موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٣

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم لا يكتفى بالواحد والاثنين من الناس لانصراف النص عن مثله ، بل لا يصدق معه العنوان المزبور كما لا يخفى.

وبالجملة : فاختلاف البلاد لا يؤثّر في المقام. نعم ربما يؤثر في بعض الأحكام كما في الشي‌ء الذي ربما يعدّ من المكيل أو الموزون في بلد ويعدّ من المعدود في البلد الآخر ، فانّ كل بلد يلحقه حكمه في جريان الربا وعدمه لو بيع بمثله مع الزيادة.

والفارق بين المثال وما نحن فيه : أنّ الموضوع هناك عنوان المكيل أو الموزون الظاهر في الفعلية والمفروض عدم صدقه في البلد الآخر.

وأمّا في المقام فالموضوع القابلية للأكل المتحققة بتعارفه ولو عند بعض الطوائف كما عرفت.

وأمّا ما يؤكل في بعض الأوقات دون بعض ، فإن أراد قدس‌سره به مجرد الاختلاف في الزمان مع اتحاد المأكول بصفاته في الوقتين وعدم تغيره عمّا هو عليه بأن يؤكل في الصيف مثلاً ولا يؤكل نفس ذلك الشي‌ء في الشتاء ، فالمتجه لو كان له مصداق ما ذكره قدس‌سره من المنع مطلقاً ، لصدق القابلية للأكل التي هي الموضوع للحكم ولو بلحاظ الزمان الذي يؤكل ، نظير ما مرّ من الصدق المزبور بلحاظ بعض الأفراد.

وإن أراد به فرض تغير الشي‌ء في الوقتين واختلاف صفاته بخروجه عن قابلية الأكل في الزمان المتأخّر أو عروضها له ، فان كان من قبيل الأوّل كورق العنب بعد اليبس فقد تعرّض قدس‌سره له في المسألة السابقة وتقدّم حكمه (١) وإن كان من قبيل الثاني كالثمرة قبل أوان أكلها فسيتعرض له في المسألة ١٣ الآتية وقد تكلمنا حولها فيما مرّ (٢).

__________________

(١) في ص ١٥٧.

(٢) في ص ١٥٩.

١٦١

[١٣٦٠] مسألة ١٢ : يجوز السجود على الأوراد غير المأكولة (١).

[١٣٦١] مسألة ١٣ : لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها (١) (٢).

[١٣٦٢] مسألة ١٤ : يجوز السجود على الثمار غير المأكولة أصلاً كالحنظل ونحوه (٣).

[١٣٦٣] مسألة ١٥ : لا بأس بالسجود على التنباك (٤).

[١٣٦٤] مسألة ١٦ : لا يجوز على النبات الذي ينبت على وجه الماء (٥).

______________________________________________________

وعليه فلا وجه لاستقلال هذا العنوان بالذكر وإفراده في مسألة مستقلة ، فإنه بين ما مضى وما سيأتي.

وعلى أيّ حال فلم يتضح المراد من هذه العبارة وهو قدس‌سره أعرف بما أراد فتدبر جيداً.

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) على الأحوط ، والأقوى جوازه ، وقد مرّ الكلام حولها في ذيل المسألة العاشرة فراجع.

(٣) قد ظهر حالها من مطاوي الأبحاث السابقة فلاحظ.

(٤) ولعلّ مراده قدس‌سره ما يعمّ التتن ، وكيف كان فهما ليسا من الملبوس ولا المأكول بل ولا المشروب ، وإنما يدخن بهما فلا مانع من السجود عليهما.

(٥) لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق في بعض النصوص جواز السجود على مطلق النبات من غير تقييد بالأرض ، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا التمرة كما في التهذيب أو إلا الثمرة كما في الفقيه (١).

__________________

(١) على الأحوط.

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٩ ، لاحظ التهذيب ٢ : ٣١١ / ١٢٦٢ ، الفقيه ١ : ١٦٩ / ٨٠٠.

١٦٢

وصحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ذكر أنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه‌السلام وسأله عن السجود على البوريا والخصفة والنبات ، قال : نعم » (١) وهذه الرواية صحيحة السند ، إذ ليس في الطريق من يتأمل فيه عدا الحسين بن أبي العلاء الذي هو الحسين بن خالد. مع أنّ توثيقه يستفاد من كلام النجاشي حيث صرّح بأنّ الرجل كان أوجه من أخويه علي وعبد الحميد (٢) ، وظاهره إرادة التفضيل في الحديث كما لا يخفى. وقد صرّح (٣) أيضاً بوثاقة عبد الحميد (٤) ، فيظهر أنّ الرجل كان أوثق من أخيه. على أنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات (٥). فلا ينبغي التأمل في صحة الرواية ، هذا.

وبإزاء هاتين الصحيحتين الأخبار الكثيرة وقد تقدمت (٦) التي قيّد النبات فيها بالأرض ، وأنّه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق في تلك الصحيحتين وتقييده بنبات الأرض ، وبين حمل القيد في هذه الأخبار على الغالب ، وأنّ المراد مطلق النبات وإن نبت على وجه الماء ، فتقع المعارضة بين أصالة الإطلاق وأصالة ظهور القيد في القيدية ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيسقطان.

وبعبارة اخرى : حيث إنّ النسبة بين الطائفتين عموم من وجه ، لدلالة الأُولى على جواز السجود على مطلق النبات وإن لم يكن من الأرض ، ودلالة الثانية على عدم الجواز في غير الأرض ونباتها وإن نبتت على وجه الماء ، فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وهي النبات على وجه الماء ، فيجوز‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١٠.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٤) ولكنه ( دام ظله ) استظهر في المعجم ٦ : ٢٠٠ / ٣٢٧٦ أنّ الذي وثقه النجاشي رجل آخر غير عبد الحميد أخي الحسين بن أبى العلاء.

(٥) لا عبرة به ، نعم قد وقع في اسناد تفسير القمي ، لاحظ المعجم ٦ : ١٩٨ / ٣٢٧٦.

(٦) في ص ١٢٩ وما بعدها.

١٦٣

[١٣٦٥] مسألة ١٧ : يجوز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب مما ليس من الملابس المتعارفة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا الثوب المتخذ من الخوص (١).

______________________________________________________

بمقتضى الأول ، ولا يجوز بمقتضى الثاني ، وبما أنّه لا ترجيح لأحد الأصلين اللفظيين المزبورين على الآخر ، فيسقط كلا الدليلين ويرجع حينئذ إلى العام الفوق إن كان ولم يكن في المقام كما لا يخفى وإلا فإلى الأصل العملي ومقتضاه أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه من نبات الماء ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المعلوم فيدفع بالأصل كما هو الشأن في الدوران بين الأقل والأكثر. وقد تقدم (١) نظيره عند الشك في جواز السجود على المعادن وعلى مطلق الثمار وإن لم تؤكل فلاحظ.

هذا ما تقتضيه القاعدة التي نتيجتها جواز السجود على ما ينبت على وجه الماء.

إلا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الأمر لا ينتهي إلى المعارضة بين الطائفتين ، فإنّ النبات كما يظهر بمراجعة اللغة (٢) ويساعده العرف اسم لخصوص ما ينبت من الأرض ، فلا إطلاق في مفهومه لغة ولا عرفاً حتى يشمل النابت على وجه الماء ، وإنّما يطلق عليه توسّعاً ومجازاً بعلاقة المشاكلة والمشابهة ، وإلا فليس هو من حقيقة النبات في شي‌ء.

وعليه فلا تعارض بين الأخبار ، لتطابق الكل على عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها غير الصادق على نبات الماء. فالأقوى عدم جواز السجود عليه.

(١) قد عرفت أنّ المراد بما أُكل أو لبس ما كان فيه استعداد الأكل أو‌

__________________

(١) في ص ١٣٩.

(٢) لسان العرب ٢ : ٩٥.

١٦٤

اللبس وقابليتهما ، بحيث يعدّان منفعة خاصة للشي‌ء أو من منافعه البارزة المتعارفة.

ومنه يظهر جواز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب ، لا لعدم صدق اللبس وأنّه أشبه بالموطوء كما قيل ، إذ لا مساغ لإنكار الصدق المزبور ، ولبس كل شي‌ء بحسبه ، والضابط اشتمال الشي‌ء وإحاطته على البدن ولو في الجملة كما في الخاتم ، ومن هنا لا ريب في عدم جواز اتخاذ القبقاب من الذهب للرجال ، لصدق لبس الذهب المحرّم عليهم بلا إشكال ، بل لعدم كون اللبس منفعة يختص بها الخشب ، ولا من منافعه البارزة بحيث يعدّ لدى العرف منفعة متعارفة له ، وصنع القبقاب منه أحياناً ولبسه ندرة لا يستوجب عدّ اللبس من منافعه الظاهرة كما لا يخفى ، وإلا لما جاز السجود على الخشب مطلقاً حتى قبل صنعه قبقاباً ولبسه.

وبعبارة اخرى : قد عرفت أنّ الأكل واللبس الخارجيين شخصاً أو نوعاً ليسا موضوعاً لعدم جواز السجود وأنّ الاستثناء في قوله : « إلا ما أُكل أو لبس » لا يراد به شي‌ء منهما كما مرّ توضيحه (١) ، بل المراد ما كانت مادته قابلة لهما ولو بالعلاج بحيث يعدّان على الأقل من المنافع المتعارفة ، سواء أتحقق الأكل أو اللبس خارجاً أم لا. ولا ريب أنّ اللبس ليس من منافع الخشب المتعارفة وإن انتفع به منه أحياناً ، وإلا فلو عدّ من منافع هذه المادة لامتنع السجود عليه مطلقاً ، اتصفت بهيئة القبقاب وتحقق اللبس في الخارج أم لا ، إذ المدار على القابلية لا الفعلية كما عرفت ، وحيث إنّ التالي باطل جزماً فالملزوم مثله.

ومنه يظهر الحال في الثوب المتخذ من الخوص من قلنسوة ونحوها ، فإنه يجري فيه الكلام المتقدم بعينه فلاحظ.

__________________

(١) في ص ١٥٧.

١٦٥

[١٣٦٦] مسألة ١٨ : الأحوط (١) ترك السجود على القنّب (١).

[١٣٦٧] مسألة ١٩ : لا يجوز السجود على القطن ، لكن يجوز على خشبه وورقه (٢).

[١٣٦٨] مسألة ٢٠ : لا بأس بالسجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب ، وإن كانا ملبوسين ، لعدم كونهما من الملابس المتعارفة (٣).

[١٣٦٩] مسألة ٢١ : يجوز السجود على قشر البطيخ والرقّي والرمّان بعد الانفصال على إشكال ، ولا يجوز على قشر الخيار والتفاح ونحوهما (٤).

______________________________________________________

(١) بل هو الأقوى ، فإنّه نبات تصلح مادته للبس ولو بالعلاج ، من غزل ونسج كما في القطن والكتان ، فيشمله الاستثناء في قوله : « إلا ما لبس » ، فتصنع منه الأقمشة مما يسمى اليوم بالشعري ، وكذا غيره ولا يختص به ، كما تصنع منه الخيوط والحبال قبل التلطيف واستخراج الخليط. والظاهر أنّ ما يسمى بالفنطاز متخذ من هذه المادة.

وكيف ما كان فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز لكون اللبس من منافعه المتعارفة كما عرفت.

(٢) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة في صدر المبحث (١) وعرفت أنّ الأخبار في القطن والكتّان وإن كانت متعارضة إلا أنّ الأخبار المجوّزة محمولة على التقية ، فالأقوى عدم جواز السجود عليهما ، نعم لا بأس بالسجود على الخشب والورق ، ووجهه ظاهر.

(٣) الحال فيه هو الحال في القبقاب بعينه الذي عرفت جواز السجود عليه ، فانّ ذلك كله من الملابس غير المتعارفة فلا يشمله الاستثناء في قوله : « إلا ما أُكل أو لبس » كما هو واضح.

(٤) لا ينبغي الإشكال في الجواز في مثل قشر البطيخ والرقي والرمان بعد‌

__________________

(١) بل الأظهر ذلك.

(١) في ص ١٣٠.

١٦٦

[١٣٧٠] مسألة ٢٢ : يجوز السجود على القرطاس ، وإن كان متخذاً من القطن أو الصوف أو الإبريسم والحرير وكان فيه شي‌ء من النورة ، سواء كان أبيض أو مصبوغاً بلون أحمر أو أصفر أو أزرق أو مكتوباً عليه ، إن لم يكن مما له جرم حائل مما لا يجوز السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه ، وكذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل (١).

[١٣٧١] مسألة ٢٣ : إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه من الأرض ، أو نباتها أو القرطاس ، أو كان ولم يتمكن من السجود عليه لحرّ أو برد أو تقية أو غيرها ، سجد على ثوبه (١) القطن أو الكتّان (٢).

______________________________________________________

الانفصال ، فانّ الحال فيها هو الحال في قشر اللوز والجوز بعده الذي عرفت جواز السجود عليه ، لعدم صلاحيته للأكل ، بل قد عرفت الجواز فيهما حتى حال الاتصال ، فكذا في المقام لوحدة المناط ، وإن لم يكن بذاك الوضوح.

واحتمال التمسك بالاستصحاب بناء على المنع لما بعد الانفصال الذي لعله هو منشأ استشكال الماتن في المقام ، قد عرفت فساده هناك فلاحظ.

وأما قشر الخيار والتفاح وكذا الباذنجان ، فحيث إنّه قابل للأكل ولو بالعلاج فالمنع عنه متعيّن.

(١) تكلمنا حول هذه المسألة في صدر المبحث مستقصى (١) ، وعرفت أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس ، سواء اتخذ مما يصح السجود عليه أم لا ، لإطلاق النصوص ، نعم لو كانت عليه كتابة لها جرم حائل متخذ مما لا يصح السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه لا يجوز السجود عليه كما تعرّض له في المتن.

(٢) يقع الكلام في جهتين :

__________________

(١) لا يبعد جوازه على مطلق الثوب ، ولو كان من غير القطن والكتّان ، هذا في غير حال التقية ، وأمّا فيها فيجوز السجود على كلّ ما يتحقق به التقية.

(١) في ص ١٣٤.

١٦٧

إحداهما : في جواز الانتقال حال الاضطرار لفقد ما يصح السجود عليه ، أو عدم التمكن من استعماله لحرّ أو برد أو تقية إلى ما لا يصح السجود عليه اختياراً ومشروعية البدل ولو في الجملة.

الثانية : في ترتيب الأبدال بعضها على بعض ، وأنّ أياً منها يتقدم على الآخر.

أمّا الجهة الأولى : فالظاهر أنّ ذلك مما لا خلاف فيه ، وتقتضيه جملة من النصوص فيها الصحيح والموثق :

منها : رواية عيينة بيّاع القصب قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلي على الحصى ، فابسط ثوبي فاسجد عليه ، قال : نعم ، ليس به بأس » (١) ، وهذا الرجل مذكور في الاستبصار بلفظ عيينة (٢) كما ذكر وفي التهذيب بلفظ عتيبة (٣). والظاهر اتحادهما بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه كما استظهره في جامع الرواة (٤) وأنّ الاختلاف من الناسخين. والمذكور في النجاشي (٥) عتبة من دون الياء ـ (٦) ووثقه صريحاً ، فان كان الرجل هو عتبة الذي وثقه النجاشي كما هو الظاهر ، بل لعله المطمأن به ، كانت الرواية صحيحة ، وإلا فالسند مخدوش لجهالة غيره.

هذا من حيث السند ، وأمّا الدلالة ، فقد يخدش فيها بكونها أجنبية عن محل الكلام ، إذ الغالب في مفروض السؤال تمكن السائل من السجود تحت السقف أو وضع شي‌ء مما يصح السجود عليه على ثوبه من تراب أو خشب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ١.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٣٩ ، [ ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة ].

(٣) الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٣٩ ، [ ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة ].

(٤) جامع الرواة ١ : ٥٣٢ ، ٦٥٦.

(٥) رجال النجاشي ٣٠٢ / ٨٢٥ ، [ والموجود في النسخة التي بأيدينا هو عُيينة ].

(٦) يظهر من المعجم ١٢ : ١١٢ / ٧٥٧١ خلافه.

١٦٨

ونحوهما. على أنّه لو سلّم العجز فلم يفرض ضيق الوقت ، بل الظاهر سعته فله التأخير إلى أن يتمكن من التحصيل ولو بتخفيف حرارة الشمس كي يتمكن من السجود على الحصى ولو قبيل الغروب ، والمدار في العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل العجز المستوعب لمجموع الوقت المنفي في الفرض.

ويندفع : بأنّ الظاهر ولو بمعونة الغلبة أنّ مقصود السائل الدخول في مساجد العامة التي هي مواقع التقية ، ولا ريب أن الإعراض عن ذاك المكان أو وضع شي‌ء ممّا يصحّ السجود عليه على الثوب مخالف للتقية. وأما التأخير إلى آونة اخرى ترتفع معها التقية فغير لازم ، إذ العبرة فيها بالاضطرار حين العمل لا في مجموع الوقت كما تعرّضنا له في مبحث التقية (١) فالرواية تنطبق على محل الكلام وتعدّ من أدلّة المقام.

ومنها : صحيحة القاسم بن الفضيل قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد ، قال : لا بأس به » (٢).

وصحيحة أحمد بن عمر قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه ، فقال : لا بأس به » (٣).

وصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : « كتب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام : هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشي‌ء يكره السجود عليه؟ فقال : نعم لا بأس به » (٤).

ولا يقدح اشتمال سند الروايتين الأخيرتين على عبّاد بن سليمان المهمل في كتب الرجال ، لوجوده في أسانيد كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٢٦٧.

(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ٣٥٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

١٦٩

ثبوت وثاقة من كان في طريق هذا الكتاب ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي ونحوه.

نعم ، من لا يعتمد على التوثيق من هذا الطريق كانت الروايتان ضعيفتين عنده لمكان الرجل ، فما في بعض الكلمات من التعبير عن الأخيرة بالصحيح من دون الاعتماد على هذا الطريق ، ليس على ما ينبغي.

هذه هي الأخبار المعتبرة الواردة في المقام ، ومقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في الثوب بين المتخذ من القطن أو الكتّان وما اتخذ من غيرهما من صوف أو شعر ونحوهما.

وقد يدعى تقييدها بالأوّلين ، استناداً إلى صحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً » (١).

وفيه : أنّها ليست مما نحن فيه ، إذ لم يفرض فيها استيعاب الثلج لتمام الأرض بحيث لم يوجد مكان فارغ يصح السجود عليه ، بل غايته أنَّ الأرض باردة وأنّه يكون فيها الثلج ، ومجرد كونه فيها لا يقتضي الاستيعاب.

وعليه فيكون حاصل السؤال : إنا نكون في أرضٍ بعض مواضعها ثلج ، فهل يجوز السجود عليه أم يجب اختيار الموضع الفارغ عنه والتصدي لتحصيله كي يقع السجود على نفس الأرض؟ فأجاب عليه‌السلام بعدم الجواز ، وأنّه يجزئه أن يجعل بينه وبين الثلج شيئاً من القطن أو الكتّان.

وعلى هذا فتعدّ الصحيحة من الأخبار الدالة على جواز السجود على القطن والكتّان اختياراً ، التي تقدم (٢) لزوم حملها على التقيّة ، فلتحمل هذه أيضاً‌

__________________

(١) الوسائل ٥ / ٣٥١ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٧.

(٢) في ص ١٣١.

١٧٠

وإن لم يكن سجد على المعادن (١) أو ظهر كفه ، والأحوط تقديم الأوّل (١).

______________________________________________________

عليها ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، فيبقى الإطلاق في تلك الأخبار على حاله فليتأمل. فما صنعه في المتن من تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان في غير محلّه.

(١) هذه هي الجهة الثانية ، وقد ظهر لك مما سبق أنّ البدل الاضطراري الأوّل هو الثوب مطلقاً ، فهو مقدّم على غيره.

ثم إنّه بعد العجز عنه فما هي الوظيفة حينئذ؟ ذكر في المتن أنّه يتخير بين السجود على المعادن أو على ظهر كفه ، وأفاد قدس‌سره أنّ الأحوط تقديم الأوّل. وذكر بعضهم أنّ الأحوط تقديم الثاني.

أقول : لم يرد في المقام نص خاص يتضمن السجود على المعادن بل ولا على غيرها ، نعم هناك روايتان دلتا على السجود على ظهر الكف ، ولعلّهما المستند في الاحتياط الذي ذكره البعض المزبور.

إحداهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال : اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد » (١).

الثانية : روايته الأُخرى قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : يسجد على ظهر كفه فإنها إحدى المساجد » (٢).

لكنّ الأُولى ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير ، فإنه كما ورد فيه كان كذّاباً متهماً ملعوناً.

__________________

(١) أو على غيرها ممّا لا يصح السجود عليه في حال الاختيار.

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٥١ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٥ ، ٦.

١٧١

وكذا الثانية بإبراهيم بن إسحاق الأحمري فإنه ضعيف ، ولا جابر لهما لو سلّم كبرى الانجبار لعدم عمل المشهور بهما.

وبعد وضوح خلوّ المقام عن نص آخر فلا بد من ملاحظة ما تقتضيه القاعدة.

فنقول : مقتضى القاعدة حينئذ وجوب السجود على كل ما يتحقق معه عنوان السجود من دون مدخل لمسجد خاص.

أما أصل وجوب السجود وعدم الانتقال إلى الإيماء ، فلقاعدة الميسور المعتبرة في خصوص باب الصلاة ، كما يكشف عنه ما دل على عدم سقوطها بحال ، حيث يظهر منه وجوب الإتيان بالأجزاء والشرائط بقدر الإمكان ، لا سيّما وأنّ السجود يعدّ من الأركان ومما تتألف منه ومن الركوع والطهور حقيقة الصلاة كما أُشير إليه في حديث التثليث (١). وبما أنّ المفروض التمكن من الإتيان بأصل السجود ، وإنما المتعذر رعاية القيد المعتبر في المسجد وهو كونه من الأرض أو نباتها أو الثوب كما عرفت فهو المختص بالسقوط ، فتبقى ذات المقيد بحالها.

ومنه تعرف عدم الانتقال إلى الإيماء ، لعدم كونه من مراتب السجود فإنه إيماء إليه ، والإشارة تباين المشار إليه ، فهو بدل شرع لدى العجز عنه ، والمفروض التمكن منه ، ولا إطلاق لدليل البدلية يشمل صورة العجز عن قيده ، لاختصاص مورده بالمريض ونحوه ممّن لا يتمكن من أصل السجود.

وأما عدم مدخلية مسجد خاص ، فلعدم الدليل بعد خلوّ النصوص ، والأصل البراءة.

ونتيجة ذلك : جواز السجود بعد فقد الثوب على كل شي‌ء ، وأنّ الأبدال كلها في عرض واحد وعلى حد سواء ، من دون فرق بين المعادن ونعني‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٨٩ / أبواب السجود ب ٢٨ ح ٢.

١٧٢

[١٣٧٢] مسألة ٢٤ : يشترط أن يكون ما يسجد عليه مما يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يصح على الوحل والطين والتراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه ، ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين ، ولكن إن لصق بجبهته يجب إزالته للسجدة الثانية (١) ، وكذا إذا سجد على التراب ولصق بجبهته يجب إزالته لها ، ولو لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع (٢) من غير اعتماد (١).

______________________________________________________

بها ما لا يصح السجود عليه اختياراً كالذهب والفضة وغيرها حتى ظهر الكفّ. وما ذكره في المتن من الاحتياط في عدم السجود عليه مع وجود المعدن ، كأنّه ناظر إلى أنّه من أحد المساجد ، فهو مما يسجد به فلا يكون مما يسجد عليه ، لاستظهار المباينة بينهما ، فان تمّ ذلك فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن كل ما يمكن السجود عليه ، وإلا كان في عرضها.

(١) تتضمن المسألة فروعاً أربعة :

الأوّل : أنّه يشترط في المسجد أن يكون ممّا يمكن وضع الجبهة عليه وتمكينها منه ، فلا يصح على الوحل أو الطين أو التراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه.

وتدل عليه مضافاً إلى عدم تحقق مفهوم السجود حينئذ ، لتقومه بالوضع المتوقف على الاعتماد المنفي مع عدم التمكين ، فالاشتراط المزبور مطابق للقاعدة موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألت عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض » (١).

الثاني : أنّه لا بأس بالسجود على الطين إذا أمكن تمكين الجبهة وتثبيتها‌

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) الظاهر وجوب الإيماء في هذا الفرض.

(١) الوسائل ٥ : ١٤٣ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٩.

١٧٣

عليه ويدلُّ عليه مضافاً إلى إطلاقات الأدلة ، بعد وضوح عدم خروج الطين عن مفهوم الأرض ، فإنه تراب ممزوج مع الماء ، فهو أرض رطبة ، فيندرج تحت إطلاق الأدلة مفهوم موثقة عمار المتقدمة آنفاً ، إذ المفروض هنا عدم استغراق الجبهة وحصول الثبوت على الأرض.

الثالث : لو سجد على الطين أو التراب أو التربة الحسينية ( على مشرفها السلام ) فلصق بجبهته ، حكم قدس‌سره بوجوب إزالته للسجدة الثانية ، وهذا هو المعروف ، وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد اللصوق لا يصدق وضع الجبهة على الأرض ، لحيلولة الطين مثلاً بينهما ، وإنما يصدق وضع الطين عليها دون الجبهة نفسها فإنها كانت موضوعة حال اللصوق ، ولا بدّ من إحداث هذا العنوان المنفي في المقام ، فإنه إبقاء لما كان لا إحداث للسجود.

أقول : مجرد اللصوق ليس من السجود في شي‌ء ، فإنه متقوم بالوضع المتوقف على الاعتماد ، فقبل وضع الجبهة بما عليها من الطين على الأرض لا سجود ، وإنما هناك مجرد اللصوق بجزء من أجزاء الأرض ، وبعد وضع المجموع على الأرض أو على غيرها وإن لم يصح السجود عليه يتحقق اعتماد الجبهة على الطين ، فيتحقق السجود حينئذ ويحدث بعد ما لم يكن.

والحاصل : أنّا لا نضايق من اعتبار الأحداث في امتثال الأمر بالسجود وغيره من سائر الأفعال ، ولا يجزئ الإبقاء ، ومن هنا استشكلنا في صحة الوضوء أو الغسل الترتيبي بمجرد التحريك تحت الماء كما مرّ في محله (١). لكن الإحداث متحقق في المقام من دون حاجة إلى الإزالة ، فكما أنّا لو ألصقنا أحد الجسمين بالآخر ووضعنا المجموع على الرف يصدق معه حدوث وضع الجسم الفوقاني على التحتاني بعد أن لم يكن موضوعاً عليه ، بل كان مجرد اللصوق معه ، فكذا في المقام لا يصدق وضع الجبهة على الطين أو التراب أو‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ١٠٢ ، العروة ١ : ٢٠٠ / ٦٦٤.

١٧٤

التربة إلا عند الاعتماد عليها والهوي إلى السجود ، فلا حاجة إلى الإزالة لتحقق مفهوم السجود بدونها ، وإلا لجاز له السجود مرّة أو مرّات عمداً أو سهواً بعنوان الشكر أو بغيره مع تلك الحالة ، لعدم استلزام الزيادة في السجدة قبل الإزالة ، لاعتبارها في تحقق مفهومه حسب الفرض ، ولا يظن الالتزام به من أحد.

فما أفاده في المتن من الوجوب مبني على الاحتياط ، والأقوى عدمه (١) فتدبر جيداً.

الرابع : ذكر قدس‌سره أنّه إذا لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد ، وهذا مشكل جدّاً لما عرفت آنفاً من تقوم السجود بالاعتماد ، فمجرد الإلصاق والوضع العاري عنه ليس من حقيقة السجود في شي‌ء ، بل هو مباين له ماهية ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاقتصار عليه استناداً إلى قاعدة الميسور ، لعدم كونه من مراتبه بعد مباينته له ذاتاً ، فلا يعدّ ميسوراً منه ، فلا مناص من الانتقال إلى الإيماء المجعول بدلاً لكل من كان عاجزاً عن السجود.

وبعبارة اخرى : بعد سقوط السجود لمكان العجز ، فجواز الاقتصار على الوضع من غير اعتماد يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتعيّن هو الإيماء الثابت بدليته لمن لم يتمكن من السجود.

ويشهد لما ذكرناه : موثق عمار المتقدم (٢) الصريح في عدم الأمر بالسجود لدى عدم التمكن من تثبيت الجبهة على الأرض.

وموثق أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من كان في مكان لا‌

__________________

(١) ولكنه ( دام ظله ) عدل عن ذلك في مبحث السجود وجعل الأقوى وجوب الرفع لاحظ [ العروة ١ : ٤٩٧ / ١٦١٠ ].

(٢) في ص ١٧٣.

١٧٥

[١٣٧٣] مسألة ٢٥ : إذا كان في الأرض ذات الطين بحيث يتلطخ به بدنه وثيابه في حال الجلوس للسجود والتشهد ، جاز له الصلاة مومئاً للسجود ولا يجب الجلوس للتشهد ، لكن الأحوط مع عدم الحرج الجلوس (*) لهما ، وإن تلطّخ بدنه وثيابه ، ومع الحرج أيضاً إذا تحمله صحت صلاته (**) (١).

______________________________________________________

يقدر على الأرض فليوم إيماء » (١) ، ولا يقدح اشتمال السند على أحمد بن هلال لما مرّ في بعض المباحث السابقة من قبول رواياته ، ولا ريب أنّ إطلاقه شامل للمقام ، لصدق عدم القدرة على الأرض.

ومنه تعرف أنّ قاعدة الميسور على تقدير تماميتها لا تعمّ المقام ، لاختصاصها بما إذ لم يعيّن الشارع شيئاً بدلاً عن المعسور ، وقد ثبتت بدلية الإيماء عن السجود في المقام كما عرفت ، فالحكم بالوضع من غير اعتماد يشبه الاجتهاد في مقابل النص.

(١) يقع الكلام في جهتين :

الأُولى : إذا كان في أرضٍ ذات طين بحيث لو جلس للسجود والتشهد تلطّخ بدنه وثيابه ، فلا إشكال في جواز الصلاة مومئا إذا كان السجود حرجياً ، لعموم دليل نفي الحرج الحاكم على الأدلة الأولية. مضافاً إلى صريح موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته : الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافاً ، قال يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى ، فاذا رفع رأسه من الركوع فليوم بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ، ويتشهد وهو قائم ويسلم » (٢).

__________________

(*) بل هو الأظهر.

(**) الحكم بالصحة لا يخلو من إشكال ، والأحوط الصلاة مع الإيماء.

(١) الوسائل ٥ : ١٤١ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ١٤٢ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٤.

١٧٦

إنّما الكلام في أنّ الحكم هل يختص بمورد الحرج ، أو يعمّه وما إذا لم يترتب سوى تلطخ الثياب والبدن من دون حرج في ذلك ، كما إذا كان متّزراً وهو على الساحل والهواء حارّ بحيث لو سجد يمكنه التنظيف بعدئذ من غير مشقة؟

مقتضى الجمود على النص هو الأوّل ، فإنّ الظاهر من قول السائل : « وهو في موضع لا يقدر .. » إلخ بعد امتناع الحمل على عدم القدرة عقلاً لندرته جدّاً كما لا يخفى ، هو عدم القدرة عرفاً المساوق للحرج ، فيحتاج التعدي والتعميم لما لا يستلزمه إلى دليل أو قرينة تقتضيه.

وقد يقال : إنّ القرينة عليه هو قوله : « ولا يجد موضعاً جافاً » ، حيث إنّ فرض عدم وجدان موضع جاف بمقدار ما تسعه الجبهة المستلزم لكون السجود حينئذ حرجياً فرض نادر ، فلا بدّ وأن يكون الموضوع لبدلية الإيماء مجرد تلطخ الثياب وتلوّثها بالطين من دون فرق بين أن يكون السجود والجلوس له وللتشهد حرجياً وأن لا يكون.

وفيه أوّلاً : أنّ السؤال عن الفرد النادر على تقدير تسليمه لا قبح فيه ، وإنّما القبيح حمل المطلق على الفرد النادر ، والمقام من قبيل الأوّل ، والفرق بين الأمرين لا يكاد يخفى.

وثانياً : أنّ مفروض السؤال إصابة المطر المستوجب لاستيعاب وجه الأرض ، وبطبيعة الحال لا يوجد معه مكان جاف بمقدار ما يسعه بدن المصلي حين صلاته في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ، فلا يكون ذلك من الفرد النادر. نعم لو أريد عدم وجدان موضع جاف لخصوص المسجد وموضع الجبهة تمت الندرة حينئذ ، لكنّ المراد ما ذكرناه كما لا يخفى.

وعليه ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور قوله : « لا يقدر .. » إلخ في إرادة عدم القدرة العرفية المساوقة للحرج.

فالإنصاف : أنّه لا دليل على جواز الانتقال إلى الإيماء بمجرد التلطخ‌

١٧٧

والثلوث ، بل الحكم خاص بمورد الحرج ، والمتعيّن في غيره السجود عملاً بإطلاق دليله.

الجهة الثانية : لو تحمّل الحرج في مورده فصلى مع السجود ، فهل يحكم بصحة الصلاة حينئذ؟

قد يقال بذلك كما اختاره الماتن قدس‌سره ، بدعوى أنّ دليل نفي الحرج حيث شرع لأجل الامتنان فلا يرتفع به إلا الإلزام دون أصل المحبوبية ، لعدم المنّة في رفعها ، فالمقتضي لصحة العبادة موجود ومعه لا وجه لفسادها.

أقول : قد تقدّم نظير الفرع في كتاب الطهارة (١) وهو ما لو كان الوضوء أو الغسل حرجياً فتحمّله وأتى بالطهارة المائية ، وقلنا هناك إنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان ، لأنّ دليل نفي الحرج حاكم على الأدلة الأوليّة وموجب لتخصيص موضوعاتها بغير موارد العسر والحرج ، فلا أمر في هذه الموارد ، وواضح أنّ الأمر تكليف بسيط وحداني لا ينحل خارجاً إلى طلب وإلزام كي يبقى الجنس بعد ارتفاع الفصل ، ولا طريق لنا إلى استكشاف الملاك من غير ناحية الأمر.

وعليه فبعد سقوطه ولو بدليل نفي الحرج ، لا دليل على وجود المقتضي لصحة العبادة كي يصح التعبد بها. نعم الدليل في خصوص موردي الوضوء والغسل موجود ، وهو ما دلّ على استحبابهما النفسي غير القابل لارتفاعه بدليل نفي الحرج بعد وضوح كون الحكمة في تشريعه هو الامتنان ، إذ لا منة في رفع الحكم الاستحبابي بعد كون المكلف مرخصاً في تركه ، فلا مانع من الإتيان بالطهارة المائية بقصد أمرها النفسي وإن استلزم الحرج ، لاتصافها حينئذ بالعبادية.

وبعبارة اخرى : للطهارة المائية حيثيّتان : حيثية الاستحباب النفسي ،

__________________

(١) شرح العروة ١٠ : ١١٥.

١٧٨

[١٣٧٤] مسألة ٢٦ : السجود على الأرض أفضل (١) من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فإنها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرضين السبع.

[١٣٧٥] مسألة ٢٧ : إذا اشتغل بالصلاة وفي أثنائها فقد ما يصح السجود عليه قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق (١) يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب (٢) (٢).

______________________________________________________

وحيثية الوجوب الشرطي وتقيد الصلاة مثلاً بها ، والمرتفع بدليل الحرج إنما هي الحيثية الثانية المتضمنة للإلزام ووقوع المكلف في كلفة وضيق ، وأمّا الحيثية الأُولى فبما أنّه لا إلزام فيها والمكلف مخيّر بين الفعل والترك ، فلا يرتفع بذاك الدليل لعدم منّة في رفعه ، فعبادية العمل محرزة ، فيمكن التقرب به وإن تحمّل الحرج.

وأما غيرها ومنه المقام فحيث لم يكن في مورده إلا أمر واحد وقد سقط على الفرض ، فلم تحرز عباديته كي يحكم بصحته.

فالأقوى في المقام عدم صحة الصلاة مع السجود ، ولزوم الانتقال إلى الإيماء الثابت بدليته لدى سقوط الأمر بالسجود كما مرّ.

(١) لروايات (١) دلت عليه وعلى أفضلية التراب ، وكذا أفضلية التربة الحسينية ( على مشرّفها آلاف السلام والتحية ) وأنّها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرض كما لا يخفى على من لاحظها ، ولا يهم التعرض لها.

(٢) فصّل قدس‌سره حينئذ بين السعة والضيق ، فيقطعها في الأوّل ، وفي الثاني يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب.

__________________

(١) بأن لا يتمكن من إدراك ركعة جامعة للشرائط.

(٢) على النحو المتقدّم [ في المسألة ١٣٧١ ].

(١) راجع الوسائل ٥ : ٣٦٧ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٧ ، ٣٦٥ ب ١٦.

١٧٩

أقول : قد عرفت أنّ الترتيب المزبور لا دليل عليه ، وعليه ففي الضيق حتى عن درك ركعة واحدة مشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه إن تمكّن من السجود على الثوب مطلقاً ، وإلا فيسجد على كل ما يمكن السجود عليه من دون ترتيب.

وأما في السعة ، فالصحيح هو ما أفاده من وجوب القطع ، من غير فرق بين قدرته فعلاً على ما يصح السجود عليه لوجوده عنده في مكان آخر وبين عدم قدرته عليه إلا بانتظار زمان آخر قبل خروج الوقت. وبعبارة اخرى : لا فرق في ذلك بين الأفراد العرضية والطولية ، والوجه في ذلك : أنّ الواجب عليه هو الصلاة المشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه في مجموع الوقت ، والمفروض قدرته على هذه الطبيعة ، فلا وجه لسقوط أمرها. فكلّ ما صدقت عليه هذه الطبيعة يحكم بصحته وإلا فلا ، وحيث لا يمكنه تطبيقها على هذا الفرد فلا يسعه الاجتزاء به ، لعدم تحقق الامتثال المنتزع من مطابقة المأتي به مع المأمور به ، وعليه فالصلاة بنفسها باطلة ومحكومة بالفساد ، فإنه في باب العبادات عبارة عن عدم انطباق المأمور به على المأتي به ، كما أنّ الصحة عبارة عن تطابقهما ، وهذا هو المراد من وجوب القطع في المقام كما لا يخفى.

وربما يفصّل بين الأفراد العرضية والطولية ، فيحكم بالفساد في الأوّل لما ذكر ، وأما في الثاني فيبتني على جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه ، والمختار هو الثاني ، إلا أن تكون لدليل البدلية خصوصية تقتضي الجواز ، ونصوص المقام من هذا القبيل ، لإطلاقها من حيث التمكن مما يسجد عليه فيما بعد وعدمه ، بل إنّ بعضها كالصريح في الأوّل ، فإنّ حرارة الرمضاء المانعة عن السجود على الحصى إنما تكون في أوائل وقت الظهر فجوّز عليه‌السلام البدار إلى السجود على الثوب مع زوال العذر بعدئذ والتمكن من الفرد الطولي.

ويرد عليه : بعد تسليم الإطلاق في هذه الأخبار ، فإنّها مسوقة لبيان أصل مشروعية البدل ولا نظر فيها إلى التمكن بعدئذ وعدمه حتى ينعقد الإطلاق‌

١٨٠