موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٧٩] مسألة ١٩ : لو كان وظيفته الصلاة جالساً وأمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (١).

______________________________________________________

ويستريح هنيئة فيذهب تعبه وتتجدد قواه ، ثم يقوم إلى الركعة الأُخرى ، فذاك العجز لا يكشف عن هذا العجز أبداً. فكيف يناط الانتقال إلى الجلوس بالعجز عن المشي ، مع أنّ الاعتبار بالعجز عن القيام ليس إلاّ كما أُنيط به في الكتاب والسنّة على ما مرّ سابقاً. ومن هنا لم يحدد ذلك في شي‌ء من الأخبار بحدّ معيّن ، ولم يجيبوا : عن السؤال عن التحديد إلاّ بمثل قولهم : : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه ، هو أعلم بما يطيقه ، وغير ذلك (١).

هذا مع أنّ ظاهر إطلاق الرواية أنّ العجز عن المشي مقدار تمام الصلاة إلى أن يفرغ يوجب الانتقال إلى الجلوس حتى ولو تمكن من المشي مقدار بعض الصلاة ، وليس الحكم كذلك جزماً ، فإنّه لو تمكن من القيام في بعض ركعات الصلاة وجب ذلك بلا إشكال كما سيجي‌ء قريباً إن شاء الله تعالى ، فتكون صلاته ملفّقة من القيام والجلوس حسب اختلاف حاله عند كل ركعة.

فالإنصاف : أنّ الرواية مجملة المفاد غير ظاهرة المراد ، فلا تصلح للاعتماد بل يردّ علمها إلى أهله.

(١) هذه غير مسألة الدوران بين مراعاة القيام في أوّل الركعة أو آخرها التي سيتعرض لها في المسألة الآتية ، بل مفروض هذه المسألة التمكّن من القيام آناً ما قبل الركوع ، كي يكون ركوعه عن قيام ، ولا ريب في وجوب ذلك عليه ، إذ لا سبيل للانتقال إلى الركوع الجلوسي بعد فرض التمكن من الركوع قائماً.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٤ / أبواب القيام ب ٦ ح ١ ، ٢.

٢٤١

[١٤٨٠] مسألة ٢٠ : إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز ، وكذا إذا تمكّن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم ، لو علم من حاله أنّه لو قام أوّل الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلاّ ركعة أو بعضها ، وإذا جلس أوّلاً يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلاً لا يبعد (*) وجوب تقديم الجلوس ، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة ، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أوّل الركعة قائماً والعجز حال الركوع أو العكس أيضاً تكرار الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في من دار أمره بين ترك أحد الشرطين مع تساوي الدليلين هو التخيير ، لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فبمقتضاها ينبغي الحكم في المقام بالتخيير بين رعاية القيام في الركعة السابقة أو اللاّحقة.

إلاّ أنّ الأقوى في خصوص المقام رعاية القيام في السابقة ، فيقوم إلى أن يتجدد العجز كما أفاده في المتن ، وذلك لإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة جميل : « إذا قوي فليقم » (١) ، فإنّها وإن وردت جواباً عن السؤال عن حد المرض الموجب للانتقال إلى الصلاة قاعداً في مجموع الصلاة ، إلاّ أنّ إطلاقها غير قاصر الشمول للمجموع وللأبعاض ، كما لا يخفى. فتدل على أنّ المكلف مهما تمكّن من القيام فيما يجب فيه القيام وجب ذلك ، ولا ينتقل فيه إلى القعود إلاّ مع العجز عنه.

__________________

(*) بل هو بعيد والظاهر وجوب تقديم القيام فيه وفي الفرض الثاني.

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

٢٤٢

وعليه فبما أنّه لدى الاشتغال بالركعة الأُولى قادر على القيام على الفرض فيشمله إطلاق الصحيح ، فيجب عليه القيام لفعلية الشرط وهو كونه قد قوي عليه ، فلا عذر له في تركه ، بخلاف تركه في الركعة اللاّحقة لحصول العجز حينئذ.

ومنه تعرف أنّه لا فرق في هذا الحكم أعني تقديم السابق أخذاً بإطلاق الدليل بين ما إذا كان طرفا الترديد متساويين من حيث القلة والكثرة كالمثال المتقدم ، أو مختلفين كما لو دار أمره بين القيام في الركعة الأُولى والقعود في الركعتين الباقيتين أو الثلاث ، وبين العكس ، وأنّه يتعين تقديم القيام حينئذ أيضاً وإن استلزم الجلوس في الأكثر من الركعة الواحدة ، لما عرفت من عدم العذر في ترك القيام سابقاً مع القدرة عليه ، والحكم يتبع في فعليته فعلية موضوعه وهو متحقق على الفرض فيشمله قوله عليه‌السلام : « إذا قوي فليقم » بخلاف تركه في الركعات اللاحقة ، فإنّه مستند إلى العجز بعد صرف قدرته في الركعة السابقة ، وليس المقام من موارد التزاحم كي يراعى فيه الأهمية ويرجّح بها كما مرّ مراراً.

فما أفاده في المتن من عدم استبعاده وجوب تقديم الجلوس في هذه الصورة لا يمكن المساعدة عليه ، كما لا وجه للاحتياط بتكرار الصلاة وإن كان حسناً على كل حال.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف حكم الدوران بين إدراك أوّل الركعة قائماً والعجز آخرها المؤدي إلى الركوع جالساً ، وبين العكس ، وأنّ اللاّزم حينئذ تقديم الأوّل بالبيان المتقدم من عدم المعذورية سابقاً والعذر لاحقاً ، وقد عرفت أنّ المقام ليس من باب التزاحم كي يراعى فيه أهمية الركوع ، فتنتقل الوظيفة لا محالة إلى الركوع جالساً.

٢٤٣

[١٤٨١] مسألة ٢١ : إذا عجز عن القيام ودار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكباً قدّم المشي على الركوب (١).

[١٤٨٢] مسألة ٢٢ : إذا ظنّ التمكّن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير (*) ، بل وكذا مع الاحتمال (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت في المسألة الثامنة عشرة أنّه لو دار الأمر بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً ، قدّم الأوّل لتقديم دليل القيام على دليل الاستقرار بالبيان المتقدم ، فبمقتضى ذلك يجب تقديم المشي على الركوب في المقام كما لا يخفى.

بل يزيد المقام على ما سبق ، أنّ الإخلال بالاستقرار لازم على التقديرين أي سواء صلّى ماشياً أم راكباً ، ويزداد الثاني بالإخلال بالقيام أيضاً ، فلا مناص من اختيار الأوّل الذي يتحفظ معه على القيام ، فانّ دليل اعتباره حينئذ سليم عن المعارض.

(٢) هذه المسألة من صغريات البحث عن جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه مع احتمال زوال العذر أو الظن به ، بعد الفراغ عن الجواز في صورة اليأس وقد تكرّر التعرّض لنظائر هذا الفرع في مطاوي هذا الشرح مراراً ، وقلنا إنّ الأقوى هو التفصيل في الجواز بين مرحلتي الواقع والظاهر ، فبحسب الحكم الواقعي لا يجوز البدار فيما إذا صادف ارتفاع العذر ، لأنّ التكليف الأوّلي قد تعلّق بطبيعي الصلاة الجامعة لتمام الأجزاء والشرائط المحدودة بين الحدين من المبدأ والمنتهى كالزوال والغروب مثلاً ، فالطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية بل وكذا العرضية هو المأمور به وإنّما تنتقل الوظيفة إلى البدل الاضطراري والتكليف الثانوي بعد العجز عن هذه الطبيعة الذي لا يتحقق إلاّ بالعجز عن‌

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد جواز البدار كما تقدم.

٢٤٤

تمام الأفراد.

فمع التمكن من فردٍ من الأفراد الطولية ولو كان هو الواقع في نهاية الحد وفي آخر الوقت لا سبيل للانتقال إلى البدل ، للقدرة على المأمور به الاختياري الذي هو الطبيعي الصادق على ذاك الفرد ، فكما أنّ العجز عن الفرد العرضي لا يسوّغ الانتقال إلى البدل بلا إشكال ، فلو كان عاجزاً عن القيام في هذا المكان وقادراً عليه في مكان آخر وكلاهما في زمان واحد ، لا تنتقل الوظيفة إلى الجلوس بالضرورة ، فكذا العجز عن الفرد الطولي.

والسر هو ما عرفت من أنّ المأمور به ليست الأفراد لا العرضية ولا الطولية كي يكون العجز عن فرد مسوّغاً للانتقال إلى البدل ، وإنّما هو الطبيعي الجامع بين الحدين الذي لا يكاد يتحقق العجز عنه إلاّ بالعجز عن تمام أفرادها عرضيّها وطوليّها. وعليه فمع فرض ارتفاع العذر في آخر الوقت ، فبما أنّ الفريضة الاختيارية مقدورة للمكلف بتطبيق الطبيعي على ذاك الفرد فلا يجوز له البدار والاقتصار على الاضطرارية ، لعدم تحقق موضوعها حينئذ كما عرفت هذا كله بحسب الواقع.

وأمّا في مرحلة الظاهر ، فلا مانع من جواز المبادرة اعتماداً على استصحاب بقاء العذر ، وعدم ارتفاعه إلى نهاية الوقت المنقّح للعذر المستوعب الذي هو الموضوع للانتقال إلى البدل الاضطراري ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأُمور الاستقبالية كالحالية ، غاية الأمر أنّ الأمر في موارد الاستصحاب حيث إنّه ظاهري فإجزاؤه عن الأمر الواقعي وجواز الاقتصار عليه منوط بعدم انكشاف الخلاف ، فالحكم بالصحة مراعى بعدم زوال العذر فان زال في الوقت كشف عن البطلان ووجبت الإعادة على طبق الوظيفة الاختيارية ، وإن استمرّ كشف عن الصحة ، بل إنّ هذا هو الحال حتى مع القطع الوجداني باستمرار العذر ، فانّ زوال العذر حينئذ يكشف عن أنّ الأمر كان‌

٢٤٥

[١٤٨٣] مسألة ٢٣ : إذا تمكّن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس ، وكذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع وكذا إذا خاف من لص أو عدو ، أو سبع أو نحو ذلك (١).

______________________________________________________

وهمياً خيالياً ، وهو غير مجز عن الأمر الواقعي بلا إشكال.

(١) تقدم (١) حكم العاجز عن القيام ، وأمّا من كان متمكناً منه فعلاً لكنه خاف حدوث المرض لو قام ، أو بطء برئه ، أو خاف من لص ، أو عدو ، أو سبع فقد ذكر قدس‌سره أنّه يجوز له الانتقال إلى الجلوس أو الاضطجاع والاستلقاء حسب اختلاف المراتب ، ومراده قدس‌سره بالجواز هو الوجوب وأنّ الوظيفة تتعين في ذلك كما هو ظاهر.

وكيف كان ، فالحكم مسلّم لا خلاف فيه كما لا إشكال ، والمستند فيه حديث نفي الضرر ، فانّ ظاهر الحديث وإن كان هو الضرر الواقعي كما هو الشأن في كل حكم مترتب على موضوعه ، فلا بدّ من إحرازه بدليل قاطع من علم وجداني ونحوه ، فلا سبيل للتمسك به مع الشك وخوف الضرر ، بل إنّ مقتضى الأصل عدمه ، فيستصحب بقاء الوظيفة الاختيارية ، ولا ينتقل إلى الاضطرارية إلاّ عند الضرر المقطوع.

إلاّ أنّا استفدنا التعميم لصورة الخوف من الموارد المتفرقة كالصوم والتيمم ونحوهما من الموارد التي استشهد الإمام عليه‌السلام على سقوط الوظيفة الأوّلية ، والانتقال إلى البدل عند مجرد الخوف بدليل نفي الضرر أو العسر والحرج.

هذا ، مع أنّ خوف الضرر أمارة نوعية وطريق عقلائي لاستكشاف الضرر الواقعي ، فإنّ العقلاء لا يزالون يعاملون مع خوف الضرر معاملة الضرر‌

__________________

(١) في ص ٢١١.

٢٤٦

[١٤٨٤] مسألة ٢٤ : إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأوّل (١).

______________________________________________________

المقطوع ، فكأنّ الضرر محرز بمجرّد الخوف ، وعليه فلا مجال للتشكيك في الاستناد إلى دليل نفي الضرر في أمثال المقام.

وتؤيّده : صحيحة محمد بن مسلم الواردة في خصوص المقام قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطبّاء فيقولون نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي ، فرخّص في ذلك ، وقال ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) » (١) فانّ قول الأطبّاء لا يورث القطع بالعذر عادة ، بل غايته الخوف ومع ذلك فقد رخّص عليه‌السلام فيه وأجرى عليه حكم الضرر مستشهداً بالآية الشريفة. ومن المعلوم عدم الفرق بين مورد الصحيحة وبين غيره من سائر موارد الضرر.

(١) حكم قدس‌سره حينئذ بلزوم تقديم الاستقبال ، وقد يقال بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن ، وربما يفصّل بين ما إذا كان الإخلال بالاستقبال بنحو يوجب الاستدبار فيقدّم على القيام ، وبين ما إذا كان بحيث يوجب الانحراف إلى اليمين أو اليسار فيقدّم القيام عليه ، لما دلّ على أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة.

والصحيح : هو ما أفاده في المتن ، فانّ مقتضى القاعدة في أمثال المقام وإن كان هو التخيير كما مرّ ، إلاّ أنّه يقدّم الاستقبال في خصوص المقام ، لا لأهميته المستفادة من استثنائه في حديث لا تعاد كما قيل حتى يعارض بأهمية القيام لركنيته ، فانّ الترجيح بالأهمية من خواص باب التزاحم ، والمقام وأمثاله أجنبي‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٦ / أبواب القيام ب ٧ ح ١.

٢٤٧

عن ذاك الباب وداخل في باب التعارض كما أشرنا إليه مراراً.

بل لأنّ دليل اعتبار الاستقبال يختلف لسانه عن دليل اعتبار القيام ، فإنّ الأوّل بلسان نفي الحقيقة ، وأنّ الفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شي‌ء كما يفصح عنه قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » (١) ، بخلاف الثاني فإنّ لسانه مجرد اعتبار شي‌ء في الصلاة (٢) لقوله : « الصحيح يصلي قائماً وقعوداً المريض يصلي جالساً » الوارد في تفسير الآية المباركة (٣) ، وغيره ممّا سبق في محله ومن المعلوم أنّه كلّ ما دار الأمر بين ترك شي‌ء تفوت معه حقيقة الصلاة وبين غيره قدّم الثاني.

ومنه يظهر الجواب عمّا تقدّم من القول بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن ، فانّ القيام إنّما يجب رعايته في الصلاة ، فلا بدّ من تحقق الموضوع وهو الصلاة قبل ذلك ، وقد عرفت أنّ مقتضى دليل اعتبار الاستقبال نفي الحقيقة وعدم تحقق الموضوع بدونه ، فالفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شي‌ء حتى يراعى فيه القيام.

وأمّا التفصيل المتقدم فيدفعه : أنّ كون ما بين المشرق والمغرب قبلة تنزيل مختص بمورده ، وهو الجاهل الذي لا يميّز جهة الكعبة ، وأمّا غيره ممّن يميّزها ويشخّصها كما هو محل الكلام ، فلا ريب أنّ قبلته هي الكعبة ، فلا مناص له من استقبالها ، والتوسعة المزبورة غير شاملة لمثله جزماً. فظهر أنّ الأقوى مراعاة الاستقبال والانتقال إلى الصلاة جالساً كما ذكر في المتن.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٠ / أبواب القبلة ب ٢ ح ٩.

(٢) أمّا قوله : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » فهو ناظر إلى الانتصاب الممكن رعايته في الصلاة جالساً أيضاً كما سبق ، لا إلى القيام فلا تغفل.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.

٢٤٨

[١٤٨٥] مسألة ٢٥ : لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ، ولو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع ، ولو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء ، ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ للمصلي باعتبار العجز والتمكّن حالات ، فيصلي قائماً إن تمكن ، وإلاّ فجالساً ، وإلاّ فمضطجعاً ، وإلاّ فمستلقياً ، ويختلف الحكم باختلاف هذه الأحوال كما مرّ تفصيلاً ، هذا فيما إذا كان تمام الصلاة على حالة واحدة.

وأمّا إذا كانت ملفّقة من حالتين ، فقد يكون قادراً ، ثم يطرؤه العجز في الأثناء بإحدى مراتبه ، وقد يكون الأمر بالعكس فتتجدد القدرة بعد ما كان عاجزاً ، وهذه المسألة ناظرة إلى الصورة الأُولى كما أنّ المسألة الآتية تنظر إلى الثانية.

فنقول : العجز الطارئ في الأثناء قد يكون مستمراً إلى آخر الوقت ، وقد يزول قبل خروجه ، أمّا في المستمر فلا ريب في انتقال الوظيفة إلى المرتبة النازلة ، فلو عجز عن القيام انتقل إلى الجلوس أو إلى الاضطجاع وهكذا ، وهذا ممّا لا خلاف فيه منا.

نعم ، خالف فيه بعض العامة فحكم بالاستئناف (١) ، إذ لم تعهد الصلاة الملفقة من الوظيفتين. ويدفعه : أنّ ذلك هو مقتضى إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ ، فكما أنّ إطلاق الأدلّة الأوّلية كقوله عليه‌السلام : « إذا قوي فليقم » (٢) يعمّ تمام الصلاة وأبعاضها ، فكذا إطلاق أدلّة الابدال.

فالتلفيق هو مقتضى الجمع بين الإطلاقين ، ولا ضير في الالتزام به بعد‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٣٢١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

٢٤٩

مساعدة الدليل فلا وجه للاستئناف ، بل ليس له ذلك وإن قلنا بجواز إبطال الصلاة اختياراً ، لاستلزامه التفويت الاختياري المحرّم عقلاً بالإضافة إلى الجزء الذي أتى به حسب الوظيفة الاختيارية قبل طروء العجز ، إذ مع الإبطال والإعادة ينتقل لا محالة إلى الوظيفة الاضطرارية في تمام الصلاة ، فيلزم التعجيز الاختياري بالإضافة إلى ذلك الجزء ، بخلاف ما لو أتمّها كذلك كما لا يخفى.

ثم إنّه يلزمه ترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر كما أفاده في المتن ، إذ مضافاً إلى منافاته لشرطية الاستقرار لدى القدرة عليه لا دليل على مشروعية القراءة عند الهوي ، فانّ محلها المقرّر لها بحسب الأدلة إنّما هو حال القيام ، أو الجلوس ، أو الاضطجاع ، وليس الهوي شيئاً منها.

ودعوى أنّ الهوي أقرب إلى القيام ، فكانت القراءة عنده أولى منها حال الجلوس ، اجتهاد في مقابل النص كما لا يخفى.

هذا كله مع استمرار العجز ، وأمّا لو ارتفع أثناء الوقت فظاهر إطلاق المشهور هو الاجتزاء أيضاً ، فلا حاجة إلى الإعادة ، حيث لم يفصّلوا في الحكم بالصحة بين الصورتين ، إلاّ أنّه لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق ، بل لا بدّ من حمل كلامهم على إرادة الصورة الأُولى ، إذ لا وجه للصحة في الثانية ، لما عرفت فيما سبق من أنّ العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل إنّما هو العجز عن طبيعي الفريضة الاختيارية الذي هو المأمور به ، لا خصوص فرد منها ، وإنّما يتحقق العجز عن الطبيعي مع استيعاب العذر لتمام الوقت ، وإلاّ فمع الارتفاع في الأثناء تكون الطبيعة مقدورة فلا مجال للانتقال إلى البدل ، فزوال العذر في الأثناء يكشف عن عدم كون الفرد الاضطراري المأتي به مصداقاً للمأمور به ، فلا بدّ من رفع اليد عنه واستئناف الصلاة كما هو مقتضى القاعدة في أمثال المقام ممّا لم يرد فيه دليل على كفاية العجز حين العمل كما في موارد التقية.

٢٥٠

[١٤٨٦] مسألة ٢٦ : لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه (١) (*) ، وكذا لو تجدّد للمضطجع القدرة على الجلوس ، أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع ، ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال.

[١٤٨٧] مسألة ٢٧ : إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ، وليس عليه إعادة القراءة ، وكذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها ، ولو تجددت بعد الركوع ، فان كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع (**) منه وإن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً (***) إلى حدّ الركوع القيامي ، ولا يجوز له الانتصاب ثم الركوع ، ولو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود ، لكون انتصابه الجلوسي بدلاً عن الانتصاب القيامي ويجزئ عنه ، لكن الأحوط القيام للسجود عنه.

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ هذا عكس المسألة السابقة ، وتفصيل الكلام في المقام على نحو يتضح به حال المسألة الآتية أيضاً ، أنّه تارة يفرض الكلام في ضيق الوقت بحيث لا يسع للاستئناف ، وأُخرى في سعته.

أمّا في الضيق : فالصحيح ما أفاده في المتن من الاجتزاء بما صدر منه من البدل ، والانتقال في بقيّة العمل إلى الوظيفة الاختيارية من دون حاجة إلى إعادة ما سبق ، لأنّه أتى به حسب الوظيفة الفعلية ، وأدلة البدلية كما تعمّ مجموع‌

__________________

(*) هذا إنّما يتم في ضيق الوقت ، وأمّا في السعة فإن أمكن التدارك بلا إعادة الصلاة كما إذا تجدّدت القدرة بعد القراءة وقبل الركوع وجب ، وإلاّ وجبت الإعادة في القيام الركني دون غيره ، وبذلك يظهر الحال في المسألة الآتية.

(**) في وجوب الانتصاب إشكال بل منع.

(***) في وجوبه إشكال بل منع.

٢٥١

العمل تشمل أبعاضها أيضاً كما مرّ ، والمفروض استيعاب العذر لتمام الوقت لعدم التمكن من الاستئناف وتداركها بتمامها بعد فرض الضيق ، فتكون الصلاة ملفقة من الوظيفتين الاختيارية والاضطرارية ، ومقتضى إطلاق الأدلة صحتها كما مرّ ، ويجب الكفّ عن القراءة والذكر في حال الانتقال بعد فرض التمكن من الإتيان بالواجب الأصلي الاختياري.

وهذا كله واضح لا سترة عليه ، غير أنّ هناك فروعاً نبّه عليها في المسألة الآتية ينبغي التعرض لها :

منها : أنّه لو تجددت القدرة قبل الركوع ، سواء أكان أثناء القراءة أم بعدها وجب عليه القيام رعاية للركوع الاختياري المتقوّم بالانحناء عن القيام ولا يجب عليه إعادة القراءة ، كما لا يجب استئنافها لو كان التجدد أثناءها ، لما عرفت من صحتها بعد الإتيان بها حسب الوظيفة الفعلية ، وعدم التمكن من التدارك لمكان الضيق وهذا ظاهر.

ومنها : أنّه لو تجددت القدرة بعد الدخول في الركوع ، فصّل الماتن قدس‌سره حينئذ بين ما إذا كان ذلك بعد تمام الذكر فيجب الانتصاب للارتفاع منه تحصيلاً للقيام بعد الركوع ، وبين ما إذا كان قبل الإتمام ، سواء لم يأت بالذكر أصلاً أو لم يستكمله ، فيجب حينئذ أن يرتفع منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي كي يأتي بالذكر الواجب فيه ، ولا يجوز له الانتصاب ثم الركوع كي لا تلزم زيادة الركوع.

أقول : أمّا ما ذكره قدس‌سره من الانتصاب في الصورة الاولى فلا دليل عليه ، لأنّ الواجب إنّما هو رفع الرأس عن الركوع إلى حدّ الانتصاب المناسب للركوع ، فان كان الواجب هو الركوع عن قيام كان اللازم الانتصاب القيامي وإن كان عن جلوس لزم الانتصاب الجلوسي ، وليس الانتصاب القيامي واجباً حتى في الركوع الجلوسي بالضرورة ، كما لا يجدي الانتصاب الجلوسي في الركوع‌

٢٥٢

القيامي ، ولذا لو انتقل عن هيئة الركوع إلى الجلوس منتصباً من دون تخلل القيام لم يأت بالواجب ، ولا يمكن تداركه أيضاً للإخلال بالاتصال.

وبالجملة : الواجب من القيام بعد الركوع الانتصاب عن كل ركوع بحسبه على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية من الركوع القيامي أو الجلوسي ، وحيث إنّ المفروض صحة ما صدر عنه من الركوع الجلوسي ، فلا يجب في القيام المعتبر بعده إلاّ الانتصاب الجلوسي على ما عرفت ، فلا وجه للقيام أصلاً.

وأمّا ما ذكره في الصورة الثانية ، من أنّه يرتفع منحنياً ويقوم متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي فهو أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لما تقدم غير مرّة من تقوّم الركوع بالانحناء عن قيام ، ولذا قلنا بدخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع ، فانّ مجرّد هذه الهيئة غير المسبوقة بالقيام ليست من حقيقة الركوع في شي‌ء ، وإنّما هي على صورة الركوع وشكله ، وعليه فالارتفاع متقوِّساً لا ينفع ، إذ لا يتحقق معه الركوع القيامي ، كما أنّ الانتصاب والإتيان بالركوع القيامي غير جائز لاستلزامه زيادة الركوع كما صرّح به قدس‌سره ، فلا مناص له من إتمام الذكر في نفس هذا الركوع الجلوسي المفروض صحته ثم الانتصاب عنه جالساً كما مرّ آنفاً ثم إتمام الصلاة حسب الوظيفة الاختيارية.

ومنها : أنّه لو تجددت القدرة بعد رفع الرأس من الركوع ، ذكر في المتن أنّه لا يجب عليه القيام للسجود ، لكون انتصابه الجلوسي بدلاً عن الانتصاب القيامي.

وهذا هو الصحيح كما عرفت وجهه آنفاً من أنّ الانتصاب عن كل ركوع بحسبه ، والمفروض أنّ وظيفته هي الركوع الجلوسي. نعم ، الأحوط القيام للسجود عنه كما أشار إليه في المتن ، لاحتمال دخل ذلك في السجود ، لا كونه من توابع الركوع ، وسيجي‌ء مزيد توضيح له في محلّه إن شاء الله تعالى ، هذا كله في فرض الضيق.

٢٥٣

وأمّا في السعة : فمقتضى إطلاق كلماتهم الحكم بالصحة هنا أيضاً ، فيتم صلاته حسب الوظيفة الاختيارية ويجتزئ بها ، وكأنهم اعتمدوا في ذلك على استفادة الإطلاق من أدلة البدلية ، فالجزء الاضطراري مجزئ ، سواء أتمكن من الاستئناف لسعة الوقت أم لا.

لكنك عرفت النقاش في ثبوت هذا الإطلاق فلا نعيد ، ولذا لم نقل بإجزاء الأوامر الاضطرارية عن الواقعية ، وإن قلنا بجواز البدار لذوي الأعذار.

فالتحقيق في المقام أن يقال : إنّ من تجددت له القدرة أثناء الصلاة إمّا أن يتمكن من التدارك من دون حاجة إلى الإعادة أو لا.

فالأوّل : كما لو كبّر قائماً وهو قادر ثم طرأ العجز فجلس وقرأ ، ثم تجددت القدرة فقام قبل الركوع ، فانّ هذه الصلاة لا نقص فيها إلاّ من حيث وقوع القراءة حال الجلوس فيتداركها ويعيدها قائماً ، ولا يلزم منه إلاّ زيادة القراءة والجلوس ، وهي زيادة غير مبطلة ، لكونه معذوراً فيها فيشملها حديث لا تعاد.

وأمّا الثاني : أعني ما يتوقف التدارك على الإعادة ، فإن كان ذلك من جهة استلزام التدارك زيادة الركن وجبت الإعادة ، كما لو تجددت القدرة بعد الركوع ، فإنّ الوظيفة حينئذ الإتيان بالركوع القيامي ، فان أتى به لزم زيادة الركوع لتكرره ، وإن اقتصر على ما أتى به لزم الإخلال بالوظيفة الفعلية ، فلا مناص من الإعادة.

وأمّا إذا كان ذلك من جهة الإخلال بالقيام غير الركني ، كما لو طرأ العجز وهو في الركوع القيامي فجلس سواء سجد أم لا ـ ، ثم تجددت القدرة ، فإنّه قد أخلّ بالقيام الواجب بعد الركوع ، وهو وإن لم يكن ركناً إلاّ أنّه لا يسعه التدارك ، لأنّ الواجب هو القيام المتصل بالركوع ، أعني رفع الرأس عنه منتصباً لا مطلق القيام ، وهذا لا يمكن تحصيله فعلاً إلاّ بإعادة الركوع المستلزم لزيادة‌

٢٥٤

[١٤٨٨] مسألة ٢٨ : لو ركع قائماً ثم عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصباً (*) ثم سجد ، وإن كان قبل الذكر هوى متقوّساً (**) إلى حدّ الركوع الجلوسي ثم أتى بالذكر (١).

______________________________________________________

الركن ، فمقتضى القاعدة حينئذ هو الإعادة.

إلاّ أنّ مقتضى حديث لا تعاد عدمها ، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة فلأجل ذلك يحكم بالصحة وسقوط اعتبار القيام بعد الركوع في هذا الحال عملاً بالحديث المزبور.

(١) فصّل قدس‌سره حينئذ بين ما إذا كان ذلك بعد تمام الذكر ، فيجلس منتصباً ثم يسجد تحصيلاً للانتصاب الجلوسي الذي هو بدل عن الانتصاب القيامي الواجب بعد الركوع ، وبين ما كان قبله فيهوي متقوّساً إلى حدّ الركوع الجلوسي ثم يأتي بالذكر.

وفي كلا الشقين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل : فلما عرفت قريباً من أنّ القيام بعد الركوع ليس واجباً مستقلا بنفسه ، وإنّما اللازم رفع الرأس عن الركوع إلى أن يبلغ حدّ الانتصاب ، فان كانت الوظيفة الركوع القيامي وجب الانتصاب قائماً ، وإن كانت الركوع الجلوسي وجب الانتصاب جالساً ، فلا يجب بعد أيّ ركوع إلاّ الانتصاب المناسب له ، فان تمكن منه وإلاّ سقط بالعجز.

وحيث إنّ وظيفته في مفروض الكلام الركوع القيامي ، وهو عاجز عن رفع الرأس عنه إلى حد الانتصاب القيامي ، فيسقط وجوبه لا محالة بالتعذر ، ولا‌

__________________

(*) في وجوبه إشكال بل منع.

(**) في وجوبه إشكال والأظهر عدم وجوبه.

٢٥٥

[١٤٨٩] مسألة ٢٩ : يجب الاستقرار حال القراءة والتسبيحات (١)

______________________________________________________

دليل على بدلية الانتصاب الجلوسي عن الانتصاب القيامي ، لما عرفت من عدم وجوب ذاك القيام مستقلا وإنّما الواجب رفع الرأس عن الركوع ، والانتصاب عن كل ركوع بحسبه وقد سقط الانتصاب القيامي بالتعذّر ، والانتصاب الجلوسي لا يجب إلاّ عن الركوع الجلوسي الذي لا مورد له في المقام.

فالأقوى عدم الحاجة إلى الجلوس منتصباً ، بل يهوي إلى السجود ويتم صلاته.

وأمّا الثاني : فلأنّ أصل الركوع قد أتى به على الفرض ، ولم يبق عليه إلاّ الذكر الواجب حاله ، غير الدخيل في حقيقة الركوع قطعاً ، وهو ساقط بالتعذر وأمّا الهوي متقوّساً إلى حد الركوع الجلوسي ، فان كان ذلك ركوعاً آخر فيلزم زيادة الركن ، وإلاّ فهو عبث لا فائدة فيه.

فالأقوى عدم الحاجة إليه ، وسقوط الذكر لتعذر محله كما عرفت.

(١) تقدّم (١) التعرّض لذلك في بعض المباحث السابقة ، وأشرنا إلى مستند الحكم في وجوب الاستقرار بكلا معنييه ، أعني ما يقابل المشي وهو موثقة السكوني الآمرة بالكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ (٢) ، وما يقابل الاضطراب من قوله عليه‌السلام « وليتمكن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة » (٣) الظاهر في مفروغية اعتبار التمكّن والاطمئنان فيها ومن الإجماع الذي هو العمدة في المقام كما سبق.

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

٢٥٦

وحال ذكر الركوع والسجود ، بل في جميع أفعال الصلاة وأذكارها ، بل في حال القنوت والأذكار المستحبة (*) ، كتكبيرة الركوع والسجود ، نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به ، وكذا لو سبّح أو هلّل فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهوي له ، أو للسجود كذلك ، أو في حال النهوض يشكل صحته ، فالأولى لمن يكبّر كذلك أن يقصد الذكر المطلق نعم ، محل قوله « بحول الله وقوّته » حال النهوض للقيام.

______________________________________________________

وهذا لا إشكال فيه ، كما لا خلاف بالنسبة إلى القراءة والأذكار الواجبة في القيام والقعود ، والركوع والسجود ، وإنّما الكلام في اعتباره في الأذكار المستحبة. فعن السيّد الطباطبائي قدس‌سره في ارجوزته (١) دعوى الإجماع على اعتباره فيها أيضاً ، مفسّراً اعتباره فيها بالوجوب الشرطي الذي لا ينافي الاستحباب.

وادعاه صاحب الجواهر أيضاً (٢) ، مستشهداً بمقالة السيّد قدس‌سره ولم تنقل دعواه عن غيرهما.

والاعتماد في تحققه على هذا المقدار مشكل جدّاً ، سيّما وكلمات قدماء الأصحاب خالية عن التعرّض لذلك رأساً ، إذ قد أهملوا التنبيه على هذا الشرط في مباحث القنوت وسائر الأذكار المستحبة ، واقتصروا فيه على الواجب منها فحسب وليس لمعقد الإجماع إطلاق يعم المستحبات كما لا يخفى.

بل لو فرضنا وجوده ، بل التصريح بالإطلاق وأنّ الاستقرار شرط في تمام‌

__________________

(*) الظاهر عدم وجوب الاستقرار فيها وفي القنوت.

(١) الدرة النجفية : ٩٦.

(٢) الجواهر ٩ : ٢٦٠.

٢٥٧

أجزاء الصلاة مطلقاً مع أنّه لم يوجد قطعاً لما صحّ الاعتماد عليه في انسحاب الحكم إلى المستحبات ، لما عرفت فيما سبق من أنّا لا نعقل فرض الجزء الاستحبابي للمنافاة الظاهرة بين الجزئية والاستحباب ، فماهية الصلاة لا تتألف إلاّ من الأجزاء الواجبة وهي ليست اسماً إلاّ لها. وأمّا المستحبات فهي ليست إلاّ أُموراً عبادية ظرفها الصلاة وليست منها في شي‌ء ، وإطلاق الجزء عليها مبني على ضرب من المسامحة.

وعليه فإطلاق القول باعتبار الاستقرار في الصلاة لا يراد به إلاّ الأذكار الواجبة دون المستحبة ، فالأقوى عدم اعتبار الاستقرار فيها.

نعم ، لا يجوز له الإتيان بتكبيرة الركوع أو السجود حال الهوي إليهما ، إلاّ أن يقصد بها مطلق الذكر ، لا لاعتبار الاستقرار فيها ، وإن رتّبه عليه في المتن ، بل لأنّ هذه الأذكار يختص محلها المقرر لها شرعاً بما قبل الدخول في الركوع أو السجود ، أعني حال الانتصاب ، فالإتيان بها في حال الهوي إتيان بها في غير محلها الموظف لها ، فتبطل بمعنى عدم مطابقتها للمأمور به ، بل قد يكون حراماً إذا قصد بها التشريع ، وحينئذ يقع الكلام في بطلان الصلاة بها ، لا من أجل صدق الزيادة القادحة ، لأنّ صدق الزيادة متقوّم بقصد الجزئية ، وقد عرفت آنفاً امتناع هذا القصد في المستحبات للتنافي بين الاستحباب والجزئية ، بل من جهة التكلم بالذكر المحرّم ، بدعوى شمول كلام الآدمي المبطل لذلك ، وسيجي‌ء التعرض له في محله مفصّلاً إن شاء الله تعالى.

وكيف كان ، فالأولى لمن أراد الإتيان بها حال الهوي أن يقصد بها الذكر المطلق كما نبّه عليه في المتن. نعم ، محل قوله : بحول الله وقوّته ، حال النهوض للقيام ، فلا يعتبر فيه الاستقرار كما هو ظاهر ، وقد أشار إليه في المتن أيضاً.

٢٥٨

[١٤٩٠] مسألة ٣٠ : من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه (١) وإلاّ وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مرّ (*).

[١٤٩١] مسألة ٣١ : من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس (٢) نعم ، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء وهو أن يرفع فخذيه وساقيه وإذا أراد أن يركع ثنى رجليه ، وأمّا بين السجدتين وحال التشهد فيستحب أن يتورّك.

______________________________________________________

(١) فانّ اعتبار المساواة بين موقف المصلي وموضع سجوده وعدم الاختلاف أكثر من مقدار أربع أصابع شرط مختص بحال التمكّن ، فيسقط اعتباره لدى العجز. وأمّا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ، فقد تقدم أنّه على القول به يختص بالصلاة مستلقياً ، ولا يعمّ مطلق العاجز عن السجود. مع أنّه لا يتم فيه أيضاً ، لضعف مستنده كما مرّ مفصلاً فلاحظ (١).

(٢) لإطلاق الأمر بالجلوس في النصوص. مضافاً إلى التصريح به في صحيحة عبد الله بن المغيرة وصفوان وابن أبي عمير عن أصحابهم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الصلاة في المحمل ، فقال : صل متربّعاً وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك » (٢) نعم ، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء ، وهو كما فسّره في المتن أن يرفع فخذيه وساقيه ويجلس على أليتيه. وهذا لم يرد به نص ، نعم ورد في حسنة حمران بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : كان أبي إذا صلى جالساً تربّع ، فاذا ركع ثنى رجليه » (٣) بناءً على تفسير التربّع بذلك كما هو‌

__________________

(*) وقد مرّ أنّه لا يبعد عدم وجوبه.

(١) ص ٢٢٨ ، ٢٣٦.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٢ / أبواب القيام ب ١١ ح ٥.

(٣) الوسائل ٥ : ٥٠٢ / أبواب القيام ب ١١ ح ٤.

٢٥٩

[١٤٩٢] مسألة ٣٢ : يستحب في حال القيام أُمور :

أحدها : إسدال المنكبين. الثاني : إرسال اليدين. الثالث : وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين ، اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر. الرابع : ضم جميع أصابع الكفّين. الخامس : أن يكون نظره إلى موضع سجوده. السادس : أن ينصب فقار ظهره ونحره. السابع : أن يصفّ قدميه مستقبلاً بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأُخرى ولا تنقص عنها. الثامن : التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرّجات أو أزيد إلى الشبر. التاسع : التسوية بينهما في الاعتماد العاشر : أن يكون مع الخضوع والخشوع كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل.

______________________________________________________

المشهور وإن لم يساعده كلام اللغويين.

ففي المجمع (١) تفسير التربّع بأن يقعد على وركيه ، ويمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه ، وقدمه إلى جانب يساره ، واليسرى بالعكس ، وإن كان الظاهر عدم الاختصاص بهذه الكيفية ، بل هي من أحد معانيه ، بل قد ذكر في القاموس (٢) أنّ التربع في الجلوس خلاف جثى واقعي ، الظاهر في شموله لجميع الهيئات عدا الجلوس جاثياً ومقعياً ، ولعل الوجه في تفسير المشهور والحمل على ذاك المعنى كونه أنسب بمقام العبودية والخضوع ، لكونه أقرب إلى القيام والمثول بين يدي المولى.

وقد يطلق التربع على وضع إحدى القدمين على الركبة والأُخرى تحت الفخذ وهو جلوس المتكبرين الجبابرة كما قيل ، فلا يمكن إرادته من الحسنة كما لا يخفى.

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ٣٣١.

(٢) القاموس ٣ : ٢٧.

٢٦٠