موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الصلوات الخمس يصير المجموع تسعين ، فاذا زيدت عليها لكل من الصلوات الخمس تكبيرة الإحرام صار المجموع خمساً وتسعين واستكمل العدد ، ولا يحسب تكبيرات الافتتاح لخروجها عن الصلاة بناءً على هذا القول.

وأمّا بناءً على عدم تعيّن الأخيرة وجواز الافتتاح بالأُولى ، المستلزم لإيقاع الست الأُخرى في الصلاة ، كان اللاّزم حينئذ زيادة ست تكبيرات لكل صلاة البالغة ثلاثين تكبيرة ، فيصير المجموع مائة وخمساً وعشرين.

وأجاب عنه المحقق الهمداني قدس‌سره (١) بما ملخّصه : أنّ تكبيرات الافتتاح حيث لم يكن في موردها إلاّ أمر واحد متعلق بالجميع بعنوان الافتتاح فمن هنا عدّ المجموع بمنزلة تكبيرة واحدة.

وهذا كما ترى ، لظهور الأخبار في اختصاص كل تكبيرة منها بأمر مستقل كبقية تكبيرات الصلوات كما لا يخفى ، فلا وجه لاهمالها في مقام العدّ.

والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ هذا الاستدلال إنّما ينفع في قبال دعوى صاحب الحدائق القائل بتعيّن التكبيرة في الأُولى ، فيكون هذا ردّاً عليه بالتقريب المتقدم ، ولعله قدس‌سره لو التفت إلى ذلك لعدل عن مذهبه ، فإنّه أقوى شاهد على بطلانه.

وأمّا القائل بالتخيير كما عليه المشهور ، فلا تكون هذه النصوص ردّاً عليه كي تتعين التكبيرة في الأخيرة ، وذلك لأنّ معنى التخيير في تطبيق التكبيرة على واحدة من السبع ، أنّ الخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر ، وإنّما الماهية المأمور بها هي الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد ، وهي التكبيرة الواحدة التي قد تكون مسبوقة بالست ، وأُخرى ملحوقة بها ، وثالثة متخللة بينها ، فما لوحظ اعتباره في الماهية التي لا تتخلف عنه إنما هي التكبيرة الواحدة ، وأمّا الزائد عليها فهو شي‌ء قد يكون وقد لا يكون ، ولأجله يعدّ لو كان من‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٤٩ السطر ٢.

١٤١

خصوصيات الفرد ومزاياه ، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس الجامع ، وإلاّ لما تخلّفت عنه كما لم تتخلف سائر التكبيرات.

ومن الواضح أنّ هذه النصوص إنما هي بصدد تعداد التكبيرات الملحوظة في ماهية الصلاة بقول مطلق لا في أفرادها التي لا اطراد فيها ، ومن هنا أُلغيت بقية التكبيرات الافتتاحية في مقام التعداد ولم يحتسب غير الواحدة منها. نعم ، بناءً على قول صاحب الحدائق كان المجموع داخلاً في ماهية الصلاة ولزم احتسابها. فهذه الروايات إنّما تصلح ردّاً عليه كما عرفت ، لا على مذهب المشهور كي تدل على تعيّن الأخيرة.

هذا ، وممّا يدل على بطلان هذا القول أعني تعين الأخيرة الروايات المتقدمة (١) الواردة في علّة تشريع السبع المشتملة على قصّة الحسين عليه‌السلام لوضوح أنّ افتتاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك القضية الشخصية إنّما كان بالتكبيرة الاولى ، والعود إليها ثانياً وثالثاً وهكذا إنما كان لتمرين الحسين عليه‌السلام بعد الدخول في الصلاة بالأُولى.

وجريان السنة بذلك كما في ذيل تلك الأخبار إمّا إشارة إلى الكيفية الصادرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إلى أصل تشريع السبع ، وإن كان الأظهر الثاني كما تقدم (٢) ، وعلى التقديرين فلا يحتمل نسخ تلك الكيفية قطعاً ، فلو كان اللازم تعيين الأخيرة فكيف اقتصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تلك الصلاة.

وممّا يدل على بطلانه أيضاً كبطلان القول بتعيّن الاولى : روايات استحباب الجهر بالواحدة للإمام ، وإخفات الست التي مرّت الإشارة إليها (٣) ، لما عرفت‌

__________________

(١) في ص ١٣٦.

(٢) في ص ١٣٦.

(٣) في ص ١٣٨.

١٤٢

من أنّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة الإحرام كي يسمعها المأمومون فيقتدون ، ومقتضى ظهورها القوي في الإطلاق الذي هو في قوّة التصريح كما تقدم عدم الفرق في إيقاع تلك التكبيرة مسبوقة بالست أو ملحوقة أو متخللة.

وممّا يدل على بطلانهما أيضاً ، وإثبات التخيير الذي عليه المشهور إطلاقات الأمر بالتكبير وافتتاح الصلاة به ، حيث لم تتقيّد بالسبق على الست ولا اللّحوق كما لا يخفى.

والمتلخص من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ احتمال الافتتاح بجميع ما يختار كما عليه والد المجلسي ممّا لا سبيل إليه لامتناعه ثبوتاً ، فلا تصل النوبة إلى مرحلة الإثبات. على أنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهراً فيه لكنّه معارض بطائفة أُخرى ظاهرة في أنّ تكبيرة الإحرام إنّما هي تكبيرة واحدة ، والزائد فضل ومستحب كما مرّ ، فيدور الأمر بين القول بتعيّن الاولى كما عليه صاحب الحدائق ، أو الأخيرة كما اختاره جمع من القدماء ، ومال إليه في الجواهر أوّلاً وإن ضعّفه أخيراً ، أو التخيير كما عليه المشهور ، والأوّلان ساقطان لضعف مستندهما ، مضافاً إلى قيام الدليل على الإطلاق والتخيير الذي منه روايات جهر الإمام بواحدة ، الظاهرة ولو بمناسبة الحكم والموضوع في أنّها هي تكبيرة الإحرام ليسمعها المأمومون فيقتدون كما مرّ كل ذلك مستقصى ، فيتعيّن القول الأخير وهو الأقوى.

لكن هذا مبني على أن يكون لتكبيرة الإحرام عنوان به تمتاز عن بقية التكبيرات الافتتاحية ، وتختلف عنها في الحقيقة والذات وإن شاركتها في الصورة نظير الفرق بين الظهر والعصر.

وأمّا بناءً على أنّ الواجب هي ذات التكبيرة من دون تعنونها بعنوان خاص فلا مناص من الالتزام بتعين الاولى ، لا لما استدلّ به في الحدائق من الوجوه‌

١٤٣

ولا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين (*) (١)

______________________________________________________

المتقدمة إذ قد عرفت ضعفها ، بل لأنّ طبيعي التكبير بعد خلوّه عن العنوان ينطبق على أوّل الوجودات لا محالة ، فيقع بطبيعة الحال مصداقاً للواجب ، فانّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، فتقع البقية على صفة الاستحباب قهراً ، هذا.

ولكنّ الصحيح إنما هو المبنى الأول ، فإنّ المستفاد من الروايات أنّ تكبيرة الإحرام لها عنوان خاص به تمتاز عمّا عداها ، وهو عنوان الإحرام والافتتاح نظير التلبية في إحرام الحج ، فما لم يقصد العنوان ولو إجمالاً لا يتحقق الامتثال فلا مناص من اختيار القول المشهور كما عرفت ، إلاّ أنّ الأحوط كما نبّه عليه في المتن اختيار الأخيرة ، للقطع بصحة الصلاة معه على جميع التقادير.

أمّا على القول بتعيّن الأخيرة أو التخيير فظاهر ، وأمّا على القول بتعيّن الأُولى أو المجموع ، فغايته وقوع الست قبلها على صفة الزيادة غير القادحة بعد وقوعها قبل الصلاة فهي كالعدم ، وهذا بخلاف ما لو اختار الأُولى ، فإنّه بناءً على القول بتعيّن الأخيرة الراجع إلى عدم الأمر بالتكبيرة بعد الإتيان بتكبيرة الإحرام يلزم منه وقوع الست المأتي بها بعد الاولى على صفة الزيادة داخل الصلاة ، وفي بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة كلام ، وإن كان الأقوى خلافه. وعلى أيّ حال فهو مخالف للاحتياط ، لاحتمال البطلان من هذه الجهة ، ومن هنا كان الأحوط اختيار الأخيرة حذراً من هذه الشبهة.

(١) هذا فيما إذا كان الإبهام واقعياً ، بأن لم يكن له تعيّن حتى في صقع الواقع فلا يكفي قصده حينئذ ، إذ مثله لا تحقق له في الخارج ، والافتتاح أمر تكويني لا بدّ من تعلقه بالموجود الخارجي ، ومن الضروري أنّ الواحد لا بعينه مفهوم‌

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يكن لها تعيّن في الواقع ، وأمّا مع تعيّنها فيه بعنوان ما ، فالظاهر جواز الاكتفاء بقصدها ولو كانت غير معيّنة لدى المصلّي.

١٤٤

والظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية ، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة (١)

______________________________________________________

اعتباري لا تقرّر له خارجاً.

وأمّا إذا كان الإبهام عند المصلي خاصة مع تعيّنه في الواقع وإن كان مجهولاً لديه ، فهذا لا ضير فيه ، كما في المأموم الذي يقصد الافتتاح بما افتتح به الإمام من الأُولى أو الثالثة ، أو الخامسة ، أو السابعة ، فإنّ ما يقع الافتتاح به معيّن في الواقع وإن جهله المصلي ، إذ لا يعتبر التمييز بعد كون ما يفتتح به متشخّصاً في الخارج وقد قصده إجمالاً وإن لم يميِّزه عمّا عداه كما هو ظاهر.

(١) كما عليه المشهور لإطلاق الأدلة ، وعن صاحب الحدائق قدس‌سره اختصاصها بالفرائض بل اليومية منها ، لانصراف الإطلاق إليها (١).

وفيه : منع الانصراف على نحو يقدح في التمسك بالإطلاق ، كيف وقد الحق النوافل بالفرائض في عامة الأحكام ، من رعاية الأجزاء والشرائط الواجبة والمستحبة ، ومن الموانع والقواطع ، مع عدم اختصاصها بدليل ، فلو منع الانصراف عن التمسك بالإطلاق في المقام لمنع هناك أيضاً ، مع شمول تلك الأحكام لها بمقتضى الإطلاق بلا إشكال.

نعم ، إنّما الشأن في ثبوت الإطلاق في المقام ، فإنّ أغلب الأخبار موردها الفرائض كروايات جهر الإمام بواحدة ، وإخفات الست (٢) ، وروايات تمرين الحسين عليه‌السلام (٣) وغيرهما ، وبعضها الآخر وإن كان لها الإطلاق كرواية‌

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٥٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧.

١٤٥

وربّما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع (١) وهي : كل صلاة واجبة ، وأوّل ركعة من صلاة الليل ، ومفردة الوتر ، وأوّل ركعة من نافلة الظهر ، وأوّل ركعة من نافلة المغرب ، وأوّل ركعة من صلاة الإحرام ، والوتيرة ، ولعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع.

______________________________________________________

أبي بصير (١) وغيرها ، لكنّها ضعيفة السند ، ولكن الصحيح ثبوت الإطلاق بمقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات ، وخمس ، وسبع أفضل » (٢) فإنها تشمل بإطلاقها جميع الصلوات.

(١) كما عن الشيخين (٣) والقاضي (٤) والعلاّمة في التحرير والتذكرة (٥) وغيرهم وفسّر الماتن مقالتهم بإرادة تأكّد الاستحباب في هذه المواضع دون الاختصاص كما صرّح به في المقنعة ، والمجلسي في البحار (٦). وكيف كان فالكلام في مستند هذا القول تعييناً أو تأكيداً.

والظاهر أنّهم استندوا في ذلك إلى ما في الفقه الرضوي « قال : ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير فإنّه من السنّة الموجبة في ست صلوات ، وهي أوّل ركعة من صلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وأوّل ركعة من نوافل المغرب ، وأوّل ركعة من ركعتي الزوال ، وأوّل ركعة من ركعتي الإحرام ، وأوّل ركعة من ركعات‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٩.

(٣) المقنعة : ١١١ ، المبسوط ١ : ١٠٤.

(٤) المهذب ١ : ٩٨.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ٣٧ ، السطر ٢٩ ، التذكرة ٣ : ١١٩.

(٦) البحار ٨١ : ٣٦١.

١٤٦

الفرائض » (١) ولا يقدح خلوّها عن الوتيرة ، لما ثبت بالأخبار من أنّها إنّما شرّعت مخافة فوت الوتر (٢) ، فهي بمنزلته ومحكومة بحكمه فلذا ألحقها الأصحاب به في هذا الحكم.

لكن الفقه الرضوي ضعيف السند فلا يمكن التعويل عليه كما تكرّر في مطاوي هذا الشرح. مضافاً إلى قصور الدلالة لعدم التصريح بتكبيرات الافتتاح ، وإنّما المذكور هو التوجه بعد التكبير ، ومن الجائز أن يراد به دعاء التوجه أعني قوله ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي ) إلخ ، كما تضمنه صحيح زرارة « قال : يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله أن تقول : وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً ... » إلخ (٣).

واستدل له أيضاً كما في الحدائق (٤) بما رواه ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في أوّل الزوال ، وصلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرة لكل ركعتين » (٥).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بابن شمّون ، واختصاص موردها بالثلاثة دون السبعة ، ما عرفت آنفاً من قصور الدلالة ، لاحتمال كون المراد من التوجه دعاء التوجه لا تكبيرات الافتتاح التي هي محل الكلام.

فالإنصاف : عدم ثبوت دليل لهذا القول لا بنحو الاختصاص ولا التأكيد‌

__________________

(١) فقه الرضا : ١٣٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٦ / أبواب أعداد الفرائض ب ٢٩ ح ٧ ، ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ٢.

(٤) الحدائق ٨ : ٥٣.

(٥) المستدرك ٤ : ١٣٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١ ، فلاح السائل : ٢٤١ / ١٤٢.

١٤٧

[١٤٥٥] مسألة ١١ : لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات بل أقوال : تعيين الأوّل ، وتعيين الأخير ، والتخيير ، والجميع ، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات ومراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا ويعيّن في قلبه ما شاء ، وإلاّ فهو ما عند الله من الأوّل أو الأخير أو الجميع (١).

[١٤٥٦] مسألة ١٢ : يجوز الإتيان بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء (٢)

______________________________________________________

كما اعترف به غير واحد. والأقوى ما عليه المشهور من شمول الحكم لعامة الصلوات من دون ميز بينها أصلاً ، عملاً بإطلاق الأدلّة.

(١) أورد عليه بعض أعلام المحشين وتبعه غيره : بامتناع الجمع بين هذه الاحتمالات ، وأنّه ليس من الاحتياط في شي‌ء.

لكن الإيراد لعله واضح الفساد ، فإنّ التكبيرة كغيرها من العبادات لا يعتبر فيها سوى الإتيان بها بما هي عليها بإضافة قصد التقرب ، وكلا الركنين متحقق في المقام بعد مراعاة الكيفية المزبورة ، ضرورة أنّ ما هو مصداق لتكبيرة الإحرام واقعاً قد تحقق في الخارج قاصداً به الافتتاح وبوجه قربي على جميع التقادير غاية الأمر أنّ المصلي لا يشخّصه عن غيره ، ولا يميّزه عمّا عداه ، فهو مبهم عنده مع تعينه واقعاً ، ومثله غير قادح في صحة العبادة ، إذ لا يعتبر التمييز. وقد مرّ قريباً أنّ الإبهام وجهالة المكلف بما هو مصداق للافتتاح لا يضر بالصحة ، بعد تعلق القصد ولو إجمالاً بما يقع به الافتتاح واقعاً ، مع كونه متعيناً في الواقع كما في المقام.

(٢) لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة ، بل التصريح بالولاء في موثقة‌

١٤٨

لكن الأفضل أن يأتي بالثلاث ثم يقول : « اللهمّ أنت الملك الحق لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت » ثم يأتي باثنتين ويقول : « لبّيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ إليك ، سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت » ثم يأتي باثنتين ويقول : « ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) عالم الغيب والشهادة حنيفاً مسلماً ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين » ثم يشرع في الاستعاذة وسورة الحمد.

ويُستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات : « اللهمّ إليك توجّهت ومرضاتك ابتغيت ، وبك آمنت وعليك توكلت ، صلّ على محمد وآل محمد وافتح قلبي لذكرك ، وثبّتني على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب ».

ويستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام : « اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، بلّغ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح وبالله أستنجح وبمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أتوجه ، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ».

______________________________________________________

زرارة قال : « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً » (١) نعم ، ورد استحباب تفريق التكبيرات والدعاء خلالها وقبلها‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٢.

١٤٩

وأن يقول بعد تكبيرة الإحرام : « يا محسن قد أتاك المسي‌ء وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء ، أنت المحسن وأنا المسي‌ء بحق محمّد وآل محمّد ، صلِّ على محمّد وآل محمّد ، وتجاوز عن قبيح ما تعلم منِّي ».

[١٤٥٧] مسألة ١٣ : يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام (١) على وجه يسمع من خلفه ، دون الست فإنّه يستحب الإخفات بها.

[١٤٥٨] يستحب رفع اليدين بالتكبير (٢)

______________________________________________________

وبعدها على نحو يقرب من المذكور في المتن ، بعضها في الرواية المعتبرة كصحيح الحلبي وبعضها في غيرها (١) وإن لم تطابق المذكور في المتن كلا كما لا يخفى ، إلاّ أنّ الاستحباب المزبور لا يوجب تقييد تلك المطلقات كي يختص استحباب السبع بالاقتران بتلك الأدعية ، لما تقرر في الأُصول (٢) من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، ولا سيّما بعد ورود التصريح بالولاء في المقام كما عرفت.

(١) للنصوص الكثيرة التي مرّت الإشارة إليها فيما سبق ، المتضمّنة لاستحباب جهر الإمام بواحدة وإخفات الست كصحيحتي الحلبي. وروايتي ابن راشد وأبي بصير (٣). نعم ، لم يصرّح بتكبيرة الإحرام في شي‌ء من تلك الأخبار ، وإنّما ذكر الجهر بواحدة ، لكن القرائن الداخلية والخارجية سيّما مناسبة الحكم والموضوع تقضي بإرادتها منها وتعينها فيها كما لا يخفى.

(٢) على المشهور المعروف بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عليه دعوى‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٨١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢.

١٥٠

الإجماع في غير واحد من الكلمات ، للأمر به في جملة وافرة من النصوص المحمول على الاستحباب كما ستعرف.

وعن الإسكافي القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام خاصة (١). وذهب السيّد المرتضى قدس‌سره في محكي الانتصار إلى وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة مدعياً عليه الإجماع ، وأنّه مما انفردت به الإمامية (٢).

ويبعد جدّاً إرادته قدس‌سره الوجوب النفسي فيما عدا تكبيرة الإحرام لعدم اجتماعه مع استحبابها كما لا يخفى. نعم ، لا مانع من إرادة الوجوب الشرطي ، لإمكان اقترانه مع استحباب ذات العمل كما في الإقامة فإنّها مع استحبابها يجب فيها القيام والطهارة وجوباً شرطياً كما تقدم ، وكما في اشتراط النوافل بما يعتبر في الفرائض من الأجزاء والشرائط.

وكيف كان ، فقد تعجب غير واحد من دعواه الإجماع في المقام ، مع أنّه لم يذهب إلى ما ذهب إليه أحد من الأصحاب سواه ، حتى أنّهم جعلوا ذلك قرينة على إرادته تأكد الاستحباب من الوجوب.

وقد طعن عليه قدس‌سره في الحدائق (٣) ، بل ربما أساء الأدب ، بعد أن اختار مذهبه قدس‌سره زاعماً دلالة الأخبار عليه بوضوح ، فلا حاجة إلى دعوى الإجماع فيما لا قائل به سواه.

ولعمري إنّ هذا من غرائب كلماته ولا يكاد ينقضي العجب من استدلاله على الوجوب بروايات لا إشعار فيها فضلاً عن الظهور ، كالروايات الحاكية لفعل المعصوم عليه‌السلام وأنّ الراوي رآه عليه‌السلام قد رفع يديه عند‌

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٣٧٤.

(٢) الانتصار : ١٤٧.

(٣) الحدائق ٨ : ٤٢.

١٥١

التكبير في الصلاة أو عند افتتاحها ، كصحيحة معاوية بن عمار قال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلاً » ونحوها صحيحة صفوان وابن سنان وغيرهما (١) فانّ فعله عليه‌السلام لا يدل على الوجوب بل غايته الاستحباب ، حتى أنّ هذه الأخبار خالية عن كلمة « كان » المشعر بالدوام والاستمرار كي يستأنس منه الوجوب.

على أنّه لو سلم فغايته وجوب الرفع عند تكبيرة الإحرام ، لا كل تكبيرة لعدم إطلاق بالنسبة إليها.

نعم ، يمكن أن يستدل على الوجوب بأحد أمرين :

الأوّل : ما رواه الكليني قدس‌سره بسنده عن إسماعيل بن جابر وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلاّ مرّة واحدة حين يفتتح الصلاة ، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلاّ بالله » (٢) فإنّها ظاهرة في أنّ ترك الرفع في بقية التكبيرات لأجل التقية وخوف الشهرة ، وإلاّ فلولا المانع كان الوجوب ثابتاً كما ثبت في تكبيرة الإحرام حيث لا تقية هناك لموافقته لهم.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بطرقها الثلاثة.

وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، إذ غايتها التزام الشيعة بأمر أوجب اشتهارهم بين الناس وامتيازهم عن مخالفيهم فردعهم الإمام عن ذلك تقية ، ولعل ما التزموا به كان من الأُمور المستحبة كالقنوت في الصلاة وغيره من المستحبات التي يلتزم بها وهي كثيرة جدّاً.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٨ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٩ ، الكافي ٨ : ٧ / ١.

١٥٢

الثاني : ما رواه في المجالس بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام « قال : لما نزلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال : يا محمد إنّها ليست نحيرة ولكنها رفع الأيدي في الصلاة » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، فإنّ أكثر رجاله ممّن لم تثبت وثاقته ، بل هم من أبناء العامة ، فلم تثبت الوثاقة حتى على مسلك العلامة الذي يكتفي فيها بمجرد كون الرجل إمامياً لم يرد فيه قدح (٢) ، أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، إذ لم يعلم المراد من رفع الأيدي ، ولعلّها كناية عن القنوت ، أو عن الرفع في خصوص تكبيرة الإحرام ، لا في جميع تكبيرات الصلاة كما هو المدّعى.

فتحصل : أنّه لا دليل على وجوب رفع اليدين حال التكبيرات كما يزعمه صاحب الحدائق.

بل يمكن أن يقال بقيام الدليل على العدم ، وهي صحيحة حماد الواردة لبيان كيفية الصلاة (٣) ، فإنّها مع اشتمالها على الخصوصيات المعتبرة فيها حتى نبذاً من المستحبات ، خالية عن التعرّض لرفع الأيدي إلاّ عند التكبير للهوي إلى السجود على نسخة الفقيه (٤) ، أو بإضافة تكبيرة الركوع على نسخة الكافي (٥) ولعلّها أضبط ، وعلى التقديرين فهي خالية عن سائر التكبيرات ، فلو كانت واجبة كما زعمه المحدّث المزبور لزم التعرض لها ، فكيف أهملها ( عليه‌السلام )

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٣ ، أمالي الطوسي : ٣٧٧ / ٨٠٦.

(٢) كما يظهر من الخلاصة : ٦٦ / ٨٦ في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، [ ولكن هذا موافق لما نقله الوسائل عن الفقيه وأما النسخة المطبوعة من الفقيه فهي مشتملة على رفع الأيدي عند التكبير للركوع أيضاً ].

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ / ٨.

١٥٣

وهو في مقام التعليم وبيان كل ما يعتبر فيها حتى أنّه عليه‌السلام أشار إلى بعض المستحبات كما عرفت. مع أنّ هذه أحرى بالذكر على تقدير الوجوب. وبالجملة فلا ينبغي الارتياب في فساد هذا القول.

وأمّا مقالة الإسكافي ، من اختصاص الوجوب بتكبيرة الإحرام ، فيمكن أن يستدل له بعدّة روايات :

منها : صحيحة الحلبي : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات ... » إلخ (١) فانّ ظاهر الأمر بالرفع الوجوب ، ولا يقدح الاشتمال على بسط الكفين والدعاء ونحوهما من الأُمور المستحبة ، لقيام القرينة الخارجية على الاستحباب فيها دونه كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : « هو رفع يديك حذاء وجهك » (٢) وحيث إنّ المخاطب في قوله عليه‌السلام « هو رفع يديك » هو عبد الله بن سنان ، فيعلم أنّ توجه الخطاب في قوله تعالى ( وَانْحَرْ ) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه فرداً من المصلين ، لا بما أنّه نبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ لما طبّقه الإمام عليه‌السلام عند تفسير الآية على الراوي.

فيظهر من ذلك أنّ الخطاب في الآية المباركة عام لجميع المصلين ، فلا يتوقف الاستدلال بهذه الصحيحة على إثبات قاعدة الاشتراك بيننا وبينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي قد يتأمّل فيها ، لاختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأحكام لا تعدوه ولعلّ المقام منها. نعم ، ربما يحتاج إلى القاعدة في غير هذه الصحيحة ممّا ورد في تفسير الآية كرواية الأصبغ بن نباتة ونحوها (٣).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٧ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٣.

١٥٤

ومنها : صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك » (١).

ومنها : صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك ، ولا تجاوز بكفيك أُذنيك ، أي حيال خديك » (٢). فهذه صحاح أربع دلت على وجوب الرفع على ما يقتضيه ظاهر الأمر المؤيدة بروايات أُخر ، وإن كانت أسانيدها مخدوشة.

وربما يجاب : بحمل الأمر فيها على الاستحباب ، بقرينة ما في بعض النصوص من تعليل الرفع بأنّه زينة كما في خبر مقاتل بن حيّان (٣) أو بأنّه ضرب من الابتهال والتضرع ، وبأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب كما في رواية الفضل بن شاذان (٤) مما هو ظاهر في الاستحباب.

وفيه : أنّه نعم الحمل لولا الضعف في أسانيد هذه النصوص كما أشرنا آنفاً فلا يمكن رفع اليد عن تلك الصحاح بهذه النصوص الضعيفة.

والصحيح أن يجاب أوّلاً : بأنّ الوجوب لو كان ثابتاً في هذه المسألة العامّة البلوى الكثيرة الدوران لابتلاء كل مكلف بها في كل يوم على الأقل خمس مرّات لكان واضحاً مبيّناً لم يقع الخلاف فيه من أحد ، كيف وقد تسالم الأصحاب على خلافه ، إذ لم ينسب الوجوب إلاّ إلى الإسكافي لو صدقت النسبة وإلى السيّد المرتضى مع احتمال إرادة الاستحباب ، لقرينة في كلامه مرّت الإشارة إليها (٥) ، فهذه القرينة التي تمسّكنا بها في كثير من المقامات ممّا تورث القطع بعدم‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١١.

(٥) في ص ١٥١.

١٥٥

الوجوب وإرادة الاستحباب.

ويؤيده : خلوّ صحيحة حماد الواردة في مقام التعليم عن التعرض لذلك ، فلو كان الرفع واجباً لكان أحرى بالذكر من جملة من الأُمور المستحبة المذكورة فيها.

وثانياً : أنّه تدل على إرادة الاستحباب من الأوامر الواردة في هذه الصحاح : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام الواردة في وصية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام « قال : وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما » (١) فانّ التنبيه على ذلك في مقام الوصية من مثل النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوصيه الأكرم عليه‌السلام أقوى شاهد على استحبابه والعناية بشأنه كي لا يترك ، وإلاّ فلو كان واجباً لعرفه كل أحد حتى النساء ، فلا حاجة إلى مزيد الاهتمام بشأنه في مقام الإيصاء ، بل هو أمر لا بدّ من مراعاته في الصلاة كسائر الأجزاء والشرائط التي يتحفظ عليها كل من يتصدى للصلاة ، أفهل ترى صحة أن يوصي أحد أحداً سيّما إذا كان عالماً فقيهاً أن يراعي الاستقبال أو الطهارة في الصلاة ، أم هل وردت في شي‌ء من الروايات الوصية ولا سيّما من مثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للوصي عليه‌السلام بمراعاة واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط.

وثالثاً : أنّه تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام « قال : قال على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة » (٢) فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ المراد رفع اليدين حال تكبير الإحرام كي يتبين للمأموم دخول الإمام في الصلاة فيأتم.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٨ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٧ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٧.

١٥٦

إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر (١)

______________________________________________________

وقد دلّت صريحاً على عدم الوجوب في المأموم ، فكذا الإمام ، لعدم القول بالفصل ، فتحمل على الاستحباب مع اختلاف مرتبة الفضل وأنّه في الإمام آكد. ولا يعارض بقلب الدعوى وجعل الأمر بالعكس ، لاستلزام طرح النفي في قوله « ليس على غيره » بالكلية ، بخلاف الأوّل ، فإنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب كما عرفت.

هذا ، وصاحب الحدائق قد تعرّض لهذه الصحيحة وناقش فيها بالإجمال واحتمال إرادة القنوت فيها (١).

وهذا من غرائب كلماته ، فانّ مناسبة الحكم والموضوع كما عرفت تقضي بإرادة تكبيرة الإحرام ، ولم يحتمل أحد التفصيل بين الإمام والمأموم في القنوت والسيرة القطعية شاهدة بخلافه.

هذا ، مع أنّ الرواية وردت بطريق آخر صرّح فيها برفع اليدين في التكبيرة وقد نقل هذا الطريق في الوسائل متصلاً بالطريق الأوّل ، ومن المقطوع به عادة أنّ صاحب الحدائق لاحظه واطلع عليه فكيف أهمله وأعرض عنه وأبدى الاحتمال المزبور.

نعم ، هذا الطريق ضعيف عندنا من جهة عبد الله بن الحسن الواقع في سند الحميري ، ولكنه يراه صحيحاً ويعتمد عليه ، فلا سبيل للاعتذار عنه بذلك.

(١) فانّ المستفاد من مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض ، هو التخيير بين الأُمور الثلاثة ، لتعلّق الأمر بكل منها.

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٤٥.

١٥٧

أمّا النحر : فيدل عليه صريحاً المرسل المروي في مجمع البيان عن علي عليه‌السلام « في قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة » (١) فما في الحدائق (٢) من عدم وقوفه على لفظ النحر في شي‌ء من الأخبار غريب (٣). وقد وقع كما اعترف به في صحيحة معاوية بن عمار ما يؤدي هذا المعنى وإن لم يكن بلفظه ، قال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قريباً » (٤) ، فانّ القريب من أسفل الوجه ملازم للنحر.

وأمّا حيال الوجه : فالأخبار الواردة فيه كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان (٥) وغيرها فلاحظ.

وأمّا إلى الأُذنين : فتدل عليه رواية أبي بصير « إذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز أُذنيك » (٦) فإنّ النهي عن تجاوز الاذن يدل على أنّ غاية حدّ الرفع هو البلوغ إلى الاذن ، فهذا هو أقصى حدّ الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٥ ، مجمع البيان ١٠ : ٨٣٧.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٧.

(٣) ربما يظهر من عبارة المجمع ١٠ : ٨٣٧ ، أنّ هذا المرسل نقل بالمعنى ومصطاد من النصوص لا أنّه عين لفظ النص ، فلا يكون صريحاً في الرد على الحدائق. والأولى تبديله بمرسل الصدوق في الفقيه قال « وارفع يديك بالتكبير إلى نحرك » الفقيه ١ : ١٩٨ / ٩١٧. وكيف ما كان فمرسل المجمع مروي من طرقنا لا من طرق العامة كما جاء في جامع الأحاديث ٥ : ٣١٥ / ٧٨٣٩.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٢. [ والموجود في الوسائل والتهذيب قليلاً ].

(٥) الوسائل ٦ : ٢٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٣.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٧ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٥.

١٥٨

مبتدئاً بابتدائه ومنتهياً بانتهائه (١) فإذا انتهى التكبير والرفع أرسلهما ، ولا فرق بين الواجب منه والمستحب في ذلك. والأولى أن لا يتجاوز بهما الأُذنين (٢) نعم ، ينبغي ضم أصابعهما حتى الإبهام والخنصر ، والاستقبال بباطنهما القبلة.

______________________________________________________

(١) كما يقتضيه ظاهر المقارنة بين التكبير والرفع في صحيحة معاوية بن عمار : « حين افتتح الصلاة يرفع يديه ... » إلخ (١) فإنّ إطلاق القضية الحينية يقتضي الاقتران في تمام أجزاء المتقارنين ، ونتيجته اقتران أوّل التكبير بأوّل الشروع في الرفع ، واقتران آخره بالانتهاء عنه ، الذي هو غاية حدّ الرفع.

نعم ، مقتضى صحيح الحلبي : « فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات » (٢) وقوع التكبير بعد حصول الرفع فلا تعتبر المقارنة. فهذه الطريقة أيضاً مجزئة في العمل بالاستحباب. وأمّا التكبير بعد انتهاء الرفع وحال إرسال اليدين فلا دليل عليه.

(٢) للنهي عنه في صحيح زرارة بقوله : « ولا تجاوز بكفيك أُذنيك » (٣) ، وقد وقع الخلاف في أنّه تنزيهي كما يظهر من المتن أو تحريمي ، وعلى الثاني فهل هو نفسي أو غيري؟ لكن الظاهر أنّه إرشاد إلى تقيد المستحب ، وهو رفع اليدين بعدمه.

وتوضيحه : أنّا وإن ذكرنا في محله (٤) عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، لكنه خاص بما إذا كان القيد مستحباً كالمطلق ، والوجه في عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٨١.

١٥٩

ويجوز التكبير من غير رفع اليدين ، بل لا يبعد جواز العكس (١).

______________________________________________________

الحمل حينئذ ظاهر ، إذ بعد جواز ترك القيد كما هو مقتضى فرض استحبابه لم يكشف عن تقيّد المطلق به.

وأمّا إذا كان المقيد بلسان النهي كما في المقام فلا مناص من حمل المطلق عليه ، إذ لا وجه لحمل النهي على التنزيه بعد كونه ظاهراً في التحريم. نعم قامت القرينة العامة في باب المركبات على انقلاب ظهور الأوامر والنواهي من الوجوب والتحريم إلى الإرشاد إلى الجزئية والشرطية أو المانعية.

وعليه فالنهي في المقام يرشد إلى مانعية التجاوز عن الاذن عن العمل بالرفع المستحب ، فيكشف لا محالة عن تقيد موضوع الاستحباب بعدمه ، ونتيجة ذلك حمل المطلق على المقيد ، وأنّ العمل بالاستحباب مشروط بعدم التجاوز عن الاذن.

(١) أمّا التكبير من غير الرفع فهو مقتضى فرض استحباب الرفع لا وجوبه كما تقدم (١). وأمّا عكسه أعني الرفع من غير تكبير فلا دليل عليه ، إذ لم يثبت استحبابه في نفسه ، والاستدلال له بالتعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة (٢) من أنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع كما في خبر الفضل بن شاذان (٣) مخدوش بضعف سند الخبر في نفسه كما مرّ ، مضافاً إلى قصور الدلالة إذ ظاهرها إرادة الرفع حال التكبير لا مطلقاً كما لا يخفى (٤).

__________________

(١) في ص ١٥٠.

(٢) في ص ١٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١١.

(٤) ولكن يمكن الاستدلال له بموثقة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : في

١٦٠