بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

ثانيها : كفاية ما جعله ووفاؤه بأغلب الأحكام الفرعيّة ؛ ضرورة أنّ مطلق العلم بالجعل لا يجدي في صرف التّكليف عن جميع الواقعيّات إلى مؤدّيات الطّرق.

ثالثها : عدم كون المجعول معلوما بالتّفصيل لنا ، وإلاّ لم يكن معنى الرّجوع إلى الظّن في تشخيصه وعدم التّمكّن من تحصيله بالطّرق المقررّة الخاصّة لتشخيصها ولو من جهة عدم العلم بها كما هو المصرّح به في كلامه ؛ ضرورة أنّه لا معنى للرّجوع إلى مطلق الظّن في تعيين الطّريق مع فرض انفتاح باب الظّن الخاصّ في هذه المسألة ، كما هو الشّأن في كلّ ما يرجع فيه إلى الظّن المطلق.

رابعها : إثبات كون المجعول الكافي المعلوم بالإجمال موجودا فيما بأيدينا من الأمارات المحتملة للجعل ، وإلاّ لم يعقل الحكم بصرف التّكليف من الواقعيّات الّتي فرض العلم ببقاء التّكليف بالنّسبة إليها إلى مؤدّيات طرق غير موجودة فيما بأيدينا.

فإذا لزم عليه إثبات الأمور المذكورة من حيث كونه مستدلاّ ومثبتا فلا محالة يكفي في ردّ دليله احتمال عدم الجعل بالمعنى المبحوث عنه وإمضائه للرّجوع إلى الطّرق العقلائية المقرّرة في باب إطاعة مطلق الأوامر الصّادرة من الموالي بالنّسبة إلى العبيد ، مع القطع بعدم جعل طريق من المولى من الأخذ بما يمكن تحصيله من الطّرق العلميّة أو الاحتياط في تحصيل الواقع ، أو الرّجوع إلى الظّن الاطمئناني في تحصيله الّذي اختار بعض مشايخنا في « شرحه على

٤٨١

الشّرائع » (١) كونه في مرتبة العلم مطلقا بل كونه من أفراده الحقيقي أو الادّعائي كما احتمله في « الكتاب » وإن لم يكن مفيدا فيما يترتّب على الموضوع المعلوم ، فضلا عمّا يترتّب على الواقع ، إلاّ فيما انسدّ فيه باب العلم ؛ فإنّه مقدّم على مطلق الظّن عند العقل والعقلاء كما ستقف على تفصيل القول فيه في الأمر الثّاني من التّنبيهات كما عرفت بعض الكلام فيه في مسألة حجيّة الخبر بالخصوص سيّما فيما أفاده شيخنا قدس‌سره عند الجمع بين كلامي السيّد والشّيخ قدس‌سرهما ، أو مطلق الظّن الفعلي ، أو الشأني ، أو الاحتمالي ، كلّ في محلّ ، فاحتمال ما ذكر مانع من الاستدلال هذا.

مع أنّه يمكن الاستدلال لعدمه بما أفاده قدس‌سره في « الكتاب » بقوله : « كيف وإلاّ لكان وضوح تلك الطّرق ... إلى آخره » (٢).

والمناقشة فيه : بأنّ الحاجة وإن فرضت كثرتها لكلّ مكلّف لا يلازم عدم الاختفاء ، وإلاّ لم يختف المرجع بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقع الخلاف فيه. كما ترى ؛ لوضوح الفرق بين المقامين من جهة وجود دواعي اختفاء المرجع بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طلب الرّئاسة الكليّة الإلهيّة أو الخلقيّة وغيره ، وهذا بخلاف الطّرق المجعولة ؛ فإنّه لا داعي لاختفائها فالفرق ظاهر ، فلا يجوز قياس حال أحدهما بالآخر فتأمّل (٣).

__________________

(١) الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهر الكلام ، أنظر : ج ٤٠ / ٥٥.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٣٩.

(٣) وجه التأمّل : أنّ الفرق بين الأمرين وإن كان ظاهرا ، إلاّ ان مجرد الفرق لا يوجب القطع

٤٨٢

(٢٧٦) قوله قدس‌سره : ( هذا حال المجتهد وأمّا المقلّد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤٠ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره مبني على ما عرفت : من اعتبار كون المجعول معلوما بالإجمال ، وإلاّ لم يكن مفيدا في إثبات حجيّة الظّن في تعيين الطّريق ، كما أنّ الأمر كذلك على تقدير قيام الطّريق الخاصّ على تعيينه. ومن هنا اعتبر المستدلّ قدس‌سره انتفاءه.

ومن هنا يظهر عدم الجدوى فيما يحكم بحجيّته قطعا من الظّنون الخاصّة كظواهر الألفاظ والأصول الشرعيّة إذا كان مرجع اعتبارها إلى الجعل ، لا الإمضاء في إثبات مقصود المستدلّ أصلا.

(٢٧٧) قوله قدس‌سره : ( فظهر ممّا ذكرنا : اندفاع ما يقال ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤١ )

أقول : لما كان مجرّد احتمال عدم الجعل كافيا في إبطال الاستدلال المذكور على ما عرفت بيانه ، فلا بدّ للمستدلّ من إقامة الدّليل على الجعل على سبيل الإجمال من العقل أو النّقل ، وليس في العقل ما يتوهّم اقتضاؤه لما ذكر إلاّ حكمه بقبح التكليف مع عدم نصب الطّريق الممنوع بما أفاده بقوله قدس‌سره : « توضيح الاندفاع :

__________________

بعدم الإختفاء بالنسبة إلى الطرق. ألا ترى اختفاء كثير من الأحكام الشرعيّة؟

مع انه لا داعي لإختفاءها. ومن هنا قال قدس‌سره : « وكيف كان فيكفي في رد الإستدلال ... » فافهم. منه دام ظلّه العالي.

٤٨٣

أنّ التكليف ... إلى آخره » (١) وفي النّقل ما يتوهّم دلالته عليه ، إلاّ الإجماع الّذي أشار إليه بقوله : « وربّما يستشهد للعلم الإجمالي ... إلى آخره » (٢).

ويستفاد الاستدلال به ممّا عرفت نقله من كلام المستدلّ المندفع بما أفاده قدس‌سره في فساده من الوجهين بقوله : « وهو ممنوع أوّلا ... إلى آخره » (٣) الرّاجعين عند التّحقيق إلى منع تحقّق الإجماع :

إمّا من جهة : ذهاب جماعة إلى الاقتصار على الأدلّة العلميّة في الشّرعيّات كما هو مرجع وجه الأوّل.

وإمّا من جهة : أنّ الاختلاف بنفسه لا يكون إجماعا وإنّما يكون كاشفا عنه إذا كان راجعا إلى التّعيين بحيث لو فرض خطأ بعض المختلفين فيما ذهب إليه من المختار الخاص لالتزم بمقالة غيره تفصيلا أو إجمالا ، وإلاّ لم يكن مجرّد الاختلاف مجديا في الإجماع على القدر المشترك ، وإلاّ لم تر الأقوال في المسألة على اثنين دائما والملازمة ظاهرة كبطلان التّالي ، بل هو أظهر كما لا يخفى.

(٢٧٨) قوله قدس‌سره : ( وربّما يجعل تحقّق الإجماع ... إلى آخره ) (٤). ( ج ١ / ٤٤٢ )

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٤١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) قال شيخ الوقاية وحفيد الهداية :

٤٨٤

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده أيضا راجع إلى الاستدلال على وجود

__________________

قال [ الشيخ الأنصاري ] طاب ثراه في الجواب عن الدليل الأوّل من الأدلّة التي ذكرها لحجّية مطلق الظنّ من غير خصوصيّة للخبر ما نصّه :

« استحقاق الثواب والعقاب إنّما هو على تحقق الطاعة والمعصية اللتين لا تتحقّقان إلاّ بعد العلم بالوجوب والحرمة أو الظنّ المعتبر بهما ، وأمّا الظنّ المشكوك الإعتبار فهو كالشك ، بل هو هو بعد ملاحظة أن من الظنون ما أمر الشارع بإلغائه ويحتمل أن يكون المفروض منها ». [ فرائد : ج ١ / ٣٧٣ ].

وصريحه : أن المنع عن بعض الظنون يجعل الظن المشكوك الإعتبار كالشك ، بل يحوّله إلى الشك ويجعله هو هو بعينه لا يتحقّق به طاعة ولا معصية ولا يستحق به ثواب ولا عقاب فماذا الذي نقمه من هذا القول وقد قال بمثله وبلغ في المبالغة فيه إلى حدّ لم يصل إليه هذا القائل حيث جعل الظن غير المعتبر شكّا بالحمل الشائع.

هذا وأمّا الإجماع الذي ادّعاه فيحقّ لنا أن نسأل عنه ونقول : هل هو محصّل أو منقول؟ فما طريق تحصيله إن كان محصّلا؟ ومن الناقل له إن كان منقولا؟

ومن الطريف جدّا أن الإجماع على عدم جواز العمل بالقياس في نفس الأحكام الشرعيّة حال الإنسداد مما ينكره مثل المحقق القمّي ويجعله الشيخ أوّل الأجوبة عن إشكال خروج القياس مع تلك التصريحات الكثيرة من أئمة العلم ـ قديمهم وحديثهم ـ بإجماع الشيعة على بطلانه وتركهم كتب مثل الأسكافي أحد السّلف الذي عزّ في الخلف مثله ، ومع تواتر النصوص الواردة في بطلانه ثم يدّعي الإجماع على عدم الجواز في تعيين الطريق به الذي لم يصرّح به أحد ولا جاء فيه خبر واحد ولم يوجد إلاّ في صحيفة الاحتمال ». وقاية الأذهان : ٥٣٢.

٤٨٥

الحجّة الكافية المجهولة بين الأمارات ؛ من حيث إنّ المنع عن العمل بجملة من الأمارات حتّى في زمان الانسداد يكشف بحكم العقل عن أنّ المرجع بحكم الشّارع غيرها. ولا يمكن أن يكون مطلق الظّن بالحكم كما يحكم به العقل في زعم القائل بحجيّة مطلق الظّن ، وإلاّ لم يعقل التّخصيص ؛ فلا بدّ أن يكون المرجع أمورا خاصّة ما هو ظاهر.

ومثل الاستدلال بالإجماع المذكور على وجود الحجّة الشّرعيّة الكافية بين الأمارات ، الاستدلال عليه بما دلّ من الأخبار العامّة لزماني الانسداد والانفتاح على حرمة العمل بالقياس بالتّقريب المذكور.

ولمّا كان مرجع الاستدلال إلى ملاحظة المقدّمة المذكورة لا محالة فأجاب قدس‌سره عنه بالوجهين من النّقض والحلّ.

(٢٧٩) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : ثبوت الطّريق ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٤٤٢ )

__________________

(١) قال سيّد العروة قدس‌سره الشريف :

« والحاصل : ان ما جعله السائل في عرض سائر الطرق هو الظن بالواقع غير المتوقّف على دليل الإنسداد ، ولا يدفعه ما قاله المصنف : من ان الظن ليس طريقا مجعولا في عرض سائر الطرق لأن الظن الذي ليس طريقا مجعولا هو الثابت بجريان دليل الإنسداد المتعلق ببعض تلك فإذن يسقط الجواب الأوّل ». أنظر حاشية الفرائد تقرير بحث السيد اليزدي :

٤٨٦

__________________

ج ١ / ٦٠١.

* وقال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

أقول : الذي الآن اعتقده وينبغي لك ان تعتقده وأخطّئك إن اعتقدت غيره : ان الطريق المقطوع جعلا أو إمضاء في عرض القطع بالواقع في كون كلّ منهما مبرء للذمّة وحصول البراءة القطعيّة والطريق المظنون جعلا أو إمضاء في عرض الظّنّ بالواقع في حصول البراءة الظنّيّة وأرى الآن ذلك كالشمس في رابعة النهار.

فإن أراد المصنّف من الطرق المجعولة التي جعل مطلق الظن في طولها وكالأصل بالنسبة إلى الدليل ، الطرق المقطوعة فذلك مسلّم وهو الذي مع وجوده لم يحكم العقل بكون الظنّ طريقا ؛ لأن الظن بالواقع لا يعمل به في مقابلة القطع ببراءة الذمّة لكن الكلام ليس فيه والقائل لا يريده ، ويريد من العلم الإجمالي به أن يعيّنه بالظنّ ويجعل المظنون حجّة ، والمعلوم الإجمالي والتفصيلي ليسا على حدّ سواء فإنّ كون مطلق الظنّ في طول الطريق المعلوم التفصيلي ليس ولا يكون يلزم منه كونه في طول المعلوم الاجمالي الذي لا يفصل إلاّ بالظّنّ ويصير مظنونا تفصيليّا وتقديمه عليه باعتبار الإحتياط ينفي وجوبه الاجماع على عدم وجوب الإحتياط.

وإن أراد منها ولم يرد الطرق المظنونة فكون مطلق الظن في طولها ممنوع لتشاركهما في حصول البراءة الظنيّة ولا ترجيح لأحدهما على الآخر إلاّ بقوّة الظن.

فقوله : « وإن لم يوجد كان طريقا ... » ج ١ / ٤٣٣ سطر ٨ و ٩.

إن أراد انه إن لم يوجد الطريق الجعلي مطلقا لا مقطوعة ولا مظنونة كان مطلق الظن

٤٨٧

أقول : مرجع السّؤال المذكور بعد منع تحقّق الإجماع على وجود الحجّة الكافية المردّدة على ما عرفت إلى وضوح تحقّقه وفساد المنع المذكور بعد ملاحظة كون الخاصّة مختلفين بين قولين : منهم من يقول بحجيّة الظّنون الخاصّة وهم الأكثرون. ومنهم من يقول بحجيّة الظّن المطلق. فوجود الطّريق إجمالا ممّا اتّفق عليه الكلّ.

__________________

طريقا لأن احتمال البراءة ما لم يبلغ مرتبة الرّجحان لا يلتفت إليه مع الظن بالواقع ، فهو وإن كان صحيحا إلاّ أنه خارج عن مقام نحن فيه لا يضرّ ولا ينفع.

وإن أراد انه إذا لم يوجد الطريق المقطوع وكان الطريق المجعول مظنونا كان مطلق الظن طريقا ولا يلتفت إلى الطريق المظنون ، فمع انه ممنوع لما عرفت : من كونهما في العرض لا ينفعه ، بل يضرّه لأن هذا خلاف ما هو مقصوده : من كون الظن في طول الطريق المجعول.

قوله : فتردّد الأمر بين مطلق الظنّ وطريق خاص آخر مما لا معنى له. ج ١ / ٤٤٣ سطر ١٢.

إن أراد من الطريق الخاص الآخر الطريق المعلوم التفصيلي فهو حق سواء أراد من مطلق الظنّ خصوص الظن بالواقع أو الأعم منه والطريق ، لكن كلام القائل ليس في هذا.

وإن أراد منه الطريق المظنون فهو والظن بالواقع في عرض واحد وله معنى صحيح ، بل هو الحق.

وبالجملة : الميزان ما ذكرته في أول التعليق فما وازنه عدلا نقبله وما عدل عنه نردّه حيث أمرنا بذلك في قوله تعالى : ( وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ) ١٨٢ / الشعراء إنتهى.

حاشية رحمة الله على الفرائد : ص ١٣١.

٤٨٨

ويرد عليه ـ مضافا إلى ابتنائه على عدم قدح مخالفة القائلين بالانفتاح وإلى الإغماض عن كون مطلق الاختلاف غير كاشف عن وجود القدر المشترك وإلى الإغماض عن أنّ المدعى على ما عرفت وجود الحجّة الشّرعيّة بين الأمارات لا الأعمّ منه وممّا أمضاه الشّارع من الحجّة العقليّة ـ :

أوّلا : بما أفاده في « الكتاب » : من أنّ الدّوران والتردّد في المقام غير معقول ، بعد فرض كون المانع عن حكم العقل هو العلم بجعل الشّارع للأمارات وثبوته عند العقل ، لا مجرّد احتماله على ما عرفت مرارا.

وثانيا : أنّ نتيجة الدّوران المذكور ـ على تقدير الإغماض ـ هو عدم العلم بوجود الحجّة الكافية الشّرعيّة بين الأمارات ، لا العلم بوجودها الّذي ادّعاه الخصم فأين المعلوم بالإجمال الشّرعي؟ أي : الحكم الشّرعي لا الأصولي ؛ حتّى ينقلب التّكليف إليه ويجب تعيينه بالظّن المطلق بعد فرض انتفاء العلم والظّنون الخاصّة في تعيين الطّريق المجعول إلى غير ذلك ممّا يرد عليه من الإيرادات الواضحة عند المتأمّل.

(٢٨٠) قوله قدس‌سره : ( ومن المعلوم : أنّ مثل هذا لا يعدّ بيّنة شرعيّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤٤ )

أقول : الوجه فيما أفاده قدس‌سره ـ مضافا إلى رجوع أكثر التّعديلات إلى الاجتهاد والخبر الحدسي ـ : أنّ البيّنة الشّرعيّة من مقولة الخبر ، والكتب ليس خبرا.

ومن هنا لا يعمل به في المرافعات إلاّ فيما فرض كشفه على وجه القطع ولو من

٤٨٩

جهة القرائن عن تحقّق مفاده.

ودعوى : حجيّة الخبر المذكور المعدّل بالتعديلات الكتبيّة في الأحكام الشّرعيّة من جهة توافق جميع المختلفين في حجيّة أقسام الخبر على العمل به وإن لم يكن الكتب بيّنة شرعيّة حتّى يستدلّ على اعتبارها بما دلّ على حجيّة البيّنة.

ضعيفة بمنع تحقق الإجماع العملي الكاشف عن تقرير المعصوم عليه‌السلام ، أو الكاشف عن الإجماع القولي من حيث كشف عمل العلماء عن آرائهم في المسألة ، وإن كان اتّفاقهم على العمل به مسلّما ؛ نظرا إلى ما عرفت في طي كلماته السّابقة من لزوم إحراز عنوان فعل المتّفقين والقطع بتحقّقه عندنا حيث إنّ الفعل مجمل ملتبس من الجهة الّتي يقع عليها هذا.

ولكنّك عرفت فيما سبق : أنّ ما أفاده مسلّم مفهوما ، لكنّه غير نافع في المقام بعد فرض انتهاء عمل العاملين المختلفين في شرائط العمل بالأخبار إلى زمان الحجّة هذا. مضافا إلى أنّ منع كثرة الخبر المفيد للاطمئنان بالصّدور ولو من جهة القرائن الرّاجع إلى عدم كفاية المجعول ولو من جهة ندرته محلّ منع.

فالأولى في الجواب : منع أصل الاتفاق على العمل بالخبر المزبور المنتهي إلى زمان الحجّة.

٤٩٠

(٢٨١) قوله قدس‌سره : ( وثالثا : سلّمنا نصب الطّريق ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٤٤٤ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده قدس‌سره إنّما يستقيم فيما علم إجمالا بأنّ الشّارع قد جعل لنا الطّرق الكافية فإذا انضمّ إليه تيقّن بعض الأمارات بالنّسبة إلى الجميع أو بالإضافة ؛ بمعنى كونه أولى بالاعتبار ، مع فرض كفايته فيرتفع العلم الإجمالي بالجعل عن الباقي فيرجع فيه إلى أصالة الحرمة ، إلاّ إذا فرض العلم بجعل ما يزيد على الكفاية. وأنّى له بإثباته؟ فتدبّر.

(٢٨٢) قوله قدس‌سره : ( وهو في المقام مفقود ... إلى آخره ) (٢). ( ج ١ / ٤٤٥ )

__________________

(١) قال صاحب الوقاية : ( لا يخفى على من تأمّل عبارة « الفصول » أن مبنى كلامه على عدم وجود القدر المتيقّن وهذا صريحه من أوله إلى آخره ممّا نقله الشيخ وممّا اسقطه منه. وكأنه ـ طاب ثراه ـ لم يعط التأمّل فيها حقّه وإلاّ ما كان يخفى مثله على مثله وأنا الضمين بأن لا يخالف صاحب الفصول مرسومه ويجري على اقتراحه من الأخذ بالمتيقّن لو وجد بمقدار الكفاية ، ويرجع في غيره إلى الأصول العمليّة أو إلى أصالة حرمة العمل كما ذكره ، وكأنه فرض وجود القدر المتيقّن كما يؤيّده قوله بعد ذلك : « سلّمنا عدم وجود القدر المتيقّن » [ فرائد : ج ١ / ٤٤٧ ].

ولكن لا يخفى أن جميع هذا التعب وتحمّل العناء والنّصب لعدم وجود القدر المتيقن بقدر الكفاية والالم يبق موضع لدليل الإنسداد ولا لما يدخل في بابه ). وقاية الاذهان :

ص ٥٣٧.

(٢) * قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

٤٩١

__________________

« لان الدليل النافي لوجوب الإحتياط من الإجماع وغيره دل على عدم وجوب الاحتياط الكلي.

ومعنى الإحتياط في العمل بالطرق : هو أن يعمل بكل ما يحتمل ان يكون طريقا إذا كان مثبتا للتكليف مطلقا وإذا كان نافيا للتكليف أيضا إذا وافقه الأصول المعتبرة على تقدير عدم كون الطريق المحتمل طريقا وأما إذا خالفه الاصول فالعمل بها.

فالاحتياط في المقام أقلّ كلفة وموردا من الإحتياط الكلي فيما إذا وافق الطريق المحتمل مع الاصول المعتبرة في نفي التكليف.

ومعلوم ان الدليل الدال على نفي الإحتياط في الأكثر لا دلالة له على نفيه في الأقل بإحدى الدلالات الثلاث.

ولكن بقي في المقام كلام وهو : انه لا بد للإحتياط في الإحتياط الكلي من احتمال التكليف والاحتمال لا بد له من منشأ لا مجرّد الإحتمال والإمكان العقلي ، فإذا تطابق في مورد من الموارد جميع ما يحتمل كونه طريقا والأصول على نفي التكليف فمن أين جاء احتمال التكليف حتى يجب الإحتياط على الإحتياط الكلّي دون الإحتياط في الطريق ، فعلى هذا لم ينفك الإحتياط في المقام عن الإحتياط الكلّي فينفيه كل ما ينفي الإحتياط الكلّي بل زعم بعض من لا تعمّق لنظره : ان الاحتياط اللازم في المقام أكثر من الإحتياط الكلي ؛ لأنه يضاف إلى الإحتياط في الفروع الإحتياط في الطرق وما درى أن الإحتياط في الطرق ليس فيه عمل وكلفة زائدة على ما في الفروع ، فإذا أفتى فقيه بوجوب غسل الجمعة مثلا واحتمل كون فتوى الفقيه من الطرق المنصوبة ، فمعنى الإحتياط في الطريق أن يعمل

٤٩٢

أقول : فقد الدّليل على عدم وجوب الاحتياط في المقام ظاهر ؛ لأنّ شيئا من الوجوه الثّلاثة المقتضية بطلانه عند اشتباه الحكم الشّرعيّ الفرعي في صورة انسداد باب العلم في معظم المسائل الفقهيّة من الإجماع وقبح ما يوجب الاختلال ودليل نفي الحرج ، لا يقتضيه عند اشتباه الحكم الشّرعي الأصولي.

__________________

بمؤدّاه ويفعل الغسل يوم الجمعة لا أن هناك احتياطين ؛ احتياطا في الطريق وإحتياطا في المسألة الفرعيّة.

فأرعد هذا البعض وأبرق : بأن الدليل إذا دلّ على عدم الإحتياط اللازم في الفروع فكيف إذا إنضاف إليه الإحتياط في الطرق؟! وفساده ظهر ممّا نبّهناك عليه.

نعم الظاهر تصادقهما موردا وإن تباينا مفهوما.

وأرعد الخراساني وأبرق في مقابل هذا البعض : « بأن قضيّة هذا الإحتياط رفع اليد عن الإحتياط في المسألة الفرعيّة في موارد :

منها : ما كان خاليا عن أطراف العلم بالطريق رأسا ». [ درر الفوائد : ١٤٧ ].

وذهل عن أن الأصل في هذا المورد الخالي إن كان نافيا فلا احتياط فيه على التقديرين وإن كان مثبتا فما اقتضاه على التقديرين أيضا ؛ إذ ليس معنى الإحتياط في الطرق أن المورد الخالي عنهما خال عن التكليف ولو إقتضاه مقتض بلا مانع.

وذكر موارد أخر مثل هذا طيّها خير من نشرها.

ولعمري إنّ تعليقاتي على الفرائد فرائد فلا ترخص بيعها ولو بخزائن الفرائد ). إنتهى.

أنظر حاشية ملا رحمة الله على الفرائد : ١٣١.

٤٩٣

أمّا الأوّل (١) فظاهر.

وأمّا الثّاني والثّالث (٢) ؛ فلأنّ الاحتياط في المقام يوجب التّوسعة على المكلّف لا الضيق عليه ؛ ضرورة أنّ أكثر الأمارات ينتفي (٣) التّكليف ولا يثبته.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى الدّليل هو وجوب العمل بما يوجب الإلزام على المكلّف لا بالأعمّ منه وما ينفيه. لكنّه فاسد : من جهة أنّ المستدلّ لم يأخذه في عنوان مختاره ولم يعتبره شرطا فيه فتدبّر.

(٢٨٣) قوله قدس‌سره : ( وكذا لو كان مخالفا للاستصحاب المسقط للتّكليف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤٥ ) (٤)

أقول : العبارة محتملة لوجهين :

أحدهما : أنّه يحتاط في العمل بالاستصحابات المثبتة كما يكشف عنه قوله بعد ذلك : ( فالعمل مطلقا على الاحتياط ) (٥) نظرا إلى جريان ما لم يقم أمارة معتبرة في الواقع على خلافه فيحتاط في العمل بالحكم الظّاهري على ما عرفت من احتماله في بعض كلماته السّابقة في طيّ المقدّمات.

__________________

(١) أي : الإجماع.

(٢) أي : لزوم اختلال النظام والحرج.

(٣) كذا في النسخ والصحيح : ينفي.

(٤) أنظر هامش (١) من فرائد الاصول : ج ١ / ٤٤٦ ، لكن الذي فيه : المثبت للتكليف.

(٥) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٤٦.

٤٩٤

ثانيهما : جريان جميع الاستصحابات المثبتة ؛ نظرا إلى عدم المانع من جريانها أصلا ، لعدم لزوم المخالفة العمليّة القطعيّة من العمل بها أصلا لا من جهة الخطابات الواقعيّة ، ولا من جهة الخطابات الظّاهريّة والمخالفة الالتزاميّة.

بل يمكن أن يقال : إنّ العلم الإجمالي بجعل الأمارات لا يوجب الاحتياط في الحكم الظّاهري بالنّسبة إلى الأمارات النّافية للتّكليف فيما لم يكن في مقابلها أصل مقتض للتّكليف ، فضلا عمّا إذا كان. وقد عرفت كونه وجها في كلامه السّابق في طيّ المقدّمات.

والأخذ بالاستصحابات المثبتة على هذا الوجه وإن لم يكن بعنوان الاحتياط ويختلفان بحسب الآثار والأحكام ، إلاّ أنّه مثله في الحكم المقصود منه في المقام.

فالمراد من قوله : « فالعمل مطلقا على الاحتياط » (١) : هو رعاية جانب احتمال التّكليف ولو لم يكن بعنوان الاحتياط.

وما يتوهّم : من أنّ لازم انقلاب التّكليف إلى مؤدّيات الطّرق إلقاء الأصول المقتضية للاحتياط والإلزام في المسألة الفرعيّة فاسد ؛ لأن المراد منه ليس ما يرجع إلى التّصويب بل إلى ما ذكرنا في المراد منه سابقا فتأمّل.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك : أنّه قدس‌سره لم يستوف الأصول النّافية ؛ فإنّها غير منحصرة

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٤٦.

٤٩٥

في الاستصحابات النّافية ؛ ضرورة كون أصالة البراءة مغايرة للاستصحاب ؛ فكان الأولى تبديل الاستصحاب النّافي للتّكليف في كلامه بالأصل النّافي للتّكليف ، وإن أمكن توجيه ما أفاده : بأنّ الاستصحاب النّافي عنوان لمطلق الأصل النّافي.

(٢٨٤) قوله قدس‌سره : ( فالعمل مطلقا على الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤٦ )

أقول : مراده من الاحتياط ـ كما هو صريح كلامه ـ أعمّ من الاحتياط في المسألة الفرعيّة والأصوليّة.

ودعوى : إلقاء الاحتياط على هذا القول في المسألة الفرعيّة رأسا ، قد عرفت ما فيها.

(٢٨٥) قوله قدس‌سره : ( إذ يصير حينئذ كالشّبهة المحصورة فتأمّل ). ( ج ١ / ٤٤٦ )

أقول : الوجه في أمره بالتّأمّل : هو منع لزوم الحرج من الجمع بين الاحتياطين ؛ إذ موارد مخالفة الاحتياط كثيرة ؛ لأنّ موارد تطابق الأصول النّافية والأمارات لا يحتاط فيها كما أنّه لا يحتاط فيها ، إذا لم يكن هناك أمارة أصلا. وإرجاعه إلى التّأمل فيما أفاده بقوله : « إذ يصير حينئذ كالشّبهة المحصورة » ضعيف جدّا كما هو ظاهر ؛ إذ لا وجه لمنع إلحاق الشّبهة في المقام الّتي من الشّبهة الكثيرة في الكثير باعتبار كثرة المعلومات الإجماليّة في المشتبهات الكثيرة بالشّبهة المحصورة الممنوعة من الرّجوع إلى الأصول فيها حكما إن لم نقل بإلحاقها بها موضوعا وكونها من مصاديقها ؛ من حيث إنّ المناط في الحصر

٤٩٦

وعدمه ، قلّة الاحتمالات المتعارضة المتباينة وكثرتها ، لا مطلق القلّة والكثرة كما ستقف على شرح القول فيه في الجزء الثّاني من « الكتاب ».

(٢٨٦) قوله قدس‌سره : وخامسا : سلّمنا العلم الإجمالي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٤٦ )

الجواب الخامس من أجوبة إستدلالات صاحب الفصول

أقول : الوجه فيما أفاده تسليما ـ من عدم إيجاب العلم الإجمالي بنصب الطّرق الكافية الموجودة فيما بأيدينا من الأمارات مع الإغماض عن وجوب الاحتياط تعيّن الرّجوع إلى مفاد الطّرق المجعولة بالمعنى المتوهّم للمستدلّ ـ ما أسمعناك سابقا ؛ من أنّ حصر الحكم الفعلي في مؤدّيات الطّرق إن كان من جهة دلالة نفس الطّرق عليه فهي ممنوعة جدّا ، ولم يتوهّمه متوهّم أيضا ، بل لا يعقل دلالتها عليه كما هو ظاهر.

وإن كان من جهة دلالة دليل اعتبارها ووجوب العمل بها عليه ؛ من حيث ظهورها في الوجوب التّعييني فهي أشدّ منعا ؛ ضرورة أنّه لا معنى لتعيين إيجاب العمل بالطّرق إلى الواقع في مقام التمكّن من تحصيل نفس الواقع.

نعم ، يمكن تعلّق الوجوب التّعييني بالعمل بالطّرق في موضوع الجهل ما دام موجودا كما يتعلّق الخطاب التّعييني بالتّمام ما دام المكلّف حاضرا ، فيجوز له رفع الموضوع الموجب لرفع الحكم المتعيّن.

٤٩٧

وإن كان من جهة دلالة العقل عليه ؛ من حيث إنّه يحكم بقبح المؤاخذة على مخالفة الواقع الّتي أدّى إليها سلوك الطّرق المجعولة ، فالواقع الّذي أدّى الطّريق إلى خلافه لا يؤاخذ على مخالفته ، وهذا معنى كون الحكم الفعلي تابعا لمؤدّى الطّريق.

ففيه : أنّ المعذوريّة بالمعنى المذكور لا يقتضي إلاّ ترخيص سلوك الطّرق المجعولة عند العقل وإن كانت مخالفة للواقع في نفس الأمر ، لا عدم جواز تحصيل الواقع عند العقل وعدم القناعة به في رفع المؤاخذة هذا.

فإن شئت قلت : إنّ لازم العلم الإجمالي بالخطابات الواقعيّة والأحكام الشّرعيّة الإلزاميّة في حكم العقل تنجّزها عنده ، غاية ما هناك كون سلوك الطّريق المجعول علما أو ظنّا عند العجز عن تحصيل العلم بالواقع والطّريق موجبا لمعذوريّة المكلّف عند العقل عند المخالفة ، كما أنّ العمل بالواقع علما أو ظنّا عند تماميّة مقدّمات الانسداد موجب للأمن من العقاب عند العقل ، فغاية ما يتصوّر للظّن بالطّريق كونه في مرتبة الظّن بالواقع بناء على تقرير الحكومة. فكيف يحكم بتقدّمه عليه؟

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الطّريق المجعول ، مجعولا مطلقا ؛ حتّى عند التّمكّن من تحصيل العلم التّفصيلي بالواقع ـ فيسمّى عندهم بالظّن الخاصّ المطلق ، فيجوز للمكلّف عند العقل الأخذ بمؤدّى الطّريق والقناعة به عن الواقع ما لم ينكشف الخطأ وإن جاز معه تحصيل الواقع علما أيضا ، كما أنّه يجوز له من أوّل الأمر تحصيل العلم بالواقع. فيرتفع موضوع الطّريق المجعول في حقّ الجاهل

٤٩٨

بالواقع ، فليس جواز الأمرين في حقّه من التّخيير الشّرعي الاصطلاحي ، وإن هو إلا نظير القول بجواز اختيار السّفر للحاضر الموجب لرفع موضوع التّمام.

وهذا الّذي ذكرنا مراده قدس‌سره من التّخيير في قوله : « مثلا إذا فرضنا حجيّة الخبر مع الانفتاح تخيّر المكلّف ... إلى آخره » (١) لا ما يتوهّمه من لا خبرة له ـ وبين كونه مجعولا عند العجز عن تحصيل الواقع فيسمّى بالظّن الخاصّ المقيّد.

فإنّ تقديم سلوكه على الظّن بالواقع إنّما هو مع التّمكّن من تحصيل العلم به ؛ من حيث إنّه موجب للقطع بمعذوريّة المكلّف في مخالفة الواقع وسقوطه عنه في مرحلة الظّاهر. والظّن بالواقع لا يوجبه مع التّمكّن من تحصيل الطّريق المذكور علما وإن أوجبه مع العجز عنه في حكم العقل كالظّن بالطّريق بناء على الحكومة.

ثمّ إنّه كما يتعيّن سلوك الطّريق المجعول بقسميه مع التمكّن من تحصيل العلم به ، أو تحصيله من الطّرق الشّرعيّة المعتبرة بالخصوص في مقابل الظّن المطلق بالواقع ، كذلك يتعيّن سلوكه في مقابل الاحتياط الكلّي بالنّسبة إلى الواقع. أمّا على القول بتقديم الامتثال التّفصيلي المعتبر على الامتثال الإجمالي العلميّ على ما عرفت الكلام فيه في محلّه فواضح.

وأمّا على القول بجواز الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التّفصيلي فلإيجابه الاختلال الّذي يحكم العقل بقبح تجويز ما يوجبه والاحتياط الكلّي في

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٤٦.

٤٩٩

الأحكام الشّرعيّة مع فرض انسداد باب العلم في أغلبها يوجب ذلك قطعا على ما عرفت الكلام فيه في طي المقدّمات.

ومنه يظهر : أنّ ما ذكرنا في طي التّعليقة وذكره شيخنا قدس‌سره في مطاوي كلماته من كون الامتثال العلمي الإجمالي ممّا يحكم العقل والنّقل بحسنه ورجحانه وجوازه حتّى مع التّمكن من الامتثال العلمي التّفصيلي فضلا عن التّمكّن من الامتثال الظّني التّفصيلي بالظّن الخاصّ فضلا عن الظّن المطلق ؛ فإنّما هو بالنّظر إلى القضيّة الطبيعيّة وملاحظته في نفسه والأخذ به في الجملة ، لا في جميع الأحكام ؛ فإنّه قبيح في حكم العقل من حيث استلزامه للقبح.

فما ذكرنا مرارا وقرع سمعك : من صحّة عمل المحتاط التّارك لطريقي الاجتهاد والتّقليد إنّما هو فيما إذا بنى على الاحتياط في بعض الأحكام المثبتة لا في جميعها.

نعم ، لو لم يبلغ الحرج اللاّزم من الاحتياط في جميع أحكام المشتبه حدّا يخلّ بنظام المعاش والمعاد لم يمنع تعسّره من جوازه ورجحانه ، وإن منع من إيجابه ؛ لأنّ رفع ما يوجب العسر الغير البالغ حدّ الاختلال إنّما هو بحكم الشّرع فقط ـ على ما عرفت مرارا ـ في قبال من تخيّل كون رفعه عقليّا أيضا.

والدّليل الشّرعي القائم عليه لا يدلّ إلاّ على أنّ الشّارع لم يوجب الأمر الحرجي على العباد ، ومن هنا حكمنا بصحّة الوضوء والغسل والصّوم ونحوها مع الحرج الّذي لا يحتمل عادة ، وحكمنا بفسادها مع لزوم الضّرر من فعلها على المكلّف.

٥٠٠