موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٧٤] مسألة ١٤ : القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين أو مع الاعتماد أو مع عدم الاستقرار ، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين (*) مقدّم على الجلوس (١).

______________________________________________________

(١) تعرّض قدس‌سره لصور الدوران بين ترك القيام رأساً ، بأن يصلي جالساً ، وبين الإتيان بالقيام الاضطراري الفاقد لأحد الأُمور المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار ، أو عدم التفريج ، ثم تعرض قدس‌سره لصور الدوران بين ترك أحد هذه الأُمور.

فنقول : قد ذكرنا في بحث مكان المصلي (١) أنّه إذا دار الأمر بين ترك أحد جزأين أو أحد شرطين ، أو واحداً من الجزء أو الشرط ، لم يكن ذلك داخلاً في باب التزاحم ليلاحظ مرجّحات هذا الباب من الأهمية أو محتملها ، لأنّ الضابط في ذاك الباب العجز عن امتثال تكليفين نفسيين استقلاليين ، وأمّا في المقام فليس إلاّ أمر وحداني متعلق بالمركب من عدة أجزاء وشرائط.

بل المقام داخل في باب التعارض ، فانّ ذاك الأمر المتعلق بالمركب ساقط لدى العجز عن الإتيان بتمام متعلقه كما هو الفرض بالضرورة ، إذ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط التكليف رأساً ، غير أنّا في خصوص باب الصلاة علمنا من الخارج أنّها لا تسقط بحال ، فنقطع من أجله بتعلق أمر جديد بالباقي من الأجزاء والشرائط الممكنة ، لكن متعلقه مجهول وأنّه المؤلف من هذا الجزء أو الشرط أو من ذاك ، فلا محالة يقع التعارض بين دليلي ما يتعذر الجمع بينهما من جزء أو شرط.

__________________

(*) مع صدق القيام معه ، والاّ فالجلوس يتقدم عليه على الأظهر.

(١) شرح العروة ١٣ : ٧٤.

٢٠١

فلا بدّ من مراعاة قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي ، وإذا كانا لفظيين يقدّم ما كان بالوضع على ما كان بالإطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل والتراجيح (١) ، وفي بحث مقدمة الواجب ، وإذا كانا بالإطلاق كما هو الغالب فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين ، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب التخييري ، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط والجمع بالتكرار ، لما عرفت من احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير ، فلا يقاس المقام بموارد الدوران بين القصر والتمام ، التي يجب فيها الجمع بينهما ، إذ المتيقن هناك وجوب هذا أو ذاك ولا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملاً بقاعدة الاشتغال.

وأمّا في المقام فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة ، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة : وجوب هذا بخصوصه ، وجوب ذاك بخصوصه ، التخيير بينهما ، وحيث إنّ كلاًّ من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة ، ونتيجة ذلك هو التخيير.

ومنه تعرف ما في كلام الماتن وغيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار والجمع في بعض فروع المسألة فلاحظ. هذا هو حكم الكبرى ، وأمّا التطبيق على المقام ،

ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً وبين ترك الانتصاب ، فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الإطلاقين هو التخيير كما عرفت ، لكن في خصوص المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي ، ولا ينتقل إلى الصلاة جالساً ، وذلك لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى :

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٧٧.

٢٠٢

( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) (١) وغيرها ، ولعلّ أوضحها قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة جميل : « ... إذا قوي فليقم » (٢) ، بالعجز عن القيام الظاهر بمقتضى الإطلاق في إرادة الطبيعي منه ، فمتى كان قادراً على طبيعي القيام صلى قائماً ، وإن كان عاجزاً عن بعض الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها الانتصاب ، ولأجله يتقيد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » (٣) بالمتمكن من ذلك.

وبعبارة أُخرى : صحيحة جميل حاكمة على دليل وجوب الانتصاب ، إذ النظر في دليل الوجوب مثل قوله عليه‌السلام : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » مقصور على مجرد اعتبار إقامة الصلب في الصلاة ، سواء أكانت عن قيام أو عن جلوس على ما هو الحق تبعاً للمشهور من اعتباره فيهما معاً من غير أن يكون لهذا الدليل نظر إلى تعيين الوظيفة ، وأنّها الصلاة قائماً أو جالساً ، وإنّما يستفاد ذلك من دليل آخر. وبما أنّ صحيحة جميل قد دلت على أنّ الوظيفة عند التمكن من مطلق القيام إنّما هي الصلاة قائماً ، فلا جرم لم يبق موضوع لدليل وجوب الانتصاب ، إذ المفروض عدم التمكن منه إلاّ مع الجلوس وقد دلّت الصحيحة على أنّه لا تصل النوبة إلى الصلاة جالساً.

وممّا يدل على ذلك بالخصوص : صحيحة علي بن يقطين الواردة في الصلاة في السفينة ، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلي فيها وهو جالس يومئ أو يسجد؟ قال : يقوم وإن حنى ظهره » (٤) وهي كما ترى صريحة في المدعى‌

__________________

(١) آل عمران : ٣ : ١٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١ ، ( نقل بالمضمون ).

(٤) الوسائل ٥ : ٥٠٥ / أبواب القيام ب ١٤ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩٨ / ٩٠٦.

٢٠٣

وأنّ من تمكن من الصلاة عن قيام ولو بغير الانتصاب تعيّن وقدّم على الصلاة جالساً.

وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً وبين الصلاة قائماً من غير استقلال قدّم الثاني أيضاً بلا إشكال ، أمّا أوّلاً : فلأن وجوب الاستقلال على القول به وقد تقدم أنّ الأظهر منعه (١) مقيّد بالتمكن وحالة الاختيار ، فإنّ عمدة الدليل عليه هو صحيحة ابن سنان (٢) وموثقة ابن بكير (٣) وكل منهما مقيد بذلك.

وأمّا ثانياً : فلأنّه مع الغض وتسليم وجود دليل مطلق ، قد عرفت آنفاً أنّ الصلاة جالساً مقيّدة بعدم التمكن من مطلق القيام ، فمع التمكّن منه ولو في الجملة ، وفاقداً لبعض الخصوصيات المعتبرة فيه كما في المقام لا تصل النوبة إلى الصلاة عن جلوس.

وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً وبين الصلاة قائماً غير مستقر ، فقد يراد من الاستقرار ما يقابل الاضطراب وأُخرى ما يقابل المشي.

فعلى الأوّل : قدّم الثاني ، سواء أكان مدرك اعتباره الإجماع كما هو الأظهر أم الروايات. أمّا الأوّل : فظاهر ، ضرورة أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه وهو غير صورة الدوران المزبور.

وأمّا الثاني : بدعوى استفادته من مثل قوله عليه‌السلام : « وليتمكّن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » (٤) الذي هو دليل لفظي ، فلما عرفت أيضاً من أنّ‌

__________________

(١) في ص ١٨٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٠ / أبواب القيام ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ٢٠.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

٢٠٤

الصلاة قائماً بأي مرتبة كانت مقدّمة على الصلاة جالساً ، لتقيّد دليلها بالعجز عن مطلق القيام حسبما تقدم.

وعلى الثاني : فقد احتاط الماتن فيه بالتكرار كما نبّه عليه في المسألة الثامنة عشرة من الفروع الآتية.

واختار جماعة تقديم الصلاة جالساً على الصلاة ماشياً ، بل قد نسب ذلك إلى المشهور.

وعلّله المحقق الهمداني (١) قدس‌سره بأنّ الاستقرار المقابل للمشي مأخوذ في مفهوم القيام ، لا بمعنى أخذه فيه لغة أو اصطلاحاً ، كيف والماشي مصداق للقائم البتة ، بل بدعوى الانصراف عن الماشي في خصوص باب الصلاة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، نظراً إلى أنّها بحسب الارتكاز عبادة فناسب أداؤها حالة الوقوف الحاوية لنوع من السكينة والخشوع ، فالوقوف إذن مقوّم للقيام انصرافاً ، ولأجله كانت أدلة اعتباره في الصلاة منصرفة إلى القيام مع الوقوف ، فلا جرم كان العاجز عنه عاجزاً عن القيام الصلاتي ، فينتقل إلى الصلاة جالساً بطبيعة الحال.

ولكنّك خبير بأنّ هذه الدعوى غير بيّنة ولا مبيّنة وعهدتها على مدّعيها كيف وقد صحّت النافلة حال المشي حتى اختياراً مع ضرورة صدق القائم على المصلي.

وبالجملة : لا ريب في اعتبار الوقوف حال الاختيار في القيام كغيره مما اعتبر فيه من الانتصاب والاستقلال ونحوهما ، كما يكشف عنه مضافاً إلى الارتكاز المزبور ، ما ورد (٢) في من يريد التخطي في صلاته من الأمر بالكف‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٦١ السطر ١٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

٢٠٥

عن القراءة ، فالوقوف فيه زائداً على القيام اعتبر في الصلاة بمقتضى النص. وأمّا اعتباره على سبيل الإطلاق ، بدعوى دخله في مفهوم القيام ولو انصرافاً فهو أوّل الكلام ، بل ممنوع ، لما عرفت من عدم وضوح أيّ مستند للانصراف المزبور وعليه فمقتضى القاعدة على ضوء الضابطة السابقة بعد المعارضة بين الدليلين هو التخيير بين الصلاة قائماً ماشياً وبين الصلاة جالساً.

ولكن الأظهر لزوم تقديم الأوّل ، لصحيحة جميل (١) الناطقة بتقديم الصلاة عن مطلق القيام على الجلوس وإن كان فاقداً لبعض القيود المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ، لما عرفت (٢) من حكومتها على جميع أدلّة تلك القيود ، ونتيجته تقديم الصلاة ماشياً على الصلاة جالساً.

وقد اتضح ممّا ذكرناه : ما في دعوى الماتن من تكرار الصلاة ، حيث إنّه مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه من غير تعيين ، وقد عرفت لزوم تقديم الصلاة ماشياً ، ومعه لا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي المزبور.

وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة قائماً مع التفريج الفاحش بين الرجلين ، وبين الصلاة جالساً قدّم الأوّل كما في المتن.

وهذا وجيه فيما إذا كان التفريج المزبور بمثابة يصدق معه عنوان القيام ، بل قد تقدّم (٣) جواز ذلك حتى اختياراً فضلاً عن صورة الدوران ، لعدم الدليل على قدح مثله ما لم يستوجب الإخلال بالقيام ، وأمّا لو أخلّ به بحيث لم يصدق معه عنوانه ، بل تشكلت هيئة أُخرى في مقابل القيام والجلوس ، فيشكل التقديم حينئذ ، بل هو ممنوع كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٢) في ص ٢٠٣.

(٣) في ص ١٩٠.

٢٠٦

ولو دار الأمر بين التفريج الفاحش والاعتماد ، أو بينه وبين ترك الاستقرار قدّما عليه (١)

______________________________________________________

ودعوى أنّ هذه الهيئة أقرب إلى القيام فتجب بقاعدة الميسور كما ترى فإنّها تشبه الاجتهاد في مقابلة النص ، إذ النصوص المتكاثرة قد دلت على أنّ وظيفة العاجز عن القيام إنّما هي الانتقال إلى الجلوس ، فإيجاب هيئة ثالثة اجتهاد تجاه النص.

على أنّ القاعدة غير تامة في نفسها كما مرّ مراراً ، ولو تمّت لم تنفع في المقام لما عرفت من دلالة النصوص على وجوب الصلاة جالساً لمن لم يتمكّن من القيام ، والمفروض أنّ تلك الهيئة ليست بقيام ، فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عن جلوس.

هذا كله فيما إذا دار الأمر بين القيام الاضطراري بأقسامه وبين الجلوس ، أي ترك أصل القيام وبين الإخلال ببعض القيود المعتبرة فيه ، وقد عرفت لزوم تقدّم القيام في الجميع ، وأمّا لو دار الأمر بين تقديم بعض القيود على البعض الآخر مع المحافظة على أصل القيام ، فسيأتي الكلام عليه في التعاليق الآتية من هذه المسألة.

(١) فيما إذا كان التفريج المزبور مخلًّا بصدق القيام ، لرجوع المسألة حينئذ إلى الدوران بين ترك القيام وبين ترك الاستقلال أو ترك الاستقرار ، وقد سبق (١) أنّ المتعيّن هو الثاني.

وأمّا إذا لم يبلغ هذا الحد ، بل كان عنوان القيام محفوظاً معه ، فالأمر بالعكس لما عرفت من عدم البأس بهذا النوع من التفريج حتى اختياراً ، ومعه لم يكن‌

__________________

(١) في ص ٢٠٤.

٢٠٧

أو بينه وبين الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام (*) (١).

______________________________________________________

ثمّة مسوغ للإخلال بشرطية الاستقلال أو الاستقرار.

(١) الظاهر أنّ المستند في التقديم المزبور قاعدة الميسور ، ولكنّها مضافاً إلى عدم تماميتها في نفسها ، لا تصلح للاستناد إليها في المقام.

وتوضيحه : أنّه قد يفرض صدق عنوان القيام على كل من طرفي الدوران أعني التفريج والانحناء أو الميل إلى الجانبين ، وأُخرى صدقه على الأوّل خاصة وثالثة عكسه ، ورابعة عدم صدقه على شي‌ء منهما. ولعل الأخير هو مراد الماتن قدس‌سره للتعبير بالأقربية إلى القيام الكاشف عن عدم كون شي‌ء منهما مصداقاً للقيام.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الشك في لزوم تقديم التفريج في الصورة الأُولى للمحافظة حينئذ على كل من القيام والانتصاب ، بخلاف عكسه للزوم الإخلال حينئذ بشرطية الانتصاب من غير مسوّغ.

وأوضح حالاً من ذلك : الصورة الثانية ، فيتعين فيها تقديم التفريج بطريق أولى ، للزوم الإخلال في عكسه بشرطية الانتصاب مضافاً إلى أصل القيام فيختل الأمران معاً من غير أيّ معذّر ، بعد إمكان المحافظة عليهما بالتقديم المزبور. وبعبارة اخرى : هذا التفريج يجوز حتى اختياراً بعد فرض صدق القيام عليه ، فكيف بما إذا كان تركه موجباً لترك القيام.

نعم ، يتجه العكس في الصورة الثالثة ، لكونها من صغريات الدوران بين القيام والانتصاب ، وقد تقدّم أنّ مراعاة القيام أولى ، فيصلي منحنياً أو مائلاً لا متفرّجاً.

__________________

(*) إذا صدق القيام على أحدهما فقط تعيّن ذلك ، وإذا صدق على كليهما قدّم التفريج ، وإذا لم يصدق على شي‌ءٍ منهما تعيّن الجلوس ، ويختلف ذلك باختلاف الموارد.

٢٠٨

ولو دار الأمر بين ترك الانتصاب وترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً (١). وكذا لو دار بين ترك الانتصاب وترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار (٢)

______________________________________________________

وأمّا الصورة الرابعة : فحيث إنّ المفروض فيها العجز عن القيام ، فلا جرم تتعيّن فيها الصلاة جالساً ، لما تقدّم من عدم الواسطة بينهما.

هذا ما تقتضيه الصناعة حسبما بأيدينا من الأدلة الشرعية التي تعيّن الوظيفة الفعلية بحيث لا يبقى معها موضوع لقاعدة الميسور. فالقول إذن باختيار ما هو الأقرب إلى القيام يشبه الاجتهاد في مقابلة النص كما لا يخفى.

(١) أمّا على القول بعدم وجوبه فالأمر ظاهر. وأمّا على القول بالوجوب فلاختصاص دليله كما تقدم (١) بصورة التمكن وعدم العجز والمرض ، بخلاف الانتصاب فانّ لسان دليله مطلق من هذه الجهة ، فلا جرم يتقدم ، إذ مع المحافظة على الانتصاب لا يكون المكلف قادراً على الاستقلال فلا يجب بطبيعة الحال.

(٢) فانّ دليل اعتبار الاستقرار إن كان هو الإجماع فمن الواضح أنّ القدر المتيقن منه غير صورة الدوران وتعارضه مع الانتصاب ، فالمقتضي حينئذ قاصر في حد نفسه.

وإن كان هو النص مثل قوله عليه‌السلام : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » (٢) فاللازم أيضاً تقديم الانتصاب ، لأظهرية دليله وهو قوله عليه‌السلام : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (٣) في الاعتبار من دليل الاستقرار‌

__________________

(١) في ص ١٨٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١.

٢٠٩

ولو دار بين ترك الاستقلال وترك الاستقرار ، قدّم الأوّل (١) فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال والاستقرار ، ومراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

______________________________________________________

حيث إنّه تضمّن نفي حقيقة الصلاة وماهيتها عمّن لم يقم صلبه المقيد طبعاً بصورة التمكن والقدرة الحاصلة في مفروض المسألة. وهذا بخلاف الاستقرار فانّ دليله دلّ على اعتباره بعد فرض صدق اسم الصلاة عليه ، على ما يقتضيه قوله عليه‌السلام « كما يتمكن في الصلاة » فغايته أنّه ينتفي قيد من قيودها أمّا ذاك الدليل فينفي صدق الاسم عن فاقد الانتصاب كما عرفت.

وعلى الجملة : أحد الدليلين ينفي موضوع الصلاة ، والآخر يثبت قيداً فيما صدق عليه اسم الصلاة. فلا جرم يتقدّم الأوّل.

(١) أمّا بناءً على عدم وجوب الاستقلال في نفسه فالأمر ظاهر. وأمّا بناءً على القول بالوجوب فالتقدم المزبور لا يخلو عن الإشكال ، لأنّ دليل الوجوب وإن كان مختصاً بحال التمكن كما تقدم ، إلاّ أنّ المكلف في مفروض المسألة متمكن منه ، غايته أنّه عاجز عن الجمع بينه وبين رعاية الاستقرار.

فلا بدّ إذن من النظر في دليل الاستقرار ، فان كان هو الإجماع كما عن غير واحد ، فبما أنّه دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، وهو غير صورة الدوران ، ونتيجة ذلك تقديم الاستقلال على الاستقرار عكس ما أثبته في المتن.

وإن كان هو النص على ما مرّ فتتحقق المعارضة طبعاً بين الدليلين بالإطلاق والنتيجة بعد التساقط هو التخيير ، دفعاً لكل من الخصوصيتين بالأصل ، لا رعاية الأمرين معاً بالاحتياط والتكرار كما عن بعضهم ، لعدم العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا بعينه ليكون من الشك في المكلف به ، لجواز أن يكون الحكم الواقعي حينئذ هو التخيير.

٢١٠

[١٤٧٥] مسألة ١٥ : إذا لم يقدر على القيام كلا ولا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع (*) (١) صلّى من جلوس (٢) ، وكان الانتصاب جالساً بدلاً عن القيام ، فيجري فيها حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد وغيره.

______________________________________________________

والذي يهوّن الخطب ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الاستقلال فيصح ما أثبته في المتن من تقديم الاستقرار ، لوضوح عدم المعارضة بين الواجب والمستحب.

(١) ظاهر العبارة أنّ من تمكن من القيام ولو بهذه الصورة تعيّن وكان مقدّماً على الجلوس.

وهو وجيه على تقدير صدق القيام عليه كالمخلوق بهيئة الركوع ، أو المنحني ظهره لهرم ونحوه ، حيث إنّ قيام مثل هذا الشخص إنّما هو بهذا النحو.

وأمّا مع عدم الصدق ، كما لو كان الانحناء بهذا المقدار لأمر عارض من مرض أو خوف من الظالم أو انخفاض السقف ، انتقل حينئذ إلى الصلاة جالساً لعجزه عن القيام فعلاً.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لقوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ... ) (١) إلخ ، المفسّر في مصحح أبي حمزة ، بأنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً (٢) وقد نطقت به نصوص كثيرة وهذا مما لا غبار عليه.

وإنّما الكلام في أنّ الأُمور المعتبرة في القيام من الانتصاب والاستقرار‌

__________________

(*) هذا فيما صدق عليه القيام كالمخلوق كذلك أو المنحني ظهره ، وإلاّ قدّم الجلوس مع القدرة عليه أيضاً.

(١) آل عمران ٣ : ١٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.

٢١١

والاستقلال هل هي معتبرة في الجلوس أيضاً أو لا؟

أمّا الانتصاب فلا ينبغي الشك في اعتباره لإطلاق الدليل ، فانّ قوله عليه‌السلام « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (١) مطلق يشمل حالتي القيام والجلوس معاً.

وأمّا الاستقرار فكذلك ، سواء أكان مستنده الإجماع أم الرواية المتقدمة (٢) لإطلاق كلمات المجمعين كالنص.

وأمّا الاستقلال ، فعلى تقدير تسليم وجوبه حال القيام فاعتباره حال الجلوس لا يخلو عن الاشكال ، لقصور الدليل عن الشمول له ، فإنّه منحصر في روايتين :

إحداهما : موثقة عبد الله بن بكير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا ، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد » (٣).

ثانيتهما : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي ، إلاّ أن تكون مريضاً » (٤).

أمّا عدم دلالة الموثقة فظاهر ، إذ الاتكاء قد جعل فيها مقابلاً للقعود ، فلا جرم يراد به الاتكاء حال القيام ، فالاتكاء لدى الجلوس خارج عن مفروضها سؤالاً وجواباً ، ولا نظر فيها إليه بوجه.

وأمّا الصحيحة ، فربما يستدل بها لذلك ، نظراً إلى إطلاق قوله ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ٢.

(٢) في ص ٢٠٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ٢٠.

(٤) الوسائل ٥ : ٥٠٠ / أبواب القيام ب ١٠ ح ٢.

٢١٢

ومع تعذّره صلّى مضطجعاً (١)

______________________________________________________

السلام ) : « ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي » الشامل لحالتي القيام والقعود بعد منع دعوى الانصراف إلى الأوّل.

ولكنه يندفع باستظهار اختصاصها بالأوّل أيضاً بقرينة استثناء المريض (١) حيث يظهر منه اختصاص النهي عن الاستناد بغير المريض وغير العاجز ، ومن البيّن أنّ مثله يصلي قائماً لا قاعداً ، فلا نظر فيها إثباتاً أو نفياً إلى الاتكاء الجلوسي بتاتاً ، هذا.

وقد يقال : إنّ دليل بدلية الجلوس عن القيام بنفسه كافٍ في ترتيب الأحكام وإسراء شرائط المبدل منه إلى البدل ، فيلتزم بوجوب الاستقلال في المقام قضاءً للبدلية.

ولكنه واضح الضعف ، لعدم ثبوت البدلية بهذا النحو وأنّ جلوس المريض قيام ، ليتمسك حينئذ بعموم المنزلة ، لعدم وضوح ورود دليل بلسان التنزيل بل المستفاد من الأدلة تنويع المكلفين وتقسيمهم إلى صحيح ومريض ، أو فقل إلى قادر وعاجز ، وأنّ الأوّل يصلي قائماً ، والثاني قاعداً ، فاختلف الحكم باختلاف موضوعه ، وأنّ لكل وظيفة تخصه حسب حاله ، وهذا بمجرده لا يستدعي انسحاب ما لأحدهما من الأحكام إلى الآخر ما لم ينهض عليه دليل آخر.

(١) بلا خلاف فيه ظاهراً ولا إشكال ، وقد دلت عليه جملة من الأخبار :

منها : النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً

__________________

(١) المستثنى بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع هو المريض العاجز عن الاستقلال وهو أعم من عجزه عن القيام أيضاً وعدمه ، فالقرينة غير واضحة.

٢١٣

وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) (١) من أنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً والذي هو أضعف منه يصلي على جنبه (٢).

ومنها : موثقة سماعة قال : « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فليصلّ وهو مضطجع ... » إلخ (٣).

ومنها : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى ، إمّا أن يوجه فيومئ إيماءً وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه ( جنبه ) الأيمن ، ثم يومئ بالصلاة ، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً » (٤).

نعم ، لا يخلو متن هذه الموثقة عن نوع من الاضطراب ، لعدم ذكر عدل للشرطية المنفصلة ، أعني قوله عليه‌السلام « إمّا أن يوجّه » بل قال في الحدائق (٥) إنّ الكثير من روايات عمار كذلك ، ولكنه لا يقدح في الاستدلال بها لما هو محل الكلام من الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد صراحتها في ذلك.

هذا ، وقد روى المحقق في المعتبر قال : روى أصحابنا عن حماد (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجّه كما‌

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٣ / أبواب القيام ب ١ ح ١٠.

(٥) الحدائق ٨ : ٧٦.

(٦) المستدرك ٤ : ١١٦ / أبواب القيام ب ١ ح ٤ ، المعتبر ٢ : ١٦١.

٢١٤

يوجّه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ... » إلى آخر ما في رواية عمار المتقدمة ، بل هي عينها ، غير أنّها خالية عن تلك الفقرات المستوجبة للاضطراب.

وتبعه الشهيدان في الذكرى والروض (١) ، وعليه فلا اضطراب في الرواية بوجه.

بل ظاهر الذخيرة (٢) أنّهما رواية واحدة عن عمار ، وإن أسندها المحقق إلى حماد ، ولعلّه سهو من قلمه ، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك ، كما أنّ بعض نسخ التهذيب أيضاً كذلك.

ولكن صاحب الحدائق (٣) أنكر الاتحاد ، لعدم الموجب لذلك بعد أن نرى أنّ المحقق قد روى في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأُصول التي عنده ، فلعل هذه الرواية كانت من تلك الأُصول ، ولا سيّما وأنّ الاضطراب الموجود في تلك الرواية لم يوجد في هذه.

ولكن الظاهر أنّ ما ذكره السبزواري في الذخيرة هو الصحيح ، فانّ المحقق لو روى بإسناده عن حماد لأمكن القول بأنّه نقلها عن أصل وصل إليه ولم يصل إلينا ، ولأجله لم يذكر في الكتب الأربعة ولكنّه قدس‌سره عبّر بقوله : روى أصحابنا ، الظاهر في كون الرواية معروفة مشهورة ، ومعه كيف يمكن القول بأنّه رواها عن أصل غير معروف وصل إليه خاصة. إذن فالظاهر هو الاتحاد ، وأنّ ذكر حماد بدل عمار إمّا سهو منه نشأ من تشابه الكلمتين ، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك.

وعلى أيّ حال ، فعلى تقدير التعدد لا يمكن التعويل عليها ، لعدم العلم بطريقه إلى تلك الأُصول ، فتكون في حكم المرسل. والعمدة في الاستدلال ما‌

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٢٧١ ، الروض : ٢٥١ السطر الأخير.

(٢) الذخيرة : ٢٦٢ السطر ٣٠.

(٣) الحدائق ٨ : ٧٦.

٢١٥

عرفت من موثقتي سماعة وعمّار ، والروايات المفسّرة للآية المباركة المؤيّدة بنصوص أُخر ضعيفة. مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف فيه كما تقدم.

إلاّ أنّ بإزاء هذه النصوص روايات أُخر دلّت على أنّ من لم يتمكّن من الصلاة جالساً صلى مستلقياً ، ولكنّها مضافاً إلى ضعف أسنادها ، مخالفة لما اتفق عليه الأصحاب وتسالموا عليه من الصلاة مضطجعاً كما عرفت فلا تقاوم ما سبق.

فمنها : مرسلة الصدوق قال : « قال الصادق عليه‌السلام يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً ، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً ... » إلخ (١).

ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢). ورواها الشيخ بإسناده تارة عن أحمد ابن محمد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه ، وأُخرى عن الكليني بالسند المتقدم (٣) ، فالنتيجة أنّها بشتى طرقها مرسلة لا يمكن التعويل عليها بوجه.

ومنها : ما رواه الصدوق أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الحافظ عن جعفر بن محمد بن الحسين ( الحسيني ) ، عن عيسى بن مهران ، عن عبد السلام ابن صالح الهروي ، عن الرضا عن آبائه : « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصلّ جالساً فان لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً » (٤)

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٤ / أبواب القيام ب ١ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ / ١٠٣٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ / ١٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٦ / ٣٩٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ / ٦٧١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٦ / أبواب القيام ب ١ ح ١٨ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٨ / ٣١٦.

٢١٦

على الجانب الأيمن كهيئة المدفون (١).

______________________________________________________

وهي أيضاً ضعيفة بجميع من في السند ما عدا الراوي الأخير.

ورواها الصدوق أيضاً بعدة أسناد تقدمت في كتاب الطهارة ، في باب إسباغ الوضوء (١) كما أشار إليها في الوسائل (٢) ، ولكنّها أيضاً بأجمعها ضعاف بعدّة من المجاهيل كما تقدم في محله.

وبالجملة : فلا تنهض شي‌ء من هذه لمعارضة ما سبق ، فلا بدّ من رفع اليد عنها أو حملها على صورة العجز عن الاضطجاع كما حملها بعضهم عليها.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمل في لزوم الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع لا الاستلقاء ، عملاً بتلك النصوص المعتبرة السليمة عمّا يصح للمعارضة ، وهذا ممّا لا إشكال ولا غبار عليه. وإنّما الكلام في جهات :

(١) الجهة الأُولى : هل يجب اختيار الجانب الأيمن لدى الاضطجاع ، أو أنّه مخيّر بينه وبين الجانب الأيسر؟

نسب إلى جماعة منهم الشيخ في المبسوط (٣) والعلامة في التذكرة والنهاية (٤) التخيير ، وهو ظاهر المحقق في الشرائع (٥) حيث لم يقيده بالجانب الأيمن ، ولكنّ المنسوب إلى معظم الفقهاء ، هو التقييد مع التمكن منه ، بل ادعي الإجماع عليه في بعض الكلمات.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٦ / ٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ١٩.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٠.

(٤) التذكرة ٣ : ٩٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٤٠.

(٥) الشرائع ١ : ٩٧.

٢١٧

وهذا هو الأصح ، فإنّ مقتضى الأصل ، بل الإطلاق في موثقة سماعة (١) ، وكذا الآية المباركة المفسّرة بما مرّ (٢) وإن كان هو الأوّل ، إلاّ أنّه لا بدّ من الخروج عنهما بموثقة عمّار (٣) ، الصريحة في الاختصاص بالجانب الأيمن.

ودعوى أنّها مضطربة المتن فلا يجوز العمل بها ، ورواية حماد (٤) وإن خلت عن الاضطراب إلاّ أنّها مرسلة ، مدفوعة بخلوّها عن الاضطراب في محل الاستشهاد ، فإنّها في الدلالة على لزوم تقديم الجانب الأيمن ظاهرة بل صريحة ومن البيّن أنّ الاضطراب في سائر الفقرات لا يمنع عن الاستدلال بما لا اضطراب فيه بعد عدم سريانه إليه ، إذ لا ينبغي الشك في أنّ المراد بقوله عليه‌السلام في الصدر « كيف قدر صلى » ليس هو التخيير بين الكيفيات ، ليكون منافياً مع التقييد بالأيمن في الذيل ويستوجب الاضطراب فيه ، بل المراد أنّه يصلي على حسب استطاعته وقدرته ، نظير قولنا : إذا دخل الوقت فصلّ كيف ما قدرت ، أي إن قدرت على الوضوء فتوضأ ، وإلاّ فتيمم ، وإن قدرت قائماً فصلّ قائماً وإلاّ فجالساً ، وهكذا ، وليس المراد التخيير بين هذه الأفراد بالضرورة.

إذن فقوله عليه‌السلام بعد ذلك : « يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ... » إلخ ، الذي هو محل الاستشهاد ، لا ينافي ما قبله وإنّما هو بيان له ، وأنّ الذي يصلي على غير الأيمن هو الذي لا يقدر على الأيمن ، أمّا مع التمكّن منه فلا تصل النوبة إلى غيره.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٢) في ص ٢١٣.

(٣) الوسائل ٥ : / ٤٨٣ أبواب القيام ب ١ ح ١٠.

(٤) المستدرك ٤ : ١١٦ / أبواب القيام ب ١ ح ٤.

٢١٨

فان تعذّر فعلى الأيسر ، عكس الأوّل (١).

______________________________________________________

وتؤيدها مرسلة الصدوق قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المريض يصلي قائماً ، فان لم يستطع صلى جالساً ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماءً وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده اخفض من ركوعه » (١).

وقد نسب الصدوق هذه الرواية إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سبيل الجزم ، الكاشف عن ثبوتها عنده بطريق صحيح ، لكن الثبوت عنده لا يستوجب الثبوت عندنا ، ومن الجائز أن لا نوافقه في تصحيح الطريق لو اطلعنا عليه ، فهي إذن لا تخرج عن حدّ الإرسال ، فلا يمكن الاستدلال بها والعمدة ما عرفت من الموثقة.

(١) الجهة الثانية : لو تعذّر الجانب الأيمن ، فبناءً على القول بالتخيير بينه وبين الجانب الأيسر ، لا ريب في تعيّن الثاني كما هو الشأن في كل واجب تخييري تعذّر أحد فرديه ، فلا تصل النوبة إلى الاستلقاء.

وأمّا بناءً على القول المشهور من تقديم الجانب الأيمن وتعيّنه الذي عرفت أنّه الأصح ، فهل ينتقل حينئذ إلى الجانب الأيسر أيضاً أو إلى الاستلقاء؟

المعروف بين المتأخرين كما ذكره شيخنا الأنصاري (٢) قدس‌سره هو الأوّل ، ولكن كلمات القدماء من الأصحاب خالية عن ذلك حيث إنّهم ذكروا أنّه يصلي مضطجعاً إلى الجانب الأيمن ، وإلاّ مستلقياً ، وظاهرهم هو اختيار الثاني. وكيف ما كان فالمتبع هو الدليل.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٥ / أبواب القيام ب ١ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٢٤٢.

٢١٩

فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر (١)

______________________________________________________

ويشهد للقول الأخير : رواية الجعفريات وفيها « وإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة ، فان لم يستطع أن يصلي على جانبه الأيمن صلّى مُستلقياً » (١) ونحوها رواية الدعائم (٢) ، لكن ضعف سندهما يمنع عن الاعتماد عليهما.

والأظهر هو القول الأوّل ، لا لمرسلة الصدوق المتقدمة آنفاً ، فانّ ضعفها يمنع عن الاعتماد عليها ، والانجبار لو سلّمنا كبراه فالصغرى ممنوعة ، لما عرفت من عدم التعرض للجانب الأيسر في كلمات القدماء الذين هم المدار في حصول الانجبار.

بل لإطلاق الأمر بالاضطجاع في جملة من النصوص المتقدمة (٣) من موثقة سماعة وغيرها ، وقد قيّدناه بالجانب الأيمن بمقتضى موثقة عمّار كما تقدّم (٤) ، إلاّ أنّ من الواضح أنّ مورد التقييد إنّما هو صورة التمكن ، أمّا العاجز عنه فهو باق تحت الإطلاق ، ومقتضاه اختيار الجانب الأيسر ، إذ هو حينئذ قادر على الاضطجاع ومع القدرة عليه لا دليل على الانتقال إلى الاستلقاء ، وبه يندفع ما قد يتوهم من أنّ مقتضى الإطلاق في ذيل موثقة عمار أنّ العاجز عن الجانب الأيمن مخيّر بين الأيسر وبين الاستلقاء.

(١) الجهة الثالثة : إذا تعذّر كل من الجانبين ، فالمشهور حينئذ تعيّن الاستلقاء‌

__________________

(١) المستدرك ٤ : ١١٥ / أبواب القيام ب ١ ح ٣ ، الجعفريات : ٤٧.

(٢) المستدرك ٤ : ١١٦ / أبواب القيام ب ١ ح ٥ ، الدعائم ١ : ١٩٨.

(٣) في ص ٢١٤.

(٤) في ص ٢١٨.

٢٢٠