بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

إليها في الغالب ، وكذا الظّن الخاصّ ، لا بدّ من الرّجوع إلى الأخبار الغير العلميّة الكاشفة عنها على سبيل الظّن ؛ إذ هو الأقرب إلى العلم في حكم العقل بعد انسداد الطّريق إليه وعدم نصب الشّارع ما يقوم مقامه عند تعذّر تحصيله كما يستظهر من بعضها أيضا.

وإن توجّه عليه ما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره : من أنّ التكليف المتعلّق بالعمل بالسّنة إنّما هو من حيث كونها كاشفة عن الحكم الواقعي المدلول عليه بها لا من حيث ذاتها. مع أنّ مقتضاه العمل بكلّ ما يكشف ظنّا عن السّنة الواقعيّة لا خصوص الأخبار ، مع أنّ كلّ أمارة كاشفة عن الحكم الواقعي كاشفة عن السّنة بعد العلم ببيان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحكام جميع الوقائع كما هو المعلوم عندنا وإليه أشار شيخنا قدس‌سره بقوله : « والحاصل : أنّ مطلق الظّن بحكم الشّارع ... إلى آخره » (١).

ودعوى : عدم العلم الإجمالي بالتّكاليف الواقعية في غير مضامين الأخبار قد عرفت فسادها بما فصّل في الجواب عن الوجه الأوّل الّذي اعتمد عليه شيخنا قدس‌سره في سابق الأيّام فلا حاجة إلى إطالة البحث والكلام (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٣٦٤ ، وفي الكتاب : الظّنّ بحكم الله ... إلى آخره.

(٢) انظر كلمات الاعلام ذيل ما أفاده صاحب الهداية أعلى الله تعالى مقامه الشريف ، في كلّ من : أجود التقريرات : ج ٣ / ٢١٤ ، وفوائد الأصول : ج ٣ / ٢١٢ ، ونهاية الأفكار : ج ٣ / ١٤٣ ، والكفاية : ٣٠٦ ، ومنتقى الأصول : ج ٤ / ٣١٧ ، ومصباح الأصول : ج ٢ / ٢١٤.

٣٢١

(١٨٩) قوله قدس‌سره : ( والإنصاف : أنّ الدّال منها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٦ ).

أقول : المراد بمؤدّى الخبر الّذي تعلّق به الوثوق والاطمئنان مضمونه من حيث الحكاية عن السّنة ، لا الحكم الواقعي الّذي تضمّنه السّنة المحكيّة ؛ فإنّه لا تعلّق له بالمقام أصلا ، كما عرفت تفصيل القول فيه في ابتداء البحث عن مسألة حجيّة أخبار الآحاد ، وأنّ الكلام فيها من حيث الحكم بصدق الرّاوي في الحكاية وهو المراد بالواقع أيضا في قوله قدس‌سره : ( والمعيار فيه : أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا ) (١) كما هو واضح لا الحكم الواقعي كما ربّما يتوهّمه من لا خبرة له.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٣٦٦.

٣٢٢

* في أدلّة حجّيّة مطلق الظّنّ

١ ـ وجوب دفع الضرر المظنون

٢ ـ قبح ترجيح المرجوح

٣ ـ دليل سيّد الرياض

٤ ـ دليل الإنسداد

ومقدّماته الأربعة

٣٢٣
٣٢٤

* في حجيّة مطلق الظن

(١٩٠) قوله قدس‌سره : ( وهو كون الخبر مطلقا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٧ ).

كلام في الأدلّة الأربعة لحجّيّة الظن

أقول : ما أفاده من باب المثال على تقدير عدم الكليّة والإهمال في النتيجة ؛ لأنّ المعيّن لا ينحصر فيه على هذا القدر كما سيجيء تفصيل القول فيه.

ثمّ إنّ ذكر الوجوه الأربعة غير الوجه الثّالث في كلمات القدماء والمتأخّرين من الخاصّة والعامّة عدا جمع من متأخّري المتأخّرين ؛ إنّما هو لإثبات حجيّة الظّنّ الخبري وإن لم يكن الوجوه بأسرها ناظرة إليه ، إلاّ أنّهم أقاموها لإثبات حجيّة الخبر بأخذه في عنوان الدّليل أو إرجاعه إليه كما صنعه في « المعالم » عند الاستدلال بالدّليل الرّابع لإثبات حجيّة الخبر ، وإن كان الصّواب في تحريرها ما صنعه جمع من متأخّري المتأخّرين.

ثمّ إنّ الوجهين الأوّلين ، بل الثّالث على تأمّل ، لا يفرّق في مفادهما بين التّمكّن من تحصيل العلم والظّن الخاصّ في غالب الأحكام أو في المسألة

٣٢٥

الشخصيّة والحكم الشّخصي وعدم التّمكن منهما وعدم التزام المستدلّ بهما بما ذكر لا يوجب إلاّ نقضا عليه ، أو هو مع إيراد عليهما على تقدير الاتّفاق على عدم الالتزام بمفادهما عند التمكن من تحصيل العلم أو الظّن الخاصّ.

وما ستعرفه من المحقّق القميّ قدس‌سره : من أخذ مقدّمات دليل الانسداد في سائر الوجوه العقليّة لا تعلّق له بكلامهم في الاستدلال بالوجوه المذكورة. مع أنّه لا معنى له بناء على ما أفاده قدس‌سره : من جعلها دليلا مستقلاّ في قبال الدّليل المذكور وإن زعم قدس‌سره عدم التّنافي بين الأمرين كما سيجيء الإشارة إليه.

٣٢٦

* الدليل الأوّل من أدلّة حجّيّة مطلق الظن

١ ـ وجوب دفع الضرر المظنون

(١٩١) قوله قدس‌سره : ( وهو فاسد ؛ لأنّ الحكم المذكور ... إلى آخره ) (*). ( ج ١ / ٣٦٨ )

وضوح فساد الإعتراض على الدليل الأوّل (١)

أقول : فساد منع الكبرى وكون الحكم المذكور إلزاميّا أطبق عليه العقلاء والعلماء في جميع أمورهم ممّا لا يحتاج إلى البيان من غاية وضوحه. ومن هنا استدلّوا على وجوب المعرفة بوجهين :

أحدهما : أنّ شكر المنعم من حيث ذاته لازم في حكم العقل ويتوقّف على

__________________

(*) لاحظ كلمة المحقق الخراساني قدس‌سره في المقام في كتابه درر الفوائد : ص ١٢٧ وأيضا مناقشة الشيخ رحمة الله الكرماني فيما أفاده في الفرائد المحشّى ص ١٠٧ فإنه مغتنم.

(١) وهو : وجوب دفع الضرر المظنون.

٣٢٧

معرفة المنعم فيجب من باب المقدّمة.

ثانيهما : أنّ شكر المنعم واجب من حيث إنّ تركه في معرض زوال النّعمة والضّرر ، فإذا كان واجبا وجب المعرفة من باب المقدّمة وحكموا بوجوب النّظر في أمر من يدّعي النّبوّة من حيث إنّ تركه في معرض الضّرر ويجب دفعه عقلا فيجب النّظر لدفعه ، والمفروض : أنّه لا يمكن إثبات وجوبه بالشّرع كما هو واضح ، فلو لم يجب عقلا لم يكن لله على غير النّاظر حجّة فيلزم إقحام الأنبياء. وإثبات نبوّة النّبيّ اللاّحق بإخبار النّبي السّابق لا يجدي جدّا ؛ إذ ينقل الكلام إلى طريق إثبات نبوّة السّابق.

(١٩٢) قوله قدس‌سره : ( بل الأقوى كما صرّح به الشّيخ في العدّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٩ )

نقل كلام الشيخ في مسألة الضرر وما يتوجّه عليه

أقول : ما أفاده قدس‌سره من تسرية الحكم إلى الضّرر المحتمل وأنّه ممّا يجب دفعه في حكم العقل ، لا بدّ من أنّ يحمل على الإهمال من حيث الضّرر الدّنيوي والأخروي ومراتب الاحتمال في الضّرر الدّنيوي وأقسامه ؛ فإنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل الأخروي ممّا لا شبهة فيه ، كما يرشد إليه اتّفاقهم في مسألة وجوب النّظر مع أنّها ليست مفروضة في خصوص الظّن بصدق المدّعى كما لا يخفى ، كحكمه بدفع الضّرر المشكوك الدّنيوي في الجملة لا مطلقا. كيف! وستعرف تصريحه بعدم اعتناء العقلاء باحتمال الضّرر الدّنيوي مع ظنّ السّلامة

٣٢٨

هذا. وستعرف شرح القول في ذلك منّا عن قريب.

نعم ، كلام الشّيخ قدس‌سره في « العدّة » لا يأبى عن ذلك ؛ فإنّه بعد ما اختار القول بالوقف من جهة العقل في مسألة الحظر والإباحة في الأشياء المشتملة على المنفعة الخالية عن أمارة المفسدة وفاقا لجماعة وشيخه (*) أبي عبد الله قال ما هذا لفظه :

« والّذي يدلّ على ذلك : أنّه قد ثبت في العقول أنّ الإقدام على ما لم يؤمن المكلّف كونه قبيحا ، مثل إقدامه على ما يعلم قبحه ، ألا ترى أنّ الإقدام على الإخبار بما لا يعلم صحّته ، يجري في القبح مجرى من أخبر مع علمه بأنّ خبره على خلاف ما أخبر به على حدّ واحد؟ وإذا ثبت ذلك وفقدنا الأدلّة على حسن هذه الأشياء قطعا ينبغي أن يجوز كونها قبيحة ، وإذا جوّزنا ذلك فيها قبح الإقدام عليها. فإن قيل : نحن نأمن قبحها ؛ لأنّها لو كانت قبيحة لم يكن إلاّ لكونها مفسدة ؛ لأنّه ليس لها جهة قبح يلزمها مثل الجهل ، والظّلم ، والكذب ، ولو كانت قبيحة للمفسدة وجب على القديم « تعالى » أن يعلّمنا ذلك وإلاّ قبح التّكليف ، فلمّا لم يعلّمنا ذلك علمنا حسنها عند ذلك ، وذلك يفيدنا الإباحة. قيل : لا يمنع أن يتعلّق المفسدة بإعلامنا جهة الفعل على التّفصيل فيقبح الإعلام ، ويكون المصلحة لنا في التّوقّف في ذلك والشّك وتجويز كلّ من الأمرين » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس‌سره.

__________________

(*) هو الشيخ محمّد بن محمّد المعروف بالمفيد وابن المعلّم المتوفى سنة ٤١٣ ه‍.

(١) عدّة الأصول : ج ٢ / ٧٤٢ بإختلاف يسير.

٣٢٩

وهو كما ترى لا يأبى الشّمول لبعض مراتب الاحتمال الموهوم وإن كان آبيا لشمول جميع مراتبها فإنّ مع الاطمئنان يحصل الأمن فتدبّر.

وأمّا تمسّكه بعد العقل بالآية الشّريفة فليس له عين ولا أثر في النّسخة الموجودة عندي ، مع أنّ في الاستدلال بها ما لا يخفى ؛ فإنّ الاستدلال بما يثبت الحكم للموضوع النّفس الأمري الواقعي لإثبات الحكم في صورة احتمال وجود الموضوع ، كما ترى.

وقال قدس‌سره في « العدّة » في آخر المسألة :

« واستدلّ كثير من النّاس على أنّ هذه الأشياء على الحظر أو الوقف ؛ بأن قالوا : قد علمنا أنّ التحرز من المضارّ واجب في العقول وإذا كان ذلك واجبا لم يحسن منّا أن نقدم على تناول ما لا نأمن أن يكون سمّا قاتلا فيؤدّي ذلك إلى العطب ؛ لأنّا لا نفرّق بين ما هو سمّ أو غذاء وإنّما ينظر ذلك إعلام الله ( تعالى ) لنا ما هو غذاء والفرق بينه وبين السّموم. واعترض من خالف في ذلك بهذا الاستدلال بأن قال : يمكننا أن نعلم ذلك بالتّجربة.

إلى أن قال ـ بعد جملة كلام له والنّقض والإبرام على الوجه المذكور ـ : « فالمعتمد في هذا الباب ما ذكرناه أوّلا في صدر هذا الباب » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) عدّة الأصول : ج ٢ / ٧٥٠.

٣٣٠

(١٩٣) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ ما ذكره من ابتناء الكبرى ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٩ )

المراد من تحريم تعريض النفس للمهالك والمضار

أقول : مراده قدس‌سره من تحريم تعريض النّفس للمهالك والمضارّ الدّنيويّة والأخرويّة ؛ لا بدّ أن يكون أعمّ من التّحريم الإرشاديّ العقلي أو خصوص الإرشاديّ ؛ ضرورة عدم تصوّر التّحريم الشّرعي بالنّسبة إلى المقطوع من الضرر الأخروي فضلا عن المظنون أو المحتمل منه ، بل الأمر بالنّسبة إلى تعريض النّفس للمهالك الدّنيويّة أيضا كذلك ؛ فإنّ الضّرر الدّنيوي وإن كان قابلا لتعلّق الوجوب الشّرعي بدفع المظنون منه بل المشكوك منه من باب الموضوعيّة ، إلاّ أنّه خلاف ما يستفاد من الأدلّة ؛ فإنّ ما ذكره من الآيات على تقدير دلالتها على حكم التّعريض المدّعى صدقه في صورة الظّن بالضّرر ، لا يدلّ إلاّ على الطلب الإرشادي وأكثرها يرجع إلى الإيعاد على ترتيب لوازم مخالفة الشّارع ، مع أنّه قد يمنع من دلالتها على حكم صورة الظّن سيّما « آية التهلكة » (١).

ثمّ إنّه قد يناقش في الابتناء الّذي أفاده بقوله : « بناء على أنّ المراد ... إلى آخره » (٢) ـ مضافا إلى ظهور الفتنة فيما أفاده ـ : بأنّ المدّعى أعمّ من الضّرر

__________________

(١) البقرة : ١٩٥.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٣٦٩.

٣٣١

الدّنيوي والأخروي ، فالاستدلال يتمّ على كلّ تقدير.

(١٩٤) قوله قدس‌سره : ( نعم ، التّمسك في سند الكبرى ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧٠ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره واضح لا خفاء فيه أصلا ؛ فإنّ الافتراق بين الدّليل العقلي والشّرعي إنّما هو بالكبرى ؛ فإنّ ملاك الدّليليّة إنّما هو بها لا بالصّغرى ولا بالمجموع ، غاية ما هناك : تسمية ما يكون الكبرى فيه فقط عقليّا بالعقل الغير المستقلّ في اصطلاحهم ؛ نظرا إلى عدم كفايته في الإنتاج وإلاّ لم يعقل عدم الاستقلال فيما يحكم به العقل وتسمية ما يكون المقدّمتان فيه عقليّا بالعقل المستقلّ كما في مسألة التحسين والتقبيح العقليّين مع ثبوت الملازمة بحكم العقل.

(١٩٥) قوله قدس‌سره : ( ولا يبعد عن الحاجبي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧٠ )

أقول : لا خفاء فيما أفاده قدس‌سره وإنّما العجب من حكمه : بأنّ حكم العقل في المسألة استحساني ، مع أنّه منكر لأصل حكم العقل رأسا ؛ فإنّه مع إنكاره الرّأسي كيف تصوّر ما حكم به؟ اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الجواب الإغماضي لا يتوقّف على التّصور التّحقيقي فتدبّر.

(١٩٦) قوله قدس‌سره : ( ثانيها : ما يظهر من « العدّة » و « الغنية » ... إلى آخره ) ( ج ١ / ٣٧٠ )

أقول : لم أر الجواب المذكور والفرق بين الضّررين في النّسخة الموجودة عندي من « عدّة » الشّيخ قدس‌سره فلعلّ ما كان عنده قدس‌سره من النّسخة مغاير لما عندي ولا ريب في لزوم تصديقه.

٣٣٢

(١٩٧) قوله قدس‌سره : ( أو يريد أنّ المضار الغير الدّنيوية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧٠ )

أقول : هذا منبىء على كون المراد من العقاب خصوص ما يستحقّه المكلّف للمعصية من الدّخول في النّار أو العذاب والعقوبات الّتي يلحقه في عالم البرزخ إلى ورود جهنّم ، لا مثل انحطاط الشّأن والمرتبة بحسب الدّرجات العالية ، والبعد عن مراتب قرب ساحته « جلّ جلاله » والحرمان عن الفيوضات الغير المتناهية ، أو خصوص دخول النّار لا غيره.

ثمّ إنّ الباعث على التّكليف وبعث الرّسل إنّما هو تكميل النّفوس وحصول الاستعداد لها ، لفيضان رحمة الحقّ جلّت عظمته والتّشبّه بالمبدأ الموجب لقرب حضرته الّذي هو منتهى المقصود ، فدفع المضارّ الأخرويّة ممّا يترتّب على هذا المقصود كجلب المنافع الأخرويّة وليسا ممّا يقصده بالتّكليف والبعث أوّلا وبالذّات. فلعلّ مراده قدس‌سره ما ذكرنا لا ما ربّما يستظهر من العبارة في باديء النّظر.

(١٩٨) قوله قدس‌سره : ( كخبر الفاسق ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧١ )

أقول : غرضه قدس‌سره مجرّد التّمثيل ، ومثاليّة الأوّل إنّما هي على سبيل الإهمال ، كيف! وقد صرّح قدس‌سره بحجيّة خبر الفاسق في الجملة في مواضع من كلماته ، بل وكذا غيره من الإماميّة.

وقد عرفت قول « المحقّق » : « إنّه ما من مصنّف إلاّ ويعمل بخبر

٣٣٣

المجروح » (١) وكذا قول الشيخ وغيره من الأصحاب ( رضوان الله عليهم ).

(١٩٩) قوله قدس‌سره : ( ويضعف الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧١ )

أقول : الجواب المذكور للمحقّق القميّ قدس‌سره ولا يبعد أن يكون مراده من الانسداد كما سيجيء : هو الانسداد الغالبي لا الشّخصي ، إلاّ أنّ مبنى الدّليل لما لم يكن على فرض الانسداد أصلا فضلا عن الغالبي ، يتوجّه عليه النّقض والإبرام بحرمة العمل بالقياس المفيد للظّن بالوجوب والتّحريم في الجملة لامتناع تطرّق التّخصيص في الدّليل العقلي وإلاّ لم يكن حاكما ، فكأنّه لما عرفت حمل الانسداد في الجواب على الشّخصي.

(٢٠٠) قوله قدس‌سره : ( والثّاني : أنّ إتيان الفعل حذرا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧١ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده قدس‌سره في تضعيف الوجه الثّاني : من أنّ عنوان وجوب دفع الضّرر المظنون في حكم العقل الّذي يرجع إلى الاحتياط في مورد قيام الأمارة على الوجوب والتّحريم كحكمه بوجوب دفع الضّرر المحتمل فيما يحكم به من موارد تنجّز التّكليف بالعلم الإجمالي ، لا ينافي عنوان حرمة العمل بالظّن القياسي من كونه الأخذ به بعنوان التّدين والتّعبد به.

ولذا انعقد الإجماع على حسن الاحتياط في موارد القياس وأشباهه ، مع انعقاد الإجماع على حرمة العمل به كما يحكم بحرمة العمل بالظّن المشكوك

__________________

(١) المعتبر : ج ١ / ٢٩.

٣٣٤

الاعتبار أيضا بهذا العنوان ، فلا فرق في عنوان الحرمة ومعروضها بينهما أصلا. وإنّما الفرق بينهما بعد ثبوت حرمة العمل بالخصوص في القياس جواز قيام الدّليل على الاعتبار في المشكوك الاعتبار ، فيخرج العمل به عن عنوان التّشريع.

وعدم جوازه في القياس وأشباهه إنّما هو مبنيّ على ما هو الصّواب والحقّ عنده من كون مفاد الوجه المذكور ـ على تقدير تسليمه كما هو المفروض في كلام المجيب ـ هو إيجاب الاحتياط في مورد الظّن بالضّرر في حكم العقل ، لا حجيّة الظّن وطريقيّته كما هو مبني الاستدلال به ومقتضاه في زعم المستدلّ ، وإلاّ فلا توجّه لما أفاده قدس‌سره في المقام.

مع أنّه قد يناقش فيه ـ على التّقدير الصّواب والحقّ ـ بأنّ مرجع تحريم العمل بالقياس وأشباهه وإن كان إلى تحريم التّعبّد بمقتضاه فلا ينافي الاحتياط من جهة إدراك الواقع المحتمل في مورده ، إلاّ أنّه ينافي وجوب مراعاة الظّن المذكور ولو بعنوان الاحتياط ؛ ضرورة أنّ معنى إلغاء الظّن هو وجوب الرّجوع إلى الأصول الشّرعيّة الجارية في مورده ، كما أنّ معنى اعتباره عند الشّارع هو رفع اليد عن الأصول الجارية في مورده.

وهذا كما ترى لا يجامع إيجاب الاحتياط فيما حكم بعدم اعتباره من جهة نفس الأمارة الغير المعتبرة. نعم ، يجامع إيجاب الاحتياط من جهة الشّك في المسألة الفرعيّة الّتي قامت الأمارة الغير المعتبرة عليها فيما لو كان الشّك موجبا للاحتياط لكنّه لا دخل له بالاحتياط من جهة الأمارة القائمة ولو كان الأصل

٣٣٥

الجاري في المسألة نافيا للاحتياط كما إذا كان الشّك في التّكليف.

نعم ، لو فرض إبطال الأصول رأسا كالطّرق الأخر غير الظّن وما يقابله بحيث دار الأمر بينهما حكم حينئذ باعتبار الظّن فيرجع إلى دليل الانسداد ولا دخل له بهذا الوجه.

وإن أمكن دفع المناقشة عمّا أفاده قدس‌سره : بأنّ غرضه الاعتراض على من أجاب بكون خروج القياس عن هذا الوجه. أي : حكم العقل بوجوب دفع الضّرر من جهة الخروج الموضوعي من حيث إنّ العمل به مشتمل على الضّرر الأعظم فلا يقتضي الوجه المذكور وجوب العمل به ؛ حيث إنّه توهّم أنّ العمل به بأيّ عنوان كان مشتمل على تلك المفسدة وليس في مقام منع دلالة دليل إلقائه على عدم وجوب الاحتياط في مورده فتأمّل.

(٢٠١) قوله قدس‌سره : ( فالأولى لهذا المجيب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧٣ )

أقول : فعلى ما أفاده قدس‌سره يكون مرجع خروج القياس عن حكم العقل المزبور إلى التّخصّص والخروج عن الموضوع لا التّخصيص والخروج الحكمي ؛ حيث إنّ حكم العقل في مسألة دفع الضّرر ولو في الضّرر المقطوع ؛ إنّما هو في الضّرر الغير المتدارك. فالضّرر المتدارك خارج موضوعا عن مورد حكم العقل والوجه في أمره بالتّأمّل ما سيجيء في بيان وجوه خروج القياس عن دليل الانسداد من الإشكال في تماميّة هذا الوجه فانتظر.

٣٣٦

(٢٠٢) قوله قدس‌سره : ( فإنّ استحقاق العقاب على الفعل أو التّرك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٧٣ )

قصر الطاعة والمعصية على العلم والظن محل مناقشة

أقول : ما أفاده قدس‌سره في بيان وجه منع الصّغرى على تقدير إرادة العقاب من الضّرر المظنون في موارد الظّن بالحكم الإلزامي من جهة عدم الملازمة في حكم العقل بين الحكم الإلزامي الواقعي الّذي تعلّق به الظّن واستحقاق العقاب ممّا لا خفاء فيه أصلا. ومن هنا يتخلّف قولا واحدا عن مخالفة الحكم الواقعي في موارد تحقّقها عن جهل مركّب أو بسيط في الجملة ، أي : مع القصور لا التّقصير وهو المراد بما أفاده ، لا القضيّة المطلقة. فإذا لم يكن ملازمة بينهما فلا يمكن أن يستكشف من الظّن بالحكم الإلزامي الواقعي الظّن بالضّرر ويستدلّ به عليه ، إلاّ أنّ قصره الإطاعة والمعصية الموجبتين لاستحقاق الثّواب والعقاب على العلم والظّن المعتبر محلّ مناقشة.

إذ كثيرا مّا يحكم بترتّب الثّواب على موافقة الأحكام الواقعيّة من دون حصول أحد الأمرين كما قد يحكم باستحقاق العقاب على مخالفتها من دون تحقّق أحدهما كما في موارد جهل الّذي لا يكون عذرا في حكم العقل.

اللهمّ إلاّ أن يكون الحصر إضافيّا ومقصودا بالنّسبة إلى الظّن الغير المعتبر بحيث لا يكون في المسألة مقتضيا لاستحقاق العقوبة من غير جهة الظّن. ومن هنا ألحقه بالشّك حكما ؛ من حيث إنّ العقل حاكم بالمعذوريّة معه كما يحكم

٣٣٧

بالمعذوريّة مع الشّك. والإلحاق الموضوعي بقوله : ( بل هو هو ) (١) كما في بعض النّسخ ، غلط جدّا ؛ إذ حكم الشّارع بعدم الاعتبار لا يوجب خروج الشّيء عن حقيقته وانقلابه عمّا هو عليه.

والقول : بأنّه يوجب ارتفاع الظّن عن الأمارة ، خروج عن الفرض ؛ إذ الكلام إنّما هو في حكم الظّن ، وقد أمر في مجلس البحث بكونه غلطا ومحوه عمّا وجد فيه من النّسخ.

وبالجملة : لا يمكن جعل حكم العقل المفروض دليلا على وجوب العمل بالظّن في المقام الموقوف على ثبوت الظّن بالعقاب الموقوف على حجيّة الظّن. ومن هنا قال قدس‌سره : ( ومنه يعلم فساد ما ربّما يتوهّم أنّ قاعدة دفع الضّرر ... إلى آخره ) (٢).

(٢٠٣) قوله قدس‌سره : ( لكنّه رجوع عن الاعتراف ... إلى آخره ) (٣). ( ج ١ / ٣٧٤ )

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٣٧٣.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٣٧٤.

(٣) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« ولا يخفى ان قوله قدس‌سره : « لكنه رجوع عن الإعتراف ... إلى آخره » كأنه سهو من القلم وأن الصحيح ان يقال : « لكنه رجوع عن الإعتراف بعدم وجوب دفع الضرر المشكوك » كيف والمفروض فيما استدرك عنه هو الظن بالتكليف ، فلا تغفل ». انتهى. انظر درر الفوائد في

٣٣٨

__________________

الحاشية على الفرائد : ص ١٣٠.

* وقال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

( في كونه رجوعا عمّا اعترف به تأمّل ؛ لأن وجوب التحرّز عن العقاب المحتمل فضلا عن المشكوك من المستقلاّت العقليّة ولذا نحكم بوجوب الإجتناب عن محتملات الشبهة المحصورة فكيف يعترف الخصم بجواز الإقدام عليه بالإجماع والعقل؟

وانما اعترف الخصم بان مشكوك الوجوب أو الحرمة أو موهومهما لا يجب مراعاته عقلا وإجماعا ، فالعقل والإجماع مؤمّنان عن المفسدة المترتّبة على فوت الواقع.

وأمّا مظنون الوجوب والحرمة فحيث لا عقل ولا اجماع يؤمّن [ يؤمّنان ] المكلّف من تبعة مخالفة الواقع ، يجب عليه الإحتياط تحرّزا عن العقاب المحتمل فضلا عن مشكوكه.

ولم يعترف المستدل في مقدمات دليله بان العقاب المحتمل لا يجب التحرّز عنه فلاحظ. والله العالم ) انتهى. حاشية الفرائد لا غارضا الهمداني قدس‌سره الطبعة القديمة : ص ٢٤.

* وقال سيد العروة أعلى الله تعالى مقامه :

« للقائل أن يقول باستقلال العقل على عدم المؤاخذة على الوجوب والتحريم المشكوكين بواسطة الجهل المركّب أو البسيط بالحكم ويكون الضرر حينئذ مقطوع العدم ، ويقول بوجوب دفع الضرر المحتمل في مظنون الوجوب والحرمة لفرض عدم حكم العقل فيه بقبح العقاب على الواقع المظنون ولا يكون هذا رجوعا عمّا اعترف به أوّلا.

إذ ما اعترف به أوّلا استقلال العقل على قبح عقاب مشكوك الوجوب والحرمة ، لا مشكوك الضرر للقطع بعدم الضرر بواسطة هذا الحكم العقلي ، وهذا غير ما يلتزم به أخيرا :

٣٣٩

أقول : حقّ التّحرير أن يقال ـ بدل القول المذكور ـ : لكنّه مناف لحكم العقل المستقلّ بقبح العقاب من دون وصول بيان من الشّارع إلى المكلّف ولو مع الظّن الغير المعتبر بالتّكليف والمفروض : أنّ بيانيّة الظّن في المقام دوري على ما عرفت.

والوجه في أولويّة التّبديل ممّا لا يخفى ؛ فإنّه لم يسبق اعتراف من المستدلّ بذلك. إلاّ أن يقال : إنّ التزامه بإثبات حجيّة الظّن ، اعتراف بأنّه لولاه لم يكن مانع عن الرّجوع إلى البراءة حتّى في مورد الظّن بالتّكليف. اللهم إلاّ أن يقال : إنّ مرجع التزامه إلى ورود قاعدة دفع الضّرر دائما على قاعدة القبح وهو في معنى عدم الالتزام بلزوم قيام دليل على التّكليف في المنع عن الرّجوع إلى البراءة وإلاّ فليس في المقام دليل سوى الظّن الّذي لم يقم دليل على اعتباره غير قاعدة وجوب دفع الضّرر ، فتأمل.

__________________

من وجوب دفع الضرر المشكوك في مظنون الوجوب والحرمة الذي لا يستقل العقل بقبح العقاب عليه كما هو مفروض المتن.

بقي الكلام فيما أفاده : من استقلال العقل بقبح العقاب على الوجوب والتحريم المشكوكين وعدم استقلاله في مظنون الوجوب والحرمة ، والحق عدم الفرق.

فإن كان يحكم بقبح المؤاخذة يحكم في الموضعين وإلاّ لا يحكم في الموضعين. وقد أفرط المصنّف في رسالة أصل البراءة حيث حكم باستقلال العقل بقبح العقاب على الحكم المجهول حتى في الشبهات الموضوعية ».

إلى آخر ما ذكره فراجع حاشية فرائد الاصول تقرير بحث السيد اليزدي : ج ١ / ٤٩٩.

٣٤٠