بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

وغيرهما قبل الانسداد وبعده ، ممّا لا معنى له ؛ فإنّه وإن كان محمولا على ما زعمه قدس‌سره : من كون العلم مجعولا شرعا ، لكنّه جزم بكونه معتبرا دائما في حكم العقل والشّرع ، بل عرفت حكمه بكونه معتبرا في نفسه وإن لم يرد الشّرع به ، المراد به ـ جمعا بين كلماته ـ : اعتباره عقلا ، فإذا كان كذلك فلا يجعل من أطراف المعلوم بالإجمال حتّى يحصل العلم به من الخارج كما هو واضح. بل هو معتبر مطلقا سواء اعتبر غيره معه أم لا ، هذا.

مضافا إلى أنّ احتمال اعتبار الظّن المطلق مع التّمكن من تحصيل العلم ممّا يقطع بفساده عنده ، فكيف يجعل أحد طرفي التّرديد؟ اللهمّ إلاّ أن يحمل ما أفاده على المهملة ، بمعنى العلم إجمالا بجعل طريق من الشارع إمّا خصوص العلم ، أو هو مع غيره من الظنون الخاصّة في زمان الانفتاح ، أو خصوص الظّنون الخاصّة ، أو الظّن المطلق في زمان الانسداد ، كلّ على مذهب فلا بدّ من الفحص حتّى يعلم بالمجعول في كلّ من الزّمانين والوقتين فتأمّل.

وثانيا : أنّ ما أفاده بقوله جوابا عن الاعتراض الثّالث : « وهو أيضا في الوهن نظير سابقته ؛ إذ من الواضح أنّ للشّارع حكما ... إلى آخره » (١) غير محصّل المراد ؛ لأنّ دوران الأمر بين الظّن الخاصّ الّذي هو مجعول شرعيّ ، والظّن المطلق الّذي هو مجعول عقليّ لا معنى له ؛ لأنّ هذا الأمر المردّد بين المجعول وغيره لا يمكن

__________________

(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٥٨.

٥٦١

دعوى تعلّق الجعل الشّرعي به وكونه معلوما إجماليّا ؛ لأنّ المجعول العقلي ـ مضافا إلى عدم كونه أمرا واقعيّا يتعلّق الجهل به ، بل هو أمر وجداني كما هو واضح ـ ليس في مرتبة المجعول الشّرعيّ حتّى يتردّد الأمر بينهما ، بل هو بالنّسبة إليه من قبيل الأصل بالنّسبة إلى الدّليل ، فإن علم باعتبار ظنون خاصّة من جانب الشارع فلا يحكم العقل بحجيّة الظّن قطعا. وإن لم يعلم به سواء ظنّ بالظّن الغير المعتبر أو شك فيه ، حكم قطعا بحجيّة الظّن المطلق. فالتّرديد والدّوران لا معنى له على كلّ تقدير. وهذا بناء على تقرير الحكومة ظاهر ، وأمّا بناء على تقرير الكشف فالأمر كذلك ؛ فإنّ المانع من استكشاف العقل حجيّة مطلق الظّن عند الشّارع علمه بحجيّة الظّنون الخاصّة لا مجرّد احتماله ولو كان ظنّا إذا لم يكن معتبرا فتأمّل (١).

نعم ، الفرق بينهما ـ كما ستقف على تفصيل القول فيه في الأمر الثّاني (٢) ـ ، أنّه بناء على الحكومة يحكم بعدم الفرق بين الظّن في المسألة الفقهيّة والظن في المسألة الأصوليّة وبناء على الكشف لا يحكم بالتّعميم إلاّ بعد إجراء مقدّمات الإنسداد في تعيين المهملة ؛ وهي المسألة الأصوليّة ، المستكشفة عن المقدّمات الجارية في الفروع على ما ستعرفه هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه إذا كان حجيّة مطلق

__________________

(١) الوجه في التأمّل : ما سيجيء في كلام شيخنا قدس‌سره في الأمر الثاني من قدح الإحتمال ولو كان موهوما في استكشاف العقل عن حكم الشارع بحجيّة الظن على تقرير الكشف.

منه دام ظلّه.

(٢) أنظر : التنبيه الثاني.

٥٦٢

الظّن في المسائل الفقهيّة أحد شقّي الترديد ، ولم يقم بالفرض دليل معتبر على حجيّة بعض الظّنون بخصوصه ـ وإن ظنّ بظنّ لم يعلم اعتباره ـ فلم لا يحكم بتعيّنه ويعدل عنه إلى خصوص المظنون الاعتبار الغير المفيد للظّن بالواقع؟ فتدبّر.

سائر ما استند اليه المحقّق المحشّي قدس‌سره

ثمّ إنّك إذا عرفت بعض الكلام في هذا الوجه فاستمع لما يتلى عليك ممّا وعدناك من نقل كلامه المتعلّق بذكر سائر الوجوه فقال قدس‌سره :

« الثّالث : أنّ قضيّة بقاء التّكليف وانسداد سبيل العلم به ـ مع كون قضيّة العقل أوّلا هو تحصيل العلم به ـ هو الرّجوع إلى الظّن قطعا على سبيل القضيّة المهملة ، وحينئذ فإن قام دليل قاطع على حجيّة بعض الظّنون ممّا فيه الكفاية في استعلام الأحكام ، انصرف إليه تلك القضيّة المهملة من غير إشكال ، فلا يفيد حجيّة ما زاد عليه. ولو تساوت الظّنون من كلّ وجه قضى ذلك بحجيّة الجميع ؛ نظرا إلى انتفاء التّرجيح في نظر العقل وعدم إمكان رفع اليد عن الجميع ، وإلى العمل بالبعض دون بعض ؛ لبطلان التّرجيح بلا مرجّح ، فيجب الأخذ بالكلّ حسبما يدّعيه القائل بحجيّة مطلق الظّن.

وأمّا إذا قام الدّليل الظّني على حجيّة بعض الظّنون ممّا فيه الكفاية دون البعض ، فاللاّزم البناء على ترجيح ذلك البعض ؛ إذ لا يصحّ القول بانتفاء المرجّح بين الظّنون.

٥٦٣

وتوضيح المقام : أنّ الدّليل الظّني القائم على بعض الظّنون :

إمّا أن يكون مثبتا لحجيّة عدّة كافية في استنباط الأحكام من غير أن يقوم هناك دليل ظنّي على نفي الحجيّة من غيرها ولا إثباتها.

وإمّا أن يكون نافيا لحجيّة عدّة منها من غير أن يكون مثبتا لحجيّة ما عداها ولا نافيا لحجيّتها.

وإمّا أن يكون مثبتا لحجيّة عدّة منها كذلك نافيا لحجيّة الباقي.

وإمّا أن يكون مثبتا لحجيّة البعض على الوجه المذكور نافيا لحجيّة عدّة أخرى مع خلوّ الباقي عن الأمرين.

ويجب في حكم العقل الأخذ بمقتضى الظن في الجميع في مقام الترجيح ، وإن اختلف الحال فيها بالقوّة والضّعف غير أنّه في القسم الثّاني لا بدّ من الحكم بحجيّة ما قضى الظّن بعدم حجيّته ؛ نظرا إلى انتفاء المرجّح بينها.

فإن قلت : إن أقيم الدّليل على حجيّة الظّن مطلقا فقد ثبت ما يدّعيه الخصم وإن لم يقم عليه دليل فلا وجه للحكم بمقتضى الدّليل الظّني من البناء على الحجيّة أو نفيها ؛ فإنّها رجوع إلى الظّن واتكال عليه وإن كان في مقام التّرجيح والاتكال عليه ممّا لا وجه له قبل قيام القاطع عليه.

بل نقول : إن لم يكن الدّليل الظني القائم في المقام من الظّنون الخاصّة ، لم يعقل الاتّكال عليه من المستدل ؛ إذ المختار عنده عدم حجيّته وأنّ وجوده كعدمه. وإن كان من الظّنون المخصوصة كان الاتّكال عليه في المقام دوريّا.

٥٦٤

قلت : ليس المقصود في المقام إثبات حجيّة تلك الظّنون بالأدلّة الظّنية القائمة عليها ليكون الاتّكال في الحكم بحجيّتها على مجرّد الظن ، بل المثبت لحجيّتها هو الدّليل العقلي المذكور.

والحاصل من تلك الأدلّة الظّنية ، هو ترجيح بعض تلك الظّنون على البعض ، فيمنع ذلك من إرجاع القضيّة المهملة إلى الكليّة ، بل يقتصر في مقام المهملة على تلك الجملة.

فالظّن المفروض إنّما ينبعث على صرف مفاد الدّليل المذكور إلى ذلك وعدم صرفه إلى سائر الظّنون ، نظرا إلى حصول القوّة بالنّسبة إليها لانضمام الظّن بحجيّتها إلى الظّن الحاصل منها بالواقع ، بخلاف غيرها ؛ حيث لا ظنّ بحجيّتها في نفسها. فإذا قطع العقل بحجيّة الظن بالقضيّة المهملة ، ثمّ وجد الحجيّة متساوية النّسبة بالنّظر إلى الجميع فلا محالة يحكم بحجيّة الكلّ حسبما مرّ ، وأمّا إن وجدها مختلفة وكان جملة منها أقرب إلى الحجيّة من الباقي ؛ نظرا إلى الظّن بحجيّتها مثلا دون الباقي ، فلا محالة يقدّم المظنون على المشكوك ، والموهوم والمشكوك على الموهوم في مقام الحيرة والجهالة ، فليس الدّليل الظّني المفروض مثبتا لحجيّة تلك الظّنون ؛ حتّى يكون ذلك اتّكالا على الظّن في ثبوت مظنونه ، وإنّما هو قاض بقوّة جانب الحجيّة في تلك الظّنون فيصرف به ما قضى به الدّليل المذكور من حجيّة الظن في الجملة.

فإن قلت : إنّ صرف مفاد الدّليل المذكور إلى ذلك إن كان على سبيل اليقين

٥٦٥

ثمّ ما ذكر وإن كان ذلك أيضا على سبيل الظّن كان ذلك أيضا اتّكالا على الظّن فإنّ النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات. والظّاهر أنّه من قبيل الثّاني ؛ لتقوّم الظّنّ باحتمال الخلاف ، فإذا فرض تحقّق ذلك الاحتمال كان الظّن المذكور كعدمه ، فيتساوى الظّنون المفروضة بحسب الواقع ، فلا يتحقّق ترجيح بينها حتّى ينصرف الدّليل المذكور إلى الرّاجح منها.

والحاصل : أنّه لا قطع حينئذ بصرف الدّليل إلى خصوص تلك الظّنون من جهة ترجيحها على غيرها ؛ لاحتمال مخالفة الظن المفروض للواقع ومساواتها لغيرها من الظّنون بحسب الواقع ، بل احتمال عدم حجيّتها بخصوصها ، فلا قطع لحجيّتها بالخصوص بوجه من الوجوه حتّى يكون الاتّكال هنا على التّعيين. وغاية الأمر حصول الظّن بذلك فالمحذور على حاله.

قلت : الاتكال على حجيّة تلك الظّنون ليس على الظّن الدّالّ على حجيّتها بحسب الواقع ، ولا على الظن بترجيح تلك الظّنون على غيرها بعد إثبات حجيّة الظّنّ في الجملة ، بل التّعويل فيها على القطع بترجيح تلك الظنون على غيرها عند دوران الحجيّة بينها وبين غيرها.

وتوضيح ذلك : أنّ قضيّة الدّليل القاطع المذكور هو حجيّة الظّن على سبيل الإهمال ، فيدور الأمر بين القول بحجيّة الجميع والبعض. ثمّ الأمر في البعض يدور بين المظنون وغيره والتّفصيل. وقضيّة حكم العقل في الدّوران بين حجيّة الكلّ والبعض ، هو الاقتصار على البعض أخذا بالمتيقّن. ولذا قال علماء الميزان : إنّ

٥٦٦

القضيّة المهملة في قوّة الجزئيّة (١).

واعترف الجماعة : بأنّه لو قام الدّليل القاطع على حجيّة ظنون خاصّة كافية للإستنباط لم يصحّ التّعدي عنها إلى غيرها من الظّنون ولو لم يتعيّن البعض الخاصّ في المقام ودارت الحجيّة بين الأبعاض من غير تفاوت بينها في نظر العقل ، لزم الحكم بحجيّة الكلّ لبطلان ترجيح البعض من غير مرجّح إلى آخر ما مرّ.

وأمّا لو كان حجيّة البعض ممّا فيه الكفاية مظنونة بخصوصه بخلاف الباقي ، كان ذلك أقرب إلى الحجيّة من غيره ممّا لم يقم على حجيّة ذلك دليل ، فيتعيّن عند العقل الأخذ به دون غيره ؛ فإنّ الرّجحان حينئذ قطعيّ وجدانيّ والتّرجيح من جهة ليس ترجيحا بمرجّح ظنّي ، بل قطعيّ وإن كان ظنّا بحجيّة تلك الظنون فإنّ كون المرجّح ظنّا لا يقتضي كون التّرجيح ظنّيا وهو ظاهر.

والحاصل : أنّ العقل بعد حكمه بحجيّة الظّنّ في الجملة ودوران الأمر عنده بين حجيّة خصوص ما قام الدّليل الظّني على حجيّته من الظّنون ، أو البناء على حجيّة ذلك وغيره ممّا لم يقم دليل على حجيّته من سائر الظّنون ، لا يحكم إلاّ بحجيّة الأوّل لترجيحه على غيره في نظر العقل قطعا ، فلا يحكم بحجيّة الجميع من غير قيام دليل على العموم » (٢). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

__________________

(١) أنظر منطق المظفّر : ١٦٠ ، والحكمة المتعالية : ج ١ / ٢٥٣.

(٢) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥.

٥٦٧

الوجه المذكور يبتني على ان تكون نتيجة المقدمات قضيّة مهملة

وهذا الوجه كما ترى مبنيّ على كون نتيجة المقدّمات قضيّة مهملة ، وستعرف في الأمر الثّاني (١) : أنّ الحقّ في التقرير لما كان تقرير الحكومة ومقتضاها الإطلاق والعموم بالنّسبة إلى الأسباب ـ كما ستقف على تفصيل القول فيه ـ فما أفاده غير مستقيم هذا.

مضافا إلى ما ستقف عليه : أنّه بناء على تقرير الكشف المقتضي لإهمال النّتيجة ـ بالمعنى الّذي ستقف عليه ـ لا معنى للقول بكون مطلق الظّن بالحجيّة والاعتبار معيّنا للمهملة ، بل إنّما يصحّ التّعيين به في الجملة ، وأنّ ما ذكر في وجهه غير تامّ.

مضافا إلى أنّ ما أفاده بعد فرض الإهمال ؛ من أنّه قد يقوم هناك دليل قاطع على حجيّة بعض الظّنون ممّا فيه الكفاية فيجب الاقتصار عليه ، خارج عن مفروض المقام ؛ لأنّ تماميّة دليل الانسداد المنتج لحجيّة الظن على سبيل الإطلاق ، أو الإهمال ، موقوف على انسداد باب الظّن الخاصّ الكافي في الأحكام ، وأنّه من إحدى مقدّمات هذا الدّليل. فكيف يفرض وجوده بعد جريان

__________________

(١) يأتي الكلام عنه في التنبيه الثاني.

٥٦٨

المقدّمات وإنتاجها لحجيّة الظن؟

اللهمّ إلاّ إن يكون مراده من الدّليل القاطع كونه متيقّن الاعتبار من بين الظنون ، أو قيام المتيقّن الاعتبار على اعتباره ، حسبما ستقف على تفصيل القول فيه ، وإن كانت إرادة هذا المعنى بعيدا من كلامه كما لا يخفى.

نقل تتمة كلام المحقّق المحشّي قدس‌سره

ثمّ قال قدس‌سره : « الرّابع : إنّه بعد قضاء المقدّمات الثّلاث بحجيّة الظّن على سبيل الإهمال ، إن اكتفينا بالمرجح الظّني ـ كما مرّ في الوجه السّابق ـ كان ما دلّ على حجيّة الدّليل الظّني هو المتبع دون غيره ، حسبما قرّر في الوجه المتقدّم. وإن سلّمنا عدم العبرة به وتساوى الظّنون حينئذ بالملاحظة المذكورة بالنّسبة إلى الحجيّة وعدمها ، فاللاّزم حينئذ حجيّة الجميع ، إلاّ ما قام الدّليل المعتبر على عدمه. ومن الدّليل المعتبر حينئذ هو الدّليل الظّني ؛ لقيامه مقام العلم. فإذا قضى الدّليل الظّني بكون الحجّة هي الظّنون الخاصّة دون غيرها تعيّن الأخذ بها دون ما سواها ؛ فإنّه بمنزلة الدّليل القاطع الدّال عليه كذلك.

فإن قلت : إذا قام الدّليل القاطع على حجيّة بعض الظنون ممّا فيه الكفاية كانت القضيّة المهملة الثّابتة بالدّليل المذكور منطبقة عليه ، فلا يتسرّى الحكم منها إلى غيرها حسب ما مرّ. وأمّا إذا قام الدّليل الظّني على حجيّته كذلك لم يكن الحال فيها كما ذكر ، وإن قلنا بقيام الظّن مقام العلم وتنزيله منزلته فلا وجه إذا للاقتصار

٥٦٩

عليه ؛ إذ الدّليل الدّال على حجيّته هو الدّال على حجيّة الباقي ، غاية الأمر أن يكون الدّال على حجيّته أمران : الدّليل القاطع العام ، والدّال على حجيّة غيره هو الأوّل خاصّة.

قلت : الحال حينئذ على ما ذكرت وليس المقصود في المقام تنزيل الدّليل الظّني القائم على خصوص بعض الظّنون منزلة الدّليل القاطع الدّال عليه في تطبيق القضيّة المهملة المذكورة عليه ، لوضوح الفرق بين الأمرين ، بل المقصود : أنّ قيام الدّليل الظّني على عدم حجيّة غير الظّنون الخاصّة قاض بسقوطها عن الحجيّة ؛ فإنّ تنزيل ذلك الدّليل الظّني منزلة القطع قاض بعدم حجيّة غيرها من الظّنون.

فإن قلت : إنّه يقع المعارضة حينئذ بين الظّن المتعلّق بالحكم ، والظّن المتعلّق بعدم حجيّة ذلك الظّن ؛ لقضاء الأوّل بالظّن بأداء المكلّف به القاضي بحصول الفراغ ، وقضاء الثّاني بالظّن ببقاء الاشتغال ، ويتدافعان ولا بدّ حينئذ من الرّجوع إلى أقوى الظّنين المذكورين ، لا القول بسقوط الأوّل رأسا.

قلت : لا مصادمة بين الظنين المفروضين أصلا ؛ نظرا إلى اختلاف متعلقيهما ، مع انتفاء الملازمة بينهما أيضا لوضوح إمكان حصول الظّن بالواقع مع الظن بعدم حصول البراءة به في الشّريعة أو العلم به كما هو الحال في القياس ونظائره ».

وساق الكلام إلى أن قال :

« فإن قلت : على هذا يقع المعارضة بين الدّليل الظّني المفروض والدّليل

٥٧٠

القاطع المذكور الدّال على حجيّة مطلق الظّنون لقضاء ذلك بعدم حجيّة الظّن المفروض فهو دليل ظنّي معارض لما يقتضيه القاعدة القطعيّة ».

إلى أن قال :

« قلت : لا معارضة في المقام بين الدّليلين حتّى يكون ظنّية أحدهما قاضية بسقوطه في المقام ، بل نقول : إنّ ما يقتضيه الدّليل القاطع مقيّد بعدم قيام الدّليل على خلافه على حسبما مر بيانه ، فإذا قام الدّليل عليه لم يعارض ذلك ما يقتضيه الدّليل المذكور ».

إلى أن قال :

« فإن قلت : إن قام هناك دليل على عدم حجيّة بعض الظّنون كان الحال فيه على ما ذكرت ، وأمّا مع قيام الدّليل الظّني عليه فإنّما يصح كونه مخرجا عن موضوع القاعدة المقرّرة إذا كانت حجيّته معلومة ، وهي إنّما تبتنى على القاعدة المذكورة ، وهي غير صالحة لتخصيص نفسها ».

إلى أن قال :

« قلت : الحجّة عندنا هي كلّ واحد من الظّنون الحاصلة وإن كان المستند في في حجيّتها شيئا واحدا ، وحينئذ فالحكم بحجيّة كلّ واحد منها مقيّد بعدم قيام دليل على خلافه. ومن البيّن حينئذ كون الظّن المتعلّق بعدم حجيّة الظّن المفروض دليلا قائما على عدم حجيّة ذلك الظّنّ فلا بدّ من ترك العمل به ».

٥٧١

إلى أن قال :

« فإن قلت : إنّ العقل كما يحكم بحجيّة الأوّل إلى أن يقوم دليل على خلافه ، كذا يحكم بحجيّة الأخير كذلك ، وكما يجعل الثّاني باعتبار كونه حجة دليلا على عدم حجيّة الأوّل ، فليجعل الأوّل باعتبار حجيّته دليلا على عدم حجيّة الثّاني ؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما في الحجيّة. فأيّ مرجّح للحكم بتقديم الثّاني على الأوّل؟

قلت : نسبة الدّليل المذكور إلى الظّنين على حدّ سواء ، لكنّ الظّن الأوّل متعلّق بحكم المسألة بالنّظر إلى الواقع ، والثّاني متعلّق بعدم حجيّة الأوّل فإن كان مؤدّى الدّليل حجيّة الظّن مطلقا لزم ترك أحد الظّنين ، ولا ريب إذن في لزوم ترك الثّاني ؛ فإنّه في الحقيقة معارض للدّليل القاطع القائم على حجيّة الظّن مطلقا لا الظّن المفروض ، وحينئذ فلا ظنّ بحسب الحقيقة بعد ملاحظة الدّليل القطعيّ المفروض. وأمّا إن كان مؤدّاه حجيّة الظّن إلاّ ما دلّ الدّليل على عدم حجيّته فلا مناص من الحكم بترك الظّن الأوّل ؛ إذ قضيّة الدّليل المفروض حجيّة الظّن الثّاني ، فيكون دليلا على عدم حجيّة الأوّل ولا معارضة فيه للدّليل القاضي بحجيّة الظّن وساق الكلام في بيان عدم المعارضة ».

إلى أن قال :

« فإن قلت : إنّ مقتضى الدّليل المذكور حجيّة الظّن المتعلّق بالفروع ، والظّن المذكور إنّما يتعلق بالأصول ؛ حيث إنّ عدم حجيّة الظّنون المفروضة من مسائل أصول الفقه ، فلا دلالة فيه إذن على عدم حجيّتها فيندرج تلك الظّنون حينئذ تحت

٥٧٢

القاعدة المذكورة ويكون الدّليل المذكور حجّة قاطعة على حجيّتها.

قلت : أوّلا : إنّ مفاد الدّليل المذكور حجيّة الظن فيما انسدّ فيه سبيل العلم مع العلم ببقاء التّكليف فيه ولا اختصاص له بالفروع وإن كان عقد البحث لها ، والمفروض انسداد سبيل العلم في هذه المسألة وعدم المناص عنه في العمل. وثانيا : إنّ مرجع الظّن المذكور إلى الظّن في الفروع ؛ إذ مفاده عدم جواز العمل بمقتضى الظّنون المفروضة والإفتاء الّذي هو من جملة أعمال المكلّف ، فتأمّل (١) ». انتهى كلامه المتعلّق بهذا الوجه.

فيما يتوجّه على الوجه المزبور

ويتوجّه عليه :

أوّلا : أنّ الظّن بحجيّة جملة من الأمارات الكافية في الفقه لا يلازم الظن بعدم حجيّة غيرها من الأمارات ؛ ضرورة أنّ ما في أيدينا من الأمارات القائمة في المسألة الأصوليّة ليست ناطقة بذلك ، والمهملة المردّدة بين الكلّ والبعض تجامع كلاّ منهما. فكيف يكون الظن بحجيّة بعض الأمارات نافية لحجيّة غيرها حتّى يكون محلاّ للوجه المذكور؟

وثانيا : أنّه على تقدير تسليم ذلك أو فرض هناك أمارة دالّة على قضيّتين موجبة وسالبة يدخل المسألة لا محالة في مسألة المانع والممنوع كما هو صريح

__________________

(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٦٥ ـ ٣٦٩.

٥٧٣

كلامه في المقام ، وسيجيء : أنّه على تقرير الحكومة وحجيّة الظن في الأصول كما في الفروع ، يلزم الأخذ بأقوى الأمارتين. والتّقييد الّذي ذكره في مقتضى الدّليل سيجيء ما فيه.

وثالثا : أنّه لا مناص عن توجّه السّؤال الأخير ، فإنّك ستسمع : أنّ نتيجة المقدّمات على الكشف والإهمال ، هي حجيّة الظن في خصوص الفروع على ما عرفت الإشارة إليه سابقا.

نعم ، قد ذكرنا : أنّه يمكن إثبات حجيّة الظّن في الأصول بتقرير مقدّمات في تعيين هذه المهملة لو لم يكن هناك معيّن لها بالنّسبة إلى الفروع ، لكن على سبيل الإهمال لا الإطلاق كما ذكره لكن كلامه ليس مبنيّا على ذلك كما لا يخفى هذا.

وأمّا ما أفاده من الجواب الثّاني عن السؤال الأخير ، فلو لا أمره بالتّأمل الكاشف عن عدم تماميّته عنده لذكرنا بعض ما فيه : من أنّ الرّجوع الّذي ذكره إنّما هو بالنّسبة إلى الحكم الفرعيّ الظّاهري لا الواقعي الّذي هو محلّ الكلام والبحث ، فأين هذا منه؟

ثمّ ساق الكلام بعد ذكر الوجه الخامس الّذي أقامه في قبال القول بحجيّة مطلق الظّن في الفروع المبنيّ على إهمال النّتيجة ووجوب الاقتصار على القدر المتيقّن من الظّنون والكلام في إثبات صغراه كما سيجيء تفصيل القول فيه في الأمر الثّاني (١).

__________________

(١) انظر : فما بعد في التنبيه الثاني.

٥٧٤

بقيّة وجوه المحقّق المذكور

إلى أن قال :

« السّادس : أنّه قد دلّت الأخبار القطعيّة والإجماع المعلوم على وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة ، بل ذلك ممّا اتفقت عليه الأمّة وإن وقع الخلاف بين الخاصّة والعامّة في موضوع السّنة وذلك ممّا لا ربط له بالمقام ، وحينئذ فنقول : إن أمكن حصول العلم بالحكم الواقعي من الرّجوع إليهما في الغالب تعيّن الرّجوع إليهما على الوجه المذكور ؛ حملا لما دلّ على الرّجوع إليهما على ذلك وإن لم يحصل ذلك بحسب الغالب وكان هناك طريق في كيفيّة الرّجوع إليهما تعيّن الأخذ به وكان بمنزلة الوجه الأوّل.

وإن انسدّ سبيل العلم به أيضا وكان هناك طريق ظنّي في كيفيّة الرّجوع إليهما لزم الانتقال إليه والأخذ بمقتضاه وإن لم يفد الظن بالواقع تنزّلا من العلم ، إلى الظّن مع عدم المناص عن العمل وإلاّ لزم الأخذ بهما والرّجوع إليهما على وجه يظنّ منهما بالحكم على أيّ وجه كان لما عرفت من وجوب الرّجوع إليهما حينئذ فينزّل إلى الظّن ؛ وحيث لا يظهر ترجيح لبعض الظنون المتعلّقة بذلك على بعض يكون مطلق الظّن المتعلّق بهما حجّة ، فيكون المتّبع حينئذ هو الرّجوع إليهما

٥٧٥

على وجه يحصل الظّن منهما » (١).

وقد أطال الكلام في النّقض والإبرام على ما ذكره وحاصله :

إجراء المقدّمات في خصوص العمل بالكتاب والسّنة دون الواقع بما هو واقع وقد سلك هذا المسلك الشيخ المحقّق التّستري قدس‌سره فيما تقدّم من كلامه في مسألة حجيّة نقل الإجماع ، واقتصر عليه في إثبات حجيّة الظّن في خصوص الطّريق.

ولمّا كان غرض المحقّق المحشي قدس‌سره والمهم في نظره : منع حجيّة مطلق الظّن بالواقع كما يقوله جماعة ويتأتّى ذلك بعدم التّعدّي عن الظّن الحاصل من الكتاب والسّنة بالنّظر إلى الواقع ولم يتعرّض لوجه تقديم الظّن الأوّل على الثّاني ، فلا بدّ أن يكون الوجه فيه أحد الوجوه السّابقة في كلامه فلا يعدّ هذا وجها مستقلاّ في إثبات المقام ، وإن كان وجها مستقلا في إثبات مرامه الّذي عرفته.

فيظهر الجواب عن التّرتيب الّذي زعمه بين الظّنين بملاحظة الجواب عن سائر الوجوه ، كما أنّه يظهر الجواب عن هذا الوجه بملاحظة ما تقدّم في مسألة حجيّة الأخبار من حيث الخصوص فراجع ، هذا.

مع أنّ ما أفاده قدس‌سره ـ مضافا إلى ما فيه من وجوه غير مخفيّة قد تقدّمت ـ غير محصّل المراد ؛ فإنّ غرضه من ذلك إثبات حجيّة الأخبار الحاكية عن السّنة قولا

__________________

(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

٥٧٦

أو فعلا أو تقريرا عند التّأمّل ، والأدلّة القطعيّة القاضية بالرّجوع إلى الكتاب والسّنة لا تعرض لها بالنّسبة إلى ما يحكى عنهما قطعا ، بل لا تعرّض لها بالنّسبة إلى حجيّة ظواهرهما عند التّحقيق ، وإن كانت حجّة من حيث الخصوص عندنا كما تقدّم تفصيل القول فيه في مسألة حجيّة ظواهر الكتاب فراجع.

وقال قدس‌سره : « السّابع : أنّه لا شك في كون المجتهد بعد انسداد باب العلم مكلّفا بالإفتاء ، وأنّه لا يسقط عنه التّكليف المذكور من جهة انسداد سبيل العلم.

ومن البيّن : أنّ الإفتاء فعل كسائر الأفعال يجب بحكم الشّرع على بعض الوجوه ويحرم على آخر ، فحينئذ إن قام عندنا دليل علميّ على تميّز الواجب منه عن الحرام فلا كلام في تعيّن الأخذ به ووجوب الإفتاء بذلك الطّريق المعلوم وحرمة الإفتاء على الوجه الآخر.

وإن انسدّ سبيل العلم بذلك أيضا تعيّن الرّجوع في التّميز إلى الظّن ؛ ضرورة بقاء التّكليف المذكور وكون الظّن هو الأقرب إلى الواقع ، فإذا دار أمره بين الإفتاء بمطلق الظّن أو بمقتضى الظّنيّات الخاصّة دون مطلق الظّن ، لم يجز له ترك الفتوى مع حصول الأوّل والإقدام عليه بمجرّد قيام الثّاني ؛ إذ هو ترك للظّن وتنزّل إلى الوهم من دون باعث عليه.

فإن قلت : إن الظن بثبوت الحكم في الواقع في معنى الظّن بثبوت الحكم في حقّنا وهو مفاد الظّن بتعليق التّكليف بنا في الظّاهر ، فكيف يقال بالانفكاك بين الظّن بالحكم والظّن بتعلّق التّكليف في الظّاهر المرجّح للحكم والإفتاء؟

٥٧٧

قلت : إن أقصى ما يفيده الظّن بالحكم هو الظّن بثبوت الحكم في نفس الأمر وهو لا يستلزم الظن بجواز الإفتاء أو وجوبه بمجرّد ذلك ؛ ضرورة جواز الانفكاك بين الأمرين حسبما مرّ بيانه في الوجوه السّابقة.

ألا ترى أنّه يجوز قيام الدّليل القاطع أو المفيد للظّن على عدم جواز الإفتاء حينئذ من دون أن يعارض ذلك الظن المتعلّق بنفس الحكم؟ ولذا يبقى الظّن بالواقع مع حصول القطع أو الظّن بعدم جواز الإفتاء بمقتضاه.

ودعوى : أنّ قضيّة الظّن بثبوت الحكم في الواقع هو حصول الظن بتعلّق التّكليف.

ينافي الظّاهر والظّن بجواز الإفتاء بمقتضاه ، إلاّ أن يقوم دليل قاطع أو مفيد للظّن بخلافه ، عريّة عن البيان. كيف! وضرورة الوجدان قاضية بانتفاء الملازمة بين الأمرين ولو مع انتفاء الدّليل المفروض ؛ نظرا إلى احتمال أن يكون الشّارع قد منع من الأخذ به.

نعم ، لو لم يقم هذا الاحتمال كان الظّن بالحكم مستلزما للظّن بتعلّق التّكليف في الظّاهر.

فإن قلت : إنّ مجرّد قيام الاحتمال لا ينافي حصول الظّن سيّما بعد انسداد سبيل العلم بالواقع وحكم العقل حينئذ بالرّجوع إلى الظّن.

قلت : الكلام حينئذ في مقتضى حكم العقل فإنّ ما يقتضيه العقل توقّف

٥٧٨

الإفتاء على قيام الدّليل القاطع على جوازه وبعد انسداد سبيله ينتقل إلى الظّن به. ومجرّد الظّن بالواقع لا يقتضيه مع قيام الدّليل الظّني على جواز الإفتاء بظنيّات مخصوصة.

نعم ، إن لم يقم دليل ظنّي على الرّجوع إلى بعض الطّرق ممّا يكتفى به في استنباط القدر اللاّزم من الأحكام وكانت الظّنون متساوية من حيث المدرك في نظر العقل ، كان مقتضى الدّليل المذكور القطع بوجوب العمل بالجميع وجواز الإفتاء بكلّ منها لوجوب الإفتاء حينئذ وانتفاء المرجّح بينها ، وأمّا مع قيام الدّليل الظّني فلا ريب في عدم جواز الرّجوع إلى مطلق الظّن بالواقع.

والحاصل : أنّ الواجب أوّلا ـ بعد انسداد سبيل العلم بالطّريق المجوّز للإفتاء ـ هو الأخذ بمقتضى الدّليل القاضي بالظّن بجواز الإفتاء سواء أفاد الظّن بالواقع أو لا ، ومع انسداد سبيل الظّن به يؤخذ بمقتضى الظّنّ بالواقع ويتساوى الظّنون حينئذ في الحجيّة ، ويكون ما قرّرنا دليلا قاطعا على جواز الإفتاء بمقتضاها » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس‌سره.

وأنت خبير : بأنّ المدّعى الواحد لا يختلف باختلاف التعبيرات ؛ ضرورة أنّ الواجب على المفتي في كلّ زمان الإفتاء بالأحكام الواقعيّة أو الظّاهريّة من الطّرق المقرّرة لها وهذا ممّا لم يختلف فيه أحد ، وإنّما الاختلاف في الطّرق.

__________________

(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٨٠ ـ ٣٨٢.

٥٧٩

والقائل بحجيّة مطلق الظن يقول : إنّ الطّريق للأحكام مطلق الظّن المتعلّق بها بحسب الواقع فقط ، أو هو مع الظّن المتعلّق بها بحسب الظّاهر على الاختلاف ، وإنّ نتيجة مقدّمات الانسداد بحكم العقل ذلك ، لا خصوص الثّاني على ما تقدّم تفصيل القول فيه.

ودعوى : كون الطّريق خصوصه ، محتاجة إلى الإثبات ؛ فلا بدّ من أن يتمسّك له ببعض الوجوه السّابقة ، فلا يكون هذا الوجه دليل مستقلاّ على المدّعى ، هذا.

مع أنّ ما أفاده في بيان تسليم الملازمة بين الظّن بالحكم والظّن بجواز الإفتاء بقوله : « نعم ، لو لم يقم هذا الاحتمال ... إلى آخره » (١) غير محصّل المراد ؛ إذ مع انتفاء احتمال المنع يقطع بحجيّة الظّن بالخصوص فيحصل القطع بجواز الإفتاء فيخرج عن مفروض البحث ، لا أنّه يظنّ بجواز الإفتاء مع انتفاء هذا الاحتمال. فلعلّه سهو من قلمه الشّريف ، أو غلط من النّاسخ فلا تغفل.

ثمّ إنّه لو بني في المسألة على الاستدلال بهذا الوجه ، أمكن الاستدلال بنظيره بالنّسبة إلى ما دلّ على وجوب القضاء على الحاكم في الأحكام الكليّة الإلهيّة ، لا في الشّبهات الموضوعيّة ؛ فإنّ وجوب القضاء على المجتهد في الشّبهات الحكميّة نظير وجوب الإفتاء عليه ثابت بالأدلّة القطعيّة حرفا بحرف.

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٣ / ٣٨١.

٥٨٠