موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم لا بأس بإخراج التراب الزائد المجتمع بالكنس أو نحوه (١).

______________________________________________________

في الحرمة ، وأنّها بمعنى لا يتيسر كما في قوله تعالى ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها ... ) (١) إلخ ، أو غير ظاهرة لا فيها ولا في الكراهة بل في الجامع بينهما. إذن فيبقى ظهور الأمر بالرد في الوجوب على حاله ، بل يكون هذا الظهور قرينة على إرادة الحرمة من تلك الكلمة.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أخذت سكاً من سك المقام وتراباً من تراب البيت وسبع حصيات ، فقال : بئس ما صنعت ، أما التراب والحصى فردّه » (٢) والمراد بالسك : المسمار ، ولعل عدم الأمر برده لسقوطه غالباً عن النفع بعد قلعه ، فيكون زائداً في المسجد كالقمامة والكناسة.

وكيف ما كان فهاتان الصحيحتان تدلان بوضوح على المنع عن الأخذ ، وعلى وجوب الرد على تقدير الأخذ ، وظاهرهما وجوب الرد إلى نفس المسجد ، ولكن يظهر من صحيحة زيد الشحام التخيير بينه وبين الطرح في مسجد آخر. قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُخرج من المسجد حصاة ، قال : فردّها أو اطرحها في مسجد » (٣) فانّ طريق الصدوق إلى الشحام (٤) وإن كان ضعيفاً بأبي جميلة ، لكن طريق الكليني معتبر. فالحكم المذكور في المتن مما لا ينبغي الإشكال فيه.

(١) لوضوح خروجها عن منصرف تلك النصوص وعدّها من قبيل النفايا والأنقاض التي ينبغي تنظيف المسجد عنها.

__________________

(١) يس ٣٦ : ٤٠.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٢٣٢ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ٢ ، ٣.

(٤) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ١١.

٢٢١

الخامس : لا يجوز دفن الميت في المسجد (١) إذا لم يكن مأموناً من التلويث بل مطلقاً على الأحوط (١).

السادس : يستحب سبق الناس في الدخول إلى المساجد ، والتأخر عنهم في الخروج منها.

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في حكم الدفن في نفسه مع الغض عن التلويث ، وأُخرى بلحاظ التلويث ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالظاهر عدم الجواز ، لمنافاة الدفن مع غرض الواقف ، فإنّه إنّما حرّر الأرض وجعلها مسجداً لتكون الصلاة فيه أفضل والثواب أكثر ، والدفن المزبور لمّا كان مستلزماً للصلاة على القبر أو إلى القبر وهي مكروهة كما سبق (١) ، فلا جرم يستوجب تقليل الثواب ، فيكون طبعاً مصادماً لمقصود الواقف.

وعلى الجملة : التصرفات التي لا تنافي العبادة كالنوم والجلوس ونحوهما لا ضير فيها ، أمّا المنافية كالدفن ونحوه مما يستوجب حزازة ونقصاً في الصلاة فيحتاج جوازها إلى الدليل ، لو لم يكن ثمة دليل على العدم ، وهو ما عرفت من عدم جواز المخالفة لغرض الواقف إلا إذا أقدم بنفسه على ذلك ، كما لو اشترط حين الوقف دفن نفسه أو من ينتمي به في المسجد ، إذ لا تنافي في هذه الصورة كما هو واضح والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (٢).

وأمّا الجهة الثانية : فلا ريب أنّ المرجع مع الشك في التلويث أصالة العدم ،

__________________

(١) حتى إذا كان مأموناً من التلويث ، لمنافاة الدفن جهة الوقف ، نعم إذا اشترط الواقف ذلك ، لا يبعد جوازه واحتمال التلويث يدفع بالأصل.

(١) في ص ٢٠١.

(٢) مقتضى ذلك جواز اشتراط أن يكون المسجد مقبرة عامة للمسلمين لوحدة المناط ، وهو كما ترى.

٢٢٢

السابع : يستحب الإسراج فيه وكنسه والابتداء في دخوله بالرجل اليمنى ، وفي الخروج باليسرى ، وأن يتعاهد نعله تحفظاً عن تنجيسه ، وأن يستقبل القبلة ويدعو ويحمد الله ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يكون على طهارة.

الثامن : يستحب صلاة التحية بعد الدخول ، وهي ركعتان ، ويجزئ عنها الصلوات الواجبة أو المستحبة.

التاسع : يستحب التطيب ، ولبس الثياب الفاخرة عند التوجه إلى المسجد.

العاشر : يستحب جعل المطهرة على باب المسجد.

الحادي عشر : يكره تعلية جدران المساجد ورفع المنارة عن السطح ، ونقشها بالصور غير ذوات الأرواح ، وأن يجعل لجدرانها شرفاً ، وأن يجعل لها محاريب داخلة.

الثاني عشر : يكره استطراق المساجد إلا أن يصلي فيها ركعتين ، وكذا إلقاء النخامة والنخاعة والنوم إلا لضرورة ، ورفع الصوت الاّ في الأذن ونحوه وإنشاد الضالّة ، وحذف الحصى وقراءة الأشعار غير المواعظ ونحوها ، والبيع والشراء والتكلم في أُمور الدنيا ، وقتل القمّل ، وإقامة الحدود ، واتخاذها محلا للقضاء والمرافعة ، وسلّ السيف وتعليقه في القبلة ، ودخول من أكل البصل والثوم ونحوهما مما له رائحة تؤذي الناس ، وتمكين الأطفال والمجانين من الدخول فيها ، وعمل الصنائع ، وكشف العورة والسرّة والفخذ والركبة ، وإخراج الريح.

______________________________________________________

وأمّا مع القطع به فيبتني الحكم على ما تقدم في المسألة السابقة من جواز تنجيس باطن المسجد وعدمه ، وحيث قد عرفت أن الأظهر هو الأوّل ، فلا مانع من الدفن من هذه الجهة ، والعمدة ما عرفت من عدم الجواز حتى مع الغض عن التلويث لمنافاته مع الوقفية ، هذا.

٢٢٣

[١٣٩١] مسألة ٢ : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

[١٣٩٢] مسألة ٣ : الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل والفرائض في المساجد.

______________________________________________________

وقد اقتصر سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ) على هذا المقدار من أحكام المساجد وترك التعرض للأُمور المستحبة جرياً على عادته من إهمالها في هذا الشرح.

٢٢٤

فصل

في الأذان والإقامة

لا إشكال في تأكد رجحانهما في الفرائض اليومية أداءً وقضاءً ، جماعة وفرادى ، حضراً وسفراً ، للرجال والنساء. وذهب بعض العلماء إلى وجوبهما ، وخصّه بعضهم بصلاة المغرب والصبح ، وبعضهم بصلاة الجماعة ، وجعلهما شرطاً في صحتها ، وبعضهم جعلهما شرطاً في حصول ثواب الجماعة. والأقوى استحباب الأذان مطلقاً (١).

______________________________________________________

(١) المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً استحباب الأذان والإقامة ، جماعة وفرادى ، سفراً وحضراً ، للرجال والنساء ، أداءً وقضاءً ، في جميع الفرائض الخمس ، وإن كان الاستحباب في الإقامة آكد ، ويتأكّدان في بعض الفرائض كالمغرب والفجر ، وهناك أقوال أُخر شاذّة.

منها : ما حكي عن الشيخين (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) من وجوبهما في الجماعة خاصة ، بل نسب إليهم وإلى أبي الصلاح (٤) القول بالوجوب الشرطي وأنّ الجماعة بدونهما باطلة.

ومنها : ما عن السيد المرتضى في الجمل من التفصيل بين الرجال والنساء ،

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في النهاية : ٦٤.

(٢) المهذّب ١ : ٨٨.

(٣) الوسيلة : ٩١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٣.

٢٢٥

وبين الجماعة والفرادى ، وبين أنواع الصلوات فحكم بوجوبهما في صلاة الغداة والمغرب والجمعة مطلقاً. وأمّا في غيرها من بقية الصلوات فيجبان على خصوص الرجال في الجماعة خاصة. وأما الإقامة بخصوصها فهي واجبة على الرجال على كل حال (١). فكلامه قدس‌سره يتألف من تفاصيل ثلاثة كما عرفت.

ومنها : ما عن ابن أبي عقيل من التفصيل بين الصبح والمغرب فيجبان فيهما ، وبين غيرهما من بقية الفرائض فلا يجب إلا الإقامة (٢).

ومنها : ما عن ابن الجنيد من وجوبهما على الرجال خاصة في خصوص الصبح والمغرب والجمعة ، من غير فرق بين الجماعة والفرادى والحضر والسفر (٣).

هذه هي حال الأقوال البالغة بضميمة القول المشهور خمسة.

والأقوى : ما عليه المشهور كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى.

وقد علم ممّا مرّ أنّ القول بوجوب الأذان والإقامة مطلقاً كما قد يتراءى من عبارة المتن لم نعثر على قائله ، بل الظاهر أنّه لا قائل به. وكيف كان فيقع الكلام تارة في الأذان وأُخرى في الإقامة. فهنا مقامان :

المقام الأوّل : في الأذان ، وقد عرفت أنّه لا قائل بوجوبه على سبيل الإطلاق.

ويكفينا في الاستدلال على عدم وجوبه الأخبار المستفيضة الدالة على أنّ من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلى بإقامة وحدها صلى خلفه صف واحد. كصحيح محمد بن مسلم قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إنك إذا أذّنت وأقمت صلى خلفك صفّان من الملائكة ،

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٢) حكاه عنه في التذكرة ٣ : ٧٦.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٣٥.

٢٢٦

وإن أقمت إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد » (١) ونحوه صحيح الحلبي (٢) وغيره من الأخبار الكثيرة المشتملة على هذا المضمون ، وتحديد الصف بالسنة مختلفة الواردة في الباب الرابع من أبواب الأذان والإقامة من الوسائل.

فإن الحكم باقتداء صف من الملائكة خلف من يقتصر على الإقامة ويترك الأذان أقوى شاهد على عدم وجوبه ، وإلا فكيف يأتم الملك بصلاة فاسدة ، فيستفاد منها أنّ تركه لا يستوجب إلا فوات مرتبة عظيمة من الكمال تقتضي فقدان اقتداء صف آخر من الملك من دون استلزامه بطلان الصلاة.

نعم ، هناك روايات ربما يستأنس منها الوجوب ، قد استدل بها القائلون به تارة في خصوص مورد الجماعة ، وأُخرى في خصوص صلاتي الغداة والمغرب ، فانّ هذين الموردين هما محل الإشكال في المقام لورود النصوص فيهما ، وأمّا فيما عداهما فلا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب كما عرفت ، فينبغي التعرض لهما.

أمّا الجماعة : فقد استدل لوجوب الأذان فيها بعدّة أخبار.

إحداها : رواية أبي بصير عن أحدهما عليه‌السلام قال : « سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال : إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة » (٣).

الثانية : موثقة عمار قال : « سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (٤). وقد رواها المشايخ الثلاثة (٥) بطرق كلها معتبرة.

الثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال :

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١.

٢٢٧

يجزِئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » (١) دلت بالمفهوم على عدم الإجزاء إذا لم يصلّ في بيته وحده ، الظاهر في إرادة الجماعة.

الرابعة : موثقة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن » (٢). والتقريب ما مرّ.

والجواب : أمّا عن الرواية الأخيرة فإنّها حكاية فعل مجمل العنوان لا دلالة فيه على الوجوب ، فغايته أنّه عليه‌السلام كان إذا صلى خارج البيت جماعة كان يؤذّن ، وأمّا أنّ ذلك كان على سبيل الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة فيها على شي‌ء منهما.

وأمّا الرواية الأُولى ، فهي ضعيفة السند ولا أقل بعلي بن أبي حمزة ، فلا يعتمد عليها.

وأمّا الرواية الثانية : فلا قائل بوجوب العمل بها حتى في موردها ، فانّ ظاهرها أنّ الجائي يستدعي الاقتداء خلف من أذّن وأقام ، ولا ريب في عدم وجوب إعادة الأذان حينئذ حتى من القائلين بوجوبه في الجماعة ، لعدم اعتبار قصد الإمامة في الأذان والإقامة بالضرورة ، فهي محمولة على الاستحباب قطعاً.

والعمدة إنما هي الرواية الثالثة الدالة بالمفهوم على عدم الاجتزاء بالإقامة وحدها في الجماعة ، وأنّه لا يجزئ فيها إلا الاقتران بينها وبين الأذان.

ويمكن الذبّ عنها : بابتناء الاستدلال على أن يكون المراد بالمجزأ عنه هو الأمر الوجوبي المتعلق بالأذان والإقامة ، أو المتعلق بالصلاة لو أُريد به الوجوب الشرطي وهو أوّل الكلام ، ومن الجائز أن يراد به الأمر الاستحبابي المتعلق بهما ، فيكون حاصل المعنى أنّه يجتزي عن ذاك الأمر الاستحبابي بإقامة واحدة لو صلى منفرداً ، فيتحقق الامتثال ويثاب عليهما إرفاقاً وتسهيلاً بمجرد الإقامة. وأمّا عند الجماعة فلا يتحقق امتثال الأمر الاستحبابي‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٤ ، ٦.

٢٢٨

ولا يجزئ عنه إلا الإتيان بالأذان والإقامة معاً ، ولا دلالة في الصحيحة على تعيّن شي‌ء من الاحتمالين ، فلا يستفاد منها أكثر من الاستحباب.

هذا ، ومع الغض وتسليم دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب ، فيكفي في رفع اليد عنه ما دل على عدم الوجوب في مورد الجماعة المقتضي للزوم الحمل على الاستحباب جمعاً ، كموثقة الحسن بن زياد قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة » (١) فان القدر المتيقن من موردها الجماعة كما لا يخفى.

ونحوها صحيحة علي بن رئاب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال عليه‌السلام نعم » (٢) ومعلوم أنّ موردها الجماعة.

وأمّا بالنسبة إلى صلاة الصبح والمغرب : فقد استدل لوجوب الأذان أيضاً بعدة أخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال : أدنى ما يجزئ من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » (٣).

وفيه : أنّها قاصرة عن الدلالة على الوجوب ، لكونها مسوقة لبيان أقلّ مراتب الوظيفة ، وأدنى ما يجزئ عنها ، من دون تعرض لحكم تلك الوظيفة من كونها على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، فإنّ الأجزاء أعمّ من ذينك الأمرين كما لا يخفى.

فحاصل الصحيحة : أنّ من يريد التصدي لتلك الوظيفة المقرّرة في الشريعة ، فالمرتبة الراقية أن يؤذّن ويقيم لكل فريضة ، ودونها في المرتبة أن يأتي بهما في صلاة الغداة والمغرب ، وهذا كما ترى لا دلالة له على الوجوب بوجه.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٨ ، ١٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ١.

٢٢٩

نعم ، لو كان مفادها الإجزاء عن الأمر الصلاتي اقتضى الوجوب ، وليس كذلك ، بل المجزأ عنه الأذان كما صرّح به فيها ، دون الصلاة.

ومنها : رواية الصباح بن سيابة قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بابن سيابة ، أنّها قاصرة الدلالة ، فإنّ لسانها أشبه بالاستحباب كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب » (٢). وهذه لا بأس بدلالتها للتصريح فيها بالإجزاء عن الصلاة لا عن الأذان.

اللهم إلا أن تحمل على الثاني بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة بعد العلم بوحدة المراد منهما.

وكيف كان ، فتدلنا على عدم الوجوب صحيحتان :

إحداهما : صحيحة عمر بن يزيد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير الأذان في المغرب ، فقال : ليس به بأس ، وما أُحبّ أن يعتاد » (٣) فإنّها صريحة في جواز الترك ، وموردها وإن كان هو المغرب لكن يتعدى إلى صلاة الفجر ، للقطع بعدم القول بالفصل وتساويهما في عدم التقصير المصرّح به في خبر ابن سيابة المتقدم ، وفي صحيحة صفوان الآتية ، وفي كونهما مفتتح صلوات الليل والنهار كما صرّح به في صحيحة زرارة المتقدمة.

الثانية : صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ، ولا بدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ، لأنّه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزئك إقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٤ ، ٦.

٢٣٠

بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل » (١).

فانّ التصريح في ذيلها بأفضلية الأذان والإقامة في جميع الصلوات ، الشامل بإطلاقه حتى لصلاتي الفجر والمغرب المذكورين في الصدر ، أقوى شاهد على الاستحباب ، ويكون ذلك قرينة على أنّ المراد بقوله « ولا بد في الفجر والمغرب ... » إلخ اللابدية في مقام امتثال الأمر الاستحبابي لا الوجوبي.

ويمكن أن يستأنس للحكم أيضاً : بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن » (٢) فان التعبير بـ « كان » المشعر بالاستمرار ، يدل على عدم التزامه عليه‌السلام بالأذان غالباً ، وعدم مبالاته به في بيته حتى بالإضافة إلى المغرب والفجر بمقتضى الإطلاق.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ القول بوجوب الأذان لصلاتي الغداة والمغرب ، استناداً إلى الروايات المتقدمة ، بدعوى كونها مقيدة لما ظاهره إطلاق نفي الوجوب ، كروايات الصف والصفين من الملك المتقدمة (٣) ، وكصحيح الحلبي « عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : نعم ، لا بأس به » (٤) ونحوهما مما ظاهره عدم الوجوب مطلقاً ، ساقط لقصور تلك الروايات في حدّ نفسها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو كما مرّ. مضافاً إلى معارضتها في موردها بالصحاح النافية للوجوب كما عرفت ، كما أنّ القول بوجوبه في الجماعة أيضاً ضعيف كما تقدم (٥).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٦.

(٣) في ص ٢٢٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٥) في ص ٢٢٧.

٢٣١

فالأقوى عدم وجوب الأذان مطلقاً كما عليه المشهور.

المقام الثاني : في الإقامة ، وقد ذهب ابن أبي عقيل كما مرّ (١) وجمع إلى وجوبها حتى على النساء ، وخصّه الشيخان (٢) والسيد (٣) وابن الجنيد (٤) بالرجال ، ومال إليه الوحيد البهبهاني (٥) واختاره صاحب الحدائق (٦) واحتاط فيه السيد الماتن قدس‌سره وقد عرفت أنّ المشهور هو عدم الوجوب ، هذا.

ولا يخفى أنّ القول بالوجوب بالنسبة إلى النساء ساقط جزماً ، للتصريح بنفيه عنهنّ في غير واحد من النصوص بحيث لو سلّم الإطلاق في بقية الأخبار وجب تقييده بها ، كصحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : لا » (٧) وغيرها من الأخبار الكثيرة وإن كانت أسانيدها مخدوشة. ولا ندري كيف أفتى ابن أبي عقيل بوجوبها عليهن مع وجود هذه الأخبار ، ولعله لم يعثر عليها. وكيف كان فما ينبغي أن يكون محلا للكلام إنما هو الوجوب بالإضافة إلى الرجال.

وقد استدل القائل بالوجوب بعدّة أخبار ادعى ظهورها فيه مع سلامتها عن المعارض ، فهنا دعويان : إحداهما : وجود المقتضي ، والأُخرى : عدم المانع ، ويتوقف الوجوب على إثبات كلتيهما.

أمّا الدعوى الاولى : فقد استدل لها كما عرفت بطوائف من الأخبار.

منها : الروايات الواردة في النساء المتقدمة آنفاً المتضمّنة أنّه لا أذان ولا إقامة عليهن من صحيحة جميل وغيرها ، بتقريب أنّ المنفي إنما هو اللزوم دون‌

__________________

(١) في ص ٢٢٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٩٩.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٣٥.

(٥) في حاشيته على المدارك : ١٧٤.

(٦) الحدائق ٧ : ٣٥٧.

(٧) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٣.

٢٣٢

المشروعية ، لثبوتها فيهن بالضرورة ، ومن البيّن أنّ نفي اللزوم عنهنّ يدل بالمفهوم على ثبوته بالإضافة إلى الرجال.

وفيه : أنّا وإن بنينا على ثبوت المفهوم للوصف (١) في الجملة ، لكنه مذكور في الصحيحة في كلام السائل دون الامام عليه‌السلام فلا عبرة به ، وفي غيرها وإن ذكر في كلام الامام عليه‌السلام إلا أنّها بأجمعها ضعيفة السند كما عرفت فلا تصلح للاستدلال. مضافاً إلى أنّ اقتران الإقامة بالأذان وبالجماعة في جملة من هذه النصوص مع وضوح استحبابهما على الرجال يكشف بمقتضى اتحاد السياق عن أنّ المنفي عن النساء هي المرتبة الراقية من الاستحباب دون اللزوم ، وأنّها هي الثابتة بمقتضى المفهوم للرجال ، فكأنّ لهذه الأُمور مرتبتين تضمّنت هذه النصوص نفي المرتبة القوية عن النساء.

كما قد يشهد لذلك بالإضافة إلى الأذان صحيحة ابن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن المرأة تؤذّن للصلاة ، فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله » (٢).

حيث يظهر من ذكر البدل وهو التكبير والشهادتان عدم تأكد الاستحباب بالإضافة إليها ، ولذا كانت مخيّرة بين الأمرين وكان المطلوب منها مطلق الذكر بأحد النحوين.

ومنها : النصوص المتقدمة (٣) وعمدتها صحيحة عبد الله بن سنان المتضمّنة لإجزاء الإقامة عن الأذان إذا صلى وحده ، فانّ التعبير بالإجزاء الكاشف عن أنّه أدنى ما يقتصر عليه ، دال على الوجوب.

__________________

(١) المفهوم الثابت للوصف مختص بالمعتمد على الموصوف ، دون غير المعتمد كما في المقام ، فإنّه ملحق باللقب كما نبّه ( دام ظله ) عليه في الأُصول [ في محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٧ ].

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.

(٣) في ص ٢٢٧.

٢٣٣

وفيه : ما تقدم (١) من جواز أن يراد به الإجزاء عن الأمر الاستحبابي المتعلق بهما أي بالأذان والإقامة فيما إذا صلى وحده ، وأنّ هذا المقدار يجزئ في مقام أداء الوظيفة الاستحبابية إرفاقاً وتسهيلاً.

وبالجملة : لا دلالة فيها إلا على مجرد الإجزاء عن تلك الوظيفة ، وأمّا أنّها وجوبية أو استحبابية فلا تدل عليه بوجه.

ومنها : قوله عليه‌السلام في موثقة عمّار الواردة في المريض « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » (٢) دلت على وجوب الأمرين معاً خرجنا في الأذان بالنصوص الخاصة فتبقى الإقامة على وجوبها.

ويندفع : بأنّا وإن ذكرنا في محلّه أنّه إذا تعلّق أمر بشيئين قد ثبت الترخيص في ترك أحدهما من الخارج يؤخذ بالوجوب في الآخر ، نظراً إلى أنّ الوجوب والاستحباب مستفادان من حكم العقل ومنتزعان من الأمر المقرون بالترخيص في الترك أو بعدمه ، فلا مانع من التفكيك بعد أن ثبت الترخيص في أحدهما دون الآخر ، (٣) إلا أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، لأنّ الوجوب لم يكن مستفاداً من الأمر بالفعل أو بعدم الترك ، وإنما استفيد على تقدير تسليمه من أداة النفي المقرونة بالاستثناء في قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة ».

وعليه فإمّا أن تكون الأداة لنفي الحقيقة أو لنفي الكمال أو بالتفصيل بأن تكون في الأذان لنفي الكمال ، وفي الإقامة لنفي الحقيقة بعد وضوح عدم احتمال العكس.

أما الأخير فلا سبيل إليه ، إما لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى ، وإما لأنّه على تقدير جوازه فلا شبهة في أنّه خلاف المتفاهم العرفي.

__________________

(١) في ص ٢٢٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٥ ح ٢.

(٣) محاضرات في أصول الفقه ٢ : ١٣٨.

٢٣٤

وأما الأول فهو أيضاً باطل ، لمنافاته مع النصوص الناطقة بجواز ترك الأذان والكاشفة عن عدم الدخل في الحقيقة كما تقدم (١). فلا جرم يتعيّن الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ الصلاة من دون الأذان أو من دون الإقامة فاقدة لصفة الكمال ، وكأنّها لأجل قلّة ثوابها تستوجب نفي الحقيقة عنها بقولنا « لا صلاة » ولو على سبيل الادّعاء والتنزيل.

إذن فالموثقة لأن يستدل بها على استحباب الإقامة أولى من أن يستدل بها على الوجوب.

ومنها : النصوص الدالة على اعتبار الطهارة والقيام وعدم التكلم في صحة الإقامة كصحيح الحلبي : « ... ولا يقيم إلا وهو على وضوء » (٢) ، وصحيح محمد ابن مسلم : « ... ولا يقيم إلا وهو قائم » (٣).

فإنها لو كانت مستحبة لما أضرّ بها تخلّف شي‌ء من ذلك ، كما لا يضرّ تخلفها في الأذان ، إذ لا معنى للزوم رعاية قيد في عمل يجوز تركه من أصله. فالاعتبار المزبور كاشف عن اللزوم.

وفيه : مع أنّ اعتبار عدم التكلم غير واضح ، لمعارضة النصوص في ذلك وستعرف أنّ الأظهر الجواز لا سيّما إذا تكلم بما يعود إلى الصلاة كتقديم إمام للجماعة ونحو ذلك ، أنّ اشتراط شي‌ء في صحة عمل لا يكشف عن وجوب ذلك العمل بوجه ، للفرق الواضح بين الوجوب الشرطي والوجوب النفسي. ألا ترى اشتراط النوافل بجملة من شرائط الفرائض كالطهارة والإباحة والستر والاستقبال ما لم يكن ماشياً ، مع جواز ترك النافلة من أصلها.

ومنها : النصوص الدالة على أنّ الإقامة من الصلاة ، فإنّ التنزيل كاشف عن الوجوب ، كقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي هارون المكفوف : « يا أبا‌

__________________

(١) في ص ٢٢٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.

٢٣٥

هارون الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك » (١) ، وقوله عليه‌السلام في رواية يونس الشيباني : « ... إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلاً فإنّك في الصلاة ... » إلخ (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف تلك النصوص بأسرها ، أنّها قاصرة الدلالة ، إذ [ لا ] يخلو إمّا أن يراد بها أنّها من الصلاة حقيقة أو تنزيلاً.

لا سبيل إلى الأوّل بالضرورة ، لمنافاته مع النصوص المستفيضة الصريحة في أنّ أولها التكبيرة وآخرها التسليم ، ومن ثم لا يبطلها منافيات الصلاة من الاستدبار ونحوه ، فيتعّين الثاني ، ومن البيّن أنّ التنزيل ناظر إلى خصوص الأُمور المذكورة في تلك النصوص كعدم التكلم والإيماء باليد المذكورين في رواية أبي هارون ، فيراد أنّ الداخل في الإقامة بمثابة الداخل في الصلاة في أنّه لا ينبغي التكلم ولا الإيماء باليد ، فالتنزيل ناظر إلى هذا المقدار لا إلى جميع الآثار ليدل على الوجوب.

ومنها : النصوص الواردة في ناسي الأذان والإقامة حتى دخل الصلاة الآمرة بقطعها لتداركهما ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (٣).

وتقريب الاستدلال بها من وجهين :

أحدهما : أنّ قطع الفريضة محرّم في نفسه ، فلو كانت الإقامة مستحبة كيف ساغ ارتكاب الحرام لإدراك ما لا يلزم دركه ، فتجويز القطع خير دليل على الوجوب ، بل كونه أهمّ من حرمة القطع.

ثانيهما : أنّ الصحيحة ظاهرة في وجوب القطع ومقتضى استحباب الإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.

٢٣٦

جواز تركها اختياراً ، فكيف يجب قطع الفريضة لدرك ما لا يجب الإتيان به من الأوّل ، فوجوب القطع كاشف قطعي عن وجوب الإقامة.

وفي كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل : فلابتنائه على أن يكون المقام من باب التزاحم وليس كذلك ، وإنّما هو من باب التعارض ، وتخصيص دليل حرمة القطع بغير الناسي ، ولا بدع ، إذ الحرمة لم تكن عقلية لتأبى عن التخصيص ، وإنّما هي شرعية وليس هو فيها بعزيز ، وقد ثبت جواز القطع في موارد عديدة كحفظ المال ونحوه. هذا على المشهور من حرمة القطع ، وإلا فالأمر ظاهر.

وأمّا الثاني : فلتوقفه على الالتزام بوجوب القطع ، ولا وجه له ، لمعارضة الصحيحة المتقدمة في موردها بصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة » (١) فغايته جواز القطع لدرك فضيلة الإقامة ، وهو لا يكشف عن الوجوب بوجه كما هو واضح.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه لحد الآن : أنّ النصوص المتقدمة بمختلف طوائفها لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على وجوب الإقامة.

نعم يمكن أن يستدل له بوجهين آخرين :

أحدهما : ما ورد في صلاتي المغرب والغداة كموثقة سماعة قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تصلّ الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ، ورخّص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل » (٢). وكذا ما ورد في مطلق الصلوات كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح » (٣)

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

٢٣٧

فانّ ظاهرهما وجوب الأذان والإقامة معاً ، إما مطلقاً أو في خصوص صلاتي المغرب والغداة ، بل ظاهر الثانية وجوب الفصل أيضاً ، وقد خرجنا في الأذان وفي الفصل بما دل على جواز الترك ، فيحمل الأمر فيهما على الاستحباب وتبقى الإقامة على ظاهر الوجوب ، ولا مانع من التفكيك ولا يضر بوحدة السياق ، بناءً على المختار من استفادة الوجوب والندب من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه ، وقد اقترن أحدهما به دون الآخر فيعمل في كل مورد بموجبه.

ثانيهما : صحيحة زرارة الواردة في القضاء عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١). فإنه إذا وجبت الإقامة لصلاة القضاء كما هو ظاهر الصحيحة ففي الأداء بطريق أولى.

ولم أر من استدل بها في المقام مع أنّها أولى من كل دليل وأحسن من جميع الوجوه المتقدمة ، فإنّ ظهورها في الوجوب ممّا لا مساغ لإنكاره بوجه ، فليتأمل.

وعليه فما ذكره غير واحد من قصور المقتضي وعدم نهوض دليل لإثبات الوجوب موهون بما سمعته من الوجهين لا سيما الأخير منهما ، فالمقتضي تام والدعوى الأُولى ثابتة. فلا بد إذن من النظر في :

الدعوى الثانية : أعني وجود المانع عن الالتزام بالوجوب ، وقد استدل لها بوجوه :

أحدها : النصوص الكثيرة (٢) وقد تقدم بعضها (٣) المتضمنة أنّ من صلى مع الأذان والإقامة صلى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلى مع الإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

(٣) في ص ٢٢٦.

٢٣٨

وحدها صلى خلفه صف واحد. بدعوى أنّ لسان هذا النوع من الأخبار هو الاستحباب ، حيث يظهر منها أنّ أثر الإتيان بهما أو بأحدهما هو اقتداء صف من الملائكة أو صفين ، فغاية ما يترتب على تركهما بعد وضوح عدم وجوب الجماعة هو فقد الاقتداء المستوجب لقلة الثواب دون البطلان ، كما هو شأن صلاة المنفرد حيث لا خلل فيها ما عدا كون ثوابها أقل من الجماعة ، فكأنّه قيل في ذيل تلك النصوص هكذا : ومن صلى بلا إقامة لم يصلّ خلفه أحد من الملائكة. بل قد حكي التذييل بمضمون هذه العبارة عن بعض العامة ، فلأجل ذلك ترفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب وتحمل على الاستحباب. ولعل هذا الوجه أحسن ما استدل به لاستحباب الإقامة.

ويندفع : بجواز كون اقتداء صف من الملائكة من آثار الصلاة الصحيحة التي هي معراج المؤمن ، فإنّ استطراق هذا الاحتمال ممّا لا مساغ لإنكاره ، ولم يظهر من النصوص برهان على خلافه بحيث يدل على صحة الصلاة الخالية عن الإقامة لكي تصلح لرفع اليد بها عن النصوص المتقدمة ، بل الذي يبدو منها أنّ الاقتداء في الجملة إمّا بصف واحد من الملائكة أو الملكين اللذين عن يمين المصلي ويساره أو ملك واحد على اختلاف ألسنتها دخيل في الصحة ، وهو متوقف على الإقامة دون الأذان فيجب الإتيان بها.

والتذييل المذكور لا يمكن التعويل عليه بعد أن لم يكن مروياً من طرقنا ، بل الوارد من طرقنا الذي يؤيد ما استظهرناه ما حكاه الصدوق في ذيل ما رواه بإسناده عن العباس بن هلال عن الرضا عليه‌السلام بقوله : « ... ثم قال : اغتنم الصفين » (١) حيث يظهر منه أنّ لزوم درك الصف الواحد مفروغ عنه ، والذي ينبغي اغتنامه هو الصفّان ، ومن ثم أكّد ونبّه عليه ، أمّا الأول فوضوح لزومه يغني عن التعرض له والتنبيه عليه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٨.

٢٣٩

وبالجملة : دعوى كون لسان الروايات لسان الاستحباب غير واضحة ، فإنّها غير بينة ولا مبينة.

ثانيها : صحيحة حماد الواردة في كيفية الصلاة وبيان أجزائها (١) ولم يتعرض فيها للإقامة.

وفيه : أنّ وجوب الإقامة على القول به إمّا نفسي أو غيري ، وعلى التقديرين لا ينبغي التعرض إليها.

إذ هي على الأوّل عمل مستقل خارج [ عن ] الصلاة ، والصحيحة بصدد بيان الصلاة نفسها بمالها من الأجزاء دون ما كان واجباً بغير الوجوب الصلاتي. وعلى الثاني فهي شرط كسائر الشرائط من الطهارة والاستقبال ونحوهما ، وقد عرفت أنّ الصحيحة بصدد بيان الأجزاء دون الشرائط.

ثالثها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف أيعيد صلاته؟ قال : لا يعيدها ولا يعود لمثلها » (٢).

فإنّ النهي عن العود كاشف عن إرادة العمد من النسيان ، بداهة امتناع تعلق النهي بما هو خارج عن الاختيار ، وعليه فالنهي عن إعادة الصلاة الفاقدة للإقامة عامداً خير دليل على الاستحباب.

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند بعلي بن السندي ، فلا يمكن التعويل عليها.

وثانياً : أنّ غايتها الدلالة على نفي الوجوب الشرطي فلا حاجة إلى الإعادة ، دون الوجوب النفسي الذي ذهب إليه جماعة بل ربما يكون النهي عن العود مع عدم الإعادة دليلاً عليه ، فهي تعاضد الوجوب النفسي لا أنّها تضاده وتعارضه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٢.

٢٤٠