موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

الخامس والعشرون : على القبر (١).

______________________________________________________

وهو كما ترى ، إذ قلّما يوجد مكان فيما بين القبور لا يكون القبر قبلة للمصلي ، فيلزم حمل المطلق على الفرد النادر. فلا مناص من التعميم مع تأكد الكراهة في هذه الصورة كما عرفت. إلا أن يراد من اتخاذ القبر قبلة استقبالها بدلاً عن الكعبة المشرّفة كما قد يفعله بعض الجهلة بالنسبة إلى قبور الأئمة ، فتتجه الحرمة في هذه الصورة.

هذا مضافاً إلى أنّ ثبوت البأس المستفاد من مفهوم الصحيحة أعم من أن يكون على سبيل الكراهة أو الحرمة. وكيف ما كان فالجمع المزبور ضعيف.

وأضعف منه تقييد الأُوليين بالأخيرة لينتج اختصاص الجواز بما إذا كان البعد من كل جانب عشرة أذرع ، إذ لازم ذلك ابتعاد كل قبر عن غيره عشرين ذراعاً على الأقل بحيث يكون أحدهما أجنبياً عن الآخر. ومن البيّن أنّ افتراض ذلك في المقابر العامة والمواضع المتخذة مقبرة للموتى كوادي السلام ونحوه التي هي المنصرف من نصوص المقام من البعد والندرة بمكان ، فكيف يمكن حمل المطلقات على هذا الفرد النادر الذي يكاد لا يصدق على مثله عنوان الصلاة بين القبور ، ومن ثم احتمل بعضهم أن يكون الاستثناء في الموثقة من قبيل المنقطع.

وكيف ما كان فالحمل المزبور كسابقه أبعد بكثير مما صنعه المشهور من حمل الموثقة على الكراهة كما لا يخفى.

(١) من الواضح أنّ الموضوع لهذا الحكم هو عنوان الصلاة على القبر بوضع المساجد عليه وإن كان منفرداً ولم يكن معه قبر آخر ويستدل له بجملة من الأخبار كحديث النوفلي « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر » (١).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٧.

٢٠١

السادس والعشرون : إذا كان القبر في قبلته ، وترتفع بالحائل (١).

______________________________________________________

ومرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : عشرة مواضع لا يصلى فيها منها القبور » (١) بناء على أنّ المراد من القبور الجنس الشامل للواحد لا الجمع كي لا يصح الاستدلال بها للمقام.

ورواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يصلى على قبره ... » إلخ (٢). ولكنها بأجمعها ضعاف السند كما لا يخفى ، فلا يصح الاستدلال بها ما عدا رواية واحدة وهي معتبرة عبيد ابن زرارة قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة أو حمام » (٣). فان القاسم بن محمد الواقع في السند هو الجوهري ، وهو كسليمان مولى طربال من رجال كامل الزيارات (٤).

ومقتضى الجمود على ظاهرها عدم الجواز ، ولم يقل به أحد ، ومن ثم حملها بعضهم على أنّ سبب المنع ارتفاع القبر عن الأرض بأكثر من قدر لبنة ، أو كونه ممّا لا يصح السجود عليه ، ولكنه مخالف لما تقتضيه وحدة السياق من استناد المنع إلى خسّة الأرض وحزازته ، لا إلى وجود مانع خارجي.

ولا يبعد القول بأنّها ناظرة إلى السجود على القبر ، وبينه وبين الصلاة عليه التي هي محل الكلام عموم من وجه ، فهي أجنبية عن المدعى وخارجة عن المقام ، فليتأمل.

إذن فالقول بالكراهة مبني على قاعدة التسامح.

(١) لما تقدّم من صحيحتي معمّر بن خلاّد وزرارة ، وقد مرّ البحث‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٥٩ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٦.

(٢) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ٥ : ١١٨ / أبواب مكان المصلي ب ١ ح ٤.

(٤) عدل ( دام ظله ) عنه أخيراً ، لعدم كون الرجلين من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

٢٠٢

السابع والعشرون : بين القبرين (١) من غير حائل (٢) ويكفي حائل واحد من أحد الطرفين.

______________________________________________________

حولهما (١).

(١) هذا بعنوانه لم يرد في شي‌ء من الأخبار ، وإنّما الوارد فيها عنوان « بين القبور » ومقتضى الجمود على ظاهر صيغة الجمع اعتبار أكثر من القبرين ، إلا أن يتعدى إليهما نظراً إلى ما ذكره في الجواهر من أنّ العبرة بالبينية من غير خصوصية للعدد (٢) وهو غير بعيد.

(٢) لم يرد لفظ الحائل في شي‌ء من نصوص الباب ، وإنّما استندوا إليه في رفع الكراهة لأجل انصراف النص مع وجوده نظراً إلى ارتفاع عنوان البينية مع تحقق الحائل.

وعليه فلا يكفي مطلق الحائل ، بل لا بدّ وأن يكون شيئاً معتداً به كجدار ونحوه بحيث لا يصدق معه العنوان المزبور عرفاً.

فما ذكره المحقق (٣) وغيره من كفاية حيلولة العنزة ، بل عن الروض (٤) قدر لبنة أو ثوب موضوع ونحوه ، في غاية الإشكال. فإنّ دعوى انصراف الأخبار عن مثل هذه الأُمور مما يطلق عليه الحائل توسعاً ، غير قابلة للتصديق. واكتفاء الشارع في ارتفاع الكراهة بمثل ذلك ، بل بوضع العصا في بعض الموارد كمن يصلي وقدّامه إنسان مواجه له لا يستدعي التعدي إلى المقام بعد عرائه عن النص وكون العبرة بصدق البينونة وعدمها كما عرفت ، فلا يقاس أحدهما بالآخر وإن عوّل عليه القائلون بالكفاية ظاهراً فلاحظ.

__________________

(١) في ص ٢٠٠.

(٢) الجواهر ٨ : ٣٥٨.

(٣) الشرائع ١ : ٨٦.

(٤) روض الجنان : ٢٢٨ السطر ٢٤.

٢٠٣

وإذا كان بين قبور أربعة يكفي حائلان أحدهما في جهة اليمين أو اليسار والآخر في جهة الخلف أو الإمام ، وترتفع أيضاً ببعد عشرة أذرع من كل جهة فيها قبر. الثامن والعشرون : بيت فيه كلب غير كلب الصيد (١).

التاسع والعشرون : بيت فيه جنب (٢). الثلاثون : إذا كان قدّامه حديد من أسلحة أو غيرها (٣). الواحد والثلاثون : إذا كان قدّامه ورد عند بعضهم.

الثاني والثلاثون : إذا كان قدّامه بيدر حنطة أو شعير.

______________________________________________________

(١) لمرسلة الصدوق قال : « قال الصادق عليه‌السلام : لا يصلى في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد » (١) ولكن ضعفها للإرسال يمنع عن صلوحها للاستدلال.

نعم ، ورد في غير واحد من الأخبار أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب (٢) ، الكاشف عن خسة المكان ، ولعلّ هذا المقدار كاف في الكراهة.

(٢) لما رواه البرقي في المحاسن بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنّ جبرئيل قال : إنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا جنب ولا تمثال يوطأ » (٣) ولكنها ضعيفة السند ، فتبتني الكراهة على قاعدة التسامح.

(٣) لموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد ... » إلخ (٤).

والجمود على ظاهرها يقتضي الحرمة بل الفساد ، وحيث لا قائل بذلك مع كثرة الابتلاء بالأسلحة من السيوف ونحوها لا سيّما في تلك الأعصار ، فلا جرم تحمل على الكراهة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٥ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٥ : ١٧٤ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ١٧٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٦ ، المحاسن ٢ : ٤٥٤ / ٢٥٦٨.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٢.

٢٠٤

[١٣٧٧] مسألة ١ : لا بأس بالصلاة في البيع والكنائس وإن لم ترش (١) ، وإن كان من غير إذن من أهلها كسائر مساجد المسلمين.

______________________________________________________

(١) على المشهور من الجواز من غير كراهة ، ولا حاجة إلى الرش. وذهب بعضهم إلى الكراهة وارتفاعها بالرش ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار.

فقد دل بعضها على الجواز مطلقاً كصحيحة العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البِيَع والكنائس يصلى فيها؟ قال : نعم ، وسألته هل يصلح بعضها مسجداً؟ فقال : نعم » (١) هكذا في نسخة من التهذيب ، وفي نسخة اخرى « نقضها » ، بدل بعضها (٢) ، وكذلك في رواية الكافي (٣) وظاهرها بمقتضى الإطلاق عدم الحاجة إلى الرش.

وبإزائها ما يظهر منه الكراهة مع الرفع بالرش ، وهي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الصلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس ، فقال : رش وصل » (٤).

فإنّ المشهور حملوا الرش فيها على الأفضلية ، ولكنّ الاقتران ببيوت المجوس المحكومة بكراهة الصلاة فيها من دون الرش في عبارة المتن ، بعد وضوح عدم اشتراط صحة الصلاة بالرش وإن كان ظاهر النص هو الشرطية ، يكشف عن أنّ الأمر به لأجل رفع الكراهة بذلك.

فالنتيجة : أنّ هذه الصحيحة تستوجب التقييد في صحيحة العيص فيكون الجواز من غير كراهة مختصة بصورة الرش.

نعم ، قد يقال : إنّ لسان بعض الأخبار آب عن هذا التقييد كرواية الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢١١ / أبواب أحكام المساجد ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٤ ( في النسخة الجديدة نقضها ).

(٣) الوسائل ٥ : ٢١٢ / أبواب مكان المساجد ب ١٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٦٨ / ٣.

(٤) الوسائل ٥ : ١٣٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ٢.

٢٠٥

[١٣٧٨] مسألة ٢ : لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة عليهم‌السلام (١) ، ولا على يمينها وشمالها ، وإن كان الأولى الصلاة عند جهة الرأس (٢)

______________________________________________________

ابن الحكم قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ، وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقال : صلّ فيها قد رأيتها ما أنظفها ، قلت : أيصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال نعم ، أما تقرأ القرآن ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ) صلّ إلى القبلة وغرّبهم » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند لجهالة الحكم بن الحكم (٢) انّ الأمر لمّا كان وارداً موقع توهم الحظر كما يكشف عنه الذيل فلا دلالة له إلا على أصل الجواز القابل لاتصافه بالكراهة. إذن فلا تنافي بينه وبين ما تقدم مما يظهر منه اختصاص الجواز عن غير كراهة بصورة الرش حسبما عرفت.

(١) تقدم (٣) انّ الممنوع في لسان الأدلة ولو على سبيل الكراهة إنما هو الصلاة في المقابر أو بين القبور ، وأمّا الصلاة خلف القبر فلا منع إلا إذا اتخذه قبلة. ومع تسليم الكراهة فيستثنى من ذلك مراقد الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام فقد نطق النص بجواز الصلاة خلف قبورهم ، ففي مكاتبة الحميري « ... وأمّا الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (٤).

(٢) للروايات المستفيضة الناطقة باستحباب الصلاة عند رأس الحسين عليه‌السلام (٥) وفي موثقة ابن فضال : « رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام الى أن قال ـ : فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأسطوانة المخلقة التي عند‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ٣.

(٢) المراد به الحكم بن الحكيم وهو ثقة لاحظ المعجم ٧ : ١٧٥ / ٣٨٥٨.

(٣) في ص ٢٠٠.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٥) المستدرك ١٠ : ٣٢٧ / أبواب المزار ب ٥٢ ح ٣ ، البحار ٩٨ : ١٨٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٥.

٢٠٦

على وجه لا يساوي الامام عليه‌السلام (١).

[١٣٧٩] مسألة ٣ : يستحب أن يجعل المصلي بين يديه سترة (٢) إذا لم يكن قدّامه حائط أو صف ، للحيلولة بينه وبين من يمرّ بين يديه إذا كان في معرض المرور ، وان علم بعدم المرور فعلاً. وكذا إذا كان هناك شخص حاضر. ويكفي فيها عود أو حبل أو كومة تراب ، بل يكفي الخط. ولا يشترط فيها الحلية والطهارة ، وهي نوع تعظيم وتوقير للصلاة ، وفيها إشارة إلى الانقطاع عن الخلق والتوجه إلى الخالق.

[١٣٨٠] مسألة ٤ : يستحب الصلاة في المساجد ، وأفضلها مسجد الحرام ، فالصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة ، ثم مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف ، ومسجد الكوفة وفيه تعدل ألف صلاة ، والمسجد الأقصى وفيه تعدل ألف صلاة أيضاً ، ثم مسجد الجامع وفيه تعدل مائة ، ومسجد القبيلة وفيه تعدل خمساً وعشرين ، ومسجد السوق وفيه تعدل اثني عشر. ويستحب أن يجعل في بيته مسجداً ، أي مكاناً معدّاً للصلاة فيه وإن كان لا يجري عليه أحكام المسجد ، والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن ، وأفضل البيوت بيت المخدع ، أي بيت الخزانة في البيت.

______________________________________________________

رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى ست ركعات أو ثمان ركعات ... » إلخ (١).

(١) للنهي عن المساواة في بعض النصوص التي منها المكاتبة المتقدمة آنفاً.

(٢) استحباب جعل السترة هو المشهور بين الأجلّة ، لكنّ الذي يظهر من الأدلة استحباب أمرين على سبيل الاستقلال ، وإن كان ظاهر الكلمات الخلط بينهما.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦١ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٤.

٢٠٧

[١٣٨١] مسألة ٥ : يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام وهي البيوت التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، بل هي أفضل من المساجد ، بل قد ورد في الخبر أنّ الصلاة عند علي عليه‌السلام بمائتي ألف صلاة. وكذا يستحب في روضات الأنبياء ومقام الأولياء والصلحاء والعلماء والعبّاد ، بل الأحياء منهم أيضاً.

[١٣٨٢] مسألة ٦ : يستحب تفريق الصلاة في أماكن متعددة لتشهد له يوم القيامة ، ففي الخبر سأل الراوي أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟ قال عليه‌السلام لا ، بل هاهنا وهاهنا ، فإنها تشهد له يوم القيامة ، وعنه عليه‌السلام صلّوا من المساجد في بقاع مختلفة ، فإنّ كل بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة.

[١٣٨٣] مسألة ٧ : يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علة كالمطر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده. ويستحب ترك مؤاكلة من لا يحضر المسجد ، وترك مشاربته ومشاورته ومناكحته ومجاورته.

[١٣٨٤] مسألة ٨ : يستحب الصلاة في المسجد الذي لا يصلى فيه ، ويكره تعطيله ، فعن أبي عبد الله عليه‌السلام : ثلاثة يشكون إلى الله ( عزّ وجل ) مسجد خراب لا يصلي فيه أهله ، وعالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.

[١٣٨٥] مسألة ٩ : يستحب كثرة التردد إلى المساجد ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات.

______________________________________________________

أحدهما : استحباب السترة إذا كان المصلي في معرض المارّة لتكون ساتراً بينه وبين من يمرّ بين يديه.

٢٠٨

ففي صحيح علي بن جعفر « أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يصلي وأمامه حمار واقف ، قال : يضع بينه وبينه قصبة أو عوداً أو شيئاً يقيمه بينهما ويصلي فلا بأس » (١).

وروى الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذراعاً ، فاذا كان صلى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه » (٢).

وهذا الستار عمل مستحب يعدّ من آداب الصلاة ، لا يقدح تركه في الصحة.

ففي صحيح أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا يقطع الصلاة شي‌ء ، لا كلب ولا حمار ولا امرأة ، ولكن استتروا بشي‌ء. وإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت. والفضل في هذا أن تستتر بشي‌ء وتضع بين يديك ما تتقي به من المارّ ، فان لم تفعل فليس به بأس ، لأنّ الذي يصلي له المصلي أقرب إليه ممن يمرّ بين يديه ، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها » (٣).

وفي صحيح ابن أبي يعفور قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شي‌ء مما يمرّ بين يديه؟ فقال : لا يقطع صلاة المؤمن شي‌ء ولكن ادرءوا ما استطعتم » (٤).

ثانيهما : استحباب وضع المصلي شيئاً بين يديه ولو كان عوداً أو حبلاً أو كومة تراب ، بل خطّاً يخطّه على الأرض حتى مع الأمن من المارّة بحيث لا يبقى معه معنى للستر والحيلولة ، إيعازاً إلى الانقطاع عن الحق والتوجه إلى الخالق ، فكأنّه لا يفكّر إلا فيما بينه وبين ذاك الحد ولا ينظر إلا ما بين مصلاه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٢ / أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٣٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٢٩٦ / ٢.

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ١٣٤ / أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١٠ ، ٩.

٢٠٩

[١٣٨٦] مسألة ١٠ : يستحب بناء المسجد ، وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ولؤلؤ وزبرجد. وعن الصادق عليه‌السلام : من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة.

______________________________________________________

ومسجده. وهذا في نفسه عمل مستقل ومستحب نفسي غير مرتبط بما سبق بمقتضى إطلاق النص.

ففي معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فان لم يجد فحجراً ، فان لم يجد فسهماً ، فان لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه » (١).

وروى الشيخ بإسناده عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام « في الرجل يصلي ، قال : يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط » (٢).

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى » (٣) ونحوها غيرها.

وقد تفطّن صاحب الوسائل إلى تغاير العنوانين فمن ثمّ أفرد لكل منهما باباً مستقلا ، فقال في الباب الثاني عشر من أبواب مكان المصلي : باب استحباب جعل المصلي شيئاً بين يديه ... إلخ. وفي الباب الحادي عشر : باب عدم بطلان الصلاة بمرور شي‌ء .. إلخ ولكن الفقهاء قد وقع الخلط بينهما في كلماتهم كما سمعت فحكموا كما في المتن باستحباب السترة لأجل المارّة ولو بخطّ في الأرض.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٧ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٥ : ١٣٧ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٤.

(٣) الوسائل ٥ : ١٣٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ١.

٢١٠

[١٣٨٧] مسألة ١١ : الأحوط إجراء صيغة الوقف بقصد القربة في صيرورته مسجداً ، بأن يقول : وقفته قربة إلى الله تعالى (١) لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً مع صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني ، فيجري حينئذ حكم المسجدية وإن لم تجر الصيغة.

______________________________________________________

(١) ربما توهم العبارة لزوم التلفظ بقصد القربة ، ولكنه غير مراد جزماً ، لعدم اعتبار التلفظ به في شي‌ء من العبادات وكفاية النية المجردة إجماعاً.

نعم ، في خصوص باب الحج ورد الأمر بالتلفظ بما ينويه ، المحمول على الاستحباب ، وهو أمر آخر غير مرتبط بالمقام.

وإنما المحتمل اعتباره في المقام أمران : أحدهما : قصد التقرب. ثانيهما : إجراء صيغة الوقف. فلا تكفي المعاطاة في تحققه ، وإليه تنظر عبارة المتن.

أما الأول : فلم ينهض على اعتباره أيّ دليل ، ومقتضى الإطلاقات عدم الاعتبار من غير فرق بين الوقف للمسجد أو غيره. نعم ترتب الثواب يتوقف عليه كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني : فقد نسب إلى المشهور اعتبار الصيغة في صحة الوقف ، نظراً إلى أنّه يتقوّم في ذاته باللزوم ، كما أنّ الرهن أيضاً متقوم به ، فكما لا رجوع في العين المرهونة وإلا خرجت عن كونها وثيقة ، فكذا لا رجوع في العين الموقوفة بضرورة الفقه ولا سيما في مثل وقف المسجد الذي هو من سنخ التحرير. وحيث إنّ المعاطاة لا تفيد اللزوم إجماعاً ، بل هي إما باطلة أو جائزة على الخلاف المحرّر في محله ، فلا جرم لا ينعقد الوقف بها.

ويندفع : بما حققناه في محله (١) من أنّ المعاطاة عقد عرفي وهو بمثابة العقد اللفظي في إفادة اللزوم بمقتضى إطلاق قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) إلا ما‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ١٤٢.

(٢) المائدة ٥ : ١.

٢١١

[١٣٨٨] مسألة ١٢ : الظاهر أنّه يجوز أن يجعل الأرض فقط مسجداً دون البناء والسطح ، وكذا يجوز أن يجعل السطح فقط مسجداً ، أو يجعل بعض الغرفات أو القباب أو نحو ذلك خارجاً ، فالحكم تابع لجعل الواقف والباني في التعميم والتخصيص (١) كما أنّه كذلك بالنسبة إلى عموم المسلمين أو طائفة دون اخرى (٢) على الأقوى (١).

______________________________________________________

خرج بالدليل كالطلاق والنكاح.

ودعوى الإجماع على عدم اللزوم ، موهونة بأنّ المحصّل منه غير حاصل والمنقول غير مقبول.

وعليه فلو بنى المكان بقصد كونه مسجداً ووقعت الصلاة فيه بإذن الباني التي هي بمثابة القبض ، تحقق الوقف المعاطاتي وشملته إطلاقات اللزوم ، وجرى عليه أحكام المسجد كما أفاده في المتن.

(١) فانّ عنوان المسجدية عارض على المكان المملوك الذي هو قابل للانقسام بحسب أبعاده الثلاثة ، والمالك مسلّط على ماله في جميع أبعاده. فله اختيار التحرير في بعض تلك الأبعاد دون بعض ، كما له الاختيار في الكل بمناط واحد ، فالحكم إذن مطابق لمقتضى القاعدة بعد وضوح أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

(٢) كالعلماء أو الفقراء أو السادة كما هو الحال في سائر الأوقاف ، من جواز التخصيص بصنف خاص ، ولكنه في غاية الإشكال والقياس مع الفارق ، فإن المالك في سائر الأوقاف له تمليك ماله لطائفة خاصة ولا ضير فيه.

وأمّا وقف المسجد فهو عبارة عن تحرير الأرض لله وإزالة الملكية من أصلها فان الأراضي وإن كانت كلها له سبحانه إلا أنّها تملك باذنه ، فاذا أوقفها فقد حرّرها وأزال علاقة الملكية وأرجعها إلى مالكها الأصلي وجعلها بيتاً من‌

__________________

(١) فيه منع ، نعم يجوز جعل مكان معبداً لطائفة خاصّة لكنّه لا يجري عليه أحكام المسجد.

٢١٢

[١٣٨٩] مسألة ١٣ : يستحب تعمير المسجد إذا أشرف على الخراب (١) وإذا لم ينفع يجوز تخريبه وتجديد بنائه (٢) بل الأقوى جواز تخريبه (٣) مع استحكامه لإرادة توسيعه من جهة حاجة الناس.

______________________________________________________

بيوت الله ، وأصبح هو أجنبياً عنها ، فكيف يسوغ له التخصيص بطائفة دون اخرى. مع أنّ الجميع بالنسبة إليه سبحانه على حدّ سواء ، وكلهم خلقه وعبيده وقد اشترك الكل في الاستفادة من المسجد بنسبة واحدة وبمناط واحد. فالتخصيص المزبور من غير مخصّص (١) ظاهر ، فإنه صادر من غير أهله وفي غير محله.

نعم ، يمكن وقف مكان مصلى لطائفة خاصة دون أُخرى كسائر الأوقاف مثل المدرسة ونحوها ، فيكون ملكاً لهم ثم لطبقة اخرى بعدهم من غير أن يباع أو يورث ، إلاّ أنّه لا يكون مسجداً ولا تجري عليه أحكامه ، فيجوز دخول الجنب فيه ، كما يجوز تنجيسه ، ولكنّه خارج عن محل الكلام.

(١) بل قد يجب فيما إذا كان معرضاً للانهدام وخوف تلف النفس المحترمة.

(٢) لأنه إنّما جعل مسجداً لغاية العبادة ، فإذا سقط عن الانتفاع جاز هدمه وبناؤه ، تحصيلاً لتلك الغاية التي أُسّس من أجلها.

(٣) والوجه فيه : أنّ المسجد لم يكن ملكاً لأحد ليحتاج التصرف فيه إلى الاستئذان منه ، وإنّما هو معبد لله سبحانه ، فلا مانع إذن من التصرف فيه بكل ما يكون الانتفاع أكثر والمعبدية أشمل.

ومنه تعرف فساد دعوى أنّ التغيير ولو على سبيل التوسيع تصرف في متعلق الوقف ومخالف للكيفية التي أوقفها الواقف وبنى عليها ، وذلك لما عرفت من أنّ الواقف قد حرّر المسجد وأخرجه من ملكه وأزال العلقة بحيث صار‌

__________________

(١) المخصص هو ما دل على أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها الشامل للمساجد كما اعترف ( دام ظله ) به آنفاً فتدبّر جيداً.

٢١٣

أجنبياً ، وأصبح ملكاً لله تعالى لغاية العبادة ، فكل تصرّف يستوجب مزيد التمكين من هذه الغاية مع مسيس الحاجة سائغ بمقتضى القاعدة.

مضافاً إلى النص الخاص وهو صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنى مسجده بالسميط ثم إنّ المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ، فقال : نعم ، فزيد فيه وبناه بالسعيدة ... » إلخ (١).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٠٥ / أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

٢١٤

فصل

في بعض أحكام المسجد‌

الأول : يحرم زخرفته أي تزيينه بالذهب (١) ـ (١)

______________________________________________________

(١) على المشهور كما قد يظهر من الجواهر حيث قال : بل هو المشهور نقلاً في كشف اللثام والكفاية إن لم يكن تحصيلاً وإن ناقش فيه أخيراً بقوله : ويمكن منع حصول شهرة معتد بها هنا (١) ويعضده أنّ الدروس نسب التحريم إلى القيل (٢).

وكيف ما كان فيستدل له تارة بالإسراف ، وأُخرى بعدم معهوديته في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحداثه بعد ذلك بدعة محرّمة.

وكلاهما كما ترى ، لتقوّم الإسراف بفقد الغرض العقلائي ، ومِن البيّن أنّ تعظيم الشعائر من أعظم الدواعي العقلائية كما هو المشاهد في المشاهد المشرّفة.

وأما البدعة فهي متقوّمة بالإسناد إلى الشرع ما ليس فيه ، فلا بدعة من دون الاسناد ، ومجرد كونه من الأُمور المستحدثة لا يستوجبها ، كيف ولو تمّ لعمّ وسرى إلى غير الذهب كالفضة للمشاركة في العلة.

مع أنّ الأُمور المستحدثة من الكثرة ما لا يخفي ، التي منها تزيين المساجد بالأنوار الكهربائية ، أفهل يمكن القول بحرمتها بدعوى عدم كونها معهودة في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فالحكم إذن مبني على الاحتياط ، حذراً عمّا‌

__________________

(١) على الأحوط ، ولا يبعد الجواز.

(١) الجواهر ١٤ : ٨٨ ٨٩.

(٢) الدروس ١ : ١٥٦.

٢١٥

بل الأحوط ترك نقشه بالصور (١).

الثاني : لا يجوز بيعه ولا بيع آلاته وإن صار خراباً ولم تبق آثار مسجديّته ، ولا إدخاله في الملك ، ولا في الطريق ، ولا يخرج عن المسجدية أبداً (٢).

______________________________________________________

لعله خلاف المشهور ، وأمّا بحسب الصناعة فالأقوى الجواز.

(١) إن أُريد بها تصوير ذوات الأرواح ، فلا يختص التحريم بالمساجد على ما استوفينا البحث حول ذلك بنطاق واسع في كتاب المكاسب (١).

وإن أُريد بها تصوير غيرها كالأشجار ونحوها ، فلم ينهض دليل على التحريم مطلقاً. نعم ربما يستدل له في المقام برواية عمرو بن جميع قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في المساجد المصوّرة فقال : أكره ذلك ، ولكن لا يضرّكم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٢).

ولكنها ضعيفة السند بعدّة من المجاهيل كما ناقش فيه جماعة أوّلهم صاحب المدارك (٣) مضافاً إلى أنّها قاصرة الدلالة ، فإن الكراهة في لسان الرواية أعمّ من الكراهة المصطلحة والحرمة ، بل إن قوله : « لا يضرّكم ذلك اليوم » كالصريح في عدم المنع قبل قيام الحجة.

على أنّ رواية علي بن جعفر قد دلت على الجواز قال : « سألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ قال : لا بأس به » (٤). وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن.

والمتحصّل : أنّه لم ينهض أيّ دليل على تحريم زخرفة المسجد ، ولا على نقشه بالصور غير ذوات الأرواح.

(٢) والوجه في ذلك كله ما عرفت من أنّ عروض عنوان المسجديّة‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ١ : ٢٢٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٢١٥ / أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١ ، ٣.

(٣) المدارك ٤ : ٣٩٨.

(٤) الوسائل ٥ : ٢١٥ / أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١ ، ٣.

٢١٦

ويبقى الأحكام من حرمة تنجيسه ووجوب احترامه (١) وتصرف آلاته في تعميره (٢) وإن لم يكن معمر تصرف في مسجد آخر ، وإن لم يمكن الانتفاع بها أصلا يجوز بيعها وصرف القيمة في تعميره ، أو تعمير مسجد آخر.

الثالث : يحرم تنجيسه (٣) وإذا تنجّس يجب إزالتها فوراً وإن كان في وقت الصلاة مع سعته ، نعم مع ضيقه تقدّم الصلاة. ولو صلى مع السعة أثم ، لكن الأقوى صحة صلاته.

______________________________________________________

يستوجب الخروج عن الملكية وفكّ الرقبة وتحريرها وزوال علقتها بالمرّة ، ومعه كيف يمكن بيعها ، ولا بيع إلا في ملك ، أم كيف يمكن إدخالها في الملك أو في الطريق ونحو ذلك مما ينافي عنوان المسجديّة التي هي باقية بطبيعتها ، إذ لا مزيل لها وإن أُزيلت آثارها.

نعم ، لو تعذّرت الاستفادة للعبادة بالكلية وأمكن بعض الانتفاعات على نحو لا يستوجب الهتك كالاستفادة للزراعة ، لم يكن بها بأس لعدم الدليل حينئذ على المنع.

وهذا بخلاف سائر الأوقاف ، فإنّها وإن لم يجز بيعها أيضاً إلا أنّها لما كانت فيها شائبة الملكية ، نظراً إلى أنّ الواقف ملّكها للموقوف عليهم لا أنّه حرّرها ، فلا مانع حينئذ من بيعها لدى عروض المسوّغات التي منها الخراب.

(١) لوضوح بقاء الأحكام بتبع بقاء الموضوع.

(٢) فإنها وقف للمسجد فكانت ملكاً له ، ولا غرابة في استناد الملكية إليه بعد أن كانت من الأُمور الاعتبارية ، فلا يجوز صرفها في غير شؤون المسجد ما دام يمكن الانتفاع بها فيه.

نعم ، لو تعذّر ذلك أيضاً ، جاز صرفها في مسجد آخر ، لأنّه الأقرب إلى نظر الواقف ، ولو تعذر ذلك جاز بيعها ويصرف ثمنها حينئذ في تعمير المسجد نفسه إن أمكن وإلا ففي مسجد آخر.

(٣) الفروع المذكورة في المقام قد تقدم البحث حولها مستوفى وبنطاق واسع‌

٢١٧

ولو علم بالنجاسة أو تنجس في أثناء الصلاة لا يجب القطع للإزالة وإن كان في سعة الوقت ، بل يشكل جوازه (١) ولا بأس بإدخال النجاسة غير المتعدية إلا إذا كان موجباً للهتك كالكثيرة من العذرة اليابسة مثلاً. وإذا لم يتمكن من الإزالة بأن احتاجت إلى معين ولم يكن سقط وجوبها ، والأحوط إعلام الغير إذا لم يتمكن. وإذا كان جنباً وتوقفت الإزالة على المكث فيه فالظاهر عدم وجوب المبادرة إليها ، بل يؤخّرها إلى ما بعد الغسل ، ويحتمل (٢) وجوب التيمم والمبادرة إلى الإزالة (١).

[١٣٩٠] مسألة ١ : يجوز أن يتخذ الكنيف ونحوه من الأمكنة التي عليها البول والعذرة ونحوهما مسجداً ، بأن يطمّ ويلقى عليها التراب النظيف (٢) ،

______________________________________________________

في أحكام النجاسات من كتاب الطهارة (١) فراجع ولا نعيد.

(١) هذا الاحتمال لم يسبق التعرض إليه فيما تقدم ، وهو ضعيف جدّاً ، فانّ وجوب المبادرة لم يثبت بدليل لفظي لنتمسك بإطلاقه ، وإنّما ثبت بالإجماع والقدر المتيقن منه غير الجنب.

(٢) هذا مما لا إشكال فيه ، وقد دلت عليه جملة من النصوص كصحيحة الحلبي في حديث أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : « فيصلح المكان الذي كان حشاً زماناً أن ينظّف ويتّخذ مسجداً؟ فقال : نعم إذا القي عليه من التراب ما يواريه فانّ ذلك ينظفه ويطهّره » (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان في حديث قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكان يكون حشاً زماناً فينظف ويتخذ مسجداً ، فقال : ألق عليه‌

__________________

(١) الظاهر تخيير المصلي بين إتمام صلاته وقطعها وإزالة النجاسة فوراً.

(٢) لكنّه ضعيف جدّاً.

(١) شرح العروة ٣ : ٢٥١ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٠٩ / أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ١.

٢١٨

ولا تضرّ نجاسة الباطن في هذه الصورة ، وإن كان لا يجوز تنجيسه (١) في سائر المقامات (١) لكن الأحوط (٢) إزالة النجاسة أوّلاً ، أو جعل المسجد خصوص المقدار الطاهر من الظاهر.

______________________________________________________

من التراب حتى يتوارى ، فانّ ذلك يطهّره إن شاء الله » (١) وغيرهما.

(١) ظاهره استثناء المقام عن عموم وجوب إزالة النجاسة عن المسجد.

وفيه أوّلاً : أنّه سالبة بانتفاء الموضوع ، إذ لا نجاسة حتى تحتاج إلى التطهير ، لصراحة النصوص المتقدمة في حصول الطهارة هنا بالطم ، لا أنّ النجاسة باقية وغير ضائرة ليلتزم بالتخصيص في عموم وجوب التطهير.

وثانياً : أنّ عمدة الدليل على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد حسبما تقدّم في محلّه (٢) إنّما هو الإجماع ، والقدر المتيقن منه تطهير المكان الذي يصلى فيه أعني ظاهر المسجد ، وكذا جدرانه وحيطانه ، وأمّا الباطن ولا سيما إذا كان عميقاً ، كما لو نزّت النجاسة من بالوعة الجار إلى باطن المسجد ، فشمول الإجماع له غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم ، فالمقتضي لوجوب التطهير قاصر في حد نفسه.

وثالثاً : مع الغضّ والتسليم ، فالحكم مختص بالنجاسة الطارئة ، وأمّا السابقة على الاتصاف بالمسجدية كما في المقام ، فلعلّ من المطمأن به عدم شمول الإجماع له كما لا يخفى.

(٢) هذا الاحتياط ضعيف ، لما عرفت من أنّ ظاهر النصوص بل صريحها طهارة المحل بالطم ، فلا نجاسة لكي تحتاج إلى الإزالة. كما أنّ مقتضى إطلاقها جعل المسجد مجموع الظاهر والباطن على حد سائر الأماكن ، فلا مجال للاحتياط الذي ذكره قدس‌سره ثانياً من الاختصاص بالظاهر.

__________________

(١) على الأحوط.

(١) الوسائل ٥ : ٢١٠ / أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ٤.

(٢) شرح العروة ٣ : ٢٥١.

٢١٩

الرابع : لا يجوز إخراج الحصى منه (١) وإن فعل ردّه إلى ذلك المسجد أو مسجد آخر (١).

______________________________________________________

(١) على المشهور ، وذهب جماعة إلى الكراهة ، ويستدل له بوجهين :

أحدهما : أنّ الحصى جزء من الوقف فلا يجوز إخراجه لمنافاته للوقفية.

وفيه : أنّ هذا إنما يتجه فيما إذا كان المأخوذ مقداراً معتدّاً به بحيث يستوجب نقصاً في المسجد ، أمّا دون هذا الحدّ ممّا لا يستوجبه كحصاة أو حصاتين فلا منافاة ، ومن ثمّ لا ينبغي الاستشكال في جواز إخراج ما يعدّ من شؤون الانتفاع من المسجد واللوازم العادية له ، وكذا من سائر الأوقاف بل الأملاك المأذون في الدخول فيها ، كما لو تعلّق بثيابه أو ردائه شي‌ء من ترابها أو التصق بنعله شي‌ء من حصاها ، فإنّه لا يجب ردّها قطعاً ، ولم يقل به أحد ، فلو كان مطلق الإخراج منافياً للوقفية لزم القول به في هذا المقدار أيضاً ، لعدم الفرق بين المتعارف وغيره في مناط المنع كما لا يخفى.

فهذا الوجه لا ينهض لإثبات الحكم ، ولو نهض للزم الرد إلى خصوص المسجد المأخوذ منه لا إلى مسجد آخر ، فلا وجه للتخيير بينهما كما في المتن.

ثانيهما : الروايات الخاصة الواردة في المقام :

فمنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول الكعبة ، وإن أخذ من ذلك شيئاً ردّه » (١).

وربما يناقش في دلالتها بأنّ كلمة « لا ينبغي » ظاهرة في الكراهة ، فيكون ذلك قرينة على حمل الأمر بالرد على الاستحباب.

ويندفع : بما تقدم غير مرّة من إنكار الظهور المزبور ، بل الكلمة إمّا ظاهرة‌

__________________

(١) هذا مع عدم التمكّن من ردّه إلى ذلك المسجد.

(١) الوسائل ٥ : ٢٣١ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ١.

٢٢٠