بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

ذكر ... إلى آخره ) (١) مبنيّ على هذه الملاحظة ، وإن قيل بدلالة هذه العبارات أو بعضها وإن لم يكن من نقل الإجماع يقينا على نقل السّبب.

وإن كان هنا وهم من بعض من لا خبرة له : أنّ نقل لازم السّنة أينما وجد نقل للسّنة التزاما وإن لم يكن نقلا لها بالتضمّن هذا.

(١٧) قوله قدس‌سره : ( وإن أطلق الإجماع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ إرادة المعنى المصطلح ممّا ذكر قد يحتاج إلى مسامحة كما يكون الأمر كذلك على طريقة المتقدّمين المبنيّة على دخول القولي فيما كان هناك مخالف علم عدم قدح مخالفته ، مع العلم بوجود الإمام في المجمعين من حيث تنزيل الخارج منزلة عدمه.

أو طريقة الشّيخ وأتباعه المبنيّة على اللطف ؛ من حيث ضم المنكشف إلى الكاشف والخارج إلى الدّاخل. وقد يحتاج إلى مسامحتين كما في طريقة المتأخّرين على ما عرفت الإشارة إليه في قوله السّابق : ( وفي إطلاق الإجماع على هذا مسامحة في مسامحة ) (٢).

(١٨) قوله قدس‌سره : ( وهذا في غاية القلّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٢ )

أقول : قد عرفت : أنّه لا يمكن تحقّقه إلاّ في زمان الحضور ، بل الكلام في وجود الطّريق إليه في زماننا هذا وأشباهه من الحدس أو النّقل كما أثبته في المعالم ؛ فإنّه علم أنّ نقلة الإجماع في الكتب لم يقفوا على الإجماع الاصطلاحي

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٩٢.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ١٨٩.

٦١

ولا طريق من العادة إليه في زمان الحضور ، وإن كان هناك إجماع من الأصحاب في زمان الغيبة ؛ فإنّ غاية ما هناك كشفه عن اتّفاق أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام الكاشف عن تلقّي الحكم عنهم عليهم‌السلام وأين هذا من الإجماع الدّخولي؟ ومن هنا التجى الشّيخ قدس‌سره ـ كما صرّح به في مواضع من كتبه ـ إلى طريقة اللّطف فإذا علم استناد الحاكي إلى هذه الطّريقة فلا معنى لتصديقه.

ومن هنا قد يغلب على الظّن كون مبنى الإجماعات المنقولة في كلمات المتقدّمين القائلين بهذه الطّريقة ـ على ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ على الحدس المذكور في كلمات المتأخّرين ، وأنّ قولهم بهذه الطّريقة : إنّما هو من جهة عرض العامّة الإجماع الاصطلاحي عليهم الّذي يشتمل على قول المعصوم عليه‌السلام لا محالة ؛ فلم يجدوا بدّا من قبوله ، كما ذكره السيّد قدس‌سره إلاّ أن يكون مبنى تمام الإجماعات الّتي يستندون إليها في المسائل على هذه الطّريقة.

(١٩) قوله قدس‌سره: ( ولا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٣ )

في بيان عدم جواز الإستناد في دعوى الإجماع إلى قاعدة اللطف

أقول : قد عرفت الإشارة إلى عدم صحّته ، وأنّ الّذي يجب من باب اللّطف على الحكيم تعالى إرسال الرّسل وتبليغ الأحكام على النّحو المتعارف ؛ بحيث لو لا تقصير المقصّرين لبلغ الحكم إلى كلّ مكلّف حتّى المخدّرات في الحجال. وكذا يجب عليه نصب الحافظ للأحكام لصونها من الضّياع والاختفاء بعد بيان الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها إذا كان محفوظا من شرّ الأشرار ؛ فإذا كان هناك مانع من ظهور

٦٢

الإمام ( عجّل الله فرجه ) وإرشاده المكلّفين ، فلا يلزم خلاف لطف على الحكيم تعالى.

ألا ترى أنّ أكثر الأئمّة عليهم‌السلام في أزمنة ظهورهم وحياتهم لم يكونوا يتصرّفون كمال التّصرف من جهة التّقيّة والمصالح الظّاهرة والخفيّة؟ فكذا الإمام الغائب عن أنظارنا عليه‌السلام من جهة الموانع والجهات الظّاهرة والخفيّة ، لا يجب عليه التّصرف الظّاهري وإن كان فيوضاتها الغيبيّة والظّاهرة فائضة علينا بل على كلّ موجود هذا.

مع أنّ وجود الكتاب والسّنة المتكفلين للحكم الّذي أجمعوا على خلافه ، كيف يكون كافيا وقاطعا للعذر مع خطأ المجمعين؟ هذا. مع أنّ خطأ الكلّ والبعض ، كيف يكون فارقا بين وجوب اللّطف؟ إلى غير ذلك من وجوه عدم صحّة هذه الطّريقة المذكورة في مسألة الإجماع المحقّق.

فإذا علم استناد الحاكي لقول الإمام عليه‌السلام المستكشف من الاتّفاق ، أو الحاكي للاتّفاق الكاشف عن قول الإمام عليه‌السلام المنضمّ إلى أقوال المجمعين مسامحة إلى هذه الطريقة ، فلا وجه للاعتماد على حكايته من جهة نقل السّنة. وأمّا الاعتماد على الحكاية من جهة نقل السّبب فهو أمر آخر ، سيجيء الكلام فيه.

وقد تقدّم : أنّ الإجماعات المحكيّة في كلام الشّيخ قدس‌سره مبنيّة على هذه الطّريقة ، مع أنّ مشاركته للمتقدّمين في الطّريقة المتقدّمة على تقدير التّسليم لا يجدي نفعا أصلا ؛ لما عرفت : من فساد الاستناد إليها في الاستكشاف أيضا ؛ فأمر إجماعاته مردّد بين أمرين لا جدوى فيهما ، مع أنّه على تقدير الجدوى في أحدهما لا معيّن له في كلامه حتّى يحمل عليه ؛ فالمقالة الصّادرة عن بعض

٦٣

المتأخّرين في مستند إجماعاته لا يجدي شيئا على تقدير تسليمها إغماضا عن الكلمات المحكيّة في « الكتاب » للشّيخ ، الصّريحة في خلافها.

(٢٠) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ الاستناد إلى هذا الوجه ظاهر من كلّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٦ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره من ظهور الاستناد إلى قاعدة اللّطف : من كلّ من اشترط في تحقّق الإجماع اتّفاق جميع علماء العصر وقدح المخالف في حجيّته ـ ولو كان واحدا بل قدح عدم موافقته ولو كان متردّدا ، كما يظهر من الفخر (١) ممّا حكي عنه في « الكتاب » (٢) ، كما هو ظاهر كلام المشترط بل صريحه عند التّأمّل ، لا في تحقّق موضوعه بحسب الاصطلاح ـ أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

فإنّ من المسلّمات عندهم عدم قدح مخالفة معلوم النّسب في الحجيّة على طريقة المتقدّمين والمتأخّرين فيتعيّن أن يكون مبناه على قاعدة اللّطف ؛ فإنّه وإن لم يستفد من كلام الشّيخ قدس‌سره منع مطلق المخالفة عن وجوب الرّدع ، إلاّ أنّ صريح غير واحد ـ مثل المحقّق الدّاماد على ما هو مقتضى كلامه المحكي في « الكتاب » وغيره ـ : أنّ الذي يقتضي اللّطف موافقة رأي بعض العلماء في كلّ عصر لرأي الإمام عليه‌السلام ، فإذا كان هناك مخالف لا يحكم من جهة قاعدة اللّطف بحقيّة ما اتّفق عليه الباقون.

__________________

(١) فخر الدّين وفخر المحققين لقب اختص به أبو طالب محمّد ( ٦٨٢ ـ ٧٧١ ) بن العلاّمة أبي منصور جمال الدين الحسن بن سديد الدين يوسف بن المطهّر الأسدي الحلّي أحد أعلام هذه الطائفة وشيوخها ويحقّ للطائفة بحقّ أن تعتزّ به وبأبيه وجدّه حيث لهم الأيادي البيضاء المشرقة في إعلاء كلمة المذهب.

( ٢ و ٣ و ٤ و ٥ ) فرائد الأصول : ج ١ / ١٩٦.

٦٤

(٢١) قوله : ( قال في الإيضاح في مسألة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٦ )

مراد فخر المحققين في الإيضاح

أقول : مراده كما هو واضح : عدم إبطال ذكر الحكم الأوّل على التّقديرين. كما أنّ قوله : ( لبيان عدم انعقاد بإجماع أهل عصر الاجتهاد الأوّل ) (١) ـ تعليل لعدم إبطال ذكر الحكم الأوّل. وفيه دلالة واضحة على أنّ خلاف الفقيه الواحد لأهل عصره يمنع من انعقاد الإجماع في هذا العصر على خلافه ؛ فإذا رأينا فتوى فقيه في مسألة في عصر يعلم عدم تحقّق الإجماع على خلافها ، كما أنّه يعلم من عدوله عدم انعقاد الإجماع على طبقها.

وقوله : ( وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثّاني على كلّ واحد منهما ... إلى آخره ) (٢) تعليل لذكر التّردد ، مع أنّه لا فائدة فيه في باديء النّظر ، كما أنّ الفائدة ظاهرة لذكر الحكم الثّاني إذا كان على خلاف الحكم الأوّل ؛ ولذا لم يذكر نكتة لذكره. وفيه دلالة واضحة على قدح عدم موافقة فقيه واحد في انعقاد الإجماع فضلا عن مخالفته.

وكذا فيما حكاه عن الشّهيد في « الذّكرى » ، وعن ثاني المحقّقين في « حاشيته على الشّرائع » ، دلالة واضحة على قدح مخالفة الفقيه الواحد في انعقاد الإجماع واعتباره ، لا في مجرّد انعقاد الإجماع الاصطلاحي. وإلاّ لم يكن فيه دلالة على بطلان قول الميّت فتدبّر ، بل ظاهرهما عند التّأمّل نسبة ذلك إلى الأصحاب.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٩٦.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ١٩٦.

٦٥

(٢٢) قوله قدس‌سره : ( مع بعدها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٧ )

أقول : سيجيء ذكر الوجوهات وبيان بعدها. والمقصود في المقام : بيان قدح المخالفة في انعقاد الإجماع عند الشّهيد بل عند غيره ، بزعم الشّهيد الدّاعي له إلى صرف كلام مدّعي الإجماع مع وجود المخالف إلى غير ظاهره.

والقول : بأنّ المقصود قدح المخالفة في تحقّق الإجماع الاصطلاحي ، كما ترى.

(٢٣) قوله قدس‌سره : ( أحدها أن يحصل له الحدس إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٨ )

أقول : المراد من هذا الوجه : أن يحصل له العلم بمقالة المعصوم عليه‌السلام من فتاوى من كان آرائهم من اللّوازم العادية لرأي الإمام عليه‌السلام بحيث يعلم أنّ توافقهم في المسألة النّظريّة لا يكون عادة إلاّ من جهة متابعة رأي الإمام عليه‌السلام الواصل إليهم يدا بيد ، فهو الدّاعي على اتفاقهم في المسألة مع شدّة اختلافهم في أكثر المسائل وتباين أنظارهم وأفكارهم.

فلا بدّ أن يكون طريق النّاقل إليها الوجدان والتتبّع والاطلاع الحسّي وأن يكون تلك الفتاوى ؛ بحيث لو اطّلع عليها غير النّاقل لحصل العلم الضّروري له من طريق الحدس بمقالة المعصوم عليه‌السلام : بأن حصل له العلم بمقالة المعصوم عليه‌السلام من وجدان فتاوى جميع أهل الفتوى ممّن عاصره وتقدّم عليه مع كثرة المفتين ؛ فإنّه لا إشكال في كون هذه المرتبة والدّرجة سببا للعلم بمقالة المعصوم عليه‌السلام لكلّ من وقف بها واطلع عليها.

٦٦

(٢٤) قوله قدس‌سره : ( وحيث لا دليل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٩ )

الدليل الصالح منحصر في آية النبأ وهو قاصر

أقول : قد عرفت فيما سبق في الأمر الأوّل : أن الدّليل الصّالح لأن يستدلّ به في غير الرّوايات على تقدير تسليم دلالته على حجيّة خبر الواحد آية النّبأ.

كما أنّك عرفت : أنّ مدلولها الاعتناء باحتمال التّعمد في الكذب عن خبر العادل لا نفي الاعتناء بجميع الاحتمالات والبناء على تصويبه ، فينحصر مدلولها في نفي سائر الاحتمالات عنه بالأصول العقلائية الغير الجارية إلاّ في الإخبار عن الأمور الحسيّة مع ضبط المخبر ، أو عمّا يلازمها عادة كالإخبار عن الملكات المستند إلى مشاهدة لوازمها وآثارها.

فإن علم أنّ حكايته لمقالة المعصوم عليه‌السلام مستندة إلى مشاهدة ما يلازمها عادة كالقسم الأوّل ، فلا ريب في اعتبارها سواء كان باعتبار المستكشف المنضمّ إلى الكاشف كما هو المفروض ومحلّ الكلام ، أو باعتبار الكاشف ؛ نظرا إلى ما عرفت : من أنّ مدار الحجيّة في الطّرق أوسع من الأصول.

وإن لم يعلم بذلك سواء علم باستناده إلى ما يلازمه من القسمين الأخيرين أو لم يعلم الحال ، فلا إشكال في الحكم بعدم حجيّته نظرا إلى أصالة عدم الحجيّة في المشكوك.

(٢٥) قوله قدس‌سره : ( فإمّا أن يجعل الحجّة نفس ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٩ )

أقول : لا يخفى عليك ما في التّعبير المذكور من المسامحة ، فالأولى أن يقال بدل ذلك : فإمّا أن يجعل الحجّة إخباره لمقالة المعصوم عليه‌السلام المستكشفة على تقدير

٦٧

انضمامها إلى الكاشف ووقوع الإخبار بالمجموع على ما هو المفروض.

ومنه يعرف الوجه فيما أفاده السيّد الشّارح « للوافية » بقوله : ( على أنّ التّحقيق في الجواب هو الوجه الأوّل ... إلى آخره ) (١) فإنّ إرجاع الإخبار بالفتاوى إلى الإخبار بمقالة المعصوم عليه‌السلام يحتاج إلى ملاحظة زائدة لا حاجة إليها بعد فرض اعتبار الإخبار بنفس الاتّفاق فيما كان ملازما لقول الإمام عليه‌السلام.

(٢٦) قوله قدس‌سره : ( قلت : [ إنّ ] (٢) الظّاهر ... إلى آخره ) (٣). ( ج ١ / ٢٠١ )

الإجماع حقيقة في إتفاق أهل عصر واحد

أقول : لما استند في السّؤال إلى ظهور لفظ الإجماع بحسب الاصطلاح في اتّفاق الكلّ ـ على ما اعترف به شيخنا قدس‌سره فيما تقدّم من كلامه ـ أجاب عنه بما

__________________

(١) الوافي في شرح الوافية ( مخطوط ) انظر الورقة ١٥٠ للسيّد محسن الفقيه الأعرجي الكاظمي.

(٢) أثبتناها من الكتاب.

(٣) قال سيّد العروة قدس‌سره :

« هذا في محل المنع بالنسبة إلى الإجماعات التي يدعيه واحد من الشيعة إذ كثيرا ما يدّعي أحدهم إجماع من عدا فلان ممن تقدّم عصره ، فلو كان المراد من الإجماع إتفاق أهل عصر واحد كان اللازم أن يدّعيه الإجماع المطلق.

نعم ، من يدعي الإجماع معتذرا بانقضاء عصر المخالف كلامه ظاهر في أنّ الإجماع إتّفاق أهل عصر واحد ، كما أنّ الإجماع عند العامّة أيضا كذلك ولعلّ قول المصنّف [ الأنصاري ] : ( كما يظهر من تعاريفهم ... إلى آخره ) ناظر إلى تعاريف العامة. فافهم ». حاشية فرائد الأصول : ج ١ / ٣٨٧

٦٨

تقدّم : من كونه حقيقة بالاتفاق في إجماع أهل عصر واحد لا جميع الأعصار ، فليس ظاهرا في معنى يلازم مقالة المعصوم عليه‌السلام ، فهذا لا ينافي ما استظهره ـ فيما سيجيء من كلامه ـ : من ظهوره في اتّفاق جميع علماء الأعصار أو أكثرهم إلاّ من شذّ كما هو الغالب في إجماعات مثل الفاضلين والشّهيدين قدّس الله أسرارهم. فإنّ هذا الاستظهار مستند إلى أمر خارج عن نفس اللّفظ هذا كلّه.

مضافا إلى وجود الصّارف القطعي عن إرادة المعنى الاصطلاحي على ما عرفت من الإجماعات المتداولة في ألسنتهم للعلم بعدم اطّلاع المدّعي عليه بطريق الحسّ والسّماع.

اللهمّ إلاّ على طريق المسامحة من حيث ضمّ المستكشف بحكم العادة إلى الكاشف ، مع أنّه على تقدير عدم وجود الصّارف لا يحتاج اندراجه في الكليّة المستفادة من آية النّبأ إلى تكلّف إثبات الملازمة بين اتّفاق الكلّ ومقالة المعصوم عليه‌السلام حتّى يتوجّه عليه المنع بما أفاده في السّؤال. فلعلّ السّؤال المذكور مبنيّ على الأخذ بظهور اللّفظ بعد رفع اليد عنه بقدر ما قام القاطع على عدم إرادته من الإخبار عن مقالة المعصوم عليه‌السلام تضمّنا على ما هو ظاهر معناه الاصطلاحي.

ثمّ إنّ ما أفاده من عدم التّلازم بين اتّفاق الكلّ في عصر ومقالة المعصوم عليه‌السلام أمر ظاهر لا سترة فيه ، سواء كان أهل العصر قليلين يمكن الاطلاع على آرائهم من طريق الحسّ والسّماع أو كثيرين يتعسّر الاطّلاع على آرائهم من طريق السّماع ، فالّذي يلازم مقالة المعصوم عليه‌السلام وهو اتّفاق جميع أهل عصره وأهالي الأعصار السّابقة ، يعلم عادة عدم تحصيل المدّعي له من طريق الحسّ. والّذي يمكن تحصيله من طريق الحسّ كاتّفاق أهل عصره أو هو مع آراء المعروفين من أهالي

٦٩

الأعصار السّابقة ، لا يلازم عادة لمقالة المعصوم عليه‌السلام.

ثمّ على تقدير إمكان تحصيل ما يلازم مقالة المعصوم عليه‌السلام لمدّعي الإجماع لم يكن هناك ما يعينه ، فالمرجع أصالة عدم الحجيّة على ما عرفت.

(٢٧) قوله قدس‌سره : ( أحدها : أن يراد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ اتّفاق المعروفين إذا أريد به اتّفاق أهل عصره وسائر الأعصار المتقدّمة ، لا يمكن تحصيله عادة من طريق الحسّ وإن سلم التّلازم بينه وبين مقالة المعصوم عليه‌السلام ؛ لأنّ كل معروف ليس له كتاب معروف بأيدي الفقهاء ؛ مع أنّ تحصيل فتوى فقيه في بعض كتبه إذا كان له كتب متعدّدة في الفتوى لم يعلم حال جميعها ولو من جهة فقد بعضها ، لا يجدي في نسبة الفتوى إليه.

(٢٨) قوله قدس‌سره : ( الثّاني : أن يريد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٢ )

أقول : المراد إجماع الكلّ في جميع الأعصار لا في خصوص عصر المدّعي. ومن المعلوم ضرورة عدم التّلازم بين اتّفاق أهل عصر وبين اتّفاق أهل غيره من الأعصار ، فضلا عن اتّفاق المعروفين منه ، وإن كانت الغلبة مسلّمة إلاّ أنّها لا يجدي في المقام أصلا كما لا يخفى.

وأوهن منه في طريق تحصيل اتّفاق الكل في جميع الأعصار ـ فتاوى جمع من المعروفين من جهة حسن الظّن بهم وكونهم رؤساء المذهب ، مثل ما حكاه في « المعتبر » على ما في « الكتاب » ؛ فإنّ تعليل الإجماع بوجوده في كتب الثّلاثة ، لا معنى له إلاّ بجعله طريقا إلى اتّفاق غيرهم من العلماء. ومن هنا سمّاه في « المعتبر » مقلّدا ورماه بالجهل ، واحتمل في حقّه التجاهل من حيث وضوح فساد التّلازم الذي زعمه وجعله مدركا وطريقا لتحصيل اتّفاق الكلّ.

٧٠

(٢٩) قوله قدس‌سره : ( الثالث : أن يستفيد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٣ )

أقول : الفرق بين هذا الوجه وسابقيه لا يكاد أن يخفى ؛ فإنّ مبنى الوجهين السّابقين على الحسّ فقط ، كما هو مبنى الوجه الأوّل. أو على انضمام الاجتهاد والحدس إلى الحسّ كما هو مبنى الوجه الثّاني. ومبنى هذا الوجه على الاجتهاد والحدس في تحصيل الاتفاق فقط من دون ضمّ مقدّمة حسيّة.

(٣٠) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ الظّاهر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ابتناء الإجماعات المتعارضة من شخص واحد أو من معاصرين أو من متقاربي العصر لا يتعيّن أن يكون على الوجه الثّالث ؛ إذ من المحتمل أن يكون مبنى بعضها على أحد الوجهين السّابقين كالإجماعين المتعارضين من متباعدي العصر. اللهم إلاّ أن يراد مجموع المتعارضين ولو بابتناء أحدهما على ذلك فتدبّر.

(٣١) قوله قدس‌سره : ( أمّا علم الهدى ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٥ )

نقل كلام السيد في محكى الخلاف

أقول : استدلّ في محكي « الخلاف » بعد ترجيح جواز التّطهير بغير الماء من المائعات بوجهين : أحدهما : الإجماع. وثانيهما : أنّ الغرض من التّطهير بالماء إزالة العين ، فإذا حصلت بغير الماء فقد حصل المقصود من التّطهير بالماء.

وذكر في تقريب الإجماع ما حكاه المحقّق قدس‌سره عنه ، وهو صريح في أنّ مبنى الإجماع الّذي ادّعاه على أصالة البراءة عن وجوب استعمال الماء في التّطهير تعيّنا أو عن منع استعمال غير الماء في التّطهير ، لا على متتبّع الفتاوى وإلاّ لم يدّع

٧١

الإجماع على الجواز بل على المنع.

مع أنّ الأصل الجاري في المقام ليس أصالة البراءة والجواز ، لا من جهة أنّ الشّك في الأمر الوضعي وهو الشك في بقاء النّجاسة ومقتضى الاستصحاب المسلّم في الشّك في الرّافع ، الحكم ببقائها حتّى يقال : إنّ السيّد من النّافين للاستصحاب مطلقا ، بل أصالة المنع من جهة قاعدة الاشتغال الجارية عند الشّك في وجود الشّرط المفروغ شرطيّته الجارية عند السيّد أيضا ، هذا مضافا إلى حصر المطهّر في الماء ؛ بمقتضى بعض الآيات وجملة من الأخبار.

وبالجملة : الكلام ليس في أنّ المقام مقام جريان أصالة البراءة أو أصالة المنع ، بل في تعليل انعقاد الإجماع بأصالة البراءة ، وإلاّ فالتمسّك بالأصل في المقام فاسد ؛ من وجوه : كالتمسّك بالوجه الثّاني في كلامه ، كما لا يخفى.

فاستناد ادّعاء الإجماع في المسألة إلى الأصل كاستناد ادّعائه إلى وجود الرّواية في مسائل الخلاف على ما في « الكتاب » عن « معتبر » المحقّق.

(٣٢) قوله قدس‌سره : ( وقال بعد ذلك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٥ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مبنى الإجماع الّذي ادّعاه في هذا الفرع أيضا ليس على التّتبّع والوجدان بل على الكلّية المستنبطة من الرّوايات ؛ فهو من الإجماع على القاعدة فتدبّر.

(٣٣) قوله قدس‌سره : ( ومن الثّاني : ما عن المفيد قدس‌سره ). ( ج ١ / ٢٠٦ )

أقول : المراد من الثّاني : ما أفاده بقوله ( أو اتفاقهم على مسألة أصوليّة ... إلى

٧٢

آخره ) (١) كما يشهد به تكرير كلمة الاتّفاق وغيره وإن كان في الفرق بين المعطوف والمعطوف عليه غموض.

ثمّ إنّ المراد من المطلّقة ثلاثا في مجلس واحد : هي الّتي يقع عليها ثلاث طلقات بلفظ واحد ، أو الأعمّ منها وممّا يقع عليها ثلاث طلقات بصيغ متعدّدة قبل تخلّل الرّجوع ؛ فإنّ المعروف من مذهب العامّة وقوع الثّلاث في الصّورتين. فقد ادّعي الإجماع على عدم وقوع الثّلاث من جهة الإجماع الّذي ادّعاه في المسألة الأصوليّة بعد ضمّ مقدّمة اجتهاديّة إليها وهي : أنّ وقوع الثّلاث مخالف الكتاب والسنة.

(٣٤) قوله قدس‌سره : ( مع أنّ الحلّي لا يرى ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٨ )

أقول : لا يخفى عليك صراحة مواضع من كلام الحلّي قدس‌سره في كون أخبار المضايقة غير قطعيّة الصّدور.

نعم ، قد يتوجّه على شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره : أنّ ما أفاده من الاعتراض إنّما يستقيم فيما لو أراد الحلّي استكشاف الحكم الواقعي من فتاوى العاملين بأخبار المضايقة ـ الّتي فرضت كونها أخبار آحاد ـ حتّى يستكشف منه حكم الإمام عليه‌السلام على ما يستفاد من ظاهر كلامه في المقام بناء على ما عرفت : من أنّه أحد الوجوه والطّرق في باب الإجماع على طريقة الحدس أو استكشاف رأي الإمام عليه‌السلام بناء على إرادته من الواقع على وجه الحدس.

وأمّا لو كان مبنى كلامه على طريقة الدّخول ـ كما هو الظّاهر من كلامه ـ

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٢٠٣.

٧٣

فالمقصود ليس إلاّ استكشاف فتاوى الأصحاب المتضمّنة لقول الإمام عليه‌السلام ، ولو كانت مستندة إلى أخبار الآحاد ؛ إذ لم يشترط أحد بناء على الدّخول كون مدرك فتوى المجمعين في المسألة صحيحا عند مدّعي الإجماع ، وإلاّ لا بد من العلم بالمدرك ، ولم يشترطه أحد.

نعم ، على طريقة المتأخّرين ربّما يقدح العلم باستناد المجمعين في المسألة إلى ما نراه فاسدا.

وبمثل ذلك يتوجّه على ما أفاده قدس‌سره من الاعتراض بقوله : ( وإنّ المفتي إذا علم استناده ... إلى آخره ) (١) مع أنّ عدم تماميّة المدرك عنده من جهة الدّلالة أو المعارضة لا يلازم عدم تماميّته عند الحلّي المستكشف من الفتاوى الإجماع في المسألة فتدبّر.

نعم ، ما أفاده من الاعتراضات الثّلاثة عليه قبل ذلك ممّا لا محيص عنه.

(٣٥) قوله قدس‌سره : ( فإنّ الظّاهر أنّ الحلّي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٠٩ )

أقول : ما استظهره قدس‌سره ـ من استناد الحلّي في نسبة الفتاوى إلى العلماء إلى تدوينهم لما دلّ من الأخبار على وجوب فطرة الزّوجة على الزّوج بتوهّم :

أنّهم أفتوا بإطلاق هذه الأخبار من غير تفطّن ؛ لكون الحكم معلّقا عندهم على أحد الأمرين العيلولة ولو لم تكن مطيعة ، أو وجوب الإنفاق ولو لم يكن عيالا له ـ صحيح.

إلاّ أنّه يحتمل استناده في ذلك إلى فتوى من أطلق في باب الزّكاة وجوب

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٠٨.

٧٤

فطرتها على الزّوج (١) ، من غير تأمّل في أنّ الحكم معلّق على أحد الأمرين كما يظهر من مطاوي كلماتهم فتدبّر.

(٣٦) قوله قدس‌سره : ( وهو في غاية المتانة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٠ )

أقول : ما أفاده المحقّق قدس‌سره من التّقريب في كمال الظهور والمتانة إلاّ أنّ أصل كلامه مشتبه المراد في باديء النّظر ؛ فإنّ الظّاهر منه بعد التّأمّل التّام : أنّ مراده من الاتّفاق على لفظ مطلق تعبير المفتين في المسألة عن موضوع القضيّة أو محمولها بلفظ مطلق شامل لما وقع الخلاف فيه من جزئيات هذه القضيّة المطلقة ، فبعد العلم بالخلاف في بعض الجزئيات لا يجوز استناد الفتوى في الجزئي الّذي وقع فيه الخلاف إلى من لم يعلم مذهبه فيه ، من جهة تعبيره باللفظ المطلق ، فمشاهدة الخلاف ممّن عبّر باللفظ المطلق بمنزلة الموهن لظهور لفظ المطلق.

كيف! واعتبار العلم بالمراد بقول مطلق في نسبة الفتوى توجب سدّ باب اعتبار ظواهر الألفاظ كما لا يخفى.

(٣٧) قوله قدس‌سره : ( لكنّك عرفت ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٠ )

أقول : حقّ التّحرير في المقام أن يحرّر بدل هذا القول : لكنّك عرفت ما وقع من الجماعة من المسامحة في مقام دعوى الإجماع المبتنية على تتبّع الفتاوى في المسألة الّتي يدعى فيها الإجماع ؛ فإنّ تحصيل الفتاوى في المسألة من جهة الاجتهادات والمقدّمات النّظريّة الحدسيّة ، ليس فيه مسامحة في لفظ الإجماع باستعماله في غير معناه المصطلح.

__________________

(١) انظر السرائر : ج ١ / ٤٦٦.

٧٥

نعم ، ظاهر النّسبة الوجدان في الكتب ، لا التحصيل عن اجتهاد. لكنّه ليس ارتكاب خلاف الظّاهر في لفظ الإجماع المسامحة في اللّفظ التي عرفناها من مطاوي كلماته قدس‌سره إذ هي استعمال لفظ الإجماع الموضوع لاتّفاق الكلّ المتضمّن لقول الإمام عليه‌السلام في غيره ، وهو اتّفاق من يكشف بحكم قاعدة اللّطف أو الحدس عن رأيه عليه‌السلام.

كما ذكره في « المعالم » أيضا حاكيا له عن المحقّق قدس‌سره ما في « المعتبر » فإنّه ( حكى عن « المعتبر » أنّه قال : « وأمّا الإجماع فعندنا هو حجّة بانضمام المعصوم عليه‌السلام فلو خلي المائة من فقهائنا عن قوله عليه‌السلام لما كان حجّة ، ولو حصل في اثنين لكان قوله عليه‌السلام حجّة ، لا باعتبار اتّفاقهما ، بل باعتبار قوله عليه‌السلام ، فلا تغترّ إذن بمن يحكم فيدّعي الإجماع باتّفاق الخمسة أو العشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلاّ مع العلم القطعي بدخول الإمام عليه‌السلام في الجملة (١) » هذا كلامه وهو في غاية الجودة ) (٢) انتهى كلامه.

ثمّ قال : « والعجب من غفلة جمع من الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهيّة كما حكاه رحمه‌الله حتّى جعلوه عبارة عن مجرّد اتّفاق الجماعة من الأصحاب » (٣) إلى آخر ما تقدّم نقله سابقا في « الكتاب ».

ثمّ قال : « وما اعتذر به عنهم الشّهيد رحمه‌الله في الذّكرى ـ من تسميتهم المشهور

__________________

(١) المعتبر : ج ١ / ٣١.

(٢) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٧٣.

(٣) المعالم : ١٧٤.

٧٦

إجماعا أو لعدم الظّفر حين دعوى الإجماع بالمخالف أو بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الإجماع وإن بعد ، أو إرادتهم الإجماع على روايته بمعنى تدوينه في كتبهم منسوبا إلى الأئمة عليهم‌السلام ـ لا يخفى عليك ما فيه ».

ثمّ ذكر القدح في الاحتمالات الّتي حكاها عن الشّهيد قدس‌سره إلى أن قال :

« وبالجملة : الاعتراف بالخطأ في كثير من المواضع أخفّ من ارتكاب الاعتذار ، ولعلّ هذا الموضع منها » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

(٣٨) قوله قدس‌سره : ( قول المحقّق السّبزواري والذي ظهر لي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام بظاهره موافق لما أفاده شيخنا قدس‌سره في مبنى دعوى الإجماع ؛ من حيث إنّ المدّعي بعد وجدان الاتّفاق من أصحاب الكتب الموجودة عنده يحصل له الحدس باتّفاق الكلّ ، فيدّعي الإجماع.

(٣٩) قوله : ( أو جعلنا المناط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ المراد من تعلّق خبره بالمستكشف (٢) : إنّما هو بضمّه إلى الكاشف عنه حدسا فيخبر عنه مسامحة ، نظير الإخبار بالملكات لمشاهدة آثارها الكاشفة عنها كما عرفت تفصيل القول فيه.

__________________

(١) المصدر نفسه : ١٧٤.

(٢) بالمنكشف « ن خ ».

٧٧

(٤٠) قوله قدس‌سره : ( نعم ، بقي هنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٤ )

إمكان تصوير قسم خاص من الاجماع المنقول

أقول : المراد من حجيّة خبر الحاكي بالنّسبة إلى النّسبة المحتمل رجوعه فيها إلى الحسّ والوجدان في الكتب في قبال الاجتهاد والنّظر في تحصيل الفتاوى هو الأخذ بظاهر النّسبة المقتضي لرجوع الحاكي إلى الوجدان والإحساس في الكتب والبناء على ذلك لا الزّائد على ذلك ، بمعنى جعل الحكاية حجّة شرعيّة في المسألة بالمعنى المبحوث عنه في المقام. كيف! وهو خلاف صريح كلماته كما لا يخفى.

كما أنّ المراد من قوله قدس‌سره بعد ذلك ـ : ( فنقل الإجماع غالبا إلاّ ما شذّ حجّة ... إلى آخره ) ـ : هو كونه طريقا بالنّسبة إلى صدور الفتوى منهم ؛ من حيث رجوع النّاقل إلى الحسّ بالنّظر إلى ظاهر النسبة كما يفصح عنه صريح كلامه في المقام ، لا كونه حجّة شرعيّة في المسألة ؛ فإن كان هذا المقدار من الفتاوى الّتي بني على كون إخبار العادل بها عن حسّ ـ على تقدير تحقّقه ـ ملازما لرأي المعصوم عليه‌السلام بضميمة ما حصله من الأقوال والأمارات ، بني على اعتباره بالنسبة إليه ويترتّب ملزوم المجموع في مرحلة الظّاهر عليه وهو قول المعصوم عليه‌السلام كما هو المفروض.

إذ لا فرق في حجيّة خبر العادل على تقدير العموم بين تعلّقه بتمام السّبب الكاشف عنه أو بجزئه ؛ إذ التّأمل والتّوقف في ترتيب المسبّب في صورة العلم بوجود بعض أجزاء السّبب والشّك في الجزء الآخر ، إنّما هو من جهة الشّك في

٧٨

وجود السّبب الناشئ عن الشّك في وجود هذا المشكوك ؛ فإذا أخبر به العادل وحكم الشّارع بتصديقه وعدم الاعتناء باحتمال كذبه كان هذا في معنى الحكم بترتيب المسبّب عليه في مرحلة الظّاهر كما هو ظاهر ، وليس هذا المعنى مختصّا بالجزء ، بل يجري في غيره ممّا يعتبر في تحقّق المطلوب كالشرط مثلا فيما فرض وجود ذات المشروط في محلّ وشك في ترتّب الآثار من جهة الشّك في وجود الشّرط.

بل لا يختصّ بالأدلّة والأمارات ويجري في الأصول أيضا ؛ فإنّه كثيرا ما يجري الاستصحاب في وجود الأجزاء والشّرائط فيما فرض الشّك في بقاء جزء على صفة الجزئيّة أو في بقاء شرط من الشّروط مع فرض العلم بتحقّق سائر ما يعتبر في تحقّق المركب أو المشروط ؛ ضرورة عدم اختصاص الاستصحاب الموضوعي بالشّك في بقاء تمام الموضوع لا من جهة الشّك في جزء أو شرط منه أو جريانه في الموضوع مع كون الشّك فيه مسبّبا عن الشّك في الجزء والشّرط كما توهّم على ما سيجيء تفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى.

فالمراد من قوله قدس‌سره بعد ذلك ( وبالجملة : فمعنى حجيّة خبر العادل وجوب ترتيب ... إلى آخره ) (١) : أعمّ من الدّلالة الاستقلاليّة الابتدائية كما إذا كانت الفتاوى المحكيّة عن حسّ بأنفسها ملازمة لقول الإمام عليه‌السلام والدّلالة الثّانوية بملاحظة وجود سائر الأجزاء مثلا كما إذا كانت الفتاوى المحكيّة بانضمام ما حصلها المحكيّ له سببا للعلم برأي الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٢١٦.

٧٩

(٤١) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّه [ قد ] (١) نبّه على ما ذكرنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : مراده قدس‌سره من هذا الكلام ـ كما هو صريحه عند التّأمّل ـ : هو التّنبيه على الفائدة الّتي استدركها بقوله : ( نعم ، بقي (٢) هنا شيء ... إلى آخره ) (٣) ، وإلاّ فكلامه قدس‌سره مخالف لما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة في تحرير المسألة من وجوه ، وإن توافقا في الجملة كما سننبّه عليه.

(٤٢) قوله قدس‌سره : ( ما هذا لفظه ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : لا يخفى عليك أن اللّفظ المحكيّ في « الكتاب » لـ « لرّسالة » (٤) وإن كان ظاهره كونه لها ول « كشف القناع » والمراد من قوله : ( أو ما في حكمه ) ـ هو الدّخول القولي لا الشّخصي.

(٤٣) ( قول بعض المحققين (٥) : ( لا باعتبار ما انكشف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما أفاده قدس‌سره مخالف لما أفاده شيخنا قدس‌سره من عدم الفرق في الحجيّة فيما تعلّق نقله بالسّبب الملازم لقول المعصوم عليه‌السلام بين جعل

__________________

(١) أضفناها من نسخة الفرائد المطبوعة.

(٢) كذا وفي المطبوع من الفرائد : يبقى.

(٣) فرائد الأصول : ج ١ / ٢١٤.

(٤) أي : رسالة منهج التحقيق.

(٥) الشيخ أسد الله التستري قدس‌سره في كتابه الشريف : كشف القناع : ٤٠٠ وكذا في رسالته المسمّاة بـ « منهج التحقيق في المواسعة والتضييق » المخطوطة.

ملاحظة : الأقوال المشروحة من هنا فصاعدا إلى التعليقة رقم : ٢٤٦ هي للمحقق التستري ولذلك فقد أضفنا لها بين المعقوفتين [ المحقق التستري ].

٨٠