موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وكيف ما كان ، فلو خالف فقرأ السور الطوال في تلك الحال ، فان كان متعمداً في ذلك فالمتسالم عليه بين الأصحاب هو بطلان الصلاة ، وليس وجهه هو حرمة قراءة هذه السورة ، والحرام لا يمكن التقرب به.

إذ فيه أوّلاً : أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية بل عرضية كما عرفت ، فهي بنفسها صالحة للتقرب بها.

وثانياً : سلّمنا أنّها ذاتية إلاّ أنّك عرفت قريباً أنّ المبطل إنّما هو خصوص كلام الآدمي ، وأمّا غيره فلا دليل على بطلان الصلاة به ، وإن كان قرآناً محرّماً فمجرد كون قراءة هذه السورة محرّمة لا يقتضي البطلان ، ولذا لو قرأها لا بعنوان الجزئية بل بعنوان مطلق القرآن ثم عدل عنها إلى سورة قصيرة ولم يقع شي‌ء من الصلاة خارج الوقت ، صحت صلاته بلا إشكال.

وثالثاً : سلّمنا أنّ مطلق الكلام المحرّم مبطل لا خصوص كلام الآدمي ، إلاّ أنّ غايته بطلان خصوص هذا الجزء لا أصل الصلاة ، فلو عدل عنها إلى سورة أُخرى قصيرة إن كان الوقت واسعاً ، أو ترك السورة رأساً من جهة أنّ ضيق الوقت من مسوّغات تركها صحت صلاته ، إذ ليس هناك ما يوجب البطلان كما لا يخفى.

كما وليس الوجه هو لزوم ترك الجزء لو اقتصر على تلك السورة المفروض عدم جزئيتها لحرمتها ، وتحقق القرآن المحرّم لو قرأ سورة أُخرى قصيرة.

إذ فيه أوّلاً : منع حرمة القرآن ، بل غايته الكراهة كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في محله (١).

وثانياً : أنّه على فرض الحرمة فهي مختصة بما يصلح أن يكون فرداً ومصداقاً للمأمور به ، دون مثل المقام الذي لا تصلح إحدى السورتين أن تكون فرداً‌

__________________

(١) في ص ٣٣٤.

٣٠١

للمأمور به وجزءاً للصلاة كما عرفت.

بل الوجه في ذلك : أنّها لمكان حرمتها من أجل كونها مفوّتة للوقت خارجة عن حيّز الأمر ، وغير صالحة للجزئية. إذن فالإتيان بها بهذا القصد مصداق للزيادة العمدية المبطلة ، فإنّها كما عرفت غير مرّة متقوّمة بإتيان شي‌ء بقصد الجزئية (١) ولم يكن في الواقع جزءاً ، فيشمله قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (٢) لعدم قصور في شموله لهذا المورد.

نعم ، لو قرأ هذه السورة لا بعنوان الجزئية بل بعنوان القرآن ، ثم عدل إلى سورة قصيرة ، أو لم يقرأ من جهة ضيق الوقت وأدرك ولو ركعة من الوقت صحت صلاته ، لعدم الإخلال بشي‌ء منها كما هو واضح.

ثم إنّه لا فرق في الحكم ببطلان الصلاة في فرض التعمّد بين ما إذا كان قاصداً قراءة تلك السورة من أوّل الشروع في الصلاة ، وبين ما إذا قصدها بعد الفراغ من الفاتحة ، غايته أنّه في الفرض الأوّل تكون الصلاة باطلة من أوّل الشروع ، لعدم الأمر بهذه الصلاة ، إذ الأمر متعلق بالمركب من غير هذه السورة ومع عدم الأمر تكون الصلاة باطلة ، فإنّ ما هو المأمور به لم يقصد ، وما قصد ليس بمأمور به. وأمّا في الفرض الثاني فحيث إنّه كان عند الشروع قاصداً للأمر الواقعي المتعلق بالمركب من غير هذه السورة ، فما لم يشرع في تلك السورة‌

__________________

(١) قصد الجزئية في المقام يتوقف على القول بوجوب السورة ، والسيد الأُستاذ ( دام ظله ) يستشكل فيه ويحتاط وجوباً كما تقدم [ في ص ٢٦٤ ] كما وينكر الجزء الاستحبابي فعلى مبناه ( دام علاه ) ليس للمصلي أن يقصد الجزئية الجزمية بالسورة المأتية ، فإنّه تشريع محرّم ، ولا الرجائية ، لعدم احتمالها فيما يفوت به الوقت ، على أنّها لم تكن حينئذ من الزيادة العمدية كما لا يخفى ، فلا مناص من الإتيان بعنوان القرآن ، ومعه لا يبقى مجال للاستدلال.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

٣٠٢

كانت الصلاة صحيحة ، وإنّما تبطل بالشروع فيها وإن لم يتمها ، لتحقق الزيادة العمدية بمجرد ذلك كما عرفت ، هذا كله في فرض العمد.

وأمّا إذا كان ساهياً ، فقد يكون التذكّر بعد الفراغ من السورة وقد يكون أثناءها. أمّا الفرض الأوّل ، فقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّه يتم الصلاة وتصح وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً.

أقول : أمّا إذا كان قد أدرك ركعة من الوقت فضلاً عما إذا أدرك جميع الوقت ولو من دون قراءة السورة في الركعة الثانية فالحكم بالصحة واضح ، لأنّ السورة المقروءة باعتبار كونها زيادة سهوية فغايته أن يكون وجودها كعدمها وعدم الإتيان بسورة أُخرى غير ضائر بعد فرض ضيق الوقت الذي هو من مسوّغات تركها ، ومقتضى أنّ من أدرك ركعة من الوقت فكأنما أدرك الوقت كله ، هو كون هذه الصلاة بمنزلة الواقعة بتمامها في الوقت ، فلا خلل فيها بوجه.

وأمّا إذا لم يدرك حتى مقدار ركعة من الوقت فلا نعرف حينئذ وجهاً للصحة ضرورة أنّه في هذا الحال لا أمر له حتى الاضطراري منه بالصلاة أداءً ، كما أنّه لم يكن بعد مأموراً بالقضاء. والصلاة الملفّقة من الأداء والقضاء ، بأن يكون بعضها بداعي الأمر الأدائي ، وبعضها الآخر بداعي الأمر القضائي لا دليل عليه فبداعي أيّ أمر يأتي بهذه الصلاة.

نعم ، قد يقال : كما قواه المحقق الهمداني قدس‌سره (١) إنّ الصلاة الأدائية والقضائية واجبة بملاك واحد وهو الإتيان بطبيعي الصلاة ، سواء أكانت في الوقت أم في خارجه غايته أنّ وجوب الصلاة أداءً له ملاك آخر ، وهو أن يؤتى بتلك الطبيعة في الوقت ، فتكون الصلاة الأدائية واجبة بملاكين من باب تعدّد المطلوب ، ولذا يكون القضاء تابعاً للأداء ، فإذا لم يكن متمكناً من إيقاع‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٩٥ السطر ٢٩.

٣٠٣

تمام الصلاة في الوقت وجب عليه أن يأتي بها بنفس ذاك الأمر الأوّلي ، ففي الفرض يكون المصلي قاصداً للأمر لا أنّه لا أمر له.

إلاّ أنّ هذا لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّه خلاف ظواهر الأدلّة جدّاً فانّ ظاهرها وجوب الصلاة بين الحدين بأمر واحد وملاك فأرد ، ومن باب وحدة المطلوب ، ولذا قالوا إنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وأنكروا تبعيته للأداء ، والأمر مفقود إلاّ بعد خروج الوقت ، كما أنّ الأمر الأدائي أيضاً غير متحقق فلا أمر رأساً ، ولذا تكون الصلاة في هذا الفرض باطلة.

وأمّا إذا كان التذكر في أثناء السورة ، فإن كان الوقت واسعاً لتمام الصلاة مع سورة قصيرة عدل إليها تحفّظاً على إيقاع الصلاة الكاملة في الوقت ، ولا تقدح تلك الزيادة لكونها سهوية. وإن كان الوقت لا يسع لتمام الصلاة إلاّ مع ترك السورة رأساً تركها بالكلية ، لما عرفت من كون ضيق الوقت من مسوّغات سقوطها ، وإن كان لا يدرك من الوقت إلاّ ركعة واحدة مع السورة القصيرة قرأها وصحّت صلاته من جهة قاعدة من أدرك ، كما أنّها تصح إذا أدرك الركعة من غير سورة ، نظراً إلى سقوط السورة مع ضيق الوقت.

وأمّا إذا لم يدرك حتى ركعة واحدة من غير سورة فيجري فيه حينئذ ما مرّ في الفرض السابق بعينه ، فإنّه لا وجه للحكم بالصحة حينئذ ، لعدم وجود الأمر بالصلاة في هذا الحال لا أداءً ولا قضاءً ولا تلفيقاً. وقد عرفت أنّ ما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره من قضية الملاك ، وأنّ القضاء تابع للأداء لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، ففي هذا الفرض لا بدّ من الحكم بالبطلان ، وإن كان ظاهر إطلاق كلام الماتن هو الصحة ، لكنّها غير صحيحة كما عرفت.

٣٠٤

[١٤٩٥] مسألة ٣ : لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة (*) (١) فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة وإن لم يكن قرأ إلاّ البعض ولو البسملة أو شيئاً منها ، إذا كان من نيّته حين الشروع الإتمام أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة.

______________________________________________________

(١) على المعروف والمشهور ، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات بل عن غير واحد نسبته إلى فتوى علمائنا أجمع ، فكأنّ الحكم مورد للتسالم ولم يسند الخلاف إلاّ إلى الإسكافي (١) ، فذكر أنه يومئ إلى السجود بدلاً عنه ثم يسجد للتلاوة بعد الفراغ عن الصلاة.

ويقع الكلام تارة فيما إذا قرأ سورة العزيمة عمداً وسجد لها ، وأُخرى فيما إذا لم يسجد سواء أومأ إليه كما ذكره ابن الجنيد أم لا.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في عدم جوازه وبطلان الصلاة بذلك ، للزوم الزيادة العمدية في المكتوبة التي هي مبطلة بلا خلاف ولا إشكال ، كما وقع التصريح بذلك في روايتين إحداهما معتبرة ، وهما رواية زرارة الضعيفة بالقاسم بن عروة وصحيحة علي بن جعفر (٢) التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه ، وطريقه إلى الكتاب صحيح ، فقد ورد فيها قوله عليه‌السلام « وذلك زيادة في الفريضة » (٣) فانّ عنوان الزيادة وإن كان متقوّماً بقصد الجزئية كما مرّ غير مرّة‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ١٧٥.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١ ، ٤.

(٣) هذه الجملة أثبتها صاحب الوسائل نقلاً للرواية عن قرب الإسناد [ قرب الإسناد : ٢٠٢ / ٧٧٦ ] وكتاب علي بن جعفر [ مسائل علي بن جعفر : ١٨٥ / ٣٦٦ ]. لكن

٣٠٥

المنفي في المقام ، لأنّه يسجد للتلاوة لا للصلاة ، لكنه يستثني من ذلك خصوص السجود بمقتضى هاتين الروايتين المصرّحتين بأنّه زيادة في المكتوبة أو في الفريضة ويلحق به الركوع بطريق أولى.

فيظهر من ذلك أنّ خصوص الركوع والسجود يمتازان عن بقية الأجزاء بعدم ارتضاء الشارع بزيادتهما حتى الصورية منها ، وأنّ لكل ركعة ركوعاً وسجدتين لا يضاف عليها شي‌ء ولو بعنوان آخر من سجدة الشكر أو التلاوة ونحوهما.

إلاّ أنّ هناك روايات ربما يستظهر منها جواز تلاوة السورة والسجود لها في الصلاة ، لكن لا بدّ من حملها على النافلة أو على الإعادة واستئناف الصلاة جمعاً بينها وبين الروايتين المتقدمتين.

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد » (١) فإنّها مطلقة تحمل على النافلة بقرينة الروايتين وقيام التسالم على عدم جواز زيادة السجدة في الصلاة كما عرفت ، أو على استئناف الصلاة كما يشهد به قوله عليه‌السلام : « ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب » فانّ هذا التعبير مع كونه آتياً بالفاتحة كناية عن الإعادة ، ولا يقدح عدم التعرض لتكبيرة‌

__________________

العلاّمة المجلسي أوردها في البحار ٨٢ : ١٧١ نقلاً عن الكتابين خالية عنها ، كما أنّ كتاب قرب الإسناد بطبعتيه الحجرية والنجفية خالية عنها ، نعم هي موجودة فيما نقله في البحار ١٠ : ٢٨٥ عن كتاب علي بن جعفر. وبالجملة : فاشتمال كتاب علي بن جعفر على هذه الجملة التي هي محل الاستشهاد غير ثابت بعد تعارض ما نقله العاملي والمجلسي في بعض مجلدات البحار مع ما نقله في البعض الآخر ، ومعه يشكل الاستدلال بها.

(١) الوسائل ٦ : ١٠٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ١.

٣٠٦

الإحرام ، فقد وقع نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط (١) فأمر بالقيام وقراءة الفاتحة وأهمل التكبيرة مع أنّها ركعة مستقلّة.

ومنها : موثقة سماعة « قال : من قرأ إقرَأ بِاسمِ رَبّك فاذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع » (٢) وهذه أيضاً يجري فيها الوجهان من الحمل على النافلة ، أو الاستئناف (٣).

ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ... » إلخ (٤) وهي مروية بطريقين ، في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والآخر الذي يرويه صاحب الوسائل عن كتاب علي ابن جعفر (٥) معتبر ، وهذه لا يجري فيها الوجه الأوّل للتصريح بالفريضة فتحمل على الاستئناف.

وكيف كان ، فلا إشكال في البطلان مع تعمد التلاوة وتحقق السجدة.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا لم يسجد سواء أومأ إليه أم لا ، فالمشهور حينئذ هو البطلان أيضاً ويستدل له بوجوه :

الأوّل : ما استقربه في الجواهر (٦) بدعوى أنّ الأمر بالسجود أمر بالإبطال‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ٢.

(٣) ولكنّها مقطوعة لا تصلح للاستناد كما سيُصرِّح به الأستاذ في المسألة السادسة [ ص ٣٢٤ ].

(٤) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٤.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١٨٥ / ٣٦٦.

(٦) الجواهر ٩ : ٣٤٤.

٣٠٧

لكونه زيادة عمدية في المكتوبة وهي مبطلة ، فكيف يجتمع ذلك مع الأمر بالمضي في الصلاة ، وهل ذلك إلاّ أمر بالمتضادين. فنفس الأمر بالسجود يقتضي البطلان سواء أسجد أم لا ، لانتفاء الأمر بالإتمام معه. وهذا نظير ما إذا وجب ارتكاب أحد المفطرات على الصائم كالارتماس لإنقاذ الغريق أو القي‌ء لأكل المغصوب أو الوطء لمضي أربعة أشهر ، أو غير ذلك ، فكما لا يجتمع الأمر بإتمام الصوم مع الأمر بما يبطله ، ولذا يحكم ببطلان الصوم بلا إشكال سواء ارتكب تلك المفطرات أم لا ، فكذا في المقام.

وفيه : أنّه يمكن تصحيح الأمر بالضدّين بنحو الترتب كما حقق في الأُصول (١) فيؤمر أوّلاً بالسجود للتلاوة ، وعلى تقدير العصيان يؤمر بإتمام الصلاة ، وإنّما لا يجري هذا في مورد التنظير لعدم صحة الترتب هناك ، إذ يشترط في مورده أن يكون من الضدين اللذين لهما ثالث بحيث يمكن امتثال الأمر بالمهم وعدمه في ظرف عصيان الأهم ، وأمّا الذي يدور أمره بين الوجود والعدم كالنقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما فلا يعقل فيه الترتب ، إذ فرض عدم أحدهما مساوق لفرض وجود الآخر ، ومعه لا معنى لتعلق الأمر ، فكما لا يمكن أن يقال افعل وإلاّ فلا تفعل ، أو تحرّك وإلاّ فأسكن أو بالعكس ، لأنّ وجود أحدهما في ظرف عدم الآخر ضروري لا يصح تعلق التكليف به ، فكذا لا يمكن أن يقال في مورد التنظير كل وإلاّ فلا تأكل ، أو يجب القي‌ء وإلاّ فيحرم ويجب المضي في الصوم.

نعم ، نظير المقام ما إذا لم يتعلق الأمر بذات المبطل ، بل بعنوان الابطال ، كما لو وجب السفر على الصائم لجهة من الجهات فإنّه يؤمر أوّلاً بإبطال صومه بالسفر وعلى تقدير العصيان يؤمر بالمضي في الصوم ، فانّ السفر ليس من‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١٠٢.

٣٠٨

المفطرات ، بل من شرائط وجوب الصوم فيعتبر عدمه في وجوبه ، وهما من الضدين اللذين لهما ثالث ، إذ يمكن أن لا يسافر ولا يصوم ، هذا.

والتحقيق : أنّ مورد التنظير حكمه حكم المقام بعينه فيجري فيه الترتب أيضاً ، لكونه من الضدّين اللّذين لهما ثالث كما فيما نحن فيه ، وتوضيحه : أنّ النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون إذا لوحظا بنحو الطبيعة المطلقة لم تكن بينهما واسطة ، وأمّا إذا قيّد أحدهما بقيد تثبت الواسطة لا محالة ، وكانا مما لهما ثالث ، وهو الفاقد لذلك القيد ، كما إذا قال : تحرّك وإلاّ فأسكن في المكان الكذائي ، فإنّه يمكن عدمهما بالسكون في المكان الآخر.

والمقام من هذا القبيل ، لأنّ ترك القي‌ء مثلاً لوحظ مقيداً بقصد التقرّب ، لأنّ الصوم عبادي ، فالتروك المعتبرة فيه تعبدية ، فيؤمر أوّلاً بالقي‌ء وعلى تقدير العصيان يؤمر بتركه لله ، والواسطة بينهما هو تركه لا لله ، فيكونان من الضدّين اللذين لهما ثالث فيجري فيها الترتب.

وبالجملة : أحد النقيضين تعبدي والآخر توصلي ، ومثلهما ممّا له ثالث ، كما يمكن ذلك في التوصليين إذا لوحظ أحدهما مقيداً بقيد كالمثال المتقدم ، وإنّما يكونان مما لا ثالث له إذا لوحظا مطلقين كما عرفت ، فالصحيح صحة الصوم في مورد التنظير لجريان الترتب فيه كالمقام.

الوجه الثاني : أنّ قراءة السورة معرض للوقوع في أحد المحذورين فتحرم لأنّه إن سجد للتلاوة فيلزمه إبطال الصلاة لمكان الإتيان بالزيادة العمدية المبطلة وهو حرام ، وإن لم يسجد يلزمه ترك السجود الذي هو واجب فوري فهذه السورة محرّمة لأدائها إلى أحد المحذورين ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً ، والمبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به ، وحرمة العبادة تقتضي الفساد.

٣٠٩

وفيه أوّلاً : أنّه مبني على حرمة قطع الصلاة ، وهي محل تأمل أو منع.

وثانياً : أنّ معرضية السورة لما ذكر لا تستدعي أكثر من حرمتها عقلاً من باب المقدّمات المفوّتة فراراً عن الوقوع في أحد المحذورين المزبورين ، لا حرمتها شرعاً كي تقتضي الفساد ، لعدم كون مقدمة الحرام حراماً. والحاصل : أنّ السورة في حد ذاتها لم يتعلق بها نهي شرعاً ولا تكون مبغوضة ، بل هي صالحة لأن يتقرب بها لعدم قصورها في حد نفسها عن ذلك ، وإنّما العقل يستقل بتركها حذراً عن الوقوع في الحرام ، فلو عصى بسوء اختياره ولم يسجد للتلاوة لم يكن مانع عن صحتها ، لما عرفت من عدم قصورها عن وقوعها مصداقاً للواجب.

وثالثاً : مع التسليم ، فغايته بطلان السورة دون الصلاة ، فله العدول عنها إلى سورة أُخرى وإن كان آثماً وصحت صلاته.

والعمدة في المقام إنّما هو الوجه الثالث ، وهي الروايات الناهية عن قراءة سورة العزيمة في الفريضة ، ولا إشكال فيها من حيث السند ، لصحّة أسانيد بعضها وإن كانت جملة أُخرى منها ضعيفة ، إنّما الإشكال في الدلالة ، ووجه الاشكال : أنّ النهي في هذه الأخبار لا يحتمل أن يراد به النهي التكليفي المولوي ، إذ لا يحتمل أن تكون قراءة العزيمة في الصلاة من المحرّمات الإلهية ، والسرّ أنّ الأوامر والنواهي في باب المركبات من العبادات والمعاملات قد انقلب ظهورها الأوّلي من التكليف النفسي المولوي الوجوبي أو التحريمي إلى الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية.

على أنّه لو سلم ذلك فلا موجب للبطلان ، إذ المبطل خاص بكلام الآدمي والقراءة المزبورة لا تخرج بحرمتها عن كونها قرآناً ولا تعدّ من كلام الآدمي كي تكون مبطلة ، بل غايته أنّه قرآن محرّم ، وقد تقدم التعرض لذلك قريباً.

٣١٠

وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في كون النهي في المقام إرشادياً ، وهل هو إرشاد إلى المانعية ، نظير النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، أو إرشاد إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم كونها من سور العزائم ، وأنّ هذه ليست جزءاً من الصلاة ، بل الجزء سورة أُخرى غيرها ، نظير النهي عن السجود على القير الذي هو إرشاد إلى أنّ مثله ليس مصداقاً للسجود الواجب ، بل هو مقيد بغيره ، أو أنّه إرشاد إلى معنى آخر لا هذا ولا ذاك.

أمّا الأوّل ، فبعيد عن سياق هذه الأخبار غايته ، إذ النهي لم يتعلق بالصلاة مع هذه السورة كما في مثال ما لا يؤكل ، بل بجزء منها وهي القراءة ، فغايته فساد الجزء لا أصل الصلاة ، فهو نظير النهي عن السجود على القير الذي يكون مقتضى القاعدة في مثله فساد السجود خاصة ، وجواز الإتيان بسجود آخر على غير القير لولا قيام الدليل على بطلان الصلاة بزيادة السجود عمداً.

وأمّا الثاني ، فهو وإن لم يكن بعيداً بحسب النظر البدوي لكن يضعّفه أمران :

أحدهما : أنّه مبني على الالتزام بوجوب السورة حتى يقيد إطلاق دليله بذلك ، وقد عرفت انّه محل مناقشة ، بل منع ، وإنما الوجوب كان مبنيّاً على الاحتياط فالجزئية غير ثابتة من أصلها فكيف تكون إرشاداً إلى تقييدها فليتأمل.

ثانيهما : تعليل النهي في ذيل بعض هذه الأخبار بأنّه زيادة في المكتوبة فيظهر من ذلك أنّ سورة العزيمة في حدّ نفسها لا قصور في اتصافها بالوجوب ووقوعها مصداقاً للمأمور به ، فلا يتقيد دليل وجوب السورة بعدمها ، لكونها واجدة لعين الملاك الذي تشتمل عليه سائر السور ، وإنّما المانع من قراءتها لزوم السجود الذي هو زيادة في الفريضة.

فالصواب : أنّ النهي في هذه الأخبار إرشاد إلى أمر خارجي ، وهو التحذير‌

٣١١

عن إيقاع المكلّف نفسه في الورطة من دون حزازة في السورة نفسها أصلاً ، وهي أنّه بعد القراءة إمّا أن يسجد أو لا ، فعلى الأوّل يلزمه إبطال الصلاة ، لمكان الزيادة العمدية ، وهو نقض لغرضه من إتمام الصلاة والمضي فيها فإنّ المؤمن المتشاغل بالصلاة همّه تفريغ الذمة بالامتثال لا الإبطال ، وعلى الثاني يلزمه ترك السجود الذي هو واجب فوري ، فليس النهي إرشاداً لا إلى المانعية ولا الشرطية ، بل إرشاد إلى ما ذكرناه. وعليه فلو عصى ولم يسجد واسترسل في صلاته صحت وإن كان آثماً.

ثم لو بنينا على الوجه الثاني ، أعني الإرشاد إلى الشرطية وتقيد السورة الواجبة بعدم كونها من العزائم ، فغايته بطلان السورة دون الصلاة ، فلو تداركها وأتى بسورة أُخرى من دون أن يسجد للتلاوة صحت صلاته ، بخلاف ما لو قلنا بالإرشاد إلى المانعية ، فإنّها تبطل حينئذ كما هو ظاهر.

ثم إنّه ربما يستدل على جواز قراءة العزيمة في الصلاة فيسجد لها وتصح صلاته بروايتين ، فتحمل النهي في سائر الأخبار على الكراهة جمعاً.

إحداهما : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة » (١) ، وقد رويت بطريقين في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والآخر وهو الذي يرويه صاحب الوسائل بطريق الشيخ عن كتاب علي بن جعفر (٢) معتبر ، لصحة الطريق.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٤.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٨٥ / ٣٦٦.

٣١٢

بتقريب أنّ المستفاد منها سؤالاً وجواباً المفروغية عن جواز القراءة ، وإنّما السؤال عن أنّه متى يسجد وما ذا حكمه فارغاً عن عدم قادحية السجدة؟ وقد أقرّ الإمام عليه‌السلام على هذا المعهود في ذهن السائل غير أنّه عليه‌السلام نهاه عن العود المحمول على الكراهة بقرينة الصدر ، وحينئذ فقوله « وذلك زيادة في الفريضة » أي شبيهة بها ، لا أنّه منها ، وإلاّ لحكم عليه‌السلام بالبطلان.

وفيه : أنّ قوله عليه‌السلام : « وذلك زيادة في الفريضة » كالصريح في البطلان (١) ، فإنّ مبطلية الزيادة العمدية ممّا لا يخفى على أحد فضلاً عن مثل علي ابن جعفر ، فلا وجه لحملة على الشبيه بالزيادة ، ويشهد له قوله عليه‌السلام : « ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب » فإنّه لا موجب لقراءتها بعد ما قرأها أوّلاً ، فهو كناية عن البطلان واستئناف الصلاة ، ولا يقدح عدم التعرض لتكبيرة الإحرام إذ قد وقع نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط كما أشرنا إليه سابقاً (٢) ، وعليه فالنهي في الذيل محمول على الإرشاد بالمعنى الذي قدّمناه ، ولا موجب لحملة على الكراهة.

__________________

(١) هذه العبارة بمجردها مع الغض عمّا دلّ على مبطلية الزيادة لا ظهور لها في البطلان فضلاً عن الصراحة ، ولم يثبت كون المبطلية المزبورة في تلكم الأعصار من الواضحات الجلية ، كيف وكتاب علي بن جعفر المندرج في البحار وقرب الاسناد ملي‌ء بالسؤال عن أُمور واضحة في هذه الأعصار بحيث لا يكاد يقع السؤال عنها إلاّ من العوام فكيف يجعل ذلك دليلاً على صراحة الصحيحة في البطلان.

إلاّ أن يقال : إنّ خفاء المبطلية على الراوي لو سلّم لم يكن قادحاً في الاستدلال ، لظهور الصحيحة في تحقق صغرى الزيادة بمقتضى الأخذ بما هو المنسبق منها من إرادة الزيادة الحقيقية دون التنزيلية ، وبعد الضم إلى الكبرى المستفادة من سائر الأدلة من مبطلية الزيادة العمدية وإن خفيت على الراوي نفسه يتم المطلوب.

(٢) في ص ٣٠٧.

٣١٣

الثانية : روايته الأُخرى قال : « وسألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدّم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف وقد تمّت صلاتهم » (١) وهذه صريحة في المطلوب غير أنّها ضعيفة السند لمكان عبد الله بن الحسن.

نعم ، رويت بسند آخر صحيح وهو إسناد الشيخ عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، غير أنّ المتن مضطرب لم يعلم أنّه كما ذكر أم أنّه هكذا ، « سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدّم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم » (٢) فانّ السندين متحدان ، وكذا المتن إلاّ يسيراً ، فهما رواية واحدة ، فلو كان الصادر عن المعصوم عليه‌السلام هو المتن الثاني كانت الرواية أجنبية عن المقام ، إذ لم يتعرض فيها لسجود المأمومين ، فهي ناظرة إلى عدم وجوب السجود بمجرّد السماع ولا ربط لها بمحل الكلام كما لا يخفى.

نعم ، هناك رواية أُخرى دلت على جواز قراءة ما عدا آية السجدة ، وهي موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : في الرجل يسمع السجدة إلى أن قال وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ، فقال : إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها » (٣) دلت على جواز قراءة سورة العزيمة في الصلاة ما لم يقرأ آية السجدة ، وأنّه مخيّر بين الاقتصار عليها والعدول إلى سورة‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩٣ / ١١٧٨.

(٣) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٣.

٣١٤

وأمّا لو قرأها ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أُخرى وإن كان قد تجاوز النصف ، وإن تذكّر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام ، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها إن كان في أثنائها (*) وقراءة سورة غيرها بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة أو الإتيان بها وهو في الفريضة ثم إتمامها وإعادتها من رأس.

وإن كان بعد الدخول في الركوع ولم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها أو سجد وهو في الصلاة ثم أتمّها وأعادها ، وإن كان سجد لها نسياناً أيضاً فالظاهر صحة صلاته ولا شي‌ء عليه ، وكذا لو تذكّر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسياناً ، فإنّه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ (١).

______________________________________________________

أُخرى ، لكنه موقوف على الالتزام بجواز التبعيض في السورة وعدم وجوب الإتيان بها كاملة ، وقد عرفت فيما مرّ أنّه مورد للإشكال.

هذا كله فيما إذا قرأ السورة عمداً ، وأمّا إذا قرأها سهواً فستعرف حكمها في التعليق الآتي.

(١) إذا قرأ سورة العزيمة ساهياً فهناك فروض :

أحدها : أن يكون التذكر قبل بلوغ آية السجدة وقبل تجاوز النصف ، ولا إشكال في الصحة حينئذ فيعدل بها إلى سورة أُخرى ، لبقاء محل العدول ما لم يتجاوز النصف ، وما أتى به من الزيادة لكونها سهوية غير قادحة ، بل تصح‌

__________________

(*) بل الأظهر جواز الاكتفاء بالإتمام ، والأحوط الإيماء إلى السجدة في الصلاة ثم الإتيان بها بعدها في الفرض وفيما إذا تذكر بعد الدخول في الركوع.

٣١٥

حتى على القول بمانعية السورة في الصلاة لاختصاصها بحال العمد ، إذ مع السهو تدفع بحديث لا تعاد كما هو ظاهر.

الثاني : أن يكون التذكر قبل بلوغ الآية وبعد تجاوز النصف ، والحكم أيضاً هو الصحة ، فإنّ الزيادة السهوية غير قادحة ، والأخبار المانعة عن العدول بعد تجاوز النصف منصرفة عن المقام ، لاختصاصها بمن كان متمكناً من إتمام السورة المتعذّر فيما نحن فيه ، إنّما الإشكال في الفرض :

الثالث : وهو ما إذا كان التذكر بعد تلاوة الآية الملازم لتجاوز النصف كما لا يخفى ، فانّ فيه وجوهاً :

أحدها : وجوب السجدة ، وحيث أنّها زيادة في المكتوبة فتبطل ، فكأنّ هذا الوجه هو مقتضى الجمع بين فوريّة السجدة ومبطلية الزيادة.

وفيه : أنّه لا دليل على فورية السجدة بهذا المقدار بحيث لا يمهل في تأخيرها بعد الصلاة بعد عدم كونه مخلًّا بصدق الفورية العرفية ، سيّما إذا كان أمد التأخير قصيراً ، كما لو قرأها في الركعة الثانية من صلاة الفجر فإنّه لا يستوعب من الزمان إلاّ مقدار دقيقة ، بل أقل. وأمّا الروايات المتقدمة (١) المتضمنة للزوم الزيادة في المكتوبة التي يستفاد منها لزوم السجدة في الصلاة فوراً ، فموردها العمد فلا تشمل المقام كما لا يخفى (٢).

ثانيها : ما عن كاشف الغطاء (٣) من أنّه يسجد وصحت صلاته لعدم لزوم الزيادة ، لاختصاصها بما إذا أتى بالسجدة بقصد الجزئية ، والمفروض إتيانها‌

__________________

(١) في ص ٣٠٥.

(٢) لا يخلو التفرقة في فورية السجدة بين المتعمد والساهي ، عن نوع من الخفاء لولا المنع فلاحظ.

(٣) كشف الغطاء : ٢٣٦ السطر ٢٦ [ ولكن التعليل غير مذكور ].

٣١٦

بقصد التلاوة لا بعنوان الصلاة ، فلا تشملها أدلة الزيادة المبطلة.

وفيه : أنّ هذا يشبه الاجتهاد في مقابل النص ، لصراحة الأخبار في مبطلية مثل هذه الزيادة ، وإن كانت صورية ولم تكن منها حقيقة ، وقد عرفت فيما مرّ أنّ السجود والركوع يمتازان عن بقية الأجزاء في هذا الحكم عملاً بتلك النصوص. هذا مضافاً إلى ما عرفت آنفاً من عدم الدليل على فورية السجدة حتى بهذا المقدار بحيث لا يمهل لإتمام الصلاة.

ثالثها : أنّه يتم صلاته ويسجد للتلاوة بعد الفراغ عنها ، وهذا هو مقتضى التحفظ بين إطلاق دليل وجوب السجدة بعد ما عرفت من عدم الدليل على فوريته أكثر من هذا المقدار ، وبين دليل جواز المضي في الصلاة وإتمامها ، أو وجوب ذلك على الخلاف في حرمة الإبطال وعدمه ، فهذا الوجه هو مقتضى الجمع بين الدليلين وهو الأوجه في النظر.

رابعها : ما هو المشهور من أنّه يومئ بدلاً عن السجود ويتم صلاته ، واحتمال أنّ الإيماء زيادة في المكتوبة ساقط جدّاً ، لأنّ مورد الأخبار المتضمنة لذلك هو السجود فلا يتعدى إلى بدله كما هو ظاهر.

ويستدل للمشهور بعدة روايات وهي أربع :

الأُولى : موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئاً من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماءً ... » إلخ (١).

والاعتراض عليها بدلالتها على وجوب السجود مع سجود الإمام فلا تدل على كفاية الإيماء مطلقاً ، يندفع بأنّ ظاهرها أنّ القوم من العامّة وهم قد يسجدون‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٨ ح ١.

٣١٧

وقد لا يسجدون ، فلزوم السجود مع سجودهم مبني على التقية لعدم إمكان التخلّف عنهم ، فالوظيفة الأوّلية هي الإيماء ، والسجود إنّما هو لضرورة تقتضيه فبدونها كما لو كان منفرداً أو لم يسجد الإمام لم يجب إلاّ الإيماء.

الثانية : موثقة سماعة « قال : مَن قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فإذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع. قال : وإذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع ... » إلخ (١). والاعتراض السابق مع جوابه يجريان هنا أيضاً.

الثالثة : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال : يومئ برأسه » (٢).

الرابعة : صحيحته الأُخرى قال : « وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخرُ السجدةَ ، فقال : يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته ، إلاّ أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً » (٣) والأخيرتان أقوى دلالة من سابقتيهما ، لسلامتهما عن الاعتراض المزبور كما لا يخفى.

هذا ، ولكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال بشي‌ء من هذه الأخبار لكونها أجنبية عما نحن فيه ، إذ موردها السماع دون القراءة السهوية التي هي محل الكلام ، ويشكل التعدي منه إلى المقام وإن كان غير بعيد. ومن هنا كان الأحوط الجمع بين الإيماء وبين السجود بعد الصلاة الذي عرفت أنّه الأقوى لاحتمال شمول هذه الأخبار للمقام.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) ، (٣) الوسائل ٦ : ٢٤٣ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٣ ، ٤.

٣١٨

ثم إنّه هل يقتصر على هذه السورة أو يجب الإتيان بسورة أُخرى؟

يبتني الوجوب على كون النهي في الأخبار السابقة إرشاداً إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم كونها من العزائم ، إذ حينئذ وجود هذه السورة كالعدم فلا بدّ من الإتيان بالأُخرى كي يتحقق الجزء. وأمّا بناءً على ما عرفت من كونه إرشاداً إلى الفرار عن الوقوع في أحد المحذورين من دون قصور في السورة نفسها عن اتصافها بالجزئية فلا تجب الإعادة ، فيقتصر عليها مع الإيماء والسجود بعد الصلاة احتياطاً كما عرفت من دون محذور.

ثم إنّه لو قرأ السورة سهواً وسجد لها نسياناً ثم تذكر صحّت صلاته بلا إشكال ، لأنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً غير قادحة كما هو واضح. هذا كلّه فيما إذا كان التذكر قبل الركوع.

وأمّا إذا تذكر بعد الركوع فيجري فيه جميع ما مرّ إلاّ من حيث احتمال الإتيان بسورة أُخرى ، فإنّه لا مجال له في المقام لمضي محله بالدخول في الركوع.

ثم إنّ الماتن ذكر أنّ الأحوط أحد الأمرين : إمّا إتمام السورة والإتيان بأُخرى بقصد القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة ، وإمّا الإتيان بالسجدة وهو في الفريضة ، ثم إتمامها وإعادتها من رأس.

وأنت خبير بأنّ الجمع بين هذين النحوين بجعل كل منهما طريقاً للاحتياط ممتنع لاختلاف المبنى فيهما ، فإنّ الأوّل مبني على شمول أدلة الإيماء للمقام المستلزم لقادحية السجود في الأثناء ، والثاني مبني على وجوب السجدة وعدم كفاية الإيماء. فالجمع بينهما بجعل الاحتياط في السجود وفي تركه يشبه الجمع بين النقيضين كما لا يخفى.

بل إنّ طريقة الاحتياط كما عرفت إنّما هي بالجمع بين الإيماء وبين السجود‌

٣١٩

[١٤٩٦] مسألة ٤ : لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها (١) في أثناء الصلاة (*) عمداً بطلت صلاته ، ولو قرأها نسياناً أو استمعها من غيره ، أو سمعها (**) فالحكم كما مرّ من انّ الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة وهو في الصلاة وإتمامها وإعادتها.

______________________________________________________

بعد الصلاة ، وقد مرّ أنّ تأخير السجود بهذا المقدار لا ينافي فوريته ، كما مرّ أنّ الإيماء لا يعدّ من الزيادة القادحة ، لاختصاصها بنفس السجود ولا تعمّ بدله لعدم الدليل على التعميم.

(١) الحال في هذه المسألة يظهر ممّا مرّ في المسألة السابقة وإن كان الأمر هنا أهون ، لعدم الإتيان بالآية بقصد الجزئية فلا يجري هنا بعض الوجوه المتقدمة وقد عرفت المختار من صحة الصلاة على تقدير القراءة ، وإن كان آثماً في ترك السجود مع العمد. وأمّا مع السهو فيكفي الإيماء ، وإن كان الأحوط ضمّ السجود بعد الانتهاء عن الصلاة ، وقد مرّ وجه ذلك كله.

وأمّا السماع فسيجي‌ء البحث عنه في محله (١) إن شاء الله تعالى ، وستعرف أنّه لا يوجب السجود حتى في غير الصلاة لصحيحة عبد الله بن سنان.

وأمّا الاستماع فيجب فيه الإيماء ، لصحيحتي علي بن جعفر المتقدمتين الواردتين في خصوص المقام من دون حاجة إلى التعدي الذي عرفت أنّه محل إشكال وكلام.

__________________

(*) يظهر حكم هذه المسألة بتمامها ممّا تقدم آنفاً.

(**) بناءً على وجوب السجدة بالسماع.

(١) شرح العروة ١٥ : ١٩٢.

٣٢٠