موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ويندفع الأوّل : بأنّ الإطلاق المذكور مسبوق بأمثلة ذكرت في صدر الصحيحة كلّها من قبيل الشك في الشي‌ء بعد الدخول في جزء واجب مستقل كالشك في التكبيرة بعد الدخول في القراءة ، وفيها بعد الدخول في الركوع ، وفيه بعد الدخول في السجود ، ومن الجائز أن يراد من الضابط المذكور في الذيل ما يكون من سنخ هذه الأمثلة فلا ينعقد الإطلاق لما يشمل الدخول في المقدمات من جهة احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة (١) الموجب للإجمال ، لو لم نقل بالظهور في الخلاف من أجل تلك القرينة كما لا يخفى.

هذا ، مع أنّه يمكن استفادة عدم كفاية الدخول في المقدّمات من جملة من النصوص ، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالشك في الركوع فيما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود ، الظاهر في لزوم الاعتناء قبله ، ولو كان في حال الهوي.

والتقييد المزبور وإن كان واقعاً في كلام السائل في جملة منها ، كصحيحة حماد ابن عثمان قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، قال : امض » ، ونحوها صحيحته الأُخرى ، وصحيحة ابن مسلم (٢) وغيرها فلا يمكن الاستدلال بها ، اللهمّ إلاّ من حيث إشعارها في مفروغية الحكم أعني لزوم الاعتناء بالشك لو كان قبل الدخول في السجود ولو في حال الهوي لدى الرواة والسائلين ، ومن هنا قيّدوه بالدخول في السجود ، وقد أقرّهم الإمام عليه‌السلام على ما هو المغروس في أذهانهم.

إلاّ أنّ بعض تلك النصوص قد تضمّن التصريح بالتقييد في كلام الإمام عليه‌السلام نفسه ، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما‌

__________________

(١) مضافاً إلى وجه آخر تعرّض ( دام ظله ) له في مباحث الخلل في شرح المسألة [٢٠٣٠].

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٧ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ١ ، ٢ ، ٥.

١٨١

قام فليمض ، كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (١) وتقريب الاستدلال بها على عدم كفاية الدخول في الهوي من وجهين :

أحدهما : من ناحية المفهوم ، لا من حيث مفهوم الشرط ، ضرورة أنّ مفهوم القضية الشرطية عدم الشك في الركوع بعد ما سجد ، لا الشك في الركوع قبل أن يسجد الذي هو المطلوب كما لا يخفى ، بل من حيث مفهوم الوصف ، حيث قيّد عدم الاعتناء بالشك في الركوع بما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود وقد ذكرنا في الأُصول (٢) أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح أعني العلية المنحصرة المساوقة للانتفاء عند الانتفاء ، لكنّها تدل على أصل العلية أعني عدم كون الطبيعة على إطلاقها وسريانها موضوعاً للحكم ، وإلاّ كان التقييد بالوصف لغواً محضاً ، فالتقييد في المقام يدل على أنّ طبيعي الشك في الركوع أينما سرى وحيثما تحقق ولو كان في حال الهوي ليس موضوعاً لعدم الاعتناء (٣) وإلاّ كان التقييد بما بعد السجود لغواً وهذا هو المطلوب فتدبّر جيداً.

ثانيهما : قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة : « كل شي‌ء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » حيث طبّق عليه‌السلام هذه الكبرى على ما ذكره في الصدر ، من الشك في الركوع بعد ما سجد ، والشك في السجود‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٧ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

(٣) نعم ، لم يكن الطبيعي موضوعاً ، لكن يكفي في صدقه لزوم الاعتناء لو كان الشك قبل الهوي ، وأمّا بعده فلا يدل المفهوم عليه. وبعبارة اخرى : الشك في الركوع تارةً يكون قبل الهوي ، وأُخرى حاله ، وثالثة بعد الدخول في السجود ، والتقييد بالسجود لا يكشف إلا عن عدم كون طبيعي الشك موضوعاً للحكم بالمضي ، وأمّا أنّ الشك حال الهوي هل هو ملحق بالشك حال السجود أو بالشك قبل الهوي ، فالرواية ساكتة والمفهوم لا يعيّن ذلك بوجه.

١٨٢

بعد ما قام ، حيث يظهر أنّ المراد من الغير هو السجود والقيام ، لا الهوي والنهوض وإلاّ كان التطبيق عليهما مع سبقهما أولى كما لا يخفى ، بل يكون هذا شاهداً على أنّ المراد بهذه الكلية المذكورة في غير هذه الصحيحة كصحيحة زرارة المتقدمة (١) أيضاً ذلك.

وعلى الجملة : فالاستدلال بالإطلاق في غير محلّه ، سيّما بعد ملاحظة هذه الصحيحة.

ويندفع الثاني : بابتنائه على أن يكون المراد من كلمة « أهوى » حالة الهوي وليس كذلك ، فإنّها لغة بمعنى السقوط إلى الأرض المساوق للدخول في السجود. نعم ، لو كانت الكلمة بصيغة المضارع « يهوي » بدل الماضي تمّ الاستدلال لظهورها في الاشتغال بحالة الهوي ، وهذا نظير قولك : صلى زيد أو يصلي ، فإنّ الأوّل ظاهر في تحقّق الصلاة منه ، والثاني في الاشتغال بها.

ومع الغض والتسليم ، فغايته إطلاق الصحيحة ، وأنّ قوله عليه‌السلام : « أهوى إلى السجود » يشمل حالتي الدخول في السجود وعدمه ، فيقيّد الإطلاق بمقتضى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة (٢) ، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالدخول في السجود بأحد التقريبين.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه : عدم كفاية الدخول في المقدمات من الهوي والنهوض في جريان قاعدة التجاوز ، وعليه فلو شكّ في الركوع ، أو في القيام بعد الركوع عند الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه ، وجب عليه الاعتناء والتدارك لقاعدة الشك في المحل ، مضافاً إلى الاستصحاب.

__________________

(١) في ص ١٨٠.

(٢) في ص ١٨١.

١٨٣

[١٤٦٨] مسألة ٨ : يعتبر في القيام الانتصاب والاستقرار (*) والاستقلال (**) (١) حال الاختيار ، فلو انحنى قليلاً ، أو مال إلى أحد الجانبين بطل ، وكذا إذا لم يكن مستقرّاً ، أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار أو خشبة أو نحوها.

______________________________________________________

(١) أمّا الأوّلان ، فقد مرّ الكلام حولهما في مبحث التكبير في المسألة الرابعة إذ لا فرق بين القيام المعتبر في التكبير وبين غيره فيما له من الأحكام ، وعرفت وجوب الأوّل بالروايات الخاصة التي منها قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة « وقم منتصباً ... » إلخ (١). وكذا الثاني بمقتضى الإجماع ، وإلاّ فالأدلة اللفظية قاصرة عن إثباته ، ومنه تعرف أنّ اعتباره أي الاستقرار في القيام المتصل بالركوع محل إشكال بل منع ، لما تقدّم (٢) من عدم وجوبه في نفسه ، وإنّما يعتبر من أجل تقوّم الركوع به ودخله في تحققه ، وظاهر معقد الإجماع اختصاصه بالقيام الواجب في نفسه لا أقل من الشك ، وحيث إنّه دليل لبي فلا إطلاق له بحيث يشمل مثل هذا القيام ، ومن الواضح أنّ الذي يتقوّم به الركوع إنّما هو جامع القيام ، سواء تضمّن الاستقرار أم لا.

وأمّا الاستقلال في القيام وعدم الاعتماد على شي‌ء بحيث لو أُزيل لسقط فالمشهور اعتباره في حال الاختيار ، بل عليه دعوى الإجماع في كثير من الكلمات وخالف فيه أبو الصلاح (٣) من القدماء ، وجملة من المتأخرين ، وهو الأقوى.

__________________

(*) اعتباره في القيام المتصل بالركوع لا يخلو من إشكال بل منع.

(**) على الأحوط ، وجواز الاستناد على كراهة لا يخلو من قوّة.

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٢) في ص ١٦٨.

(٣) الكافي في الفقه : ١٢٥.

١٨٤

ويستدل للاعتبار بوجوه :

الأوّل : الإجماع. وفيه : أنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول غير مقبول. مضافاً إلى عدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام للقطع باستناد المجمعين إلى الوجوه الآتية أو بعضها ولا أقل من احتماله.

الثاني : اعتباره في مفهوم القيام كما نصّ عليه جمع من الأعلام. وفيه : ما لا يخفى ، ضرورة أنّ القيام عبارة عن نفس الهيئة الخاصة التي هي حالة من الحالات قبال سائر الهيئات من القعود والاضطجاع ونحوهما ، ولا يعتبر في تحققها الاستقلال وعدم الاعتماد جزماً.

الثالث : دعوى الانصراف إليه وإن لم يؤخذ في مفهومه. وهي ممنوعة وعهدتها على مدّعيها.

الرابع : أنّه المعهود من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة : فيجب الاقتصار عليه تأسِّياً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أُصلي » (١) وقد يقرّر هذا بقاعدة الشغل ، فانّ القطع بالفراغ عن التكليف المعلوم لا يحصل إلاّ بالقيام مستقلا.

وفيه : أنّ الصادر عنهم : وإن كان كذلك يقيناً ، إلاّ أنّ الفعل لمكان إجماله لا يدل إلاّ على أصل المشروعية دون الوجوب الذي هو المطلوب وإثباته بالنبوي المذكور ممنوع ، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما تقدّم (٢) سابقاً لعدم روايته إلاّ عن طرق العامّة ، قاصر الدلالة ، لعدم وجوب رعاية جميع الخصوصيات التي تضمّنتها صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا إشكال ولا تعيّن لبعضها فيوجب الإجمال.

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٤٥.

(٢) في ص ١٠٠.

١٨٥

وصحيحة حماد (١) وإن تضمّن ذيلها الأمر بقوله عليه‌السلام « يا حماد هكذا فصلّ » ، إلاّ أنّها خالية عن ذكر الاستقلال ، فانّا وإن كنا نقطع بكونه عليه‌السلام مستقلا غير معتمد على شي‌ء في الصلاة التي صلاها تعليماً ، إلاّ أنّه لم يكن شيئاً مفروغاً عنه بين الإمام عليه‌السلام وحماد بحيث يكون ملحوظاً في مقام التعليم ، وإلاّ كان الأحرى التعرض فيها كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ قاعدة الشغل لا مسرح لها بعد إطلاق الأدلّة ، مع أنّ مقتضى الأصل هي البراءة في أمثال المقام دون الاشتغال كما هو ظاهر.

فتحصل : أنّ هذه الوجوه كلّها ساقطة ، والعمدة في المقام روايتان معتبرتان :

إحداهما : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي إلاّ أن تكون مريضاً » (٢) هكذا في الوسائل ، والموجود في نسخ الحدائق غير الطبعة الجديدة وكذا في الذخيرة (٣) « لا تستند » بدل « لا تمسك » والمعنى واحد. وكيف كان فالخمر بالفتح والتحريك ـ : ما واراك من شجر وغيرها ، والدلالة ظاهرة.

الثانية : موثقة ابن بكير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا ، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد » (٤) والتعبير عنها بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى ، والدلالة أيضاً ظاهرة كسابقتها.

لكن بإزائها عدة روايات فيها الصحيح والموثق دلت على الجواز صريحاً‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٠ / أبواب القيام ب ١٠ ح ٢.

(٣) الذخيرة : ٢٦١ السطر ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ٢٠.

١٨٦

كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام « عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : لا بأس. وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ فقال : لا بأس به » (١).

وموثق ابن بكير « عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط ، قال : لا بأس بالتوكأ على عصا ، والاتكاء على الحائط » (٢) ونحوهما غيرهما.

هذا ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما الحمل على الكراهة ، لصراحة الطائفة الثانية في الجواز ، فيرفع اليد بها عن ظهور الطائفة الاولى في المنع وتحمل على الكراهة.

لكن الأصحاب جمعوا بينهما بحمل الطائفة الأُولى على الاتكاء والاستناد المشتمل على الاعتماد ، بحيث لو أُزيل السناد لسقط ، والثانية على مجرّد الاستناد العاري عن الاعتماد.

وهذا كما ترى من أردأ أنحاء الجمع ، فإنّه تبرّعي لا شاهد عليه ، إذ الموضوع فيهما واحد وهو الاتكاء أو الاستناد ، فكيف يحمل في إحداهما على ما تضمن الاعتماد وفي الأُخرى على ما تجرّد عنه مع فقد ما يشهد بهذا الجمع.

بل ذكر في الحدائق (٣) أنّ الاتكاء قد اعتبر في مفهومه الاعتماد لغة ، وعليه فيسقط هذا الجمع من أصله كما لا يخفى.

وعن صاحب الجواهر قدس‌سره حمل الطائفة الثانية على التقية لموافقتها‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٩ / أبواب القيام ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٠ / أبواب القيام ب ١٠ ح ٤.

(٣) الحدائق ٨ : ٦٢.

١٨٧

للعامة (١) ، فلا مجال للأخذ بها ، سيّما وقد أعرض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية.

وفيه : أنّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة ، ولا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي بالحمل على الكراهة كما عرفت ، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالجهة بعد وجود الجمع العرفي.

وأمّا الإعراض فمضافاً إلى منع الكبرى ، لعدم قدحه في الحجية كما حققناه في الأُصول (٢) ، لا صغرى له في المقام ، ضرورة اعتناء الأصحاب بهذه الطائفة كما يفصح عنه تصديهم لعلاج المعارضة إمّا بالحمل على الاستناد العاري عن الاعتماد كما مرّ ، أو بجعل عمل المشهور على طبق الاولى مرجّحاً لها عليها.

والحاصل : أنّ الإعراض القادح في الحجية هو الكاشف عن بناء الأصحاب على خلل في السند وقصور في الصدور ، ولذا قيل إنّه كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض بعداً ، وهذا غير محتمل في المقام بعد ما عرفت من الاعتناء المزبور الذي يظهر منه عدم غمز في السند والمفروغية عن صحته.

وقد تحصّل : أنّ الأقوى عدم اعتبار الاستقلال ، وجواز الاستناد على كراهة وإن كان الأحوط ذلك حذراً عن مخالفة المشهور.

ثم على تقدير تسليم اعتباره في القيام ، فهل يعتبر ذلك في النهوض أيضاً فلا تجوز له الاستعانة حاله؟

ربما يقال بذلك أخذاً بإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة (٣) : « لا تمسك بخمرك وأنت تصلي » بدعوى أنّ قوله عليه‌السلام وأنت تصلي شامل للنهوض أيضاً.

__________________

(١) الجواهر ٩ : ٢٤٨.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٢٤١.

(٣) في ص ١٨٦.

١٨٨

نعم ، لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار (١)

______________________________________________________

وفيه أوّلاً : أنّ الصلاة اسم لمجموع الأجزاء خاصة ، دون المركب منها ومن المقدمات ، والنهوض مقدّمة للجزء وليس منه ، فليس من الصلاة ، فلا تشمله الصحيحة الظاهرة في اعتبار الاستقلال في الصلاة نفسها.

وثانياً : لو سلّم الإطلاق ، فهو مقيّد بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة (١) حيث تضمّن ذيلها التصريح بجواز الاستعانة حال النهوض ، فانّ الإعراض على تقدير تسليم قدحه غير متحقق بالنسبة إلى هذه الفقرة جزماً ، لاختصاص الشهرة باعتبار الاستقلال في القيام دون النهوض.

(١) بناءً على اعتبار الاستقلال في القيام وقد عرفت منعه فلا ريب في اختصاصه بحال الاختيار ، فيسقط اعتباره لدى الاضطرار بلا خلاف ولا إشكال ، وقد قام عليه الإجماع ، وتسالمت عليه كلمات الأصحاب من غير نكير.

وهل السقوط حينئذ على طبق القاعدة أو لا؟ يختلف ذلك باختلاف مدارك اعتباره ، فان كان المستند فيه دخل الاستقلال في مفهوم القيام ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوطه رأساً والانتقال إلى الجلوس ، شأن كل عاجز عن القيام على ما تقتضيه الآية والروايات كما سبق ، فتحتاج كفاية القيام غير الاستقلالي إلى الدليل ، فانّ الاجتزاء به على خلاف القاعدة.

وبالجملة : بناءً على هذا المبنى تلزمه الصلاة جالساً ، ولا يكتفى بالقيام من غير استقلال ، لعدم كونه من القيام ولا القعود على الفرض. مع أنّ المتسالم عليه الاكتفاء به كما مرّ ، وإن كان المستند انصراف الأدلّة إلى القيام الاستقلالي فالحكم على طبق القاعدة ، إذ الانصراف على تقدير تسليمه مختص بحال الاختيار‌

__________________

(١) في ص ١٨٧.

١٨٩

وكذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً (١) بحيث يخرج عن صدق القيام ، وأمّا إذا كان بغير الفاحش فلا بأس.

______________________________________________________

ففي غيره يتمسك بإطلاقات القيام بعد صدقه على العاري عن الاستقلال حسب الفرض.

وكذا الحال لو كان المستند الأخبار الخاصة المتقدمة ، إذ الظاهر منها اعتبار الاستقلال شرطاً مستقلا ملحوظاً في القيام الواجب ، وهذا يقتضي الاختصاص بحال الاختيار ، إذ العجز عنه (١) لا يستوجب سقوط أصل القيام ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها ، هذا.

وعلى جميع المباني والتقادير فالمستفاد من نفس النصوص سقوط اعتباره لدى العجز لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة (٢) ، « إلاّ أن تكون مريضاً » إذ المراد به بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع المريض العاجز عن الاستقلال وكذا قوله عليه‌السلام في موثقة ابن بكير (٣) « ما بلغ أبوك هذا بعد » الظاهر في أنّ أباه ( بكير ) لو بلغ هذا الحد بحيث عجز عن القيام مستقلا جاز له القيام الاتكائي.

(١) أمّا التفريج الفاحش المخل بصدق القيام فلا إشكال في عدم جوازه لمنافاته مع القيام الواجب ، وأمّا غير الفاحش ، أو الفاحش غير المخل بحيث‌

__________________

(١) العجز من الشرط عجز من المشروط فيسقط التكليف به لا محالة ، وتعلق تكليف آخر بالفاقد يحتاج إلى دليل ، ولا يثبته حديث الرفع كما لا يخفى ، كما لا يعيّنه دليل عدم سقوط الصلاة بحال ، لاحتمال كون الوظيفة هو الجلوس ، نعم تعيّنه نصوص الباب الخاصة ، فهي العمدة.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٠ / أبواب القيام ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٧ / أبواب القيام ب ١ ح ٢٠.

١٩٠

صدق معه القيام ، فالمشهور هو الجواز تمسكاً بإطلاقات أدلة القيام ، لكن عن المفيد في المقنعة (١) ، والصدوق في المقنع (٢) ، ومال إليه في الحدائق (٣) عدم التباعد بين الرجلين أزيد من الشبر.

واستندوا في ذلك إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى ، ودع بينهما فصلاً إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره ... » إلخ (٤) هكذا رواها في الوسائل في أبواب القيام ، وهو المطابق للكافي والحدائق (٥) ، ورواها أيضاً في الوسائل في أبواب أفعال الصلاة (٦) لكن بزيادة كلمة « من » بين لفظي « أقل » و « ذلك » فنقلها هكذا « إصبعاً أقل من ذلك إلى شبر أكثره » وهو الموافق للتهذيب الطبعة القديمة ، وأمّا الجديدة ، فموافقة للأُولى (٧).

لكن الصحيح هي العبارة الأُولى ، لعدم استقامة المعنى على الثانية كما لا يخفى. هذا ، وقد حمل شيخنا البهائي قدس‌سره (٨) الإصبع المذكور في هذه الصحيحة على الطول كي يطابق التحديد بثلاثة أصابع مفرّجات ، المذكور في صحيحة حماد (٩) ولا يخفى بعده فانّ المتداول في التحديد بالإصبع إرادة العرض دون الطول.

__________________

(١) لاحظ المقنعة : ١٠٤.

(٢) لاحظ المقنع : ٧٦.

(٣) الحدائق ٨ : ٦٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٥١١ / أبواب القيام ب ١٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ١ ، الحدائق ٨ : ٣.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣. [ ولكن زيادة « من » توجد في الطبعة المصححة بتصحيح الشيخ عبد الرحيم الرباني ].

(٧) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨.

(٨) الحبل المتين : ٢١٢.

(٩) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

١٩١

والأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع وأصل القدمين ، وإن كان الأقوى كفايتهما أيضاً ، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (١).

______________________________________________________

وكيف كان ، فهذه الصحيحة وإن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشبر كما ذكره أُولئك الأعلام ، لكنه لا يمكن الأخذ به ،

أمّا أوّلاً : فلأنّها مشتملة على ذكر عدة من الآداب والمستحبات ، ووحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع ، إذ يبعد جدّاً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية والاستحباب من جميع ما عداها ، فلاحظ.

وأمّا ثانياً : وهو العمدة ، أنّا لا نحتمل الوجوب في مثل هذه المسألة العامة البلوى الكثيرة الدوران ، إذ لو كان لبان وشاع وذاع وكان من الواضحات ، كيف وقد ذهب المشهور إلى خلافه ، ولم ينسب الوجوب إلاّ إلى المفيد والصدوق ، مع أنّ التفريج أمر متعارف في الصلاة ، سيّما في السمين والبدين الذي يتحقق التباعد بين رجليه غالباً أزيد من الشبر بكثير ، ولو كان معتبراً لأُشير إليه في الأخبار أكثر من ذلك ، فلا محيص من الحمل على الاستحباب.

(١) ينبغي التكلم في جهات :

الاولى : أنّه لو وقف على القدمين ، إمّا لاختياره ذلك ، أو لوجوبه على القول به كما ستعرف ، فهل يجب تسوية الرجلين في الاعتماد أو لا؟ وقد تعرّض الماتن لهذه الجهة مستقلا في المسألة الحادية عشرة الآتية ، ونحن نقدّمها لمناسبتها مع المقام.

الثانية : في أنّه هل يعتبر الوقوف على تمام القدمين ، أو يكفي بعضها من الأصابع أو أصلهما.

الثالثة : في أنّه هل يجزي الوقوف على الواحدة ، أو يعتبر على القدمين معاً.

١٩٢

أمّا الجهة الأُولى : فيقع الكلام تارة في التسوية في مرتبة الاعتماد وأُخرى في أصله.

إمّا التسوية من حيث المرتبة ، بأن لا يكون الثقل على إحدى الرجلين أكثر من الأُخرى ، فربما ينسب كما في الجواهر (١) إلى جمع لزوم مراعاتها ، استناداً إلى الأصل ودليل التأسي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صلّوا كما رأيتموني أُصلي » (٢) وبأنه المتبادر من الأمر بالقيام ، وبعدم الاستقرار بدونها.

والكل كما ترى ، فان مقتضى الأصل هو البراءة ، بناءً على ما هو الحق من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطي. ودليل التأسي مضافاً إلى منعه كبروياً لما تقدّم (٣) من النقاش في الحديث سنداً ودلالة لا صغرى له في المقام ، إذ لم تثبت رعاية هذه الكيفية في صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لم ندّع القطع بعدم تقيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك كما لا يخفى. والتبادر ممنوع جدّاً ، فإنه على تقديره بدوي لا اعتبار به. ومثله دعوى توقف الاستقرار على ذلك ، بداهة إمكان حصوله ولو بدون التسوية كما هو ظاهر ، وعليه فإطلاق أدلة القيام هو المحكّم.

ويؤيده : صحيح محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال : « رأيت علي بن الحسين عليه‌السلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل يتوكّأ مرّة على رجله اليمنى ، ومرّة على رجله اليسرى ... » إلخ (٤) وظاهره وإن كان هو النافلة التي يجوز فيها ترك القيام حتى اختياراً ، إلاّ أنّ المنسبق منه ولو‌

__________________

(١) الجواهر ٩ : ٢٥١.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٤٥.

(٣) في ص ١٠٠ ، ١٨٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٩٠ / أبواب القيام ب ٣ ح ١.

١٩٣

بضميمة أصالة الاشتراك (١) الثابتة بين الفريضة والنافلة في الأحكام ، جواز مثل ذلك في الفريضة أيضاً ، والتعبير عنه بالخبر كما في مصباح الفقيه (٢) المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى. وكيف كان ، فالعمدة هي المطلقات كما عرفت.

وأمّا التسوية في أصل الاعتماد ، بأن لا يكون تمام ثقله على إحدى الرجلين بحيث لا يصدر من الأُخرى سوى مماسّة الأرض من دون مشاركتها للأُولى في حمل الثقل فقد اعتبرها في الجواهر (٣) مصرّحاً بإلحاق مثل ذلك برفع إحدى الرجلين بالكلية القادح في الصحة. وما ذكره قدس‌سره من الإلحاق وجيه ضرورة عدم صدق الوقوف مع مجرد المماسّة ، إذ الوقوف على الشي‌ء متقوّم بنحو من الاعتماد والاتكاء ، فهو في حكم الواقف على إحداهما ، إلاّ أنّ مثل ذلك غير ضائر بالصحة كما ستعرف ، فالحكم في المقيس كالمقيس عليه هو الجواز.

وأمّا الجهة الثانية : فقد يقال كما في الجواهر : بوجوب الوقوف على تمام القدمين ، وعدم الاكتفاء بالبعض من الأصابع أو الأُصول ، استناداً إلى الأصل ودليل التأسي ، والتبادر ، وعدم الاستقرار بدون ذلك.

وفي الجميع ما لا يخفى ، فانّ مقتضى الأصل هو البراءة كما مرّ ، مع أنّه لا مجال له بعد إطلاق الدليل. وأمّا التأسي فلأنّ الصادر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان كذلك جزماً ، فالصغرى مسلّمة ، لكن الكبرى ممنوعة كما تقدّم. والتبادر في غاية المنع ، إذ لا يعتبر في حقيقة القيام التي هي هيئة مخصوصة في مقابل الجلوس كيفية خاصة قطعاً ، وكذا الاستقرار ، إذ لا تلازم بين الوقوف‌

__________________

(١) هذا الأصل لا أصل له كما سيأتي في مطاوي المسألة الخامسة عشرة.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٥٨ السطر ١٢.

(٣) الجواهر ٩ : ٢٥١.

١٩٤

على الأصابع أو أصل القدمين وبين عدمه كما هو ظاهر ، فلا مجال لشي‌ء من هذه الوجوه بعد إطلاق الدليل الذي هو المتبع.

وقد يستدل له برواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه ( طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) » (١). وقد وقع الكلام في المراد من هذا الحديث الوارد في تفسير الآية المباركة ، فقيل : إنّ الآية ناسخة لما كان يفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك الكيفية ، فتدل على نفي المشروعية. وعليه مبنى الاستدلال.

وقيل : بل هي ناظرة إلى نفي الإلزام نظير قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) فلا تدل على نفي المشروعية ، بل تلك الكيفية باقية على ما هي عليه من الرجحان والمحبوبية ، غايته أنّها غير واجبة.

لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم ، أمّا الأوّل : فلأنّ سياق الآية يشهد بورودها في مقام الامتنان ورفع ما يوجب الشقاء ، وهو التعب والكلفة عن النبي الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك إنّما يناسب نفي الإلزام دون المشروعية كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلوضوح أنّ ما كان يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك الكيفية لم يكن بقصد اللزوم والوجوب كي تنزل الآية لرفعه ، ولذا لم يأمر المسلمين بتلك الكيفية ، وإنّما اختارها هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنفسه مع عدم وجوبها حرصاً منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مزيد طلب الجهد‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٠ / أبواب القيام ب ٣ ح ٢.

(٢) الحج ٢٢ : ٧٨.

١٩٥

[١٤٦٩] مسألة ٩ : الأحوط انتصاب العنق أيضاً وإن كان الأقوى جواز الإطراق (١).

______________________________________________________

والمشقّة في سبيل الطاعة ، من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها ، فدأب عليها فترة طويلة حتى تورّمت قدماه ، فنزلت الآية الكريمة تحثه على تركها إشفاقاً به وتحذيراً من إلقاء نفسه الشريفة في المشقة والكلفة ، وإيعازاً إلى أنّه لا مزية لهذا الفرد ولا فضيلة له على غيره.

فظهر أنّ الآية لا تدل على نفي الإلزام كي تقتضي الاستحباب ، ولا على نفي المشروعية حتى تدل على النسخ وعدم الجواز ، بل مفادها نفي الفضيلة والرجحان فالاستدلال بها على عدم الجواز ساقط ، فالأقوى هو الجواز عملاً بالإطلاق.

وأمّا الجهة الثالثة : فقد ذهب جمع إلى عدم جواز الوقوف على الواحدة مستدلاً عليه بالأصل ، ودليل التأسي ، والتبادر ، وعدم الاستقرار.

وفي الجميع ما عرفت ، واستدل أيضاً بموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى ( طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) فوضعها » (١) والكلام في دلالة الآية على النسخ أو نفي الإلزام قد مرّ آنفاً ، فالأقوى جواز الوقوف على الواحدة أيضاً عملاً بإطلاق الأدلّة.

(١) قد عرفت (٢) وجوب انتصاب الظهر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه ». وأمّا انتصاب العنق ، فالمشهور استحبابه خلافاً‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩١ / أبواب القيام ب ٣ ح ٤.

(٢) في ص ١٠٩ ، ١٨٤.

١٩٦

[١٤٧٠] مسألة ١٠ : إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته ، وإن كان ذلك في القيام الركني ، لكن الأحوط فيه الإعادة (١).

______________________________________________________

للصدوق فأوجبه أيضاً (١) ، وخلافاً للحلبي حيث حكي عنه استحباب الإطراق كما هو شأن الأتقياء على ما ذكره في الجواهر (٢).

وقد استند الصدوق (٣) إلى مرسلة حريز عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : النحر الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره » (٤) ، فان بنينا على أنّ مراسيل حريز حجة كمسانيد غيره ، تمّ الاستدلال وثبتت مقالة الصّدوق ، وإلاّ فإن بنينا على ثبوت الاستحباب بأدلّة التسامح في السنن ، ثبت الاستحباب بهذه المرسلة وتمّت مقالة المشهور ، وإلاّ كما هو الأقوى فلا يثبت الوجوب ولا الاستحباب.

وأمّا استحباب الإطراق المنسوب إلى الحلبي فمستنده غير ظاهر ، ولعلّ وجهه أنه نوع من الخضوع والتذلل ، كما يصنعه الصغير أمام الكبير ، فهو بهذا العنوان الثانوي مستحب ، وإن لم يكن كذلك بعنوانه الأوّلي.

(١) أمّا نسيان هذه الأُمور في القيام غير الركني فعدم إخلاله بالصحة ظاهر‌

__________________

(١) حكاه عنه في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٠٤ ، السطر الأخير ، وحكاه عنه في الجواهر ٩ : ٢٥٣.

(٢) الجواهر ٩ : ٢٥٣.

(٣) [ لم نعثر على استناد الصدوق إلى هذه الرواية ، بل لم نعثر على هذه الرواية في كتبه فلعل التعبير الصحيح أن يقال : ويشهد للصدوق مرسلة حريز كما في المستمسك ٦ : ١٠٧ ].

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٩ / أبواب القيام ب ٢ ح ٣.

١٩٧

بعد ملاحظة حديث لا تعاد ، وكذا الحال في القيام الركني ، فانّ المتصل منه بالركوع قد عرفت عدم وجوبه مستقلا ، وإنّما اعتبر من أجل الدخل في حقيقة الركوع وتقوّمه به ، ومن الظاهر أنّ الذي يتوقف عليه مفهومه إنّما هو جامع القيام ، فلا يعتبر فيه الانتصاب ولا الاستقرار ولا الاستقلال ، لعدم دخل شي‌ء منها في مفهوم القيام. نعم ، ثبت اعتبار الانتصاب في مثل هذا القيام أيضاً بإطلاق الأدلة كما تقدّم (١) ، فلا يجوز الإخلال به عمداً ، وأمّا مع السهو فلا بأس به عملاً بحديث لا تعاد.

وأمّا الاستقرار ، فقد عرفت عدم الدليل على اعتباره في مثل هذا القيام فيجوز الإخلال به حتى مع العمد ، فمع السهو بطريق أولى. وعلى فرض اعتباره في حال العمد فينتفي اعتباره عند السهو بالحديث المزبور.

وأمّا الاستقلال ، فقد مرّ عدم وجوبه رأساً (٢) ، وعلى القول بالوجوب فينتفي اعتباره عند النسيان بحديث لا تعاد. فاتّضح عدم قدح الإخلال السهوي بشي‌ء من هذه الأُمور. نعم ، لو قلنا بدخلها في حقيقة القيام اتجه البطلان حينئذ لأدائها إلى الإخلال بالركوع المستثنى من حديث لا تعاد ، لكن المبنى في حيّز المنع كما أشرنا إليه.

وأمّا القيام حال تكبيرة الإحرام ، فقد سبق في محلّه أنّ الركن إنّما هو ذات القيام ، وأمّا هذه الأُمور فهي واجبات في القيام ولا دخل لها في حقيقة الركن وعليه فالإخلال بشي‌ء منها سهواً مشمول لحديث لا تعاد (٣).

وممّا ذكرنا ظهر التناقض بين ما أفاده قدس‌سره في المقام من الصحة لو‌

__________________

(١) في ص ١٠٩ ، ١٨٤.

(٢) في ص ١٨٤.

(٣) لاحظ ص ١١٢.

١٩٨

[١٤٧١] مسألة ١١ : لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما ولو على القول بوجوب الوقوف عليهما (١).

[١٤٧٢] مسألة ١٢ : لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة ، ولا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشية ، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات (٢).

______________________________________________________

أخلّ نسياناً بالاستقرار أو أحد أخويه ولو في القيام الركني ، وبين ما سبق منه قدس‌سره في المسألة الرابعة من مبحث التكبير من البطلان لو أخلّ بالاستقرار حال التكبير عمداً كان أو سهواً ، فانّ التهافت بينهما ظاهر ، والصحيح ما أفاده في المقام كما عرفت.

(١) قدّمنا الكلام حول هذه المسألة في ذيل المسألة الثامنة فلاحظ.

(٢) قد عرفت (١) جواز الاعتماد حتى اختياراً ، وعلى القول بالمنع فلا ريب في الجواز مع الاضطرار ، ولا يختص حينئذ بالاعتماد على شي‌ء معيّن ، بل يجوز على كل شي‌ء يمكن الاتكاء عليه من الحائط أو الإنسان أو الخشبة ونحوها وذلك لأنّ مستند الحكم كان صحيحة ابن سنان ، وموثقة ابن بكير المتقدمتين (٢) والمذكور فيهما وإن كان هو الخمر والحائط والعصا ، إلاّ أنّ ذكر هذه من باب المثال ، وإلاّ فلو كان الحكم مقصوراً عليها كان اللاّزم جواز الاعتماد حال الاختيار على غير هذه الأُمور من إنسان ونحوه ، ولا شك أنّ الأصحاب لم يلتزموا بذلك ، فانّ من منع عن الاعتماد اختياراً لم يفرّق بين تلك الأُمور وغيرها قطعاً ، فيكشف ذلك عن أنّ ذكرها إنّما هو من باب المثال.

__________________

(١) في ص ١٨٤.

(٢) في ص ١٨٦.

١٩٩

[١٤٧٣] مسألة ١٣ : يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (١).

______________________________________________________

فالمتحصل من الروايتين على القول بالمنع : عدم جواز الاستناد على شي‌ء مطلقاً اختياراً ، وجوازه كذلك اضطراراً.

ومنه تعرف الحال في سناد الأقطع ، وأنّه لا يعتبر فيه أن يكون الخشبة المعدّة لمشية ، بل يجوز الاعتماد على غيرها من المذكورات كما ذكره في المتن. على أنّ الحكم ، أعني عدم الاختصاص بشي‌ء معيّن ، مورد للإجماع وتسالم الأصحاب.

ثم مع الغض عن ذلك والانتهاء إلى الأصل العملي فمقتضاه هو البراءة عن تعيّن شي‌ء بخصوصه كما هو الشأن في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي. وما يقال من أنّ المقام من موارد الشك في التعيين والتخيير والمرجع فيه أصالة الاحتياط قد عرفت ما فيه غير مرّة ، وأنّ الثاني من صغريات الأوّل بل هو بعينه يعبّر عنه تارة بالأقل والأكثر وأُخرى بالتعيين والتخيير ، والمرجع هو البراءة دون الاشتغال.

(١) لا إشكال في وجوب الاستناد على شي‌ء حال الاضطرار عند التمكن منه ولو مع الواسطة ، من شراء أو استئجار أو استيهاب ونحوها ، فانّ المقدور مع الواسطة مقدور ، فيجب تحصيل السناد شرعاً بشراء ونحوه من باب المقدّمة لتوقف الاستناد الواجب عليه على الفرض ، إن قلنا بوجوب المقدمة شرعاً وإلاّ فيجب عقلاً ، لما عرفت من توقف امتثال الواجب عليه ، نظير شراء الماء للوضوء ، فلا يجوز له الاستناد على المغصوب من غير شراء أو استئجار ونحوهما فإنّ المقدّمة وإن كانت هي جامع السناد ، لكن وجوبها يختص بالفرد المباح ولا يتعلّق الأمر شرعاً أو عقلاً إلاّ بالحصة المباحة كما حرّر في محلّه في الأُصول (١).

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣١ ، الثاني.

٢٠٠