موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل

[ في شرائط الأذان والإقامة ]

يشترط في الأذان والإقامة أُمور :

الأوّل : النية ابتداء واستدامة على نحو سائر العبادات ، فلو أذّن أو أقام لا بقصد القربة لم يصح ، وكذا لو تركها في الأثناء (١).

______________________________________________________

(١) غير خفي أنّ للنية معنيين : أحدهما قصد العمل ، ثانيهما قصد القربة.

والأوّل ، معتبر مطلقاً تعبدياً كان أم توصلياً ، لأنّ غير المقصود غير اختياري ولا بد من الاختيار في تحقق الامتثال ، غير أنّ شيخنا الأُستاذ قدس‌سره خصّه بتحقق الطبيعة في ضمن الحصة الاختيارية (١) ولا مقتضي له ، إذ المأمور به إنّما هو الجامع بين المقدور وغيره ، والجامع مقدور وإن تحقق في ضمن الحصة غير الاختيارية ، فالقصد إلى الجامع كافٍ ، وتمام الكلام في الأُصول (٢).

وأمّا الثاني ، فلا يعتبر في أذان الإعلام بلا كلام ، إذ المقصود منه التنبيه على دخول الوقت وهو يتحصّل وإن كان بداعي التعليم مثلاً ولا يكون منوطاً بقصد القربة. مضافاً إلى أصالة التوصلية بعد عدم الدليل على التعبدية‌

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦٤ ، ٣٦٨‌

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٣ : ٦٢ ، ٤ : ٢٢٠.

٣٢١

حسبما هو محرر في محله (١).

وأمّا أذان الصلاة فلا ينبغي التأمل في اعتباره فيه ، لاستقرار ارتكاز المتشرعة على كونه من توابع الصلاة المحكومة بحكمها من هذه الجهة وإن كان مقدّماً عليها خارجاً ، وهذا مركوز في أذهان عامة المتشرعة بمثابة يكشف عن كونه كذلك عند المشرّع الأعظم. مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى التنزيل في معتبرة أبي هارون المكفوف قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة » (٢) بعد وضوح إلحاق الأذان بالإقامة من هذه الجهة ، لعدم القول بالفصل ، بل القطع باتحادهما في هذا الحكم ، وهما مشتركان في عامة الفصول بحيث لا تحتمل عبادية الإقامة دون الأذان كما لا يخفى.

نعم ، نوقش في سندها تارة : باشتماله على صالح بن عقبة ، وقد ضعّفه ابن الغضائري (٣). وفيه : أنّ كتابه لم يثبت استناده إليه وإن كان هو ثقة في نفسه ، فلا يعوّل على جرحه ولا تعديله.

وأُخرى : بأنّ أبا هارون المكفوف لا توثيق له ، بل قد روى الكشي ما يكشف عن تضعيفه (٤). وفيه : أنّ الرواية مرسلة. مضافاً إلى جهالة الراوي ، وقد ذكر النجاشي أنّ الكشي يروي عن المجاهيل (٥).

وكيف ما كان ، فالأظهر وثاقة الرجلين لوقوعهما في أسناد كامل الزيارات (٦) والسلامة عن تضعيفٍ صالح للمعارضة حسبما عرفت.

وعليه فلو أذّن بدون قصد القربة لزمه الاستئناف ، لعدم وقوع العبادة على وجهها.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٥٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٣) مجمع الرجال ٣ : ٢٠٦.

(٤) رجال الكشي : ٢٢٢ / ٣٩٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٧٢ / ١٠١٨ [ ولكن فيه أنّه روى عن الضعفاء ].

(٦) ولكنّهما لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشملهما التوثيق.

٣٢٢

نعم ، لو رجع إليها وأعاد ما أتى به من الفصول لا مع القربة معها ، صح ولا يجب الاستئناف (١) ، هذا في أذان الصلاة ، وأمّا أذان الإعلام فلا يعتبر فيه القربة كما مرّ. ويعتبر أيضاً تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك (٢) ، فلو لم يعيّن لم يكف ، كما أنّه لو قصد بهما صلاة لا يكفي لأُخرى ، بل يعتبر الإعادة والاستئناف.

______________________________________________________

(١) إذ لا مقتضي له بعد تدارك النقص ، ووضوح عدم كون فصل الفاسد قاطعاً للهيئة أو زيادة مبطلة بعد إطلاق الأدلة.

(٢) كما لو كان عليه أداء وقضاء ، فإنّه لا بدّ له من التعيين ، فلو عيّن لإحداهما لا يجزئ للأُخرى لو عدل إليها ، بل يستأنف.

وربما يعلل بأنّ الأمر المتعلق بهما غيري نشأ من قصد الأمر النفسي المتعلق بالصلاة المقيّدة بهما ، فتعيينه منوط بتعيين تلك الصلاة لاختلاف الأمر باختلاف موضوعه ، فلو عدل لم يقع مصداقاً له بناءً على اختصاص الأمر المقدّمي بالحصة الموصلة.

ويندفع : بأنّ الأمر المتعلق بهما مستحب نفسي على ما تقتضيه ظواهر النصوص لا مقدّمي غيري. على أنّا لا نقول بوجوب المقدمة شرعاً ، ومع التسليم فهو توصلي لا تعبدي.

وبالجملة : لا ارتباط للمقام بالمقدمة الموصلة ليبتني على القول بها ، بل الوجه فيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١) فإنها واضحة الدلالة على لزوم التعيين كما لا يخفى.

وتؤيدها موثقة عمار (٢) الواردة في إعادة المنفرد الأذان والإقامة فيما لو بدا له‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

٣٢٣

الثاني : العقل (١) والإيمان (٢).

______________________________________________________

في الجماعة ، فإنّ الاختلاف من حيث الجماعة والفرادى مع وحدة الصلاة لو اقتضى الاستئناف ، فمع تعددها بطريق أولى.

وكيف ما كان ، فيستفاد من مجموع الأخبار أنّ الموضوع للاستحباب ما لو أذّن أو أقام لصلاة خاصة لا مطلقاً فلاحظ.

(١) ربما يستدل له بالإجماع وأنّه العمدة في المقام ، لكن الظاهر عدم الحاجة إليه ، فإنّ الحكم مطابق لمقتضى القاعدة ، حيث لم يتوجه أمر إلى المجنون بمقتضى حديث رفع القلم ، ومعه يحتاج السقوط عنه بعد ما أفاق ، أو عن سامع أذانه ، إلى الدليل ولا دليل.

(٢) قدّمنا في كتاب الطهارة عند التكلم حول غسل الميت (١) اعتبار كون المغسّل مؤمناً ، استناداً إلى الروايات الكثيرة الدالة على أنّ عمل المخالف باطل عاطل لا يعتد به ، وقد عقد صاحب الوسائل باباً لذلك في مقدمة العبادات (٢) ، وقلنا ثمة أنّها هي عمدة الدليل على اعتبار الإسلام أيضاً ، وإلا فلم ينهض ما يعوّل عليه في اعتباره في غير ما يعتبر فيه الطهارة.

ويدلنا على اعتبار الايمان في المقام مضافاً إلى ما ذكر ، موثقة عمّار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلا رجل مسلم عارف ، فان علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ، ولا يقتدى به » (٣).

فانّ المراد بالعارف هو المؤمن ، كما تعارف إطلاقه عليه في لسان الأخبار.

نعم ، يجزئ سماع أذان المخالف ، لأنّ العبرة بالسماع والمفروض أنّ السامع‌

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٣٧٤.

(٢) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٦ ح ١.

٣٢٤

وأمّا البلوغ فالأقوى عدم اعتباره (١).

______________________________________________________

مؤمن ، غايته أن يتم ما نقصه بمقتضى مذهبه أخذاً بإطلاق ما دل على تتميم النقص حسبما تقدم (١) فلا ملازمة بين المسألتين.

(١) يقع الكلام تارة في الاجتزاء بأذان الصبي ، وأُخرى في الاجتزاء بسماعه فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في الاجتزاء ، من غير فرق بين أذاني الاعلام والإعظام ، لا لما هو الأصح من شرعية عبادات الصبي ، إذ لا ملازمة بين الشرعية وبين الاجتزاء. ومن ثم استشكلنا فيه مع البناء على الشرعية في جملة من الموارد كتغسيله للميت أو صلاته عليه ، فانّ في اجتزاء البالغين بذلك تأمّلاً بل منعاً.

بل لنصوص دلت عليه في خصوص المقام قد عقد لها باباً في الوسائل :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم » (٢). فإنّ إطلاقها يشمل الأذانين وإن كانا للجماعة فيجتزئ به غيره.

ومنها : وهي أوضح ، موثقة غياث بن إبراهيم « قال : لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم وأن يؤذّن » (٣) حيث فرض فيها إمامته للجماعة ، فيكون أذانه طبعاً للصلاة.

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « قال : لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ » (٤) فإنّ طلحة وإن كان‌

__________________

(١) في ص ٣١١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٤١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ٤.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٢٣ / أبواب الجماعة ب ١٤ ح ٨.

٣٢٥

عاميا كما ذكره الشيخ إلا أنّه قال ما لفظه : إلا أنّ كتابه معتمد (١) وظاهر الاستثناء أنّ الاعتماد على الكتاب من أجل وثاقته لا لخصوصية فيه كي يختص الاعتماد بما يروي عن كتابه. مضافاً إلى أنّه من رجال كامل الزيارات (٢).

ومنها : موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : يجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين » (٣) فإنّها تدل بالإطلاق على جواز إمامته حتى للبالغين ، فيجوز أذانه أيضاً بطبيعة الحال ، ولعل التقييد بالعشر من أجل رعاية التمييز ، إذ لا تمييز قبله عادة.

ولكن هذه النصوص معارضة من حيث الائتمام بموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه « انّ علياً عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه » (٤) فتتساقط من هذه الجهة ، وحيث لا إطلاق في نصوص الجماعة بالإضافة إلى الامام ليرجع إليه في الصبي بعد التساقط ، فلا جرم يحكم بعدم صحة الائتمام بالنسبة للبالغين وإن جاز للصبي ، وأمّا بالنسبة إلى صحة أذانه والاجتزاء به فلا معارضة بينها.

وأمّا الجهة الثانية : فالاجتزاء بسماع أذان الصبي محل إشكال على حذو ما تقدم (٥) من الاستشكال في الاجتزاء بسماع أذان المرأة من عدم الإطلاق في أدلة السماع ، فانّ عمدتها روايتان وردت إحداهما في سماع الباقر أذان الصادق عليه‌السلام ، والأُخرى في سماع أذان الجار ، وشي‌ء منهما لا إطلاق له يشمل المرأة ولا الصبي.

__________________

(١) الفهرست : ٨٦ / ٣٦٢.

(٢) ولكنه لم يكن من رجاله بلا واسطة.

(٣) ، (٤) الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥ ، ٧.

(٥) في ص ٣١٩.

٣٢٦

خصوصاً في الأذان (١) ، وخصوصاً في الإعلامي (٢)

______________________________________________________

أمّا الأُولى فواضح ، وكذا الثانية لانصرافها إلى الأذان الغالب المتعارف وهو كون المؤذّن رجلاً لا امرأة ولا صبياً ، لندرة أذانهما بحيث ينصرف الذهن عنهما ، بل قد تقدم (١) أنّها قضية في واقعة فلا إطلاق لها من أصله.

نعم ، لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بحكاية أذان الصبي ، لوضوح أنّ الحاكي مؤذّن حقيقة في تلك الحالة ، فلا وجه لعدم الاجتزاء ، هذا كله في أذان الصبي.

وأمّا إقامته فلم يرد فيها نص ، والتعدي عن الأذان إليها بلا وجه.

نعم. مقتضى النصوص المتقدمة الدالة على جواز إمامته الاجتزاء بإقامته أيضاً ، لشمولها بإطلاقها لما إذا كان الامام هو المقيم ، كما لعله الغالب. بل في بعض النصوص (٢) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي عليه‌السلام كانا بنفسهما يقيمان عند الإمامة ، وربما يقيم غيرهما ، فلو لم تكن اقامته مجزئة للزم التنبيه ليتداركها المأموم البالغ ، إلا انك عرفت ان تلك النصوص معارضة في موردها بموثقة إسحاق بن عمار المانعة عن إمامته ، ولا إطلاق في نصوص الجماعة يعول عليه بعد التساقط ومن ثم كان الاجتزاء بإقامته فيما لو أقام للجماعة في غاية الإشكال. هذا بناء على مشروعية عباداته كما هو الأصح ، وأما على التمرينية فالأمر أوضح.

(١) لكونه مورداً للنص كما سبق ، وللإجماع بقسميه كما في الجواهر (٣).

(٢) لاتحاد الصبي مع البالغ في تحصيل الغاية وهو الاعلام بعد عدم كونه عباديا كما عرفت.

__________________

(١) في ص ٣٢٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١.

(٣) الجواهر ٩ : ٥٤.

٣٢٧

فيجزئ أذان المميز وإقامته (١) (١) إذا سمعه أو حكاه أو فيما لو أتى بهما للجماعة.

وأما أجزاؤهما لصلاة نفسه فلا إشكال فيه (٢). وأمّا الذكورية فتعتبر في أذان الإعلام (٣) والأذان والإقامة لجماعة الرجال غير المحارم (٤). ويجزئان لجماعة النساء (٥) والمحارم على إشكال في الأخير ، والأحوط عدم الاعتداد ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت الإشكال في الاجتزاء بإقامته سماعاً وجماعة لا حكاية فلاحظ.

(٢) فانّ حالهما حال بقية الأجزاء والشرائط المجزئة لنفسه ، شرعية كانت أم تمرينية.

(٣) لقصور دليله عن الشمول للنساء ، نظراً إلى أنّ المطلوب في هذا الأذان رفع الصوت ، بل في صحيح زرارة « كلما اشتد الصوت كان الأجر أعظم » (١) وبما أنّ المطلوب من المرأة خفض صوتها وإن لم يكن عورة ، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي انصراف النصوص إلى الرجال وعدم شمولها للنساء.

(٤) بل المحارم أيضاً حسبما احتاط قدس‌سره أخيراً ، فلو شاركت النساء في جماعة الرجال أو كان الامام رجلاً لا يجتزأ بأذان المرأة ولا بإقامتها ، إذ لا دليل لفظي لنتمسك بإطلاقه ، وعمدة المستند في الاجتزاء هي السيرة المؤيدة ببعض النصوص ، وشمولها للمرأة حتى المحارم غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم.

(٥) إذ بعد البناء على مشروعية الجماعة للنساء وعدم التعرض في النصوص لكيفية خاصة ما عدا وقوف الامام وسطهنّ ولا تتقدمهن ، يعلم من ذلك مشاركتهنّ مع جماعة الرجال في الأحكام التي منها الاجتزاء في المقام ، فاذا‌

__________________

(١) فيه إشكال ، والأحوط عدم الاجتزاء بهما ، نعم لا بأس بالاجتزاء بحكايتهما على الشرط المتقدّم.

(١) الوسائل ٥ : ٤١٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٢ ، نقل بالمضمون.

٣٢٨

نعم الظاهر أجزاء سماع أذانهنّ بشرط عدم الحرمة كما مرّ وكذا إقامتهن (١) (١).

الثالث : الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة (٢).

______________________________________________________

كان يجزئ أذان الامام وإقامته أو بعض المأمومين في جماعة الرجال يجزئ في جماعة النساء أيضاً بمناط واحد.

(١) لكنك عرفت في المسألة التاسعة الاستشكال فيه ، بل المنع عنه لعدم إطلاق يشملهنّ. نعم لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بحكاية أذانهنّ لأنّها بنفسها أذان مستقل كما سبق.

(٢) يقع الكلام تارة في رعاية الترتيب بين نفس الأذان والإقامة ، وأُخرى بين فصولهما ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا إشكال كما لا خلاف في لزوم الترتيب بينهما ، بل عن كشف اللثام دعوى الإجماع عليه. (١) ويمكن الاستدلال له مضافاً إلى الارتكاز القطعي بين المتشرعة ، وإلى الترتيب الذكري بينهما في لسان الأدلة بتقديم الأذان على الإقامة فيها برمّتها ، الكاشف ولو بمعونة الارتكاز المزبور عن المفروغية ، بل كونه من إرسال المسلم ، بجملة من النصوص :

منها : ما ورد في استحباب الفصل بينهما حيث تضمن روايتين تدلان على المطلوب :

إحداهما : صحيحة البزنطي قال : « قال : القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة » (٢) فانّ فرض وقوع النافلة قبل الإقامة وجعلها بدلاً عن القعود الفاصل بينها وبين الأذان يدل بوضوح على تقدمه عليها.

__________________

(١) وقد مرّ الاشكال فيه ، بل المنع عنه.

(١) كشف اللثام ٣ : ٣٧٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٣.

٣٢٩

وكذا بين فصول كل منهما (١).

______________________________________________________

ثانيتهما : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سألته عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة ، قال : ليس عليه شي‌ء ... » إلخ (١) حيث دلت على أنّ الدخول في الإقامة مصداق لنسيان الفصل كالدخول في نفس الصلاة ، وهذا كما ترى لا ينسجم إلا مع لزوم تأخرها عن الأذان.

ومنها : موثقته الأُخرى أنه قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة قال : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله ، وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة » (٢) فإنّه لولا تأخر محل الإقامة لم يكن وجه لقوله عليه‌السلام : « ولا الإقامة » ، إذ مع التقدم لا مجال لتوهم الإعادة كما لا يخفى.

ومنها : ولعلها أوضح من الكل ، صحيحة زرارة المتضمنة لتطبيق قاعدة التجاوز على الشك في الأذان بعد الدخول في الإقامة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال يمضي إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٣) فإنّه لولا تأخر محل الإقامة عن الأذان لم يكن مجال للتطبيق المزبور.

(١) وأمّا الجهة الثانية : فتدل على الاعتبار مضافاً إلى الإجماع وما عرفته من الارتكاز ، جملة من الأخبار :

منها : النصوص البيانية المتضمنة لكيفية الأذان والإقامة ، فانّ ظاهرها بعد اتحاد ألسنتها تحديد الفصول على النهج الخاص ووضع كل فصل في ظرفه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

٣٣٠

ومحله المقرر له ، المساوق للزوم رعاية الترتيب وعدم التخلف عنه فلا تسوغ مخالفته.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : من سها في الأذان فقدم أو أخّر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره » (١).

ونحوها موثقة عمار : « ... فإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة » (٢) وهما صريحتان في المطلوب ، وفي أنّه لو خالف الترتيب رجع وتدارك من موضع المخالفة ، فالحكم مما لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنما الكلام في أمرين : أحدهما : أنّه لو تذكر نسيان بعض الفصول بعد فوات الموالاة فهل يلزم الاستئناف ، أو أنّه يرجع إلى الفصل الذي نسيه فيأتي به وبما بعده؟

ذهب جماعة منهم السيّد الماتن إلى الأوّل ، وهو الأصح نظراً إلى البطلان بفوات الموالاة العرفية فلا مناص من الإعادة. وذهب جماعة آخرون ومنهم صاحب الجواهر (٣) إلى الثاني استناداً إلى الإطلاق في صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين آنفاً ، وبذلك يرتكب التقييد في دليل اعتبار الموالاة بين الفصول.

ويندفع : بمنع الإطلاق ، لوضوح قصر النظر في الروايتين على الخلل من ناحية الترتيب فقط من غير نظر إلى سائر الشرائط ، فتبقى هي وإطلاق أدلتها المقتضي لرعايتها حسب القواعد ، فلو أحدث ناسي الترتيب أثناء الإقامة وقلنا فيها باعتبار الطهارة لم يكن بدّ من الإعادة ، ولا سبيل إلى التصحيح استناداً إلى الإطلاق المزعوم.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٢.

(٣) الجواهر ٩ : ٩١.

٣٣١

ثانيهما : لو تذكر أثناء الإقامة أو بعد الفراغ منها نسيان حرف من فصول الأذان ، ففي موثقة عمار أنّه لا شي‌ء عليه ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، أو سمعته يقول : إن نسي الرجل حرفاً من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شي‌ء » إلخ (١) دلت بظاهرها على سقوط المنسي عن الجزئية بالتجاوز عن المحل كمن تذكر فوت القراءة بعد الدخول في الركن.

ولكن موثقته الأُخرى دلت على التدارك ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ... » إلخ (٢).

فربما يتراءى التنافي بينهما ، ويجمع تارة بالحمل على عدم أهمية الأذان فتجزئ الإقامة وحدها ، وأُخرى بحمل الأمر بالرجوع وتدارك الأذان على الاستحباب ، ولكن الظاهر عدم التنافي لنحتاج إلى العلاج لاختلاف مورد الموثقتين ، فانّ مورد الاولى ما لو كان التذكر أثناء الإقامة ، ومورد الثانية ما لو كان بعد الفراغ عنها ، ولا مانع من التفكيك بالالتزام بالسقوط في الأوّل دون الثاني.

ولعل الوجه فيه أنّه يلزم من التدارك في المورد الأول إما الفصل بين فصول الإقامة بالجزء المنسي من الأذان لو اقتصر عليها ، أو إلغاء الفصول السابقة لو استأنفها ، وأما في المورد الثاني فلا يلزم منه شي‌ء من هذين المحذورين ولا غيرهما عدا ما ذكره في الجواهر من لزوم تأخير الجزء المنسي من الأذان عن الإقامة فيختل الترتيب المعتبر بينهما (٣).

ويندفع : بأنّ غايته ارتكاب التخصيص في دليل اعتبار الترتيب الذي ليس‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٢ ، ٤.

(٣) لاحظ الجواهر ٩ : ٩٠.

٣٣٢

فلو قدّم الإقامة عمداً أو جهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان (١).

______________________________________________________

هو بعزيز في الفقه بعد مساعدة الدليل ، ووضوح عدم كونه من المستقلات العقلية غير القابلة له.

هذا ومما يوهن الجمعين المزبورين قوله عليه‌السلام في الموثقة الاولى : « فليمض في الإقامة » فإنّ ظاهر الأمر بالمضي عدم مشروعية التدارك وأنّ وظيفته الفعلية هو ذلك ، فكيف يمكن الحمل على جواز المضي فضلاً عن استحباب التدارك.

(١) رعاية للترتيب المعتبر بينهما. وهذا لا إشكال فيه فيما إذا كان التذكر أثناء الإقامة.

وأمّا إذا كان بعد الفراغ عنها ، فهل له تدارك الأذان على النهج المزبور ، أو أنّه لا سبيل إليه لتجاوز المحل وسقوط الأمر؟

يظهر الثاني من المحقق الهمداني قدس‌سره (١). وتقريبه بتوضيح منا : أن الترتيب المعتبر شرعاً بين شيئين ، قد يكون ملحوظاً في كل من السابق واللاحق ، فيعتبر التقدم في الأوّل كما يعتبر التأخر في الثاني وهذا كما في أجزاء الواجب الارتباطي ، حيث يعتبر في الركوع مثلاً تقدمه على السجود كما يعتبر فيه تأخره عن الركوع ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء المتخللة ما بين الأول والأخير ، ونحوها عمرة التمتع بالإضافة إلى حجه فإنّهما أيضاً من هذا القبيل كما لا يخفى.

وقد يكون ملحوظاً في اللاحق فقط دون السابق ، وهذا كما في المترتبتين كالظهرين والعشاءين حيث إنّ صحة العصر والعشاء مشروطة بالتأخر عن الظهر والمغرب فلو تقدّمتا عمداً بطلتا ، وكذا سهواً لولا النص الخاص وحديث لا تعاد ، دون العكس فلو اقتصر على الظهر أو المغرب وترك اللاحقة رأساً صحتا وإن كان آثماً في الترك.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٢١ السطر ٢٨.

٣٣٣

وقد يكون ملحوظاً في السابق فقط دون اللاحق كما في نافلة الظهرين حيث يعتبر تقدمها على الفريضة لا تأخر الفريضة عنها ، فلو خالف الترتيب وقدّم الفريضة فقد فوّت بذلك محل النافلة وامتنع تداركها ، إذ بعد وقوعها صحيحة المستلزم لسقوط أمرها لم يبق مجال لإعادتها لكي يأتي بالنافلة قبلها ، هذا.

ولا شبهة أنّ الأذان بالقياس إلى الإقامة من القسم الأخير ، حيث يعتبر فيه التقدم على الإقامة ، ولا يعتبر فيها التأخر عنه ، فلو قدّمها فقد فات محل الأذان وامتنع التدارك حسبما عرفت.

ودعوى بطلان الإقامة السابقة بالأذان اللاحق فله الإتيان بها بعده مدفوعة بعدم المقتضي للبطلان بعد وقوعها صحيحة ، فإن الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، والشي‌ء لا ينقلب عما وقع عليه فكيف يوجب الأذان فسادها ، إلا أن يدل دليل شرعي تعبدي على اشتراط الإقامة بأن لا يقع بعدها الأذان ، ولا تكاد تفي الأدلة بإثباته.

وبالجملة : فالإشكال في أمثال هذه الموارد إنّما هو في جواز تدارك المتروك بعد الإتيان بما تأخر عنه في الرتبة ، حيث إنّ قضية الترتيب المعتبر بينهما تعذره بفوات محله ، إلا إذا قلنا بجواز الإعادة للاجادة ، وإلا فمقتضى القاعدة عدم المشروعية.

أقول : ما أفاده قدس‌سره من عدّ المقام من القسم الأخير وجيه ، لكن ما استنتجه من فوات المحل وامتناع التدارك خاص بالعملين المستقلين المتعلّقين لأمرين نفسيين كما مثّل به من صلاة الظهرين ونافلتهما دون مثل المقام ، حيث إنّ الأذان والإقامة لم يكونا كذلك لكي يدعى فوات محل الأذان ، بل هما معاً يعدّان من مقدمات الصلاة ومتعلقاتها ، وما دام المصلي لم يتلبس بالصلاة فهو مأمور بالإتيان بهما بمقتضى الإطلاقات الناطقة بأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة ، الشاملة حتى لمن أتى بالإقامة وحدها ، فلو بدا له في الأذان وأراد أن يتداركه لا قصور في شمول الإطلاقات له ، غاية الأمر مع إعادة الإقامة رعاية‌

٣٣٤

وكذا لو خالف الترتيب فيما بين فصولهما ، فإنّه يرجع إلى موضع المخالفة ويأتي على الترتيب إلى الآخر (١). وإذا حصل الفصل الطويل المخلّ بالموالاة يعيد من الأول (٢) من غير فرق أيضاً بين العمد وغيره (٣).

الرابع : الموالاة بين الفصول (٤) من كل منهما ، على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرعة وكذا بين الأذان والإقامة ، وبينهما وبين الصلاة ، فالفصل الطويل المخل بحسب عرف المتشرعة بينهما ، أو بينهما وبين الصلاة ، مبطل.

______________________________________________________

للترتيب ، لما عرفت من عدم كون الأمر بهما نفسياً (١) ليسقط ، وإنّما هو من أجل المقدمية للصلاة. ومن ثم لو أتى بهما وأخلّ بالموالاة المعتبرة بينهما وبين الصلاة بطلتا وكأنه لم يأت بهما ، وعليه الاستئناف متى أراد الصلاة ، لعدم الاتصاف بالمقدمية مع الإخلال المزبور هذا أوّلاً.

وثانياً : سلّمنا أنّ الأمر نفسي مستقل ، لكن الأذان المأتي به بعد الإقامة لمكان اشتماله على كلام الآدمي يستوجب استحباب إعادة الإقامة للأمر بها لدى تخلل التكلم بينها وبين الصلاة في بعض النصوص كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (٢) ، فيستكشف من استحباب الإعادة بقاء محل الأذان وعدم فواته كما لا يخفى.

(١) كما أُشير إليه في صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين (٣).

(٢) كما تقدم (٤).

(٣) لاعتبار الموالاة في كلتا الصورتين كما ستعرف.

(٤) لما هو المرتكز في الأذهان من أنّ كل واحد من الإقامة والأذان عمل‌

__________________

(١) تقدم في ذيل الشرط الأول من هذا الفصل [ في ص ٣٢٣ ] ما ينافيه فلاحظ.

(٢) في ص ٣٥٤.

(٣) في ص ٣٣١.

(٤) في ص ٣٣١.

٣٣٥

الخامس : الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية فلا يجزئ ترجمتها ولا مع تبديل حرف بحرف (١).

______________________________________________________

وحداني ذو هيئة اتصالية منسجمة وتركيب خاص مرتبط بعض فصوله ببعض بنحو مخصوص بحيث يتشكل منه عنوان متميز عما عداه يعبّر عنه بالأذان أو الإقامة ، فلو انفصم النظم وتخلل الفصل بسكوت طويل أو عمل أجنبي ماح للصورة ومزيل للعنوان بحسب عرف المتشرعة لم يقع مصداقاً للمأمور به ، بل كان مصداقاً لمطلق الذكر.

وهذا الوجه مطرد في عامة العبادات المركبة المعنونة بعنوان خاص ، فانّ العرف يفهم أنّ الغرض لا يتحقق والمأمور به لا يقع إلا لدى الإتيان متصلة بحيث يصدق عنوان العمل العبادي ، وإلا فليس لدينا نص يدل على اعتبار الموالاة في العبادات.

مع أنّ الحكم متسالم عليه في المقام بين الأعلام ، ومن ثمّ ذكروا في باب العقد لزوم وقوع القبول بعد الإيجاب بلا فصل كما يعتبر الموالاة بين فصول الأذان.

فيظهر من هذا التشبيه أنّ اعتبار الموالاة في المقام أمر مسلّم مفروغ عنه ، ومرتكز في الأذهان.

ومنه يظهر الحال في اعتبار الموالاة بين نفس الأذان والإقامة ، وكذا بينهما وبين الصلاة ، فإنّهما بعد أن كانا معاً مرتبطين بالصلاة بمثابة يعدّ المجموع كعمل واحد في نظر المتشرعة ، فلا مناص من رعاية الموالاة والاتصال العرفي تحقيقاً للصدق المزبور.

(١) فإن العبادة توقيفية ، ومقتضى الجمود على ظواهر النصوص ولا سيما البيانية لزوم رعاية الكيفية بألفاظها الخاصة ، فلا يجزئ غيرها ولو بلفظ عربي مؤد لنفس المعنى فضلاً عن الترجمة بلغة اخرى كما هو ظاهر لا يخفى.

٣٣٦

السادس : دخول الوقت (١) ، فلو أتى بهما قبله ولو لا عن عمد لم يجتزئ بهما وإن دخل الوقت في الأثناء ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بل إجماعاً كما عن غير واحد من دون فرق بين أذاني الاعلام في غير الفجر والإعظام. نعم تقديم بعض الفريضة على الوقت باعتقاد الدخول قيل بجوازه كما تقدم (١) في بحث الأوقات. وأمّا الأذان فضلاً عن الإقامة فلا قائل بالاجزاء.

وكيف ما كان ، فالحكم في أذان الإعلام واضح ، إذ الغاية من تشريعه الاعلام بدخول الوقت ، فكيف يسوغ فعله قبله.

وأمّا في أذان الصلاة والإقامة فتشهد به جملة من النصوص التي منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة ... » إلخ (٢). ونحوها غيرها.

نعم ، ربما يظهر من رواية زريق أنّ الصادق عليه‌السلام كان يؤذّن يوم الجمعة قبل الزوال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار إلى أن قال وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذّن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ... » إلخ (٣).

فكأنه يظهر منها أنّ ليوم الجمعة خصوصية في هذا الحكم فيقدم الأذان على الزوال لتقع الفريضة أوّل الوقت كما تقدم النوافل عليه حسبما تقدم في مبحث الأوقات (٤) ، فهي إن تمّت تكون مخصصة لما دل على اعتبار دخول الوقت في الأذان.

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٣٨١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٢٨ / أبواب صلاة الجمعة ب ١٣ ح ٤.

(٤) شرح العروة ١١ : ٢٤٦.

٣٣٧

نعم ، لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام (١).

______________________________________________________

إلا أنّها لا تتم لضعف السند ، فانّ الشيخ رواها في المجالس عن زريق (١) وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضل والقاسم بن إسماعيل (٢) إن أُريد به ما هو المذكور في كتبه ، أعني التهذيبين والفهرست ، وإن أُريد به غيره فهو مجهول. على أنّ زريقاً نفسه مردد بين الموثق وغيره ، وكلاهما له كتاب. فلا يمكن الاعتماد على الرواية ، مضافاً إلى أنّ مضمونها لا قائل به ، إذ لم يذهب أحد إلى التخصيص المزبور.

إذن فلا ينبغي الإشكال في عدم مشروعية الأذانين ولا الإقامة كلا أو بعضاً قبل دخول الوقت من غير فرق بين الجمعة وغيرها.

(١) بل إنّ هذا هو المشهور بينهم ، بل عن المنتهي (٣) نسبته إلى فتوى علمائنا وإن أنكره جماعة آخرون فذهبوا إلى عدم المشروعية ، لكن القائل بالمنع قليل.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الأذان الصلاتي لا ينبغي الإشكال في عدم مشروعيته قبل الفجر ، لصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (٤) والظاهر أنّ القائلين بجواز التقديم لا يعنون به ذلك ، إذ لم يصرح أحد منهم بالاكتفاء به عن أذان الصلاة كي يشمله مورد التقديم.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٦٩٥ / ١٤٨٢.

(٢) هذا الطريق مذكور في الفهرست [ في الصفحة : ٧٤ / ٣٠٠ ] إلى كتاب زريق لاحظ المعجم ٨ : ١٩١ / ٤٥٧٧. وهذه الرواية مروية عنه بنفسه ، وطريقه إليه مذكور في نفس كتاب المجالس والأخبار حسبما أشار إليه صاحب الوسائل في الخاتمة ٣٠ : ١٤٤ / ٥١. وهو هكذا : الحسين بن عبيد الله ( الغضائري ) عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد ابن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن أبي العباس زريق بن الزبير الخلقاني ، والطريق إليه صحيح. نعم هو بنفسه لا توثيق له من غير ترديد فيه ، فالضعف إنّما هو من أجله لا غير.

(٣) المنتهي ٤ : ٤٢٣.

(٤) في ص ٣٣٢.

٣٣٨

وأمّا الأذان الإعلامي فالظاهر عدم جواز تقديمه أيضاً ، لما عرفت من أنّ المقصود به الإخبار عن دخول الوقت ، فكيف يسوغ قبله ، والنصوص أيضاً قد نطقت بأن السنّة في النداء أن يكون مع الفجر ففي صحيحة ابن سنان « ... وأمّا السنّة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر ... » إلخ ، وفي صحيحته الأُخرى : « ... وأمّا السنة مع الفجر » (١) حيث يظهر منهما أنّ المشروع من الأذان للإعلام الذي جرت عليه السنة إنّما هو عند طلوع الفجر ، فقبله غير مشروع بهذا العنوان. نعم يجوز الإتيان حينئذ للإيذان بقرب الوقت لينتفع به الجيران فيتهيؤوا للعبادة كما أُشير إليه في هاتين الصحيحتين.

ويستفاد مشروعية هذا القسم من الأذان من نصوص أُخر أيضاً :

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان بلال يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أُمّ مكتوم وكان أعمى يؤذّن بليل ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر » (٢).

وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هذا ابن أمّ مكتوم وهو يؤذّن بليل ، فإذا أذّن بلال فعند ذلك فأمسك ، يعني في الصوم » (٣) ونحوهما غيرهما ، وإن لم يكن نقي السند.

ويظهر منها أنّ كلا المؤذّنين كانا موظفين من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدهما للتهيؤ ، والآخر للاعلام. إذن فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأكل لدى أذان ابن أُمّ مكتوم لم يكن لأجل أنّه رجل أعمى يؤذّن من قبل نفسه ، فإنّ المؤذّن الأعمى يسأل طبعاً ولا يخطأ دائماً وإلا لمنعه صلى‌الله‌عليه‌وآله كي لا يوقع الناس في الاشتباه ، بل لأجل أنّه كان منصوباً للتهيؤ كما يكشف عنه الاستمرار المستفاد من الأخبار على وجود كلا المؤذّنين ، لا أنّه كان من باب الصدفة والاتفاق.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧ ، ٨.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٣ ، ٤.

٣٣٩

ولا ينافي ذلك ما تضمنته الصحيحتان المتقدمتان من جريان السنة على الأذان لدى طلوع الفجر ، لما عرفت من أنّ مورد السنّة هو أذان الإعلام ، وهذا أذان آخر شرع للتهيؤ قبل الوقت أُشير إليه في نفس تينك الصحيحتين.

والمتحصّل : أنّ المستفاد من تضاعيف الأخبار امتياز الفجر بأذان ثالث قبل الوقت لانتفاع الجيران وتهيّئهم للعبادة ، والذي يختص بالوقت وما بعده هو أذان الإعلام وأذان الصلاة.

بقي أمران أحدهما : تضمنت صحيحة عمران الحلبي تجويز الأذان قبل الفجر للمنفرد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان قبل الفجر ، فقال : إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس » (١) وهي تعارض صحيحتي ابن سنان المتقدمتين الدالتين على إطلاق المنع وحملهما على خصوص الجماعة كما ترى لقلتها وقتئذ في تلك الأزمنة ، والمرجع بعد التساقط إطلاق صحيحة معاوية بن وهب الدالة على اشتراط أذاني الاعلام والصلاة بدخول الوقت من غير فرق بين الجماعة والفرادى فتأمل. ولا يبعد حمل نفي البأس في صحيحة الحلبي على عدم أهمية الأذان للصلاة فرادى بخلاف الجماعة بل قيل بوجوبه لها كما تقدم.

ثانيهما : روى في المستدرك عن أصل زيد النرسي عن أبي الحسن عليه‌السلام « قال : سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال عليه‌السلام : لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع » وفي روايته الأُخرى عنه عليه‌السلام « أنه سمع الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال : شيطان ، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال عليه‌السلام : الأذان حقّا » (٢) لكن السند ضعيف ، لجهالة الطريق إلى كتاب زيد كما تقدم (٣).

إذن فما تضمنته النصوص المتقدمة من جواز الأذان قبل الفجر لانتفاع‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٦.

(٢) المستدرك ٤ : ٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ٢.

(٣) في ص ٢٩٨.

٣٤٠