) إلى غيرهما ، بل من إحداهما إلى الأُخرى بمجرد الشروع فيها ولو بالبسملة.

______________________________________________________

بقصد الجزئية ، إذ التحديد بالنصف أو تجاوزه لم ينهض عليه دليل معتبر كما مرّ. وأمّا إذا بلغ هذا الحد فالعدول بهذا المعنى غير جائز في حقه ، للتحديد بذلك في موثقة عبيد بن زرارة ولا مانع من العمل بها. فليس له رفع اليد عن هذه السورة بل يجب إتمامها ، لكنه ليس ذلك إلاّ من جهة عدم جواز التبعيض ، ولا يحتمل له وجه آخر ، فان بنينا على العدم فلا مناص من الإتمام ، والتحديد حينئذ مبني على اللّزوم ، وأمّا إذا بنينا على جواز التبعيض كما هو الأقوى بالنظر إلى الأدلّة وإن كان الأحوط وجوباً خلافه كما مرّ سابقاً فله العدول بمعنى رفع اليد عن هذه السورة والاقتصار على ما قرأ ، وإن أراد أن يأتي بسورة أُخرى فله ذلك ، لكنه يأتي بها بقصد مطلق القرآن ، لا بقصد الجزئية وتبديل الامتثال ، لما عرفت من دلالة الموثقة على المنع عن ذلك ، فلا تصلح السورة الأُخرى بعدئذ للجزئية.

نعم ، لو أراد أن يأتي بسورة كاملة بقصد الجزئية لا محيص له من إتمام هذه السورة. وعليه فالتحديد المزبور مبني على ضرب من الكراهة والمرجوحية دون اللّزوم. ونتيجة ذلك جواز العدول بمعنى رفع اليد عمّا بيده والاجتزاء بما قرأ ، لا بمعنى تبديل الامتثال بالامتثال مطلقاً كما ذكره صاحب الحدائق ، لكن لا للوجه الذي ذكره ، بل لما عرفت. وهذا القول غير بعيد لو بنينا على جواز التبعيض وإلاّ فالأقوى التحديد بالثلثين كما اختاره كاشف الغطاء فتأمل ، ولكنّ الأحوط ما عليه المشهور.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، فلا يجوز العدول عنهما بعد الشروع بالمعنى الذي‌

٣٥٣

قدّمناه أعني تبديل الامتثال بالامتثال فتسقط سائر السور عن صلاحية الجزئية ، فإن بنينا على المنع عن التبعيض وجب الإتمام ، وإلاّ جاز الاقتصار على ما قرأ ، ورفع اليد عن الباقي كما عرفت تفصيله فيما مرّ.

ومستند الحكم عدّة نصوص معتبرة كصحيحة عمرو بن أبي نصر قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، فقال : يرجع من كل سورة إلاّ من قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون » (١).

وصحيحة الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد ، قال : لا بأس ، ومن افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلاّ قل هو الله أحد ، ولا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون » (٢) وغير ذلك من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر (٣) ونحوها.

ومقتضى الإطلاق فيها عدم جواز العدول حتى بالشروع في أوّل آية منها ولو بالبسملة ، إذ يصدق قراءتها وافتتاحها بمجرد ذلك ، فلا فرق في الحكم بين بلوغ النصف وعدمه.

كما أنّ مقتضى الإطلاق أيضاً عدم جواز العدول من كل منهما حتى إلى الأُخرى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ١٠٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٥ ح ٣.

٣٥٤

نعم ، يجوز العدول منهما (*) إلى الجمعة والمنافقين في خصوص يوم الجمعة حيث إنّه يستحب في الظهر أو الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأُولى الجمعة وفي الثانية المنافقين ، فإذا نسي وقرأ غيرهما حتى الجحد والتوحيد يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف. وأما إذا شرع في الجحد أو التوحيد عمداً فلا يجوز العدول إليهما أيضاً على الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في جهات :

الاولى : لا ينبغي الإشكال في جواز العدول من كل سورة حتى الجحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين في خصوص يوم الجمعة في الجملة كما عليه المشهور.

ويدلُّ عليه في خصوص التوحيد : عدة نصوص معتبرة كصحيحة محمد بن مسلم « في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد قال : يرجع إلى سورة الجمعة » (١) وصحيحة الحلبي « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع ، إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها » (٢) ونحوهما موثقة عبيد (٣) وغيرها.

وأمّا الجحد ، فإلحاقه بالتوحيد مبني على القول بعدم الفصل كما قيل ، وأنّه لا فرق بينهما في العدول جوازاً ومنعاً ، لكن الجزم به مشكل.

والأولى الاستدلال له بصحيحة علي بن جعفر قال : « سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال : سورة الجمعة ، وإذا جاءك المنافقون ، وإن أخذت في‌

__________________

(*) مرّ حكم ذلك في مسائل العدول [ في المسألة ١٤٣٣ المورد الرابع ].

(١) ، (٢) الوسائل ٦ : ١٥٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ١٥٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ٣.

٣٥٥

غيرها وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها وارجع إليها » (١).

أمّا من حيث السند ، فهي صحيحة كما ذكرنا ، فانّ صاحب الوسائل وإن حكاها عن قرب الإسناد (٢) بطريق ضعيف لاشتماله على عبد الله بن الحسن ، إلاّ أنّ صاحب الحدائق رواها عن كتاب علي بن جعفر (٣) وطريقه إليه المنتهى إلى طريق الشيخ صحيح كما أشرنا إليه غير مرّة ، والظاهر أنّ اقتصار صاحب الوسائل على الطريق الأوّل في المقام ، وعدم التعرّض للطريق الثاني غفلة منه قدس‌سره ، إذ قد ذكر السؤال والجواب الواقعين قبل هذا الحديث (٤) في الباب الخامس والثلاثين من أبواب القراءة الحديث الثالث ، وأشار هناك إلى الطريقين معاً حيث قال : ورواه علي بن جعفر في كتابه فلاحظ ، وكيف كان فلا شبهة في صحة السند.

وأمّا من حيث الدلالة ، فيمكن تقريبها من وجهين :

أحدهما : استظهار التعميم لجميع السور من أجل تخصيص التوحيد بالذكر بكلمة إن الوصلية ، الظاهرة في إدراج الفرد الخفي وأنّه آخر الأفراد التي ينتهي الأمر إليها ولا يمكن الرجوع عنها ، الكاشف عن كونها أعظم شأناً من غيرها في حكم العدول ، لأنّها أولى بالإتمام من غيرها ، فاذا جاز العدول عنها إليهما جاز عن غيرها ومنها الجحد بطريق أولى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٥٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ٤.

(٢) قرب الاسناد : ٢١٤ / ٨٣٩.

(٣) الحدائق ٨ : ٢٠٩.

(٤) لقائل أن يقول : إنّ تلك رواية أُخرى لا ترتبط بهذه إلاّ من حيث الاشتراك في السائل والمسؤول عنه ، ولو صح هذا مناطاً للاتحاد لأصبح جميع مسائل علي بن جعفر رواية واحدة.

٣٥٦

الثاني : مع الغض عمّا ذكر وتسليم عدم الظهور في التعميم ، فلا ريب أنّ إطلاقها يشمل الجحد ، وحينئذ تكون النسبة بينها وبين ما دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد إلى غيرها كما سبق نسبة العموم من وجه ، إذ الأُولى مطلقة من حيث الجحد وغيرها وخاصة بيوم الجمعة وبما إذا كانت المعدول إليها خصوص الجمعة أو المنافقين ، والثانية بعكس ذلك فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وبعد التساقط يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز كما قدّمناه في صدر المبحث ، وإلى الإطلاقات كموثقة عبيد بن زرارة (١) وغيرها ، فليتأمل. وبذلك يثبت أصل الجواز.

وأمّا الاستحباب ، فيدل عليه إطلاق الأخبار الآمرة بقراءة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة ، وأنّه لا ينبغي تركهما كصحيحة زرارة (٢) وغيرها ، فإنّ إطلاقها يشمل حتى من شرع في سورة أُخرى وإن كانت هي الجحد ، فلا إشكال في شمول الحكم لهما معاً.

الجهة الثانية : هل المراد بالصلاة المستثناة عن هذا الحكم في يوم الجمعة هي صلاة الجمعة خاصة كما اختاره صاحب الحدائق (٣) ، أو بإضافة الظهر إليها كما عليه المشهور ، أو بزيادة العصر أيضاً كما عن جامع المقاصد (٤) ، أو الجميع مع صلاة الغداة كما احتمله في الجواهر (٥) وإن لم يظهر له قائل ، أو يضاف على‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٢٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ٦.

(٣) الحدائق ٨ : ٢٢٠.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٨٠ [ ولكن الموجود في النسخة المطبوعة التي بأيدينا من جامع المقاصد اختصاص الحكم بالظهر وصلاة الجمعة وأمّا صلاة العصر فقد حكاه عنه في الجواهر ١٠ : ٦٧ ].

(٥) الجواهر ١٠ : ٦٧.

٣٥٧

الكل بعد إخراج العصر صلاة العشاء من ليلة الجمعة كما عن الجعفي (١)؟

وجوه بل أقوال ، والأقوى ما عليه المشهور كما ستعرف.

أمّا مقالة الحدائق ، فقد استدل عليها بأنّ لفظ الجمعة في هذه الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم ، وموثقة عبيد ، وصحيحة ابن جعفر (٢) منصرف إلى صلاة الجمعة. نعم ، في صحيحة الحلبي (٣) « يوم الجمعة » لكن الإطلاق منزّل على صلاة الجمعة بقرينة تلك الأخبار ، فيحمل المطلق على المقيد ، ويقتصر في جواز العدول على المتيقن ، ويرجع في غيره إلى إطلاق دليل المنع.

لكنه كما ترى ، إذ فيه أوّلاً : أنّه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي المخصص لعموم المنع ، إذ ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد لاختصاصه بالمتنافيين ، وما إذا كان المطلوب في المطلق صرف الوجود ، ولا تنافي بين الدليلين في المقام بعد كونهما مثبتين كما هو ظاهر ، فالمحكّم إذن إطلاق دليل المخصص المقدّم على عموم العام.

وثانياً : أنّ تلك الأخبار في أنفسها غير صالحة للتقييد ، فإنّ السائل كعلي ابن جعفر متى سنح له في عصر موسى بن جعفر عليه‌السلام وغيره أن يصلي صلاة الجمعة إماماً حتى يكون هو القارئ كي يسأل عن حكم العدول ولو كان مأموماً فوظيفته الظهر في نفسه خلف الإمام المخالف.

وعلى الجملة : إرادة خصوص صلاة الجمعة من هذه الأخبار يلزمها التعرض لبيان حكم لم يتحقق في الخارج ، فلا بدّ وأن يكون المراد الأعم من صلاة الجمعة وظهرها لا خصوص الأُولى ، إذ لم تكن صلاة الجمعة معهودة‌

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٣٥٥.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ١٥٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ٢.

٣٥٨

ولا محلاًّ للابتلاء بالإضافة إلى أصحاب الأئمة : حتى يتعرض لحكمها من حيث العدول في القراءة وعدمه فليتأمل.

وثالثاً : أنّ دعوى انصراف لفظ الجمعة إلى صلاتها كما ذكره قدس‌سره ممنوع ، بل الظاهر أنّه موضوع للأعم منها ومن الظهر يوم الجمعة كما أُطلق على ذلك في غير واحد من الأخبار ، لأنّهما حقيقة واحدة قد أُبدلت الركعتان الأخيرتان بالخطبتين. ومن ذلك كله تعرف أنّ الأقوى شمول الحكم لهما كما عليه المشهور. نعم ، في رواية دعائم الإسلام التصريح بأنّه في صلاة الجمعة خاصة (١) ، لكنه لا يعتمد على هذا الكتاب كما مرّ مراراً.

وأمّا إلحاق العصر ، فوجهه إطلاق اليوم في صحيحة الحلبي (٢) ، ولا يقدح اشتمال بقية الأخبار على الجمعة ، الظاهر في صلاة الجمعة وظهرها ، لعدم التنافي حتى يلزم حمل المطلق على المقيد.

ويدفعه : أنّ هذا الإطلاق غير متبع ، إذ ليس الوجه في ثبوت هذا الحكم أعني جواز العدول استحباب قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها ، كي يسري إلى العصر لثبوت الاستحباب فيه أيضاً ، وإلاّ لزم التعدي إلى سائر الصلوات ، لاستحباب قراءة سور خاصة فيها كسورة الفجر في صلاة الغداة أو الدهر ، أو هل أتيك حديث الغاشية في العشاء وغيرها من صلوات سائر الأيام ، وهو كما ترى.

بل الوجه في ذلك : شدة الاهتمام وتأكد العناية بقراءتهما في صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، الشامل للظهر بحيث كاد أن يكون واجباً كما يفصح عنه التعبير بكلمة « لا ينبغي » في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث‌

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٢٢١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١ ، الدعائم ١ : ١٦١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ٢.

٣٥٩

طويل يقول : « اقرأ سورة الجمعة والمنافقين ، فانّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر ، ولا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماماً كنت أو غير إمام » (١).

وعليه فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي اختصاص الحكم بصلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، ولأجل ذلك ينصرف الإطلاق في صحيحة الحلبي إليها فإنّ الاستحباب وإن كان ثابتاً في العصر أيضاً كما ذكر في هذه الصحيحة ، إلاّ أنّ تلك العناية والاهتمام خاصة بالظهر ، لاختصاصها بالتعبير بـ « لا ينبغي » أي لا يتيسر كما عرفت.

وأمّا إلحاق الغداة ، فوجهه إطلاق اليوم الشامل لصلاة الغداة كما مرّ في العصر.

وقد يقال : بأنّ المناط في العدول استحباب السورتين غير الثابت في صلاة الغداة.

وفيه : أنّ الاستحباب ثابت فيها كالعصر ، كما نطقت به صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً.

فالصحيح في الجواب أوّلاً : ما عرفت من انصراف الإطلاق بمناسبة الحكم والموضوع إلى صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، لشدة الاهتمام بقراءتهما فيها ، وليس المدار في هذا الحكم على مطلق استحباب السورة ، وإلاّ لاتجه النقض بما عرفت.

وثانياً : أنّ شمول إطلاق اليوم لصلاة الغداة غير معلوم ، فانّ اليوم وإن كان قد يطلق على ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ، لكن أكثر إطلاقه خاص بما بين طلوع الشمس وغروبها ، فله إطلاقان ولم يحرز أنّ المراد به في المقام المعنى الأوّل. فالمقتضي للتعميم قاصر في نفسه كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٢٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ٦.

٣٦٠