بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

(٦) قوله قدس‌سره : ( قلت : إذا ثبت ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ملخّص الجواب عن السؤال المذكور يرجع إلى أنّه بعد البناء على إناطة الحكم في الآية منطوقا ومفهوما على الفسق والعدالة من حيث الطّريقيّة ـ على ما عرفت سيّما بملاحظة التّعليل المذكور فيها ـ فلا محالة يحكم بكون الآية مسوقة لبيان قبول خبر العادل وتصديقه وعدم الاعتناء بكلّ احتمال في خبره يكون للعدالة دخل في ضعفه ، لا القبول من جميع الجهات والحيثيّات ، ونفي الاعتناء بتمام الاحتمالات.

كيف! وهذا لا يجامع ابتناء الآية على الطّريقيّة والتّفكيك بحسب الاحتمالات في مرحلة الظّاهر ، ونفي بعضها دون آخر أمر معقول ؛ فالتّبيّن الخارجي ليس شرطا في العمل بخبر العادل من حيث ما للعدالة دخل في ضعفه وإن كان شرطا فيه من جهة الاحتمال الّذي يتطرّق في خبر العادل والفاسق على نهج واحد.

ولا يلزم من نفي بعض الاحتمالات بالآية الشّريفة دون بعض اللّغوية أيضا ؛ فإنّه إذا كان هناك ما يقضي به نفي سائر الاحتمالات المتطرقة كاحتمال الخطاء والسّهو في مرحلة الظّاهر كما في الإخبار عن الأمور المحسوسة عن حسّ أو عن الأمور الغير المحسوسة المستندة إلى المباديء واللّوازم والآثار الحسيّة عن حسّ ، كما في الإخبار عن الملكات ؛ لمشاهدة لوازمها وآثارها ؛ حيث إنّ العقلاء والعلماء مطبقون على عدم الاعتناء باحتمال الخطأ والسّهو في الإخبار الحسّي عن هذه الأمور فتنفع الآية النّافية لاحتمال التّعمّد في الكذب عن خبر العادل إذا كان المخبر بالأمور المذكورة عادلا.

٢١

فإمّا تنزّل الآية على الإخبار عن هذه الأمور ، كما ربّما يستظهر من عبارة « الكتاب ». وإمّا لا تنزّل عليه ، وتنفع في الإخبار عنها على ما هو التّحقيق ، ولا يأباه « الكتاب » أيضا فتأمّل.

وعلى التّقديرين لا يمكن الاستدلال بها على نفي سائر الاحتمالات.

نعم ، فيما فرض انتفاء سائر الاحتمالات فيه بحكم القطع الحاصل من الأمور الحدسيّة يستدلّ بالآية الشّريفة على نفي احتمال تعمّد الكذب في مرحلة الظّاهر إذا أخبر به العادل. فعلى الوجه الأوّل تنزّل الآية على ما فرض انتفاء سائر الاحتمالات فيه ولو بحكم الشّرع الكاشف عنه بناء العقلاء والعلماء على العمل بأصالة عدم السّهو والخطأ وليس في هذا ـ كما ترى ـ تقييد وتخصيص في الآية أصلا ، لا منطوقا ولا مفهوما بل هو تقيّد وتخصّص. مع أنّه لو سلّم كونه تقييدا وتخصيصا ، فالقرينة عليهما نفس الآية ، من حيث كونها مسوقة ـ على ما عرفت ـ لعدم الاعتناء بما للعدالة دخل في تضعيفه من الاحتمالات دون مطلق الاحتمال.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر : فساد التمسّك بإطلاق المفهوم ـ على ما أشرنا إليه في توضيح السّؤال ـ ؛ ضرورة أنّه لا إطلاق للآية منطوقا ومفهوما لنفي غير احتمال التّعمّد أصلا ، ولا ظهور لها في ذلك جزما.

٢٢

(٧) قوله قدس‌سره : ( نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٢ )

عدم الجدوى في الاستدلال بآية النبأ فيما لم يحكم فيه

بنفي سائر الإحتمالات

أقول : الاستدراك الّذي أفاده ممّا لا بدّ منه على ما أفاده في المراد من الآية على ما عرفت توضيحه ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى عدم الجدوى للآية فيما لم يحكم فيه بنفي سائر الاحتمالات من غير فرق بين الإخبار عن الحسيّات والحدسيّات ، كما هو المستظهر من جميع ما دلّ على اعتبار إخبار العادل من حيث الطّريقيّة ـ سواء كان في الأحكام أو الموضوعات ـ ولازم ذلك اشتراط الضّبط في الرّاوي والشّاهد وانحصار فائدتها فيما انتفي ولو ظاهرا ؛ من جهة عدم جريان أصالة عدم النّسيان والخطأ في إخباره عن الأمور الحسيّة.

كما أنّ لازمه اعتبار إخبار العادل عن الأمور الغير الحسيّة ، لمشاهدته لوازمها وآثارها كالإخبار عن الملكات.

كما أنّ لازمه عدم اعتبار إخبار العادل عن الأمور الحسيّة ، إذا علم استناده إلى الحدس.

فاعتبارهم للضّبط في الرّاوي والشّاهد كحكمهم بعدم اعتبار الشّهادة المستندة إلى الحدس ؛ إنّما هو من جهة عدم ما يقضي بنفي جميع الاحتمالات في الرّاوي والشّاهد ، وعدم جريان أصالة عدم الخطأ في حق غير الضّابط والشّهادة الحدسيّة لا من جهة دليل خاصّ خارجيّ مخصّص للآية وغيرها ـ ممّا دلّ على حجيّة رواية العادل وشهادته كما توهّم ، أو استظهار الحسّ من لفظ الشّهادة كما

٢٣

زعم ـ حتّى يناقش : بمنع أخذ الحسّ في مفهوم الشّهادة بأنّه لا شبهة في كون استعمالها حقيقة في الشّهادة بالتّوحيد والرّسالة ونحوهما مع عدم كونها من الأمور الحسيّة ، مع أن الحكم ليس متعلّقا على لفظ الشّهادة في جميع أدلّة اعتبار خبر العدل في الموضوعات ، بل على لفظ البيّنة في بعضها.

نعم ، قد يستظهر من بعض أخبارها مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا رأيت مثل هذا فاشهد وإلاّ فدع » (١) ـ اعتبار الحسّ واشتراطه في حجيّتها ، لكنّه أيضا لا يخلو عن مناقشة مذكورة في محلّها ، غير مختفية على المتأمّل ، فلا حاجة إلى الدّليل من الخارج بعد قصور دليل الاعتبار ، وكون الأصل المسلّم عندهم عدم اعتبار مشكوك الاعتبار.

نعم ، لو كان المعتبر في مقام نظر العادل وترجيحه ورأيه واعتقاده بحيث كان اعتبار خبره من حيث كونه طريقا إلى اعتقاده المعتبر بالفرض ولو كان من جهة كون اعتقاده أقرب إلى الواقع من اعتقاد من أمر بالرجوع إليه لم يكن معنى لاعتبار الحسّ أصلا ، كما في الفتوى.

والحاصل : أنّ الفرق ظاهر بين كون المعتبر إخبار العادل عن الواقع ـ من

__________________

(١) الحديث في الشرائع : ج ٤ / ١٣٢ ، عنه وسائل الشيعة : ج ٢٧ / ٣٤٢ باب « انه لا تجوز الشهادة إلاّ بعلم » ح ٣ وقد أورده الشيخ الطوسي في المبسوط : ج ٨ / ١٨٠ والمحقق قدس‌سره أخذه منه والحديث عامي لا أصل له في تراثنا أنظر المجموع : ج ٢٠ / ٢٦١ وكذا المغني لابن قدامة : ج ١٢ / ١٩ ، والشرح الكبير : ج ١٢ / ٧ ، وكشاف القناع : ج ٦ / ٥١٧ ، وجواهر العقود : ج ٢ / ٣٤٧ ، ونصب الراية : ج ٥ / ٨٢ ، وكنز العمّال : ج ٧ / ٢٣ حديث رقم : ١٧٧٨٢ ، وسبل الهدى والرّشاد : ج ٩ / ٢١٨ ـ إلى غير ذلك.

٢٤

حيث كونه طريقا إليه ـ وبين كون المعتبر اعتقاده بالواقع ـ ولو كان بملاحظة الطريقيّة ـ من غير فرق بين الموضوعات والأحكام.

فكلّما كان مفاده اعتبار خبر العادل من الحيثية الأولى فمفاده عدم الاعتناء بخصوص احتمال تعمّد كذبه في الإخبار ، لا البناء على تصويبه في اعتقاده ونظره.

وكلّما كان مفاده اعتبار خبره من حيث كشفه عن اعتقاده المعتبر في الحقيقة ؛ فالمستفاد منه البناء على تصويبه في اعتقاده في مرحلة الظّاهر ـ ولو من جهة كون اعتقاده طريقا ـ والمستفاد من الآية وأمثالها ـ ممّا دلّ على حجيّة خبر العادل في الأحكام والموضوعات من حيث كشفه عن الواقع ـ هو الوجه الأوّل.

والمستفاد لما دلّ على رجوع العامي إلى المجتهد في الأحكام الشّرعيّة ـ هو الوجه الثّاني.

ومن هنا لم يستدلّ أحد من الأصحاب على وجوب التّقليد بآية النّبأ ، واستدلّوا عليه بآيتي النّفر والسّؤال ، بالتّقريب الّذي سيأتي بيانه في محلّه.

(٨) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : فعلى هذا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٣ )

أقول : هذا السّؤال متوجّه على التّقريب الّذي بنى عليه الأمر في المراد من الآية ، وكون المقصود منها : اشتراط التّبين الخارجي عن حال خبر الفاسق ؛ من حيث احتمال التّعمد في الكذب من جهة عدم ما يوجب مرجوحيّته من الدّاخل.

بخلاف خبر العادل الموجود فيه ما يوجب مرجوحيّة الاحتمال المذكور ، مع مساواتهما من جهة سائر الاحتمالات.

فإذا فرض إخبار الفاسق عن الموضوعات عن حسّ بعنوان الشّهادة مع

٢٥

القطع بعدم تعمّده للكذب ، فاللاّزم ـ على ما ذكر ـ قبوله ؛ لفرض انتفاء احتمال التّعمّد وانتفاء سائر الاحتمالات شرعا بالأصول العقلائيّة المعتبرة شرعا. بل هو أولى من شهادة العادل مع عدم القطع بانتفاء احتمال التعمّد ، وهكذا الأمر في غير الشّهادة ممّا حكم فيه شرعا بإلغاء خبر الفاسق مطلقا ولو مع القطع بعدم تعمّده للكذب فيما يجري فيه أصالة عدم الخطأ والسّهو ، لا مثل الفتوى ونحوها.

(٩) قوله قدس‌سره : ( قلت ليس المراد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٣ )

أنحاء اعتبار العدالة في الشرع

أقول : ملخّص الجواب عن السّؤال المذكور : أنّ اعتبار العدالة في الشّرع على أنحاء وأقسام : فإنّه قد يكون اعتبارها بعنوان الطّريقيّة المحضة ـ الّذي عرفت تفصيل القول فيه في طيّ بيان المراد من الآية الشّريفة ـ وقد يكون بعنوان الموضوعيّة المحضة ـ كما في بعض المواضع ـ وقد يكون بعنوان الأمرين ، ويلاحظ فيه الجهتان.

فما كان من الأوّل يحكم بقيام الفاسق مقام العادل عند القطع بعدم عصيانه ، إذا كان هناك أصل شرعيّ أو عقليّ يقتضي مطابقة خبره وفعله للواقع من سائر الجهات.

ومن هنا لا نضايق من القول بجواز توصية الفاسق وتوليته وقيموميّته إذا فرض القطع بعدم خيانته ، بل يجوز العمل له واقعا إن لم نعلم بعدم خيانته ، فيما كان بانيا على إحراز الواقع بينه وبين ربّه ، وإن كنّا نمنعه عن التّعدي فيما لم يعلم بحاله.

وما كان من أحد الأخيرين لا يحكم فيه بقيام الفاسق مقام العادل والتّسوية

٢٦

بينهما في صورة القطع بعدم عصيان الفاسق ؛ ضرورة أنّ العدالة قابلة لأن يعتبر بكلّ واحد من العناوين المذكورة. ومن هنا قام الإجماع ودلّت الأخبار على اعتبارها في الشّاهد الملحوظ فيه جهة الموضوعيّة ؛ غاية الأمر عدم دلالة الآية إلاّ على اعتبارها بعنوان الطّريقيّة.

فإن كان الغرض من السؤال إبطال ما ذكرنا في المراد من الآية ـ بما ذكره من عدم قبول شهادة الفاسق ـ فلا توجّه له أصلا ؛ لأنّه إنّما يتوجّه على تقدير إرادة نفي قابليّة الموضوعيّة عن العدالة لا على تقدير عدم دلالة الآية.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّهم استدلّوا على اعتبار العدالة في الشّاهد وعدم قبول شهادة الفاسق بالآية الشّريفة ، والجواب المذكور إنّما يستقيم فيما لو كان الدّليل على اعتبار العدالة في الشّاهد غير الآية ، وليس الأمر كذلك. ألا ترى أنّهم تكلّفوا في المفهوم؟

وجعلوا القول في طرف المفهوم تارة مهملة ، لكي يصحّ الاستدلال بها في البيّنة. وأخرى مطلقة ؛ من حيث إنّ كلّ واحد من الشّاهدين في الموضوعات لا يجب التّبيّن في خبره. ومن هنا أمر قدس‌سره بالتّأمّل في الجواب.

وإن أمكن التّأمّل فيه : بأنّ غرضهم الاستدلال بالآية في الجملة ولا ينافي ذلك اعتبارهم للعدالة بعنوان الموضوعيّة من دليل آخر ، هذا كلّه.

مع أنّ اعتبار الموضوعيّة يمنع من التّعدي إلى خبر الفاسق وإن لوحظ الطّريقيّة في اعتبار العدالة أيضا ، فكأنّهم فهموا اعتبار الأمرين.

ومن هنا ذهب غير واحد إلى عدم اعتبار خبر الفاسق في الأحكام الشّرعيّة مطلقا وهذا وإن كان مخالفا لما يقتضيه التحقيق في معنى الآية ، إلاّ أنّه بناء عليه

٢٧

أيضا يبقى توهّم التّعميم في الآية لنفي جميع الاحتمالات ؛ حيث إنّ الطّريقيّة الموجودة في الآية القابلة للملاحظة ، ليست إلاّ مرجوحيّة التّعمّد بالنّظر إلى ملكة العدالة فتدبّر.

نقل كلام صاحب الفصول لإثبات عموم الآية

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره ـ في تقريب عدم العموم للآية لكلّ خبر ـ ضعف ما أفاده بعض أفاضل المتأخّرين في « فصوله » لإثبات عموم الآية بعد التّمسّك لحكم نقل الإجماع وحجيّته بجملة ممّا دلّ على حجيّة الرّوايات بدعوى شمولها للنّقل عن المعصوم عليه‌السلام ولو بالالتزام والحدس. حيث قال ما هذا لفظه ـ :

« ومنها : آية النّبأ فهي وإن كانت عندنا غير مساعدة على قبول خبر الواحد إلاّ أنّ جماعة ذهبوا إلى دلالتها عليه بالمفهوم. وعلى تقديره يتناول المقام أيضا ؛ فإنّ ناقل الإجماع منبئ عن قول المعصوم عليه‌السلام فيجب قبوله.

واعترض : بأنّ النّبأ وما يرادفه كالخبر إنّما يطلق على نقل ما استند إدراكه إلى الحسّ كالسّماع والمشاهدة. وبهذا فارق الفتوى ؛ فإنّها عبارة عن نقل ما استند إدراكه إلى الدّليل والحجّة » (١).

إلى أن قال : « وضعفه ظاهر ؛ لأنّه إن أريد أنّ النبأ لا يطلق إلاّ على الأشياء الّتي من شأنها أن تدرك بالحسّ وإن أدركه المخبر بطريق الحدس وشبهه ، فهذا لا ينافي المقصود ؛ فإنّ المخبر عنه هنا قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره. وهو أمر

__________________

(١) الفصول الغروية : ٢٥٩.

٢٨

من شأنه أن يدرك بالحسّ وإن كان طريق النّاقل إليه الحدس.

وإن أريد أنّه لا يطلق النّبأ إلاّ على ما كان علم المخبر به بطريق الحسّ فواضح الفساد ؛ للقطع بأنّ من أخبر عن إلهام أو وحي أو مزاولة بعض العلوم كالنّجوم يعدّ منبئا ومخبرا. قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام ( وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (١). ولا ريب أن إخباره عليه‌السلام لم يكن عن حسّ.

ومثله قوله تعالى في غير موضع ... ) (٢). إلى آخر ما ذكره من الاستشهاد بالآيات الّتي أطلق النّبأ فيها على المعنى الأعم.

ثمّ قال :

« وكذا الكلام فيما دلّ على حجيّة خبر الواحد من الأخبار لما عرفت من شمول الخبر ومرادفاته لنقل الإجماع » (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

وقد عرفت : أنّ الوجه في عدم العموم ، ليس عدم إطلاق النّبأ على النّبأ الحدسي ، بل عدم دلالة الآية إلاّ على نفي احتمال التّعمد في الكذب عن العادل في مرحلة الظّاهر ، هذا كلّه.

مع أنّ الإطلاق الّذي ادّعاه أعمّ من الحقيقة والحقيقة أيضا لا توجب جواز التّمسك ؛ إذ ربّما يكون الظّاهر من المطلق بعض أفراده عند الإطلاق ، وأضعف من التّمسّك بالآية التّمسك بالأخبار في المقام ، مع أنّك قد عرفت سابقا وضوح

__________________

(١) آل عمران : ٤٩.

(٢) الفصول الغرويّة : ٢٥٩.

(٣) نفس المصدر : ٢٥٩.

٢٩

اختصاصها بالرّوايات المقابلة لنقل الإجماع.

(١٠) قوله قدس‌سره : ( الأمر الثّاني : أنّ الإجماع في مصطلح الخاصّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٤ )

حقيقة الإجماع ووجه حجّيّته

أقول : لمّا توقّف تحقيق حال نقل الإجماع من حيث دخوله في الكليّة المستفادة من آية النّبأ وخروجه عنها على معرفة حقيقة الإجماع وبيان المراد منه ووجه حجيّته ؛ فأورد قدس‌سره الكلام فيه وفي وجه حجيّته.

فنقول ـ اقتفاء لأثره ـ : إنّ الإجماع في اللّغة أطلق على معنيين : أحدهما : العزم ومنه ( لا صيام لمن لم يجمع الصّيام من اللّيل ) (١) و[ ثانيهما ] الاتفاق ، ومنه قولك ( أجمع القوم على كذا ) إذا اتّفقوا عليه ، وذكر غير واحد : أنّه نقل من المعنى الثّاني الّذي هو مطلق الاتفاق في اصطلاحهم إلى اتّفاق خاص ، نقلا من العامّ إلى الخاص ، كما هو الشّائع في باب النّقل.

ويظهر من المحقّق قدس‌سره فيما يأتي من كلامه ـ : أنّه مأخوذ من المعنى الأوّل حيث إنّه قال ـ في ردّ بعض الأصحاب ـ : « إنّ المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ؛ فإنّ الإجماع مأخوذ من قولهم أجمع على كذا إذا عزم عليه هذا » (٢).

ويمكن أن يقال : أن مراده أخذ العزم فيه مضافا إلى الاتّفاق ، كما أنّ مرادهم من الاتّفاق الخاص : هو الاتّفاق بحسب الآراء مع الخصوصيات الأخر ـ الّتي

__________________

(١) سنن النسائي : ج ٤ / ١٩٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي : ج ٤ / ٢٠٢ و ٢٢١.

(٢) الرسائل التسع للمحقق الحلي ، رسالة العزية ـ المسألة السابعة : ١٤٤ بإختلاف يسير.

٣٠

ستمرّ عليك ـ فالعزم والقصد مأخوذ فيه على كلّ تقدير ، فتدبّر.

ثمّ إنّه قد اختلفت كلمات الخاصّة والعامّة في المعنى الاصطلاحي اختلافا يرجع إلى اعتبار خصوص العلماء في المجمعين وما يرادفه كأهل الحلّ والعقد أو مطلق الأمّة وإلى اعتبار الأمر الدّيني في متعلّقه وعدمه وإلى اعتبار العصر الواحد وعدمه وإلى اعتبار اتفاق الجميع كما هو صريح العامّة وأكثر الخاصّة أو الأعمّ منه ومن الجماعة الخاصّة كما اختاره غير واحد من المتأخّرين كما ستقف عليه.

ثمّ إنّ هذا إنّما هو في لفظ الإجماع بقول مطلق. وأمّا الإجماع المضاف إلى جماعة خاصّة كإجماع الصّحابة والتّابعين أو أهل المدينة أو أهل البيت ونحوها فمعلوم أنّه لا يراد منه في كلماتهم المعنى المراد من الإجماع بقول مطلق.

المعتبر في الإجماع الاصطلاحي هو اتفاق الكل

والأقوال في ذلك

ونحن نورد جملة من كلماتهم في هذا الباب حتّى يعلم صدق ما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره (١) : من استقرار اصطلاح الفريقين على اعتبار اتفاق الكلّ في الإجماع الاصطلاحي الّذي هو الأصل للعامّة ؛ باعتبار أنّه أصل مستقلّ في قبال الأدلّة الثّلاثة عندهم دون الخاصّة كما ستعرف ، أو باعتبار كونه دليلا على مذهبهم في أمر الخلافة وهم الأصل له من حيث إنّهم ابتدءوا في عنوانه والتّمسك

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٨٤.

٣١

به وتأسيسه (١) ، كما ستعرف من السيّد علم الهدى قدس‌سره وغيره ، في قبال غير واحد من المتأخّرين الّذين زعموا : أنّه في الاصطلاح هو مطلق الاتّفاق الكاشف من غير أخذ اتّفاق الكلّ فيه.

فنقول : إنّه عرّفه الغزّالي ـ على ما حكي عنه ـ : « بأنّه اتّفاق أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر من الأمور الدّينية » (٢). وعن فخر الرّازي : « أنّه اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر من الأمور الدّينيّة » (٣). وعن الحاجبي : « أنّه اجتماع المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر » (٤).

إلى غير ذلك من كلماتهم الصّريحة في أخذ اتّفاق الكلّ في تعريفه وإن اختلفت من الحيثيّات والاعتبارات الّتي عرفت الإشارة إليها. والجمع بينها ، وإن

__________________

(١) قال المجدّد المؤسس الطهراني رضوان الله تعالى عليه :

« إن الإختلاف بين اصحابنا وبين المخالفين ليس في مدرك حجّيّته وإنّما هو في نفس الحجّيّة كما قال الأستاذ [ الأنصاري ] قدس‌سره :

« إن الإجماع في مصطلح الخاصّة بل العامّة الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم » فإنه صريح في انه لا مستند للإجماع إلاّ وضعهم له ، فهم الأصل له ، ولا يستند إليه إلاّ هؤلاء ، وهو معنى قوله : وهو الأصل لهم.

أو أنهم لولاه لم يكن لهم مدرك لنسخ الوحي الإلهي ونصب أصنامهم وعزل خليفة الله وإزالته عن مقامه ». إنتهى محجّة العلماء : ج ١ / ٢٧٣

(٢) المستصفى للغزالي : ١ / ١٧٣ ، والمنخول : ٣٩٩.

(٣) المحصول : ج ٤ / ٢٠.

(٤) حكاه الفصول الغرويّة : ٢٤٢ ، وانظر القوانين : ج ١ / ٣٤٦ عن مختصر الحاجبي مخطوط ، والإحكام للآمدي : ١ / ٢٥٤.

٣٢

أمكن بما يرفع الاختلاف كما صنعه غير واحد ، إلاّ أنّا لسنا في صدد ذلك.

وأمّا الخاصّة فأكثر كلماتهم ينادي بأعلى صوتها بأخذ اتّفاق الكلّ في حقيقة الإجماع في مقام تعريف الإجماع وغيره. ويكفي في ذلك ما حكاه في « الكتاب » (١) عن العلاّمة في « التّهذيب » (٢) وغيره (٣) في غيره ، واعتذارهم عن المخالف بانقراض عصره ، ودعواهم عدم الاعتداد بقول الميّت من حيث انعقاد الإجماع على خلافه ميّتا لا حيّا ، والمدارك المذكورة في كلماتهم لحجيّته من الدّخول واللّطف وغيرها ممّا سيأتي الإشارة إليه.

وأصرح من جميع ذلك في اتّحاد معنى الإجماع عند الفريقين ما حكي عن السيّد قدس‌سره في دفع السّؤال عن نفسه ـ بعد الحكم بأنّ الوجه في حجيّة الإجماع كشفه عن دخول الإمام عليه‌السلام : « بأنّه إذا كان كذلك فما الفائدة في ضمّ قول الغير؟ وما الوجه في جعله دليلا مستقلا في قبال الأدلّة الثّلاثة بعد رجوعه إلى السّنة ـ : بأنّا لسنا بادين بالحكم بحجيّة الإجماع حتّى يرد كونه لغوا وإنّما بدأ بذلك المخالفون ، وعرضوا علينا فلم نجد بدّا من موافقتهم عليه ؛ لعدم تحقق الإجماع الّذي هو حجّة عندهم في كلّ عصر إلاّ بدخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين ـ سواء اعتبر إجماع الأمّة أو المؤمنين أو العلماء ـ فوافقناهم في أصل الحكم ؛ لكونه حقا في نفسه ، وإن خالفناهم في علّته ودليله » (٤). انتهى ما حكي عنه.

__________________

(١) فرائد الاصول : ١٨٤.

(٢) تهذيب الاصول للعلاّمة : ٦٥.

(٣) كصاحب غاية البادي مخطوط ورقة ٧٣ ، وصاحب المعالم في معالمه : ١٧٢.

(٤) الحاكي هو صاحب الفصول الغرويّة في فصوله أنظر : ص ٢٤٣.

٣٣

نعم ، تسامحهم في لفظ الإجماع على غير معناه المعروف حتّى اتّفاق الاثنين مع كون أحدهما المعصوم عليه‌السلام من جهة الاشتراك في الثّمرة ووجه الحجيّة كما صرّح به في « الكتاب » ممّا لا ينكر. أترى كون الإطلاق حقيقة في اتّفاق الاثنين؟ حاشاك ثمّ حاشاك ومن هنا قال في « المعالم » : ( إنّ الاطّلاع على الإجماع في أمثال زماننا من غير جهة النّقل غير ممكن ) (١).

بل ستقف في « الكتاب » على أنّ المراد من الإجماع بقول مطلق في ألسنة ناقليه من الخاصّة من الطّبقة الوسطى ليس خصوص اتّفاق أهل عصر واحد بل يعتبرون موافقة أهالي الأعصار المتقدّمة إلاّ من لا يعتدّ بقوله.

كلام صاحب القوانين

ومع ذلك كلّه فقد رأينا من المتأخّرين ما يخالف ذلك ، وأنّ اصطلاح الخاصّة في الإجماع غير اصطلاح العامّة قال في « القوانين » ما هذا لفظه :

« واختلفت العامّة في حدّه ولا فائدة في ذكر ما ذكروه وجرحها وتعديلها ، فلنقتصر على تعريف واحد يناسب مذهب العامّة ، ثمّ نذكر ما يناسب مذهب الخاصّة. أمّا الأوّل : فهو أنّه اتّفاق المجتهدين من هذه الأمّة على أمر دينيّ في عصر من الأعصار » (٢).

إلى أن قال :

« وأمّا الثّاني : فهو اتّفاق جماعة يكشف اتّفاقهم عن رأي المعصوم عليه‌السلام فقد

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٧٥ ط جماعة المدرسين.

(٢) قوانين الاصول : ١ / ٣٤٦ ذكر الرأى العامي من مختصر الحاجبي مخطوط.

٣٤

يوافق ذلك مع ما حدّه العامّة به وقد يتخلّف عنه » (١). انتهى ما أردنا نقله.

كلام صاحب الفصول

وقال في « الفصول » بعد جملة كلام له في تعاريف القوم نقضا وإبراما ما هذا لفظه :

« فالصّواب أن يعرف الإجماع ـ على قول من يعتبر دخول المعصوم عليه‌السلام في المتّفقين على وجه لا يعرف نسبه ـ : بأنّه اتّفاق جماعة يعتبر قولهم في الفتاوى الشّرعيّة على حكم ديني بحيث يقطع بدخول المعصوم عليه‌السلام فيهم ، لا على التّعيين ـ ولو في الجملة ـ أو اتّفاق جماعة على حكم ديني يقطع بأنّ المعصوم عليه‌السلام أحدهم لا على التّعيين مطلقا » (٢).

إلى أن قال ـ بعد جملة كلام له ـ :

« ولو عرّف الإجماع بأنّه : الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام على حكم دينيّ كان أخصر وأجمع » (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

كلام الفاضل النراقي

وقد ذكر بعض المتأخّرين ممّن قارب عصرنا في « مناهجه » :

« أنّ حقيقة الإجماع بحسب الأقوال المختلفة في مدرك اعتباره يختلف

__________________

(١) قوانين الاصول : ١ / ٣٤٦.

(٢) الفصول الغروية : ٢٤٣.

(٣) الفصول الغرويّة : ٢٤٣.

٣٥

بحسب الاصطلاح وأنّه يقارب عرف السيّد والعامّة في الإجماع واتحاد موردهما غالبا ، وإن اختلفوا في وجه الحجيّة » (١).

ثمّ قال ـ بعد جملة كلام له ـ :

« وهذا هو السّر في تفسير المتأخّرين بأنّ الاتّفاق الخاصّ الّذي هو الإجماع عند الخاصّة مغاير له عند العامّة وتعريفهم له تارة بعرف العامّة وأخرى بعرف الخاصّة » (٢) انتهى كلامه.

مقتضى التحقيق

والّذي يقتضيه التّحقيق في المقام أن يقال : إنّ الالتزام بتغاير الاصطلاح بين العامّة والخاصّة بقول مطلق ـ كما عرفت عن « القوانين » ـ أو بحسب الأقوال المختلفة في مدركه ـ كما عرفت عن هذا الفاضل ـ كما ترى ؛ فإنّ تغاير الاصطلاح في لفظ واحد عند الفرق المختلفة وإن لم يكن أمرا بعيدا منكرا بل واقع كثيرا إلاّ أنّ الكلام في وقوعه في المقام.

نعم ، الإنصاف تغاير الإرادة بحسب الاختلاف في المدرك ؛ فإنّ المراد من الإجماع عند الشيخ ـ المبني على قاعدة اللّطف ـ غيره عند السّيد وموافقيه ـ المبني على الدّخول ـ وعند المتأخّرين ـ المبني على الحدس ـ وإن لم يرجع إلى المجاز في الكلمة من حيث الادّعاء والتنزيل ، بل إطلاق الإجماع على اتّفاق علماء الخاصّة ، مع أنّهم بعض علماء الأمّة مبنيّ على الادّعاء والتّنزيل والمسامحة

__________________

(١) مناهج الاصول : ١٩١ عند قوله : الفصل الثالث : في الإجماع.

(٢) مناهج الاصول : ١٩١.

٣٦

وعلى تقدير المجازيّة أيضا لا يلزم تغاير الاصطلاح هذا بعض الكلام في معنى الإجماع.

وجه حجّيّة الإجماع

وأمّا وجه حجّيّته فلا إشكال في اختلاف طريقة الفريقين فيه كما ينادي بذلك كلماتهم.

والمعروف بين العامّة في وجهه أحد الأمرين : أحدهما : كونه كاشفا قطعيّا عن الواقع. ثانيهما : كونه دليلا تعبّديّا. وعلى كلّ تقدير يكون في قبال الأدلّة الثّلاثة. ولا غرض لنا في المقام في شرح القول في هذه الطّريقة. مع أنّه على تقدير فائدة في نقلهم للإجماع من الأمّة وغيره يكون مراد النّاقل منه ظاهرا.

٣٧

وجوه حجّيّة الإجماع لدى الإماميّة

والمعروف بين الخاصّة في وجهه أحد وجوه (١) :

__________________

(١) قال المجدّد الطهراني أعلى الله تعالى درجاته :

« وحيث شاع هذا التعبير [ أي : الإجماع ] وتشاكل الحق والباطل فتشابه الأمر زعموا أنه حجّة من باب التضمّن ، وحيث أنه لا سبيل إلى الإطّلاع على قول إمام من الأئمة عليهم‌السلام على وجه الجملة في زمان من الأزمنة التجأوا إلى وضع اللطف مع الإعتراف بفساده في نفسه وانه لو لا الإجماع على التمسك بالإجماع لم يكن وجه للإسناد إليه.

فظهر أن اللطف إنّما هو لتصحيح التضمّن ، مع أن بينهما بونا بعيدا ، ولهذا زعم من لا خبرة له : أن للإجماع مدارك مختلفة وأن التضمّن غير اللطف.

وحيث رأى الأواخر أن اللطف لا ينتج هذا المعنى كما أفاده علم الهدي قدس‌سره فنسجوا لإعتباره مدركا آخر وهو الحدس.

فقالوا : إن اتفاق الرعيّة على حكم يكشف كشفا ضروريّا عن رأي رئيسهم.

وهذا لو تمّ كان قسما من البديهيّات ، لا أن الاجماع أحد الأدلّة.

مع انه غلط صرف ؛ حيث ان هذا الكشف إنّما يتم إذا كان الإتّفاق غير مستند إلى الإجتهاد والرأي وإلاّ فلا ملازمة بين توافق آراء الرعيّة وبين رأي الرئيس.

نعم ، إذا كان إتفاقهم مستندا إلى مقالة رئيسهم بحيث يتلقّاه الخلف من السلف فهو نحو من الضرورة ، وغاية الأمر أن دائرته أضيق من ضرورة الدين ولكنه مجرّد فرض لا وقوع له إلاّ في أقلّ قليل.

ومثله من الواضحات التي لا تخفى على أهل العلم كما أن ضروري الدين لا يخفى على أهله ، وأين هذا من الإجماعات التي يستندون إليها في تلك الموارد التي لا تحصى؟

٣٨

أحدها : كونه متضمّنا للسّنة بحيث يكون دلالته عليها بالتضمّن.

وهو الّذي اختاره السيد وجماعة ممّن سلكوا طريقته ، بل هو الظاهر من أكثر المتقدّمين إلى زمان صاحب « المعالم » (١). ومن هنا قال العلاّمة قدس‌سره في وجه

__________________

مع أن ما يحدث من الإجماع في زمان الغيبة الكبرى لا يحتمل أن يكون مستندا إلى مقالة الإمام عليه‌السلام ؛ فإنها لو كانت لم يختص المجمعون بالإطّلاع عليها ؛ فان الروايات مضبوطة معلومة في الكتب « الاصول ن خ » المعروفة ولا يختص أحد بالاطّلاع على ما فيها. فليس إلاّ اجتهادات متوافقة ، إتفق توافقها لو لم يكن مستندا إلى تقليد بمعنى قلّة البضاعة وعدم استطاعة المخالفة لعظم القائل في نظره كما هو الحال في من نشأ بعد الشيخ قدس‌سره.

والحاصل : ان توافق الآراء والإجتهادات لا يكشف عن رأى الإمام عليه‌السلام وإنما الكاشف عنه ما كان عن حس محض غير مستند إلى النظر أصلا كما هو الحال في جميع ضروريات الدين ، مع أن مجرد احتمال كون الإجماع من هذا القبيل يكفي في فساده ، ولا حاجة إلى إثبات أنه كذلك ، مع ان كون ما تداول من الإجماع في المسائل النظريّة من هذا القبيل مما لا يخفى على المتتبّع ، وكيف يخفى هذا المعنى مع ان الضروري لا يخفى إلاّ على الجاهل ، ولو اتفق خفاؤه على شخص لشبهة فيكفي في دفعها مجرد التنبيه ولا يحتاج إلى الإستدلال ، بل نقول : إن الذي يظهر بالتتبّع وصرّح به أهل الخبرة : أن منشأ الإجماع والشهرة غالبا إنّما هو قول من يعتمدون على نظره وإتقانه كما هو الحال فيمن نشأ بعد الشيخ قدس‌سره من تلامذته ومن يحذو حذوهم .. ». إنتهى.

محجة العلماء : ج ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(١) السيد في الذريعة : ج ٢ / ٦٠٥ ، والمفيد في أوائل المقالات : ١٢١ ، والسيد ابن زهرة في الغنية والمحقق في المعتبر : ج ١ / ٣١ ، والمعارج : ١٣٢ ، والعلامة في النهاية : ٢٤١ ، والتهذيب : ٦٥ و ٧٠ ، والشهيد في الذكرى : ج ١ / ٤٩ ، وفي القواعد والفوائد : ج ١ / ٢١٧ ،

٣٩

حجيّته : ( إنّ الأمّة إذا قالت بقول ، فقد قال المعصوم عليه‌السلام به ؛ لأنّه من الأمّة بل سيّدها ورئيسها ، والخطأ مأمون عليه » (١).

وقد ذكروا : أنّه لا يضرّ على هذه الطّريقة مخالفة معلوم النّسب ممّن يعلم كونه غير الإمام عليه‌السلام وخروجه عن المجمعين ، بخلاف مجهول النّسب بحيث احتمل كونه إماما.

والمراد من عدم قدح خروج معلوم النّسب وإن كان أكثر من واحد : عدم قدحه في حجيّة أقوال غيره من حيث اشتمالها على مناط حجيّة الإجماع ، لا في التّسمية ؛ فإنّه قادح فيه لا محالة إلاّ على وجه أشرنا إليه سابقا من الادّعاء والتّنزيل بناء على عدم كونه مجازا في الكلمة وإن كان خلاف الظّاهر.

ثانيها : قاعدة اللّطف.

وقد اختار هذه الطريقة والوجه ، الشّيخ (٢) وجماعة ، منهم : المحقّق الدّاماد (٣) ؛ بل ربّما يستظهر من كلام السيّد المحكي في « العدّة » (٤) في ردّ هذه الطّريقة كونها معروفة قبل الشّيخ أيضا ، بل ربّما استظهر من كلّ من قال بقدح مطلق

__________________

والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٥١ ، وصاحب المعالم في معالمه : ١٧٣ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٥١.

(١) نهاية الوصول إلى علم الأصول : ج ٣ / ١٣٣ تحقيق الشيخ البهادري رحمه‌الله ، وكذا مباديء الأصول : ١٩٠.

(٢) عدة الاصول : ج ٢ / ٦٣١ و ٦٣٧.

(٣) انظر كشف القناع : ١٤٥.

(٤) عدة الاصول : ج ٢ / ٦٣١.

٤٠