موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٤٥٩] مسألة ١٥ : ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية (١) وإلاّ فيكفي مطلق الرفع ، بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين (*) دون الأُخرى.

______________________________________________________

(١) فإنّ ما سبق في الكيفية من رفع اليدين إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر وإن ورد بها النص كما عرفت ، إلاّ أنّه يدل على الاكتفاء بمطلق الرفع ما ورد في وصية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام من قوله : « وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما » (١) إذ لا مقتضي لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، فتكون تلك الكيفية أفضل الأفراد مع عموم الاستحباب لغيرها.

ومنه تعرف أنّ الاستقبال بباطن اليدين إلى القبلة المذكور في رواية منصور (٢) أيضاً كذلك.

وأمّا جواز رفع إحدى اليدين دون الأُخرى فهو مشكل وإن لم يستبعده في المتن ، لاختصاص النصوص برفع اليدين معاً ، فلا دليل على استحباب الواحدة عدا توهم استفادته من التعليل الوارد في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة (٣) من أنّه ضرب من الابتهال والتبتل. وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ ، أنّ مورده‌

__________________

الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود قال : هي العبودية ». الوسائل ٦ : ٢٩٧ / أبواب الركوع ب ٢ ح ٣. حيث لم يفرض فيها اقتران الرفع بالتكبير.

(*) لا بأس بالإتيان به رجاءً.

(١) الوسائل ٦ : ٢٨ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٧ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٦.

(٣) في ص ١٥٥.

١٦١

[١٤٦٠] مسألة ١٦ : إذا شكّ في تكبيرة الإحرام ، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ، وإن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان (*) ، وإن شكّ بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم (**) ، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها ، وإن شكّ في الصحة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحة (١).

______________________________________________________

أيضاً رفع اليدين ، ولعل لانضمامهما مدخلية في حصول العلّة ، فلا يمكن الجزم بالاستحباب ، نعم لا بأس بالإتيان بعنوان الرجاء.

(١) قد يفرض الشك في وجود التكبيرة وأُخرى في صحتها بعد العلم بالوجود.

أمّا الأوّل : فلا ريب في وجوب الاعتناء والبناء على العدم فيما إذا كان الشك قبل الدخول فيما بعدها ، لمفهوم قوله عليه‌السلام في بعض أخبار قاعدة التجاوز : « إذا شككت في شي‌ء ودخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » الدال على لزوم الاعتناء بالشك قبل تجاوز المحل. مضافاً إلى استصحاب العدم السالم عن أيّ دليل حاكم.

كما لا ريب في عدم الاعتناء فيما إذا كان الشك بعد الدخول فيما بعدها من الجزء الوجوبي كالقراءة ، لقاعدة التجاوز المستفادة من نصوص كثيرة الحاكمة على الاستصحاب المزبور ، بل إنّ صحيحة زرارة (١) صريحة في عدم الاعتناء بالشك في التكبير بعد ما قرأ.

__________________

(*) يشكل ذلك قبل الدخول في القراءة ، ولا بأس بالإتيان بها رجاءً.

(**) الأظهر هو البناء على الصحة.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

١٦٢

إنّما الكلام فيما إذا كان الشك المذكور بعد الدخول في الجزء المستحب من الاستعاذة أو دعاء التوجه ، فانّ في جريان القاعدة حينئذ خلافاً تعرّضنا له ولتحقيق الحال فيه في الأُصول (١) وملخّصه :

أنّه قد اعتبر في لسان أخبار الباب عنوان الدخول في الغير ، فهل المراد به مطلق ما كان مغايراً للمشكوك وإن لم يكن مترتباً عليه كالفعل العادي أو مطلق الذكر والدعاء والقرآن ، أو المراد خصوص ما كان مترتباً؟ وعلى الثاني فهل يختص الجزء المترتب بما كان مسانخاً للمشكوك فيه في الوجوب أو يعمّه وغير المسانخ؟

وجوه ، بل أقوال. فعلى الأوّل والأخير تجري القاعدة في المقام دون الثاني.

لكن لا سبيل إلى الأوّل ، لأنّ المأخوذ في الأخبار عنوان الدخول في الغير المستلزم للخروج عن المشكوك فيه ، وحيث لا معنى للخروج عن نفسه للشك في أصله ، فلا محالة يراد به الخروج عن محله المتوقف على الدخول فيما هو مترتب عليه ، وإلاّ فمجرد الإتيان بغيرٍ لا ترتب بينه وبين المشكوك فيه لا يحقق عنوان التجاوز عن المحل بالضرورة ، فعنوان الدخول والخروج يستدعيان اختصاص الغير بما يكون مترتّباً.

ومن هنا ذكرنا في محلّه (٢) أنّه لو قام إلى الركعة الثالثة وشكّ في الإتيان بالسجدتين مع تذكره حينئذ فوت التشهد لا تجري القاعدة فيهما ، فانّ الشك المزبور وإن كان بعد الدخول في الغير وهو القيام إلاّ أنّ هذا القيام لأجل وقوعه على صفة الزيادة من جهة ترك التشهد المستلزم لهدمه وتداركه ، لا يكون مترتباً على المشكوك فيه ، لعدم كونه مصداقاً للمأمور به. نعم ، بناءً على القول‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

(٢) في شرح المسألة [٢١٥٠].

١٦٣

الآخر أعني الاكتفاء بمطلق الغير تجري القاعدة حينئذ.

كما لا سبيل إلى القول الأخير المبني على التمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة زرارة : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) الذي هو بمنزلة إعطاء ضابط كلي ، إذ فيه : أنّ الأمثلة المذكورة في الصحيحة من الشك في التكبيرة وهو في القراءة ، وفيها وهو في الركوع ، وفيه وهو في السجود كلها من قبيل الشك بعد الدخول في الجزء الوجوبي ، فلا ينعقد الإطلاق لذاك الضابط بحيث يعمّ الجزء الاستحبابي ، إذ من الجائز أن تكون هذه قرينة على اختصاص الضابط بموارد الجزء الوجوبي فيكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة الموجب للإجمال ، إذ معه لم يحرز كونه عليه‌السلام في مقام البيان من جميع الجهات كي ينعقد الإطلاق.

هذا ، مع أنّا أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى التنافي بين الجزئية والاستحباب ، إذ مقتضى الأوّل دخل شي‌ء في الماهية وتقوّمها به المستلزم لانتفائها بانتفائه ، فكيف يجتمع ذلك مع الثاني الراجع إلى جواز الترك وعدم الدخل ، فما يتراءى من الأجزاء المستحبّة مرجعها إلى استحباب شي‌ء ظرفه الواجب. وعليه فعدم جريان القاعدة حينئذ أظهر ، لعدم ترتبٍ بين المستحب والمشكوك فيه بوجه.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف : أنّ المتعيّن إنّما هو القول الثاني ، أعني اختصاص الغير بالجزء الوجوبي ، فلا يكفي الدخول في المستحب ، بل الشك معه من الشك في المحل ، ويزيده وضوحاً أنّه لا شك في عدم جريان قاعدة التجاوز لو رأى نفسه في التعقيب وشكّ في أنّه هل صلّى أو دخل في التعقيب ابتداءً ، مع أنّه مستحب مترتب على الصلاة ، فلو كان مطلق الدخول في الغير‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

١٦٤

المترتب وإن لم يكن مسانخاً كافياً في جريان القاعدة ، لزم البناء على الإتيان بالصلاة في المثال ، مع أنّه لا يبنى عليه بلا إشكال فتأمّل.

وأمّا الثاني : أعني الشك في الصحة بعد العلم بالوجود ، فان كان بعد الدخول في الغير ، فلا ينبغي الشك في الحكم بالصحة لقاعدة الفراغ ، بناءً على ما هو الصحيح من جريانها في أجزاء المركب كنفسه ، لعدم قصور في إطلاق قوله عليه‌السلام في موثق ابن مسلم : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (١) للشمول للأجزاء ، بل إنّ الشك في الصحة يرجع في الحقيقة إلى الشك في الوجود أي في وجود الصحيح إذ لا نعني به إلاّ الشك في وجود المأمور به المساوق للصحيح لا في مطلق الوجود ، فتشمله أدلّة قاعدة التجاوز ، ولذا ذكرنا في محله أنّ القاعدتين الفراغ والتجاوز مرجعهما إلى قاعدة واحدة ، وتمام الكلام في محله (٢).

وأمّا إذا كان قبل الدخول في الغير ، فالأقوى أيضاً ذلك ، لعدم اعتبار الدخول في الغير في مورد قاعدة الفراغ أعني الشك في الصحة ، وإنّما اعتبرناه في مورد التجاوز ، لعدم صدق المضي والتجاوز عن الشي‌ء المشكوك وجوده إلاّ بالتجاوز عن محلّه المتوقف على الدخول في الغير ، وأمّا المشكوك صحته فالمضي عنه إنّما يتحقق بمجرّد الفراغ منه من دون حاجة إلى الدخول في الغير ، فيشمله قوله عليه‌السلام في موثق ابن مسلم المتقدم : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ».

فما أفاده في المتن من البناء على العدم حينئذ في غير محله.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٩ ، [ اختار فيه إمكان كونهما قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز بحسب مقام الثبوت ، وأمّا بحسب مقام الإثبات فقد اختار أنهما قاعدتان ].

١٦٥

وإذا كبّر ثم شكّ في كونه تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على أنّه للإحرام (١).

فصل في القيام

وهو أقسام : إمّا ركن وهو القيام حال تكبيرة الإحرام (٢) ، والقيام المتصل بالركوع ، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام ، فلو كبّر للإحرام جالساً أو في‌

______________________________________________________

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من أنّ الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها فعجيب ، إذ كيف يكون الإبطال موافقاً للاحتياط مع احتمال صحة الصلاة كما هو المختار على ما عرفت والبناء على حرمة قطع الفريضة كما عليه المشهور. فهذا الاحتياط وإن أُحرز معه صحة الصلاة لكنه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى ، لاحتمال ارتكاب الحرام من أجل قطع الفريضة ، بل إنّ سبيل الاحتياط في المقام الإتيان بتكبيرة اخرى رجاءً بقصد أنّه إن كانت الأُولى باطلة فالافتتاح يقع بهذه وإلاّ فتقع ذكراً. ومثل هذه الزيادة المأتي بها بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئية غير مشمولة لأدلّة الزيادة العمدية المبطلة ، لاختصاصها بما إذا أتى بها بنيّة جزميّة لا بقصد الرجاء كما عرفت سابقاً.

(١) والوجه فيه ظاهر ، إذ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في وجود القراءة وحيث إنّه في المحل لزم الاعتناء به عملاً بالاستصحاب وقاعدة الشك في المحل.

(٢) لا ريب في وجوب القيام في الصلاة في الجملة كتاباً وسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ... ) إلخ (١) بضميمة ما ورد في تفسيره (٢) من أنّ الذكر هو الصلاة ، والقيام فيها وظيفة الأصحّاء ، كما‌

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.

١٦٦

حال النهوض بطل ولو كان سهواً ، وكذا لو ركع لا عن قيام بأن قرأ جالساً ثم ركع ، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها وركع ، وإن نهض متقوِّساً إلى هيئة الركوع القيامي.

______________________________________________________

أنّ القعود وظيفة المرضى ، ( وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) من هو دون المرضى.

وأمّا السنّة ، فروايات كثيرة جملة منها معتبرة كصحيحة زرارة قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : وقم منتصباً فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (١) وغيرها.

وهل هو ركن مطلقاً أو في خصوص حال التكبير للإحرام والمتصل بالركوع أو ليس بركن؟

مقتضى إطلاق كلمات جملة من الأصحاب أنّه ركن على الإطلاق تبطل الصلاة بنقيصته عمداً وسهواً ، مستدلين عليه بإطلاق دليل الوجوب ممّا عرفت الشامل لحال السهو ، بل وزيادته كذلك بناءً على ما هو المعروف عندهم من تفسير الركن بما يعمّ الإخلال من حيث الزيادة كالنقيصة.

ومن هنا أشكل الأمر في كيفية تصوير الزيادة في القيام من حيث هو ، فإنّه لا يتحقق في تكبيرة الإحرام إلاّ بتكرارها كما لا يتحقق في المتصل بالركوع إلاّ بتعدد الركوع ، وحينئذ يستند البطلان إلى زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع دون القيام وإلاّ فمن الضروري أنّ زيادة مجرد القيام كما لو نسي التشهد فقام ثم تذكّر فعاد لا يوجب البطلان.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الإخلال بالقيام حال تكبيرة الإحرام مبطل للصلاة عمداً كان أو سهواً. أمّا الأوّل ، فلدليل وجوبه من الكتاب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١.

١٦٧

والسنّة كما مرّ. وأما الثاني ، فلموثقة عمّار ، قال عليه‌السلام فيها : « وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم » إلخ (١). فهو ركن فيها بمعنى أنّ تركه عمداً وسهواً مبطل.

وهل هو ركن مستقل في عرض تكبيرة الإحرام أو أنّه شرط فيها ومقوّم لركنيتها ، فليس الركن إلاّ التكبيرة المقيدة بكونها في حال القيام ، كما لعله الأظهر؟ لا أثر عملي لهذا البحث أصلاً كما لا يخفى.

وأمّا الإخلال به فيها من حيث الزيادة فقد عرفت أنّه لا يتصور إلاّ بزيادة تكبيرة الإحرام ، وحينئذ فتبطل الصلاة بزيادتها أيضاً سهواً فضلاً عن العمد ، بناءً على المشهور في ذلك ، وأمّا على المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً كما عرفت سابقاً فلا ، وقد أشرنا فيما سبق أنّ المناط في الركنية رعاية الإخلال العمدي والسهوي من حيث النقيصة دون الزيادة.

وأمّا القيام حال القراءة ، فهو واجب بالأدلة المتقدمة ، لكنّه ليس بركن فلا يقدح الإخلال به سهواً ، فلو قرأ جالساً سهواً مع مضي محل التدارك صحت صلاته ، عملاً بعموم حديث لا تعاد ، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة. ومنه يظهر الحال في القيام بعد الركوع.

وأمّا القيام المتصل بالركوع ، فهو واجب ركني تبطل الصلاة بتركه حتى سهواً ، وذلك لدخله في مفهوم الركوع ، فانّ حقيقته متقوّم بالانحناء الخاص عن قيام ، يقال : شجرة راكعة ، أي منحنية بعد الاستقامة ، وإلاّ فمجرّد الانحناء غير المسبوق بالقيام كالمخلوق كذلك ، وكما لو نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي ، لا يطلق عليه الركوع لا لغة ولا عرفاً ، بل هو على هيئة الراكع.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

١٦٨

وعليه فالإخلال بمثل هذا القيام حيث إنّه يؤدي إلى الإخلال بالركوع فتركه حتى سهواً يوجب البطلان ، لكونه في الحقيقة إخلالاً بالركوع الذي هو من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد. وأمّا الإخلال به من حيث الزيادة فلا تتصور إلاّ بزيادة الركوع المبطلة ولو سهواً بلا إشكال ، وهنا أيضاً كالتكبير لا أثر للبحث عن أنّ القيام ركن مستقل أم شرط مقوّم للركوع ، وإن كان الأظهر هو الثاني كما عرفت ـ ، فإنّ الإخلال به نقصاً وزيادة لا يكون إلاّ بنقيصة الركوع وزيادته ، ومعهما يتحقق البطلان ، سواء استند إلى الإخلال بالركوع أم بالقيام المتصل به.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ القيام في حالات تكبيرة الإحرام ، والقراءة والمتصل بالركوع ، وما بعد الركوع واجب ، كل ذلك لإطلاق الأدلّة ، والركن منها هو الأوّل والثالث ، فتبطل الصلاة بتركه فيهما عمداً وسهواً ، كما تبطل بزيادته ولو سهواً في الثالث بلا إشكال ، وكذا في الأوّل على المشهور من البطلان بزيادة تكبيرة الإحرام السهوية ، وإن كان الأقوى خلافه.

وبذلك يستغنى عن التعرض لكثير ممّا ذكر في المقام من النقض والإبرام ، إذ لا طائل تحتها كما لا يخفى ، هذا.

وقد يناقش فيما ذكرناه من دخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع : بمنع الدخل ، إذ الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً مع عدم سبقه بالقيام فالدليل على ركنيته منحصر بالإجماع.

وفيه : من الخلط ما لا يخفى ، إذ لا ندعي دخل مطلق القيام في كل ركوع بل المدعى تقوّم الركوع بالقيام المناسب له حسب الوظيفة الفعلية ، فالركوع من الجالس متقوّم بالانحناء عن استقامة جلوسية ، كما أنّ الركوع القيامي متقوّم بالانحناء عن استقامة قيامية ، فمن كانت وظيفته الركوع القيامي لا يجديه سبقه بالاستقامة الجلوسية ، بأن يقوم عن الجلوس متقوّساً إلى حدّ الركوع ، فانّ ذلك معتبر في من كانت وظيفته الركوع الجلوسي لا مطلقاً.

١٦٩

وكذا لو جلس ثم قام متقوِّساً من غير أن ينتصب ثم يركع (*) ولو كان ذلك كلّه سهواً (١).

______________________________________________________

وهذا نظير أن يصلي متيمماً مع كونه واجداً للماء ، فانّ التيمم وإن كان طهوراً ولا صلاة إلاّ بطهور ، لكنه وظيفة الفاقد دون الواجد ، فكما لا يكفي التيمم هناك ، لا تكفي الاستقامة الجلوسية فيما نحن فيه ، للزوم جري المكلف على طبق وظيفته الفعلية. وعلى الجملة : فليست الدعوى تقوّم الركوع بالقيام مطلقاً حتى يتوجه النقض بالركوع الجلوسي كما ذكر.

فالدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع وركنيته ليس إلاّ ما عرفت من دخله في مفهوم الركوع لتقومه به ، فالإخلال به إخلال به.

وأمّا الاستدلال بالإجماع فساقط ، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام بعد احتمال استناد المجمعين لهذا الوجه ، لو لم ندّع القطع بذلك لاستدلال غير واحد به صريحاً.

(١) قد عرفت تقوّم الركوع بالقيام ، فلو أخلّ به بأن لم يأت بالقيام أصلاً كما لو قرأ جالساً ، أو جلس بعد القراءة أو أثنائها ثم نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي بطلت صلاته ولو كان ذلك سهواً ، للإخلال بالركوع ، فانّ غير المسبوق منه بالقيام ليس من حقيقة الركوع في شي‌ء ، وإنّما هو على هيئة الراكع كما عرفت.

وأمّا لو قام في هذه الفروض متقوّساً إلى أن تجاوز حدّ الركوع ، غير أنّه لم‌

__________________

(*) الانتصاب حال القيام الواجب وإن كان لازماً مطلقاً إلاّ انّه غير معتبر في حقيقته وبما أنّه لا دليل على وجوب القيام قبل الركوع غير دخله في تحققه فلو قام متقوساً إلى أن وصل إلى حدّ القيام ثمّ ركع من غير انتصاب سهواً أجزأه ذلك على الأظهر.

١٧٠

وواجب غير ركن ، وهو القيام حال القراءة وبعد الركوع (١) ، ومستحب وهو القيام حال القنوت وحال تكبير الركوع ، وقد يكون مباحاً ، وهو القيام‌

______________________________________________________

ينتصب قائماً ثم ركع فكان ركوعه عن قيام غير منتصب ، فلا شك في البطلان حينئذ لو كان ذلك عن عمد ، لإخلاله بالانتصاب الواجب بمقتضى إطلاق الأدلّة ، مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) « قم منتصباً » الشامل بإطلاقه لمثل هذا القيام.

وبعبارة اخرى : دلت هذه الأدلة بمقتضى الإطلاق على وجوب الانتصاب مهما وجب القيام ، فلا يجتزأ بالقيام الانحنائي ، وقد ثبت وجوب القيام في المقام بمقتضى دخله في مفهوم الركوع كما عرفت. وبعد ضم الكبرى إلى الصغرى ينتج وجوب الانتصاب في القيام المتصل بالركوع ، فالإخلال به عمداً يوجب البطلان.

وأمّا لو أخلّ به سهواً ، فالأقوى عدم البطلان ، وذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع فضلاً عن ركنيته عدا دخله في تحقق الركوع وتقوّمه به ، ومن الواضح أنّ الدخيل إنّما هو جامع القيام الأعم من المشتمل على الانتصاب وعدمه ، فانّ الركوع المسبوق بالقيام الانحنائي ركوع حقيقة ، فالانتصاب واجب آخر معتبر في القيام ، وعليه فالإخلال به سهواً غير قادح أخذاً بعموم حديث لا تعاد ، لعدم كون الانتصاب من الخمسة المستثناة.

(١) قد تحصّل من جميع ما قدمناه أنّ القيام على أقسام : واجب ركني بمعنى بطلان الصلاة بتركه عمداً وسهواً ، وواجب غير ركني ، ومستحب ، ومباح.

أمّا الأوّل : فهو القيام حال تكبيرة الإحرام والمتصل بالركوع.

وأمّا الثاني : فهو القيام حال القراءة فإنّه واجب بمقتضى الكتاب والسنّة كما‌

__________________

(١) في ص ١٦٧.

١٧١

بعد القراءة أو التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشي‌ء ، وذلك في غير المتصل بالركوع وغير الطويل الماحي للصورة.

[١٤٦١] مسألة ١ : يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها بل يجب من باب المقدّمة قبلها وبعدها (١) فلو كان جالساً وقام للدخول في الصلاة وكان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل ، كما أنّه لو كبّر المأموم وكان الراء من أكبر حال الهوي للرّكوع كان باطلاً ، بل يجب أن يستقرّ قائماً ثم يكبِّر ، ويكون مستقرّاً بعد التكبير ثم يركع.

______________________________________________________

مرّ ، وليس بركن بمقتضى حديث لا تعاد ، الدال على صحة الصلاة مع الإخلال بكل جزء أو شرط عدا الخمسة المستثناة ، وكذا الحال في القيام بعد الركوع.

وأمّا الثالث : فهو القيام حال القنوت ، والمراد من استحبابه حاله جواز تركه بترك القنوت كما سيتعرض له الماتن (١) ، لا تركه حال القنوت بأن يقنت جالساً ، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك ، فهو في الحقيقة واجب شرطي وليس من المستحب الاصطلاحي ، فحاله حال الطهارة لصلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة ، لا الإتيان بالنافلة بدونها كما هو ظاهر.

وأمّا الرابع : فهو القيام بعد القراءة ، أو التسبيح ، أو القنوت أو أثنائها ، فإنّه يجوز الفصل بينها بمقدار لا تمحى معه الصورة كما يجوز الوصل ، فالقيام حال هذه السكنات مباح إلاّ مع الفصل الطويل الماحي فيحرم.

(١) أي من باب المقدمة العلمية ، حيث إنّ القيام في تكبيرة الإحرام واجب من أوّلها إلى آخرها ، وبما أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا يكاد يحصل القطع بالفراغ وحصول الامتثال خارجاً إلاّ بسبق القيام على‌

__________________

(١) في ص ١٧٥.

١٧٢

[١٤٦٢] مسألة ٢ : هل القيام حال القراءة وحال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ، الأحوط الأوّل والأظهر الثاني (*) فلو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت قراءته وفات محل القيام ، ولا يجب استئناف القراءة لكن الأحوط الاستئناف قائماً (١).

______________________________________________________

أوّلها آناً ما ، ولحوقه بها من آخرها كذلك.

وعليه فاللازم على المأموم الصبر هنيئة حتى يقطع بوقوع تمام التكبيرة حال القيام ثم يهوي إلى الركوع ، فلو وقع الراء من أكبر حال الهوي بطل.

(١) تردّد قدس‌سره في أنّ القيام حال القراءة ، وكذا التسبيحات الأربع هل هو شرط فيهما كما قد يقتضيه ظواهر النصوص ، أو أنّه واجب مستقل حالهما في عرض سائر الأجزاء ، كما لعلّه الظاهر من كلمات الأصحاب حيث يعدّونه جزءاً مستقلا من أجزاء الصلاة ، ويساعده ظاهر قوله عليه‌السلام : « وقم منتصباً » في صحيحة زرارة المتقدمة (١) ، ثم استظهر الثاني وجعل الأوّل أحوط.

وفرّع قدس‌سره على مختاره صحة القراءة وعدم وجوب استئنافها فيما لو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو أثناءها ، إذ لا إخلال حينئذ إلاّ بالقيام وأمّا القراءة فهي صحيحة قد سقط أمرها ، لعدم اشتراطها بشي‌ء على الفرض وحيث فات محل القيام لسقوط الأمر بالقراءة فلا موقع لتداركه ، وبما أنّ فوته مستند إلى النسيان فهو مشمول لحديث لا تعاد ، وهذا بخلاف المبنى الآخر‌

__________________

(*) بما أنّ أجزاء الصلاة ارتباطية فكل جزء منها مشروط بغيره من الأجزاء المتقدّمة والمتأخّرة والمقارنة ، وعليه فالقراءة في غير حال القيام فاقدة للشرط ولو كان القيام بنفسه جزءاً ، فيجب استئنافها تحصيلاً للحصة الواجبة قبل فوات محلّها.

(١) في ص ١٦٧.

١٧٣

لبطلان القراءة حينئذ من جهة الإخلال بشرطها فلم يسقط أمرها ، وحيث إنّ محلها باق لفرض التذكر قبل الدخول في الركوع وجب استئنافها.

أقول : الظاهر أنّه لا أثر لهذا النزاع ، والبحث علمي بحت كما ذكرنا نظيره في القيام حال تكبيرة الإحرام ، فإنّ الثمرة العملية المزبورة غير تامّة للزوم استئناف القراءة على التقديرين ، أما على الشرطية فواضح كما مرّ ، وأما بناءً على وجوبه حال القراءة ، فلوضوح أنّ أجزاء الصلاة بأسرها ارتباطية ، ومقتضى ذلك اختصاص الجزئية بصورة الانضمام بسائر الأجزاء. فالركوع مثلاً إنّما يعدّ من أجزاء الصلاة إذا كان مسبوقاً بالقراءة وملحوقاً بالسجود ، ومقارناً للستر والاستقبال والطهارة ونحوها ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء ، فانّ فرض الارتباطية بينها يستدعي الاشتراط بأمر سابق أو لاحق أو مقارن على سبيل منع الخلو.

وعليه فالقراءة الواجبة المحسوبة من أجزاء الصلاة هي الحصّة المقارنة للقيام بعد فرض وجوبه حالها ، فغير المقارن غير واجب ، والقراءة الجلوسية ليست من أجزاء الصلاة للمتمكن من القيام ، فلو قرأ جالساً لم يأت بعد بالجزء الواجب فيجب استئناف القراءة لعدم سقوط أمرها ، فاذا استأنفها قائماً صحّت الأجزاء السابقة من التكبيرة أو الركعة أيضاً ، لحصول شرطها أعني اللحوق بالقراءة المأمور بها.

وبعبارة اخرى : لا قصور في تلك الأجزاء في حدّ أنفسها ، عدا عدم اتصافها بالملحوقية بالقراءة المأمور بها بمقتضى الارتباطية الملحوظة بينها ، وبعد استئنافها يحصل الاتصاف لا محالة ، فلا موجب لإعادتها كما توهّم. وعلى الجملة : لا مناص من أخذ القيام قيداً مقارناً للقراءة بمقتضى الارتباطية ، سواء لوحظ شرطاً مقوّماً لها أم واجباً مستقلا حالها ، فمع الإخلال به وجب استئنافها على التقديرين لعدم حصول الجزء فلا أثر عملي لهذا البحث.

١٧٤

[١٤٦٣] مسألة ٣ : المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت (١) أنّه يجوز تركه بتركه ، لا أنّه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً ، لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالساً ، وأنّ القيام مستحب فيه لا شرط ، وعلى ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت بل تبطل صلاته للزيادة (*) (٢).

______________________________________________________

(١) تقدّمت الإشارة (١) إلى أنّ إطلاق المستحب على القيام حال القنوت مبني على ضرب من التسامح وأنّه بالوجوب الشرطي أشبه ، إذ ليس المراد جواز تركه حال القنوت ، لعدم ثبوت مشروعية القنوت جالساً ، بل المراد تركه بترك القنوت ، فهو نظير الطهارة بالإضافة إلى صلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة لا تركها حال التنفل. وهذا ، أعني عدم مشروعية القنوت جالساً كأنه من المسلّمات المفروغ عنها بينهم ، وأنّ القيام شرط فيه لا مستحب حاله.

ويمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى الأخبار المتضمنة لتعيين محله وأنّه بعد القراءة وقبل الركوع ، إذ لا ينسبق إلى الذهن منها الجلوس بينهما كما لا يخفى بموثقة عمار الواردة في نسيان القنوت قال عليه‌السلام فيها : « إن ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً وليقنت ثم ليركع ... » إلخ (٢).

(٢) أمّا عدم الإتيان بوظيفة القنوت فظاهر ممّا مرّ ، لاختصاص الوظيفة‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) في ص ١٧٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٨٦ / أبواب القنوت ب ١٥ ح ٢.

١٧٥

[١٤٦٤] مسألة ٤ : لو نسي القيام حال القراءة (١) وتذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته ، ولو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مرّ (*).

______________________________________________________

بحال القيام وعدم ثبوت مشروعيته جالساً ، بل قد يكون مرتكباً للحرام إذا قصد به التشريع كما لا يخفى.

وأمّا بطلان الصلاة بذلك من جهة الزيادة ففيه إشكال ، بل منع ، لاختصاص الزيادة المبطلة بإدخال شي‌ء في الصلاة بقصد الجزئية ولم يكن مأموراً به ، وحيث إنّ القنوت لم يقصد به الجزئية أبداً ، حتى القنوت المأمور به الواقع حال القيام لما تقدّم من المنافاة بين الجزئية والاستحباب ، فلا يكاد يتصف القنوت المزبور بالزيادة ، بل غايته أنّه عمل عبث واقع أثناء الصلاة ، ومثله لا يقتضي البطلان ما لم يستلزمه من ناحية أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة ونحو ذلك.

(١) بأن قرأ جالساً ، فان تذكره بعد الدخول في الركوع والوصول إلى حدّه صحت صلاته ، لتجاوز محل التدارك بالدخول في الركن ، إذ التدارك حينئذ يستلزم زيادة الركن المبطلة.

وإن كان التذكر قبله ، فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الاستئناف ، لكنه ظهر ممّا مرّ أنّ الأقوى ذلك ، لما عرفت من أنّ القراءة الواجبة هي الحصة المقارنة للقيام بمقتضى فرض الارتباطية ، فغير المقارن لا يكون مصداقاً للواجب ، وحيث أنّه أخلّ به والمحل باق وجب التدارك.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك كما مرّ.

١٧٦

[١٤٦٥] مسألة ٥ : لو نسي القراءة أو بعضها وتذكر بعد الركوع صحّت صلاته إن ركع عن قيام ، فليس المراد من كون القيام المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة (١).

[١٤٦٦] مسألة ٦ : إذا زاد القيام ، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته ، وكذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً ، وأمّا زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون زيادة ركن آخر ، فانّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلاّ بزيادتها ، وكذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلاّ بزيادته ، وإلاّ فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع وتذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع وأتى بما نسي ثم ركع وصحت صلاته ، ولا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلاً بالركوع حتى يلزم زيادته إذ لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلاً به ، وكذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حده أنّه أتى به ، فإنّه يجلس للسجدة ولا يكون قيامه قبل الانحناء متصلاً بالركوع ليلزم الزيادة (٢).

______________________________________________________

(١) بل المراد القيام آناً ما قبل الركوع بحيث يركع عن قيام ، سواء أكان بعد تمام القراءة أو في أثنائها أم بدونها كما هو واضح.

(٢) قد تفرض الزيادة في القيام غير الواجب ، وأُخرى في الواجب غير الركن وثالثة في القيام الركني.

أمّا الأوّل : كما لو قام في محل القعود سهواً ، فلا إشكال في عدم البطلان لعدم قصد الجزئية بعد فرض عدم الوجوب ، ولا تتحقق الزيادة إلاّ بقصدها كما مرّ ، وفي وجوب سجدة السهو عليه حينئذ كلام يأتي في محله (١) ، بل لا يبعد‌

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ٦٣٥ بعد المسألة [٢١٠٢] ، السادس.

١٧٧

[١٤٦٧] مسألة ٧ : إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده (١) ،

______________________________________________________

الجواز حتى مع العمد ، كما لو قام لغاية أُخرى ما لم يستلزم البطلان من جهة أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة.

وأمّا الثاني : فكالقيام حال القراءة ، والقيام بعد الركوع ، والأوّل لا تتصوّر الزيادة فيه إلاّ بزيادة القراءة ، إذ الواجب إنما هي الحصة المقارنة للقراءة جزءاً أو شرطاً على الخلاف المتقدِّم التي لا تتكرر إلاّ بتكرر نفس القراءة ، ومثله أيضاً لا يوجب البطلان إذا كان سهواً ، عملاً بحديث لا تعاد. وكذا الحال في الثاني ، كما لو اعتقد عند الهويّ إلى السجود عدم القيام بعد الركوع ، فقام ثم تذكر الإتيان ، فإنّ هذه الزيادة أيضاً غير مبطلة لما عرفت من الحديث.

وأمّا الثالث : فكالقيام حال تكبيرة الإحرام ، والقيام المتصل بالركوع ، وهما أيضاً لا تتصور الزيادة فيهما إلاّ بزيادة التكبير أو الركوع ، فيحكم بالبطلان في الثاني بلا إشكال ، وفي الأوّل على المشهور دون المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً.

وكيف كان ، فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع وتذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع وأتى بما نسي ثم ركع وصحت صلاته ، إذ لا يكون القيام السابق متصلاً بالركوع حتى تلزم الزيادة.

ومثله ما لو انحنى إلى الركوع باعتقاد عدم الإتيان به وقبل أن يصل إلى حدّه تذكّر أنّه فعله ، فإنّه يهوي حينئذ للسجود ، ولا يكون قيامه السابق على الانحناء متّصلاً بالركوع لتلزم الزيادة ، لعدم تعقبه به كما هو واضح.

(١) غير خفي أنّ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في صحة التكبيرة ، سواء أقلنا بأنّ القيام شرط فيها أم بنينا على أنّه واجب حالها وركن مستقل في‌

١٧٨

أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حدّه (*) (١) أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود ولو قبل الدخول (**) فيه (٢) لم يعتن به وبنى على الإتيان.

______________________________________________________

عرضها ، أمّا على الأوّل فواضح ، وكذا على الثاني ، بناءً على ما عرفت من أنّ فرض الارتباطية بين الأجزاء يستدعي فرض اشتراط بعضها ببعض على نحو الشرط المتقدم أو المتأخر أو المقارن على سبيل منع الخلو ، فالتكبيرة الصحيحة هي الحصة المقارنة للقيام.

وعليه فالشك في المقام مجرى لقاعدة الفراغ دون التجاوز ، وقد مرّ قريباً عدم اعتبار الدخول في الغير في جريانها ، فالشك المزبور لا يعتنى به ، سواء أكان ذلك بعد الدخول فيما بعد التكبير أم قبله.

(١) قد عرفت أنّ القيام المتصل بالركوع لا دليل على اعتباره عدا دخله في تحقق الركوع وتقوّمه به من جهة اعتبار الانحناء عن القيام في ماهية الركوع وإلاّ فليس هذا القيام واجباً مستقلا برأسه ، وعليه فمرجع الشك المزبور إلى تحقق الركوع وعدمه ، وأنّ هذه الهيئة الخاصة هل كانت عن قيام كي تتصف بالركوع أو عن جلوس كي لا تتصف به وإنما هي على صورة الركوع وشكله ، وحيث إنّ الشك في المحل وجب الاعتناء به ، لقاعدة الشك في المحل. مضافاً إلى الاستصحاب فيجب تدارك القيام ثم الركوع بعده ، وإن كان الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

(٢) أمّا إذا كان الشك فيه بعد الدخول في السجود فلا إشكال في عدم الاعتناء لقاعدة التجاوز الجارية في المقام بلا كلام. وأمّا إذا كان في حالة الهوي قبل‌

__________________

(*) إذا لم يعلم كون الهيئة الخاصة عن قيام لم يحرز كونها ركوعاً ، ومعه لم يحرز الدخول في الغير ، وعليه فالأحوط الرجوع إلى القيام ثم الركوع وإتمام الصلاة ثم الإعادة.

(**) الأظهر في هذا الفرض وجوب العود إلى القيام.

١٧٩

الدخول في السجود ، فان بنينا على أنّ المراد من القيام الواجب بعد الركوع خصوص المتصل به من غير تخلل الفصل ، بأن يتعقب الركوع بالقيام من دون أن يفصل بينهما بشي‌ء ، فلا إشكال أيضاً في عدم الاعتناء ، لعدم إمكان التدارك بعد فرض تخلل الفصل بالهوي إلى السجود ، بل الأمر كذلك حتى لو تذكر حينئذ تركه فضلاً عن الشك فيه ، لما عرفت من مضي محل التدارك ، فإنّه لا يمكن إلاّ بإعادة الركوع المستلزم لزيادة الركن.

وأمّا إذا بنينا على أنّ المراد به مطلق القيام ، سواء أكان موصولاً أم مفصولاً فيبتني عدم الاعتناء على جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في مقدمات الأجزاء إذ لا ريب أنّ الهوي مقدّمة للسجود ، وليس واجباً مستقلا برأسه ، فبناءً على تعميم الغير الذي يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة للمقدمات ، كما يظهر من المتن ولعله المشهور ، يحكم بجريان القاعدة في المقام ، وكذا لو شكّ في السجود عند النهوض إلى القيام. وأمّا بناءً على الاختصاص بالدخول في الأجزاء نفسها كما هو الأقوى على ما ستعرف فلا تجري ، بل لا بدّ من الاعتناء ، لكونه من الشك في المحل.

وقد استدلّ للتعميم تارة : بإطلاقات الأدلة ، مثل قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة زرارة : « إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) فانّ الغير صادق على المقدمة أيضاً.

وأُخرى : بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد ركع » (٢) فإنّها صريحة في عدم الاعتناء بالشك عند الدخول في الهوي.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

١٨٠