موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وإن لم يقدر فترجمتها من غير العربية (*) (١) ،

______________________________________________________

المستدرك ، وإنّما هي مذكورة في كتب العامة ومروية بطرقهم فلا يعتمد عليها.

ثم إنّ صاحب الجواهر (١) قدس‌سره استدلّ في المقام بفحوى ما ورد في الألثغ والألتغ ، والفأفاء ، والتمتام ، مع أنّا لم نجد رواية وردت في هؤلاء ، وهو قدس‌سره أيضاً استند في الحكم لهم في مبحث القراءة بقاعدة الميسور (٢) ولم يتعرض لرواية خاصة.

(١) قال في المدارك (٣) هذا مذهب علمائنا وأكثر العامّة ، ثم حكى عن بعضهم سقوط التكبير حينئذ ، واحتمله هو قدس‌سره عملاً بأصالة البراءة لعدم الدليل على وجوب الترجمة بعد سقوط التكبيرة بالعجز. وكيف كان ، فان كان هناك إجماع تعبدي يصلح للاستناد إليه ، وإلاّ فلا بدّ من إقامة الدليل.

وعن شيخنا المرتضى قدس‌سره (٤) الاستدلال له بإطلاق الأمر بالتكبير في مثل قوله عليه‌السلام « تحريمها التكبير » ، بدعوى أنّ المراد به مطلق الثناء على الله تعالى بصفة الكبرياء ، والتقييد بالصورة الخاصة العربية إنّما هو من أجل الانصراف إلى المعهود والمتعارف ، أو غيره من سائر الأدلة الخارجية وكلها قاصرة عن إفادته إلاّ للقادر ، فيبقى العاجز مشمولاً للإطلاق.

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ الظاهر أنّ التكبيرة المأمور بها من المصادر الجعلية كما في الحوقلة والحيعلة ، فلا يراد بها إلاّ التلفظ بالعبارة المخصوصة على النحو‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الجواهر ٩ : ٢١١.

(٢) الجواهر ٩ : ٣١١.

(٣) المدارك ٣ : ٣٢٠.

(٤) كتاب الصلاة ١ : ٥٤٦.

١٢١

ولا يلزم أن يكون بلغته (١) ، وإن كان أحوط ، ولا يجزئ عن الترجمة غيرها من الأذكار والأدعية وإن كانت بالعربية. وإن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفاً فحرفاً قدّم على الملحون والترجمة.

______________________________________________________

المتعارف العربي ، وإن كان ذلك مطلقاً من حيث الصحيح والملحون كما مرّ فلا يعمّ الترجمة أصلاً ، لعدم صدق التكبيرة عليها بوجه.

وبعبارة اخرى : دعوى الإطلاق على وجه يشمل الترجمة تتوقف على تمامية مقدماته التي منها كون المتكلم في مقام البيان ، حتى من ناحية اللفظ الذي يعبِّر به عن تكبير الله وثنائه حتى يشمل الترجمة بمقتضى الإطلاق بعد عدم التقييد بالعربية ، وليس كذلك ، بل التكبير فيها منصرف إلى المعهود المتعارف غير الصادق على الترجمة بوجه.

نعم ، يصح الاستدلال لذلك بما كان عارياً عن لفظ التكبير ، كما ورد في ذيل موثقة عمار المتقدمة سابقاً من قوله عليه‌السلام « ولا صلاة بغير افتتاح » (١) فإنّها دلت على لزوم الافتتاح من غير تقييد بالتكبيرة ، فيعمّ الترجمة بعد وضوح صدقه عليها.

وبالجملة : المستفاد من هذه الموثقة بعد ضمّها إلى أدلة التكبير : أنّ الواجب هو الافتتاح بالتكبيرة مع القدرة عليها ، وأمّا مع العجز فلا بدّ من الافتتاح بشي‌ء ولا يشرع الدخول في القراءة والركوع ابتداء كما هو مورد الموثقة ، وحيث لا شي‌ء أقرب إلى التكبيرة من الترجمة فتتعين ، فيقول مثلاً : خدا بزرگتر است ، إن كان التكبير متضمناً للتفضيل ، وإلاّ فيقول : خدا بزرگ است.

(١) لعدم الدليل على التعيين ، فيرجع إلى إطلاق « لا صلاة بغير افتتاح » ‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٧.

١٢٢

الشامل لمطلق الترجمة كما مرّ. ومع الغض فيرجع إلى أصالة البراءة عن التقييد بلغة خاصة بناءً على المختار من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطي.

وقد يقال : بعد إنكار إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة : إنّ المقام من الدوران بين التعيين والتخيير ، وفي مثله يرجع إلى الاشتغال ويعمل على التعيين.

قلت : قد عرفت وجود الإطلاق ، وأمّا كون المقام من الدوران المزبور فقد مرّ قريباً أنّه بعينه هو الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي ، ولا فرق بينه وبين التعيين والتخيير إلاّ في مجرد التعبير وتغيير اللفظ ، فانّ التخيير هو الأقل وكلاهما هو الجامع المتيقن في البين ، والخصوصية الزائدة المشكوكة المدفوعة بأصالة البراءة هي التي يعبّر عنها بالتعيين تارة وبالأكثر اخرى ، فلا وجه للتفكيك بين المسألتين بالرجوع إلى البراءة في الأُولى والاشتغال في الثانية.

هذا ، وقد يقال : بلزوم مراعاة الترتيب بين اللغات ، فيكبّر أوّلاً بالعربية وإلاّ فبالسريانية ، وإلاّ فبالفارسية ، فإنّ الأوّل لغة القرآن الكريم ، والثاني لغة أغلب الكتب السماوية ، والثالث لغة كتاب المجوس.

وكان على هذا القائل إضافة العبرانية أيضاً ، فإنّها لغة توراة موسى عليه‌السلام مع أنّ كتاب نبيّ المجوس لم يكن باللّغة الفارسية الدارجة اليوم ، وإنّما كان بلغة الفرس القديمة التي لا يعرف الفارسي منها اليوم ولا كلمة واحدة. وكيف كان ، فمثل هذه الوجوه الاعتبارية الاستحسانية لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي كما لا يخفى.

وقد تحصّل من جميع ما مرّ : أنه لدى العجز عن التكبيرة ينتقل إلى الترجمة بأيّ لغة كانت ، ولا تجزئ غيرها من الأذكار والأدعية وإن كانت بالعربية ، لأنّ الترجمة أقرب إلى التكبيرة الواجبة من غيرها بعد تعذّرها.

١٢٣

[١٤٥١] مسألة ٧ : الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ، وإن عجز عن النطق أصلاً أخطرها بقلبه وأشار إليها مع تحريك لسانه إن أمكنه (*) (١).

______________________________________________________

(١) المستند فيما ذكره قدس‌سره في وظيفة الأخرس العاجز عن النطق رأساً من الإخطار بالقلب والإشارة إلى التكبيرة وتحريك اللسان هي موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (١) بعد القطع بعدم الاختصاص بالمذكورات في الخبر ، بل المراد عامة الأقوال الواجبة عليه فيشمل التكبير.

لكن الموثقة لم تتضمّن الإخطار بالقلب ، كما أنّ الإشارة قيّدت فيها بالإصبع فيختلف مع ما في المتن الذي هو المشهور من ناحيتين ، لكنه لا يقدح.

أمّا عدم التعرض للإخطار الذي هو بمعنى الالتفات نحو العمل وتصوّره والتوجه إليه فلوضوح اعتباره المغني عن التعرّض له ، بداهة أنّ الصلاة حالها كسائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب ، فكما أنّ كل فاعل مختار يتوجّه إلى ما يصدر منه من الأفعال الاختيارية كالأكل والشرب ومنها الصلاة ويتصوره ويلتفت إليه ولو بالتفات إجمالي ارتكازي حين صدور العمل ، وإلاّ فمع الغفلة والذهول لا يكون اختيارياً فلا يقع عبادة في مثل الصلاة ونحوها فكذا الأخرس إذ هو لا يشذّ عن غيره من هذه الجهة.

وبعبارة اخرى : الالتفات إلى أصل العمل المعبّر عنه بالإخطار بالقلب أمر يشترك فيه الأخرس وغيره ولا ميز بينهما في هذه المرحلة لوضوح قدرته عليه كغيره ، ومن هنا أُهمل ذكره في الخبر ، وإنّما يفترقان في مرحلة التلفظ والنطق حيث إنّ الأخرس عاجز عن أداء العبادات القولية باللفظ ، والموثقة إنّما هي في‌

__________________

(*) ما ذكره مبني على الاحتياط.

(١) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ١.

١٢٤

[١٤٥٢] مسألة ٨ : حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتى في إشارة الأخرس.

[١٤٥٣] مسألة ٩ : إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم وصحّت صلاته على الأقوى ، والأحوط القضاء بعد التعلم (١).

______________________________________________________

مقام تعيين الوظيفة في هذه المرحلة فجعلت تحريك اللسان والإشارة بدلاً عن النطق.

فما ذكره في المتن تبعاً للمشهور من الإخطار بالقلب بياناً لتمام ما هي وظيفته الفعلية هو الصحيح ، وإن كانت الموثقة خالية عنه ، لعدم كونها في مقام البيان إلاّ من الجهة التي يختص الأخرس بها لا من تمام الجهات كما عرفت.

وأمّا تقييد الإشارة فيها بالإصبع ، فالظاهر أنّه لأجل غلبة الإشارة بها لا لتعيّنها عليه بالخصوص ، فهو منزّل منزلة الغالب ، فلا دلالة فيه على عدم الاجتزاء بغيرها من اليد والرأس ونحوهما ، فالظاهر عدم تعيّن الإصبع كما أُطلق في المتن ، نعم ، لا ريب أنّها أحوط ، جموداً على ظاهر أخذها في النص.

هذا في المشير ، وأمّا المشار إليه فصريح المحقق في الشرائع أنّه يشير إلى معنى التكبير (١) ، ولكنه كما ترى ، ضرورة أنّ الواجب في الصلاة إنّما هو لفظ التكبيرة لا معناها ، فلا بدّ من الإشارة إليه بعد العجز عن النطق ، إذ ليس المأمور به المعنى المؤدّى بهذا اللّفظ قطعاً ، بل نفسه سواء التفت إلى المعنى أم لا ، وإن كان الالتفات وحضور القلب أفضل ، فيعطي للفظ صورة ذهنية ويشير إلى تلك الصورة.

(١) أمّا الإثم فالوجه فيه ظاهر ، فانّ الواجب على المكلف إنّما هو طبيعي الصلاة الصحيحة المحدودة بين المبدأ والمنتهى ، وإنّما شرّع البدل الاضطراري‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٩٦.

١٢٥

من الصلاة المشتملة على التكبيرة الملحونة أو الترجمة بعد العجز في مجموع الوقت عن الصلاة الكاملة ، فمع القدرة عليها فعلاً بالتعلم يجب الإتيان بها تامّة بتحصيل مقدمتها ، فلا يجوز له التعجيز الاختياري بترك التعلم كي ينتقل إلى البدل ، إذ هو في طول المبدل منه ومترتب على العجز عنه.

وليس المقام كالقصر والتمام اللذين يجوز للمكلف إخراج نفسه من موضوع أحدهما وإدخاله في موضوع الآخر اختياراً ، لأنّ الواجبين هناك عرضيان ولا ترتب لأحدهما على العجز عن الآخر ، وهنا طوليان لا ينتقل إلى البدل إلاّ بعد العجز عن المبدل منه بطبعه ومن قبل نفسه.

بل المقام نظير الوضوء والتيمم ، حيث لا يجوز التعجيز الاختياري عن الطهارة المائية بإراقة الماء بعد دخول الوقت ، لكون وظيفته الفعلية هو الوضوء بعد كونه واجداً للماء دون التيمم ، لأنّ موضوعه الفقدان والعجز عنه في مجموع الوقت لا في كل آن ، ولذا لو كان في السرداب وأراد الصلاة والماء في صحن الدار ، أو كان في مكان والماء قريب منه يستدعي تحصيله المشي إليه بمقدار دقيقة أو أكثر ، لا يسوغ له التيمم قطعاً وإن كان فاقداً فعلاً في هذا الزمان أو هذا المكان ، وحيث إنّ الوجدان متحقق بالفعل فلا يجوز التعجيز الاختياري بإراقة الماء ، بل لولا قيام الدليل على صحة التيمم والانتقال إلى البدل حينئذ كما سنشير إليه لقلنا بسقوط الصلاة عنه رأساً بعد التعجيز المزبور وعقابه عليه ، لعدم شمول دليل بدلية التيمم لمثله ، فإنّه وظيفة الفاقد في مجموع الوقت كما عرفت ، وهذا قد كان واجداً في بعض الوقت ، وبسوء اختياره فوّته على نفسه ، فتسقط الصلاة عنه كما تسقط عن فاقد الطهورين ، ولا قبح في عقابه بعد أن كان بسوء اختياره ، فانّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا.

وعلى الجملة : فكما لا تجوز له إراقة الماء وتعجيز نفسه عن الطهارة المائية فكذا لا يجوز في المقام ترك التعلم المؤدّي إلى العجز الاختياري عن الإتيان‌

١٢٦

[١٤٥٤] مسألة ١٠ : يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعة ، وتسمّى بالتكبيرات الافتتاحية ، ويجوز الاقتصار على الخمس ، وعلى الثلاث ، ولا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء ، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً (*) ، لكن الأحوط اختيار الأخيرة (١).

______________________________________________________

بالصلاة التامة ، فلا حاجة في إثبات الإثم والعصيان إلى التشبث بتفويت الملاك ونحوه ممّا قيل في المقام.

وأمّا صحة الصلاة مع التكبيرة الملحونة أو ترجمتها بعد كونه آثماً بترك التعلم فلما ثبت بالإجماع والنص من عدم سقوط الصلاة بحال ، فانّ هذا التعبير بلفظه وإن لم يرد في شي‌ء من النصوص ، لكن مضمونه ورد في ذيل صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله عليه‌السلام : « ولا تدع الصلاة على حال » (١) بعد القطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم ، بل لكونها فرداً من المكلفين. وعليه فالعاجز مكلف بالصلاة قطعاً ، وحيث إنّ الأمر بالصلاة التامة ساقط لمكان التعذر ، فلا مناص من كونه مكلفاً ببدلها ممّا اشتمل على التكبيرة الملحونة أو ترجمتها ، فيجتزئ بها وتصح من دون حاجة إلى القضاء لعدم تحقق موضوعه وهو الفوت بعد الإتيان بما تقتضيه الوظيفة الفعلية من البدل الاضطراري وإن كان القضاء أحوط كما في المتن ، لاحتمال عدم شمول البدل الاضطراري للتعجيز الاختياري.

(١) أمّا الاستحباب فلا إشكال فيه كما لا خلاف ، للنصوص الكثيرة الدالة على استحباب إضافة الستة أو الأربعة أو الاثنين ، كي يصير المجموع ثلاثة أو‌

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

١٢٧

خمسة أو سبعة كما سنتعرض لها ، وتسمى بالتكبيرات الافتتاحية.

إنّما الكلام في تعيين تكبيرة الإحرام ، فالمشهور أنّه مخيّر في التعيين ، فله التطبيق على أيّ منها شاء ، وقد اختاره في المتن وهو الأقوى كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وذهب جمع منهم صاحب الحدائق (١) مصرّاً عليه إلى تعيّن الاولى ، وذهب جماعة من القدماء إلى تعيّن الأخيرة ، وحكي عن والد المجلسي (٢) قدس‌سره أنّ الافتتاح يقع بمجموع ما يختاره المكلف من السبع أو الخمس أو الثلاث ، لا خصوص إحداها عيناً أو تخييراً ، ومال إليه المحقق الهمداني قدس‌سره (٣) لولا قيام الإجماع على الخلاف مدعياً ظهور الأخبار ، بل صراحة بعضها في ذلك ، ومرجع هذا القول إلى التخيير في إيقاع الافتتاح بين الواحدة والثلاث والخمس والسبع الذي هو من التخيير بين الأقل والأكثر ، وإن ما يختاره في الخارج بتمامه مصداق للمأمور به وعدل للواجب التخييري.

ولا بدّ من النظر في هذه الأخبار المدعى ظهورها في هذا القول وهي كثيرة :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الإمام يجزئه تكبيرة واحدة ، ويجزئك ثلاثاً مترسلاً إذا كنت وحدك » (٤) فإنّها ظاهرة في إيقاع الافتتاح بمجموع الثلاث ، والتفصيل بين الإمام والمأموم من جهة أنّ المطلوب من الإمام مراعاة أضعف المأمومين كما صرّح به في صحيحة معاوية ابن عمار « قال : إذا كنت إماماً أجزأتك تكبيرة واحدة ، لأنّ معك ذا الحاجة‌

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٢١.

(٢) روضة المتقين ٢ : ٢٨٤.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٤٦ السطر ٢١.

(٤) الوسائل ٦ : ١٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٣.

١٢٨

والضعيف والكبير » (١).

ومنها : صحيحة زرارة « قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل » (٢).

ومنها : موثقة زرارة قال : « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً » (٣) فإنّها ظاهرة كسابقتها في وقوع الاستفتاح بمجموع السبع ، ونحوها غيرها وهي كثيرة كما لا يخفى على المراجع.

أقول : دعوى ظهور الأخبار في حدّ نفسها في هذا القول ، مع قطع النظر عمّا يعارضها ممّا هو ظاهر في وقوع الاستفتاح بواحدة ، كالنصوص المتضمنة لإخفات الإمام بست والجهر بواحدة حتى يسمعها المأموم فيأتم كما سيجي‌ء (٤) وإن كانت غير بعيدة ولا نضايق من احتمالها ، لكنه لا يمكن المصير إليه ، لامتناع التخيير بين الأقل والأكثر عقلاً على ما حققناه في الأُصول في مبحث الواجب التخييري (٥).

وملخّصه : أنّ معنى الوجوب التخييري في كل مورد سواء أكان في التخيير بين الأقل والأكثر ، أو المتباينين بعد وضوح المنافاة بين وجوب شي‌ء وجواز تركه ، سواء أكان إلى البدل أو بدونه كما لا يخفى ، هو أنّ متعلق الوجوب إنّما هو الطبيعي الجامع بين الفردين أو الأفراد ، مع إلغاء الخصوصيات الفردية وخروجها عن حريم المأمور به ، فكل فرد مصداق للواجب بمعنى انطباق ما‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٢١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٢.

(٤) في ص ١٥٠.

(٥) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٤٤.

١٢٩

هو الواجب عليه من دون دخل للخصوصية في تحققه.

وعليه فلا يعقل التخيير في التدريجيات بين الأقل والأكثر الحقيقي ، بأن يكون الأقل مأخوذاً لا بشرط والأكثر بشرط شي‌ء ، أي مشتملاً عليه بتمامه مع الزيادة ، إذ بعد وجود الأقل في الخارج ينطبق عليه الطبيعي الذي كان هو الواجب لا محالة فيسقط أمره قطعاً ، إذ الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، ومعه لا يبقى أمر حتى يقع الأكثر امتثالاً له ويتصف بكونه مصداقاً للواجب كي يكون عدلاً آخر للواجب التخييري ، فلا مناص من وقوع الزائد الذي يشتمل عليه الأكثر على صفة الاستحباب ، ومن هنا ذكرنا في باب التسبيحات الأربع أنّ الواجب إنّما هو الاولى والزائد عليها مستحب (١).

نعم ، يمكن ذلك فيما كان من قبيل الأقل والأكثر صورة وإن لم يكن منه حقيقة ، بأن كان الأقل مأخوذاً بشرط لا لا بنحو اللااقتضائيّ بشرط والأكثر بشرط شي‌ء ، كما في التخيير بين القصر والتمام ، حيث إنّ الأقل هو الركعتان بشرط عدم زيادة شي‌ء عليهما ، والأكثر مشروط بزيادة ركعتين أُخريين.

وإن شئت فقل : الأقل مشروط بوقوع التسليم على الركعتين ، والأكثر بوقوعه على الأربع. وكما في التسبيحات الأربع مثلاً بأن يقال : الأقل هو التسبيحة الأُولى بشرط الاقتصار عليها ، وعدم زيادة تسبيحة ثانية ، والأكثر هي المشروطة بإضافة ثنتين عليها حتى يكون المجموع ثلاثاً ، فلا يقع الامتثال بالتسبيحتين ، لعدم كونهما من الأقل ولا الأكثر. إلاّ أنّ ذلك خارج في الحقيقة عن باب التخيير بين الأقل والأكثر وإن كان على صورته ، وداخل في باب التخيير بين المتباينين ، لتقيّد كل منهما بقيد يضاد الآخر ، فلا يكون الأكثر مشتملاً على تمام الأقل وزيادة ، الذي هو مناط الدرج في باب الأقل والأكثر.

__________________

(١) في ص ٤٩٢.

١٣٠

وعليه فنقول : إن كان مراد القائل بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع ، الراجع إلى التخيير بين الأقل والأكثر ، أنّ الأقل وهي الواحدة مأخوذ بنحو اللاّبدية بشرط ، كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي ، فقد عرفت انّ هذا أمر غير معقول ثبوتاً ، فكيف يمكن تنزيل الأخبار عليه. بل لو فرضنا صراحة الأخبار فيه فضلاً عن الظهور ، فلا مناص من ارتكاب التأويل ، لامتناع التعبد بالمستحيل ، فيقال بأنّ إطلاق الافتتاح على المجموع مبني على ضرب من التجوّز ، باعتبار الاشتمال على تكبيرة الافتتاح فأُطلق على المجموع مجازاً بعلاقة الجزء والكل.

وإن كان مراده أنّ ذلك من التخيير بين الأقل والأكثر الصوري ، وإلاّ فهما من المتباينين ، لكون الأقل هي التكبيرة الواحدة بشرط لا ، فهذا وإن كان أمراً معقولاً في حدّ نفسه كما عرفت ، إلاّ أنّه لا يمكن الالتزام به في المقام ، إذ لازمه عدم انعقاد الافتتاح وبطلان الصلاة فيما لو كان لدى الشروع بانياً على اختيار الثلاث مثلاً وبعد الإتيان بتكبيرتين بدا له في الثالثة فتركها عامداً واقتصر على الثنتين ، إذ هما ليسا من الأقل ولا الأكثر ، فينبغي بطلان الصلاة حينئذ كبطلانها فيما لو اقتصر على الثنتين من التسبيحات الأربع ، بناءً على أن يكون الأقل فيها هي الواحدة بشرط لا ، ولا يظن بهذا القائل فضلاً عن غيره الالتزام بذلك.

وأفحش من ذلك : ما لو ترك الثالثة نسياناً في الفرض المزبور فتذكرها بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّ اللاّزم بطلانها حينئذ ، للإخلال بما اختاره من التكبيرة الذي هو مجموع الثلاث حسب الفرض ، ولا شك أنّ الإخلال بها عمداً وسهواً موجب للبطلان كما تقدّم (١) ، مع أنّه لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه.

__________________

(١) في ص ٨٩.

١٣١

ثم إن مقتضى قوله عليه‌السلام : « تحريمها التكبير » (١) حرمة المنافيات بمجرد الشروع في التكبير وضعاً فقط ، أو وضعاً وتكليفاً على الخلاف في ذلك ولذا ذكرنا فيما سبق (٢) أنّه لو أتى بالمنافي خلال كلمتي ( الله ) و ( أكبر ) بطلت وعلى القول بعدم جواز القطع وإن لم تتم التكبيرة كان حراماً أيضاً ، وعليه فلازم هذا القول الالتزام بالبطلان لو أتى ببعض المنافيات خلال التكبيرات ، فلو تكلم بين التكبيرة الثانية والثالثة مثلاً بطلت صلاته ، لأنّ ذلك بمثابة التكلم بين كلمتي ( الله ) و ( أكبر ) ، بل وعلى القول بالحرمة التكليفية كان آثماً أيضاً ، وهذا كما ترى ، ولا يظن أن يلتزم به هذا القائل ، ولا ينبغي أن يلتزم به ، إذ لا مقتضي للبطلان بعد الإتيان بتكبيرة صحيحة بعد ذلك.

وعلى الجملة : لا سبيل إلى الالتزام بأنّ الأقل مأخوذ بنحو بشرط لا ، لمكان هذه التوالي الفاسدة (٣) والقائل المزبور لا يريده ، لانصراف كلامه عنه قطعاً ، وقد عرفت أنّ أخذه بنحو اللااقتضائيّ بشرط كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي أمر غير معقول ، وظهور الأخبار فيه لو سلّم لا يمكن الأخذ به ، فلا مناص من الالتزام بأنّ الواجب وما يقع به الافتتاح إحدى تلك التكبيرات والزائد فضل ومُستحب ، لا أنّ المجموع أفضل أفراد الواجب التخييري كما يدّعيه القائل زاعماً ظهور الأخبار فيه ، فانّ بعضها وإن لم يخل عن الظهور في ذلك إلاّ أنّ كثيراً من الأخبار ظاهر فيما قلناه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.

(٢) في ص ٨٨.

(٣) يمكن التفصي عن بعض هذه التوالي الفاسدة : بافتراض الأقل هو التكبيرة الأُولى بشرط عدم تعقبها بالثنتين لا المشروطة بعدم الزيادة عليها في مقابل الأكثر وهو المشروط بإضافة الثنتين ، فلاحظ.

١٣٢

منها : صحيحة زيد الشحام قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الافتتاح فقال : تكبيرة تجزئك. قلت : فالسبع ، قال : ذلك الفضل » (١) فإنّها ظاهرة في أنّ الزائد على الواحدة وهي الست هي الفضل ، لا أنّ مجموع السبع أفضل أفراد الواجب كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كله » (٢).

ومنها : صحيحة زرارة المتقدمة « قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل » (٣).

فان ظهور هذه الأخبار وغيرها ممّا لا يخفى على المراجع فيما قلناه من استحباب الزائد بعد الإتيان بالواجب وهي التكبيرة الواحدة غير قابل للإنكار.

على أنّ الدعوى المزبورة لو سلّمت تماميتها في نفسها ، فهي على خلاف الإجماع المحقق ، إذ لم يذهب إليها عدا والد المجلسي قدس‌سره فلا يمكن الالتزام بها بوجه.

فتحصّل : أنّ الواجب وما يقع به الافتتاح ليس إلاّ إحدى تلك التكبيرات.

وقد ذهب صاحب الحدائق كما عرفت (٤) تبعاً لجمع من المحدّثين كما نسبه إليهم إلى أنّها الاولى معيّناً ، ومال إليه شيخنا البهائي (٥) ، وقد استدلّ له في الحدائق بطائفة من الأخبار :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٨.

(٤) في ص ١٢٨.

(٥) نقله عنه صاحب الحدائق ٨ : ٢١.

١٣٣

الأُولى : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات » (١) بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الإحرام التي بها يقع الافتتاح حقيقة ، ويتحقق الدخول في الصلاة ، فما يقع قبلها من التكبيرات بناءً على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء.

نعم ، يسمّى غيرها من سائر التكبيرات بتكبيرات الافتتاح ، إلاّ أنّ هذا الصدق لا يكون إلاّ بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام ، كي يتحقق بها الافتتاح الحقيقي والدخول في الصلاة كما عرفت ، وإلاّ كان من قبيل الإقامة ونحوها ممّا يقدّم قبل الدخول في الصلاة.

وفيه : أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : « فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث ... » إلخ ، أنّ ذلك كله بيان لما يتحقق به الافتتاح ، فقوله « إذا افتتحت » أي إذا أردت الافتتاح ، فكيفيته هكذا كما وقع نظيره في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثاً ... » إلخ (٢).

وعليه فما يقع به الافتتاح هو مجموع السبع المذكورة في الصحيحة ، وهذا كما ترى لا ينطبق بظاهره إلاّ على مسلك والد المجلسي ، فهو على خلاف المطلوب أدل ، فإن أمكن الأخذ به ، وإلاّ فلا تعرّض للصحيحة لتعيين تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.

وأمّا ما زعمه قدس‌سره من أنّ ما يقع قبل تكبيرة الإحرام ليس من الافتتاح في شي‌ء ، بل هو من قبيل الإقامة ، ففيه : أنّ ما يقع بعدها أيضاً ليس‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٣.

١٣٤

منه في شي‌ء ، بل هو من قبيل الاستعاذة والقراءة.

وبالجملة : الإطلاق الحقيقي منفي على التقديرين بعد الاعتراف بأنّ الافتتاح لا يتحقق إلاّ بتكبيرة واحدة هي تكبيرة الإحرام لا مجموع التكبيرات الذي اختاره والد المجلسي ، والإطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء والكل متحقق على التقديرين أيضاً ، إذ لا فرق في ذلك بين تقدم ذلك الجزء أو تأخره أو توسطه كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة زرارة قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته إلى أن قال ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت به دابته ، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجه » (١).

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ من يخاف اللص والسبع يقتصر بطبيعة الحال على أقل الواجب ، ولا يسعه المجال لتكبيرات الافتتاح. فالمراد بقوله عليه‌السلام « بأوّل تكبيرة » أوّل تكبيرات الصلاة ، أعني تكبيرة الإحرام في مقابل تكبيرة الركوع والسجود ونحوهما ، لا في مقابل تكبيرات الافتتاح ، فلا نظر فيها إلى هذه التكبيرات أصلاً.

هذا ، مع أنّ الاستدلال مبني على أن يكون قوله : « حين يتوجه » قيداً لأوّل في قوله « أوّل تكبيرة » حتى يدل على أنّ ما يتوجّه ويدخل به في الصلاة ويفتتحها هو أوّل التكبيرات السبع ، وهو غير ظاهر ، ومن الجائز أن يكون قيداً للتكبيرة المضاف إليه ، فيكون المعنى اعتبار الاستقبال في أوّل تكبيرة متصفة بكون تلك التكبيرة ممّا يتوجه ويفتتح بها الصلاة ، وأمّا أنّ تلك التكبيرة هل هي الأُولى أو الوسطى أو غيرهما فلا تتعرض الرواية لتعيينها أصلاً كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٤١ / أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٨.

١٣٥

الثالثة : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنّه قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصلاة وقد كان الحسين عليه‌السلام أبطأ عن الكلام إلى أن قال فافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة فكبّر الحسين عليه‌السلام فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكبيره عاد فكبّر ، فكبّر الحسين عليه‌السلام حتى كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع تكبيرات ، وكبّر الحسين عليه‌السلام فجرت السنّة بذلك » (١) فانّ التكبير الذي كبّره صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّلاً هو تكبيرة الإحرام لإطلاق الافتتاح عليها ، والعود إليها ثانياً وثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين عليه‌السلام ، فليس الافتتاح إلاّ بالأوّل والزائد هو المستحب ، وقد جرت السنّة على هذه الكيفية كما صرّح بذلك في آخر الخبر.

والجواب : أنّه لا ريب في وقوع الافتتاح منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكبيرة الاولى في تلك القضية الشخصية ، لعدم تشريع السبع بعد كما كان كذلك قبل تلك القضية ، ومجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاولى فيما بعد التشريع وليس في فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى. نعم ، ربما يوهمه قوله عليه‌السلام في ذيل الخبر « فجرت السنّة بذلك » ، لكنّه مبني على أن يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وقوع الافتتاح بالأُولى ، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى الذهن كما لا يخفى ، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال.

الرابعة : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع » ‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٤.

١٣٦

إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام (١) فانّ تقييد المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أنّه هو تكبيرة الإحرام ، إذ لو كانت الأخيرة مثلاً لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة ، فلا حاجة لتداركها في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة.

وفيه : بعد الغض عن مخالفة مضمونها للنص والفتوى كما تقدم الكلام حوله في محله مستقصى (٢) ولسنا الآن بصدد ذلك أنّها في حدِّ نفسها قاصرة الدلالة على مطلوبه قدس‌سره فانّ كلمة « من » في قوله « من الافتتاح » إمّا للتبعيض أو للبيان.

فإن أُريد الأوّل دلت الصحيحة حينئذ على أنّ مجموع التكبيرات السبع هي المحقق للافتتاح والمنسي بعض من هذا المركب ، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي قدس‌سره فهي حينئذ على خلاف المطلوب أدل. على أنّه بناءً عليه كان المنسي هي السابعة لا الاولى ولا غيرها ، لعدم اعتبار قصد عنوان الأوّلية أو الثانوية ونحوهما ، فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا يخفى.

وإن أُريد الثاني كي يكون المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الإحرام التي يتحقق بها الافتتاح ، فلا دلالة فيها على أنّها الأُولى أو الوسطى أو الأخيرة ، وإطلاق الأوّل عليها باعتبار أنّها اولى تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع والسجود وغيرهما.

فالإنصاف : أنّ هذه الوجوه التي استدل بها في الحدائق لا دلالة في شي‌ء منها على تعيّن الاولى ، فالقول به ساقط.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٨ ، المتقدمة في ص ٩١.

(٢) في ص ٩١ ، ٩٢.

١٣٧

وأمّا القول بتعيّن الأخيرة ، فقد استدل له أيضاً بوجوه :

أحدها : الفقه الرضوي (١) المتضمن للتصريح بذلك. لكنّه كما ترى لا حجية فيه فلا يصلح للاستناد إليه في شي‌ء من الأحكام كما مرّ مراراً.

الثاني : ما نقله المحقق الهمداني (٢) عن كاشف اللثام في شرح الروضة من الاستدلال برواية أبي بصير ، وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله : اللهمّ أنت الملك الحق المبين ... إلخ ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله : لبيك وسعديك وعقيب السادسة بقوله : يا محسن قد أتاك المسي‌ء ، قال عليه‌السلام : ثم تكبر للإحرام ، لكنّا بعد التتبع لم نجدها في كتب الحديث كي ننظر في سندها. نعم مضمونها مذكور في صحيحة الحلبي المتقدمة (٣) مع اختلاف يسير وظني انّها اشتبهت بها ، لكنها خالية عن الذيل الذي هو مورد الاستدلال فلاحظ.

الثالث : ما استظهره في الجواهر (٤) من النصوص المتضمّنة لاخفات الإمام بست ، والجهر بواحدة ، التي هي تكبيرة الإحرام بمناسبة الحكم والموضوع بضميمة ما ورد من أنّ الإمام يجهر بكل ما يتلفّظ به ويسمع المأمومين كل ما يقوله في الصلاة ، فإنّ الجمع بين الدليلين يقضي بتعيّن الأخيرة للافتتاح إذ لو كان ما عداها لزم ارتكاب التخصيص في الدليل الثاني كما لا يخفى ، فتحفّظاً على أصالة العموم يحكم بأنّها الأخيرة ، كي يكون ما قبلها من التكبيرات واقعة قبل الصلاة ، فالاخفات فيها لا ينافي مع الإجهار المطلوب في الصلاة.

وربما يجاب عنه : بأنّ أصالة العموم حجة في تشخيص المراد لا في كيفية الإرادة ، فلا تجري إلاّ لاستعلام الحكم لدى الشك فيه لا لتشخيص حال الموضوع‌

__________________

(١) فقه الرِّضا : ١٠٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٤٨ السطر ٣٠.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٤) الجواهر ٩ : ٢١٤.

١٣٨

وفي المقام لا شك في الحكم للقطع باخفات الست وخروجها عن دليل الإجهار في الصلاة ، وإنّما الشك في أنّها من الصلاة كي يكون خروجها عن ذاك الدليل من باب التخصيص ، أم ليست منها لكون الأخيرة هي الإحرام ، كي يكون خروجها من باب التخصص ، فهو نظير ما إذا ورد أكرم العلماء وعلمنا من الخارج أن زيداً لا يجب إكرامه ، ولم نعلم أنّه عالم كي يكون خروجه للتخصيص أم جاهل كي يكون للتخصص ، فكما أنّ أصالة العموم لا تجري لإثبات حاله وأنّه جاهل لعدم الشك في المراد ، فكذا لا تجري في المقام حتى يثبت بها أنّ الإحرام هي الأخيرة.

وفيه : أنّ الكبرى المذكورة وإن صحّت لكنها غير منطبقة على المقام لحصول الشك هنا في الحكم كالموضوع ، فلا يعلم المراد أيضاً لإجمال المفهوم فهو كما لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد بعد ورود الأمر بإكرام العلماء وتردد زيد بين شخصين أحدهما عالم والآخر جاهل ، ولم يعلم أنّ المراد به الأوّل كي يكون الخروج تخصيصاً أم الثاني كي يكون تخصصاً ، ولا شك أنّ المرجع في مثله أصالة العموم ، لعدم العلم بورود التخصيص على عموم إكرام العلماء كي يخرج عنه زيد العالم ، فيتمسك بأصالة عدم التخصيص ويثبت بها أنّ الخارج هو زيد الجاهل ، لحجية مثبتات الأُصول اللفظية.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ المراد من الست المحكومة بالإخفات مردد بين الواقع قبل التكبيرة كي يكون خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة من باب التخصص ، والواقع بعدها كي يكون من التخصيص ، فهو مجمل مردّد بين فردين وفي مثله يتمسك بأصالة العموم في دليل الإجهار للشك في ورود التخصيص عليه ، ويثبت بها أنّ المراد هي الست الواقعة قبل التكبيرة ، فينتج أنّ تكبيرة الإحرام هي الأخيرة ، لما عرفت من حجية مثبتات الأُصول اللفظية.

إلاّ أنّ أصالة العموم في دليل الإجهار في الصلاة تعارضها أصالة الإطلاق‌

١٣٩

في دليل الجهر بالواحدة وإخفات الست ، فانّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة الإحرام كما تقدم (١) ومقتضى الإطلاق جواز إيقاعها قبل الست أو بعدها أو خلالها. والعموم وإن كان مقدّماً على الإطلاق لدى الدوران لكون الدلالة فيه وضعية ، وفي الثاني بمقدّمات الحكمة ، إلاّ أنّ في المقام خصوصية تستوجب قوّة الظهور في الإطلاق بحيث كاد يلحقه بالتصريح الموجب لتقديمه على العموم ، وهو التعبير بالواحدة المقرون بالتعبير بالست في الإخفات إذ لو كان المراد بالواحدة خصوص الأخيرة فما يمنعه عليه‌السلام عن التعبير بالسابعة ، فالعدول عنها مع أنّ المقام يقتضي التصريح بها لو كان الافتتاح متعيناً فيها إلى التعبير بالواحدة فيه قوة ظهور في الإطلاق والتخيير ، وإلاّ لم يكن وجه للإهمال المؤدّي إلى نوع من الإغراء بالجهل كما لا يخفى.

هذا ، ومع التنزل فلا أقل من التكافؤ بين الظهورين ، أعني ظهور العموم في تعين الأخيرة بالتقريب المتقدم وظهور الإطلاق في عدمه ، فيقع التعارض الموجب للإجمال فتسقط عن الاستدلال.

الرابع : النصوص المتضمنة لتعداد تكبيرات الصلوات وأنّها خمس وتسعون تكبيرة ، التي منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرات القنوت خمس » (٢) فإنّها لا تنطبق إلاّ على القول بتعيّن الأخيرة للافتتاح ، فيستقيم العدد حينئذ ، إذ كل ركعة تشتمل على خمس تكبيرات : تكبيرة للركوع ، وأُخرى للهوي إلى السجود ، وثالثة لرفع الرأس منه ، ورابعة للسجدة الثانية ، وخامسة لرفع الرأس منها ، وبعد ضرب الخمسة في عدد ركعات الفرائض وهي سبع عشرة يصير المجموع خمساً وثمانين ، وبعد إضافة خمسة لتكبيرات القنوت في‌

__________________

(١) في ص ١٣٨.

(٢) الوسائل ٦ : ١٨ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١.

١٤٠