موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٩٧] مسألة ٥ : لا يجب في النوافل قراءة السورة (١).

______________________________________________________

(١) فيجوز فيها تبعيض السورة ، بل تركها رأساً بلا خلاف ولا إشكال ، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه.

أما إذا قلنا بجواز ذلك في الفريضة فهنا بطريق أولى ، إذ لا تزيد هي عليها من حيث الأجزاء والشرائط كما هو ظاهر. وأمّا إذا قلنا بوجوب السورة الكاملة في الفرائض فيقع الكلام هنا تارة في جواز التبعيض ، واخرى في جواز الترك رأساً.

أمّا الأوّل : فتدل عليه مضافاً إلى قصور المقتضي ، لاختصاص ما دلّ على المنع عنه بالفريضة كصحيحة منصور : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (١) وغيرها ، أو أنّه لا إطلاق له ، لكونه مسوقاً لبيان عدم جواز العدول من سورة إلى أُخرى في غير يوم الجمعة كصحيحة الحلبي : « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها » (٢) ، على أنّ استثناء يوم الجمعة يشهد بإرادة الفريضة كما لا يخفى صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن تبعيض السورة ، فقال : أكره ، ولا بأس به في النافلة » (٣).

وأمّا الثاني : فمضافاً إلى قصور المقتضي أيضاً ، لاختصاص دليل الوجوب بالفريضة أو المكتوبة ، أو أنّها مقيّدة بالركعتين الأوّلتين في قبال الثالثة أو‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٦٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٤.

٣٢١

وإن وجبت بالنذر أو نحوه (١) ، فيجوز الاقتصار على الحمد ، أو مع قراءة بعض السورة.

______________________________________________________

الرابعة الظاهر في الفريضة ، فلا إطلاق فيها تعمّ النافلة ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الجزئية بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها حتى في المستحبّات لنفي الوجوب الشرطي ، تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » (١) ، فانّ القضاء هنا بمعناه اللغوي أعني مطلق الإتيان لا خصوص خارج الوقت الذي هو المعنى المصطلح كما تقدم سابقاً (٢).

(١) فانّ الوجوب الناشئ من قبل النذر تابع للالتزام النذري سعة وضيقاً وحيث إنّ متعلقه فعل النافلة على ما هي عليه من المشروعية ، والمفروض أنّ المشروع منها هو الطبيعي الجامع بين الواجد للسورة والفاقد لها ، فلا محالة يكون متعلق الوجوب هو الجامع ، لما عرفت من أنّه تابع لما التزم كما التزم.

ويمكن أن يستأنس لذلك : بصحيحة ابن سنان المتقدمة آنفاً ، حيث يظهر منها أنّ وجوب السورة أو سقوطها عن الفريضة أو النافلة مترتب على كونها كذلك بعنوان أنّها صلاة ، لا بعنوان آخر من كونها متعلقاً للنذر أو الإجارة أو إطاعة السيد ونحوها من العناوين العرضية ، ومن المعلوم أنّ النافلة لا تخرج بالنذر عن كونها صلاة نافلة فيشملها دليل السقوط.

وإن أمكن الخدش في ذلك : بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ موضوع السقوط هو‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٥.

(٢) في ص ٢٦٧.

٣٢٢

نعم ، النوافل التي تستحب بالسورة المعيّنة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة ، لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب لا التقييد (١).

______________________________________________________

عنوان التطوّع لا النافلة ، وهذا العنوان يزول بالنذر لا محالة لعدم اتصافها بالتطوع بعدئذٍ ، ولذا تقدم في محله (١) أنّ دليل المنع عن التطوع في وقت الفريضة لا يعم النافلة المنذورة ، لخروجها عن عنوان التطوع بعد تعلق النذر وصيرورتها فريضة ، فيناقش بمثل ذلك في المقام أيضاً.

فالصحيح في الاستدلال هو ما عرفت.

(١) استدرك قدس‌سره من عدم اعتبار السورة في النافلة ، النوافل التي قرّر لها في الشريعة سور معيّنة كصلاة جعفر عليه‌السلام ، والنوافل الواردة في شهر رمضان ونحوها ، فيعتبر الإتيان بها بتلك السور عملاً بدليل تشريعها وإلاّ لما وقعت تلك النافلة الخاصة ، ثم ذكر أخيراً جواز تركها أيضاً ، إذ الغالب فيها أنّها من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب ، لا التقييد كي لا يشرع الإتيان بها إلاّ بتلك السورة الخاصة.

وما ذكره قدس‌سره أخيراً وجيه لو كان هناك إطلاق زائداً على دليل التقييد ، كما لو ورد الأمر بصلاة جعفر عليه‌السلام مطلقاً ثم ورد في دليل آخر الأمر بها مقيّدة بسورة معيّنة ، فإنّه لا مانع حينئذ من الأخذ بكلا الدليلين بناءً على ما هو الصحيح من عدم حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبات فيحمل ذلك على اختلاف مراتب الفضل وتعدد المطلوب كما أفاده قدس‌سره.

وأمّا إذا لم يكن في البين إلاّ دليل واحد مقيّد ، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم‌

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٣٤٥ وما بعدها.

٣٢٣

[١٤٩٨] مسألة ٦ : يجوز قراءة العزائم في النوافل (١) وإن وجبت بالعارض فيسجد بعد قراءة آيتها وهو في الصلاة ثم يتمّها.

______________________________________________________

مشروعيتها بغير تلك السورة ، فإنّ العبادة توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى ثبوت الأمر بها ، ولم يحرز تعلق الأمر بالجامع على الفرض ، وكون الغالب في هذا الباب أنّه من تعدد المطلوب ، وإن كان مسلّماً ، ولكنه لا يجدي إلاّ الظن الذي لا اعتبار به ، فلا جزم بالأمر بالفاقد. نعم ، لا بأس بالإتيان به رجاءً.

(١) بلا خلاف ، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه ، ويدلُّ عليه : قصور المقتضي للمنع فيها ، فإنّ الأخبار الناهية بأجمعها مختصة بالفريضة أو المكتوبة وليس فيها ما يتضمن الإطلاق الشامل للنوافل ، ومقتضى القاعدة حينئذ هو الجواز ، وعليه فلو قرأ آيتها سجد وهو في الصلاة ولا يضرّ بصحتها ، إذ قادحية مثل هذه الزيادة مختصة بالفريضة ، لعدم الدليل على قدحها في غيرها.

وربما يستدل للحكم : بموثقة سماعة « قال : من قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فاذا ختمها فليسجد إلى أن قال ـ : ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع » (١). لكن الرواية مقطوعة لم تسند إلى الإمام عليه‌السلام ، ومن الجائز أن يكون ذلك فتوى سماعة نفسه ، وإن كان يظن أنّه رواية عن الإمام عليه‌السلام لكن الجزم به مشكل بعد الاحتمال المزبور.

وقد عبّر عنها المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره وغيره بالمضمرة ، لكنها ليست بمضمرة ولا مسندة ، بل مقطوعة كما عرفت على ما ذكره في الوسائل والحدائق (٣)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٩٤ السطر ٣٢.

(٣) الحدائق ٨ : ١٥٢.

٣٢٤

[١٤٩٩] مسألة ٧ : سور العزائم أربع (١) : الم السجدة وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم.

______________________________________________________

والتهذيب (١) والاستبصار (٢) ، فلا يصح الاعتماد عليها ، والعمدة في مستند الحكم هو ما عرفت من قصور المقتضي.

ثم إنّ الحكم كذلك حتى في النوافل الواجبة لعارض من نذر ونحوه ، فيجوز فيها قراءة العزيمة لعين ما مرّ في المسألة السابقة من تبعية الوجوب الناشئ من قبل النذر لما التزم به الناذر ، وحيث إنّ المنذور هي النافلة المشروعة على ما هي عليه والمفروض جواز قراءة العزيمة فيها ، فمتعلق الوجوب هو الجامع كما مرّ.

(١) بلا خلاف ، بل إجماعاً ، ويدلُّ عليها وعلى تعيين الأربع بما في المتن صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك ولكن تكبّر حين ترفع رأسك. والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربّك » (٣).

واستدل أيضاً : برواية داود بن سرحان « قال : إنّ العزائم أربع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة » (٤) لكن سندها لا يخلو عن خدش ، وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات ، لأنّ الصدوق يرويها عن شيخه أحمد بن محمد بن يحيى (٥) ولم يوثق ، وقد مرّ غير مرّة أنّ‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٣٩ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٤١ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٧.

(٥) على ما في الطبعة الحديثة من الوسائل ، لكن الموجود في طبعه عين الدولة وكذا في

٣٢٥

[١٥٠٠] مسألة ٨ : البسملة جزء من كل سورة (١) فيجب قراءتها عدا سورة براءة.

______________________________________________________

مجرد الكون من مشايخ الإجازة لا يكفي في التوثيق.

واستدل أيضاً : بخبر أبي بصير « إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع ... » إلخ (١). وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بعلي بن أبي حمزة ، أنّها قاصرة الدلالة ، لعدم التعرض فيها لتعيين الأربع ، فلاحظ. فالعمدة في الاستدلال ما ذكرناه.

(١) هذه من المسائل الخلافية بين الخاصّة والعامّة ، فالمتسالم عليه بين الخاصّة أنّها جزء من كل سورة ، والمشهور بين العامة أنّها جزء لخصوص الفاتحة دون سائر السور (٢) ، وعلى هذا جرت المصاحف حتى اليوم فإنّهم يذكرون علامة الآية بعد بسملة الفاتحة دون غيرها من بقية السور ، وأمّا براءة فليست جزءاً منها باتفاق الجميع.

والذي يدل على أنّها جزء لكل سورة : عدة أخبار عمدتها صحيحة معاوية ابن عمار (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال : نعم ، قلت : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم مع السورة؟ قال : نعم » (٤) فإنّ السؤال ليس عن‌

__________________

الخصال ٢٥٢ / ١٢٤ هكذا : « أبي عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ... إلخ » ومعه لا إشكال في صحة السند.

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

(٢) المجموع ٣ : ٣٣٤ ، المغني ١ : ٥٥٨ ، ٥٦٨.

(٣) وأوضح منها دلالة معتبرة يحيى بن أبي عمران ، الوسائل ٦ : ٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٦.

(٤) الوسائل ٦ : ٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٥.

٣٢٦

[١٥٠١] مسألة ٩ : الأقوى اتحاد سورة الفيل ولإيلاف (١) وكذا والضحى وأ لم نشرح ، فلا يجزئ في الصلاة إلاّ جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما.

______________________________________________________

الجواز فإنّه مسلّم عند الكل ، بل من الضروريات ، ولا عن الاستحباب لوضوحه أيضاً ، لا سيّما لمثل معاوية بن عمار ، فانّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه فلا محالة يكون عن الوجوب ، وقد أمضاه الإمام عليه‌السلام بقوله : « نعم ». ومن الواضح أنّ الوجوب في أمثال المقام يلازم الجزئية لعدم احتمال النفسية. نعم ، هي معارضة بجملة أُخرى ، بل في بعضها النهي عن قراءتها كصحيحة الحلبيين (١) ولكنّها محمولة على التقية كما لا يخفى.

(١) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن جماعة ، بل نسب الإقرار به إلى دين الإمامية كما عن الأمالي (٢) ، أو إلى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عن الانتصار (٣) ، أو هو قول علمائنا كما عن غير واحد. ولا يخفى أنّ هذا البحث إنّما هو بعد الفراغ عن وجوب سورة كاملة في الفريضة ، وأمّا بناءً على العدم ، أو جواز التبعيض ، فلا إشكال في جواز التفكيك والاقتصار على إحداهما.

ثم إنّه ينبغي التكلم في جهات :

الاولى : أنّه بناءً على تعدد السورتين فهل يجب الجمع بينهما في الصلاة ، أو يجوز الاقتصار على الواحدة؟

المشهور هو الأوّل ، وظاهر الماتن هو الثاني ، حيث فرّع وجوب الجمع على الاتحاد الظاهر في عدمه لو بني على التعدّد.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٧٤٠.

(٣) لم نجده في الانتصار ، ولعل المراد به الإستبصار ١ : ٣١٧.

٣٢٧

وكيف كان ، فقد قال في المدارك (١) : إنّه لم أقف على دليل معتبر يدل على وجوب قراءتهما معاً. والذي وقفت عليه روايتان :

إحداهما : صحيحة زيد الشحام قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة » (٢) ولا دلالة لها على الوجوب لإجمال الفعل.

الثانية : رواية مفضّل بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وأ لم نشرح ، و ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ) و ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) » (٣) ، وهي مضافاً إلى ضعف سندها بمفضل نفسه ، وكذا طريق العياشي إليه لإرساله ، قاصرة الدلالة ، فإنّه استثناء عن النهي عن القرآن الذي هو محرّم أو مكروه على الخلاف ، فغايته نفي الحرمة أو الكراهة في هاتين السورتين دون الوجوب. انتهى ملخّصاً.

وما أفاده قدس‌سره وجيه جدّاً بناءً على تعدد السورتين ، لما عرفت من حال الروايتين. وأمّا غيرهما مما ذكر في المقام فكلها ضعاف أو مراسيل لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها.

الجهة الثانية : في تحقيق الصغرى ، وأنّ الضحى والانشراح ، وكذا الفيل والإيلاف ، هل هما سورتان أو أنّهما سورة واحدة؟

المعروف بل المتسالم عليه عند الأصحاب هو الثاني ، وقد عرفت نقل الإجماعات المحكية على ذلك في صدر المسألة ، والمشهور بين المتأخرين هو الأوّل ، ولعل أوّل من خالف في ذلك هو المحقق كما نبّه عليه في الحدائق (٤).

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٧٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٥٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٥٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٤) الحدائق ٨ : ٢٠٢.

٣٢٨

ويقع الكلام تارة في وجود ما يدل على الاتحاد ، وأُخرى فيما يخالفه.

أمّا الأوّل : فقد استدلّ له بعدّة روايات كلّها ضعاف أو مراسيل كالفقه الرضوي ومرسل الهداية ، ومراسيل الطبرسي ، وأبي العباس ، وأُبيّ ، والمحقق ، والراوندي وغيرها ممّا لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها (١) فمن يرى اعتبار العدالة في الراوي كصاحب المدارك (٢) أو الوثاقة كما هو المختار ، ليس له التعويل على شي‌ء من هذه الأخبار ، ودعوى الانجبار ممنوعة كما حقق في الأُصول (٣). فلم يبق في البين عدا الإجماعات المحكية ممّا تقدمت ، وهي كما ترى بعد وضوح المستند فالمقتضي للاتحاد قاصر لعدم دليل (٤) معتبر عليه.

وأمّا الثاني : أعني ما يخالفه ممّا يدل على التعدد فهو أيضاً ضعيف ، فانّ ما استدل به لذلك وجوه :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٥٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ٢٤٠.

(٤) يمكن الاستدلال له بصحيحة زيد الشحام المتقدمة آنفاً ، بتقريب أنّ مقتضى نصوص القرآن حرمته أو كراهته مطلقاً ، وحيث إنّ الإمام عليه‌السلام لا يصدر منه المكروه فضلاً عن الحرام ، فلا مناص من حمل الجمع الصادر منه على اللزوم ولا وجه له عدا اتحاد السورتين.

إلاّ أن يقال : إنّ المستكشف من فعله عليه‌السلام إنّما هو عدم حرمة القرآن ولا كراهته في خصوص المورد ، وحينئذ فعلى التعدد كان ذلك تخصيصاً في أدلة القرآن وعلى الاتحاد تخصصاً ، ومن المقرّر في محله عدم صحة التمسك بأصالة العموم لإثبات الثاني أو يقال : بعدم المانع من صدور المكروه عنه عليه‌السلام إمّا تنبيهاً على عدم الحرمة ، أو إيعازاً إلى جواز فعل المكروه ، ولا سيّما في العبادة التي يراد به فيها أقلية الثواب.

٣٢٩

أحدها : ما ذكره في المدارك من إثبات الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف كسائر السور (١).

وأُجيب : بأنّ هذه الكيفية من جمع الخلفاء فلا يدل على أنّ النزول كان كذلك.

وفيه : أنّ مرجع ذلك إلى دعوى التحريف (٢) من ناحية الزيادة التي هي مقطوعة البطلان باتفاق المسلمين ، وانّما الخلاف في التحريف من ناحية النقيصة. على أنّا قد أثبتنا في بحث التفسير بطلان ذلك أيضاً بما لا مزيد عليه ، فلاحظ إن شئت (٣).

فالصواب في الجواب : أنّ مجرد اشتمال السورة على البسملة لا يقتضي تغايرها عن غيرها ، ولا يكشف عن التعدد ، وإن كان الغالب كذلك ، لكنه ليس بدائمي إذ لا دليل عليه كما لا يخفى.

الثاني : ما استدلّ به صاحب الحدائق (٤) من رواية زيد الشحام « قال : صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ في الأُولى والضحى ، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك » (٥) وقد وصفها في الحدائق بالصحة ، وذكر أنّها أولى بالاستدلال لصاحبي المعتبر والمدارك لو اطلعا عليها ، لكن عدم اطلاعهما عليها بعيد غايته ، وإنّما لم‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٧٨.

(٢) التحريف المزبور متقوّم بزيادة شي‌ء في القرآن على أنّه جزء منه ، وليس المقام كذلك بل إنّما زيدت البسملة رمزاً لفواصل السور وكعلامة على استقلالها كسائر العلامات أو البيانات المذكورة في أوائل السور ، ولذلك لا تجعل عليها علامة الآية فيما عدا سورة الفاتحة كما سبق.

(٣) البيان : ١٩٧.

(٤) الحدائق ٨ : ٢٠٥.

(٥) الوسائل ٦ : ٥٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ٣.

٣٣٠

يستدلا بها لضعف سندهما كما ستعرف ، وقد حملها الشيخ على النافلة (١) وهو بعيد جدّاً ، لقوله « صلى بنا » (٢) الظاهر في الجماعة ، ولا جماعة في النافلة.

وأجاب في الحدائق : بأنّ غايتها الدلالة على جواز التبعيض ، فيكون سبيلها سبيل الأخبار الدالة عليه.

وفيه : أنّ الكلام في هذه المسألة كما أشرنا إليه في صدر المبحث إنّما هو بعد الفراغ عن عدم جواز التبعيض ، وإلاّ فلا إشكال في جواز الاقتصار على إحداهما.

والصحيح في الجواب : أنّ الرواية ضعيفة السند بالإرسال ، وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، وكون مراسيله كمسانيد غيره كلام مشهوري لا أساس له كما تعرضنا له في مطاوي هذا الشرح غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، والانجبار بالعمل لا نقول به.

الثالث : ما استدلّ به في المعتبر (٣) من رواية مفضّل بن صالح المتقدمة (٤) المتضمنة لاستثناء الضحى وأ لم نشرح ، وكذا الفيل ولإيلاف عن الجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، فإنّ ظاهر الاستثناء هو الاتصال ، فيدل على أنّهما سورتان قد استثنيا عن حكم القرآن.

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ ، أنّه يكفي في صحة الاستثناء واتصاله كونهما متعددين بحسب الصورة ، وما يعتقده الناس من تسميتهما بسورتين لمكان الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٤.

(٢) كلمة « بنا » موجودة في الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٤ دون التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٥.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٤) الوسائل ٦ : ٥٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

٣٣١

والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّه لا دليل على وحدة السورتين ولا على تعددهما ، لعدم تمامية شي‌ء مما استدلّ به للطرفين ، فتنتهي النوبة إلى ما يقتضيه الأصل العملي.

والظاهر أنّ مقتضى الأصل حينئذ هو الاشتغال ، وليس المقام من قبيل الأقل والأكثر الارتباطي كي يرجع فيه إلى البراءة على ما هو التحقيق من الرجوع إليها فيه.

وتوضيحه : أنّ الضابط في ذاك الباب ما إذا كان المأمور به وما تعلّق به التكليف بنفسه مجملاً دائراً بين الأقل والأكثر ، كالسورة بالنسبة إلى الصلاة حيث لم يعلم أنّ مصبّ التكليف هي الصلاة المشتملة عليها ، أو الأعم من الواجدة والفاقدة ، فيقال إنّ الجامع وهو الأقل متيقن ، والزائد عليه من تقيده بالسورة يشك في تعلق التكليف به فيدفع بالبراءة.

وهذا الضابط غير منطبق على المقام ، إذ ليس المأمور به خصوص سورة الفيل ، أو خصوص سورة والضحى كي يشك في سعة دائرة المأمور به وضيقها من جهة الترديد في جزئية لإيلاف في الأوّل ، والانشراح في الثاني ، كالترديد في جزئية السورة للصلاة حتى يكون من الدوران بين الأقل والأكثر ، بل المأمور به هو طبيعي السورة بالضرورة ، ولا إجمال في هذا المفهوم قطعاً. وإنّما الترديد في انطباقها على الفيل وحدها ، أو الضحى كذلك ، فالشك إنّما هو في محصّل ذاك الطبيعي ومحقق العنوان المأمور به ، فيعود الشك لا محالة إلى مرحلة الامتثال بعد العلم بالتكليف لا إلى أصل تعلق التكليف ، ومثله مجرى للاشتغال بلا إشكال.

فالأقوى وجوب الجمع بينهما في الصلاة مترتبتين كما أفاده في المتن ، وإن لم يعلم أنّهما سورتان أم سورة واحدة.

نعم ، إنّ ما ذكرناه مبني على ما هو الأقوى من عدم حرمة القرآن بين‌

٣٣٢

السورتين ، وإلاّ فيندرج المقام في باب الدوران بين المحذورين ، إذ بعد قراءة الفيل مثلاً يدور أمر الإيلاف بين الوجوب لو كانتا سورة واحدة ، والحرمة لو كانتا سورتين ، وفي مثله يتعذر الاحتياط ، فاللازم على هذا المبنى اختيار سورة أُخرى من أوّل الأمر ، وإن كان لو قرأ الفيل يخيّر بين ضم الإيلاف وعدمه كما هو مقتضى القاعدة في الدوران بين المحذورين ، إلاّ أنّ الاجتزاء بمثل هذه الصلاة لا يخلو عن الاشكال كما لا يخفى. والذي يهوّن الخطب أنّ المبنى فاسد كما عرفت وستعرف تفصيله إن شاء الله تعالى.

الجهة الثالثة : بعد ما عرفت من وجوب الجمع بين السورتين عملاً بقاعدة الاشتغال ، فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة كما اختاره في المتن أو يؤتى بهما موصولة؟

فيه خلاف بين الاعلام ، بل ربما ينسب الثاني إلى الأكثر ، بل عن التهذيب : عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة (١) ، وعن التبيان ومجمع البيان أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (٢).

وكيف كان ، فربما يستدل للأوّل بثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام.

وفيه : أنّ الثبوت فيها لا يدل على الجزئية ، ولذا ترى أنّ أكثر أصحاب المصاحف مع بنائهم على عدم جزئية البسملة يثبتونها في كل سورة.

وربما يستدل للثاني : بالفقه الرضوي (٣) ، وبما روي من سقوطها عن مصحف ابيّ بن كعب (٤).

__________________

(١) لم نجده في التهذيب وإنما هو في الاستبصار ١ : ٣١٧.

(٢) التبيان ١٠ : ٣٧١ ، مجمع البيان ١٠ : ٧٦٩.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٣.

(٤) مجمع البيان ١٠ : ٨٢٧.

٣٣٣

[١٥٠٢] مسألة ١٠ : الأقوى جواز قراءة سورتين (١) أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ، والأحوط تركه ، وأما في النافلة فلا كراهة.

______________________________________________________

وفيه : أنّ الفقه الرضوي ليس بحجة ، وسقوطها عن مصحف ابيّ لم يثبت. على أنّه لو ثبت فهو اجتهاد منه باعتقاد أنّهما سورة واحدة ، لا أنّه رواية فلا حجية فيه.

وعلى الجملة : فلم يثبت لدينا شي‌ء من القولين ، فتنتهي النوبة إلى الأصل العملي ، ومقتضاه الثبوت عملاً بقاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المحصّل ، لا من باب الأقل والأكثر بعين التقريب الذي قدّمناه في الجهة السابقة حرفاً بحرف فلاحظ.

(١) كما هو المشهور بين المتأخرين من جواز القرآن على كراهة ، خلافاً لما هو المشهور بين القدماء من عدم الجواز ، بل عن الصدوق أنّه من دين الإمامية (١) وعن السيد أنّه من متفرداتهم (٢).

ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ، فقد ورد النهي عن القرآن في غير واحد من النصوص ، جملة منها معتبرة وفيها غنى وكفاية.

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : لا ، لكل سورة ركعة (٣).

وموثقة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت » (٤) فانّ نفي البأس عن النافلة يدل‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٧٤١.

(٢) الانتصار : ١٤٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٥٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٥١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٧.

٣٣٤

بمفهوم الوصف (١) بالمعنى الذي هو حجة عندنا على ثبوته في الفريضة التي هي محل الكلام ، حيث يظهر من التقييد أنّ طبيعي الصلاة ليس موضوعاً لجواز القرآن ، وإلاّ كان القيد لغواً ، فمن إثبات الجواز للنافلة يعلم عدمه في الفريضة.

ومنها : رواية منصور بن حازم قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٢) وقد وصفها في الحدائق ومصباح الفقيه بالصحة (٣) ، نعم حكى في الحدائق عن صاحب المدارك أنّ السند ضعيف (٤) واستظهر أنّ نظره في الضعف إلى سيف بن عميرة حيث إنّه واقفي (٥) وإن كان ثقة ، وصاحب المدارك يعتبر العدالة في الراوي ، ويمكن أن يكون نظره إلى أنّ أحمد بن إدريس لا يمكنه أن يروي عن أحمد بن محمد بن يحيى لاختلاف الطبقة فامّا أنّ الرواية مرسلة أو أنّ نسخة الوسائل مغلوطة.

والصحيح : عن محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى ، كما يؤيّده أنّه الراوي غالباً عن محمد بن عبد الحميد ، ولكنه ظهر بعد المراجعة أنّ نسخة الكافي والوسائل والتهذيب كلها عن محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى فكلمة ( محمد ) ساقطة عن الوسائل الطبعة الجديدة ، وكذا طبع عين الدولة ، وكذا الاستبصار الطبعة الجديدة ، فالرواية صحيحة السند بلا إشكال (٦).

__________________

(١) تقدم [ في ص ٢٦٦ ] أنّ الوصف غير المعتمد على الموصوف لا مفهوم له.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٣) الحدائق ٨ : ١٤٦ ، مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٨٦ ، السطر ٣.

(٤) الحدائق ٨ : ١٤٦ ، المدارك ٣ : ٣٥٦.

(٥) كما عن معالم ابن شهرآشوب [ ٥٦ / ٣٧٧ ] ولكنه سهو من القلم كما أفاده ( دام ظله ) في المعجم ٩ : ٣٨٢ / ٥٦٦٨.

(٦) بل فيه إشكال ، إذ في السند ( محمد بن عبد الحميد ) وقد تقدم في أوائل الفصل

٣٣٥

وبإزائها صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال : لا بأس » (١). ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الطائفة الاولى هو حمل النهي فيها على الكراهة كما ربما يؤيده التعبير بـ « لا يصلح » ، أو « يكره » ، أو « أنّه أفضل » ، أو « لكل سورة حقاً فأعطها حقها » ونحو ذلك مما ورد في سائر الأخبار المشعرة بالكراهة (٢).

نعم ، ربما يناقش في ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ إعراض الأصحاب عن هذه الصحيحة يسقطها عن الحجية ، لما عرفت من أنّ المشهور بين القدماء هو الحرمة.

وفيه : مضافاً إلى منع الكبرى وعدم قادحية الاعراض ، أنّ الصغرى ممنوعة إذ لم يثبت إعراضهم وطرحهم للصحيحة ، بل من الجائز أنّهم رجّحوا تلك الطائفة عليها في مقام علاج المعارضة بأشهريتها وأكثريتها ونحو ذلك من سائر المرجّحات.

ثانيهما : ما ذكره في الحدائق من حمل الصحيحة على التقية (٣).

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة وعدم إمكان الجمع الدلالي والتوفيق العرفي ، وقد عرفت إمكانه بحمل النهي على الكراهة فالأقوى ما هو المشهور بين المتأخرين من الكراهة دون الحرمة ، هذا كله في الفريضة.

__________________

ص ٢٦٨ البحث حول وثاقته من أجل الترديد في رجوع توثيق النجاشي إلى الأب أو الابن ، وعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، ولعل تضعيف صاحب المدارك ناظر إلى هذه الجهة.

(١) الوسائل ٦ : ٥٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٥٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٨.

(٣) الحدائق ٨ : ١٤٨.

٣٣٦

[١٥٠٣] مسألة ١١ : الأقوى عدم وجوب تعيين (*) السورة قبل الشروع فيها (١) ، وإن كان هو الأحوط ، نعم لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة.

______________________________________________________

وأمّا النافلة فلا إشكال كما لا خلاف في الجواز من دون كراهة ، لاختصاص نصوص المنع بالفريضة ، بل التصريح بالجواز في النافلة في غير واحد من الأخبار.

(١) فلا يجب تعيين البسملة لسورة خاصة ، بل له أن يقرأها من غير تعيين ثم يأتي بعدها بأيّ سورة شاء. نعم ، لو عيّنها لسورة لم تكف لغيرها ، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة لعدم وقوعها جزءاً للسورة المعدول إليها.

وتوضيح المقام يستدعي التكلم في جهات :

الجهة الاولى : لا ريب في وجوب قراءة القرآن في الصلاة والإتيان بسورة الحمد وسورة اخرى بعنوان أنّها من القرآن ، للأمر بذلك بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (١) المفسّر بما ذكر ، كما لا ريب في عدم تحقق ذلك إلاّ بالإتيان بألفاظ مماثلة للألفاظ النازلة على النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقصد الحكاية عنها ، فبدون هذا القصد لا يصدق عنوان القرآن ، بل هو قول مطابق له ، ولفظ مشابه معه ، ولذا لو تكلّم بداعٍ آخر غير قصد الحكاية بطلت صلاته لكونه من كلام الآدمي وإن كان متحداً مع ألفاظ القرآن ، كما لو أراد الإخبار عن مجي‌ء رجل من أقصى المدينة فقال : وجاء رجل من أقصى المدينة أو كان عنده مسمّى بيحيى وأراد أمره بأخذ الكتاب فقال : يا يحيى خذ الكتاب بقوة ، وكذا الحال في إنشاد القصيدة ، أو كتابة شي‌ء ، فكل ذلك يتوقف على‌

__________________

(*) بل الأقوى وجوب التعيين ولو بنحو الإشارة الإجمالية.

(١) المزمل ٧٣ : ٢٠.

٣٣٧

استعمال الألفاظ أو كتابتها بقصد الحكاية عمّا يشابهها من الألفاظ التي يروم الإتيان بها بعناوينها من القرآن أو القصيدة ونحوهما. والظاهر أنّ هذا مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه.

الجهة الثانية : بعد ما عرفت من توقف صدق القرآن على قصد الحكاية فهل اللاّزم حكاية شخص الألفاظ النازلة على النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والقصد إلى خصوص الفرد المعيّن ، أو تكفي حكاية الطبيعي الجامع وإن لم يتعلّق القصد إلى حصة خاصة منها.

ويترتّب على ذلك : أنّه لو قرأ الجنب بسملة العزيمة من دون قصد سورة معيّنة ، أو كتب الجامع بين الآيات المشتركة كآية ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) أو ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أو ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ونحوها من الآيات المتكررة في القرآن الكريم ، من دون أن يقصد الكاتب الحكاية عن فرد معيّن فعلى الأوّل لا تحرم القراءة على الجنب في الصورة الأُولى ، ولا مس الكتابة على المحدث في الصورة الثانية ، لعدم صدق القرآن بعد عدم الحكاية عن الحصة الخاصة ، وعلى الثاني يحرم لكونه من القرآن بمجرد قصد الحكاية عن الجامع وطبيعي الآية وإن لم يقصد الفرد المعيّن.

قد يقال بالأوّل وعدم صدق القرآن على الجامع ، نظراً إلى أنّ النازل على النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو نفس الحصص الخاصة والجامع اعتبار ينتزعه العقل ولا وجود له وراء الفرد ، والحكاية عن الطبيعي لا تستلزم الحكاية عن الأفراد ، فما هو الموجود في الخارج وهو الفرد غير مقصود بالحكاية على الفرض ، وما هو المقصود غير موجود مستقلا ، إذ ليس النازل إلاّ الفرد دون الجامع ، هكذا أُفيد.

ولكنّه كما ترى واضح البطلان ، ضرورة أنّ الطبيعي وإن لم يكن له وجود‌

٣٣٨

مستقل وراء فرده إلاّ أنّه لا إشكال في وجوده خارجاً بوجود الفرد ، وأنّ كليهما موجودان بوجود واحد يصح إسناده وإضافته إلى كل منهما حقيقة ومن دون عناية ، فوجود زيد في الدار بعينه وجود للإنسان ومصداق للكلي المتحصص بهذه الحصة ، فيضاف ذاك الوجود إلى الفرد وإلى الطبيعي من نوع أو جنس قريب أو بعيد.

وعليه فالنازل على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان هو الفرد المعيّن والحصة الخاصة ، إلاّ أنّ ذلك الوجود كما يضاف إلى الفرد يضاف بعينه إلى الطبيعي والجامع المتحصص بتلك الحصة ، فكل منهما صالح لإضافة الوجود وإسناد النزول إليه ، وكلاهما قرآن ، وإن كانا موجودين بوجود واحد كما عرفت ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر بالضرورة ، فقصد الجامع قصد للقرآن وحكاية له بلا إشكال. وكيف يمكن أن يقال إنّ تلاوة ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) بقصد طبيعي المقروء ، والجامع المنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة الرحمن من غير نيّة التعيين في خصوص الآية الأُولى منها أو ما عداها ليس من القرآن ، وأنّ ذلك بمثابة قراءتها من غير قصد الحكاية أصلاً حيث عرفت أنّها لا تعدّ من القرآن ، بل قول مشابه له ولفظ مماثل معه ، فانّ الفرق بينهما في غاية الوضوح.

الجهة الثالثة : بعد ما عرفت من كفاية قصد الجامع في صدق القرآن ، وأنّ قراءة اللفظ المشترك كالبسملة قاصداً بها الحكاية عن الجامع المنزل وإن لم يقصد الشخص المعيّن مصداق للقرآن ، فهل يجتزأ بذلك في مرحلة الامتثال وتتحقق معه القراءة المأمور بها في الصلاة؟

أمّا بالنسبة إلى بسملة الحمد فلا ينبغي الإشكال في عدم الاجتزاء ، إذ المأمور به إنّما هو قراءة سورة الحمد بخصوصها لا طبيعي السورة ، فلا بدّ من‌

٣٣٩

الإتيان بها بتمام أجزائها ، وواضح أنّ جزأها بسملتها لا مطلق البسملة ، فكما يعتبر الإتيان بسائر آياتها بقصد أنّها من الفاتحة ، فلا يكفى قول : الحمد لله ربّ العالمين بقصد الآية الواقعة في سورة أُخرى ، ولا بقصد الجامع بينهما بلا إشكال فكذا الحال في البسملة ، والظاهر أنّ هذا مسلّم لا ريب فيه ، ولم يقع فيه خلاف من أحد.

إنّما الكلام في بسملة السورة ، فقد يقال بكفاية قصد الجامع فلا يعتبر التعيين نظراً إلى أنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة الجامع بين أفراده ، وحيث إنّ جزأها البسملة فلا محالة يكون الواجب منها هو الطبيعي الجامع بين البسملات فاذا قصد هذا الكلي فقد امتثل أمره ، وهو صالح لأن تلحق به بقية الآيات من طبيعي السورة المأمور بها ، فاذا أتى بفرد منها وضمّها إلى البسملة المأتي بها فقد امتثل التكليف بالسورة التامة ، وقد اختار هذا القول المحقق الهمداني (١) وقرّبه بعين هذا التقريب.

لكنّه مخدوش ، فإنّ المأمور به وإن كان هو طبيعي السورة لكنه الطبيعي الصادق على كل سورة بما لها من الأجزاء ، ومن الواضح أنّ الجزء من كل سورة إنّما هي الحصة الخاصة من البسملة والفرد المعيّن منها ، دون الطبيعي الجامع المشترك بين جميع السور ، فلا بدّ في حصول ذاك الجزء من تعلق القصد بتلك الحصّة الخاصّة ، وإن كان هو مخيّراً في اختيار أيّة حصّة شاء على ما يقتضيه فرض تعلق الأمر بطبيعي السورة ، فلا يكفي قصد الحكاية عن القدر المشترك بين البسملات ، لعدم كونه مصداقاً لبعض أجزاء السورة المأمور بها كما هو الحال في سائر آيات السورة ، فلو كانت مشتركة بين سورتين أو أكثر لا بدّ من تعيين كونها من سورة خاصّة.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٣٢٠ السطر ٣٢.

٣٤٠