موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وحملها على نسيان الباقي من السورة التي بيده والانتقال إلى سورة أُخرى تامّة بعيد جدّاً ، إذ ظاهرها أنّ الأخذ في الأُخرى مستند إلى النسيان ومبني عليه كما هو مقتضى فاء التفريع (١) في قوله « فيأخذ ».

ويبعّده أيضاً : قوله : « حتى يفرغ منها » الظاهر بضميمة قوله « ثم يذكر » في استمرار النسيان والذهول عن الانتقال إلى الفراغ من السورة ، فإنّه لا يلائم إلاّ مع المعنى الذي ذكرناه كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يفتتح سورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ ويأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنّه قد أخطأ ، هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قد ركع وسجد؟ قال : إن كان لم يركع فليرجع إن أحبّ ، وإن ركع فليمض » (٢) فإنّها ظاهرة في المعنى الذي قدّمناه. وقوله عليه‌السلام « إن أحب » كالصريح في جواز التبعيض كما لا يخفى.

هذه مجموع الروايات التي استدلّ بها على عدم الوجوب من كلا النوعين. أعني ما كان صريحاً فيه ، وما دلّ على جواز التبعيض المستلزم لذلك بالتقريب المتقدم ، ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الطائفة التي ذكرناها أوّلاً ممّا كان ظاهراً في الوجوب ، هو الحمل على الاستحباب كما هو مقتضى الصناعة في جميع الأبواب من رفع اليد عن ظهور أحد الدليلين بصراحة الآخر ، فانّ الطائفة السابقة ظاهرة في الوجوب ، وهذه صريحة في الجواز ، فيرفع اليد عن ظهور‌

__________________

(١) التفريع لا يقتضي أكثر من أن سبب انتقاله إلى السورة الأُخرى هو نسيانه لتتمة السورة الأُولى ، وأمّا أنّ انتقاله هذا كان مستنداً إلى الاشتباه والنسيان أيضاً فلا يدل عليه بوجه ، بل لعل منصرف الأخذ هو الشروع من الأوّل دون الوسط. ومنه يظهر النظر في المبعّد الذي ذكره ( دام ظله ).

(٢) الوسائل ٦ : ٨٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٣.

٢٨١

تلك بصراحة هذه وتحمل على الاستحباب ، إلاّ أنّه ربما يناقش في ذلك في خصوص المقام من وجهين :

أحدهما : سقوط الطائفة الثانية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، فلا تصلح للمعارضة مع الطائفة الأُولى الظاهرة في الوجوب.

وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في الأُصول من منع الكبرى ، وأنّ الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف (١).

وثانياً : على تقدير التسليم فالصغرى ممنوعة ، فانّ الإعراض إنّما يورث الوهن لكشفه عن خلل في السند فلا يوثق بصدوره ، ولذا قيل كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض وهناً وبعداً. ولا ينبغي الريب في حصول الوثوق بصدور جملة من هذه الأخبار ، كيف وهي من الكثرة بمكان تتجاوز حدّ الاستفاضة ، ورواة أكثرها من أعاظم الأصحاب كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما. وقد ضبطها أرباب الحديث في مجاميعهم ، بل قد أفتى جم غفير من أساطين الأعلام بمضمونها من القدماء والمتأخرين ، كالشيخ في النهاية (٢) ، والعلاّمة في المنتهي (٣) والمحقق في المعتبر (٤) ، والديلمي في المراسم (٥) ، وكذا ابن أبي عقيل والإسكافي (٦) وقواه في‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٤٠ ، ٢٤١.

(٢) النهاية : ٧٥.

(٣) انظر المنتهي ١ : ٢٧٢ [ ولكن عبارة المنتهي صريحة في الوجوب وإن نسب الاستحباب إليه جماعة من الأعلام ].

(٤) المعتبر ٢ : ١٧٣.

(٥) المراسم : ٦٩.

(٦) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٦١ ، [ ولم نعثر على قول ابن أبي عقيل والموجود في المختلف وغيره أنّه قائل بالوجوب ].

٢٨٢

التنقيح (١) ، واختاره في المدارك (٢) والسبزواري في الذخيرة والكفاية (٣) وصاحب المفاتيح (٤) وغيرهم.

نعم ، القول بالوجوب أكثر وأشهر ، ولكن القائل بالعدم أيضاً كثير كما عرفت ، ومعه كيف يمكن دعوى الوثوق بعدم صدور هذه الأخبار وهي بمرأى منهم ومسمع ، بل إنّ النفس تطمئن بصدور جملة منها فضلاً عن الوثوق به كما لا يخفى. والإعراض إنّما يوجب الوهن لو كانت الرواية واحدة أو اثنتين ممّا يوجب سلب الوثوق بالصدور لكشفه عن خلل في السند كما مرّ ، لا ما إذا كانت بهذه المثابة من الكثرة.

ثانيهما : أنّها موافقة لغير مذهبنا فتحمل على التقية.

ويردّه : ما هو المقرّر في محلّه من أنّ الترجيح بالجهة فرع استقرار المعارضة المتوقف على امتناع الجمع الدلالي (٥) ، وهو ممكن في المقام بالحمل على الاستحباب الذي به يحصل التوفيق العرفي بين الطائفتين كما هو المطرد في جميع الأبواب فلا تصل النوبة إلى الترجيح المزبور ، ولذا لو أغضينا النظر عن موافقة الجمهور لإحدى الطائفتين ، وعن ذهاب المشهور إلى الأُخرى ، وقصرنا النظر على نفس مدلولهما فحسب ، لجمعنا بينهما بالحمل على الاستحباب بلا ارتياب كما هو الحال في سائر الأبواب.

فالإنصاف : أنّ المناقشتين ضعيفتان ، ومقتضى الصناعة هو الالتزام باستحباب‌

__________________

(١) التنقيح ١ : ١٩٨.

(٢) المدارك ٣ : ٣٤٧.

(٣) الذخيرة : ٢٦٨ السطر ٤٢ ، الكفاية : ١٨ السطر ٢٢.

(٤) المفاتيح : ١ : ١٣١.

(٥) مصباح الأُصول ٣ : ٣٧٦.

٢٨٣

إلاّ في المرض والاستعجال (١) فيجوز الاقتصار على الحمد ، وإلاّ في ضيق الوقت أو الخوف ونحوهما من أفراد الضرورة ، فيجب الاقتصار عليها وترك السورة.

______________________________________________________

السورة ، إلاّ أنّه مع ذلك كلّه ففي النفس منه شي‌ء ، والجزم به مشكل جدّاً لمخالفته مع الشهرة الفتوائية والإجماعات المنقولة على الوجوب كما تقدّمت (١) من أعاظم الأصحاب وقد عرفت قوة الاشتهار به سيّما بين المتأخرين ، بل كادت تبلغ الإجماع لديهم كما مرّ ، وليس من الهيّن رفضها وعدم الاعتناء بها فالمسألة لا تخلو عن الاشكال ، ولا نجد في المقام أجدر من التوقف والاحتياط الذي هو سبيل النجاة وحسن على كل حال ، والله سبحانه أعلم.

(١) بناءً على وجوب السورة كما هو الأحوط على ما عرفت ، فلا ريب في سقوطها في موارد :

منها : المأموم المسبوق إذا خاف عدم إدراك الإمام في الركوع ، ويدلُّ على السقوط فيه صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة القول بالوجوب (٢).

وهذا لا إشكال فيه كما لا خلاف ، إنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على وجه العزيمة أو الرخصة؟

الظاهر هو الأوّل ، بل لا ينبغي الريب فيه ، لمنافاة القراءة مع المتابعة الواجبة سواء أكان وجوبها شرطيّاً كما هو المختار أم نفسياً كما عليه الماتن ، فالإتيان بها إمّا موجب للإثم ، أو مخلّ بشرط الجماعة وعلى التقديرين فهي ليست جزءاً من الصلاة ، نعم بناءً على جواز العدول إلى الفرادى في الأثناء فالسقوط رخصة فيجوز له الإتيان بها بقصد الجزئية بعد تحقق القصد المزبور المرخّص فيه. وتمام‌

__________________

(١) في ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٢٨٤

الكلام في مبحث الجماعة إن شاء الله تعالى.

ومنها : حال المرض ، ولا إشكال أيضاً في السقوط فيه ، للتصريح به في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها » (١).

إنّما الكلام في جهتين : إحداهما : أنّ السقوط هل هو على وجه الرخصة أو العزيمة؟

الظاهر هو الثاني فيما لو أراد الإتيان بها بقصد الجزئية ، لمنافاة الجزئية مع فرض السقوط ، فمع الالتزام بسقوطها حال المرض كما تضمنه الصحيح المتقدم لا يعقل أن يكون جزءاً في هذا الحال ، فانّ الجزء ما يتقوّم به المأمور به ولا يسوغ تركه لانتفاء المركّب بفقده ، فكيف يجتمع ذلك مع الحكم بالسقوط المستلزم لجواز الترك ، وعليه فالإتيان بها بقصد الجزئية تشريع محرّم ، فيكون سقوطها على وجه العزيمة لا محالة.

نعم ، لو أُريد بها قصد القرآن دون الجزئية ، أو أتى بها بعنوان الجزء المستحب كما عبّر به في كلماتهم ، المبني على ضرب من التوسع والمسامحة كما لا يخفى ، كان السقوط حينئذ على وجه الرخصة ، والوجه فيه ظاهر.

الثانية : هل السقوط في هذا الحال يختص بحصول المشقة في فعلها فلا سقوط بدونها أو لا؟ ظاهر جمع منهم المحقق الهمداني قدس‌سره الأوّل ، وعلله قدس‌سره بأنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم والموضوع (٢).

أقول : قد يكون الأمر كذلك في بادئ النظر ، لكن الظاهر خلافه ، إذ المريض‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٨٨ السطر ٢٨.

٢٨٥

بأيّ مرحلة فرضناه حتى المصلي مستلقياً لا مشقة عليه غالباً في التكلم بسورة يسيرة كالتوحيد مثلاً سيّما مع عدم احتياجه إلى مئونة الإسماع ، لعدم كون المخاطب من البشر. نعم ، ربما يفرض شدّة المرض بمثابة يشق عليه ذلك أيضاً لاقترانه بثقل في لسانه ، أو استيلاء المرض شديداً بحيث يصعب عليه حتى تلك التلاوة اليسيرة ، لكنه فرض نادر جدّاً (١) لا يمكن حمل الإطلاق عليه ، فالأقوى في النظر تعميم السقوط لصورتي المشقة وعدمها ، عملاً بإطلاق الدليل بعد امتناع حمله على الفرد النادر ، ومن الجائز أن تكون الصحة دخيلة في ملاك الوجوب كما يقتضيه الإطلاق ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

ومنها : موارد الاستعجال والخوف ، ويدلُّ على السقوط فيهما صريحاً صحيح الحلبي المتقدم : « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً » (٢).

والكلام هنا من حيث كون السقوط على وجه الرخصة أو العزيمة ، وأنّ الحكم يختص بحال المشقة أم لا ، هو الكلام فيما تقدّم في المريض حرفاً بحرف ، فهو على وجه العزيمة مع قصد الجزئية ، وعلى وجه الرخصة بقصد القرآن ، كما أنّه يعم صورتي المشقة وعدمها عملاً بإطلاق النص ، إذ فرض بلوغ العجلة والخوف مثابة يشق عليه التأخير حتى بمقدار قراءة سورتين قصيرتين لا يستوجبان من الزمان أكثر من دقيقة واحدة بل أقل ، فرض نادر جدّاً لا يمكن حمل الإطلاق‌

__________________

(١) غير خفي أنّ مناسبة الحكم والموضوع التي ادّعاها المحقق الهمداني قدس‌سره تكون كقرينة متصلة تستوجب الاختصاص بهذا الفرض وإن قل وندر ، إذ ليت شعري كيف يحتمل سقوط السورة عن المريض الذي ينفعه التكلم أو لا يضره ولا ينفعه ، لعدم ارتباطه به بوجه ، فلا مناص من أن يراد به من يشق التكلم عليه. ومن البيّن أنّه لا مانع من الحمل على الفرد النادر إذا اقتضته القرينة.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٢.

٢٨٦

عليه كما مرّ.

ثم إنّ السقوط بمجرد الاستعجال العرفي وإن لم يبلغ حدّ المشقة لا ينافي أصل الوجوب ، كما ربما يتوهم ، إذ لا غرابة في ذلك بعد مساعدة الدليل ، ومن الجائز أن يختص ملاك الوجوب بغير صورة العجلة ، وقد وقع نظيره في القصر والإتمام فالركعتان الأخيرتان من الرباعية تسقطان لدى السفر وإن كان السفر باختياره ولم تكن حاجة تدعو إليه ولا مشقة في صلاة المسافر تاماً ، فكما أنّ ملاك وجوب التمام مقيّد بعدم السفر سواء أكانت هناك مشقة أم لا ، فليكن ملاك وجوب السورة أيضاً مقيداً بعدم العجلة من غير فرق بين المشقة وعدمها.

ومنها : ضيق الوقت ، ولا خلاف أيضاً في سقوطها به. وتفصيل الكلام أنّه قد يفرض الضيق بالنسبة إلى مجموع الصلاة فلا يمكنه درك تمام الصلاة في الوقت مع القراءة ، وأُخرى يفرض بالنسبة إلى الركعة الواحدة ، فلو قرأ السورة لا يدرك من الوقت حتى مقدار الركعة الواحدة.

أمّا في الصورة الاولى : فلا محالة تقع المعارضة بين دليل الوقت وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ الدليل الأوّل له إطلاق يعم حال التمكن من السورة وعدمه ، كقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ ... ) (١) إلخ وقوله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثم إنّك في سعة منهما حتى تغيب الشمس ... » إلخ (٢) وليس كذلك الثاني ، إذ ليس في أدلّة السورة ما يتضمن إطلاقاً يصح التعويل عليه ، فانّ عمدتها مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة (٣) ولا ريب أنّها ناظرة إلى المتمكن من السورة وأنّه في فرض التمكّن‌

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ( نقل بالمضمون ).

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٢.

٢٨٧

تجب إن لم تكن عجلة وإلاّ فتسقط ، فلا إطلاق لها لغير المتمكن كي تعمّ المقام وكذا الحال في صحيحة عبد الله بن سنان (١) ومعاوية بن عمار (٢) وغيرهما فإنّها بأجمعها ناظرة إلى صورة التمكّن. وعليه فلا مناص من تقديم الدليل الأوّل فتسقط السورة حينئذ لعدم التمكّن منها بعد وجوب مراعاة الوقت ، بل إنّ سقوطها على وجه العزيمة أيضاً ، فليس له الإتيان بالسورة ، لاستلزامه التعجيز الاختياري بالنسبة إلى الوقت الأوّلي الذي هو محرّم عقلاً ، ولا مجال للتمسك بدليل من أدرك في مثل ذلك كما لا يخفى.

وأمّا في الصورة الثانية : فقد يقال إنّ الحال أيضاً كذلك ، فانّ وجوب مراعاة الوقت الاختياري ساقط بالعجز حسب الفرض ، وبما أنّه متمكن من إدراك الركعة فتنتقل الوظيفة إلى مراعاة الوقت الثانوي الذي هو بدل اضطراري فهو مكلف بالصلاة في الوقت بعد ملاحظة دليل التوسعة ، فتقع المعارضة حينئذ بين هذا الدليل وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ الثاني لا إطلاق له يعمّ المقام كما مرّ بخلاف الأوّل ، فيتقدم فيجب إدراك الركعة وإن استلزم ترك السورة لقصور دليلها عن إثبات الوجوب في الفرض.

وفيه : أنّ دليل وجوب السورة وإن لم يكن له إطلاق كما ذكر ، إلاّ أنّه لا مجال للتمسك بدليل من أدرك أيضاً ، فإنّه يشبه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ الدليل يختص لا محالة بالمتمكن من إدراك الركعة ، وصدقه في المقام يتوقف على عدم وجوب السورة كي لا تكون دخيلة في الركعة التامة ، مع أنّه بعد أوّل الكلام ، إذ من الجائز وجوبها واقعاً وإن كان الدليل عليه في مرحلة الإثبات قاصراً ، ومع احتمال الدخل كيف يمكن التمسك بإطلاق من أدرك ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ١١٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٣ ح ١.

٢٨٨

المعلوم عدم تعرض هذا الدليل لمصداق الركعة والأجزاء المعتبرة فيها ، وهل التمسك به إلاّ من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وبالجملة : كما لا إطلاق لدليل السورة ، لا إطلاق لدليل الوقت أيضاً فتوجّه التكليف إليه بالصلاة في الوقت مشكوك من أصله ، لاحتمال سقوطها عنه والانتقال إلى القضاء ، كما في فاقد الطهورين ، وحينئذ قد يبدو في النظر ما احتمله المحقق الهمداني من لزوم الجمع بين الأداء والقضاء ، عملاً بالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما (١) ، لكن الأقوى تعيّن الأداء ، فيأتي بركعة خالية عن السورة في الوقت ويتم الصلاة خارجه ، ولا حاجة إلى القضاء وذلك نتيجة الجمع بين أُمور ثلاثة :

أحدها : ما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال ، من الإجماع والضرورة وخصوص صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله عليه‌السلام « فإنّها لا تدع الصلاة بحال » (٢) كما مرّ التعرض لها غير مرّة.

ثانيها : ما هو المعلوم من عدم كون السورة ولو قلنا بوجوبها من مقوّمات الصلاة وأركانها ، وعدم دخلها في حقيقتها وماهيتها ، فيصدق اسمها على الفاقد لها بالضرورة ، بل يظهر من حديث التثليث أنّ قوامها بالطهور والركوع والسجود ، فصدق الصلاة كصدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة قطعاً ، فيشملها دليل عدم سقوط الصلاة بحال.

ونتيجة هذين الأمرين أنّ من تمكن من الصلاة في الوقت وإن كانت فاقدة السورة وجبت ، وبعد ضمهما إلى الأمر الثالث وهو حديث من أدرك ، الموجب لاتساع الوقت ، ينتج ما ذكرناه من وجوب الصلاة فعلاً ، والتكليف نحوها‌

__________________

(١) انظر مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٨٨ السطر ٣٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ( نقل بالمضمون ).

٢٨٩

ولا يجوز تقديمها عليها (١).

______________________________________________________

بإيقاع ركعة وإن خلت عن السورة في الوقت وإتمامها خارجه واحتسابها أداءً.

أمّا صدق الصلاة فبمقتضى الأمر الثاني ، وأمّا وجوبها فبمقتضى الأمر الأوّل ، وأمّا كونها في الوقت فللأمر الثالث ، لما عرفت من أنّ صدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة ، فلا مجال للتأمل في شمول الحديث للمقام وليس ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في شي‌ء ، ومع ذلك فالاحتياط بضم القضاء لا ينبغي تركه.

(١) اتفق الفقهاء على وجوب تقديم الحمد على السورة ، فلو خالف الترتيب عمداً بطل ، وهذا ممّا لا خلاف فيه فتوى ، إنّما الكلام في مستنده.

فقد استدل له بسيرة المسلمين والتابعين ، بل المعصومين أنفسهم : فانّ المعهود عنهم خلفاً عن سلف مراعاة الترتيب.

وفيه : أنّ فعلهم : لا يدل على الوجوب. ومنه يظهر الحال في السيرة فإنّها لا تكشف إلاّ عن أصل الجواز ، وغاية ما يترتب على المواظبة والاستدامة منهم على عمل إنّما هو رجحانه واستحبابه دون الوجوب ، إذ كثيراً ما نرى استمرارهم واهتمامهم بالنسبة إلى الأُمور المستحبة كما لا يخفى.

واستدلّ له في المستند (١) : بصحيحة محمد بن مسلم (٢) المتقدمة راوياً لها « يبدأ » بدل « يقرأ » لكن الموجود في الوسائل والحدائق (٣) « يقرأ » كما تقدم‌

__________________

(١) المستند ٥ : ٩٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) الحدائق ٨ : ٩٢.

٢٩٠

فلو قدّمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً (*) ، وعكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها (١).

______________________________________________________

والظاهر أنّه الصحيح (١) ، ولا أقل من اختلاف النسخ وعدم الوثوق بالصحيح منها ، فتسقط عن الاستدلال.

ويظهر من الجواهر أنّ النسخة التي عنده كانت « يبدأ » أيضاً كما في المستند لتعبيره بروايات البدأة بصيغة الجمع ، مع أنّها ليست إلاّ اثنتين كما ستعرف فلولا أنّه قدس‌سره يرى أنّ الصحيحة ثالثة لهما لم يحسن منه التعبير المزبور.

وكيف كان ، فالأولى الاستدلال عليه بصحيحة حماد (٢) ، حيث تضمنت تقديم الحمد على السورة بضميمة قوله عليه‌السلام في الذيل « يا حماد هكذا صلّ » الظاهر في الوجوب. وبموثقة سماعة قال : « سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال فليقرأها ما دام لم يركع ، فإنّه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات » (٣).

وبخبر الفضل بن شاذان المشتمل على التصريح بالبدأة بالحمد (٤) لكنه ضعيف السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل ، فلا يصلح إلاّ للتأييد. والعمدة ما عرفت من صحيحة حماد والموثقة ، فلا إشكال في الحكم.

(١) الإخلال بالترتيب تارة يكون عن عمدٍ ، وأُخرى عن سهو.

__________________

(*) الظاهر صدق الزيادة العمدية وإن لم يقرأها ثانياً.

(١) بل الظاهر أنّ الصحيح ما في المستند ، لتطابقه مع الكافي الذي هو أضبط ، لاحظ الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) ، (٤) الوسائل ٦ : ٣٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٢ ، ٣.

٢٩١

أمّا في صورة العمد ، فتارة يأتي بالسورة قبل الحمد بقصد الجزئية ، وأُخرى بقصد الوظيفة الشرعية ، وثالثة بقصد القرآن أو مطلق الذكر.

لا ريب في البطلان في الصورة الأُولى ، للزوم الزيادة العمدية المبطلة بمجرّد الشروع في السورة قاصداً بها الجزئية ، سواء أتداركها بعد ذلك وأتى بها بعد الحمد ثانياً أم لا ، فانّ قوام الزيادة بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية ولم يكن بجزء واقعاً ، وهذا العنوان صادق من أوّل الأمر ، ولا يناط ذلك بالإتيان بالوجود الثاني من الطبيعة كما يظهر من المتن وغيره ، بل الحال كذلك حتى لو قلنا باستحباب السورة ، لعدم الفرق في صدق الزيادة بالمعنى المتقدم بين الوجوب والاستحباب ، كما لو قنت في الركعة الأُولى بقصد الجزئية.

ولو لم يتم ما ذكرناه من صدق الزيادة من الأوّل ، وتوقف صدقها على الإتيان بالوجود الثاني كما ذكره في المتن ، لم يكن وجه للحكم بالبطلان في المقام إذ المستفاد من أدلة الزيادة أنّ المبطل منها إنّما هو إحداث الزائد لا إحداث صفة الزيادة لما سبق ، فلا يتحقق البطلان إلاّ إذا أوجد الزائد متصفاً من أوّل حدوثه بصفة الزيادة ، كما لو أتى بعد الانتهاء عن الجزء المأمور به بفرد ثانٍ من الطبيعة ، وأمّا إذا ارتكب عملاً أوجب اتصاف السابق بالزيادة كما في المقام فلا دليل على البطلان. ولذا لو شرع في بعض كلمات الآية وقبل استكمالها بدا له في العدول لداع من الدواعي فرفع اليد عنها ثم استأنفها كما لو قال : أيا ثم قال : إياك نعبد لا يحكم بالبطلان ، لأنّه أحدث صفة الزيادة للسابق ، لا أنّه أحدث الزائد.

وبالجملة : فتعليل الحكم بالبطلان في المقام بلزوم الزيادة العمدية إن قرأها ثانياً وعكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها كما فعله في المتن غير وجيه ، بل الصحيح تعليله بلزوم الزيادة العمدية من أوّل الأمر ، سواء قرأها بعد ذلك أم لا كما عرفت.

٢٩٢

وأمّا الصورة الثانية : أعني ما لو قدّم السورة بعنوان الاستحباب والوظيفة الشرعية دون أن يقصد بها الجزئية ، فأدلة الزيادة العمدية غير شاملة لمثل ذلك ، لما عرفت من تقوّمها بقصد الجزئية المنفي في الفرض ، فلا بطلان من هذه الجهة. نعم ، هو تشريع محرّم كما لو قنت في الركعة الأُولى بقصد الوظيفة الشرعية.

وهل يوجب ذلك البطلان في المقام؟ تقدم الكلام حوله سابقاً (١) ، وقلنا إنّه قد يقال به بدعوى عدم شمول ما دلّ على نفي البأس من قراءة القرآن في الصلاة لمثله ، لانصرافه إلى القراءة المحللة دون المحرّمة ، فيندرج ذلك تحت عمومات مبطلية التكلم في الصلاة.

وفيه : ما عرفت من أنّ المبطل خصوص كلام الآدمي لا مطلق الكلام والقراءة المزبورة لا تخرج بالحرمة عن القرآنية حتى تندرج في كلام الآدمي فهو قرآن محرّم كقراءة سور العزائم المحرّمة على الجنب والحائض ، وليس من كلام الآدمي في شي‌ء.

وبالجملة : أدلة استحباب القراءة وإن لم تشمل هذا الفرد إلاّ أنّ أدلة مبطلية الكلام أيضاً غير شاملة له ، والمرجع في مثله أدلة البراءة عن المانعية.

فالأقوى في هذه الصورة عدم البطلان وإن كان آثماً ، فيأتي بالسورة بقصد الجزئية بعد الحمد ، ومعه يحصل الترتيب.

وأمّا الصورة الثالثة : أعني ما لو قدّم السورة لا بقصد الجزئية ولا الوظيفة الشرعية ، بل بقصد القرآن ، فلا وجه حينئذ للبطلان إلاّ إذا بنينا على حرمة القرآن بين السورتين ، وعمّمناه لمثل المقام ممّا وقع فيه الفصل بين السورتين بالحمد كما ربّما يؤيده إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور المتقدمة : « لا تقرأ‌

__________________

(١) في ص ٢٧.

٢٩٣

ولو قدّمها سهواً وتذكّر قبل الركوع أعادها بعد الحمد أو أعاد غيرها ولا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (١).

______________________________________________________

في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (١) ، الشامل لصورتي الفصل والوصل وعمّمناه أيضاً لإعادة السورة نفسها لو أُعيدت نفسها في المقام.

إلاّ أنّك ستعرف إن شاء الله تعالى في محلّه أنّ الأقوى كراهة القرآن لا حرمته وأمّا التعميم الأوّل فلا يخلو عن وجه دون الثاني ، وتمام الكلام في محله ، فالأظهر عدم البطلان.

(١) تقدّم الكلام في الإخلال العمدي بالترتيب ، وأمّا لو أخلّ به سهواً فان كان التذكّر بعد الدخول في الركوع فلا شي‌ء عليه ، لمضي محل القراءة المعتبر فيها الترتيب ، فيشملها حديث لا تعاد ، لعدم كون الترتيب من الخمسة المُستثناة (٢) وهذا واضح.

وإن كان قبل الدخول في الركوع ، فقد يكون التذكّر أثناء السورة ، وأُخرى بعد الفراغ منها ، وثالثة بعد الدخول في الحمد ، سواء تذكّر أثناءها أم بعد الفراغ منها.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في الصحة ، فإنّ ما تقدم من السورة زيادة سهوية غير مبطلة ، فيأتي بالحمد وبعده بالسورة وهذا ظاهر.

وأمّا الثاني : فمقتضى القاعدة لزوم إعادة السورة بعد الحمد ، فانّ السورة المأتي بها حيث لم تقع على وجهها لمخالفة الترتيب فهي كالعدم ، وقد عرفت أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٢) وإن شئت فقل : إنّ مرجع الإخلال المزبور إلى نقص السورة وزيادتها ، وكلاهما مشمول للحديث.

٢٩٤

الزيادة السهوية غير مبطلة ، ومقتضى إطلاق أدلّة الترتيب بعد فرض بقاء المحل وجوب إعادة السورة بعد الحمد وعدم الاكتفاء بما سبق ، إذ لا دليل على سقوط السورة حينئذ.

إلاّ أنّ في المقام رواية ربما يظهر منها الاجتزاء بما سبق ، فلا يجب عليه إلاّ الحمد فقط ، فكأنّ الترتيب شرط ذكرى يسقط لدى السهو ، وهي رواية علي ابن جعفر قال : « سألته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال : يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل » (١).

وحملها صاحب الوسائل على من تذكّر بعد الركوع ، وهو كما ترى ، لكونه مخالفاً لما لعله يقرب من صريح الرواية لقوله « ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة » فإنّه كالصريح في كون التذكّر قبل الدخول في الركوع ، بل قبل الشروع في الفاتحة.

وأجاب في الجواهر (٢) : بأنّ ظاهرها قراءة الفاتحة فيما يستقبل من الركعات بدلاً عن هذه الركعة ، وهو مخالف للإجماع ، فظاهرها غير ممكن الأخذ ، والتأويل لا شاهد عليه فتطرح.

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ قوله عليه‌السلام « فيما يستقبل » غير ظاهر في إرادة الركعات الآتية كي يخالف الإجماع ، بل ظاهره ما يستقبله في الآن اللاّحق للتذكر وفي نفس هذه الركعة ، فيمضي في صلاته ويأتي بالفاتحة حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، لبقاء محلها ما لم يركع ، فغايته سقوط رعاية الترتيب لا سقوط الفاتحة عن هذه الركعة.

وقد يقال : إنّها ظاهرة في إرادة المضي في الصلاة والإتيان بالفاتحة ، وبعدها‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٤.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٤٣.

٢٩٥

بالسورة حسبما تقتضيه الوظيفة من مراعاة الترتيب بينهما ، فلا دلالة فيها على سقوط السورة والاجتزاء بما سبق كي تخالف القاعدة.

وفيه : أنّ هذا أيضاً خلاف الظاهر وبعيد عن سياقها جدّاً ، فانّ ظاهرها الاقتصار على الحمد فحسب كما لا يخفى.

فالإنصاف : أنّ دلالة الرواية على الاجتزاء بما سبق من السورة قوية ، لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّها ضعيفة السند لمكان عبد الله بن الحسن ، فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة من لزوم إعادة السورة محافظة على الترتيب.

وأمّا الثالث : أعني ما لو كان التذكّر بعد الدخول في الحمد ، أمّا أثناءها ، أو بعد الفراغ منها ما لم يركع ، فلا ريب في وجوب إعادة السورة ، لعدم وقوعها على وجهها ، فيعيدها أو يأتي بسورة أُخرى ، وهل تجب إعادة الحمد أيضاً قبلها أو يقتصر على إعادة السورة؟

قد يقال بالأوّل : بل ربما يستظهر ذلك من كل من عبّر باستئناف القراءة وربما يعلل بأنّ مراعاة الترتيب كما تقتضي تأخير السورة كذلك تقتضي تقديم الفاتحة وأن لا يتقدمها سورة ، فكما أنّ السورة المتقدمة باطلة فكذا الفاتحة المتأخرة ، للزوم كون البدأة بها ، وحيث إنّ المفروض كون الفاتحة مسبوقة بالسورة فلا يمكن الاجتزاء بها ، بل لا بدّ من إعادتهما معاً فيجب استئناف الفاتحة ثم السورة بعدها.

وفيه : أنّ المستفاد من أدلة اعتبار الترتيب ليس إلاّ عدم مسبوقية الفاتحة بالسورة المأمور بها ، لا عدم المسبوقية بطبيعي السورة وإن لم تكن مصداقاً للمأمور به ، وفي المقام ما هو السابق ليس بمأمور به لوقوعه سهواً ، وما هو المأمور به متأخر عنه ، فليس تقدم مطلق السورة ولو لم تكن مصداقاً للمأمور به بل مشابهاً له قادحاً في مراعاة الترتيب ومخلاً بصدق البدأة بالفاتحة.

٢٩٦

[١٤٩٣] مسألة ١ : القراءة ليست ركناً (١) فلو تركها وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة وسجد سجدتي السهو مرّتين (*) مرّة للحمد ومرّة للسورة ، وكذا إن ترك إحداهما وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحّت الصّلاة وسجد سجدتي السهو ،

______________________________________________________

ثم لو تنازلنا وشككنا في مانعية السورة المشابهة ، بأن احتملنا اعتبار عدم سبق طبيعي السورة ، فيكفي في رفع هذا الاحتمال إطلاق أدلة البدأة بالحمد وعلى فرض عدم ثبوت مثل هذا الإطلاق فتكفينا أصالة البراءة عن مانعية السورة المشابهة السابقة على الحمد.

هذا ، ولو بنينا على ثبوت المانعية فمقتضاها بطلان الصلاة رأساً لا إعادة الفاتحة فحسب ، لعدم حصول التدارك بذلك ، إذ مهما أعادها فهي لا محالة مسبوقة بطبيعي السورة ، فلا يمكن الإتيان بفاتحة غير مسبوقة بالسورة كما هو ظاهر.

ونظير المقام ما لو سها فقدّم الصلاة على النبي وآله على التشهد ثم تذكّر فإنّه لا ريب في عدم الحاجة إلى إعادة التشهد ثم الصلاة بل يقتصر على الإتيان بها عقيب التشهد المأتي به ، والسر هو ما عرفت من أنّه إنّما يعتبر في التشهد أن لا يكون مسبوقاً بالصلاة المأمور بها دون طبيعيّها كي لا يصح الاجتزاء بالتشهد المأتي به.

(١) بلا خلاف ولا إشكال وإن كان ظاهر بعض النصوص هو الركنية كصحيح محمد بن مسلم (١) وموثق سماعة (٢) المتقدمين الدالّين على أنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة‌

__________________

(*) على الأحوط ، وسيجي‌ء اختصاص الوجوب بموارد خاصة.

(١) الوسائل ٦ : ٨٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

٢٩٧

الكتاب ، إلاّ أنّه لا بدّ من رفع اليد من ظاهرهما وحملهما على فرض تعمد الترك ،

وذلك لجملة من الروايات المعتبرة الدالّة على أنّ القراءة سنّة ومن نسي السنّة فلا شي‌ء عليه ، كصحيح زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شي‌ء عليه » (١) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال : إن كان متعمداً فلا صلاة له ، وإن كان نسي فلا بأس » (٢). وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه « قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، ثم قال : القراءة سنّة ، والتشهد سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة » (٣).

إلى غير ذلك من الروايات التي تفسّر الطائفة الاولى من الأخبار وتوجب حملها على فرض العمد ، فعدم الركنية ممّا لا إشكال فيه. وعليه فلو تركها سهواً وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحت صلاته ، لفوات محلها من جهة استلزام تداركها زيادة الركن وهو الركوع وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه هل تجب عليه سجدتا السهو أو لا؟ وعلى فرض الوجوب هل اللازم التعدد مرّة للحمد وأُخرى للسورة كما في المتن ، أو تكفي المرّة الواحدة؟

سيجي‌ء التعرض لذلك إن شاء الله تعالى في مبحث الخلل ، ويتبين ثمّة أنّ السجدة ليست لكل زيادة ونقيصة ، وإنّما هي خاصة بموارد مخصوصة ليس‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٩١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٥.

٢٩٨

ولو تركهما أو إحداهما وتذكّر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حدّ الركوع (١) رجع وتدارك ، وكذا لو ترك الحمد وتذكّر بعد الدخول في السورة رجع وأتى بها ثم بالسورة.

[١٤٩٤] مسألة ٢ : لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (٢) ، فان قرأه عامداً بطلت صلاته وإن لم يتمه إذا كان من نيّته الإتمام حين الشروع ، وأمّا إذا كان ساهياً ، فان تذكّر بعد الفراغ أتمّ الصلاة وصحت وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً (*) ولا يحتاج إلى إعادة سورة أُخرى ، وإن تذكّر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت ، وإلاّ تركها وركع وصحت الصلاة.

______________________________________________________

المقام منها ، وأنّ العبرة إنّما هي بوحدة السهو وتعدده دون المنسي ، وإلاّ لزم أن يكون لكل آية سجدة خاصة وهو كما ترى ، وتمام الكلام هناك.

(١) لبقاء محل التدارك ، بعد عدم وقوع القنوت في محله ، فيشمله إطلاق ما دلّ على الإتيان بالقراءة عند نسيانها ما لم يركع ، ومنه يظهر الحال فيما بعده.

(٢) هذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، إلاّ أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية ناشئة من اقتضاء الأمر بالشي‌ء وهو إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت للنهي عن الضد وهو قراءة السور الطوال لتفسد العبادة لمكان النهي ، لفساد المبنى كما حقق في الأُصول (١) ، وإنّما هي حرمة عرضية من جهة استلزامها تفويت الوقت ، وإيقاع بعض الصلاة خارجه وهو محرّم ، وإلاّ فمجرّد قراءة السورة الطويلة ليست بنفسها محرّمة. وعلى هذا يحمل ما ورد في صحيح أبي بكر الحضرمي‌

__________________

(*) الصحة في هذا الفرض لا تخلو من إشكال بل منع.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٩ وما بعدها.

٢٩٩

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم » (١) ، فانّ آل حم لا خصوصية لها ، وإنّما يكون النهي من جهة استتباعها وقوع بعض الصلاة خارج الوقت.

وتوضّح ما ذكرناه : موثقة عامر بن عبد الله قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت » (٢) ، فإنّها تكشف عن أنّ النهي عن قراءة تلك السورة إنّما هو بملاك فوات الوقت من جهة قصر أمد ما بين الطلوعين وطول تلك السورة.

وهل المراد بذلك وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ (٣) لا يهمنا ذلك فيما نحن بصدده من تعيين الملاك وإن كان النهي على الأوّل تنزيهياً وعلى الثاني تحريمياً.

وعامر الراوي للخبر وإن تضاربت فيه الروايات من حيث المدح والذم ، إلاّ أنّ تلك الروايات بأجمعها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها ، والعمدة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات ، فتكون الرواية موثقة كما ذكرنا.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١١١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٤ ح ١.

(٣) يشكل إرادة وقت الفضيلة : بأنّ قراءة سورة الدخان التي هي من الحواميم لا تستغرق أكثر من بضع دقائق ، مع أنّ وقت الفضيلة يستمر إلى أن يتجلّل الصبح السماء. وأشكل منه إرادة وقت الإجزاء ، فانّ قراءة أطول الحواميم وهي سورة غافر لا تستغرق على أبعد التقادير أكثر من نصف ساعة ، مع أنّ ما بين الطلوعين يزيد على ذلك بكثير.

أضف إلى ذلك : أنّ في القرآن سوراً كثيرة أطول من الحواميم بكثير ، فلما ذا خصّها الإمام عليه‌السلام بالذكر. والتحقيق : أنّ رواية عامر لا عبرة بها لضعف سندها. ولا ينفع وجود عامر في أسناد كامل الزيارات بعد أن لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

وأمّا صحيحة الحضرمي فهي عارية عن التعليل فلتحمل على ضرب من الكراهة والتنزيه.

٣٠٠