بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

المخالف في تحقّق الإجماع كالفخر (١) وغيره (٢) ولو كان معلوم النّسب. وقد أكثر في « العدّة » من القول بما هو صريح في اختياره هذه الطّريقة وأنّه لا يجوز انفراده عليه‌السلام بالقول في المسألة مع عدم دليل عليه من كتاب أو سنّة مقطوع بها ، وإلاّ وجب عليه الظّهور والدّلالة على ذلك ولو بإعلام بعض ثقاته بشرط أن يكون معه معجزة تدلّ على صدقه. ويكفي لك في ذلك ملاحظة ما حكاه شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في « الكتاب » عنها.

نعم ، هنا كلام في انحصار طريقته في الوجه المذكور أو مشاركته مع السيّد قدس‌سره في الوجه المتقدّم واختصاصه وانفراده بهذا الوجه.

فالذي جزم به شيخنا قدس‌سره ـ نظرا إلى صراحة كلامه في مواضع ـ : الأوّل ، وقد تكرّر في كلامه الحكم بعدم قادح فيما اختاره السيّد من عدم وجوب الرّدع على الإمام على تقدير اتّفاق لأمّته على الباطل ، لو لا التّسالم على الاستدلال بالإجماع في الأحكام.

وصريح المحقّق القميّ قدس‌سره ـ في « القوانين » ـ : الثاني ؛ حيث قال ما هذا لفظه : « وثانيها : ما اختار الشّيخ رحمه‌الله في « عدّته » بعد ما وافق القوم في الطّريقة السّابقة » (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

والّذي يخطر ببالي أنّه لم يلاحظ ما حكاه الأستاذ العلاّمة عن « العدّة » ممّا

__________________

(١) انظر إيضاح الفوائد : ج ١ / ٥٠٢.

(٢) كالشهيد والمحقق الثاني ، انظر الذكرى : ج ١ / ٤٤ ، وحاشية الشرائع للمحقق الكركي ( مخطوط ) : ٩٩.

(٣) قوانين الاصول : ج ١ / ٣٥٠.

٤١

هو صريح في انحصار طريقه وليس فيها ما يدلّ على مشاركته للسيّد في الطريقة السابقة.

نعم ، فيها ما يتوهّم منه في باديء النّظر ذلك ـ ممّا سيجيء نقله في « الكتاب » مفصّلا في مسألة حجيّة خبر الواحد في مقام الاستدلال عليها بالإجماع ـ حيث قال ـ بعد إثبات الإجماع على العمل بالأخبار ـ :

« فلو لا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ؛ لأنّ إجماعهم ، فيه معصوم عليه‌السلام لا يجوز عليه الغلط والسّهو » (١) انتهى كلامه.

وأنت خبير : بأنّه لا يمكن رفع اليد عن صراحة كلماته بمجرّد ظهور الظّرف في بادي النّظر في الدخول والاشتمال كما لا يخفى.

ثمّ إنّ لازم هذه الطّريقة عدم قدح مخالفة المخالف مطلقا سواء كان معلوم النّسب أو مجهوله ، مع العلم بعدم إمامته إذا لم يكن معه برهان يدلّ على حجيّة فتواه. كما أنّ لازمها عدم كشف الإجماع واتّفاق الكلّ ، إذا كان هناك آية أو سنّة قطعيّة على خلاف المجمعين وإن لم يفهموا دلالتهما على الخلاف.

الوجه الثالث من وجوه حجيّة الإجماع

ثالثها : الحدس القطعي بكون ما اتّفقوا عليه وصل إليهم من رئيسهم وإمامهم يدا بيد ؛ فإنّ اتفاقهم في بعض المسائل مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل وتشتّت آراؤهم فيها ـ كما هو المشاهد بالعيان ـ يكشف عن أنّ الداعي لهم فيما اتّفقوا عليه

__________________

(١) العدة : ج ١ / ١٢٧.

٤٢

هو رأي صاحب عصرهم ووليّ أمرهم ، كما يكون الأمر كذلك في اتّفاق تابعي سائر أولي الآراء والمذاهب.

وهذا وإن كان واضح الوقوع في زمان الحضور من حيث إنّ حصول العلم من اتّفاق خواصّ أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ـ ممّن لا يصدر إلاّ عن رأيهم ـ على أمر ديني بقول الإمام عليه‌السلام ، كالضّروري بحيث لا يجوز إنكاره إلاّ أنّ حصوله في زمان الغيبة أيضا ممّا لا ينبغي إنكاره.

وإن كنت في ريب من ذلك فلاحظ ما وصل إلى حدّ الضّرورة من الدّين أو المذهب من صاحب الشّرع وحصل العلم الضروري برأيه لجمع الرّعيّة مع كونه في بلاد الإسلام ، فإنّك لا ترتاب في إمكان حصول العلم النّظري من تسامع العلماء وتظافرهم واتّفاقهم على الفتوى.

بل التّحقيق ما ذكره بعض المحقّقين من المتأخّرين : من مسبوقيّة جميع الضّروريّات بالإجماعيات عند العلماء.

وكيف كان : حصول العلم بقول الإمام من الاتّفاق بحكم الحدس القطعي في الجملة ممّا لا ينبغي التّأمّل فيه وإن أطنب في تقريبه في « القوانين » وغيره بما لا يحتاج إليه ، بل ربّما يخلّ بالمقصود. ومن هنا ذهب إلى هذه الطريقة أكثر المحقّقين من المتأخّرين ولا يشترط فيها حصول الاتّفاق من أهل عصر واحد ، بل ربّما لا يفيد أصلا مع مخالفة من تقدمهم ، كما أنّه يقدح فيه مخالفة معلوم النّسب إذا كان ممّن يعتد بقوله فضلا عن مجهول النّسب.

وهذه الطّرق الثّلاثة هي المعروفة بينهم.

٤٣

الوجه الرابع من وجوه حجّيّة الإجماع

وهنا طريق رابع سلكه بعض المتأخّرين من كشف الإجماع عن رأي الإمام عليه‌السلام من باب التّقرير.

والفرق بينه وبين الطّريقة الثّالثة واضح ؛ حيث إنّه يشترط في كشفه على هذه الطّريقة اجتماع جميع شروط التّقرير بخلافه على الطّريقة الثّالثة هذا.

ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام ممّن تأخّر وتبعه بعض الأفاضل :

أنّه قد يكون الإجماع دليلا قطعيّا فيما إذا كشف بحكم أحد الأمور المتقدّمة عن رأي الإمام عليه‌السلام.

وقد يكون دليلا ظنيّا فيما كان المنكشف ظنيّا وإن كان الكاشف وكشفه قطعيّا ؛ فإنّه كثيرا ما يستكشف من الإجماع عن وجود دليل ظنّي معتبر عند جميع المتّفقين في المسألة المختلفين في غالب مدارك الأحكام ، فيحصل العلم بأنّ السّبب في اتّفاقهم في المسألة الخاصّة وجود ما هو معتبر عند جميعهم حتّى إذا وقفنا عليه وجدناه تامّا من جميع الجهات والحيثيّات هذا.

نقل كلام المحقّق التستري في الإجماع المنقول

ولبعض أفاضل مقاربي عصرنا كلام في طرق الإجماع ، أنهاها إلى اثنتي عشرة فيما صنّفه في المواسعة والمضايقة لا بدّ من إيراده قال قدس‌سره ـ بعد جملة كلام له متعلّق بالمقام ـ ما هذا لفظه :

« وينحصر ذلك في وجوه :

٤٤

الأوّل : أن يستكشف عادة رأي الإمام عليه‌السلام لكونه المتبوع المطاع من اتّفاق الأصحاب والأتباع ويعلم ذلك بالاطّلاع على ما عليه الإماميّة أو علماؤهم قولا وفعلا والتّصفّح لأصولهم ومصنّفاتهم قديما وحديثا حتّى يعرف ما هم عليه من قديم زمان الدّهر بلا ريبة واشتباه ، ويعلم أنّه مذهبهم بحيث لا يعرف لهم سواه فيقطع عند ذلك أنّهم أخذوه يدا عن يد عن رئيسهم وقدوتهم في أحكامهم ولم يخترعوه من تلقاء أنفسهم بمقتضى أهوائهم وأفهامهم.

ومتى علم ذلك وبدا ما هنا لك وانكشف قول أحد الأئمّة عليهم‌السلام ممّن كان له أقوال معروفة ، تبعه علم أقوال سائر الأئمّة عليهم‌السلام أيضا حتّى الإمام الغائب المستور عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه وكذا قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا لاتّحاد مقالة الجميع ، إلاّ أنّ معرفة قول بعضهم ابتداء : من جهة المتابعة المحكوم بها بمقتضى العادة. ومعرفة قول الباقين : من جهة الأصول القطعيّة العقليّة والشّرعيّة الثّابتة بعد البناء على حكم العادة ، ولا فرق فيما ذكر بين أن يتفرّد الإماميّة أو علماؤهم بالحكم أو يشاركهم فيه سائر الأمّة أو بعضهم.

وربّما يستغنى ـ على هذا الوجه في برهة من الأعصار وجملة من الأحكام ـ عن الوقوف على أقوال الجميع بالاطّلاع على ما يحصل منه الاستكشاف المذكور وإن وقع الخلاف في الحكم من بعضهم ممّن ليس بإمامهم أو لم يحصل الاستقصاء لآراء جميعهم.

الثّاني : أن يستكشف عقلا قول الإمام الغائب ( صلوات الله عليه وعلى آبائه ) من وجود مجهول النّسب في المجمعين واحدا كان أو أكثر متّحدي الرّأي ونفي الإمامة عمّن عداه ؛ فإنّه يلزم حينئذ اختصاصها به ، فيكون قوله حجّة لا محالة.

٤٥

وهذا الوجه إنّما يتصور حيث استقصي أقوال جميع العلماء أو علماء العصر بقول مطلق ووجد فيها قول متميّز معلوم لغير معلوم ، أو أقوال كذلك ، أو علم دخول قول الإمام عليه‌السلام في جملة أقوال الأمّة غير متميّز منها ، واستقصي أقوال الذين لم يعرف نسبهم للعلم بعدم خروجه منهم ، أو علم قوله إجمالا في جملة أقوال غير المعروفين بالحدس المقتضي للعلم الإجمالي باتّفاق الجميع من جهة النّظر في الأدلّة ونحوها ، أو قياس الغائب على الشّاهد والمجهول على المعلوم ، أو التّضافر والتّسامع الوارد من كلّ ناحية بالنّسبة إلى جميع علماء الأمّة أو الإماميّة ؛ بحيث يتناول الخلف الحجّة ، أو عدم نقل الخلاف الدّال على اتّفاق الكلّ ، أو ما استفيد من جملة من ذلك ، أو الجميع ، إلا أنّه لا وجه لاعتبار جهالة الاسم والنّسب في جملة من هذه الصّور مع ما فيه من إساءة الأدب ، إلاّ على ضرب من التّأويل لا يخفى على من تأمّل.

ويلحق بهذا الوجه أن يحصل استكشاف قول أحد الأئمة عليهم‌السلام من وجدان مجهول الصّفة أو الإمامة في المجمعين الّذين أحدهم الإمام يقينا وإن علم نسب الجميع. وهذا قد يتّفق قبل تعيين الإمام عليه‌السلام مع العلم بوجوده في العصر أو البلد أو المجلس أو الجماعة المعيّنة أو يحصل الاستكشاف من تواتر النّقل عن أهل بلد أو عصر هو فيهم وإن لم يعلم قوله بعينه مع العلم بشخصه.

الثّالث : أن يستكشف عقلا رأي الإمام من اتّفاق من عداه من علماء الطّائفة المحقّة الموجودة في عصره خاصّة ، أو مع غيرهم من العلماء على حكم ، واستقراء مذهبهم عليه مع عدم ردعه لهم ابتداء ولا ردّهم عنه بعد وقوعه بأحد الوجوه الظّاهرة أو الخفيّة أو الممكنة في حقّه ؛ فإنّ ذلك يكشف بقاعدة اللطف الموجبة

٤٦

لنصبه وعصمته عن صحّة ذلك الحكم واقعا وحقيقة ، كيلا يلزم سقوط التّكليف في ذلك بما أتى به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستقرّ في شريعته ، أو بغيره أيضا لزوال منشأه ، أو حكمه ، أو ثبوته بما لا طريق للعلماء وغيرهم إلى معرفته مع عدم تقصير كثير في النّظر وسائر ما يتعلّق به وعجزهم عن رفع أسباب خفائه وحكم الأئمّة عليهم‌السلام وعلماء الإماميّة بعدالتهم وإجراء أحكامها عليهم ، أو يلزم إخلال الإمام المعصوم عليه‌السلام بأعظم ما وجب عليه ونصب لأجله مع تمكّنه من فعله وإمكان تمكين الله له من قبله تعطيل دين الإماميّة من أصله ، ولا يتوقّف حجيّة هذا الوجه بناء على ما قرّر على حجيّة الإجماع حتّى يلزم الدّور كما توهّم.

الرابع : أن يستكشف ما ذكر لا من جهة قاعدة اللّطف وملاحظة منصب الإمامة ولوازمه ، بل من جهة أنّه يجب الأمر بالمعروف وتعليمه وإنكار المنكر وتبيينه والرّدع عنه على كلّ متمكّن من ذلك عالم بما هو الواقع والحكمة. فكيف يخلّ المعصوم عليه‌السلام به ، مع علمه بأعمال الأمّة ولا سيّما الإماميّة ووقوفه على أحوالهم وأقوالهم المتعلّقة بالشّريعة؟ فسكوته عمّا اتفّق الإماميّة أو علماؤهم عليه تقرير لهم عليه وهو حجّة مطلقا ، كقوله في حضوره وغيبته وإنّما لم يجعل ـ هنا وفيما سبق ـ من السّنة لكونه منوطا بالاتّفاق ومستخرجا بالنّظر والاستنباط لا معلوما بالمشاهدة والعيان كما في التقرير المعروف وإن تساويا في الحجيّة.

الخامس : هو أحد الوجهين الأخيرين ، إلاّ أنّه يعتبر الكشف عن الحكم الواصلي الّذي هو أعمّ من الواقعي الأوّلي والظّاهري الّذي هو واقعي ثانويّ ، ويقرّر الدّليل بما يناسبه.

السادس : أن يستكشف عادة وجود الحجّة العلميّة ـ القاطعة للعذر الموافقة

٤٧

قطعا لرأي الإمام عليه‌السلام ـ من اتّفاق علمائنا الأعلام المرتقين في العلم والعمل إلى أعلى مقام على حكم من الأحكام. فإنّ تتبّع كتبهم وأسفارهم والنّظر في أحوالهم وأطوارهم وملاحظة دقائق أنظارهم وتباين أفكارهم وشدّة محافظتهم على مخالطة أئمّتهم وهداتهم وكثرة اختلاف مسالكهم ومداركهم لمعرفة أحكامهم يكشف بالحدس الصّائب والذهن الثاقب عن أنّهم لم يتفقوا إلاّ عن حجّة قطعيّة بيّنة حاسمة للشّبه قاطعة للإعلام ، وهي حجّة مطلقا وإن علمت على سبيل الإجمال.

وربّما يستكشف بهذا الطّريق كون المدرك خبرا قطعيّا واصلا إليهم من الأئمّة عليهم‌السلام لا مطلق الحجّة العلميّة. ولعلّ ذلك يصحّح قولهم بأنّ حجيّة الإجماع لكشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام أو للبناء على ما هو الغالب أو لغير ذلك.

والعبرة في هذا الوجه بحصول اتّفاق يكشف عادة عمّا ذكروا توارد الظّنون الموجب لذلك كما في المتواتر ويختلف هذا كثيرا باختلاف المسائل المجمع عليها والنّظر إلى الشّواهد والمنافيات كما هو ظاهر مستبين.

السّابع : أن يستكشف ممّا ذكر عن وجود الدليل المعتبر الّذي لو وقفنا عليه كما وقفوا ، لحكمنا بما حكموا به ولم نتخطه وهو حجّة أيضا كالتفصيلي ، وإن لم يكن موجبا للقطع بالحكم الأوّلي الواقعي. فيكون الإجماع بهذا الاعتبار من الأدلّة المعتبرة الغير المفيدة للعلم إلاّ في بعض المواضع كما هو واضح.

الثّامن : أن يستكشف عادة عن وجود نصّ قاطع أو قطعيّة موجود غير سليم من القدح في الظّاهر من اتّفاق جماعة من فضلاء أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام وأضرابهم ممّن لا يعتمد إلاّ على النّص القطعي كزرارة وابن مسلم وأشباههما والصّدوقين

٤٨

وأمثالهما ـ على الحكم بشيء لم يظهر فيه نصّ عندنا ، أو الإفتاء برواية لم تثبت صحّتها ، أو ثبت ضعف سندها الموجود عندنا ، أو ترجيح رواية على أخرى لم يتبيّن وجه رجحانها عليها ؛ فإنّ اتفاق هؤلاء إذا سلم من خلاف يعادله يكشف في الأوّل : عن وجود نصّ معتمد معلوم لديهم في ذلك وإن لم نقف عليه ، كما تقدّم في أحوال والد الصّدوق الإشارة إليه.

وفي الثّاني : عن اطّلاعهم على ما يوجب عن صحّة الخبر وخلوّه عن شوائب القدح.

وفي الثّالث : عن وجود ذلك فيما رجحوه وعملوا به فقط ومتى استكشف ما ذكر في أحد الأعصار أو الأعوام علم أيضا : أنّه رأي الإمام الغائب أو أحد آبائه البررة الكرام عليهم‌السلام.

التّاسع : ـ وهو يخالف ما سبق في الكاشف ـ : وهو أن يستكشف قول الإمام عليه‌السلام أو رأيه أو غيرهما ممّا مرّ من تتبّع السّير المستمرّة للأمّة أو الإماميّة في الأعصار والأمصار المتناولة يدا عن يد بلا تحاش وإنكار ؛ فإنّها تكشف عن اتّفاق العلماء الكاشف عمّا تقدّم أو عن سنّة متّبعة ثابتة بأحد وجوهها المعتبرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة عليهم‌السلام حيث لم يثبت عنهم أو عن العلماء خلاف ذلك.

وهذه يندرج في طرق الإجماع باعتبار الوجه الأوّل الّذي لا يفارق الثّاني غالبا وكثيرا ما لا يصلح إلاّ للتّأييد ؛ لعدم كشفها على سبيل القطع عمّا ذكرنا. ولذلك لم يعدّدها حجّة مستقلّة بنفسها مع كثرة استنادهم إليها.

العاشر : وهو ـ أيضا كالسّابق ـ أن يستكشف قول الإمام عليه‌السلام أو رأيه من تتبّع جملة من الأخبار المرويّة في الكتب المعتمدة ؛ فإنّها إذا وجدت متوافقة في حكم ،

٤٩

وخلت عن المعارض المصادم ولم يقف على رادّ لها يعتد به ، علم من ذلك قبول العلماء أو معظمهم لها واتفاقهم على العمل بمضمونها ، وربّما يعلم ذلك مع اتّحاد الخبر أيضا. وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في حديث نوم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصّلاة (١) ، ثمّ يحصل من المجموع القطع بقول المعصوم عليه‌السلام أو الظّن المعتدّ به أيضا.

الحادي عشر : وهو ـ أيضا كسابقه ـ أن يستكشف قول الإمام عليه‌السلام أو رأيه أو غيرهما ممّا مضى من تتبّع قواعد العلماء في الفقه أو الأصول وإن لم ينصّوا كلاّ أو بعضا على الحكم بالخصوص ، وينزّل إجماعهم على القاعدة العامّة منزلة إجماعهم على أفرادها الخاصّة ، وما وقفنا عليه وجودا وعدما منزلة ما وقفوا عليه جميعا ، أو يجعل فائدة إجماعهم مختصّة في ذلك الحكم بنا بحسب مقتضى حالنا ومبلغ علمنا ، وقد قرّروا نظير ذلك في القياسين اللّذين عليهما مبنى الاجتهاد والتّقليد. وهذا الوجه على أيّ حال إن صحّ فإنّما يجدي في مقام الاستدلال ، لا نقل الأقوال.

ويلحق بهذه الوجوه وجه آخر يتمّ به العدد وهو :

الثّاني عشر ويختصّ كالثّاني غالبا بالإمام الثّاني عشر « صلوات الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين » وهو :

أن يحصل لبعض الأولياء (٢) العلم بقوله عليه‌السلام بعينه بأحد الوجوه الغير المنافية

__________________

(١) كما في التهذيب : ج ٢ / ٢٦٥ باب المواقيت ـ ح ١٠٥٨ ـ ٩٥ ، والإستبصار : ج ١ / ٢٨٦ باب « وقت من فاتته صلاة الفريضة ... » ـ ح ١٠٤٩ ـ ٤.

(٢) طبعا إذا كان هذا الولي من العلماء الفقهاء وإلاّ أيّ ربط للولي ـ الجاهل بمعالم الدين ـ بمقام الإستدلال حتى يبرز ذلك بصورة الإجماع.

٥٠

لامتناع رؤيته في غيبته (١) ولم يكن مأمورا بإخفائه وكتمانه أو كان مأمورا بإعلامه بحيث لا ينكشف حقيقة أمره فيبرزه في مقام الاستدلال بصورة الإجماع خوفا من التّكذيب والإذاعة والضّياع.

وربّما يكون العلم بقول الإمام كما ذكر هو الأصل في كثير (٢) من الزّيارات والأعمال المعروفة الّتي لا يوجد لها مستند ظاهرا ويحتمل أن يكون منشأها ذلك ؛ فيكون كإحدى الكيفيّات المعروفة للإستخارة بالسّبحة (٣) والدّعاء العلويّ المصريّ (٤) والدّعاء الّذي سمعه ابن طاوس في السّرداب الشّريف (٥) وما نقله

__________________

(١) وهل هذا إلاّ كلام متناقض؟! فإن الرؤية إذا كانت ممتنعة ـ كما هو ظاهر كلامه ـ فأي طريق يبقى للوصول إليه؟ إلاّ الأحلام التي هي ليست بحجة عند أهل العلم خصوصا في مثل هذا المقام ولا عبرة بها إلاّ عند العوام التي هي عندهم أفلام أقرب من أن تكون رؤى وأحلاما ، ولا نريد أن ننكر كون بعضها صادقة لكن أين هذا مما ذكره؟ فتبقى المكاشفة التي يدّعيها بعض الناس على أنها أيضا لا تخلو من كلام.

(٢) هذا كلّه مبني على إمكان اللقاء معه عجّل الله فرجه الشريف في أيّام الغيبة الكبرى كما عليه المشهور عمّن تأخّر من متأخّر المتأخرين ، خلافا لجماعة من الفحول ، على أنه لا يمكن المصير إليه حتى على هذا المبنى لوجوه ليس هاهنا محل ذكرها. والحقيقة إن القول بذلك ناشيء عن عدم الإحاطة بتراث أهل البيت عليهم‌السلام في مثل هذه المقامات بل عدم الخبرة بل عدم الممارسة فيها.

(٣) وهي الّتي ذكرها صاحب الجواهر أعلى الله تعالى مقامه في : ج ١٢ / ١٦٤ ، ط دار الكتب الإسلاميّة وج ٤ / ٥٨٢ ط دار المؤرّخ العربي.

(٤) مهج الدعوات : ٢٨١ ط بوستان كتاب و ٣٣٦ ط الاعلمي بيروت ـ وليس فيه دعوى مشاهدة الإمام عليه‌السلام ورؤيته أصلا بل الموجود فيه : انه رأى الامام بين اليقظة والمنام كرارا وهذا لا يعني اللقاء بل غايته رؤيا صادقة وعناية خاصة بذاك السيّد العلوي.

(٥) المصدر السابق : ٣٥٣ ط الأعلمي ـ بيروت.

٥١

راوي قصّة الجزيرة الخضراء المعروفة (١) وغيرها.

ويلزم في دعوى الإجماع على هذا الوجه وقوع اتّفاق مصحّح لما يختار من الكلام لترويج المرام ؛ فيندرج في الإجماع المنقول بالنّسبة إلى غير مدّعيه ظاهرا ، وفي السّنة واقعا كما لا يخفى.

وربّما يجعل قولا مجهول القائل كيلا يضيع الحقّ ويرتفع من أهله ، ويتوهم انعقاد الإجماع على خلافه فيستمرّ عليه من دون تصريح بدليله حيث لم يكن في سائر الأدلّة الموجودة ما ينهض بإثباته ـ بناء على إمكان ذلك ـ كما هو المختار.

ولعلّ ما نقل عن بعض المشايخ من كثرة الميل إلى الأقوال المجهولة القائل وتقويتها بحسب الإمكان ؛ لاحتمال كونها أقوال الإمام عليه‌السلام وقد ألقاها بين العلماء لئلاّ يجمعوا على الخطأ مبنيّ على ما ذكر ؛ إذ لا يتصوّر للإلقاء طريق غير ذلك.

وقد ذكر شيخنا البهائي في « الحبل المتين » في كيفيّة الغسل الارتماسي (٢)

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ / ١٥٩ وهي قصّة لا ربط لها بالإمام عليه‌السلام أرواحنا له الفداء وهي خيال في خيال.

(٢) قال الشيخ البهائي في الحبل المتين :

« ولقد اشتدّت عناية متأخري الأصحاب بتفسير القول بالترتيب الحكمي في الغسل الإرتماسي وأطنبوا الكلام فيه ولعل السبب في ذلك أن جهالة نسب القائل واسمه مع العلم بكونه من علماء الطائفة توجب على مقتضى قواعدنا مزيد الإعتناء بقوله ، زيادة على ما اذا كان معروفا ». انتهى الحبل المتين : ٤٠ ، وانظر : كشف القناع : ١٦٨.

٥٢

ونقل عن صاحب « نور الثّقلين » (١) سماعا ما يقتضي الموافقة لبعض المشايخ فيما ذكر ، وإن كان ظاهرا من الأقوال المجهولة القائل (٢). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس‌سره.

وحكي ما أفاده قدس‌سره في الوجه الأخير عن بعض الأعلام من السّادة الأجلّة : من أنّه يتّفق في زمان الغيبة الوصل إلى خدمة الإمام واستعلام بعض الأحكام والآداب عنه وإعلانه بعبارة الإجماع ، خوفا من التّكذيب وعدم القبول ، والغالب فيه الآداب والأدعية والزيارات ونحوها (٣) (٤).

__________________

(١) قال السيد المحدّث الجزائري في كتاب الطهارة من شرح التهذيب ما لفظه :

« ولقد سمعت من شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين إن من جملة الفوائد التي تصل إلينا من مولانا صاحب الزمان « عليه الصلاة والسلام » في هذه الأعصار هو أن علماء الشيعة إذا أرادوا الإجماع على حكم من الاحكام فكانوا على خطأ أظهر لهم قولا حتى تصير المسألة بينهم في معرض الخلاف فيحصل الجرأة لمن يأتي من العلماء على الإقدام على الخلاف. وهذه الأقوال التي لا يعرف لها قائل من الأصحاب لعلّه عليه‌السلام هو القائل بها ».

انتهى. وانظر كشف القناع : ١٦٨.

(٢) المواسعة والمضايقة للشيخ أسد الله التستري صهر الشيخ الأكبر كاشف الغطاء والرسالة مخطوطة واسمها : منهج التحقيق في حكمي التوسعة والتضييق وانظر كشف القناع عن وجوه حجيّة الإجماع : ١٦٨ وكذلك ٢١٦ ـ ٢٣٠ ، وكذلك عوائد الأيام للفاضل النراقي : ٦٨٩.

(٣) لم ينسب هذا المعنى الى أحد من الناس وكأنه يتكلم عن نفسه ، نعم ذكر أمرا آخر غير هذا نسبه الى استاذه الشريف ( السيد مهدي بحر العلوم رحمه‌الله ) وهذا نصّه حرفيّا قال : « ربّما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار ، العلم بقول الإمام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة فلا يسعه التصريح بنسبة القول اليه فيبرزه في صورة الإجماع جمعا

٥٣

ثمّ إنّ إنكار كشف الإجماع عن رأي الإمام الغائب ( عجّل الله فرجه ) رأسا وبجميع الوجوه والطّرق كما عن غير واحد من أصحابنا الأخباريين وإن كان خلاف الإنصاف (١) إلاّ أنّ أكثرها غير نقيّة عن الإيراد والإشكال في زمان الغيبة فإنّ الإجماع الدّخولي لا ريب في اعتباره بل لا يعقل الكلام فيه بعد الفراغ عن حجيّة السّنة بل إمكان تحقّقه في الجملة ، ووضوح اندفاع ما أوردوا عليه من الإيرادات ، إلاّ أنّ تحقّقه في زماننا هذا وأشباهه محلّ منع.

ومن هنا قال في « المعالم » : « إنّ الاطلاع على الإجماع في زماننا هذا وأشباهه من غير جهة النّقل غير ممكن » (٢).

بل أقول الاطلاع على الإجماع الدّخولي من جهة النّقل بالتّواتر أو القرائن المفيدة للعلم أيضا لا يخلو عن منع ؛ لأنّ الكلام إنّما هو في ناقل الإجماع ؛ لأن النّقلة لم تعاصر الأئمّة ، ومن عاصرهم لم يدّع الإجماع في المسائل وإن كانوا من أهل الفتوى ، واللّطفي الّذي اختاره الشّيخ قدس‌سره وجماعة وإن لم يفرّق فيه بين زماني

__________________

بين الأمر بإظهار الحق والنّهي عن إذاعة مثله بقول مطلق.

قال : وهذا على تقديره طريق آخر بعيد الوقوع ، مختصّ بالأوحديّ من الناس وذلك في بعض المسائل الدينيّة بحسب العناية الرّبانيّة. إنتهى كشف القناع : ٢٣١.

لم نجد فيما نعلم دعوى الإجماع ولا على دعاء واحد من الأدعية والزيارات في كتب أصحابنا المتأخرين بحيث يصبح هو المستند في البين من دون أن يكون موجودا عند المتقدّمين المقاربين لعصر المعصومين عليهم‌السلام ، مضافا إلى أن هذا الكلام مناقض لما اختاره سابقا من إمتناع رؤية الإمام عليه‌السلام في زمن الغيبة الكبرى.

(٥) بل هو الإنصاف بعينه.

(٦) المعالم : ١٧٥.

٥٤

الغيبة والحضور ـ كما هو ظاهر ـ إلاّ أن الحكم والمصالح المقتضية لغيبة الإمام عليه‌السلام هي الّتي تقتضي رفع إيجاب إظهار الحقّ والرّدع عن الباطل عنه. كما أنّ إظهار الحقّ والرّدع عن الباطل ليس واجبا مطلقا عليه في زمان الحضور أيضا.

ولا ينافي ذلك وجوب وجوده من جهة توقّف وجود الموجودات الخلقيّة في جميع العوالم عليه. ومن هنا قالوا : وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر (١).

وقال ( عجّل الله فرجه وسلام الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين ) ـ في ردّ من زعم أنّه لا فائدة في وجود الإمام الغائب عليه‌السلام بعد فرض عدم تصرّفه في مرحلة الظّاهر في العوالم الإمكانيّة ـ : ( وأمّا الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشّمس إذا غابتها السحاب ) (٢).

فانظر إلى حضرته الجليلة كيف أوضح ارتباط العوالم الإمكانيّة بشمس فلك الولاية وافتقارها إليها والاقتباس الحدوثي والبقائي من إشراقاتها النّورية بأوضح بيان؟

وبالجملة : هذه الطّريقة محلّ مناقشة من وجوه عديدة مذكورة في مسألة الإجماع المحقّق ، والغرض في المقام التّعرض للمطلب بعنوان الإجمال والإشارة ، مقدّمة لما هو المقصود بالبحث والكلام من اتضاح حال نقل الإجماع من حيث دخوله في أيّ قسم من أقسام الخبر بعد الفراغ عن بيان أحكامها في الأمر الأول.

__________________

(١) كشف المراد : ٤٩١.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق : ج ٢ / ٤٨٥ باب ذكر التوقيعات الواردة عن القائم ـ ح ٤ والرواية هكذا : وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ... الحديث.

٥٥

وأمّا الوجه الرّابع الّذي اختاره بعض المتأخرين وركن إليه فلا يتم إلاّ بضمّ الوجه الثّالث إليه حتّى يحرز به مذهب خواص أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ورأيهم في المسألة ، ثمّ يثبت وجود سائر شروط التّقرير المحتاج إلى كلفة مع تطرّق المنع إليها. ومع تماميّته بنفسه لا حاجة إلى هذا التّجشم أصلا.

وأمّا الوجه الثّالث الّذي ركن إليه أكثر المحقّقين من المتأخّرين وأوضحوا القول فيه غاية الإيضاح فلا ينبغي الارتياب في تماميّته. كما هو الوجه في تحصيل العلم بآراء سائر الرّؤساء في سائر المطالب من العلم باتّفاق تابعيهم على ما عرفت الكلام فيه عند بيان هذا الوجه.

بل أقول : إمعان النّظر في كلمات أكثر العلماء ، قاض باستنادهم إلى هذه الطّريقة في مقام دعوى الإجماع في المسائل ، كما يشهد به المتأمّل المنصف حتّى من كان ظاهره الوجه الأوّل ؛ فإنّ تحصيله بالحسّ غير ممكن عادة لمدّعي الإجماع في أمثال زماننا.

وتحصيله بالحدس القطعي أيضا لا معنى له ؛ لعدم طريق إليه إلاّ إجماع العلماء الكاشف بحكم العادة عن إتفاق أصحاب الأئمة عليهم‌السلام الكاشف عن تلقّيهم عنهم عليهم‌السلام فيرجع الأمر بالأخرة إلى العادة.

وأمّا سائر الوجوه المذكورة في كلام بعض مشايخ الأعلام فتطرّق المنع والمناقشة إليها ظاهر ، سيّما في جعل الإجماع كاشفا عن الحكم الظّاهري الدّليل الظّني المعتبر عند الكلّ بحيث لو وقفنا عليه لحكمنا بتماميّته من جميع الجهات ؛ لأنّ تمسّك كلّ فريق إلى ما لا نراه تامّا من جهة أو جهات ممّا لا يحيله عقل ولا عادة. كيف! وقد وقع ذلك في اتّفاق القدماء القائلين بوجوب النّزح ونحوه.

٥٦

ثمّ إنّي قد وقفت بعد تحرير المقام ـ على النّسق الّذي عرفت ـ على كلام لبعض أفاضل المتأخّرين في وجه كشف الإجماع عن قول الإمام عليه‌السلام بحكم العادة القطعيّة ، يرجع حاصله إلى :

أنّ من إفتاء كلّ واحد من العلماء يحصل الظّن ، إمّا بالحكم الواقعي المستلزم للظّن بحكم الإمام عليه‌السلام بعد العلم الإجمالي بصدور حكم الواقعة عنه عليه‌السلام ، أو بالحكم الصّادر عنه ابتداء ؛ من حيث إنّ همّتهم مصروفة في إدراك الحكم الصّادر عنه عليه‌السلام ومن جودة أنظارهم وقوة أفكارهم وشدّة ملكاتهم يحصل الظّن من إفتاء كلّ واحد لا محالة ، ومن تراكم الظّن وكثرته : يحصل القطع بقول الإمام عليه‌السلام.

وهذا الوجه وإن ذكره في تقريب إثبات الطّريقة المعروفة بين المتأخّرين إلاّ أنّه كما ترى منظور فيه ؛ من حيث إنّ خطأ الأنظار في المسائل العلميّة النّظريّة وإن توافقت وتراكمت لا تحيله عادة أصلا ؛ غاية ما هناك حصول الظن أو القويّ منه. فالحقّ في تقريب بيان طريقة المتأخّرين ما عرفت الإشارة إليه في طيّ كلماتنا السّابقة.

(١١) قوله قدس‌سره : ( نعم ، يمكن أن يقال : إنّهم قد تسامحوا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٧ )

أقول : الالتزام بتسامحهم في إطلاق لفظ الإجماع ممّا لا مناص عنه. بل قد عرفت ذهاب جمع ممّن قارب عصرنا إلى كونه حقيقة في هذا المعنى المسامحيّ عند المتأخّرين وكونه مختلفي الحقيقة عند القدماء والمتأخّرين.

نعم ، هنا كلام في أنّ إطلاقه على هذا المعنى المسامحيّ هل هو مجاز في الكلمة أو لا وإنّما التّصرّف في أمر عقلي؟

٥٧

(١٢) قوله قدس‌سره : ( وعلى أيّ تقدير فظاهر إطلاقهم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٧ )

أقول : لا خفاء فيما أفاده من كون الظّاهر من لفظ الإجماع عند عدم القرينة وعند الإطلاق إرادة دخول قول الإمام عليه‌السلام في أقوال المجمعين على ما أثبته من كونه حقيقة في اتّفاق الكلّ المشتمل على الرّئيس حسبما عرفت ؛ فإنّ إطلاقه على غيره مسامحة ولو لم يكن مجازا في الكلمة خلاف الظّاهر ، فيكون الإخبار عن الإجماع ـ بناء عليه ـ إخبارا عن السّنة عند من قال بكون الوجه في حجيّة الإجماع اشتماله على قول المعصوم عليه‌السلام.

كما أنّ الظّاهر منه عند الإطلاق على مذهب الشّيخ قدس‌سره المتأخّرين إرادة المعنى المسامحي الغير الاصطلاحي ؛ فلا يكون الإخبار عن الإجماع إخبارا عن قول الإمام عليه‌السلام تضمّنا ـ على تقدير عدم الانضمام ـ وأمّا إذا انضمّ المنكشف إلى الكاشف وأطلق اللّفظ على المجموع ؛ فإنّه على مذهب المتأخّرين لا يخرجه عن المسامحي كما هو ظاهر. وأمّا على مذهب الشيخ قدس‌سره فإنّه وإن تسامح في الانضمام إلاّ أنّ اللّفظ مستعمل في معناه الحقيقي.

وعلى كلّ تقدير يرجع الإخبار عن الإجماع ـ على تقدير الانضمام ـ إلى الإخبار عن قول الإمام عليه‌السلام. غاية ما هناك لزوم تسامح في الانضمام على مذهب الشيخ ولزوم تسامح من حيث الانضمام في المعنى المسامحي. وهذا هو المراد من قوله قدس‌سره : « ففي إطلاق لفظ الإجماع على هذا مسامحة في مسامحة » (١) من حيث إنّ بعض الجماعة لم يكن داخلا فيهم حقيقة ، وإنّما ادّعي دخوله ؛ فإنّه إنّما

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٨٩.

٥٨

يتصوّر على مذهب المتأخّرين ورجوع الإخبار عن قول الإمام إلى حكم العقل أو العادة على مذهب الشّيخ والمتأخّرين.

(١٣) قوله قدس‌سره : ( نعم ، لو كان نقل الإجماع المصطلح ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩٠ )

أقول : ترتّب التّدليس على النّقل المسامحي إنّما هو إذا كان الكتاب المنقول فيه الإجماع مرجعا للعلماء ؛ بحيث يعلم عادة وقوف من يذهب إلى اختصاص الحجيّة بنقل الإجماع الاصطلاحي على النّقل المزبور واعتماده عليه مستقلاّ من دون فحص وتتبّع في سائر كتب الفتاوي ، حتّى يظهر له كون بناء النّقل المزبور على المسامحة. وأنّى لمدّعي التّدليس لإثبات ذلك؟ وأيّ عالم يعتمد على نقل الإجماع بمجرّده من دون فحص؟ سيّما مع شيوع الخلاف في مدرك الإجماع وطرق استكشاف قول الإمام عليه‌السلام عن أقوال العلماء.

ثمّ إنّ صريح كلام صاحب « المعالم » : شيوع القول بطريقة المتأخرين وذهاب جماعة ممّن عاصره وتقدّم عليه إلى هذه الطّريقة. وقوله : ( ولا دليل لهم على الحجيّة ) (١) إشارة إلى عدم كون هذه الطّريقة مرضيّة عنده في الاستكشاف عن قول الإمام عليه‌السلام. وقد عرفت : أنّ الطّريق للاستكشاف منحصر فيها في زماننا هذا وأشباهه ، وأنّ طريقة اللّطف غير كاشفة من وجوه ، وأن الدّخول لا يتصوّر إلاّ في زمان الحضور ـ كما اعترف به قدس‌سره على ما عرفت سابقا.

(١٤) قوله قدس‌سره : ( وإن أضاف الإجماع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩١ )

أقول : بعد الفراغ عن بيان مقدار مدلول أدلّة حجيّة الخبر وحقيقة الإجماع

__________________

(١) معالم الدين : ١٧٤.

٥٩

وإطلاقه على غير حقيقته في كلماتهم ، واختلاف التّعبيرات من حيث الظّهور في إرادة المعنى الحقيقي المصطلح أراد التعرّض لحال الإجماعات المنقولة في كلماتهم من حيث انطباق الكليّة المستفادة من آية النّبأ ، على زعم القائل بدلالتها على حجيّة الخبر عليها وعدمه.

والكلام في خصوصيات الأمثلة من حيث دخولها في أحد شقّي التّرديد الّذي أفاده ممّا لا ينبغي صدورها عن أهل العلم ، كما أنّه لا ريب في أنّ مراده قدس‌سره بقرينة تصريحه بعد ذلك من نفي الإشكال في عدم الحجيّة من حيث نقل السّنة وقول الإمام عليه‌السلام تضمّنا كما هو الوجه عند أكثر القائلين بحجيّته لا مطلقا كما لا يخفى.

(١٥) قوله قدس‌سره : ( لكن سيجيء بيان الإشكال في ذلك ). ( ج ١ / ١٩١ )

أقول : من حيث إنّ القدر الّذي يمكن تحصيله بالحسّ من الأقوال للناقل لا يلازم عادة لقول الإمام عليه‌السلام ، أو الّذي يكون ملازما لقول الإمام عليه‌السلام لا يحصل بالحسّ للنقلة فلا فائدة فيه ؛ لما عرفت سابقا : من أنّ الّذي دلّ عليه آية النّبأ هو حجّيّة نقل السّنة عن حسّ أو نقل ما يلازمه كذلك ، ولو كانت الملازمة عادية ؛ من حيث إنّ المدار في باب الطّرق والأمارات غيره في باب الأصول ، فلا يمنع كون ترتب السّنة على المخبر به عاديا عن القول بحجيّته بالنّسبة إلى إثبات السّنة ، كما يمنع ذلك في الأصول على ما ستقف عليه مشروحا في محلّه.

(١٦) قوله قدس‌سره : ( وفي حكم الإجماع المضاف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٩١ )

أقول : مراده قدس‌سره من الإلحاق الحكمي من حيث عدم نقل السّنة وإن حكم بأولويّته منه من حيث نقل السّبب ، كما أنّ الحكم بالأضعفيّة في قوله : ( وأضعف ممّا

٦٠