موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ويجب الانحناء للركوع والسجود بما أمكن (*) (١).

______________________________________________________

استناداً تارة إلى النصوص المتقدمة (١) الناطقة بأنّ العاجز عن الصلاة جالساً يصلي مستلقياً ، وقد عرفت أنّها بأجمعها ضعيفة السند. وأُخرى إلى ما أرسله الصدوق من النبوي المتقدم (٢) المصرّح بأنّ العاجز عن الجانب الأيسر يصلي مستلقياً ، وضعفه أيضاً ظاهر.

والأولى أن يستدل له : بأنّ ذلك هو مقتضى ما دلّ على اعتبار الاستقبال في الصلاة ، ضرورة أنّه بعد فرض العجز عن كل من الجانبين ، فمراعاة الاستقبال لا تتيسّر إلاّ بالاستلقاء.

(١) فمن يصلِّي جالساً بل قائماً أيضاً كفاقد الساتر إذا كان عاجزاً عن الركوع أو السجود ينحني إليهما بقدر الإمكان ، ولا يجب الإيماء حينئذ ، وإنّما يجب مع العجز عنه أيضاً.

وعن بعضهم : وجوب الجمع بين الانحناء والإيماء ، ولكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم.

أمّا في المتن ، فلأنه إنّما يتّجه مع صدق الركوع أو السجود على الانحناء المزبور ، ولو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه ، وأمّا مع عدم الصدق فلم يعرف وجهه ، بل ظاهر النصوص الآتية ، وكذلك الروايات المتقدمة في كيفية الصلاة عارياً انتقال العاجز عن الركوع أو السجود إلى الإيماء ، لخلوّها عن ذكر الانحناء وحملها على صورة العجز عنه أيضاً كما ترى ، إذ لا موجب لارتكاب التقييد‌

__________________

(*) هذا فيما إذا صدق على الانحناء الركوع أو السجود ولو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه ، وإلا لم يجب الانحناء.

(١) في ص ٢١٦.

(٢) في ص ٢١٩.

٢٢١

ومع عدم إمكانه (١) يومئ برأسه (*) (٢).

______________________________________________________

بعد كونها بأسرها مطلقة وعدم نهوض ما يستوجبه بوجه.

وأمّا ما عن ذلك البعض ، فلعدم وضوح مستند للجمع ما عدا قاعدة الميسور التي هي غير تامة في نفسها. مضافاً إلى منع الصغرى ، بداهة أنّ الانحناء المزبور مقدمة للوصول إلى حدّي الركوع والسجود ، فهو خارج عن حقيقتهما وليس من مراتبهما ليعدّ ميسوراً لهما. إذن فالانحناء المذكور غير واجب لا بنفسه ، ولا بضميمة الإيماء.

(١) ولو لأجل العسر والحرج الرافعين للتكليف.

(٢) سواء أكانت وظيفته الصلاة جالساً ، أم مضطجعاً ، أم مستلقياً.

أمّا الأوّل : فلإطلاق صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال : يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » (١) فإنّ إطلاقها يشمل مستطيع الجلوس وعدمه ، ومقتضاه أنّ من استطاعة فكانت وظيفته الصلاة جالساً ولم يستطع السجود يومئ إليه ، ويلحق به الإيماء للركوع ، للقطع بعدم

الفرق ، وحيث إنّ المراد من عدم الاستطاعة ما يشمل الحرج والمشقة لا عدم الاستطاعة العقلية خاصة كما أشرنا إليه ، فمن ثمّ حكم في ذيل الصحيحة أنّ تحمّل المشقة والإتيان بنفس السجود أحب إليه عليه‌السلام.

وعليه فينبغي الاستدلال للمطلوب بهذه الصحيحة ، ومعه لا حاجة إلى الاستدلال بالعلم الخارجي ببدلية الإيماء عنهما ، وأنّه مع العجز عن المبدل منه‌

__________________

(*) على الأحوط وجوباً.

(١) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ٢.

٢٢٢

ينتقل إلى البدل ، فانّ هذا العلم وإن كان موجوداً إلاّ أنّ الاستدلال بالنص الخاص أولى كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلموثقة عمّار المتقدمة حيث ورد فيها قوله عليه‌السلام « ... ثم يومئ بالصلاة إيماءً » (١) المؤيّدة بما تقدم من مرسلة الصدوق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فانّ قوله في ذيلها « وأومأ إيماءً ... » إلخ (٢) يرجع إلى جميع ما تقدّم ، لا خصوص الاستثناء ، فيشمل المضطجع على أحد جانبيه.

ثم إن المضطجع المزبور لو تمكن من أن ينقلب على وجهه ويسجد فهل يتعين عليه ذلك ، وإن استوجب الإخلال بالاستقبال ، أو أنّ وظيفته الإيماء إليه مراعياً للقبلة. وبعبارة اخرى : لو دار الأمر بين مراعاة السجود وبين مراعاة الاستقبال مومئاً إليه فأيّهما المقدّم؟

الظاهر هو الثاني ، لإطلاق موثقة عمّار ، حيث لم يقيّد الأمر بالإيماء فيها بصورة العجز عن السجود المزبور فلاحظ.

وأمّا الثالث : فلموثقة عمار أيضاً ، قال عليه‌السلام في ذيلها « ... فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً » ، فإنّه من الواضح أنّ من جملة ما قدر هو الصلاة مستلقياً فعليه الإيماء.

وأوضح منها : موثقة سماعة قال : « سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً ، أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام إلاّ إيماءً وهو على حاله ، فقال : لا بأس بذلك وليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحله لمن اضطر إليه » (٣) فإنّها صريحة في أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٣ / أبواب القيام ب ١ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨٥ / أبواب القيام ب ١ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٦.

٢٢٣

ومع تعذّره فبالعينين ، بتغميضهما (١).

______________________________________________________

وظيفة المستلقي هي الإيماء.

والعجب من صاحب الحدائق أنّه مع نقله لهاتين الروايتين (١) كيف ادعى اختصاص نصوص الإيماء بالاضطجاع ، وأنّه لم يرد في الاستلقاء إلاّ غمض العينين (٢) مع أنّ موثقة سماعة صريحة في وجوب الإيماء (٣) لدى الاستلقاء وموثقة عمار دالة عليه بالإطلاق كما سمعت.

(١) ويستدل له بمرسلة الصدوق قال : قال الصادق عليه‌السلام : « يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً ، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً يكبّر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثم سبّح ، فاذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثم سبّح فاذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف » (٤) بعد التعدي عن موردها وهو الاستلقاء إلى الاضطجاع ، بعدم القول بالفصل.

وقد أسندها في الجواهر (٥) إلى بزيع المؤذّن ، ولكنه سهو من قلمه الشريف‌

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٧٢ ، ٧٥.

(٢) الحدائق ٨ : ٨٠.

(٣) لكنّها في الحدائق تبعاً للتهذيب ٣ : ٣٠٦ خالية عن ذكر الإيماء وإنّما هو مذكور في الفقيه [ ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٥ ] ، ولعل صاحب الحدائق لم يطلع عليه ، ومنه تعرف أنّ ما في الوسائل من نسبته إلى الشيخ في غير محله.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٤ / أبواب القيام ب ١ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٣.

(٥) الجواهر ٩ : ٢٦٧.

٢٢٤

ولعلّ الذي أوقعه في الاشتباه هو أنّ صاحب الوسائل روى قبل المرسلة بلا فصل رواية أُخرى عن بزيع ، فاشتبه وألحق متن إحداهما بسند الأُخرى.

وكيف ما كان ، فالرواية من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال ، ولا نقول بالانجبار ، وإسناد الصدوق لها إلى الصادق عليه‌السلام بضرس قاطع لا يقتضي أزيد من اعتقاده بذلك لا متابعتنا له في ذلك.

والأولى : أن يستدل له بوجه آخر ، وهو أنّا قد علمنا من صحيحة زرارة الواردة في باب المستحاضة (١) المعتضدة بما في موثقة عمّار المتقدمة (٢) من قوله عليه‌السلام « ... فكيف ما قدر فإنّه له جائز » أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، وأنّه يأتي مهما أمكن بما قدر منها وتيسّر ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى ، قد علمنا من حديث التثليث (٣) وغيره من النصوص أنّ الركوع والسجود من مقوّمات الصلاة الدخيلة في صدق اسمها وتحقيق ماهيتها ، كما وعلمنا أيضاً أنّ الشارع قد جعل لدى العجز عنهما بدلاً يعدّ مرتبة نازلة عنهما وهو الإيماء بالرأس.

إذن يستنتج من هاتين المقدمتين أنّ الشارع الأقدس لا بدّ وأن يجعل بدلاً آخر لدى العجز عن هذا البدل ، حذراً عن الإخلال بماهية ما لا يسقط بحال وحيث لا يحتمل أن يكون ذاك البدل شيئاً آخر غير غمض العينين من الإيماء باليد أو الرجل مثلاً سيّما وأنّ الإيماء بالعينين أقرب إلى الإيماء بالرأس من غيره ، مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه فلا جرم كان هو المتعيّن ، فليتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) في ص ٢١٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

٢٢٥

وليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه (*) (١) ،

______________________________________________________

(١) على المشهور ، بل عن الذكرى (١) نسبته إلى الأصحاب ، فإن تمّ الإجماع التعبّدي ولا يتم وإلاّ فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً ، لضعف ما استدل له فإنّه أُمور :

منها : مرسلتا الصدوق النبوية والعلوية (٢) ففي أُولاها : « ... وجعل سجوده أخفض من ركوعه » ، وفي الثانية : « ... ويجعل السجود أخفض من الركوع ».

ولكن الإرسال مانع عن الاستدلال ، ولا نقول بالانجبار.

ومنها : خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه « قال : من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٣).

وهي مضافاً إلى ضعف سندها بأبي البختري واردة في المتمكّن من الركوع والسجود ، غير أنّه يتركهما لمانع ، فكيف يتعدى إلى غير المتمكّن لمرض ونحوه كما في المقام.

ومنها : موثقة سماعة قال : « سألته عن الصلاة في السفر إلى أن قال ـ

__________________

(*) فيه إشكال والأظهر عدم وجوب ذلك.

(١) الذكرى ٣ : ٢٧٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨٥ / أبواب القيام ب ١ ح ١٥ ، ١٦ ، الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧ ، ١٠٣٨.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

٢٢٦

وليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلاً ، وإن كان راكباً فليصلّ على دابته وهو راكب ، ولتكن صلاته إيماءً ، وليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه » (١). ولكن موردها النافلة ، والمتمكّن من الركوع والسجود في حدّ نفسه وإن لم يتيسر له حال الركوب ، فلا يمكن التعدي إلى صلاة الفريضة ومن هو عاجز في نفسه.

ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي على راحلته ، قال : يومئ إيماءً ، يجعل السجود أخفض من الركوع » (٢).

وصحيحته الأُخرى قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : أوم إيماءً واجعل السجود أخفض من الركوع » (٣).

وصحيحته الثالثة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام إلى أن قال قلت : يصلي وهو يمشي؟ قال : نعم ، يومئ إيماءً ، وليجعل السجود أخفض من الركوع » (٤). لكن الظاهر أنّ مورد هذه الصحاح هو النافلة أيضاً. على أنّ موردها المتمكن كما عرفت فلا سبيل للتعدي منها إلى المقام.

فالمتحصّل : أنّه لا دليل على مراعاة الأخفضية ، بل الظاهر عدم وجوبها وإن كانت أحوط.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٣١ / أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٣٢ / أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٣٥ / أبواب القبلة ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٣٥ / أبواب القبلة ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

٢٢٧

ويزيد في غمض العين للسجود (*) على غمضها للركوع (١) ، والأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة (**) (٢).

______________________________________________________

(١) كما عن جماعة ولعله المشهور ، وكأنّه إيماءً للفرق بين الإيماءين بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، ولكنه كما ترى ، إذ لا دليل على لزوم رعاية الفرق المزبور بعد خلوّ النص عنه ، فانّ الواجب بمقتضى الإطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب ، ولا دليل على الزيادة عليه ، سواء أُريد بها تطويل الغمض أو تشديده.

(٢) في المسألة أقوال خمسة : وجوب الوضع تعييناً ، التخيير بينه وبين الإيماء ، لزوم الجمع بينهما ، أفضلية ضمّ الوضع إلى الإيماء ، بدلية الوضع عن الإيماء.

أمّا القول الأوّل : فيستدل له بموثقة سماعة المتقدمة قال : « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزئ عنه ، ولم يكلف الله ما لا طاقة له به » (١).

وفيه أوّلاً : أنّها معارضة بإطلاق النصوص الدالة وهي في مقام البيان على أنّ وظيفة العاجز عن الركوع والسجود إنّما هي الإيماء ، وحملها على ما إذا لم يتمكن من وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ولو بالاستعانة من الغير الميسورة غالباً حمل على الفرد النادر جدّاً ، فكيف يمكن حمل تلك الروايات الكثيرة وهي في مقام بيان تمام الوظيفة على ذلك.

__________________

(*) الظاهر عدم وجوبها.

(**) لا يبعد جواز تركه ، وأمّا الإيماء بالمساجد فلم نتصور له معنى معقولاً.

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٥.

٢٢٨

وثانياً : أنّ الموثقة في نفسها غير قابلة للدلالة على الوجوب التعييني ، لظهور القضية الشرطية في قوله عليه‌السلام : « وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد » في أنّه بعد حصول الشرط وتحقق السجود خارجاً يجب عليه الوضع المزبور فكأنه مأمور بالسجود أوّلاً ، وبالوضع ثانياً ، وحيث إنّ السجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض ، فلا جرم يراد به بدله وهو الإيماء ، فيكون محصل المعنى أنّه إذا أومأ يضع شيئاً على جبهته. إذن لا يمكن أن يراد خصوص الوضع من دون الإيماء كما هو المدعى.

بل إنّ دقيق النظر يقضي بلزوم رد علم الموثقة إلى أهله ، لأنّ حمل السجود فيها على معناه الحقيقي ليجب الجمع بينه وبين الوضع على الجبهة مقطوع العدم كيف ولازمه أن يكون المريض أسوأ حالاً وأشق تكليفاً من الصحيح وهو كما ترى.

وتوجيهه : بأنّ سجود المضطجع المريض لمّا كان فاقداً لشرائط الصحة غالباً فمن ثمّ أُمر بوضع شي‌ء على جبهته أيضاً ، بعيد جدّاً كما لا يخفى.

فلا مناص من أن يراد به إمّا بدله وهو السجود التنزيلي أعني الإيماء ، أو إرادته يعني متى أراد أن يسجد فليضع شيئاً على جبهته بدلاً عنه.

أمّا الثاني ، فقد عرفت معارضته مع نصوص بدلية الإيماء ، وعرفت أيضاً أنّ حمل تلك النصوص على صورة العجز عن الوضع المزبور حمل للمطلق على الفرد النادر ، فتسقط الموثقة من أجل المعارضة وعدم المقاومة تجاهها.

وأمّا الأوّل ، فغير واضح أيضاً ، لأنّ حمل السجود على الإيماء الذي هو خارج عن مفهومه يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، ومجرد بدليته عنه لدليل خاص لا يستوجب حمل اللفظ عليه عند الإطلاق. إذن لا نعقل معنى صحيحاً للموثقة ولا بدّ من رد علمها إلى أهله.

٢٢٩

وبمضمون الموثقة مرسلة الفقيه قال : « وسئل عن المريض لا يستطيع الجلوس أيصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئاً؟ قال : نعم ، لم يكلفه الله إلاّ طاقته » (١).

ولكنها مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة ، إذ الحكم بالوضع لم يذكر إلاّ في كلام السائل ، وجواب الإمام عليه‌السلام بقوله : « نعم » لا يدل على الوجوب ، لجواز إرادة الاستحباب بل مطلق الجواز ، وأنّه أمر سائغ لا يضرّ بصلاته فليتأمل.

ولعلّ نظر الفقيه في هذه المرسلة إلى تلك الموثقة بقرينة ما في ذيلها من أنّه لا يكلّف الله إلاّ طاقته. وكيف ما كان ، فالعمدة هي الموثقة وقد عرفت ما فيها.

وأمّا القول الثاني : فيستدل له بأنّه مقتضى الجمع بين الموثقة وبين نصوص الإيماء ، بعد رفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني فينتج التخيير بينهما.

وفيه : أنّ كثرة نصوص الإيماء الواردة في الموارد المتفرّقة ، وأوضحيّتها في الدلالة على البدلية ، بعد كونها في مقام بيان تمام الوظيفة ، يعطي لها قوة ظهور في إرادة الوجوب التعييني بحيث لا تقبل الحمل على التخيير ، لا سيّما مع جواز أن يكون المراد من السجود في الموثقة الإيماء إليه ، لتضمّنها حينئذ الأمر بالوضع في فرض الإيماء ، فكيف تحمل على التخيير بينهما.

وأمّا القول الثالث : فيستدل له بأنّه مقتضى تقييد إطلاقات الإيماء بالموثقة ، فانّ نتيجته وجوب الجمع بينهما.

وربما يجاب عنه : بمعارضته مع صحيحتي زرارة والحلبي الظاهرتين في استحباب الوضع زائداً على الإيماء ، ففي الأُولى عن أبي جعفر ( عليه‌السلام )

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٥ / أبواب القيام ب ١ ح ١٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٤.

٢٣٠

قال : « سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال : على خمرة ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه إليه ، هو أفضل من الإيماء » (١).

وفي الثانية : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » (٢).

وفيه : أنّهما غير ناظرتين إلى ما هو محل الكلام من وضع شي‌ء على الجبهة مع الإيماء ، بل المراد أنّ من كان السجود حرجياً بالنسبة إليه فله أن يومئ بدلاً عنه ، ولكنه مع ذلك إذا تحمّل المشقة وسجد على الأرض أو على غيرها قدر ما يطيق فهو أفضل ، وقد تقدم (٣) هذا المعنى عند التكلم حول صحيحة الحلبي. وبالجملة : محل كلامنا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ، لا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، فلا ارتباط للصحيحتين بالمقام.

فالأولى أن يجاب : بما تقدم (٤) من أنّ الموثقة مطروحة ، لأنّها غير صحيحة المفاد فلا تنهض لتقييد المطلقات.

على أنّا لو تنازلنا وسلمنا دلالتها بعد ارتكاب التقييد المزبور على وجوب كلا الأمرين فلم يكن بدّ من رفع اليد عنها ، نظراً إلى أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل للابتلاء غالباً. وقد تعرّض الأصحاب لها القدماء منهم والمتأخرون ، فلو كان الوجوب ثابتاً لأصبح من الواضحات ، فكيف خلت منه فتاوى القدماء ولم يرد في شي‌ء من الروايات على كثرتها تنصيص عليه.

وممّا ذكرنا يظهر لك مستند القول الرابع مع جوابه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٦٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ٢.

(٣) في ص ٢٢٢.

(٤) في ص ٢٢٩.

٢٣١

والإيماء بالمساجد الأُخر أيضاً (١) ، وليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظّف فيصلي كيف ما قدر ، وليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار ، وإلاّ فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط (٢).

______________________________________________________

وأمّا القول الخامس فمستنده حمل ما دلّ على الوضع على صورة العجز عن الإيماء بشهادة خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الإيماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال : يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبّر هو » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بعبد الله بن الحسن أنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يذكر فيها وضع شي‌ء على الجبهة عند السجود ، ليتوهم أنّه بدل عن الإيماء لدى تعذره ، بل ذكر الوضع المزبور عند التكبير وهو أجنبي عن محل الكلام.

وقد تلخّص من جميع ما تقدّم : أنّ الوظيفة لدى العجز عن الركوع والسجود إنّما هي الإيماء إليهما فحسب ، استناداً إلى المطلقات التي هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد ، وأمّا الوضع فلم يثبت استحبابه فضلاً عن وجوبه.

(١) هذا مضافاً إلى أنّه لم يتصوّر له معنى معقول لم ينهض عليه دليل مقبول لاختصاص الدليل بالإيماء بالرأس أو العين ، ولم يرد ما يشمل سائر الأعضاء.

(٢) هذا وجيه بالإضافة إلى أصل الصلاة ، فإنّها لا تسقط بحال ، وأمّا بالنسبة إلى الركوع والسجود إذا لم يتمكن منهما ولا من بدلهما أعني الإيماء إليهما بالرأس أو العين فقد ذكر كاشف الغطاء قدس‌سره أنه يومئ بسائر أعضائه (٢).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ٢١.

(٢) كشف الغطاء : ٢٤١ السطر الأخير.

٢٣٢

[١٤٧٦] مسألة ١٦ : إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس وركع جالساً (١)

______________________________________________________

لكنك عرفت آنفاً أنّه لا دليل عليه ، فانّ من البديهي خروج الإيماء عن مفهوم الركوع والسجود ، فلا بدّ في بدليته عنهما من إقامة الدليل ، وهو مختص بالإيماء بالرأس أو بالعين ، وأمّا الإيماء بسائر الأعضاء ، فلا دليل عليه.

ومن ثم كان العاجز عن البدل المزبور غير قادر على الركوع والسجود رأساً فيكون كفاقد الطهورين ، حيث إنّ الركوع والسجود كالطهارة من المقوّمات الدخيلة في صدق الماهية ، كما يكشف عنه حديث التثليث (١) ، فلو قلنا بسقوط الصلاة عن فاقد الطهورين قلنا بسقوطها في المقام أيضاً ، لوحدة المناط وقضائها بعد ذلك ، وإن كان الأحوط الجمع بين القضاء وبين أن يأتي في الوقت بالمقدور من أجزاء الصلاة.

(١) لا ريب أنّ من تمكن من القيام لا تسوغ له الصلاة جالساً لقوله عليه‌السلام : « إذا قوي فليقم » (٢) ، وأمّا إذا تمكن منه وعجز عن الركوع قائماً فقد ذكر قدس‌سره أنّه يجلس ويركع جالساً. وهذا وإن لم يرد به نص بالخصوص لكنه مطابق للقاعدة ، فإنّ الركوع الجلوسي ركوع حقيقة ولا تنتقل الوظيفة إلى الإيماء إلاّ بعد العجز عن الركوع الحقيقي ، فأدلّة الإيماء غير شاملة للمقام والمفروض العجز عن الركوع القيامي ، فتتعيّن الوظيفة في الركوع جالساً (٣).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٣) ولكنّه يشكل بظهور دليل البدلية في كون الإيماء بدلاً عن الركوع الذي هو وظيفته

٢٣٣

وإن لم يتمكن من الركوع والسجود صلى قائماً وأومأ للركوع والسجود وانحنى لهما (*) بقدر الإمكان (١) وإن تمكّن من الجلوس جلس لايماء السجود (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا الإيماء فلا إشكال ، وقد تقدّم (١) أنّه بدل اضطراري عن الركوع والسجود. وأمّا الانحناء فليس عليه دليل ظاهر عدا قاعدة الميسور.

وفيه أوّلاً : أنّ القاعدة ممنوعة في نفسها.

وثانياً : مع التسليم فلا صغرى لها في المقام ، إذ الانحناء من مقدمات الركوع فهو مباين معه ، والمباين لا يعدّ من مراتب الشي‌ء كي يكون ميسوراً له كما لا يخفى.

وثالثاً : مع تسليم الكبرى والصغرى فلا مجال لها في المقام أيضاً ، إذ تدفعها إطلاقات أدلة الإيماء المعيّنة للوظيفة الفعلية ، ومن الواضح أنّ القاعدة إنّما تجري مع عدم تعيّن الوظيفة من قبل الشارع.

(٢) هذا لا دليل عليه أيضاً ، عدا كون الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة السجود‌

__________________

الشرعية حسب حالته الفعلية إن قائماً أو جالساً ، لا عن طبيعي الركوع ، فمن يصلي قائماً إنّما يومي فيما إذا كان عاجزاً عمّا لو كان قادراً عليه في هذه الحالة لفعل وهو الركوع القيامي دون الجلوسي ، كيف وهو وظيفة العاجز عن القيام وهذا قادر عليه حسب الفرض ومن ثمّ يومئ العاري قائماً ولا يركع جالساً ، وهكذا الحال في من يصلي جالساً ، وحيث إنّه موظّف في مفروض المسألة بالركوع القيامي وقد عجز عنه فلا جرم ينتقل إلى الإيماء كما صرّح ( دام ظلّه ) بذلك في تعليقته الشريفة على المسألة الثانية من مبحث الركوع وكذا في بحثه الشريف هناك على ما ضبطناه عنه في شرح العروة ١٥ : ٢٨ وصرّح ( دام ظلّه ) به أيضاً في المنهاج ، المسألة ٥٩٣ وفي المسائل المنتخبة ، المسألة ٢٩٢ ولم أعثر عاجلاً على موافق له.

(*) الظاهر عدم وجوبه وعدم وجوب الجلوس للإيماء إلى السجود.

(١) في ص ٢٢٢.

٢٣٤

وهو كما ترى وجه اعتباري لا يصلح مدركاً لحكم شرعي ، وقد عرفت النقاش في قاعدة الميسور من الوجوه الثلاثة ، فالأقوى عدم الوجوب.

وقد يقال : بوجوبه رعاية للجلوس الواجب بين السجدتين ، فانّ سقوطهما بالتعذّر الموجب للانتقال إلى الإيماء لا يستدعي سقوط الجلوس الواجب بينهما بعد فرض القدرة عليه.

وفيه أوّلاً : أنّ إطلاقات أدلّة الإيماء دافعة لهذا الاحتمال ، إذ مقتضاها أنّ وظيفة العاجز عن السجود إنّما هو الإيماء ليس إلاّ ، سواء تمكن من الجلوس بين السجدتين أم لا ، فعدم التقييد بذلك مع كونه عليه‌السلام في مقام بيان الوظيفة الفعلية يدفع احتمال وجوبه.

وثانياً : أنّ الجلوس بين السجدتين ليس واجباً مستقلا ، وإنّما هو بيان لحد رفع الرأس عن السجدة ردّاً لما زعمه أبو حنيفة (١) من كفاية مجرد الرفع كيف ما اتفق ولو بمقدار يسير يمكن إدخال شي‌ء فيما بين الجبهة والمسجد ولو بمقدار إصبع أو أقل ، بل قد ذهب إلى عدم وجوب الرفع أصلاً ، كما لو حفر وهو في حال السجدة حفيرة فوضع جبهته فيها ، وأنّ هذا المقدار كاف في صدق التعدّد فاشير في هذه الأخبار إلى عدم الكفاية وبطلان هذه المقالة ، وأنّ الحدّ الشرعي لرفع الرأس الموجب لتعدّد السجدة إنّما هو البلوغ حدّ الجلوس ، وعليه فالجلوس إنّما يجب في فرض وجوب السجود ، وأمّا مع سقوطه لتعذّره والانتقال إلى بدله وهو الإيماء ، فلا موضوع لوجوب الجلوس ، بل هو ساقط قطعاً ، فلا وجه لمراعاته.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ١ : ٥٩٨ ، المجموع ٣ : ٤٤٠.

٢٣٥

والأحوط وضع ما يصح السجود عليه (*) على جبهته إن أمكن (١).

[١٤٧٧] مسألة ١٧ : لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع والسجود (٢) فالأحوط تكرار الصلاة (**) ، وفي الضيق يتخير بين الأمرين.

______________________________________________________

(١) تقدّم الكلام فيه (١) ، وعرفت أنّ الأظهر عدم وجوبه ، وعلى تقدير الوجوب فهو خاص بالمضطجع لاختصاص الدليل به ، ولا يعمّ سائر موارد الإيماء كما مرّ تفصيله.

(٢) كما إذا انحصر موضع الصلاة في مكانين ، أحدهما ضيّق فلا يتمكن فيه من السجود والركوع ، والآخر قصير فلم يتمكن فيه من القيام ، وقد أفاد قدس‌سره أنّ الأحوط حينئذ تكرار الصلاة مع سعة الوقت وفي الضيق يتخيّر.

وما ذكره قدس‌سره مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه وأنّ الواجب هو المؤلّف من خصوص هذا ، أو خصوص ذاك ، فيجب الاحتياط بالتكرار عملاً بالعلم الإجمالي تحصيلاً للفراغ اليقيني عن التكليف المقطوع ، كما في موارد الدوران بين القصر والإتمام ، أو الظهر والجمعة ونحوهما.

هذا مع سعة الوقت ، وأمّا في الضيق فلا مناص من الاقتصار على أحدهما مخيّراً ، تنزّلاً عن الامتثال اليقيني المتعذر إلى الامتثال الاحتمالي الذي يستقل به العقل لدى العجز عن الأوّل ، هذا.

ولكنّك خبير بعدم انحصار أطراف العلم بما ذكر ، بل هناك احتمال ثالث وهو‌

__________________

(*) مرّ حكمه آنفاً.

(**) تقدم أنّ الأظهر هو التخيير مطلقاً.

(١) في ص ٢٢٨.

٢٣٦

التخيير واقعاً ، فانّ هذا الاحتمال يتطرّق في المقام بالوجدان من غير دافع. ومعه فلا علم بإحدى الخصوصيتين كي يجب الاحتياط بالتكرار ، بل تدفع كل منهما بأصالة البراءة ، فيكون مقتضى القاعدة هو التخيير ، لاندراج المقام في باب الدوران بين التعيين والتخيير ، والمختار فيه هو البراءة ، لرجوعه في الحقيقة إلى الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين كما مرّ مراراً ، فينبغي إذن ابتناء المسألة على الخلاف في أنّ الأصل الجاري في هذا الباب هل هو البراءة أو الاشتغال وقد عرفت أنّ الأوّل هو الصواب.

هذا ، ولشيخنا الأُستاذ قدس‌سره تعليقتان متهافتتان ، فحكم في تعليقته الأنيقة على المقام بتقديم القيام ، وقد تقدم عين الفرع في مبحث المكان ، وعلّق قدس‌سره ثمة بتقديم الركوع والسجود ، ونظره الشريف هنا بالترجيح بالسبق الزماني الذي هو من أحد المرجّحات في التدريجيات ، كمن دار أمره بين ترك الصوم في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو الثاني ، فإنّ السابق متقدّم بلا إشكال ونظره قدس‌سره هناك بالترجيح بالأهمية ، حيث إنّ الركوع والسجود أهم من القيام كما يظهر من حديث التثليث ، قال عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود » (١).

وهذا منه قدس‌سره مبني على إدراج المقام في باب التزاحم كي يراعى مرجحات هذا الباب ، وقد مرّ غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ المقام وأمثاله أجنبي عن هذا الباب ، لاختصاصه بالتكليفين المستقلين ، وليس في المقام إلاّ تكليف وحداني متعلِّق بالمركّب ، بل هو داخل في باب التعارض ، إذ بعد سقوط ذاك التكليف بالعجز علمنا من دليل عدم سقوط الصلاة بحال ، تعلّق تكليف جديد بالباقي من الأجزاء الممكنة ، وحيث إنّ متعلقه مجهول مردد بين المؤلّف‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

٢٣٧

[١٤٧٨] مسألة ١٨ : لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً (*) (١).

______________________________________________________

من هذا الجزء أو من ذاك ، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الجزأين اللذين يتعذّر الجمع بينهما ، وبما أنّهما بالإطلاق غالباً ، فيسقطان بعد التعارض ويرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه البراءة عن كل من الخصوصيتين ، ونتيجة ذلك هو التخيير كما عرفت آنفاً.

فاتضح من جميع ما مرّ أنّ الأقوى هو التخيير من غير فرق بين سعة الوقت وضيقه.

(١) حكم قدس‌سره حينئذ بالتكرار كما في المسألة السابقة لاتحاد المبنى وهو ما عرفت من حديث العلم الإجمالي ، فجعل المسألتين من وادٍ واحد ، لكن الظاهر الفرق ، فيحكم هناك بالتخيير على طبق القاعدة كما مرّ. وأمّا في المقام فيقدّم الصلاة ماشياً ، لأنّ المعارضة حينئذ بين دليل اعتبار القيام من قوله عليه‌السلام : « إذا قوي فليقم » (١) وبين دليل اعتبار الاستقرار.

وعليه فان قلنا بأنّ مدرك الثاني هو الإجماع ، فتقديم الأوّل ظاهر ، لأنّ المتيقن منه غير المقام. وإن قلنا بأنّ مدركه رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ » (٢) ، فان بنينا على ضعف الخبر فالأمر ظاهر أيضاً.

__________________

(*) وإن كان الأظهر تعين الصلاة قائماً ماشياً.

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

٢٣٨

وإن بنينا على صحته كما هو الأقوى من جهة وقوع النوفلي في أسانيد تفسير القمي ، فقد يتوهم جريان التخيير المزبور حينئذ أيضاً ، باعتبار تساقط الدليلين بعد المعارضة ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فينتج التخيير.

لكنه غير تام ، لعدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة مع دليل اعتبار القيام فانّ موردها خاص بالمتمكن من القيام والاستقرار ، وإنّما يريد باختياره المشي والتقدم إلى مكان آخر لغاية ككونه أفضل ، كما قد يتفق في الحرم الشريف فيتقدم ليكون أقرب إلى الضريح المقدس مثلاً ، فحكم عليه‌السلام بالكف ولزوم مراعاة الاستقرار في مثل هذه الصورة ، فلا تدل على لزوم رعايته حتى في مثل المقام الذي لم يتمكن فيه من القيام لو أراد الاستقرار.

وبالجملة : لا تدل هذه الرواية على اعتبار الاستقرار حتى مع العجز عن القيام ، لأنّ موردها التمكن منه ، بخلاف دليل اعتبار القيام فإنّ إطلاقه يشمل صورة العجز عن الاستقرار فهو المحكّم ، فلأجله يحكم بتقديم القيام في المقام وإن أخلّ بالاستقرار.

وربما يستدل على هذا الحكم : برواية سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه عليه‌السلام « المريض إنّما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً » (١).

وكلمة « أن يمشي » بعد قوله « صار » الموجودة في الوسائل مستدرك ، والصحيح حذفها كما في التهذيب (٢) ، لإخلالها بالمعنى وعدم استقامتها كما لا يخفى.

وكيف كان ، فقد قيل إنّ مفاد الرواية أنّ الانتقال إلى الصلاة جالساً إنّما هو‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ١٧٨ / ٤٠٢.

٢٣٩

بعد العجز عن الصلاة ماشياً ، فلو دار الأمر بينهما قدّم الثاني وهو المطلوب.

ويقع الكلام فيها تارة من حيث السند ، وأُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند : فالظاهر أنّه لا بأس به ، فانّ سليمان موثّق ، لا لتوثيق العلاّمة إيّاه (١) ، لما نراه من ضعف مبناه في التوثيق ، فإنّه يعتمد على كل إمامي لم يظهر منه فسق ، اعتماداً على أصالة العدالة (٢) ، وهو كما ترى ، بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٣).

وأما الدلالة : فالظاهر أنّها أجنبية عمّا نحن فيه من فرض الدوران ، وإنّما هي ناظرة إلى بيان حدّ المرض الذي ينتقل معه إلى الصلاة جالساً ، وأنّه يستعلم ذلك بالعجز عن المشي مقداراً من الزمان الذي يسع لوقوع الصلاة فيه قائماً كأربع دقائق مثلاً ، فانّ المريض ربّما يقوم ويمشي لبعض حوائجه كقضاء الحاجة ونحوه ، فان رأى من نفسه أنّه يتمكن من المشي هذا المقدار كشف ذلك عن قدرته على الصلاة قائماً ، فإنّ القدرة على المشي تستدعي القدرة على القيام بطريق أولى ، وإن رأى من نفسه العجز عن ذلك كشف عن العجز عن القيام فتنتقل الوظيفة حينئذ إلى الجلوس ، هذا هو ظاهر الرواية ، وهو كما ترى أجنبي عن محل الكلام.

إلاّ أنّه مع ذلك يجب رد علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ العجز عن المشي مقدار الصلاة مستمراً كأربع دقائق مثلاً لا يلازم العجز عن الصلاة قائماً حتى يكون أمارة عليه وكاشفاً عنه ، لعدم استمرار القيام في هذه المدّة حال الاشتغال بالصلاة فإنّه يركع ويسجد خلال ركعاتها فيمكث قليلاً في سجوده وقعوده‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) كما يظهر من الخلاصة : ٦٦ / ٨٦ ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(٣) ولكنه ( دام ظله ) عدل عنه أخيراً ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

٢٤٠