بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

__________________

وجوب الاحتياط في موهومات التكليف باعتبار الاجماع على ذلك لا باعتبار الظن بعدم التكليف وإن وافق الظن منهما وصاحبهما وأنّى هذا المعنى من كون المستند هو الظن؟

ويرشد إلى هذا اجراء الأصل في المشكوكات والحكم بعدم التكليف مع انه لا ظنّ فيهما فلو كان مدار النفي والاثبات على الظن لم يتخلّف في هذا المورد ، اللهم إلاّ ان يقال : ان الظن وإن لم يكن فيهما باعتبار الواقع إلاّ انه في المسألة الأصولية وهو كون هذه الموارد مجرى الأصل الملازم لعدم التكليف على الظاهر لا الواقع.

وأمّا قوله في بيان عدم كون الاجماع القطعي مفيدا ... فلأنه اثبات حجية الظن بغير دليل الإنسداد فيردّه : ان مرادهم من كون دليل الإنسداد عقليا ان العقل بعد إثبات المقدمات الثاتبة بالضرورة أو الاجماع أو غيرهما يحكم بحجّيّة الظن وان مقدماته عقليّة ، فالاجماع على عدم وجوب الإحتياط في المشكوكات لا يوجب خروج دليل الإنسداد عن كونه عقليا. ثم قال : للهمداني [ آغا رضا رحمه‌الله تعالى ] هنا كلمات لو فرض لها محصّل يشبه ان تكون أكلا من القفا.

فإن قلت : فلم أنت ما نطقت وعن تحقيق المقام سكتّ وفي هذا المضمار ما اجلت؟

قلت : كان هذا في مضمارنا وتوطئة لهذا نقلت عن الخراساني والهمداني فاصغ لكلامي وافهم مرامي وهو : أن من الواضح الجلي غير الخفي أن لنا في الاحكام الشرعية معلومات قليلة تفصيليّة ومظنونات ومشكوكات وموهومات كثيرة بينها معلومات كثيرة اجمالية ، فإذا أوجب العقل امتثالها بالاحتياط لثبوت التكليف والشك في المكلف به وكان حرجيّا ارتفع وجوبه بأدلة نفي الحرج ، ولمّا كان الاحق بترك الاحتياط موهومات التكليف أخذنا فيها

٤٤١

__________________

بالظن بعدم التكليف ، وأخذنا بالظن بالتكليف أيضا في المظنونات لأنه الاحق بالاحتياط فيه.

ولما كان المانع من اجراء الاصل في غير المعلومات التفصيليّة من المظنونات والمشكوكات والموهومات أمرين : أحدهما : لزوم ما هو كالخروج من هذا الدين. والثاني العلم الاجمالي الذي هو موضوع حكم العقل بوجوب الاحتياط ـ فاذا أخرج المظنونات بالعمل بالظن بالتكليف والموهومات بالعمل بالظن بعدم التكليف ، ارتفع المانع الأول من إجراء الأصل في المشكوكات قطعا ، والثالث : أيضا لأن العلم الاجمالي في الكلّ لا في كلّ خصوصا المشكوكات لأنها لو لم يدّع عدمها فلا أقل من كونها في غاية القلّة كنسبة الواحد والإثنين إلى الألف خصوصا مع الاجماع ولو بالظن القوي ، ولو لم ندع أيضا حق [ كذا ] على كونها مجاري للأصل وعدم وجوب الاحتياط فيها وكونه في قوّة فلان وتلك القوّة في قوّة فلان لا يصغى إليه فإن المعتبر المترتب عليه الأثر الفعل لا القوّة. ولزوم الدور توهّم فإن الظن بكون عدم التكليف المنجّز في المشكوكات إجماعيا يستلزم الوهم بالتكليف فيها الخارج في جملة الموهومات بأدلة الحرج فالمقتضي موجود والمانع مفقود ومن بقي له شك بعد هذا البيان الوهّاج فهو محتاج إلى العلاج. « يرجو الغفران بفضل الله رحمة الله ».

* وقال المحقق رحمة الله قدس‌سره في مقام الجواب عمّا أورده الشيخ قدس‌سره على نفسه بدلا عمّا أفاده السيد المجدد الشيرازي قدس‌سره : أقول : الجواب الأسد : ان الكلام في اعتبار الظن ولم يثبت بعد كيما يسوّي بين الظن المتعلق بالواقع والمتعلق باعتبار الطريق الموصل إلى الواقع ، والإجماع الظني المدعي ـ على كون المرجع في المشكوكات الاصول

٤٤٢

أقول : الوجه فيما أفاده ـ : من رجوع الإجماع على الرّجوع إلى الأصول في مجاريها بعد العلم الإجمالي قطعيّا كان أو ظنيّا إلى الإجماع على وجود الحجّة الكافية الوافية بتشخيص المعلومات الإجماليّة ، ولو كان هو الظّن المطلق فيرجع الأمر بالأخرة في المقام إلى دعوى الإجماع على حجيّة الظّن المطلق ـ واضح بعد إمعان النّظر فيما ذكرنا ؛ حيث إنّك قد عرفت : انحصار المانع من الرّجوع إلى الأصول في العلم الإجمالي ، ولا يرتفع إلاّ بالعلم التّفصيلي بالمعلومات الإجماليّة ، أو ما في حكمه من الظّن المعتبر ، على ما بنى عليه الأمر في بيان الثّمرة بين حجيّة الظّن والتّبعيض في الاحتياط. فقيام الإجماع القطعي أو الظّني على اعتبار

__________________

لا يسمن ولا يغني ؛ لعدم امكان إثبات اعتبار الظن بالظن للمصادرة وللزوم الدور كما لا يخفى. حاشية « رحمة الله » على الفرائد : ص ١٢٥.

* وقال سيّد العروة أعلى الله تعالى مقامه الشريف :

لا نعرف ارتباط هذا الجواب بالسؤال أصلا ولعلّه لذا ضرب على هذه العبارة إلى آخرها في بعض النسخ وأثبت بدله : « قلت : مسألة اعتبار الظن بالطريق ... » إلى آخره وهو مناسب للسؤال إلاّ أنه أطنب في البيان بما لا يحتاج إليه ، فليتأمّل. حاشية الفرائد تقرير بحث السيّد اليزدي : ج ١ / ٥٩٠.

* أقول : وأنظر نهاية الأفكار : ج ٣ / ١٥٨.

٤٤٣

الأصول في محلّ البحث ؛ إنما هو من جهة قيامه على اعتبار الظّن المطلق.

فملخّص دعوى الإجماع في كلام المتوهّم : دعوى الإجماع الظّني على حجيّة مطلق الظّن في زمان الانسداد. ومن المعلوم ضرورة عدم كفايته أصلا في الخروج عن مقتضى الأصل الأوّلي في الظّن. وما قرع سمعك : من عدم الفرق في النّتيجة ؛ إنّما هو بعد إنتاج المقدّمات في حكم العقل على وجه القطع الرّجوع إلى الظّن ، فلا يفرّق بين الظّن في المسألة الفقهيّة والظّن في المسألة الأصوليّة.

فلا معنى لتوهّم : أنّه بناء عليه يلزم الاكتفاء بالظّن الحاصل من الإجماع القطعي على اعتبار الأصول في المشكوكات على حجيّة الظّن المطلق ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى إثبات الظّن بالظّن من غير حاجة إلى إنهائه إلى القطع ، وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا ، هذا.

مضافا إلى أنّه بعد البناء على كفايته ، لا معنى للتمسّك بدليل الانسداد لإثبات المدّعى في حكم العقل أصلا بل يتمسّك بالإجماع الظّني على حجيّته.

ومن هنا استدلّ بعض أفاضل من تأخّر في المقام : بإجماع العلماء كافّة على حجيّته في زمان الانسداد. وإن كان هذا كما ترى لا شاهد له أصلا.

فإن قلت : المفروض في المقام أيضا إنتاج المقدّمات في حكم العقل على وجه القطع واليقين الرّجوع إلى الظّن في الجملة ولو من جهة التّبعيض في موارد الاحتياط اللاّزم بمقتضى العلم الإجمالي الكلّي فيحكم بعد ملاحظته بوجوب

٤٤٤

الأخذ بالظّن القائم على حجيّة مطلق الظّن الحاصل من الإجماع الظّني.

قلت : ما ذكر توهّم فاسد وتمحّل بارد ؛ لأنّ التّبعيض في الاحتياط الملازم لعدم حجيّة مطلق الظّن لا يمكن أن ينتج حجيّة مطلق الظّن المانعة من التّبعيض في الاحتياط. نعم ، الظّن بحجّيّة بعض الأمارات القائمة على نفي التّكليف الإلزامي مع عدم إفادتها الظّن الفعلي به في حكم الظّن الفعلي على القول بكون النّتيجة هو التّبعيض في الاحتياط.

وأين هذا من اتّصافه بالظّن بحجّيّة مطلق الظّن؟ بناء على التّبعيض في الاحتياط ، والفرق بين الأمرين ممّا لا يكاد أن يخفى على ذي مسكة.

٤٤٥

(٢٦٠) قوله قدس‌سره : ( وتحصل ممّا ذكرنا إشكال آخر أيضا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٧ )

إعضال : التبعيض في الإحتياط دون الحجيّة

أقول : لمّا كان لازم حجيّة الظّن أمرين :

أحدهما : تعيين المعلومات الإجماليّة به فيما قام عليها فيلزم خروج المشكوكات عن أطراف العلم الإجمالي بعد ما كانت منها فيرجع فيها إلى الأصول.

ثانيهما : إثباته لمدلوله وطريقيّته إليه وترتيب أحكامه عليه ورفع اليد به عن الظّواهر الموجودة في مورده على خلافه من العمومات والإطلاقات وغيرهما إذا كان أقوى منها.

فإذا لم يثبت بالدّليل المذكور ؛ نظرا إلى المقدّمة الثّالثة إلاّ رفع اليد عن الاحتياط الكلّي في الجملة وإن تعين هذه المهملة ؛ نظرا إلى حكم العقل في ضمن جزئيّة معيّنة وهي الظّنون المخالفة للاحتياط كلاّ أو بعضا لم يترتّب عليه شيء من الأمرين.

أمّا الأوّل ؛ فقد عرفت الكلام فيه.

وأمّا الثّاني ؛ فظاهر بعد فرض كون النّتيجة ما ذكر من التّبعيض في الاحتياط من غير فرق بين الظّن القائم على التّكليف ـ في قبال ما ينفيه من

٤٤٦

الظّواهر كما هو مفروض « الكتاب » ؛ فإنّه لا يجوز رفع اليد به عنها لعدم جواز رفع اليد عن الدّليل بأصالة الاحتياط ـ وبين القائم على عدمه ؛ فإنّ الثّابت عنده مجرّد عدم وجوب الاحتياط في مورده ، لا إثبات مدلوله. فلو دلّ على استحباب شيء لا يحكم به وإنما يحكم بعدم وجوب الاحتياط ، فإنّ دليل نفي الحرج أو الإجماع على عدم وجوب الاحتياط لا يقتضي إلاّ عدم رعاية احتمال الوجوب والاحتياط من جهة العلم الإجمالي ، ولا يقتضيان الحكم بالاستحباب كما هو ظاهر هذا.

وقد يناقش فيما أفاده قدس‌سره : بأنّ رفع اليد عن الظّواهر المعتبرة من الكتاب والسّنة القطعيّة ، أو الظّنية المعتبرة ، بالظّن على خلافها إنما هو فيما كان مبنى اعتباره على الحجيّة من حيث الخصوص حتّى يكون في مرتبة الظّواهر ، لا على الحجيّة من جهة الظّن المطلق ؛ فإنّه ليس في مرتبة الظّواهر حتّى يرفع اليد به عنها.

فإن شئت قلت : إنّ حجيّة الظّن المطلق مبنيّة على عدم انفتاح باب العلم والظّن الخاص في المسألة الشّخصيّة فإذا فرض انفتاح أحدهما في مسألة فلا معنى لحجيّة الظّن المطلق فيها كما لا يخفى.

فما أفاده : من رفع اليد عن الظّواهر ـ إذا كانت النّتيجة حجيّة الظّن بخلاف ما إذا كانت هو التّبعيض في الاحتياط ـ كما ترى.

فهذه الثّمرة ساقطة على الوجهين ، كما أنّها ساقطة على القول باعتبار الظّواهر من باب الظّنّ المطلق ؛ لاستحالة حصول الظّنّين الفعليّين بطرفي

٤٤٧

النّقيضين ، إلاّ على القول بكون النّتيجة هي حجيّة الظّنّ بالمعنى الأعمّ من الشّخصي والنّوعي ، لكنّه فاسد كما ستقف على تفصيل القول فيه.

نعم ، إنّما يتصور التّعارض الحقيقي بينهما فيما لو كان مبنى حجيّة أحدهما على الظّن باعتباره ، لا حصول الظّن منه في المسألة الفقهيّة ؛ فإنّه يتصور التّعارض حينئذ.

لكن مبنى كلامه قدس‌سره ليس على ذلك ، بل على الوجه الأوّل ؛ فيتوجّه عليه الإشكال بعدم الفرق على الوجهين في عدم جواز العمل بالظّن المطلق في مقابل الظّواهر الّتي ثبت كونها من الظّنون الخاصّة ، فهذه الثّمرة ساقطة عنها.

(٢٦١) قوله : ( ودعوى : أنّ باب العلم والظّن الخاصّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٧ )

أقول : ما ذكر من الدّعوى ، يرجع إلى ما سبق إلى بعض الأوهام من نفي الإشكال الثّاني. والثّمرة المذكورة من جهة توهّم عدم وجود لموضوع الظّواهر بعد فرض العلم الإجمالي باختلالها من جهة طروّ الصّوارف ؛ فلا يبقى ظاهر منها على ظهوره ، وإلاّ لم يجز ادّعاء انسداد باب الظّن الخاصّ لتكفل ظواهر الكتاب والسّنة القطعيّة والظّنيّة المعتبرة بالاتفاق لأحكام أكثر الوقائع ، فلو لا إجمالها من الجهة المذكورة لم يكن معنى لدعوى الانسداد.

فإذا قام هناك أمارة على التّكليف في قبال الظّواهر النّافية له ، لم يفرّق في وجوب العمل بها بين كون عنوان العمل بالظّنون الموافقة للاحتياط ، الاحتياط أو الحجيّة. وهذا معنى نفي الثّمرة المذكورة.

٤٤٨

(٢٦٢) قوله قدس‌سره : ( إذ لا علم ولا ظنّ بطروّ مخالفة الظّواهر (١) ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٧ )

في بيان ما يوجب إجمال الخطابات

أقول : خطابات الكتاب والسّنة القطعيّة والمعتبرة الغير الوافية بأغلب الأحكام ولو مع الانضمام بالأدلّة القطعيّة وسائر الظّنون الخاصّة :

قد تكون مجملة من حيث الذّات كألفاظ العبادات على القول بالوضع للصّحيحة أو على القول بالوضع للأعمّ إذا قيّدت بقيد مجمل ، أو كان المشكوك من معظم الأجزاء الّتي لها دخل في أصل الصّدق ، أو من جهة وضعه للمعاني المتعدّدة مع عدم القرينة على التّعيين كلفظ القرء ، أو من جهة إرادة المعنى المجازي مع تعدّده وعدم القرينة على التّعيين.

وقد تكون غير ظاهرة من جهة سوقها في مقام الإهمال وبيان التّكليف في الجملة كقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٢) ؛ فإنّه ليس إلاّ في مقام إعلام تشريع وجوب الصّوم في هذه الشّريعة كالشّرائع السّابقة.

وقد تكون غير ظاهرة من جهة ورودها في مقام بيان حكم آخر ، ككثير من

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : الظاهر.

(٢) البقرة : ١٨٣.

٤٤٩

الخطابات الواردة في العبادات كقوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (١) ونحوه ممّا ورد في بيان الحثّ والتّرغيب والتّأكيد ، بل المعاملات كقوله : « البيّعان بالخيار » (٢) ونحوه ممّا يشهد به التّتبّع كالأخبار الواردة في « عدم انعزال الوكيل إلاّ بعد بلوغ العزل إليه » (٣) فإنّه لا ظهور لها من حيث بيان شروط الوكالة وما يعتبر فيها كما زعمه بعض مشايخنا المتأخّرين في « شرحه » على « الشّرائع ».

وقد تكون غير ظاهرة من جهة كثرة استعماله في بعض الأفراد أو المعنى المجازي فيما أوجبت الإجمال وهكذا.

وقد تكون مجملة من حيث العلم الإجمالي الخاصّ كما في العامين من وجه ، أو مطلق الظّاهرين المتعارضين بعد القطع من غير جهة الدّلالة.

وقد تكون مجملة من جهة العلم الإجمالي العامّ إذا كانت الشّبهة ملحقة بالمحصورة ؛ نظرا إلى العلم بإرادة خلاف الظّاهر من كثير من الخطابات.

والإثبات والنّفي في كلام المدّعي وشيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره يرجع إلى القسم الأخير لا إلى سائر الوجوه والأقسام ؛ فإنّها ليست محلّ الإنكار أصلا ولا

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

(٢) الكافي : ج ٥ / ١٧٠ ، باب « الشرط والخيار في البيع » ـ ح ٤ ، عنه وسائل الشيعة : ج ١٨ / ٥ بقية كتاب التجارة أبواب الخيار ـ ح ١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ / ٨٥ باب « اذا ادعى الموكل عزل الوكيل » ـ ح ٣٣٨٣ ، عنه وسائل الشيعة : ج ١٩ / ١٦٣ ، باب « ان الوكيل اذا تصرف بعد عزله » ـ ح ٢.

٤٥٠

ينفع المدّعى جزما ؛ إذ هي مسلّمة على القول بانفتاح باب العلم والظّن الخاصّ أيضا ؛ إذ ليس مبنيّا على كون جميع الخطابات مبنيّة فعلا بحيث يجوز الرّجوع إليها عند الشّك ، وبعد إخراج ما يكون مجملة من غير الجهة الأخيرة لا يبقى ظواهر كثيرة يمنع ظهورها عن ادّعاء الانسداد حتّى يكون إثبات إجمالها من جهة العلم الإجمالي من مقدّمات دليل الانسداد.

مضافا إلى أنّه لا شاهد لهذا العلم الإجمالي والتّمسك بالقضيّة المعروفة : ( ما من عامّ إلاّ وقد خصّ وما من مطلق إلاّ وقد قيّد ) مضافا إلى عدم إيجابه الإجمال كما حقّق في محلّه ، وعدم الفرق بناء عليه بين القولين ، لا يجدي بالنّسبة إلى غير العموم والإطلاق من الظّواهر ، هذه غاية ما يقال في بيان كلامه وتوجيه مرامه.

لكن ما أفاده قدس‌سره في المقام ينافي ما أفاده بعد ذلك عند التّكلّم في التّنبيه الثّاني ؛ فإنّه قد جزم هناك كما سيجيء : بأنّ إجمال تلك الخطابات من مقدّمات دليل الانسداد وأنّه لا شبهة فيه من جهة العلم الإجمالي العام. وقد جعل الثّمرة بين حجيّة الظّن والتّبعيض في الاحتياط مع فرض الإجمال وتسليمه في ارتفاع الإجمال عن الخطابات وعودها إلى الحالة الأوليّة من البيان على الأوّل ، وعدم ارتفاع الإجمال منها على الثّاني.

وفيه كلام ستقف عليه عند شرح القول في التّنبيه الثّاني فانتظر. فما أدري

٤٥١

بالمراد بقوله قدس‌سره : ( وسيجيء بيان ذلك عند التّعرض ... إلى آخره ) (١) مع أنّ ما تعرّضه هناك مناف لما أفاده في المقام.

(٢٦٣) قوله قدس‌سره : ( وأمّا الرّجوع في كلّ واقعة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٨ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده في بيان مجاري الأصول في المقام ، لا يخلو عن اضطراب ؛ لأنّ ظاهره أوّلا حصر مجرى التّخيير في الشّك في المكلّف به وظاهر قوله : ( كما إذا كان الشّك في تعيين التّكليف الإلزامي ... إلى آخره ) (٢) أخيرا تعميم مجراه بالنّسبة إلى الشّك في التّكليف كما هو الحقّ عنده وعندنا بل وعند الكلّ.

(٢٦٤) قوله قدس‌سره : ( فيردّه (٣) : أنّ العلم الإجمالي ... إلى آخره ) (٤). ( ج ١ / ٤٢٨ )

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٢٧. هامش رقم / ٤.

(٢) المصدر السابق : ج ١ / ٤٢٨.

(٣) وفي الكتاب : ويردّ هذا الوجه ... إلى آخره.

(٤) قال سيّد العروة قدس سرّه الشريف :

( ما ذكره المصنف هنا مخالف لما صرّح به في الشبهة المحصورة من رسالة أصل البراءة وفي تعارض الإستصحابين من رسالة الإستصحاب : من ان العلم الإجمالي بمخالفة الواقع في مجاري الأصول لا يسقطها عن الإعتبار إذا لم يلزم مخالفة عمليّة من إجراءها كما فيما نحن فيه ، وهذا هو التحقيق في المسألة لا ما ذكره ها هنا ولا ما ذكره أيضا في الشبهة

٤٥٢

عدم جواز الرجوع إلى الاصول النافية للتكليف

أقول : ما أفاده في بيان عدم جواز الرّجوع إلى الأصول النّافية للتّكليف من البراءة أو الاستصحاب المطابق لها ظاهر لا شبهة في صحّته واستقامته ؛ فإنّ الوجه فيه : هو الّذي عرفت توضيحه في طيّ إثبات عدم الرّجوع إليها في جميع الوقائع ، فإنّ ملاحظة الشّك مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي لا يرفعه كما هو واضح.

وأمّا ما أفاده في بيان عدم جواز الرّجوع إلى غير الاحتياط من الاستصحاب المثبت للتّكليف من منع العلم الإجمالي بوجود الأحكام الغير الإلزاميّة في مجراه من جريانه في موارده فهو مبنيّ على ما أفاده في الجزء الثّاني من « الكتاب » في الشّبهة المحصورة : من عدم الفرق في عدم جواز الرّجوع إلى الأصل الجاري في المشتبهين مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي بين كونه على

__________________

المحصورة : من سقوط الإستصحابات التي علم إجمالا بكون بعضها مخالفا للواقع لأجل حصول غايتها التي نطق بها أخبار الإستصحاب مثل قوله : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » فبعد العلم الإجمالي بخلاف اليقين السابق فقد حصل اليقين الناقض فانقطع الحكم المستصحب ). انتهى.

انظر حاشية الفرائد ، تقرير بحث السيّد اليزدي : ج ١ / ٥٩٢.

٤٥٣

طبق الاحتياط أو على خلافه ؛ من حيث أنّ الغاية في أدلّة الأصول أعمّ من العلم الإجمالي والتّفصيلي هذا.

ولكن هنا وجهين آخرين :

أحدهما : جريان ما لم تنتقض حالته السّابقة في الواقع وفي علم الله ولمّا لم يكن معلوما تفصيلا للمكلّف فيحتاط في العمل بهما احتياطا في الحكم الظّاهري وعملا بالاستصحاب الجاري في الواقع نظير الاحتياط في العمل بالخبرين اللّذين يعلم بصحّة سند أحدهما إجمالا.

وهذا هو الّذي يحتمله قوله قدس‌سره : « يمنع من العمل بالاستصحابات من حيث أنّها استصحابات ... إلى آخره ) (١) فإنّه على الأوّل لا يكون العمل بالاستصحابات أصلا ورأسا ، إلاّ على تكلّف ؛ بأن يكون المراد العمل على طبقها فتدبّر.

ثانيهما : جريان الاستصحابات بأسرها والفرق بين الأصول المثبتة والنّافية في قدح العلم بالخلاف ؛ حيث إنّ قدحه من جهة لزوم طرح التّكليف الإلزامي المعلوم بالإجمال المتوجّه إلى المكلّف على وجه التّنجز ، فإذا لم يلزم ذلك في المقام ـ كما هو المفروض ـ فلا مانع من الرّجوع إلى الأصل. ومن هنا يرجع إلى الأصل في المشتبهين إذا كان نافيا للتّكليف أيضا فيما لم ينجّز التّكليف بالمعلوم إجمالا على كلّ تقدير في الشّبهة المحصورة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٢٨.

٤٥٤

وهذا هو الوجه عندنا وقد مال إليه قدس‌سره في أواخر الاستصحاب ، إلاّ أنّ استفادة ذلك من أخبار الاستصحاب بحيث يفرّق في الغاية بين العلم الإجمالي بالتّكليف الإلزاميّ وغيره ، يحتاج إلى إمعان نظر تامّ ، ولعلّنا نتكلّم في ذلك ونشرح لك القول فيه في أجزاء التّعليقة المتعلّقة بالبراءة والاستصحاب.

ثمّ إنّ الوجه في أمره قدس‌سره بالتّأمّل يحتمل أن يكون منع قدح العلم الإجمالي بالنّسبة إلى الأصول المثبتة كما هو مبنى الوجه الأخير ، ويحتمل أن يكون منع جريان ما لم تنتقض حالته السّابقة في علم الله كما هو مبنى الوجه الثّاني ، بناء على حمل كلامه عليه كما سمعنا عنه في مجلس البحث ؛ حيث إنّ عدم الانتقاض واقعا وبقاء الحالة السّابقة في علم الله لا يمكن أن يجعل مناطا وموضوعا للأصل الظّاهري ولا يقاس ذلك بالخبر الصّحيح المردّد بين الخبرين للفرق بينهما بما لا يخفى على ذي مسكة ؛ فإنّ الصّحة تكون عنوانا لحجيّة الخبر بخلاف بقاء المستصحب في الواقع فإنه لا يمكن أن يكون مناطا وإنما المناط الشّك في البقاء المتحقّق بالنّسبة إلى كلّ منهما هذا.

ثمّ إنّ لازم الوجوه الثّلاثة في الأصول المثبتة بأسرها البناء على الأخذ بالتّكليف الإلزامي وإن افترقت من جهة أخرى ؛ حيث إنّ لازم الوجه الأخير الراجع إلى جريان الاستصحاب الحكم بترتّب جميع آثار المستصحب في زمان الشّك فيحكم بتنجس ملاقي أحد مستصحبي النّجاسة مع العلم بطهارة أحدهما بخلافه على الوجهين الأوّلين كما هو واضح وسيجيء تفصيل القول فيه في محلّه هذا.

٤٥٥

ثمّ إنّه لم يتعرّض لوجه عدم جريان أصالة التّخيير في مواردها وإن تعرّض لها عند بيان مقتضى الأصل في الوقائع بقوله : ( وأمّا الرّجوع في كلّ واقعة ... إلى آخره ) (١) من حيث وضوح كون الموضوع والمناط فيها تسوية الاحتمالين المرتفعة بالظّن ، فالرّجوع إلى الظّن في موارد التّخيير ممّا لا مناص عنه ، سواء على القول بكون نتيجة المقدّمات حجيّة الظّن ، أو التّبعيض في الاحتياط. كما أنّ الأخذ بالتّخيير ممّا لا مناص عنه مع عدم التّمكن من تحصيل الظّن على كلّ تقدير ، هذا. وسيجيء توضيح القول في ذلك زيادة على ذلك في التّنبيه الثّاني.

وحاصل ما أفاده قدس‌سره في حكم المقام : أنّه بعد البناء على عدم جواز الرّجوع إلى الأصول النّافية من جهة العلم الإجمالي يؤول الأمر بالأخرة إلى الأخذ بمقتضى التّكليف الإلزامي سواء كان من جهة الأخذ بالاحتياط أو الاستصحاب أو التّخيير فيوافق من حيث العمل للاحتياط الكلّي فيلزمه العسر والحرج لا محالة.

(٢٦٥) قوله قدس‌سره : ( والثّاني : أنّ الجاهل الّذي وظيفته ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٩ )

أقول : إذا فرض عدم شمول دليل التّقليد كتابا وسنّة وإجماعا للمقام كما هو واضح لكلّ من له أدنى تأمّل ، فلا معنى للحكم بتبعيّته وتقدّمه على الظّن ، بل مقتضى الوجه الأوّل : كونه ممّا قام الدّليل القطعي على حرمته من حيث

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٢٨.

٤٥٦

الخصوص ، فلا يكون في عرض سائر الظّنون أيضا على تقدير الإغماض عن عدم إفادته للظّن في حقّ هذا المجتهد المخطئ القائل بالانفتاح ، بل مع فرض العلم بخطأ المجتهد في مدارك اجتهاده لا يجوز تقليده للعالم بالخطأ وإن كان عاميّا ، فكيف إذا كان مجتهدا؟

فعدم الشمول للمقام حقيقة من وجهين :

أحدهما : أنّ دليل التّقليد يختصّ بالجاهل العاجز عن الاستنباط.

وبعبارة أخرى : يختصّ بالعامي العاجز ، والمفروض في المقام كون المكلّف مجتهدا بالقوّة بل بالفعل.

ثانيهما : أنّ مصبّه فيمن خفي عليه مدرك استنباط المجتهد واحتمل إصابته فيه ، فلا يشمل من يعلم بخطأ المجتهد في مدرك استنباطه ولو فرض كونه عاميّا ؛ لأنّ نظره ليس له طريقيّة بالنّسبة إليه هذا.

(٢٦٦) قوله قدس‌سره : ( وهذا شيء مطّرد في باب (١) رجوع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٣٠ )

أقول : ما أفاده من اطّراد ما ذكره في حكم المقام في باب مطلق رجوع الجاهل إلى العالم سواء كان المرجع مفتيا أو شاهدا أو غيرهما ممّا لا خفاء فيه ولا شبهة تعتريه ؛ ضرورة أنّ مبنى الإرجاع على طريقيّة قول المرجع وكشفه عن الواقع فلا بدّ أن يكون له مزيّة. فإذا فرض انكشاف مبنى قوله واختياره لمن أمر

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : في باب مطلق رجوع الجاهل ... إلى آخره.

٤٥٧

بالرّجوع إليه بحيث علم بخطأه فيه أو عدم صلاحيّته للاستناد إليه أو تحقّقه في حقّه فلا معنى للأمر برجوعه إليه. ومن هنا حكموا بعدم حجيّة الشّهادة على النّفي الأصلي ونحوه إلى غير ذلك.

المقدّمة الرابعة

(٢٦٧) قوله قدس‌سره : ( في أنّه إذا وجب التعرض لامتثال الواقع (١) ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٣١ )

أقول : قد عرفت الإشارة إلى أنّ غير المقدّمة الرّابعة من المقدّمات ، مهّدت لإثبات الصّغرى ، والمقدّمة الرّابعة ذكرت لبيان الكبرى العقليّة ، وأنّه كلّما وجب التّعرض لامتثال الخطاب الواقعي في مسألة واحدة كما في الشّك في المكلّف به ، أو في مسائل كما في المقام في الشّبهة الموضوعيّة أو الحكميّة ، ولا يمكن تحصيله بالعلم أو الطّرق المقرّرة من الشّارع ولا يجب الاحتياط في تحصيله ، وجب الرّجوع إلى الظّن في تحصيله.

فإن شئت قلت ـ في بيان الكبرى ـ : إنّه كلّما وجب تحصيل الواقع ودار الأمر بين الظّن والشّك والوهم يجب تقديم الظّن وسلوكه في تحصيله فيجب استفراغ الوسع في تحصيل الظّن ولا يجوز قبله الأخذ بأحد طرفي الشّك ، كما أنّه لا يجوز بعد حصوله الأخذ بالوهم وهذا ممّا يحكم به ضرورة العقل ، إن فرض

__________________

(١) انظر هامش رقم (١) من : ج ١ / ٤٣١ من فرائد الأصول.

٤٥٨

تماميّة المقدّمات حتّى بطلان التّبعيض في الاحتياط المثبتة للصّغرى ، فيحصل من ضمّ المقدّمة الرّابعة إليها العلم بحجيّة الظّن بحكم العقل.

ثمّ إنّ عدم الجزم بثبوت حجيّة الظّن فيما ذكره من الموضوعات المشتبهة كالضّرر والعدالة والنّسب والوقف وغير ذلك من جهة التّأمّل في تماميّة المقدّمات بالنّسبة إليها كما ستقف على تفصيل القول في ذلك لا من جهة الفرق ، بعد فرض تماميّتها بين الموضوعات والأحكام كما هو واضح.

(٢٦٨) قوله قدس‌سره : ( توضيح ذلك : أنّه إذا وجب عقلا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٣١ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّه قدس‌سره قد أسقط بعض مراتب الامتثال كالإطاعة الظّنية الاطمئنانيّة ؛ فإنّها مقدّمة على الامتثال الظّني بقول مطلق. والإطاعة الظّنية بالظّن النّوعي ؛ فإنّها مقدّمة على الامتثال الشّكي والوهمي فمراتب الامتثال ستّة لا أربعة ، بل قد يقال : إنّها سبعة بناء على عدم إدراج التّبعيض في الاحتياط في المرتبة الثّانية فتدبّر.

(٢٦٩) قوله قدس‌سره : ( فاندفع بذلك ما زعمه بعض من تصدّى لردّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٣٢ )

أقول : قد عرفت استقلال العقل بوجوب متابعة الظّن عند دوران الأمر في الامتثال بينه وبين الشّك والوهم ، فإذن لا معنى لقدح مجرّد احتمال جعل شيء آخر ؛ فإمّا أن يختار عدم حكم العقل في موضوع الدّوران. وإمّا أن يختار ويلتزم بعدم قدح احتمال جعل شيء آخر ؛ لما قد عرفت مرارا : من عدم إمكان دخل

٤٥٩

الأمر النّفس الأمري في جعل العقل المبنيّ على الوجدان. وقدح مجرّد الاحتمال المتحقّق بالوجدان خروج عمّا فرضنا من حكم العقل في موضوع الدّوران من غير مدخليّة شيء آخر. والغرض : أنّ مجرد الاحتمال لا يخرج الموضوع عن الدّوران.

فإن شئت قلت : إذا فرض تقدّم الامتثال الظّني على الشّكي والوهميّ عند العقل الحاكم في أصل مسألة الإطاعة ومراتبها فلا معنى لقدح احتمال جعل شيء آخر ، وإنّما القادح العلم بالجعل من حيث إنّه رافع لموضوع حكم العقل ؛ ضرورة أنّه لا دوران هنا بين الظّن والشّك والوهم ، بل بينه وبين الامتثال العملي.

فكما أنّ مجرّد وجود الظّن وإن احتمل كونه مجعولا لا يرفع حكم العقل بلزوم الامتثال العلمي عند التّمكّن منه ، كذلك احتمال جعل ما لا يفيد الظّنّ في زمان الانسداد مع التّمكّن من الظّنّ لا يوجب رفع موضوع حكم العقل. فالظّن عند تماميّة مقدّمات دليل الانسداد كالعلم في عدم الحاجة إلى جعل الشّارع لا مثل العلم في عدم إمكان تعلّق الجعل به مطلقا سواء كان من الشّارع أو العقل. وهذا هو المراد من قوله قدس‌سره : ( والحاصل أنّه كما لا يحتاج الامتثال العلمي ... إلى آخره ) (١).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٣٣.

٤٦٠