موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ضعيف من جهات ثلاث فلا يمكن الاعتماد على الخبر.

كما أنّه قاصر الدلالة ثانياً ، بل على خلاف المطلوب أدل ، إذ المذكور في المجالس هكذا « ... وأمّا قوله والله أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلاّ بها » فهو مشتمل على زيادة الواو على خلاف المنقول عنه في الوسائل كما نبّه عليه المعلّق. فالاستدلال بشي‌ء من الوجهين لا يتم.

والأولى الاستدلال عليه من وجوه :

أحدها : إطلاق أدلة الجزئية مثل قوله عليه‌السلام « تحريمها التكبير » (١) بعد انصراف التكبير فيها إلى ما هو المعهود المتعارف المنقول عن صاحب الشرع ، والمفروض في الأذان ، والذي يعرفه حتى النِّساء والصبيان ، ولم يختلف فيه اثنان ، لا من الخاصة ولا من العامة كما عرفت. فالمعروفيّة بهذه المثابة من الكثرة والشيوع في جميع الأعصار والأمصار بحيث متى قيل لأحد كبّر لا يتفوّه إلاّ بقوله الله أكبر ، لا شك في أنّه يوجب صرف إطلاق التكبير في تلك الأدلة إلى هذه الكيفية الخاصة الرائجة بين عموم المسلمين ، بل لعلّه لا يوجد تعارف أشد من ذلك في صرف الإطلاق ، فمقتضى دليل الجزئية بعد التنزيل على المتعارف وجوب هذه الكيفية بخصوصها وعدم الاجتزاء بغيرها.

ومعه لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي الذي مقتضاه هو البراءة ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها عند الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وكذا عند الشك بين التعيين والتخيير الذي هو في الحقيقة من مصاديق الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا فرق بينهما إلاّ في مجرّد التعبير كما أوضحناه في الأُصول (٢). فما عن بعض من التفكيك بينهما‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٤٥٣.

١٠١

بالرجوع إلى البراءة في الأوّل ، والاشتغال في الثاني في غير محلّه.

الثاني : الأخبار الدالة على أنّ عدد التكبير في الصلوات الخمس اليومية خمس وتسعون ، كموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات ، خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرات القنوت خمس » (١). فانّ المستفاد منها أنّ تلك التكبيرات التي منها الافتتاح كلها من سنخ واحد وعلى صورة واحدة ، فإذا انضمّ ذلك إلى قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ... » (٢) إلخ المشتملة على بيان الكيفية في تكبيرة الركوع ، يظهر من ذلك أنّ تكبيرة الافتتاح أيضاً كذلك ، لما عرفت من استظهار كون الجميع من سنخ واحد وبكيفية واحدة.

الثالث : وهو العمدة ، والاستدلال به أقوى من سابقه وأظهر صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة التي استدلّ بها الأصحاب في كثير من المقامات قال فيها : « واستقبل بأصابع رجليه ( جميعاً ) لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة فقال : الله أكبر ... » إلخ (٣) ثم قال عليه‌السلام في ذيلها « يا حماد هكذا صلّ ... » إلخ ، فإنّ ظاهر الأمر وجوب الإتيان بتلك الكيفية الظاهر في الوجوب التعييني (٤) بمقتضى الإطلاق. ولا يقدح في الاستدلال اشتمالها على‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٨ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٩٥ / أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) الاستدلال بهذه الصحيحة وإن تكرر في كلمات سيّدنا الأُستاذ ( دام ظله ) تبعاً لجمع من الأعلام ، لكنه مبني على ظهور الأمر في قوله عليه‌السلام « يا حماد هكذا صلّ »

١٠٢

جملة من المستحبات لما ثبت في محله من أنّ اقتران الكلام بما ثبت استحبابه من الخارج لا يمنع من الظهور في الوجوب فيما عداه الفاقد للقرينة على الخلاف (١) سيّما بناءً على مسلكنا من خروج الوجوب والاستحباب عن مدلول الأمر وكونهما بحكم العقل ومنتزعين من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه (٢) ، فما ثبت اقترانه بالترخيص في الترك كان مستحبّاً وإلاّ حكم العقل بوجوبه ، وحيث لم يثبت الترخيص المزبور في التكبير كان واجباً. وليت شعري كيف غفل الأصحاب عن التمسك بهذه الصحيحة في المقام مع وضوح دلالتها واستنادهم إليها في كثير من المقامات متعرضين للإشكال المزبور ودفعه بما ذكر.

__________________

في الوجوب ، فيؤخذ به ما لم تقم قرينة على الخلاف حسبما قرره ( دام ظله ) إلا أنّ لقائل أن يقول : إنّ التأمل في صدر الصحيحة يقضي بأنّه عليه‌السلام لم يكن بصدد تعليم الصلاة الواجبة لإباء مقام حماد عن خفاء مثل ذلك عليه ، ولا سيّما مع التقبيح والتوبيخ الشنيع بمثل قوله عليه‌السلام « ما أقبح بالرجل منكم » إلخ ، أفهل يحتمل أنّ مثل هذا الرجل العظيم وهو من أجلة الفقهاء ، بل من أصحاب الإجماع يأتي عليه ستون أو سبعون سنة وهو لا يدري الحدود الواجبة للصلاة.

إذن فلا ينبغي التأمل في أنّه عليه‌السلام بصدد تعليم الصلاة بحدودها التامة ومزاياها الكاملة كما أُشير إليه في صحيحة أُخرى لحماد بقوله عليه‌السلام « إنّ للصلاة أربعة آلاف حد » [ المستدرك ٤ : ٨٤ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢ ] ، وعليه فلا ظهور للأمر المزبور إلا في الإرشاد إلى مثل هذه الصلاة ، دون الوجوب التعييني كما ادعي ، فلا تصلح للاستشهاد حتى فيما لم تقم قرينة على الخلاف ، لما عرفت من احتفافها بقرينة داخلية قاضية بعدم سوقها لبيان الحدود الواجبة.

ومنه تعرف أنّ ما في المتن من الاستغراب في غير محله ، بل ينبغي الاستغراب من الاستدلال بها في سائر المقامات فلاحظ.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٨.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١.

١٠٣

والأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء (١) أو لفظ النيّة وإن كان الأقوى جوازه (*) وتحذف الهمزة من ( الله ) حينئذ.

______________________________________________________

(١) هذه هي الجهة الثانية من الكلام ، وقد اختار قدس‌سره جواز وصل التكبيرة بما سبقها من الدعاء ونحوه بحذف الهمزة من الله حينئذ ، وإن ذكر قدس‌سره أنّ الأحوط هو عدم الوصل ، والمشهور هو عدم الجواز

واستدلّ لهم كما في الذكرى (١) بما يتألف من مقدّمتين : إحداهما : أنّ المعهود المنقول من صاحب الشرع هو قطع همزة الله وعدم وصلها بما تقدمها. الثانية : أنّه لا كلام قبل تكبيرة الإحرام ، فلو تكلفه واستلزم سقوط همزة الوصل لكونه من خواص الدرج بكلام متصل ، فقد تكلف ما لا يحتاج إليه ، فيخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً.

وفي كلتا المقدمتين ما لا يخفى ، أمّا الأُولى : فلعدم الدليل على تخصيص الصادر من صاحب الشرع بذلك. نعم ، المنقول عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، إلاّ أنّه لم ينقل عدم صدور غيره منه ، ومجرد ذلك لا يكون دليلاً على العدم ، فلعله صدر ولم ينقل إلينا. فدعوى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأت بها إلاّ مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد عليها كما صرح به في الجواهر (٢).

وأمّا الثانية : فإن أُريد من الكلام المنفي وجوده قبل تكبيرة الإحرام الكلام الواجب فهو صحيح ، إلاّ أنّ من المعلوم أنّ السقوط من خواص الدرج بكلام متصل واجباً كان أم لا ، وإن أُريد النفي بقول مطلق حتى المستحب منه أو‌

__________________

(*) فيه وفيما بعده إشكال فالاحتياط لا يترك.

(١) الذكرى ٣ : ٢٥٦.

(٢) الجواهر ٩ : ٢٠٦.

١٠٤

كما أنّ الأقوى جواز وصلها بما بعدها (١) من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما ، ويجب حينئذ إعراب راء أكبر ، لكن الأحوط عدم الوصل.

______________________________________________________

المباح فهو مقطوع العدم ، كيف والتكبيرة هي التحريم ، فلا يحرم الكلام إلاّ بعدها لا قبلها ، وقد ثبت استحباب جملة من الأدعية قبلها ولا أقل من تكبيرات الافتتاح الست ، فمن الجائز أن يوصل التكبيرة السادسة بالتكبيرة السابعة التي بها تفتتح الصلاة ، المستلزم لسقوط همزة الوصل حينئذ الذي هو من شؤون الدرج بكلام متصل.

ومن هنا قد يقوى في النظر بعد عدم قيام دليل على المنع جواز الوصل كما اختاره في المتن ، استناداً إلى أصالة البراءة عن مانعيته ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد أشرنا إلى أنّ هذا الباب وباب الدوران بين التعيين والتخيير من وادٍ واحد ، بل أحدهما عين الآخر ، والاختلاف في مجرد التعبير ، فلا وجه للتفكيك بالرجوع إلى البراءة في الأوّل والاشتغال في الثاني.

هذا ، ولكن الحكم بالجواز مشكل جدّاً ، لإمكان الاستدلال على المنع بصحيحة حماد المتقدمة (١) حيث ذكر فيها صورة التكبيرة منفصلة عن أيّ شي‌ء قبلها ، ثم قال عليه‌السلام في ذيلها : « يا حماد هكذا صلّ » ، والأمر ظاهر في الوجوب التعييني ، فجواز الوصل يحتاج إلى الدليل ، وبدونه يتعيّن العمل بظاهر الأمر ، فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي المزبور. وكيف كان ، فعدم جواز الوصل ووجوب قطع الهمزة إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(١) هذه هي الجهة الثالثة من الكلام ، فنقول : إذا بنينا على جواز الوصل‌

__________________

(١) في ص ١٠٢.

١٠٥

بالسكون فلا ينبغي الإشكال حينئذ في جواز وصل التكبيرة بما بعدها ، لحصول المحافظة على هيئتها من دون أيّ تغيير.

وأمّا إذا بنينا على عدم الجواز فالظاهر أيضاً جواز الوصل مع إعراب راء أكبر كي لا يلزم الوصل بالسكون إذ لا دليل على وجوب الوقف على أكبر بل مقتضى إطلاق صحيحة حماد (١) عدمه ، سيّما وقد تعرّض فيها للوقف والتنفس بعد الفراغ عن التوحيد قبل الشروع في تكبيرة الركوع بقوله : « ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس وهو قائم ، ثم قال الله أكبر ... » إلخ مع أنّ الصبر والتنفس هنا غير واجب قطعاً ، فلو كان الوقف في تكبيرة الإحرام واجباً كان ذكره أولى والتعرض له أحرى كما لا يخفى.

وكيف كان ، فإطلاق الصحيحة رافع لاحتمال الوجوب ، فانّ هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الواردة لبيان كيفية الصلاة إنّما تتكفل ببيان الأجزاء بموادها ، وأمّا إعراب الكلمات من الوقف والحركات فهو محوّل إلى قانون اللغة والقواعد العربية والأُصول المقررة لذلك ، ومن هنا لا نجد في شي‌ء من تلك الأخبار تعرّضاً لذلك. وعليه فاذا احتملنا لزوم مراعاة شي‌ء على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد كوجوب الوقف في المقام وعدم وصل التكبيرة بما بعدها جاز التمسّك في دفعه بإطلاقها.

ولا ينافي ذلك ما تقدّم منّا من عدم جواز وصل التكبيرة بما قبلها استناداً إلى صحيحة حماد ، لأنّ ذلك كان مستلزماً لتغيير مادة اللّفظ ، لسقوط همزة الله في الدرج ، وقد عرفت أنّ ظاهر الصحيحة الأمر بهذه الهيئة بمادتها ، وأمّا في المقام فالتغيير راجع إلى الأعراب ، والصحيحة كغيرها من سائر الأخبار غير ناظرة إليه كما عرفت.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٠٢.

١٠٦

ويجب إخراج حروفها من مخارجها (١) والموالاة بينها ، وبين الكلمتين.

[١٤٤٥] مسألة ١ : لو قال : ( الله تعالى أكبر ) لم يصح ، ولو قال : ( الله أكبر من أن يوصف ) (٢) ، أو ( من كل شي‌ء ) فالأحوط (*) الإتمام والإعادة وإن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع.

______________________________________________________

هذا ومع الإغماض عن إطلاق الصحيحة ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية الوصل بما بعدها على المختار من جواز الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وفي الدوران بين التعيين والتخيير ، وقد أشرنا غير مرّة إلى اتحاد المسألتين وعدم المجال للتفكيك بينهما.

(١) كي لا تتغيّر الكلمة عمّا هي عليه القادح في الصحة ، للزوم الإتيان بها لا بشي‌ء غيرها ، كما لا ريب في لزوم الموالاة بين حروفها كلزومها بين الكلمتين تحفظاً على الهيئة الكلامية اللاّزم مراعاتها وإلاّ خرجت التكبيرة عن كونها كذلك.

(٢) أمّا عدم صحة الأوّل ، المستلزم لتغيير هيئة التكبيرة عن كيفيتها المتعارفة فقد سبق الكلام فيه مستقصى وعلم وجهه ممّا مرّ (١).

وأمّا الثاني ، فالظاهر أيضاً عدم الجواز ، فإنّه وإن لم يستلزم تغييراً في الهيئة لكونه زيادة لاحقة ، لكنّها مغيّرة للمعنى فلا تجوز ، فانّ قوله : الله أكبر من أن يوصف ، لا يدل على اختصاص الأكبرية من ذلك به تعالى ونفيها عن غيره فلعلّ هناك موجوداً كالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ملك مُقرّب هو أيضاً أكبر من أن يوصف ، كما أن قوله : الله أكبر من كل شي‌ء ، لا يدل على‌

__________________

(*) لا يترك الاحتياط بالإعادة.

(١) في ص ٩٨.

١٠٧

[١٤٤٦] مسألة ٢ : لو قال : الله أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل (١) كما أنّه لو شدّد راء أكبر بطل أيضاً.

[١٤٤٧] مسألة ٣ : الأحوط تفخيم اللاّم من الله والراء من أكبر ، ولكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً (٢).

[١٤٤٨] مسألة ٤ : يجب فيها القيام والاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً (*) (٣).

______________________________________________________

أنّه تعالى غير محدود بحدّ وغير قابل للوصف ، بل غايته أنّ كل موجود في الخارج فالله سبحانه أكبر منه ، وأمّا أنّه تعالى أكبر من أن يوصف وأجل من أن يحدد بحد فلا دلالة للكلام عليه.

هذا بخلاف قولنا : ( الله أكبر ) مرسلاً عن كل قيد ، فإنّه يدل على الأكبرية المطلقة الشاملة لجميع تلك المعاني ، بل وغيرها كما لا يخفى ، فيكون المعنى أشمل والمفهوم أوسع وأكمل ، فلا يجوز تغييره بالتقييدين الموجبين للتضييق.

(١) للزوم زيادة الحرف الموجبة لتغيير الصورة ، بل خروج الكلمة عن حقيقتها. ومنه يظهر الحال في تشديد راء أكبر.

(٢) فإنّ ذلك من قواعد التجويد غير اللازم مراعاتها ، بعد عدم خروج الكلمة بالإخلال بها عن كونها عربية ، فإن تلك القواعد من محسّنات الكلام لا من مقوّماته.

(٣) ذكر قدس‌سره أنّه يعتبر في التكبيرة القيام والاستقرار ، بل هما ركنان فيها بمعنى أنّه لو ترك أحدهما عمداً أو سهواً بطل.

__________________

(*) عدم البطلان بترك الاستقرار سهواً هو الأظهر.

١٠٨

أمّا القيام : فلا إشكال كما لا خلاف في اعتباره فيها ، وتشهد له جملة من النصوص الواردة ، إمّا في خصوص التكبيرة كصحيحة حماد (١) قال فيها : « فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصباً إلى أن قال فقال : الله أكبر ... » إلخ بضميمة قوله في الذيل « يا حماد هكذا صلّ » الظاهر في الوجوب التعييني.

أو في حال الصلاة التي منها التكبيرة التي هي افتتاحها وأوّل جزء منها وهي كثيرة ، كصحيح زرارة قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : وقم منتصباً فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (٢) ، وصحيح أبي حمزة « عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله ( عزّ وجلّ ) ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) قال : الصحيح يصلّي قائماً ... » إلخ (٣).

وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » (٤) ، ونحوها غيرها.

ثم إنّ مقتضى إطلاق هذه النصوص اعتبار القيام والانتصاب في التكبيرة مطلقاً ، لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف (٥) عدم اعتباره في المأموم قال : إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته ، واستدلّ عليه بأنّ الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصّلوا بين أن يكبّر قائماً أو يأتي به منحنياً ، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٩ / أبواب القيام ب ٢ ح ٢.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ٣٤٠ / مسألة ٩٢.

١٠٩

وفيه : ما لا يخفى ، إذ يكفي في الدليل إطلاق النصوص المتقدمة كما عرفت. وحكم الأصحاب بالصحة مسوق لبيان الاجتزاء بالتكبيرة المزبورة عن التكبيرتين ، وسنتعرض لهذا الحكم في محلّه إن شاء الله تعالى (١) ، وليسوا بصدد بيان الصحة على الإطلاق حتى مع الإخلال بسائر الشرائط المعتبرة في التكبيرة من القيام ونحوه ، فانّ بيان ذلك موكول إلى محله وقد تعرضوا له ، فلا إطلاق لكلامهم في المقام من هذه الجهة قطعاً.

على أنّه يكفي في الحكم بالبطلان الصحيحة الواردة في خصوص المقام ، وهي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه « قال في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه : فقد أدرك الركعة » (٢).

فانّ بعض المذكور في القضية الشرطية وإن كان من قبيل القيود المسوقة لبيان تحقق الموضوع التي لا مفهوم لها كإدراك الإمام في ركوعه ، وكذا تكبير الرجل ، إذ مع انتفاء الأول لا موضوع لإدراك الركعة ، كما أنّه مع انتفاء الثاني لا موضوع للصلاة ، إلاّ أنّ البعض الآخر ليس من هذا القبيل كقوله « وهو مقيم صلبه » الذي هو محل الاستشهاد وقوله « ثم ركع » فانّ من يكبّر قد يقيم صلبه وقد لا يقيم ، كما أنّه قد يركع وقد لا يركع ، وقد ذكرنا في الأُصول في بحث المفاهيم أنّ الجملة الشرطية إذا اشتملت على قيدين أحدهما مسوق لبيان تحقق الموضوع والآخر لغيره ، كان للقضية مفهوم باعتبار الثاني وإن لم يكن له باعتبار الأوّل ، كما في قولك : إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه ، فيدل على عدم وجوب الأخذ بالركاب لو كان الركوب في غير يوم‌

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٧٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ١.

١١٠

الجمعة وإن لم يدل على عدم الوجوب مع عدم الركوب أصلاً ، لانتفاء الموضوع حينئذ ، كما في قولك : إن رزقت ولداً فاختنه (١).

وعليه فالصحيحة وإن لم يكن لها مفهوم باعتبار فقد أحد القيدين الأوّلين المسوقين لبيان تحقق الموضوع ، لكنه ينعقد لها المفهوم باعتبار القيدين الآخرين فتدلّ بالمفهوم على أنّ من كبّر ولم يقم صلبه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو غير مدرك للركعة المساوق لبطلان الصلاة.

وتؤيِّدها : رواية أبي أُسامة يعني زيداً الشحام « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل انتهى إلى الامام وهو راكع ، قال : إذا كبّر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك » (٢) والتقريب ما مرّ لكن سندها مخدوش ، فإنّ أبا أُسامة وإن كان موثقاً لتصريح الشيخ بتوثيقه (٣) على أنّه واقع في أسانيد كامل الزيارات (٤) ، مع أنّ العلاّمة ذكر في شأنه عين العبارة التي ذكرها النجاشي بزيادة قوله ثقة عين (٥) ، وهو مشعر بأخذ العبارة منه ، ولعلّ نسخة النجاشي الموجودة عنده كانت مشتملة على الزيادة ، فيكون قد وثقه النجاشي أيضاً (٦) ، وإن كانت النسخة الواصلة إلينا الدارجة اليوم خالية عنها.

إلاّ أنّ طريق الشيخ إلى الرجل فيه ضعف ، لاشتماله على أبي جميلة مفضل ابن صالح ولم يوثق ، فالرواية ضعيفة السند ، ومن هنا ذكرناها بعنوان التأييد.

__________________

(١) دراسات في علم الأُصول ٢ : ٢٠٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٣.

(٣) الفهرست : ٧١ / ٢٨٨.

(٤) لا أثر له ، لعدم كونه من المشايخ بلا واسطة.

(٥) الخلاصة : ١٤٨ / ٤٢٢.

(٦) رجال النجاشي : ١٧٥ / ٤٦٢.

١١١

فتحصّل : أنّ الأقوى اعتبار القيام في التكبيرة مطلقاً ، من غير فرق بين المأموم وغيره.

وهل يختص اعتباره بحال الذكر أو يعمّ النسيان فتعدّ من الأركان ، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته؟

مقتضى إطلاق حديث لا تعاد الحاكم على الأدلة الأولية هو الأوّل ، لعدم كونه من الخمسة المستثناة ، فيندرج تحت إطلاق المستثنى منه ، فإنّ الإخلال بنفس التكبيرة نقصاً وإن لم يكن مشمولاً للحديث ، لعدم الدخول بعد في الصلاة التي افتتاحها التكبيرة ، ولعلها من أجله لم تذكر في عقد الاستثناء مع مسلّمية البطلان بتركها سهواً نصاً وفتوى كما تقدم ، لكن الإخلال بالقيام مع الإتيان بذات التكبيرة غير مانع عن شمول الحديث ، لصدق الشروع والافتتاح والتلبس بالصلاة بمجرد حصول التكبيرة وإن كانت فاقدة لشرطها كما لا يخفى فلو كان هناك إخلال فهو من ناحية القيام لا التكبيرة فيشمله الحديث.

إلاّ أنّ صريح موثقة عمار هو الثاني ، أعني بطلان الصلاة بنسيان القيام ، قال عليه‌السلام فيها : « وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يقتدي ( ولا يعتد ) بافتتاحه وهو قاعد » (١). فلا مناص من تخصيص الحديث بها ، لكونها أخص منه مطلقاً.

وأمّا الاستقرار : بمعنى الطمأنينة والسكون في قبال الاضطراب والحركة ، فلم يرد على اعتباره في التكبيرة نص بالخصوص ، وإنّما استدلّ له في المقام بما دلّ على اعتباره في الصلاة بعد كون التكبيرة منها وجزءاً لها. وقد استدلّ له بعد الإجماع المحقق بعدّة من الروايات.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

١١٢

منها : رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال : يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ » (١) فإنّ التكبيرة حالها حال القراءة من هذه الجهة كما لا يخفى.

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة سنداً ، فانّ السكوني موثق ، وكذا النوفلي الراوي عنه ، لوقوعه في أسانيد تفسير القمي ، لكنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة واتحادها معها في هذا الحكم ، ليست الرواية ممّا نحن فيه ، لكونها ناظرة إلى اعتبار الاستقرار في مقابل المشي ، لا في مقابل الطمأنينة والاضطراب ، مع كونه واقفاً الذي هو محل الكلام.

ومنها : رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع ، إلاّ أن يكون مريضاً وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٢) بناءً على أنّ المراد من التمكن الاستقرار والاطمئنان ، كما لعله الظاهر.

وهي وإن صحّ سندها ، بالرغم من اشتماله على صالح بن عقبة وقد ضعّفه ابن الغضائري (٣) ، إذ لا عبرة بتضعيفه ، لعدم الاعتماد على كتابه ، فلا يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي وكامل الزيارات ، لكنّها قاصرة الدلالة ، لأنّه إن أُريد من التشبيه المماثلة في كيفية الاستقرار ، فلا تعرّض فيها لحكمه ، وإن أُريد التشبيه من حيث الحكم ، فقد سبق في مبحث الإقامة (٤)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٣) مجمع الرجال ٣ : ٢٠٧.

(٤) العروة الوثقى ١ : ٤٤٤ [ فصل في مستحبات الأذان والإقامة ].

١١٣

عدم اعتبار الاستقرار فيها وإنّما هو مستحب ، إذن فلا تدل على الوجوب في الصلاة ، بل غايته المساواة في اعتبار الرجحان وأصل المطلوبية.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن هارون بن حمزة الغنوي « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة ، فقال : إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصَلّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعداً » (١) فقد دلّت على اعتبار الاستقرار على نحو يتقدم على القيام لو أوجب الإخلال به فيصلي قاعداً.

ويمكن الخدش في السند : بأنّ في طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة ، يزيد ابن إسحاق شَعَر ، ولم يوثق كما صرح به الأردبيلي (٢) نعم صحح الطريق في الخلاصة (٣) بناءً على مسلكه من العمل برواية كل إمامي لم يرد فيه قدح.

هذا ، ولكن الرجل واقع في أسانيد كامل الزيارات (٤) فالرواية معتبرة ، ولا ينبغي النقاش في سندها. لكنها قاصرة الدلالة ، لعدم كون التفصيل ناظراً إلى استقرار المصلي وعدمه ، بل إلى استقرار السفينة واضطرابها لخفتها ، وأنّها لو كانت خفيفة بحيث تكفأ لو قام المصلي في صلاته سقط القيام حينئذ وصلى قاعداً مخافة الوقوع في البحر لكونه مظنة الضرر. فقوله « تكفأ » أقوى شاهد على اضطراب السفينة الموجب لسقوط القيام لكونه في معرض التلف والغرق دون اضطراب المصلي من حيث هو مع الأمن من القيام الذي هو محل الكلام.

فهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على اعتبار الاستقرار في‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٤ / أبواب القيام ب ١٤ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٢ / ١٣٢٩.

(٢) جامع الرواة ٢ : ٥٤٢.

(٣) الخلاصة : ٤٤٠.

(٤) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

١١٤

[١٤٤٩] مسألة ٥ : يعتبر في صدق التلفّظ بها بل وبغيرها من الأذكار (١)

______________________________________________________

الصلاة كي يثبت في التكبيرة التي هي جزء منها.

نعم ، لو ثبت ما قد يدعى من اعتبار الاستقرار في مفهوم القيام الواجب حال التكبيرة نصاً وفتوى كما تقدم (١) ، كان الدليل عليه دليلاً عليه ، لكنه غير ثابت قطعاً ، فانّ القيام لم يؤخذ في مفهومه إلاّ انتصاب الظهر في الجملة ، في مقابل الانحناء والهيئات الأُخرى من الركوع والسجود والاضطجاع والقعود وأمّا الحركة والسكون فخارجتان عن المفهوم ، فقد يكون القائم متحركاً وقد يكون قارّاً.

فليس في البين ما يعتمد عليه في اعتبار الاستقرار في الصلاة الشاملة للتكبيرة إلاّ الإجماع المحقق والتسالم بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، وحيث إنّه دليل لبي فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن وهي صورة العمد ، فلا دليل على البطلان في صورة النسيان ، بل مقتضى إطلاق حديث لا تعاد هي الصحة.

فدعوى ركنيته كما في المتن تبعاً للشهيد (٢) ، وأنّه تبطل الصلاة بالإخلال به حال التكبيرة عمداً وسهواً ، لا يمكن المساعدة عليها. نعم ، تصح الدعوى بالنسبة إلى القيام حالها كما عرفت.

(١) المشهور بين الأصحاب اعتبار سماع النفس تحقيقاً أو تقديراً في صدق التلفظ بالتكبيرة وغيرها من الأذكار والأدعية والقرآن ، فلو كان دون ذلك لم يصح.

__________________

(١) في ص ١٠٩.

(٢) لم نعثر عليه.

١١٥

والأدعية والقرآن ، أن يكون بحيث يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً ، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح (*).

______________________________________________________

وقد يستدل له كما في المعتبر (١) والمنتهى (٢) بدخل ذلك في تحقق الكلام فما لا يسمع لا يعدّ كلاماً ولا قراءة.

وفيه : ما لا يخفى ، لمنع الدخل فلا يتوقف صدق الكلام على الإسماع ، ولذا لو تكلم بمثل ذلك بكلام آدمي أثناء صلاته بطلت ، ولا نظن تجويز مثل ذلك حتى من المستدل.

فالعمدة إذن الروايات الواردة في المقام ، التي منها موثقة سماعة قال : « سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً » (٣) فكأنه استصعب سماعة فهم المراد من الآية الشريفة ، حيث إنّ الجهر والإخفات من الضدين اللذين لا ثالث لهما ، فكيف نهى سبحانه عنهما وأمر باتخاذ الوسط بينهما بقوله تعالى ( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (٤) فأجاب عليه‌السلام بأنّ الخفت الممنوع ما كان دون السّمع ، والجهر كذلك ما تضمن الصوت الشديد ، وما بينهما هو الوسط المأمور به الذي ينقسم أيضاً إلى الجهر والإخفات حسب اختلاف الصلوات كما فصّل في الروايات.

__________________

(*) هذا إذا لم يصدق عليه التكلم بأن كان من مجرّد تحريك اللسان والشفة ، وإلاّ فالصحة هو الأظهر.

(١) المعتبر ٢ : ١٧٧.

(٢) المنتهي ١ : ٢٦٨ السطر ٢٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٩٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ٢.

(٤) الإسراء ١٧ : ١١٠.

١١٦

[١٤٥٠] مسألة ٦ : من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم (١)

______________________________________________________

ويؤيدها : روايات اخرى بهذا العنوان لا تخفى على المراجع ، فلا إشكال في الحكم وأنّه لا بدّ في الامتثال من التكلم بهذه الأُمور على نحو يسمع نفسه (١) إما تحقيقاً ، أو تقديراً كما في الأصم لعارض ، أو كان هناك مانع عن سماع الصوت.

(١) مراده قدس‌سره من عدم المعرفة بقرينة ذكر الملحون وغير القادر فيما بعد ، من لم يعرفها صحيحة سواء لم يعرفها أصلاً ، أو لم يعرف الصحيح منها.

ثم إنّ الوجوب في المقام ليس غيرياً شرعياً مقدمة لوجود الصحيح ، ولا علمياً عقلياً مقدمة لإحراز الامتثال الواجب بحكم العقل ، بل هو من صغريات وجوب تعلم الأحكام المردد بين كونه واجباً نفسياً أو طريقياً أو غيرهما ، وقد وردت فيه النصوص من قوله عليه‌السلام : « هلاّ تعلّمت » (٢) ومن آية الذكر (٣) وغيرهما ، حسبما تعرّضنا له في الأُصول في خاتمة البراءة مستقصى (٤) ، فإنّ الكبرى المبحوث عنها هناك أعم من تعلم نفس الأحكام أو موضوعاتها المتلقاة من قبل الشارع التي عهدة بيانها عليه ، ولا بدّ من الرجوع إليه في معرفتها وكيفياتها كما في المقام في قبال الموضوعات العرفية الموكول معرفتها إلى العرف.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ وجوب التعلم في المقام وغيره ثابت حتى قبل دخول‌

__________________

(١) ما ذكره ( دام ظله ) في المقام هو المطابق لما سيجي‌ء في مبحث القراءة المسألة (٢٧) ولما أورده في منهاجه المسألة (٦٢٠) ولكنه مخالف لما جاء في تعليقته الشريفة على المقام فلاحظ.

(٢) البحار ٢ : ٢٩ ، ١٨٠.

(٣) النحل ١٦ : ٤٣.

(٤) مصباح الأُصول ٢ : ٤٩٣ ، ٤٩٥.

١١٧

ولا يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلم (١) إلاّ إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (٢).

______________________________________________________

الوقت ، لعدم كونه وجوباً غيرياً ترشحياً حتى يتوقف على فعلية وجوب ذي المقدمة كما عرفت ، فانّ تعلم الأحكام بموضوعاتها المستنبطة واجب على الجاهل مطلقاً إمّا نفساً أو طريقاً كي لا تفوته الواقعيات في ظرفها المقرّر لها.

(١) لا بمعنى مجرّد عدم الصحة وضعاً ، أو عدم الاجتزاء به عقلاً من أجل عدم إحراز أداء المأمور به ، بل بمعنى عدم جوازه شرعاً زائداً على ذلك لكونه من التشريع المحرّم ، لاحتمال عدم كون الصادر منه تكبيرة ، أو أنّها تكون ملحونة ، فإنّه على التقديرين لم يتعلّق به الأمر وليس من أجزاء الصلاة ، فافتتاح الصلاة والدخول فيها بذلك ، المساوق للإتيان به بعنوان الجزئية وبقصد الأمر تشريع محرّم.

(٢) بلا خلاف ، ويكفينا في ذلك إطلاقات الأمر بالتكبير مثل قوله عليه‌السلام : « تحريمها التكبير » (١) فإنّه يشمل الصحيح والملحون. والتقييد بالأوّل على صورة الله أكبر ، إنّما كان من أجل الانصراف إلى المتعارف ، أو لفعل الإمام عليه‌السلام والأمر به كذلك كما في صحيحة حماد على ما تقدم (٢) ، ولا ريب أنّ كلا منهما خاص بحال الاختيار ، فيبقى الإطلاق في صورة العجز والاضطرار كما في المقام حيث لا يتمكن من تعلم الصحيح لضيق الوقت على حاله بعد صدق عنوان التكبير على كل من الصحيح والغلط.

هذا ، مضافاً إلى فحوى موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.

(٢) في ص ١٠٩.

١١٨

بإصبعه » (١) فانّ الاكتفاء بتحريك اللسان والإشارة بالإصبع يستدعي الاجتزاء بالقراءة الملحونة ، وكذا التكبير الملحون بطريق أولى.

وموثقة مسعدة بن صدقة قال : « سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول : إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم والمحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح » (٢).

فإنّها كما ترى ظاهرة الدلالة على المطلوب ، حيث دلت على أنّ الذي يراد من المحرّم وهو الأعرابي ـ (٣) وكذا العجم ويحسب له هو العمل الناقص حسبما يدركه ويستطيعه كما في الأخرس ، وهذا شي‌ء لا يساوي مع الذي يراد من العالم الفصيح من العمل الكامل الصحيح. ومثل هذا التعبير شائع في العرف فيقال : لا يراد من زيد ما يراد من عمرو ، يعنون به أنّ المطلوب منه هو العمل الناقص لكونه دون عمرو في الشأن والدرك. فلا يورد على الرواية بعدم دلالتها على الاجتزاء بالناقص ، بل غايتها عدم وجوب التام.

هذا ، مع أنّ دعوى القطع بأنّ من لا يستطيع على أداء الصحيح وظيفته هو التلفظ بالملحون غير مجازفة ، ضرورة أنّ مثل هذا كمن في لسانه آفة لا يتمكن من أداء الحروف عن مخارجها فيبدل بعضها ببعض كتبديل الراء بالياء ونحوه موجود في كل عصر ، ولم يرد في شي‌ء من الأخبار التعرض لبيان وظيفتهم الخاصة من حيث جعل البدل كالترجمة ونحوها ، أو سقوط التكليف عنهم‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ٢.

(٣) أعرابي محرّم : جاف لم يخالط الحضر ، كذا في المنجد [ في مادة حرم ] والأقرب [ ١ : ١٨٥ ].

١١٩

فيعلم من ذلك إيكال الأمر إلى الوضوح ، وأنّ وظيفتهم هو ما يستطيعون.

فتحصّل : أنّ مقتضى الوجوه الأربعة المتقدمة ، وهي الإطلاقات والروايتان والعلم الخارجي هو وجوب الإتيان بالملحون والاجتزاء به.

مضافاً إلى موثقة أُخرى للسكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته » (١) ، بعد القطع بعدم خصوصية للقرآن ، فيعمّ التكبيرة وغيرها.

وأمّا الاستدلال عليه بما ورد من أنّه كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (٢) وأنّه ما من شي‌ء حرّم الله تعالى إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه (٣) فساقط ، إذ غاية ما يستفاد منها سقوط الوجوب عن التام الذي يستقل به العقل من أجل قبح التكليف بما لا يطاق من دون حاجة إلى الاستناد بهذه الأخبار ، لا إثبات وجوب الناقص الذي هو محل الكلام.

كما أنّ الاستدلال بحديث : « لا يترك الميسور بالمعسور » (٤) وبما ورد من أنّ سين بلال شين عند الله (٥) أيضاً ساقط ، لضعف سند الحديث فلا أساس لهذه القاعدة كما تعرضنا له في الأُصول (٦).

وأمّا الرواية ، فلم تنقل بطرقنا ولذا لم يذكرها في الوسائل وإن ذكرت في‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٢١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٩ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٦ ، نقل بالمضمون.

(٤) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٥) المستدرك ٤ : ٢٧٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٣.

(٦) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

١٢٠