بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

تأسيس الأصل في العمل بغير العلم.

(٢٤٨) قوله قدس‌سره : ( وفيه أوّلا : أنّ معرفة الوجه ممّا يمكن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤١٧ )

كلام المصنّف في معرفة الوجه وقصده

أقول : لعلّ المراد من الأدلّة في قبال إطلاقات العبادة الأخبار البيانيّة للعبادات فإنّ سكوتها عن اعتبارها في مقام بيان ما يعتبر فيها شطرا أو شرطا يكشف عن عدم اعتبارها فإنّ المستفاد منها حصر ما يعتبر فيها فيما ذكر فيها فتدبّر.

وأمّا إطلاق العبادة فالمراد منه ظاهرا هو إطلاق المادّة ؛ ضرورة أنّ إطلاق الهيئة إنما ينفع عند الشّك في الإطلاق واشتراط الواجب لا عند الشّك فيما يعتبر في تحقّق امتثال الأمر المطلق المتعلّق بالواجب.

فقد يناقش فيما أفاده قدس‌سره : بأنّ التّمسك بإطلاق العبادات مادّة مبنيّ على القول بكون ألفاظها أسامي للأعمّ وأمّا على القول بكونها أسامي لخصوص الصّحيحة التّامّة كما اختاره قدس‌سره في محلّه فلا محالة يكون ألفاظها مجملة ذاتا.

ثمّ على القول بالأعمّ لا يجوز التّمسك بها على الإطلاق ؛ وإنما يجوز إذا وجد هناك شرائط التمسّك بالإطلاق فإنّ حال ألفاظ العبادات على هذا القول حال سائر المطلقات من حيث كونها مبنيّة بالذّات.

٤٢١

وقد ذكر شيخنا قدس‌سره (١) في الجزء الثّاني من « الكتاب » كما سيجيء الإشارة إليه : أنّه لا يجوز التّمسّك بأكثر ألفاظ العبادات بل كلّها على القول بالأعمّ أيضا ؛ من حيث ورودها في مقام الإهمال وبيان المطلوبيّة في الجملة ، أو سوقها لبيان حكم آخر من الحثّ والتّرغيب هذا كلّه.

مضافا إلى ما ربّما يقال : من منافاته لما أفاده في أوّل « الكتاب » ؛ من عدم كون اعتبار هذه الخصوصيّة وأمثالها تقييدا في العبادة حتّى يدفع بإطلاقها من حيث إنّ معرفة الوجه وكذا قصده كقصد القربة يلاحظ بعد تحقّق الأمر. فكيف يمكن أخذها في المأمور به المتأخّر عن الأمر؟ وإن ذكرنا هناك بعض المناقشات في ذلك ، وأنّ الظّاهر من حال الأمر والآمر كون غرضه متعلّقا بوجود الفعل المأمور به من غير اعتبار أمر آخر فيه إلاّ فيما ثبت اعتبار قصد الامتثال فيه.

ومن هنا اتفقوا على أنّ مقتضى الأصل اللّفظي في الواجبات ، التّوصّليّة ، فلعلّه المراد من إطلاق العبادة. وكون الخصوصيات المذكورة متأخّرة عن الأمر من حيث التّصور ، لا ينافي تأخّرها عنه من حيث الوجود فيعتبر في صحّة العبادة فتأمل في المقام فإنّه من مزالّ الأقدام.

وذكر قدس‌سره في مقام آخر كما سيجيء الإشارة إليه ـ لدفع مثل الخصوصيّة المشكوكة في المقام بدل إطلاق العبادة ـ إطلاق الإطاعة وهو إشارة إلى التّمسّك

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٤٦.

٤٢٢

بما ورد في باب الإطاعة من الآيات والأخبار من حيث المادّة بعد الفراغ عن صدق الإطاعة على وجه القطع واليقين على الخالية عن الخصوصيّة المبحوث عنها ، والشّك في اعتبارها عند الشارع فيها تعبّدا وإلاّ لم يعقل التّمسك بها كما لا يخفى.

وهذا وإن كان أسلم من التّمسك بإطلاق العبادة ، إلاّ أنّه ربّما يناقش فيه أيضا : بأن ما دلّ على وجوب الإطاعة وحرمة المعصية إنما هو في مقام بيان حكم الموضوعين المذكورين من غير أن يكون في مقام بيان حقيقة الإطاعة وما يعتبر فيها شرعا فتدبّر.

وأمّا التمسّك بسيرة المسلمين في المقام فقد يناقش فيه أيضا : بعدم العلم بوجودها ، بل نعلم بعدمها كيف! ومذهب جماعة من الفقهاء الّذين كان مدار عمل المسلمين على تقليدهم ومتابعة آرائهم كالعلاّمة قدس‌سره وغيره على اعتبار معرفة الوجه ، أو قصده المتوقّف على المعرفة. فكيف يمكن مع ذلك تحقّق السّيرة الكاشفة عن تقرير المعصوم عليه‌السلام؟

ومثله التّمسك بسيرة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام مع النّاس؟

فإنّه يناقش فيه ـ مضافا إلى عدم كونه وجها أخر في قبال سيرة المسلمين ـ : بأنّه لم يعلم عنوان عمل النّاس في زمان الحضور وأنّهم يكتفون بالاحتياط مع التّمكن من المعرفة العلميّة أو لا يقصدون وجه الفعل بعد تحصيل المعرفة؟ مع أنّه قد يدّعى على تقدير تسليم العلم بالعنوان : أنّ ما ورد من الآيات

٤٢٣

والأخبار في باب وجوب تحصيل العلم بالأحكام يكفي رادعا هذا.

مضافا إلى أنّه قد يدّعى : أنّ السّيرة على إلقاء الإطاعة الإجماليّة مع التّمكن من الإطاعة التّفصيليّة العلميّة ، بل ادّعى عليه الإجماع في كلام بعضهم وإن كانت هذه الدّعوى فاسدة بما أسمعناك في فروع العلم فراجع.

فالحقّ فساد ادّعاء السيرة من الجانبين فلا وجه يقضي بوجوب تحصيل معرفة الوجه أو قصده بالمعنى المبحوث عنه في المقام ، وإن كان ما يدلّ على وجوب تحصيل العلم من الآيات والأخبار بالمعنى الّذي عرفته في أوائل التّعليقة عند التّكلم في حكم العلم الإجمالي أكثر من أن تحصى.

(٢٤٩) قوله قدس‌سره : ( وثانيا : سلّمنا (١) وجوب المعرفة أو احتمال وجوبها الموجب للاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤١٧ )

أقول : الحكم بوجوب المعرفة ظاهرا مع احتمال وجوبها مبنيّ على جريان الاشتغال في خصوص المسألة مع القول بالبراءة عند الشّك في ماهيّة العبادة ودورانها بين الأقلّ والأكثر كما اختاره شيخنا الأستاذ العلامة قدس‌سره وفاقا للمشهور كما ستقف عليه في الجزء الثّاني من « الكتاب » ؛ نظرا إلى استقلال العقل في حكمه بلزوم الأخذ بالطّريق اليقيني في باب الإطاعة عند الشّك في حصولها بغيره ، كما بنى عليه الأمر في أوّل « الكتاب » أيضا.

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : لو سلّمنا.

٤٢٤

لكنّك عرفت : التّأمل في ذلك هناك ، وأنّ مرجع الشّك إن كان إلى الشّك في حصول الإطاعة في حكم العقلاء عند إلقاء خصوصيّة من الخصوصيّات يلزم في حكم العقل الإتيان على وجه يحصل مع العلم بحصول الإطاعة وإن كان إلى الشّك في اعتبار خصوصيّة زائدة عند الشّارع مع الجزم بحصول الإطاعة عند العقلاء بدونها ، فلا يسلّم حكم العقل بلزوم الإتيان بالخصوصيّة بل مبنيّ على القول بالاشتغال في ماهيّة العبادة المردّدة بل يمكن المصير إلى البراءة في أمثال المقام ، ولو قلنا بالاشتغال في ماهيّات العبادات المردّدة ؛ من حيث أنّ الرّافع لحكم العقل هو العلم بمنع الشّارع ولا يكفي مجرّد احتمال المنع على ما عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة وستعرفه فيما يتلى عليك بعد هذا إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ الوجه فيما أفاده قدس‌سره من الفرق ـ على تقدير تسليم وجوب المعرفة في الجملة ـ بين التّمكن من المعرفة العلميّة والتّمكن من المعرفة الظّنيّة على ما ذكروه من اعتبار الجزم بالنّية ، ظاهر ؛ حيث إنّه لا جزم بالمنوي في صورة الظّن ، فكيف يتمكّن من جعله على سبيل الجزم داعيا؟

ولو اكتفي باحتماله لم يفرّق بين الإطاعة الظّنية والاحتماليّة الحاصلة عند الاحتياط بل لم يفرّق بين صورتي اعتبار الظّن وعدمه ؛ ضرورة أنّ حجيّة الظّن لا توجب القطع بوجود المظنون ، وإلاّ خرج عن كونه ظنّا ، فالدّاعي بالنّسبة إلى الأمر الواقعي عند عدم العلم بالواقع هو احتمال وجوده المشترك بين صور الظّن والشّك والوهم.

٤٢٥

نعم ، قطعيّة اعتباره يوجب القطع بالحكم الظّاهري ولا تعلّق له بالأمر الواقعي العبادي الّذي يجب معرفته نفسا أو مقدّمة لقصد الوجه في العبادات ؛ ضرورة كون الأمر المتعلّق بالطّريق توصّليا إرشاديّا دائما ولا يوجب قصده قصد الواقع ولا يغني عنه أصلا. مع أنّه على تقدير كونه تعبّديّا لم ينفع قصده عن قصد الواقع. وأدلّة وجوب الأخذ بالطّريق وتنزيله منزلة الواقع إنّما تجدي بالنّسبة إلى الآثار الشّرعيّة والأحكام الإلهيّة المحمولة على الواقع لا الآثار العقليّة المرتّبة على العلم بالواقع ، فلا يمكن أن يتوهّم بملاحظة دليل اعتبار الطّريق وتنزيله منزلة الواقع إمكان الجزم بنيّة الوجه.

ومنه يظهر : تطرّق المناقشة إلى قوله قدس‌سره ( فالتّحقيق : أنّ الظّن بالوجه إذا لم يثبت حجيّته فهو كالشّك فيه ... إلى آخره ) (١) ؛ لما عرفت : من عدم الفرق بالنّسبة إلى قصد المظنون بين اعتبار الظّن وعدمه.

(٢٥٠) قوله قدس‌سره : ( بل لا يبعد ترجيح الاحتياط على تحصيل الظّن الخاصّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤١٨ )

أقول : الوجه فيما أفاده ـ : من ترجيح الاحتياط عند العقل على سلوك الظّن الخاصّ ولو كان مبنى اعتباره على ملاحظة المصلحة المتداركة لمصلحة الواقع على تقدير فوتها من سلوك الأمارة المعتبرة بالخصوص ـ ظاهر ؛ إذ غاية ما هناك

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤١٧.

٤٢٦

تدارك المصلحة الواقعيّة الفائتة.

ومن المعلوم : أنّ إدراك نفس المصلحة الأوّليّة أولى من إدراك ما يتدارك به تلك المصلحة ، فالاحتياط بهذه الملاحظة أولى من سلوك الظّن الخاص لكن سلوك الظّن الخاصّ بملاحظة منع جماعة عن سلوك الاحتياط مع وجود الطّريق المعتبر في الشّرعيّات وإطلاقهم القول في اعتبار قصد الوجه أولى من الاحتياط.

وهذا هو الوجه في أمره قدس‌سره بالتّأمّل في ترجيح الاحتياط على الظّن الخاصّ ، فالأولى لمن يريد الاحتياط تحصيل الواقع أوّلا بظنّه المعتبر وإتيان العمل بمقتضاه ، ثمّ الإتيان بالمحتمل بعنوان الاحتياط وإن لم يكن هذا ولا ذاك لازما لما أسمعناك في مسألة العلم الإجمالي مفصّلا.

(٢٥١) قوله قدس‌سره : ( نعم ، الاحتياط مع التمكّن من العلم التّفصيلي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤١٩ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ هذا الكلام لا بدّ أن يحمل على الإهمال لا الإطلاق ؛ لاستظهاره قدس‌سره عدم الإجماع على المنع فيما لا يتوقّف الاحتياط على تكرار العبادة فالحمل على الإطلاق ينافيه ، فراجع إلى ما أفاده هناك حتّى تصدّق ما ذكرنا.

(٢٥٢) قوله قدس‌سره : ( وثالثا : سلّمنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤١٩ )

أقول : إذا كان الجمع ممكنا فلا يجدي التّوهم المذكور لإبطال وجوب

٤٢٧

الاحتياط ، فيؤخذ بمقتضى العلم الإجمالي بوجود التّكاليف بين الوقائع المشتبهة ودليل اعتبار قصد الوجه الظّني على تقدير تسليمه وتماميّته ، وإلاّ فقد عرفت عدم دليل عليه أصلا.

(٢٥٣) قوله قدس‌سره : ( ورابعا : لو أغمضنا عن جميع ما ذكرنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٠ )

توضيح الجواب الرابع

أقول : الوجه فيما أفاده ظاهر بعد التّأمّل فيما قدّمنا لك سابقا في طيّ الأجوبة السّابقة ؛ حيث إنّ المقتضي لبطلان الاحتياط مع الاعتراف بأنّه مقتضى الأصل والقاعدة الأوليّة بالنّظر إلى العلم الإجمالي بالتّكليف الإلزامي بين الوقائع المشتبهة ، ليس إلاّ وجوب قصد الوجه الظّاهري المبنيّ على حجيّة الظّن المبنيّة على وجوب قصد الوجه ، أو الوجه الواقعي بعنوان الاحتمال ، أو المعرفة القطعيّة للوجه الظّاهري المبنيّة على حجيّة الظّن.

ومن المعلوم ضرورة عدم اقتضاء ما ذكر لبطلان الاحتياط مع الغضّ عمّا فيه من لزوم الدّور في الجملة كما هو ظاهر ؛ فإنّه بعد الاعتراف بكون وجوب الاحتياط ممّا يقضي به العقل والنّقل بملاحظة العلم الإجمالي فتحصل هناك معرفة الوجه الظّاهري علما فيأتي بنيّته على تقدير كون المعرفة مقدّمة لنيّة الوجه ولا يلزم عليه شيء من لزوم الدّور ونحوه.

٤٢٨

ومن هنا يؤتى بالفعل بهذا العنوان فيما يفتي فيه الفقهاء بالوجوب من باب الاحتياط والأصول الظّاهريّة. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إتيان العوام بعنوان الوجوب فيما يفتي فيه الفقهاء بالوجوب : من حيث إنّه ممّا أفتى به المفتي من غير ملاحظة مدرك فتواه فتدبّر.

نعم ، قد يناقش في هذا الوجه الرّابع : بأن وجوب كلّ من المحتملين أو المحتملات في موارد العلم الإجمالي وجوب عقليّ إرشاديّ محض لا دخل له بوجوب المعلوم بالإجمال في حكم الشّارع ، فقصد هذا الوجوب كمعرفته ليس قصدا للوجوب الواقعي يقينا ، كما أنّ معرفته ليست معرفة له فلا يجدي على القول بوجوب معرفة الوجه أو قصده جدّا فتأمّل.

وهذا هو الوجه في أمره قدس‌سره بالتّأمّل عقيب الوجه الرّابع وإن احتمل ضعيفا كون الوجه فيه ما ذكرنا في وجه استكشاف حكم المقام من موارد إفتاء الفقهاء بالوجوب الظّاهري بقولنا : ( إلاّ أن يقال ... إلى آخره ) فتدبّر.

نعم ، هنا شيء قد نبّهنا عليه سابقا وهو : أنّه يمكن قصد الوجه الواقعي جزما بعنوان الاحتمال في موارد الاحتياط كما يقصد التّقريب كذلك وهذا لا يتأتّى مع إلقاء الاحتياط والاقتصار على الظّن فهذه جهة مزيّة الاحتياط على العمل بالظّن ؛ فإنّه على تقدير حجيّته بعنوان الخصوص لا يمكن قصد الوجه الواقعي معه على وجه الجزم واليقين.

٤٢٩

(٢٥٤) قوله قدس‌سره : ( إلاّ أنّ هناك شيء ينبغي أن ينبّه عليه ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٤٢١ )

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني أعلى الله تعالى مقامه الشريف :

إعلم أيّها البصير الطالب للتمييز بين الصحيح والسقيم اني رأيت هناك شيئا لم أطق ولم أقدر على حفظ نفسي إلاّ أن أنبّهك على ما يوجب ازدياد البصيرة ويسوق إليك العجب وهو انه طبع في بعض مطابع تبريز نسخة من هذا الكتاب فحشّاة بحواش مّمن لا أعرفهم ولا سمعت في عداد المتبرّزين إسمهم إلاّ أنها رقمت بالتفريشي وأوثق الوسائل وسيّد سرابي ونحوهم من المجاهيل وقليل من تعليقات المحقق الآشتياني قدس‌سره ترويجا لها كالدرّة الواقعة في الأخزاف.

ومما رقم بالتفريشي هنا :

لا يخفى ان هذا على طوله تطويل بلا طائل وقول لم يسبقه ولا يلحقه قائل.

أمّا أوّلا : فلما عرفت من ان الاجماع على نفي الاحتياط من لوازم الاجماع على حجّيّة الظن الإجتهادي بل عينه ، وليس إجماعا مستقلاّ ، لكن يستفاد منه التبعيض على الوجه المزبور ،

كيف : وقد صرّح الفاضل الاستاذ دام ظلّه بأنه لم يذهب فقيه ولا مستفقه ولا إحتمله أحد من الأصحاب أصلا في مقام المناقشة غير المصنّف وهذا المقدار كاف في تحصيل الإجماع ...

إلى آخر ما طوّله تركنا الباقي صونا لهذا الكتاب عنه ، وما نقلناه انموذج الباقي.

والظاهر لكي يستفاد بدل لكن يستفاد ، هذا خلط من الكاتب لا من التفرشي.

وبعد : فمفاسد هذا المقدار المنقول أكثر من ان تحصى ؛ فإن عدّه كلام المصنّف قدس‌سره تطويلا

٤٣٠

__________________

بلا طائل أعظم شاهد على ذلك. وهل ذمّ الخفاش ضوء الشمس نقص عليها؟! بل عليه.

ولله درّ المصنّف :

كريم اذا أمدحه أمدحه والورى معي

وإذا مالمته لمته وحدي

وفي هذا البيت لطيفة لفظيّة وهو ان تعدّى إذا أعدّه وجزم الفعل المضارع ولم يكن له ذلك ، كالتفريشي. ولقد يعجبني قول المتنّبي في هذا المقام أن يكون لسان حال المصنّف قدس‌سره :

اذا أتتك مذمّتي من ناقص فهي

الشهادة لي بأني كامل

وفي قوله : « قول لم يسبقه ولا يلحقه قائل » ما يضحك الثكلى ؛ فإنه لم يكن للمصنّف قولا ، بل منع استلزام بطلان وجوب الاحتياط في الكل لحجّيّة الظن ولم يقل به أحد فيما سبق فكيف صار قولا؟! ولعلّه لم يدر ان القول في الإصطلاح إظهار الرأي وزعمه بمعنى التلفّظ.

وليت شعري انه من أين علم انه لا يقول به أحد في المستقبل حيث قال : « ولا يلحقه قائل » فإنه لا يعلم ذلك أحد إلاّ الله عزّ وجلّ. وكأنّه حمله على هذا الإدّعاء الفاسد مراعاة السجع وكان يمكنه ان يقول : « ولم يسبقه قائل » إلاّ انه أراد فصلا معتدا بين السجعين فادّعى ما هو من خصائص الواجب تعالى.

ثم من المعلوم ان الاجماع على عدم وجوب الاحتياط كليّا ولا بالتبعيض مع باقي المقدمات مستلزم لحجّيّة الظن في الجملة وحجّيّة الظن لازم له فقوله : « ان الاجماع على نفي الاحتياط من لوازم الاجماع على حجّيّة الظن الاجتهادي » غلط صبياني وما أدري من أين جاء الاجماع على حجّيّة الظن والمسألة معركة الآراء ، وعلى فرض ذلك الإجماع من

٤٣١

إشكال تفرّد به المصنّف

أقول : حاصل ما أفاده من التّحقيق الّذي تفرّد به في بيان مفاد هذه المقدّمة ولازمها : هو أنّ مقتضى ما أقاموه على بطلان وجوب الاحتياط الكلّي في الوقائع المشتبهة من مظنونات التّكليف بقسميها ، وموهومات التّكليف كذلك ، ومشكوكات التّكليف من الوجوه الثّلاثة المتقدّمة ؛ هو بطلان كليّة الاحتياط فيها لا بطلانه فيها رأسا.

أمّا دليل بطلان الحرج ولزوم الاختلال ، فظاهر أنّه لا يقتضي إلاّ رفع اليد عن الاحتياط بحيث لا يترتّب عليه شيء من المحذورين. ومن المعلوم أنّ مقتضاه رفع اليد عن الاحتياط ومخالفته في الوقائع المشتبهة في الجملة ؛ غاية الأمر تعيين العقل اختيار مخالفة الاحتياط الكلّي اللاّزم بمقتضى العلم الإجمالي

__________________

أيّ وجه يستلزم الإجماع على نفي الإحتياط وصار هو من لوازمه؟ ومن أين صار عينه؟ وهل يصلح أن تكتب هذه المهملات على حاشية الفرائد وتطبع؟ لا والله. ولا على حاشية كتاب الفأرة والهرّة.

ولقد أرخص هذا الطبع أضراب هذه حتى بلغ قيمة نسخة منه ثمانية عشر قرانا ومع ذلك هو غال. فانتظر لإتمام هذه النسخة الموشّحة بحويشياتي فإنها كريمة ، فكن كما قال الشاعر :

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بايعها وأنت المشتري

أنظر الفرائد المحشّى بحاشية رحمة الله الكرماني : ص ١٢٤.

٤٣٢

في ضمن ما كان احتمال التّكليف فيه في كمال البعد على تقدير اندفاع المحذور بمخالفة الاحتياط في ضمنه فقط ، أو في ضمن مطلق موهومات التّكليف على تقدير توقف اندفاع الحرج بذلك ، وهذا هو المراد بالتّردّد في قوله كلاّ أو بعضا.

وأمّا الإجماع ؛ فلأنّ القدر المسلّم الثّابت منه هو انعقاده على بطلان الاحتياط الكلّي بأن يحتاط في كلّ واقعة يحتمل التّكليف فيه على ما يقتضيه العلم الإجمالي ، فيكون مفاده مفاد دليل نفي الحرج لا غير ، فيلزم أن يؤخذ في باقي المحتملات بمقتضى العلم الإجمالي ؛ إذ لا مانع منه بعد فرض عدم اقتضاء دليل البطلان إلاّ البطلان في الجملة المعيّن في حكم العقل في ضمن الموهومات كلاّ أو بعضا. فالدّليل على وجوبه فيه هو بعينه الدّليل الّذي اقتضى وجوب الاحتياط في صورة العلم الإجمالي بالتّكليف.

وتوهّم : عدم المقتضي للاحتياط في باقي المحتملات بعد فرض قيام الدّليل على عدم وجوب الاحتياط في الجملة المستلزم لعدم تنجّز التّكليف بالواقع على كلّ تقدير ، فاسد جدّا ؛ إذ لو كان قيام الدّليل على البطلان في الجملة رافعا لتنجّز التّكليف مطلقا لم يجب العمل بالظّن أيضا هذا. مع أنّ غاية ما يستلزمه هو المعذوريّة في مخالفة الواقع في ضمن موهومات التّكليف لا مطلقا.

وبعبارة أخرى : عدم تنجّز التّكليف بالواقع المتحقّق في ضمن خصوص موهومات التّكليف هذا.

وسيجيء تتمّة الكلام في اندفاع التّوهّم المزبور عن قريب.

٤٣٣

(٢٥٥) قوله قدس‌سره : ( لأنّ الفرق بين المنع (١) المذكور هو ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢١ )

الفرق بين حجية الظن والتبعيض في الإحتياط

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده قدس‌سره في بيان الفرق بين حجيّة الظّن والتّبعيض في الاحتياط بين الوقائع المشتبهة والثّمرة بينهما في موارد فقد الظّن : من خروج الوقائع المشكوكة الخالية عن الأمارة عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي على الأوّل ؛ من حيث تعيين الواجبات والمحرّمات الإجماليّة بالظّن القائم على التّكليف الإلزامي وجوبا أو تحريما فلا يبقى علم إجماليّ في موارد فقده بحكم دليل حجيّته فيلاحظ الشّك في نفس الواقعة مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي ويؤخذ بمقتضاه.

وعدم خروجها عنها على الثّاني ؛ حيث إنّ الجهة المقتضية للبناء على التّكليف في مظنونات الإلزام كونها من أطراف العلم الإجمالي الكلّي وهو بعينه موجود في مشكوكات التّكليف ؛ غاية الأمر عدم وجوب رعاية العلم الإجمالي في موهومات التّكليف بملاحظة حكم العقل بانضمام دليل نفي الحرج.

وعدم وجوب الاحتياط الكلّي على ما عرفت تفصيل القول فيه إنّما هو مبنيّ على كون لازم حجيّة الظّن ، تعيين المعلومات الإجماليّة وارتفاع العلم

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : بين المعنى المذكور وهو ... إلى آخره.

٤٣٤

الإجمالي به. وإن لم يقم على التّعيين ولم يكن مفاده ذلك فيكون معنى حجيّة الظّن سواء كانت من حيث الخصوص ، أو من حيث الإطلاق والعموم كونه معيار الامتثال الأحكام المشتبهة إثباتا ونفيا فيكون كالعلم التّفصيلي.

وإن كان الفرق بينهما ظاهرا ؛ حيث إنّ ارتفاع العلم الإجمالي بالعلم التّفصيلي إذا تعلّق بالمعلوم بالإجمال في بعض أطراف الشّبهة قهريّ عقليّ. وهذا بخلاف الظّن بالمعلوم بالإجمال في بعض أطراف الشّبهة ؛ فإنّه لا ينافي العلم الإجمالي بوجود التّكليف في تمام الوقائع المشتبهة في حكم العقل وإنما ينافيه بحكم الشّرع. هكذا قرّر الفرق.

وقد تنظّر قدس‌سره فيه في الجزء الثّاني من « الكتاب : بأنّ ذلك إنّما يسلّم فيما كان مفاد الأمارة القائمة على التّكليف ، تعيين المعلومات الإجماليّة وقصرها وحصرها في موارد وجودها ، وإلاّ يمنع كون لازم حجيّة الظّن شرعا حصر المعلومات الإجماليّة في موارده فيما لم يفرض قيامه على التّعيين هذا.

وسيجيء تتمّة الكلام في ذلك في التّنبيهات مع الإشارة إلى دفعه ، كما أنّه يجيء تفصيل القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة فانتظر.

(٢٥٦) قوله قدس‌سره : ( ودعوى : لزوم الحرج أيضا من الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٣ )

أقول : ما ذكره من الدّعوى ناظر إلى رفع الفرق الّذي أفاده بين حجّيّة الظّن والتّبعيض في الاحتياط ؛ من حيث إنّه بعد فرض لزوم الحرج من انضمام

٤٣٥

الاحتياط في مشكوكات التّكليف إلى مظنونات التّكليف لا بدّ من رفع اليد عن مقتضى العلم الإجمالي الكلّي في مشكوكات التكليف ، فيكون حالها حال الموهومات فيقتصر في رعاية جانب العلم الإجمالي الكلّي على مظنونات التّكليف ويرتفع الفرق المذكور والثّمرة المزبورة ، وإن كان هناك فرق آخر من جهة أخرى سيجيء الكلام فيه ، إلاّ أنّه لا دخل له بهذا الفرق.

وما أفاده في وجه ضعف الدّعوى المذكورة ممّا لا خفاء فيه أصلا ، مضافا إلى أنّ الأخذ بالاحتياط في المشكوكات إذا اقتضاه الشّك في نفس المسألة من جهة العلم الإجمالي الجزئي ممّا لا مناص عنه على كلّ تقدير. كما أنّ الأخذ بالتّكليف إذا اقتضاه أصل آخر في المشكوكات ممّا لا مناص عنه أيضا وإن لم يكن بعنوان الاحتياط.

فعلى تقدير عدم حجيّة الظّن ينضمّ إلى مظنونات التّكليف حقيقة ما شك فيه ممّا لا يقتضي الأصل الأخذ بالتّكليف فيه ولا ريب في قلّته ، فلا يلزم الحرج.

فالدعوى المذكورة من جهة فسادها لا تجدي في رفع الثّمرة المذكورة ، فينحصر الرّافع في قيام الإجماع ، على عدم وجوب مراعات العلم الإجمالي الكلّي في المشكوكات كالموهومات ، وستعرف ما في دعواه.

(٢٥٧) قوله قدس‌سره : ( وحاصله : دعوى : أنّ الشّارع لا يريد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٣ )

أقول : المراد من الامتثال العملي الامتثال المستند إلى العلم الإجمالي

٤٣٦

والمنبعث عنه إلى الاحتياط ، لا الامتثال المحصّل للعلم الإجمالي. كيف! ولا يحصل بالاحتياط في بعض موارد الشّبهة كما هو المفروض.

ثمّ إنّ قيام الإجماع على بطلان الاحتياط رأسا وإن كان ربّما يستظهر من كلماتهم في بطلان الرّجوع إلى البراءة عند الاستدلال على حجيّة الخبر بالحاجة على ما عرفت الكلام فيه ، إلاّ أنّ الجزم بذلك ممنوع ، ألا ترى أنّ الفقهاء عند تردّدهم في المسائل من جهة عدم استقصاء النّظر في أنظارهم يحتاطون فيها؟ وإن جوّزوا للعامي تقليد من أقصى النّظر فيها في اعتقاده وأفتى بأحد طرفي المسألة.

(٢٥٨) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : إذا ظنّ بعدم وجوب الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٢٣ )

أقول : لمّا سلّم قدس‌سره قيام الإجماع الظّني على عدم وجوب الاحتياط أصلا ورأسا ، وأنّ الشّارع لا يريد امتثال المعلومات الإجمالية على تقدير وجودها في ضمن المشكوكات ـ بمعنى معذوريّة المكلّف في مخالفتها ـ توجّه عليه السّؤال : بأنّ لازم الظّن ببطلان الاحتياط بالمعنى المذكور الحاصل من الظّن بالإجماع على ذلك الظّن ، يكون المرجع في المشكوكات الأصول الجارية فيها بمقتضى الشّك في نفس المسألة من غير ملاحظة العلم الإجمالي ؛ فإنّ المانع من الرّجوع إليها في مجاريها لم يكن إلاّ الاحتياط المسبّب عن العلم الإجمالي.

فالظّن ببطلانه ملازم للظّن بالرّجوع إلى الأصول فيكون الأصل مظنون الاعتبار وسيجيء في التّنبيه الأوّل ـ من تنبيهات دليل الانسداد ـ : عدم الفرق في

٤٣٧

نتيجة مقدّمات دليل الانسداد الجاري في المسائل الفقهية سواء على القول بكون نتيجة حجيّة الظّن أو التّبعيض في الاحتياط بين الظّن بالمسألة الأصوليّة ، وكون الشّيء حجّة ومعتبرا وطريقا عند الشّارع ، وبين الظّن بالمسألة الفقهيّة المنسدّ فيها باب العلم.

وإن كان هذا على خلاف التّحقيق الّذي بنى عليه الأمر قدس‌سره في سالف الزّمان ، وأنّ عدم الفرق مبني على كون النّتيجة حجيّة الظّن لا التّبعيض في الاحتياط ، إلاّ أنّ المختار عنده لا حقا هو الحكم بتعميم عدم الفرق كما ستقف على تفصيل القول فيه.

(٢٥٩) قوله قدس‌سره : ( قلت : مرجع الإجماع ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٤٢٤ )

__________________

(١) أنظر هامش رقم ١ من ص ٤٢٤.

أقول : جاء في مصباح الأصول : ج ٢ / ٢٧١ ( ط. مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ) عن لسان الأصولي المحقق الفقيه السيد الخوئي قدس‌سره عن أستاذه المحقق النائيني : أن هذا الكلام المذكور في هامش الرسائل ليس من قلم الشيخ قدس‌سره ؛ فإن الكلام المذكور مبني على الكشف والشيخ قائل بالحكومة ، بل هو للسيد الميرزا الشيرازي الكبير قدس‌سره فإنه كان مائلا إلى الكشف.

وفي الأجود : ج ٣ / ٢٣٩ :

ثم إن العلاّمة الانصاري ـ بعد ما بنى على عدم لزوم الاحتياط في الموهومات وحكم بتبعيض الاحتياط في المظنونات والمشكوكات ـ ذكر أن الاجماع ـ على تقدير قيامه على

٤٣٨

__________________

عدم وجوب الإحتياط في المشكوكات ـ بمعنى كشفه عن عدم اعتناء الشارع بالامتثال الإحتمالي كلاّ أو بعضا ، فلا محالة يحكم العقل بلزوم الإطاعة الظنّيّة ليس إلاّ.

لكنه قدس‌سره لم يجزم بتحقق الإجماع على ذلك وإن أفاد كونه مظنونا بالظن القوي.

ثم أورد على نفسه بما حاصله : ان التنزّل إلى لزوم الإطاعة الظنّيّة لا يدور مدار القطع بالإجماع المذكور ، بل يكفي كونه مظنونا أيضا ؛ ضرورة ان لازم ذلك هو الظن بجريان الأصول في موارد المشكوكات مع انه لا فرق في إعتبار الظن بين كونه متعلقا بالحكم الواقعي أو بحجّيّة الطريق وعليه فينحصر مورد الأحتياط بخصوص المظنونات.

وأجاب عن ذلك بما ملخّصه : ان التسوية بين الاعتبارين المزبورين تتوقف على تماميّة مقدمات الانسداد التي منها : بطلان الاحتياط في المشكوكات والموهومات فلو توقّف تماميّة المقدمات على التسوية المذكورة لزم الدور. وحيث ان الجواب المذكور في كلامه لم يكن خاليا عن الخدشة الواضحة ـ [ وقد أوردها الميرزا في الأجود ها هنا ] ـ ضرب سيّد أساتيذنا العلاّمة الشيرازي قدس‌سره على الجواب المذكور وعدل عنه إلى جواب آخر كتبه قدس‌سره بخطّه في هامش الكتاب وأراه لشيخه العلاّمة الأنصاري قدس‌سره فأمضاه.

وحاصل ذلك الجواب : إنكار كفاية الظن بالإجماع المذكور في وصول النوبة إلى الإطاعة الظنّيّة ، وأن لازم الإجماع ـ سواء كان قطعيّا أو ظنيّا ـ هو وجود الحجة الكافية في الفقه قطعا أو ظنا ، وعلى كل تقدير لا تصل النوبة إلى لزوم الإطاعة الظنّيّة.

وتوضيح هذا الجواب يطلب من كلمات الميرزا النائيني قدس‌سره في الأجود : ج ٣ / ٢٤١.

** وقال المحقق الخراساني في توضيح هذا الجواب :

٤٣٩

__________________

غرضه : إن مرجع هذه الدعوى إلى دعوى الاجماع على حجيّة الظن بعد الإنسداد وهو غير مفيد في المقام.

أما وجه رجوعها إليها فلأجل أنه لو لم يكن الظن حجة لم يكن وجه آخر يوجب الرجوع إلى الأصول في المشكوكات دون المظنونات مع استواء الطائفتين حينئذ في كونها طرفي العلم بالتكاليف وعدم الحجة المكافئة في البين.

وأما عدم كون الإجماع مفيد أصلا ـ قطعيّا كان أو ظنيّا ـ فلأنه لو كان قطعيّا فهو وإن كان يوجب رفع اليد عن الاحتياط في المشكوكات إلاّ انه اثبات حجية الظن بغير دليل الإنسداد وهو ليس بالمراد. وإن كان ظنّيّا فلا يوجب رفع اليد عنه فيها لتوقّفه على ثبوت حجية الظن مع عدم الثبوت بالظن إلاّ على وجه دائر كما لا يخفى على المتأمّل .... إلى آخره والتعليقة طويلة أنظر درر الفوائد الجديدة : ص ١٣٧.

* قال المحقق الملا رحمة الله قدس‌سره : ومراده من الوجه الدائر : هو لزوم الدور ؛ فإن ثبوت حجية الظن يتوقف على حجية الظن بالإجماع على عدم الإحتياط في المشكوكات وهي تتوقف على ثبوت حجية الظن وهو الدور.

أقول : قول الخراساني في بيان وجه رجوعها إليها : فلأجل انه لو لم يكن الظن حجة لم يكن وجه آخر ... إلى آخره.

يردّه : ان الوجه الآخر واضح وهو قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات دون المظنونات فهي باقية تحت حكم العقل بوجوب الاحتياط ، فوجوب العمل بالتكليف المظنون من حيث انه على طبق الإحتياط لا من حيث انه مظنون كما ان عدم

٤٤٠