بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

بها في الجملة ، إلاّ أنّه ليس واجبا مقدّميّا ؛ فإنّ الغرض من إرسال الرّسل وتشريع الدّين وإبلاغه إلى المكلّفين هو حصول الكمال لأنفسهم بأخذه والعمل بمقتضاه ، إلاّ أنّه لا يوجب كون وجوب البيان على الأنبياء غيريّا.

وبالجملة : تقرير الدّليل على الوجه الثّاني غير مذكور في كلماتهم ، وإن كان على تقدير تماميّته أنفع من الوجه الأوّل ، وإن كان مقتضاه حصول المعرفة الظنّيّة بالنّسبة إلى الواقع ، والقطعيّة بالنّسبة إلى الحكم الظّاهري على تقدير إثباته حجيّة الظّن بالنّسبة إلى مورده أيضا ، إلاّ أنّه يتوجّه عليه : إشكال لزوم التبعيض في الاحتياط على ما ستقف عليه وعدم العموم له بالنّسبة إلى الظّن بغير الأحكام الإلزاميّة.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره في بيان المقدّمة الأولى في عداد المقدّمات على الوجه الأوّل على سبيل الإجمال والفهرست : من انسداد باب العلم والظّن الخاص في معظم المسائل الفقهيّة ، ليس المراد منه ما يتراءى من ظاهر لفظ المعظم ، بل المراد منه هو الكثير من المسائل الفقهيّة المشتملة على الأحكام الإلزاميّة بحيث يكون الشّبهة من الكثير في الكثير. ولو فرضت كثرة المعلومات التّفصيليّة أو المظنونة بالظّن الخاصّ فالمراد : أنّ المشتبهات المشتملة على الواجبات والمحرّمات يكون أكثر بمراتب من المعلومات والمظنونات بالظّن الخاص.

(٢١٨) قوله قدس‌سره : ( ونجعل أنفسنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٨٤ )

٣٨١

أقول : الفرق بين الوجهين لا يكاد أن يخفى ؛ فإنّه على الأوّل : لم يصدر حكم من الشّارع في حقّ الجاهل وإنشاء في مرحلة الظّاهر أصلا. وفي الثّاني : صدر إنشاء من الشّارع في حقّه بمقتضى أدلّة البراءة أو أصالة العدم.

(٢١٩) قوله قدس‌سره : ( لعدم الوجوب في بعضها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٨٤ )

أقول : المراد من البعض الّذي يكون إبطال وجوبه مقدّمة لا جوازه ، هو الاحتياط كما ستقف عليه مشروحا ؛ حيث أنّ بطلان تعيينه ، يكفي في الحكم بحجيّة الظّن ولا يتوقّف على بطلان جوازه ؛ فإنّ جوازه بل رجحانه يجامع انفتاح باب الظّن الخاصّ بل العلم التّفصيلي ، فضلا عن الظّن المطلق ؛ فإنّ حجيّة الظّن لا تنفي جواز إحراز الواقع بالاحتياط.

وهذا بخلاف سائر الأصول والطّرق المحتملة ؛ فإنّ جوازها ينافي حجيّة الظّن أمّا الأصول فظاهر ، وأمّا التّقليد ونحوه ؛ فإنّ حجيّة الظّن في حقّ المجتهد يوجب تمكّنه عن الاجتهاد في المسألة. فكيف يجوز له الأخذ بوظيفة العامي؟

ثمّ إنّ المقدّمة الرّابعة كما ترى ، بمنزلة الكبرى للقياس المركّب من الصّغرى الموقوفة على المقدّمات الثّلاثة ؛ فإنّه يثبت بمعونتها الدّوران بين الامتثال الظّني والشّكّي والوهميّ. وبمقتضى المقدّمة الرّابعة ؛ تثبت كبرى هذه الصّغرى ؛ فإنّ العقل يحكم حكما كليّا : بأنّه كلّما دار الأمر فيه بين الظّن والاحتمالين الآخرين يجب تقديم الظّن عليهما. فإذا انضمّت إلى الصّغرى المذكورة ، فيحصل من المجموع

٣٨٢

العلم بالنّتيجة : وهي وجوب الامتثال الظّني. ومن هنا سمّي الدّليل عقليّا من حيث إنّ الحاكم في كبرى القياس المذكور العقل.

وما أفاده في تقرير المقدّمة الرّابعة وإن لم يكن واضح الدّلالة على ما ذكرنا من البيان إلاّ أنّ مراده ما ذكر (١) (٢).

__________________

(١) أقول : مراجعة كلام شيخ المحققين في حاشيته على المعالم للإستطلاع على رأيه الشريف في دليل الإنسداد ومقدّماته مغتنمة. انظر هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٨٩.

(٢) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى أن الاولى جعل المقدّمة الأولى هو العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعليّة علينا في الشريعة وإن كان ذلك بيّن اللزوم لما جعله أولى المقدمات ، بداهة ان وضوح المقدّمة لا يوجب الإستغناء عنها فيكون الدليل مركّبا من مقدمات خمس ... إلى آخره » أنظر درر الفوائد : ١٣١ وكذا الكفاية : ٣١١.

وانتقده جماعة منهم :

* الفاضل الكرماني قدس‌سره قائلا :

أقول : من الواضح الجلي ان الكلام هنا بعد الفراغ عن إثبات مكلّف ومبلّغ وتبليغ اشتراكنا مع من بلّغ اليهم فيما بلّغ إليهم وعلمنا إجمالا بكوننا فعلا مكلّفين بامتثال ما علمناه إجمالا من التكليف.

فعلى هذا الفرض الثابت ما قبله مما ذكر قبل هذا يقع النظر في طريق امتثالها أنه بأي وجه يكون؟ ولو لا هذا الفرض لكانت المقدمات السابقة أكثر مما تخيّله أولى المقدمات.

٣٨٣

__________________

ويوضّح ما قلناه : من ان الكلام على الفرض المذكور والفراغ عمّا تقدّم انّهم سمّوه بدليل الإنسداد ولو كان الأمر كما تخيّله لكان الأنسب أن يسمّوه بدليل العلم الإجمالي بالتكاليف ... إلى آخره ما ذكره ). أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد : ص ١١١.

* ومنهم : الميرزا النائيني قدس‌سره قائلا :

( ثم لا يخفى ان المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره زاد في المقدمات مقدّمة أخرى وجعلها المقدمة الأولى : وهي العلم ببقاء التكاليف حال الإنسداد ، زعما منه أن الترتيب الطبيعي يقتضي ذلك ؛ إذ لو لا العلم ببقاء التكاليف لما كان مجال لدعوى الإنسداد أبدا.

وهذا منه قدس‌سره عجيب ؛ فإنه إن أراد من العلم ببقاء التكاليف عدم نسخ الشريعة وبقاء احكامها إلى يوم القيامة ، فهو من ضروريّات الدين ومن الأمور المسلّمة في المقام فلا معنى لجعله من المقدّمات وإلاّ فليجعل إثبات الصانع والنبوّة من المقدمات أيضا.

وإن أراد منه لزوم التعرّض لها في فرض الإنسداد وعدم جواز إهمالها فهي عين المقدّمة الثانية وليست في قبالها مقدمة أخرى فالأولى جعل المقدمات أربعا كما صنعه العلاّمة الأنصاري قدس‌سره ). أنظر أجود التقريرات : ج ٣ / ٢٢٢.

* وأمّا المحقق الأصفهاني قدس‌سره فقد انتقد الشيخ الاعظم قدس‌سره لإهماله هذه المقدّمة قائلا : ( بان إسقاطها إن كان لأجل عدم المقدّميّة فمن الواضح انه لولاها لم يكن مجال للمقدّمات الأخر إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

وإن كان لوضوح هذه المقدّمة لدلالة سائر المقدّمات عليها ، فمن الواضح أن وضوحها لا يوجب عدم مقدّميّتها ولا الإستغناء بذكر الباقي عن ذكرها وإلاّ كان بعضها الآخر كذلك ، بل

٣٨٤

( دليل الإنسداد )

المقدمة الأولى

(٢٢٠) قوله قدس‌سره : ( أمّا المقدّمة الأولى ... إلى آخره ) (١) (٢). ( ج ١ / ٣٨٦ )

__________________

بعضها أوضح ). أنظر نهاية الدراية : ج ٣ / ٢٧٢ رقم التعليقة ١٢٥.

* وقد أولى المحقق العراقي هذه المقدمة اهتماما أكثر من غيره وجعلها دخيلة في اختلاف المسالك في دليل الإنسداد وقد مضى كلامه قبل صفحات فراجع. وأنظر نهاية الافكار : ج ٣ / ١٤٦.

(١) لاحظ كلمة المحقق الخراساني قدس‌سره في المقام في كتابه درر الفوائد : ١٣٢.

(٢) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

( في بعض الحواشي :

لا إشكال في توقّف إثبات حجّيّة الظن على إثبات المقدّمة الأولى بالدليل نظرا إلى كفاية الأصل عند الشك في تحقق الإنسداد وعدمه ؛ إذ مقتضى الأصل عدم التكليف بالعلم لتوقفه على جعل الشارع أمارات مخصوصة لإمتثال الأحكام الواقعيّة ، والأصل عدمه فيكون مدّعي الإنسداد في معنى المنكر الذي لا يكلّف بالإثبات ويكتفى منه بمجرّد النفي وعدم العلم بالثبوت ، والأولى إبتناء المسألة على أن مقتضي الاصل هو جواز العمل بالظن أو حرمته ، فيلزم الإثبات على الثاني دون الأوّل.

٣٨٥

أقول : ما أفاده بالنّسبة إلى انسداد باب العلم في أغلب الأحكام من عدم احتياجه إلى الإثبات بما في « المعالم » وغيره ، في كمال الظّهور ؛ فإنّ كثيرا من الواجبات والمحرّمات وإن كانت معلومة في الجملة ؛ من جهة الضّرورة والإجماع والأخبار المتواترة ، إلاّ أنّه لا ينافي ما ندّعيه من انتفاء العلم التّفصيلي بالنّسبة إلى كثير منها ؛ فإنّ المنافي له العلم بأكثر الأحكام بحيث يلحق الباقي بالشّبهة الغير

__________________

إذ على الثاني لا بد في الخروج من مقتضى الأصل المذكور من إثبات المقتضي لجواز العمل بالظن ولا يثبت ذلك إلاّ بعد ملاحظة الأخبار وغيرها من الأمارات وعدم وجود مقدار من الأمارات المعتبرة شرعا كاف في أغلب أبواب الفقه وحيث قد سلف من المصنّف عند تأسيس الأصل في المسألة كون مقتضى الأصل هي حرمة العمل بالظن فلا بد حينئذ من إثبات الإنسداد.

أقول : النافع في المقام الذي نحن الآن فيه هو أن التكاليف الواقعيّة الثابتة من الشارع هل يكفي تحصيلها بالظن الذي لم يثبت من الشارع إذن فيه ولا منع بالخصوص ويحصل الامتثال بها وتفرغ ذمّتنا عنها كما يحصل الامتثال وفراغ الذمّة عنها لو حصّلناها بالعلم أو بطريق جعله الشارع لها أم لا بد من تحصيلها بأحدهما.

ولا شك أن الأصل عدم حصول المقصود بالظن الذي دليل الاكتفاء به في المقام مفقود ويتوقّف إثبات المرام على مقدمات : أعظمها إنسداد باب العلم والعلمي بلا كلام ، أو ما لم نقطع اليد عن معلوم الكفاية لم ينفتح باب كفاية مجهول الكفاية.

ولكون هذه المقدمة تامّة المدخليّة في إثبات المراد سمّوا المؤلّف من مقدّمات هي منها بدليل الإنسداد إعتناء بشأنها وتنزيل غيرها في هذا الدليل مبنيّا عليها وهي أساسها وأسّها ، وبعد طلوع النّيّر الوهّاج أطفيء السرّاج ). انتهى. حاشية رحمة الله على الفرائد : ص ١١٢.

٣٨٦

المحصورة وهو منفيّ قطعا ، مع أنّ الواجبات المعلومة إنّما علمت على سبيل الإجمال لا بجميع أجزائها وشرائطها وموانعها. ألا ترى أنّا نعلم بوجوب الصّلاة؟

لأنّه من أوضح ضروريّات الدّين الّتي يكون العلم بها خارجا عن الفقه حقيقة ، إلاّ أنّا لا نعلم بجميع ما يعتبر فيه ، وكذلك الصّيام والحجّ والزّكاة والخمس وغيرها من أمّهات الفروع وأصولها.

وأمّا بالنّسبة إلى انسداد باب الظّن الخاصّ المراد به ما قام الدّليل على اعتباره من حيث حصوله من سبب خاصّ ، فتصديقه موقوف على أن لا يثبت ممّا تقدّم من الأدلّة القطعيّة على حجيّة الظّواهر والأخبار ، ما يفي بضميمة الأدلّة القطعيّة بأغلب الأحكام بحيث لم يكن هناك مانع من الرّجوع إلى الأصول في المسائل الخالية عنه.

فهذا يتوقّف على سير في الأدلّة وفي المسائل الفقهيّة ولو على نحو الإجمال ؛ حتّى يعلم وجود ما علم حجيّته بالخصوص في أغلبها وعدمه. وليس هذا أمرا مضبوطا جدّا ، بل يختلف باختلاف اعتقاد العلماء في باب حجيّة الأمارات الخاصّة ، ومذهب شيخنا قدس‌سره لا يستفاد من « الكتاب » قطعا.

وقد استفدت من كلماته في مجلس البحث وغيره : أنّه يعتقد وفاء الظّنون الخاصّة بأغلب الأحكام بضميمة الأدلّة العلميّة وإن كان الظّن الخاصّ منحصرا في زعمه ـ حسبما عرفت ـ بظواهر الألفاظ ، والخبر المفيد للوثوق والاطمئنان ، وكلّ ما يوجب نفي الرّيب بالإضافة ، في باب التّعارض كما ستقف عليه في الجزء الرابع.

٣٨٧

ثمّ إنّ إثبات هذا الجزء من المقدّمة الأولى هو العمدة في المقام ؛ لأنّ إثبات انسداد باب العلم في الأغلب وكذا إثبات سائر المقدّمات لا يحتاج إلى إتعاب النّظر ، بل هو أمر مسلّم عندهم. ولذا لم يتعرّض أكثر المستدلّين بالدّليل له إلاّ على سبيل الإشارة والإجمال في الجملة كصاحب « المعالم » والشّيخ [ البهائي ] في « الزّبدة » (١) فإنّهما أبطلا الرّجوع إلى البراءة بعدم حصول الظّن منها في مقابل الخبر ، من هنا سمّي الدّليل بدليل الانسداد من حيث كونه هو العمدة من مقدّماته.

المقدمة الثانية

(٢٢١) قوله قدس‌سره : ( بل قد ادّعى في « المختلف » في باب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٨٨ )

أقول : بل ادّعى غير واحد في هذا الباب الإجماع على تضيّق الواجبات الموسّعة بظنّ الضّيق ، بل ادّعى بعض المحقّقين : الإجماع على حجيّة الظّن بالنّسبة إلى الأمور المستقبلة ؛ نظرا إلى انسداد باب العلم بها غالبا (٢).

(٢٢٢) قوله قدس‌سره : ( الثّاني : إنّ الرّجوع في جميع تلك الوقائع ...

__________________

(١) زبدة الأصول : ٩٢ ، تحقيق فارس حسّون.

(٢) المحقق الشيخ محمّد تقي الرازي قدس‌سره صاحب الحاشية على المعالم.

٣٨٨

إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٨٨ )

__________________

(١) قال شيخ الكفاية رضوان الله تعالى عليه :

« لزوم مخالفة كثيرة من الرجوع في تلك الوقائع إلى البراءة بحيث يعدّ الراجع إليها مع التزامه بما قطع بثبوته في الشريعة من الضروريات والاجماعيات والمتواترات وما احتفّ بما يوجب اليقين وما ساعدت عليه أمارة ثبت إعتبارها من العبادات وغيرها من العقود والإيقاعات وسائر أبواب الفقه خارجا من الدين غير متديّن بشريعة سيّد المرسلين [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] كي يكون ذلك محذورا لا يجوّزه أحد من المسلمين ، ولوجود المخالفة القطعيّة لما علم بالإجمالي من التكاليف ممنوع جدّا ، سيّما إذا كان الاحتياط في الدماء والفروج والأموال مما علم بثبوته في الشريعة أيضا على نحو اللزوم بحيث لا يجوز شرعا الإقتحام فيما اشتبه حلاله بالحرام.

ولا يخفى انه لا شهادة في أكثر ما نقله من الأعلام على ذلك ، وذلك لأن ظاهر السؤال والجواب في كلام السيد وإن كان هو التسالم والتصالح على أنه لو فرض الحاجة إلى أخبار الآحاد لعدم المعوّل في أكثر الفقه ، لزم العمل عليها وإن لم يقم دليل عليه بالخصوص ، إلاّ أنه لم يعلم منه أن ذلك لئلاّ يلزم محذور الخروج عن الدين ، بل لعلّه لأجل أنه يرى نفس المخالفة القطعيّة محذورا ... ». إلى آخر ما ذكره. راجع درر الفوائد : ١٣٢.

* واعترض عليه الفاضل المحقق الشيخ رحمة الله الكرماني قائلا :

( أقول : أمّا منع لزوم المخالفة الكثيرة المذكورة :

إن كان على تقدير كفاية العلم والعلمي في معظم الفقه فهو الذي يقوله القائل بالظن الخاص ولم يتعدّ عنه إلى الظن المطلق ولم يتم عنده الدليل العقلي وليس ذلك ما يصلح لأن

٣٨٩

__________________

يبرز أحد نفسه بالإرعاد والإبراق للإيراد على المصنّف.

وإن كان مع فرض عدم الكفاية فوضوح فساده ينادي بأن لا يصغى إليه.

وأمّا منع شهادة ما نقله المصنّف على ذلك وأن المحذور عنده نفس المخالفة القطعيّة فهو ذهول عن أن الفرار عن المخالفة القطعيّة اللازمة لإهمال البراءة بالعمل بالظن رجوع إلى المخالفة القطعيّة الحاصلة بين المظنونات.

توضيحه : ان المخالفة القطعيّة الإجماليّة لازمة لا يمكن الفرار عنها ؛ فإنّا نعلم إجمالا أنّا لو رجعنا إلى البراءة في الوقائع المجهولة على كثرتها كان بينها ما يخالف البراءة ، وكذا لو فررنا عن البراءة إلى الظن كان بين المظنونات ما يخالف الواقع ، إنّما المحذور ـ الذي يمكن الفرار عنه وينفيه القائل بالظن الخاص ويفرّ عنه القائل بالظن المطلق لعدم العلم والعلمي عنده بقدر الكفاية ـ هو المخالفة القطعيّة الكثيرة البالغة في الكثرة إلى حدّ يحدّ من خالف فيها أنه خارج عن هذا الدّين.

وهل يظنّ بهؤلاء الاعلام المستشهد بكلامهم أنّهم فرّوا عن نفس المخالفة القطعيّة الواقعة بين تلك الوقائع ـ التي رجع فيها إلى البراءة ـ إلى الظّنّ وما دروا أنّ ذلك فيما فرّوا إليه حاصل؟!!

حاشا ثمّ حاشا ، ودعوى : عدم العلم الإجمالي بالمخالفة في العمل بالظن ، ليس بأولى من دعوى عدم العلم الإجمالي بها في اجراء البراءة ، بل نقول : لو كان العلم والعلمي بمقدار لو رجعنا في غيرهما إلى البراءة لم يكن كثرتها بحيث يعدّ الراجع إليها خارجا عن هذا الدين لم يرجع إلى الظنّ ولو علمنا ان بين ما يرجع فيها إلى البراءة مخالفات

٣٩٠

أقول : صريح هذا الكلام ـ كما ترى ـ كون المخالفة الكثيرة للعلم الإجمالي ـ المعبّر عنها في لسان المتأخّرين : بالخروج عن الدّين ـ مانعا مستقلاّ من الرّجوع إلى أصالة البراءة وأصالة العدم على القول بجريانها في موارد جريان البراءة ، وإن لم نلتزم بقدح المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي في الشّبهة المحصورة ومنعها عن الرّجوع إلى الأصل.

وقد استظهره قدس‌سره ممّا حكاه من كلمات المتقدّمين والمتأخّرين ، فإن كان هناك إجماع كاشف عن حكم الشّارع بذلك فهو ، وإلاّ فللمناقشة فيه مجال ؛ إذ المانع في حكم العقل في كلّ مورد هو مخالفة الخطاب المتعلّق به لا بملاحظة اجتماع الخطابات وكثرتها بحسب الموارد فلو لم يكن المخالفة القطعيّة للخطاب المعلوم بالإجمال ، قبيحة عند العقل لم يكن كثرتها أيضا قبيحة. نعم ، الفرق بينهما لو كان فإنّما هو بالوضوح والخفاء.

(٢٢٣) قوله قدس‌سره : ( نعم ، هذا إنّما يستقيم في حكم واحد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٨٩ )

أقول : إنّما يستقيم ما أفاده على القول بالانفتاح بالنّسبة إلى أغلب الأحكام بحيث كانت موارد الشّبهة داخلة في الشّك الغير المقرون بالعلم الإجمالي

__________________

لم يبلغ إلى حدّ المحذور ، فلو لم يعلم ان بين المظنونات أيضا مخالفة لم يكن وجه في المفروض الترك ، العمل بالظنّ ، ولمّا طال التعليق فالأجود اقتصار التحقيق ). انتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ص ١١٣.

٣٩١

بالتّكليف ولو بتعيّن المعلومات الإجماليّة بالظّنون الخاصّة بناء على كونها بمنزلة العلم التّفصيلي من هذه الجهة ، وإلاّ فلو فرض هناك علم إجماليّ بالتّكليف في مسألة شخصيّة كالقصر والتّمام ونحوها من موارد الشّك في المكلّف به فلا معنى للرّجوع إلى أصالة البراءة.

وبالجملة : هذا الكلام مسوق لبيان ارتفاع أثر العلم الإجمالي الكلّي من جهة الانفتاح في الأغلب ولا دخل له بما فرضنا من صورة العلم الإجمالي بالتّكليف في المسألة الشخصيّة.

نعم ، لو أغمض عن منع مطلق المخالفة القطعيّة من الرّجوع إلى الأصول وجعل خصوص كثرتها مانعة ، صحّ ما أفاده على تقدير عدم حمله على ما ذكرنا أيضا. ولمّا كان مبنى الوجه الثّاني على ذلك فلا مانع من حمله على ما ذكر إغماضا عمّا بنى عليه الأمر في الوجه الثّالث فتدبّر.

(٢٢٤) قوله قدس‌سره : ( بل الإنصاف : أنّه لو فرض والعياذ بالله ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٥ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره ـ من عدم سقوط الامتثال بعد العلم الإجمالي بالتّكاليف الإلزاميّة على تقدير انسداد باب الظّن المطلق ممّا لا شبهة فيه ، غاية الأمر تعيّن الامتثال أوّلا بعد انسداد باب الظّن الشّخصي بتحصيل الأمارات والظّنون النّوعية. وعلى تقدير عدم وجودها ، أو عدم كفايتها ، يتعدّى إلى الامتثال الشّكي ، ثمّ يتعدّى إلى الامتثال الوهمي على تقدير.

٣٩٢

وبالجملة : بعد العلم الإجمالي بالواجبات والمحرّمات لا بدّ في حكم العقل من امتثالها بنحو من أنحاء امتثال العاجز عن تحصيل العلم التّفصيلي الّذي آخر مرتبته الامتثال الإجمالي ، وهذا ممّا يحكم به بديهة العقل. أترى أنّه لو طرأ العجز عن الصّلاة إلى أربع جهات عند تردّد القبلة ، أن تحكم بسقوط الصّلاة بالنّسبة إلى الجهة الممكنة؟ وهكذا في تردّد الثّوب ونحوه ممّا يجب فيه الجمع وفرض العجز عنه مع التّمكّن من الإتيان ببعض الاحتمالات.

(٢٢٥) قوله قدس‌سره : ( ما لم يصل المعلوم الإجمالي إلى حدّ الشّبهة الغير المحصورة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٦ )

أقول : المراد ممّا أفاده قدس‌سره : عدم الجريان رأسا عند اشتباه الواجب أو الحرام في الشّبهة المحصورة أو الشّبهة الملحقة بها وإن كان الحقّ عنده حسبما ستقف على تفصيل القول فيه عدم جواز المخالفة القطعيّة في الشّبهة الغير المحصورة أيضا.

(٢٢٦) قوله قدس‌سره : ( قلت : أوّلا إنّه مستحيل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٦ )

استحالة اجتماع العلم الإجمالي مع الظن التفصيلي بالخلاف

أقول : ما أفاده : من استحالة اجتماع العلم الإجمالي مع الظّن التّفصيلي الشّخصي بالخلاف في جميع أطراف الشّبهة من حيث أوله إلى اجتماع النّقيضين أو الضدين ـ نظرا إلى عدم تنافي الإدراكات من حيث الذّات وإنّما هو من جهة

٣٩٣

متعلّقاتها ـ ممّا لا شبهة فيه.

نعم ، لو فرض الظّنون القائمة على خلاف العلم الإجمالي في جميع أطراف الشّبهة من الظّنون النّوعيّة على تقدير تعميم النّتيجة بالنّسبة إلى حجيّة الظّنّ النّوعي ، أو كانت مظنونة الاعتبار على تقدير التّعميم بالنّسبة إلى المسألة الأصوليّة ـ كما ستقف على شرح القول فيه ـ توجّه منع الاستحالة ، لكن كلامه قدس‌سره مبنيّ على خلاف المفروض.

وتوهّم : عدم التّنافي بين الأمرين ـ كما يشاهد في الغلبة من حيث حصول الظّن بالإلحاق بالنّسبة إلى الأفراد المشكوكة مع العلم الإجمالي بتخلّف الفرد النّادر ـ فاسد جدّا كما ستقف على تفصيل القول فيه.

فإن قلت : كيف يحكم بالاستحالة فيما فرض؟ مع أنّا نرى بالوجدان اجتماع الشّك مع العلم الإجمالي ولا ينكره أحد. وأيّ فرق بين الظّنّ بالخلاف في جميع أطراف العلم الإجمالي والشّك؟ فكما أنّ مرجع الأوّل إلى اجتماع العلم بالشّيء والظّن بعدمه فيؤول إلى اجتماع الوجود والعدم ، كذلك مرجع الثّاني إلى العلم بوجود الشيء والشّك فيه فيؤول إلى تجويز اجتماع الوجود والعدم.

قلت : ما قرع سمعك من اجتماع العلم مع الشّك بالنّسبة إلى جميع أطراف الشّبهة ؛ فإنّما هو بالنّسبة إلى الشّك في انطباق المعلوم بالإجمال وتعيينه ، لا بالنّسبة إلى وجوده. ولا يمكن هذا الاعتبار بالنّسبة إلى الظّن في جميع

٣٩٤

الأطراف ؛ ضرورة أنّ الظّن بعدم انطباق المعلوم بالإجمال بالنّسبة إلى بعض الأطراف موجب للظّن بانطباقه على الطّرف الآخر. فتدبّر حتّى لا يختلط عليك هذا الأمر الواضح.

(٢٢٧) قوله قدس‌سره : ( ولكنّ الظّاهر أنّ ذلك مجرّد فرض ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٧ )

أقول : ربّما ينافي ظاهر ما استظهره هنا مع الجزم بعدم الوقوع الّذي ذكره سابقا ؛ من حيث دلالة كثير من الأمارات على الحكم الإلزامي وجوبا أو تحريما كما هو واضح لمن راجع الفقه إجمالا ؛ فإنّه يعلم علما يقينيّا بأنّ كثيرا منها مثبتة له ، فكيف يحصل منها الظّن بعدم التّكليف في جميع الوقائع المحتملة للحكم الإلزامي؟ فلا مناص عن هذا الجواب ، كما أنّه لا مناص عمّا قبله وما بعده من التّبعيض على تقدير اختلاف المراتب ، أو الأخذ باحتمال التّكليف بالنّسبة إلى بعضها تخييرا على تقدير التّساوي وإن كان لا يتّفق عادة.

(٢٢٨) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّه قد يردّ ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٩٧ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما ذكره في « المعالم » (٢) و « الزّبدة » (٣) لما كان مفروضا لإثبات حجيّة الظّن الخبري تعرّضا لحال أصل البراءة في مقابل خبر

__________________

(١) الرّاد هو المحقق القمّي ، انظر القوانين : ج ١ / ٤٤٢.

(٢) المعالم : ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٣) الزبدة : ٩٢ ، تحقيق المرحوم فارس حسّون طيّب الله تعالى مثواه.

٣٩٥

الواحد ، وأنّه لا يحصل منه الظّن في مقابل الخبر من حيث كونه من الأمارات التّعليقيّة سواء كان مبنيّا على استصحاب البراءة أو غيره ، والخبر من الأمارات التّنجيزيّة إذا فرض الكلام في مطلق الظّن.

وسيجيء في باب البراءة والاستصحاب : أنّ مبناهما على الحكم القطعي كما في البراءة ، والتّعبّد الثّابت من الشّارع كما فيهما ، وأنّ توهّم : كونهما من باب الظّن ـ كما نسب إلى الأكثر ـ فاسد جدّا موضوعا وحكما أي : من حيث الصّغرى والكبرى.

(٢٢٩) قوله قدس‌سره : ( وذكر المحقّق القميّ رحمه‌الله في منع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٨ )

فيما يتوجه على كلام المحقق القمي

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما ذكره في « الكتاب » من المحقّق القميّ قدس‌سره هو الّذي أورده على المحقّق « جمال الدّين » بعد نقل كلامه المحكيّ في « الكتاب » في الإيراد الثّاني ؛ فإنّه بعد نقله أورد عليه بإيرادات كثيرة.

منها : الإيراد الثّاني الّذي أورده في « الكتاب » : وسائر ما أورده عليه غير الإيراد الأوّل والثّاني واضح الدّفع كما يظهر لمن راجع إلى « القوانين ».

وأمّا الإيراد الأوّل ؛ فهو مبنيّ على ما أورده في مسألة أصل البراءة في الشّك في المكلّف به من تسليم وجوب الاحتياط فيما كان التّكليف متعلّقا بالواقع المعلوم إجمالا من غير اشتراطه بالعلم التّفصيلي كما ستقف على تفصيل القول فيه

٣٩٦

في محلّه ، فلا ينافي ما بنى عليه الأمر في الشّك في المكلّف به من عدم وجوب الاحتياط.

وأمّا الإيراد الثّاني ؛ فإن كان مبنيّا على زعم إرادة المحقّق « جمال الدّين » قدس‌سره ؛ من حكم العقل بالبراءة فيما لا علم بالتّكليف حكم العقل القطعي بعدم التّكليف في الواقع ونفس الأمر ، كما يستفاد من قولهم بالإباحة الواقعيّة في الأشياء قبل الشّرع.

فما أورده عليه من الإيرادات على التّقدير المزبور حقّ لا محيص عنه ، لكن الكلام في صحّة الزّعم المزبور ؛ حيث إنّه لا شاهد له من كلامه أصلا ، وإن كان مبنيّا على ما يستفاد من ظاهره ؛ من إرادة حكم العقل بعدم التّكليف في مرحلة الظّاهر ، وقبح العقاب على الواقع المجهول كما هو مبنى البراءة عند المحقّقين.

فما أورده عليه بقوله : « فدعوى كون مقتضى أصل البراءة قطعيّا أوّل الكلام » (١). لا توجّه له أصلا ؛ ضرورة استقلال العقل في الحكم بما ذكر على سبيل القطع واليقين.

وأمّا ما أورده عليه بقوله : « سلّمنا كونه قطعيّا في الجملة ... إلى آخره » (٢). فهو وإن كان متوجّها عليه في الجملة ، إلاّ أنّه يرجع إلى الإيراد الأوّل حقيقة على تقدير ومناقض لما بنى عليه الأمر في باب البراءة من صور الشّك في المكلّف به

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٣٩٨.

(٢) نفس المصدر.

٣٩٧

من جواز الأخذ بأصالة البراءة فيما لم يكن هناك إجماع ونصّ على عدم جواز ترك المشتبهين.

وبالجملة : ما أفاده المحقّق القميّ قدس‌سره في المقام لا يخلو عن تشويش واضطراب ، مضافا إلى ما يتوجّه عليه من المناقشات الغير المخفيّة على المتأمّل في أطرافه.

(٢٣٠) قوله قدس‌سره : ( وممّا ذكرنا ظهر صحة دعوى الإجماع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٩٩ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ دعوى الإجماع على البراءة في المقام يرجع إلى الإجماع المدّعى على الحكم الظّاهري الّذي لم يخالف فيه أحد من المجتهدين والأخباريّين ؛ من أن الحكم فيما لا يعلم بصدور الحكم الإلزامي من الشّارع بعد الفحص التّامّ لا خصوصا ولا عموما : هو جواز الفعل والتّرك في مرحلة الظّاهر بانضمام عدم قيام الدّليل على حجيّة الخبر الّذي دلّ على التّكليف كما هو المفروض ؛ فإنّ من انضمامه يتحقّق مبنى القياس الثّابت كبراه بالإجماع ؛ فإنّ خلاف القائل بحجيّة الخبر من حيث الخصوص ، لا يقدح في دعوى الإجماع بعد فرض عدم تماميّة دليل حجيّته عند المستدلّ بالإجماع ؛ فإنّ الصّغرى : وهو عدم العلم بالبيان ، أو عدم البيان الواصل إلينا قطعية وجدانيّة عنده ، فالمراد من عدم البيان في قوله : « صدق قطعا عدم البيان » أحد الأمرين اللّذين عرفت الإشارة إليهما.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره مبنيّ ـ كما هو واضح ـ على الإغماض عمّا ذكره في وجه بطلان الرّجوع إلى البراءة في المقام ، وإلاّ فلا تأمّل عنده فيه حسبما عرفت

٣٩٨

وستعرفه من كلامه.

(٢٣١) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ ما ذكره من التّخلّص ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٠١ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده في كمال الوضوح من الاستقامة ؛ ضرورة عدم جريان البراءة في الوضعيّات والماليّات المشكوكة المردّدة في أبواب المعاملات بالمعنى الأعمّ. وإن فرض هنا شك في التّكليف المسبّب عن الوضع ؛ فإنّه بمجرّده لا يكفي للرّجوع إلى البراءة بعد فرض كونه مسبّبا عن الوضع كما لا يخفى.

وأمّا عدم جواز المعالجة بالتّخيير في هذه الموارد حتّى يخيّر الحاكم المرجع عند تعادل الأمارات المعتبرة في الشّبهات الحكميّة أو الموضوعيّة ، فأمر واضح بعد عدم جريان دليله في المقام ، بل عدم تحقّق موضوعه سيّما التّخيير الّذي ذكره المحقّق المعترض الّذي يرجع إلى اللّزوم واللاّبدّية وعدم الحكم حقيقة.

فإن شئت قلت : إنّ مقتضى الأصل في الماليّات الحكم بحرمة التّصرّف فيما شك في صحّة المعاملة الواقعة عليها إمّا من جهة الأصل الموضوعي أو الحكمي على أضعف الوجهين فلا معنى للرّجوع إلى البراءة هذا.

وقوله قدس‌سره في وجه المنع إلى الرّجوع إلى البراءة ، لحرمة تصرّف كلّ منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه لا يخلو عن غموض ، بل ربّما يناقش في دلالته على المدّعى.

٣٩٩

(٢٣٢) قوله قدس‌سره : ( ويمكن أن يكون هذا الأصل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٠٢ )

أقول : قد عرفت في أوّل التّعليقة وسيجيء في باب الاستصحاب : أنّ أصل العدم ليس أصلا مستقلاّ في قبال الاستصحاب ، بل هو قسم منه. وأنّ دعوى الإجماع على اعتباره وكونه مسلّما عندهم فاسدة.

نعم ، يمكن دعوى الإجماع على اعتبار خصوص أصالة الفساد في المعاملات ؛ فإنّها أمر مسلّم عندهم ظاهرا في جميع أبواب المعاملات ، وأمّا اعتبار مطلق أصالة العدم سيّما في الشّبهات الحكميّة وسيّما فيما قامت أمارة على خلافها فليس أمرا مسلّما عندهم ويشهد له نزاعهم في أنّ النّافي يحتاج إلى دليل أم لا.

واستدلال النّافين لاعتبار الاستصحاب : بأنّه لو كانت حجّة لكانت بيّنة النّفي ، مقدّمة على بيّنة الإثبات. والمراد من الرّجوع إلى الظّن العقلي ـ على تقدير ابتنائه على الاستصحاب ـ الرّجوع إلى ما هو المعروف من استدلالهم في باب الاستصحاب بقولهم : « ما ثبت دام » المعروف منه بقولهم : « ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم » ويمكن أن يكون المراد منه ما ذكروه في منع الكبرى في باب الاستصحاب فتأمل.

(٢٣٣) قوله قدس‌سره : ( اللهمّ إلاّ أن يدّعى تواترها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٠٢ )

أقول : يرد على الاستدراك المذكور ـ مضافا إلى منع التّواتر الإجمالي ـ أنّه لا ينفع أصلا ؛ لأنّ العلم بصدور بعض أخبار الاستصحاب مع دلالة بعضها وعدم دلالة الآخر لا يجدي أصلا كما لا يخفى.

٤٠٠