بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

بل التّحقيق : كون وجوب العمل بالكتاب أيضا من حيث كونه دليلا وطريقا إلى حكم الله تبارك وتعالى كما هو واضح فالعمل بالخبر الصّادر يقينا بالعلم التّفصيلي عن الحجّة إنّما هو من حيث كونه عملا بحكم الله تعالى الواقعي وامتثالا له ، فإذا علم إجمالا بصدور أخبار كثيرة عن الحجج في بيان أحكام الله تعالى فيجب الأخذ بالأحكام المدلول عليها بتلك الأخبار حقيقة ، والأخذ بالأخبار إنّما هو من حيث كونها كاشفة عنها وطريقة إليها.

فإن علم إجمالا بصدور أحكام كثيرة وتكاليف شرعيّة عنهم عليهم‌السلام من غير أن يعلم باختصاصها بموارد الأخبار ، بل علم بوجودها في موارد الأخبار وسائر الأمارات الكاشفة عن صدور الحكم عن الحجج ، فالواجب الأخذ بجميع الأخبار والأمارات الكاشفة أو خصوص ما يحصل الظّن منه بصدور الحكم ، فلا ينتج هذا الدّليل حجيّة خصوص الخبر ، بل ولا الاحتياط في خصوص الأخبار. ونحن تدّعي وجود العلم الإجمالي بصدور أحكام إلزاميّة كثيرة في ضمن تمام الأمارات الشّاملة للأخبار وغيرها.

(١٨٢) قوله قدس‌سره : ( العلم الإجمالي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٥٨ )

في اختصاص العلم الإجمالي بموارد الاخبار وعدمه

أقول : لمّا ادّعى قدس‌سره العلم الإجمالي العامّ الشّامل لموارد جميع الأمارات توجّه عليه سؤال اختصاصه بموارد الأخبار من حيث إنّ العلم بالأحكام على

٣٠١

سبيل الإجمال إنّما نشأ وحصل من العلم الإجمالي بصدور أكثر تلك الأخبار ، وإلاّ فلا موجب للعلم الإجمالي ؛ إذ لا يعلم إجمالا بمطابقة أكثر تلك الأمارات للواقع حتّى يدّعى العلم الإجمالي بالأحكام في مواردها أيضا.

فأجاب قدس‌سره عن السّؤال ـ بعد تسليم وجود العلم الإجمالي في ضمن خصوص الأخبار ـ : بأنّ هناك علما إجماليّا عامّا شاملا لموارد الأخبار والأمارات ، والواجب مراعاته لا العلم الإجماليّ الخاصّ ؛ إذ في مراعاته مراعات للخاصّ بخلاف العكس كما هو ظاهر.

والشّاهد على ما أفاده والدّليل عليه : أنّ العلم الإجمالي بوجود أحكام كثيرة صادرة عن الحجج عليهم‌السلام ؛ إنّما حصل من العلم بأنّ الغرض من الرّسالة في كلّ عصر وزمان بعث فيه رسول ، تبليغ الأحكام الإلهيّة والأوامر والنّواهي الواقعيّة إلى العباد ؛ بحيث لا ينفك العلم بإرسال الرّسل وإنزال الكتب من العلم بما ذكر. فالعلم ببعث الرّسول ملازم للعلم بالتّكاليف ، فإذا علمنا برسالة الرّسول المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنعلم بتبليغه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكاليف من الله عزّ وجلّ إلى العباد فيكلّفون بها من الله تبارك وتعالى من غير فرق بين الحاضر والغائب والموجود والمعدوم ، فإذا لم يعلم بها تفصيلا فيعلم بوجودها بين ما يحكى عنها من الأخبار وغيرها من غير اختصاص بإحداهما.

لا يقال : ما ذكر إنّما هو قبل الاطّلاع على حال الأخبار والعلم بصدور أكثرها عن الحجج عليهم‌السلام ، وأمّا بعد العلم بصدور أكثرها عن الحجج عليهم‌السلام فلا نسلّم

٣٠٢

العلم بوجود أحكام كثيرة على وجه الإطلاق بحيث يشمل موارد الأمارات. سلّمنا ، لكن لا نسلّم كون الشّبهة في المقام من الشّبهة المحصورة ، لم لا يكون من غيرها فلا يؤثّر في وجوب الاحتياط؟

لأنّا نقول : العلم بصدور أحكام كثيرة في مضامين تلك الأخبار بملاحظة العلم الإجمالي بصدور أكثرها عن الحجج عليهم‌السلام لا ينافي بقاء العلم الإجمالي في موارد مجموع الأمارات ، وإلاّ أمكن دعوى ارتفاع العلم الإجمالي عن موارد الأخبار من جهة العلم بكثير من الأحكام الشّرعية المدلول عليها بالكتاب وسائر الأدلّة العلميّة ، وذلك من جهة كثرة المعلومات الإجماليّة بحيث لا يحتمل اختصاصها بموارد الأخبار والكتاب وسائر الأدلّة العلميّة.

ومنه يظهر فساد ما يتخيّل : من كون الشّبهة في المقام من الشّبهة الغير المحصورة.

وإن كنت في شك ممّا ذكرنا : من وجود العلم الإجمالي في مجموع الأمارات ـ مضافا إلى العلم الإجماليّ الموجود في موارد خصوص الأخبار ـ فارجع إلى الضّابط الّذي ذكره قدس‌سره في « الكتاب » ؛ لتميّز موارد وجود العلمين عن موارد وجود العلم الواحد ؛ حتّى تعلم صدق ما ادّعاه.

فإنّه لا شبهة في بقاء العلم الإجمالي بعد عزل طائفة من الأخبار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال من الأحكام في الأخبار في مواردها ، وضمّ تمام الأمارات بباقي الأخبار وملاحظتها معها بعد عزل تلك الطّائفة الخاصّة.

٣٠٣

وهذا دليل على وجود العلم الإجمالي الأعمّ ، وإلاّ لم يبق علم بعد عزل تلك الطّائفة الخاصّة الّتي يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال في الأخبار فيها لا ما يزيد عليه ولا ما ينقص عنه ؛ فإنّه على كلّ من الوجهين لا يدلّ على وجود العلمين كما هو واضح.

فمجرّد وجود العلم الإجمالي بالتّكاليف الكثيرة في مضامين الأخبار لا يكشف عن خروج سائر الأمارات عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي العام ، وإلاّ أمكن اختصاص العلم في الأخبار بطائفة خاصّة منها كأخبار العدول مثلا وخروج غيره ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في وجود العلم الإجمالي بالتّكاليف في مضامين أخبار العدول ، مضافا إلى العلم الإجمالي الموجود في مضامين تمام الأخبار فتدبّر.

فإذا فرض تعلّق العلم الإجمالي بمجموع الأمارات فلا بدّ من رعايته في مضامينها على ما عرفت ، غاية الأمر : كون الاحتياط في الأخبار أولى بالاهتمام من جهة العلم الإجمالي في مضامينها بالخصوص أيضا ولكن مجرّد كونها أولى بالاهتمام لا يمنع من الاحتياط في غيرها.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الاحتياط على هذا الوجه الكلّي يوجب الحرج الشّديد ؛ إذ يجب أن يؤخذ حينئذ بكلّ ما يثبت التّكليف الإلزامي خبرا كان أو غيره ، لكنّه ـ مضافا إلى اقتضائه رعاية الاحتياط في خصوص الأخبار وإلقائه في غيرها كما سيجيء الكلام فيه ـ لا تعلّق له بدعوى اختصاص العلم الإجمالي بموارد الأخبار.

٣٠٤

(١٨٣) قوله قدس‌سره : ( وثانيا : أنّ اللاّزم من ذلك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٥٩ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ هذا الجواب مبنيّ على الإغماض عمّا يقتضيه التّحقيق : من كون النّتيجة بعد تسليم اختصاص العلم الإجمالي بمضامين الأخبار ، الاحتياط الكلّي لا الاقتصار على خصوص موارد الظّن ، وقد عرفت الإشارة إلى استقامة ما أفاده بعد وضوح كون العمل بالخبر الصّادر يقينا ؛ من حيث كونه طريقا إلى الواقع وكاشفا عنه ، فالعبرة بما يظنّ مطابقته للواقع من الأخبار ، لا ما يظنّ بصدورها كما يقوله المستدلّ بالوجه المزبور.

(١٨٤) قوله قدس‌سره : ( وثالثا : أنّ مقتضى ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٦٠ )

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى انه ليس عدم وجوب العمل بالخبر الثاني [ أي الأخبار الصادرة النافية للتكليف ] مع لوازم ثبوته بالعلم الإجمالي ليرد به على هذا الوجه ، بل هو من لوازمه ولو علم تفصيلا.

نعم ، يتّجه عليه ما أورده عليه بقوله : « وكذلك لا يثبت به حجّيّة الأخبار على وجه ينهض لصرف الظواهر ... إلى آخره ». [ فرائد الأصول : ج ١ / ٣٦٠ ] » حاشية درر الفوائد : ١٢٦.

وعلّق عليه الشيخ رحمة الله الكرماني قائلا :

« أقول : لا شك لأصاغر الطلبة أن عدم وجوب العمل بالخبر النافي للتكليف لازم نفسه سواء كان معلوما تفصيلا أو إجمالا ، لا من لوازم كونه معلوما إجمالا.

وبهذا يردّ على هذا الوجه : انه لا يقتضى وجوب العمل بالخبر النافي ، فهذا الوجه مقتضاه

٣٠٥

أقول : لمّا كان عنوان الأخذ بالخبر بمقتضى هذا الوجه رعاية الاحتياط اللاّزم في مضامين الأخبار من جهة العلم بصدور أكثرها عن الحجج عليهم‌السلام وكون مضامينها أحكام الله تعالى فلا يتعدّى عمّا يقتضي الوجوب والتّحريم من الأخبار ، ضرورة عدم تطرّق الاحتياط اللاّزم في الأخبار الغير المتضمّنة للأحكام الإلزاميّة. ومن هنا قيّد المعلوم بالإجمال بالأخبار المثبتة للتّكاليف الإلزاميّة المخالفة للأصول ، مع أنّ معنى حجيّة الخبر هو الأخذ بمقتضاه من غير فرق بين الأحكام المدلول عليها فهذا المعنى لا يمكن إثباته بهذا الوجه فلا معنى للاستدلال به.

نعم ، هنا حكم إلزامي متعلّق بغير الحكم الإلزاميّ أيضا ـ سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا ـ وهو وجوب الالتزام به على ما هو عليه ؛ فإنّه من الحكم الأصولي حقيقة ومن فروع تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به وبلغه عن الله « تبارك وتعالى » من غير فرق بين كون ما جاء به حكما إلزاميّا وغيره ، فلا تعلّق له بدليل حجيّة الخبر ولا يمكن إثباته به.

__________________

أخص من المدّعى ، فالإيراد على تقدير عدم اقتضاء العلم الإجمالي وجوب العمل بالخبر النافي ، وأمّا على تقدير اقتضائه إيّاه فلا إيراد عليه من هذه الجهة. وزعم الخراساني : أن الأمر بالعكس.

والعجب انه صدّق ما أورده المصنّف ثانيا بقوله : « وكذلك يثبت به ... الى آخره » مع كون الإيراد فيهما من جهة واحدة ». انتهى حاشية رحمة الله الكرماني على الفرائد : ص ١٠٤

٣٠٦

نعم ، دليل حجيّته ـ فيما فرض كون مدلوله هي الحجّة عند الشّارع لا وجوب الاحتياط ـ يثبت الحكم الشّرعي في مرحلة الظّاهر من غير فرق بين الإلزام وغيره فيلتزم به كذلك ، كما أنّه يلتزم بالحكم الواقعي على نحو ثبوته في موارد الأخبار على تقدير عدم قيام الدّليل على حجيّتها من غير فرق بين كون مفادها الإلزام وغيره وإن علمنا بصدور بعضها عن المعصوم عليه‌السلام ومطابقته للواقع وهذا أمر ظاهر.

(١٨٥) قوله قدس‌سره : ( وكذلك لا يثبت به حجيّة الأخبار ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٠ )

أقول : لمّا كان مفاد الوجه المذكور على ما عرفت : الاحتياط في موارد الأخبار المثبتة للتّكليف الإلزامي لا حجيّة خبر الواحد فلا محالة لا يعارض الدّليل الموجود في المسألة ، وإن كان عموما من العمومات الكتابيّة والسّنة القطعيّة أو إطلاقا من إطلاقاتها لرجوع المعارضة إلى معارضة الأصل والدّليل.

ومن هنا قال قدس‌سره ما قال : من عدم وفاء هذا الوجه لإثبات حجيّته الأخبار على وجه ينهض لصرف ظواهر الكتاب والسّنة القطعيّة ، كما أنّه لا ينهض لرفع اليد به عن مقتضى الأصول العمليّة فيما إذا اقتضت التّكليف كالاستصحاب المقتضي للتّكليف الإلزامي أو أصالة الاحتياط المقتضية للجمع بين المحتملين في دوران الأمر بين المتباينين ، فإذا دلّ الخبر على وجوب أحدهما لم يجز رفع اليد به عن الآخر ، بل يجب الإتيان به ، كما إذا لم يكن هناك خبر.

وهذا بخلاف ما لو كان مفاد الدّليل حجيّة الخبر فإنّه يثبت به مدلوله في

٣٠٧

مرحلة الظّاهر ويرفع اليد به عن مقتضيات الأصول لفظيّة كانت أو علميّة كما يسلكه القائل بحجيّة الخبر ويزعمه.

وإن كان لنا كلام فيما أفاده قدس‌سره : من كون لازم حجيّة الظّن بقول مطلق ـ وإن كان اعتباره من حيث العجز عن تحصيل العلم ـ جواز رفع اليد به عن الأصول اللّفظيّة سيجيء عند الكلام في دليل الانسداد كما نتكلّم فيما ذكره قدس‌سره فيما سيجيء : من كون لازم حجيّة الظّنّ الرّجوع إلى الأصول العلميّة في موارد فقده إذا كان بقدر الكفاية أو رفع الإجمال به في الألفاظ المجملة.

التقرير الثاني :

(١٨٦) قوله قدس‌سره : ( وإمّا العمل بكلّ خبر ظنّ صدوره ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٢ )

أقول : بعد البناء على كون المعلوم بالإجمال في خصوص الأخبار إغماضا عمّا عرفته في الجواب عن الوجه : من اختصاص العلم الإجمالي بمضامين الأخبار والمنع من اختصاصه في مضامين الأخبار المشروطة بما ذكره من الشّروط وإن كان هناك علم إجماليّ خاصّ في مضامينها ، والإغماض عمّا يقتضيه العلم الإجمالي من الأخذ بكلّ خبر كان من أطراف الشّبهة بعد العجز عن تعيين الصّادر وتميزه عن غيره كما هو المفروض يجب الأخذ بما ظنّ مطابقته للواقع من الأخبار لا بما ظنّ بصدوره وإن لم يظنّ بمطابقته للواقع ؛ حيث إنّ عنوان الأخذ بالأخبار الصّادرة هو كشفها عن الواقع لا من حيث هو حسبما عرفت في طيّ

٣٠٨

الجواب عن الوجه الأوّل. فلعلّ ما أفاده إغماض عمّا يقتضيه التّحقيق في المقام وتسليم لما يقوله الخصم.

(١٨٧) قوله قدس‌سره : ( وثانيا : أنّ مقتضى ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٦٢ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي السيّد علي القزويني ـ في مقام الرد على التقرير الثاني ـ :

« والأولى أن يقال في الردّ :

انه إن أريد بهذا البيان دعوى العلم الإجمالي بأن لحقائق العبادات والمعاملات أجزاء وشرائط وموانع ، فيجب العمل بأخبار الآحاد المثبتة لتلك الأجزاء والشرائط والموانع للتوصّل إلى المعلومات بالإجمال.

ففيه : انه يرجع إلى الوجه الأوّل فيرد عليه أكثر ما ورد عليه ، مضافا إلى عدم قضائه بحكم الأخبار النافية للجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة.

وإن أريد به أن لو ترك العمل بالآحاد المتكفّلة لبيان الإجزاء والشرائط والموانع للعبادات والمعاملات يلزم منه خروج حقائقهما عمّا هي عليها.

ففيه : أنه يرجع إلى دليل الإنسداد المنتج لحجّيّة الظن مطلقا أو في الجملة وذلك لأن دعوى الملازمة تتوقّف على إحراز مقدّمات :

منها : بقاء التكليف بحقائق العبادات والمعاملات وأجزائهما وشرائطهما وموانعهما.

ومنها : انسداد باب العلم بها غالبا.

ومنها : قبح التكليف بما لا يطاق لو كلّفنا بالعلم فيها ، أو الخروج عن الدين لو منعنا عن العمل بالأخبار الغير القطعيّة المتكفّلة لبيان الأجزاء والشرائط والموانع ، فتعيّن العمل بها.

فنقول : إن نتيجة الدليل حينئذ هو وجوب العمل بكل ما يوجب الظن بحقائق العبادات

٣٠٩

أقول : ما أفاده قدس‌سره : من قصر مقتضى الدّليل المذكور على ما يثبت الأجزاء والشّرائط والموانع للماهيّات وعدم عمومه لما ينفي أحد الأمور المذكورة لخروجه عن أطراف العلم ممّا لا خفاء فيه أصلا ، مع أنّ معنى حجيّة الخبر : إثبات ما دلّ عليه مطلقا من غير فرق بين أن يكون مدلوله الإثبات أو النّفي سواء على القول بالاشتغال في ماهيّات العبادات أو البراءة كما يقول به المستدلّ.

وهذا المعنى لا يثبت بالدّليل المذكور المقتضي للأخذ بالأخبار المثبتة للماهيّات بعنوان الاحتياط ، سيّما إذا اقتضى الأصل خلافه. كما لا يثبت به الأخذ بالأخبار الغير المتضمّنة لحكم الماهيّات وإن اقتضت الإلزام فضلا عمّا لا يقتضيه.

ودعوى : الإجماع المركّب وعدم القول بالفصل في المقام كما ترى.

وأيضا : لا يثبت به العمل بالخبر المقتضي للحرمة مثلا فيما كان هناك عموم أو إطلاق ينفيها سواء كان في المعاملات أو العبادات على مذهب الأعمّي في ألفاظها إذا وجد هناك شرائط التمسّك بالإطلاق ولعلّه قدس‌سره طوى ذكر هذا الاعتراض اعتمادا على ما أفاده في الإيراد على الوجه الأوّل المشترك مع هذا الوجه في النّتيجة كما أشار بقوله سابقا : ( وهذا المعنى لا يثبت بالدّليل المذكور ... إلى آخره ) (١).

__________________

والمعاملات وأجزائهما وشرائطهما وموانعهما ، لا خصوص الأخبار الغير القطعيّة فضلا عن هذه الطائفة المخصوصة ». انتهى تعليقة المعالم : ج ٥ / ٢٧٢

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٣٦٠.

٣١٠

التقرير الثالث :

(١٨٨) قوله قدس‌سره : ( الثّالث : ما ذكره بعض المحقّقين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣٦٣ )

كلام الشيخ محمّد تقي في حاشية المعالم (١)

__________________

(١) قال شيخ الكفاية أعلى الله مقامه الشريف :

« مراد المستدل من السنّة ـ على ما صرّح به في الجواب عن بعض ما أورده على نفسه ـ هي الأخبار المحكيّة لا نفس ما يحكى بها من قول الحجة وفعله وتقريره ، وتنزيلها عليها كما أفاده قدس‌سره إجتهاد في مقابلة النص ، وكأنّه قدس‌سره ما لاحظ تمام ما أورده في المقام من النقض والإبرام.

كما أن ظاهر كلامه ـ على ما يشهد به مراجعة تمامه على طوله ـ دعوى العلم بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة علينا فعلا ولزوم الخروج عن عهدة هذا التكليف عقلا بأن يرجع على نحو يحصل منهما العلم بالحكم ، أو الظن الخاص لو أمكن ، وإلاّ فعلى وجه يحصل منهما بالحكم سواء كان عدم التمكّن من العلم وما بحكمه في الدلالة وحدها كما في الكتاب والخبر المتواتر ، أو فيها وفي السند كما في السنّة المحكيّة بخبر الواحد ، فيكون ملاك الإستدلال بهذا الوجه استقلال العقل بلزوم الخروج عن عهدة هذا التكليف الفعلي على قدر القدرة الموجب للرّجوع إلى الكتاب والسنّة على نحو يحصل منهما الظن بالحكم دلالة أو سندا ، بعد فرض عدم إمكان الرجوع اليهما على نحو يحصل منهما العلم أو ما بحكمه ، لا

٣١١

أقول : الأولى نقل كلامه بألفاظه ولو بإسقاط مكرّراته أو ما لا تعلّق له بالمقام.

__________________

دعوى لزوم الرّجوع إلى هذه الأخبار المحكيّة ؛ لإستلزام عدم الرجوع اليها الخروج من الدين من جهة العلم بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعيّة حتى يرجع إلى دليل الإنسداد ، أو لأجل خصوص العلم الإجمالي بصدور أكثر هذه الأخبار حتى يرجع إلى الوجه الأوّل.

فهو سالم عمّا أورده قدس‌سره عليه ، إلاّ انه يرد عليه :

انه لازم ذلك ـ أي العلم الإجمالي بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة المحكيّة ـ الإقتصار على القدر المتيقّن ممّا يحتمل وجوب الرّجوع إليه منهما لو كان ، فإن وفى بمعظم الفقه وإلاّ فالتعدّي إلى المتيقّن من الباقي لو كان ، وهكذا وإلاّ فالاحتياط في الرجوع اليهما ولو لم يحصل منهما الظن بالحكم.

هذا بناء على العلم بوجود ما يجب الرجوع إليه ممّا يفي بمعظم الفقه من الأخبار فيما بأيدينا مع أن مجال المنع عنه واسع ؛ لإحتمال أن يكون المرجع منها قسطا خاصا لم يكن ههنا أصلا ، أو لم يكن بمقدار الكفاية ». انتهى انظر درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ص ١٢٧

أقول : وعلّق عليه الفاضل الكرماني بقوله قدس‌سره :

« أقول : وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة معلوم تفصيلا ، إنّما المعلوم بالإجمال هو التكليفات الواقعة فيهما ، فقوله : « أي العلم الإجمالي بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة ... » ساقط.

وأيضا : هذا المحقق في مقام إثبات حجّيّة خبر الواحد في الجملة من غير نظر إلى كمّه فالإيراد عليه بأن لازم دليله أمر هو لا ينافي مراده ، غريب ». انتهى.

انظر حاشية رحمة الله على الفرائد : ص ١٠٥

٣١٢

قال قدس‌سره في تعليقاته على « المعالم » في عداد الوجوه على حجيّة الأخبار :

« السّادس » : أنّه قد دلّت الأخبار القطعيّة والإجماع المعلوم من الشّيعة على الرّجوع إلى الكتاب والسّنة بل ذلك ممّا اتّفقت عليه الأمّة وإن وقع الخلاف بين الخاصّة والعامّة في موضوع السّنة وذلك ممّا لا ربط له بالمقام. وحينئذ نقول : إن أمكن حصول العلم بالحكم الواقعي من الرّجوع إليهما في الغالب تعيّن الرّجوع إليهما على الوجه المذكور ؛ حملا لما دلّ على الرّجوع إليهما على ذلك. وإن لم يحصل ذلك بحسب الغالب وكان هناك طريق في كيفيّة الرّجوع إليهما ، تعيّن الأخذ به وكان بمنزلة الوجه الأوّل. وإذا انسدّ سبيل العلم به أيضا وكان هناك طريق ظنّي في كيفيّة الرّجوع إليهما لزم الانتقال إليه والأخذ بمقتضاه وإن لم يفد الظّن بالواقع تنزّلا من العلم إلى الظّن مع عدم المناص عن العمل ، وإلاّ لزم الأخذ بهما والرّجوع إليهما على وجه يظنّ منهما بالحكم على أيّ وجه كان ؛ لما عرفت من وجوب الرّجوع إليهما حينئذ فينزل إلى الظّن. وحيث لا يظهر ترجيح لبعض الظّنون المتعلّقة بذلك على بعض يكون مطلق الظّن المتعلّق بهما حجّة فيكون المتّبع حينئذ هو الرّجوع إليهما على وجه يحصل الظّن منهما.

والحاصل : أنّ هناك وجهين :

أحدهما : الرّجوع إليهما على وجه يعلم منه بأداء التّكليف من أوّل الأمر إمّا لكون الرّجوع إليهما مفيدا للعلم بالواقع أو القيام دليل على الرّجوع إليهما على وجه مخصوص سواء أفاد اليقين بالواقع أو الظّن به أو لم يفد شيئا منهما.

٣١٣

ثانيهما : الرّجوع إليهما على وجه يظنّ معه بذلك وذلك بعد انسداد سبيل العلم إلى الأوّل مع العلم ببقاء التّكليف المذكور فينزل في حكم العقل إلى الظّن به فإن سلّم انسداد سبيل الوجه الأوّل على وجه يكتفى به في استعلام الأحكام كما يدّعيه القائل بحجيّة مطلق الظّن ، فالمتّبع في حكم العقل هو الوجه الثّاني سواء حصل هناك ظنّ بالطّريق أو بالواقع وإن ترتب الوجهان على حسب ما مرّ من التّفصيل. وحينئذ فالواجب الأخذ بمقتضى الظّن المذكور بخصوصه في استنباط الأحكام من غير تعدية إلى سائر الظّنون.

فإن قلت : إنّا نمنع وجوب الأخذ بالكتاب والسّنة مطلقا ولو مع عدم إفادتهما اليقين بالحكم ولم يقم دليل قاطع وقيام الإجماع على وجوب الرّجوع إليهما من القائل بحجيّة مطلق الظّن ، والظّن المخصوص لا يفيد حجيّتهما بالخصوص ؛ إذ القائل بحجيّة مطلق الظّن لا يقول بحجيّته من حيث الخصوصيّة وإنّما يقول به من جهة اندراجه تحت مطلق الظّن. والقائل بحجيّة الظّن الخاص لا يثبت بقوله إجماع مع مخالفة الباقين ولم يقم دليلا قطعا حتّى يثبت به ذلك. والقول بدلالة الأخبار القطعيّة عليه ممنوع ، أقصى الأمر دلالتها على حجيّة ذلك بالنّسبة إلى المشافهين المخاطبين بتلك الخطابات ومن بمنزلتهم. وحينئذ قد يقال بحصول العلم بالنّسبة إليهم ؛ إذ لا بعد في احتفافها إذن بالقرائن القاطعة ومع تسليم عدمه غاية الأمر حجيّة الظّن الحاصل بالنّسبة إليهم وذلك غير الظّن الحاصل لنا للاحتياج إلى ضمّ ظنون عديدة لم يكن محتاجا إليها حينئذ ولا دليل على حجيّتها

٣١٤

عندنا إلاّ ما دلّ على حجيّة مطلق الظّن.

قلت : المناقشة فيما ذكرنا واهية ؛ إذ إنعقاد الإجماع على وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة بالنّسبة إلى زماننا هذا وما قبله من الأمور الواضحة الجليّة بل ممّا يكاد يلحق بالضّروريّات الأوليّة ، وليس بناء الإيراد على إنكاره ؛ حيث إنّه غير قابل للمنع والمنازعة. ولذا نوقش فيه ؛ من جهة اختلاف المجمعين في المبنى فإنّ منهم من يقول به من جهة كونه من جزئيات ما يفيد الظّن لا الخصوصيّة فيهما فلا يقوم إجماع على اعتبار الظّن الحاصل منهما بخصوصيّة.

وفيه : أنّه بعد قيام الإجماع عليه لا عبرة بالخلاف المذكور فيما نحن بصدده ؛ إذ ليس المقصود دعوى الإجماع على وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة لخصوصيّة لهما ، بل المدّعى قيام الإجماع بالخصوص على وجوب الرّجوع إليهما لكون الظّن الحاصل منهما حجّة ثابتة بالخصوص ؛ إذ لا حاجة إذن في إثبات حجيّتهما إلى ملاحظة الدّليل العقلي المذكور بل هو ثابت بالإجماع القطعي. فيكون ظنّا ثابتا بالدّليل وليس نعني بالظّن الخاص إلاّ ما يكون حجيّته ثابتة بالخصوص ، لا ما يكون حجّة بحسب الواقع بملاحظة الخصوصيّة الحاصلة فيه لا من جهة عامة وهو واضح لا خفاء فيه. فإذا ثبت حجيّة الظّن الحاصل منهما في الجملة ووجوب العمل بهما وعدم سقوط ذلك عنده ، ولم يتعيّن عندنا طريق خاصّ في الاحتجاج بهما ، كان قضيّة حكم العقل حجيّة الظّن المتعلّق بهما مطلقا حسبما قرّرنا.

٣١٥

وأمّا المناقشة في الأخبار الواردة في ذلك ؛ فإن كان من حيث الإسناد فهي واهية جدّا. وكذا من جهة الدّلالة ؛ إذ من البيّن بعد ملاحظة فهم الأصحاب وعملهم شمولها لهذا العصر ونحوه قطعا وليس جميع تلك الأخبار من قبيل الخطاب الشّفاهي لمحض الحاضرين ويتوقّف في شموله للغائبين على قيام الإجماع. ومع الغضّ عن ذلك ففيما ذكرنا من الإجماع المعلوم كفاية في المقام.

وكيف كان فإن سلّم عدم قيام الدّليل القاطع من الشّارع أوّلا على حجيّة الظّن المتعلّق بالكتاب والسّنة على وجه يتمّ به نظام الأحكام ـ حسبما ندّعيه كما سيأتي الإشارة إليه ـ فقضيّة حكم العقل هو حجيّة الظّن المتعلّق بهما من أيّ وجه كان على ما يقتضيه الدّليل المذكور والمقصود بالاحتجاج المذكور بيان هذا الأصل ، وبعد ثبوته لا وجه للرجوع إلى شيء من سائر الظّنون ؛ إذ لا ضرورة إليها ولم يقم عليها دليل خاصّ.

فإن قلت : القدر المسلم الرّجوع إلى الكتاب والسّنة في الجملة ولا يقضي ذلك بحجيّة الظّنّ الحاصل منهما مطلقا ، بل القدر الثّابت من ذلك هو ما قام الإجماع عليه فيقتصر من الكتاب على خصوصه ، ومن السّنة على الخبر الصّحيح الّذي يتعدّد مزكّى رجاله فلا يعمّ سائر وجوه الظّن الحاصل من الكتاب والسّنة.

وحينئذ نقول : لا يكفي الظّن المذكور ؛ لأنّ المعلوم بإجماع الشّيعة بل الأمّة والأخبار القطعيّة وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة الواقعيّة الّتي هي قول المعصوم عليه‌السلام وفعله وتقريره ولا فرق في ذلك بين أن يفيد ذلك القطع بالحكم

٣١٦

الواقعي أو الظّن به ، بل وإن لم يفد أحدهما وليس شيء من ذلك من باب الظّن المطلق الثّابت بدليل الانسداد فإذا انسدّ باب العلم بالسّنة الواقعيّة فاللاّزم الأخذ بالظّن بكونها سنّة.

ومن المعلوم أنّ الظّن الحاصل من الشّهرة وأخواتها من الظّنون المطلقة مساوية مع الأخبار في كونها كاشفة ظنّا عن السّنة الواقعيّة. أعني : القول أو الفعل أو التّقرير الصّادرة من المعصوم عليه‌السلام. فهذا هو الاستدلال المشهور لحجيّة الظّن المطلق في الأحكام الواقعيّة مع اختلال وفساد في تقريره ؛ من جهة أنّ وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة ليس لذاته بل لأجل ثبوت التّكليف بالأحكام الواقعيّة الموقوف معرفتها على الرّجوع إلى الكتاب والسّنة ».

إلى أن قال :

« قلت : بناء على اختيار الوجه المذكور لا نسلّم قيام الدّليل القاطع على حجيّة خصوص شيء من الأخبار » (١).

وساق الكلام إلى أن قال :

« فإن قلت : إنّ قضيّة ما ذكر من وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسّنة هو الرّجوع إلى ما علم كونه كتابا وسنّة ، وإن كان الأخذ منهما على سبيل الظّن فلا عبرة بالكتاب الواصل إلينا على سبيل الظّن حسبما أشاروا إليه في بحث حجيّة

__________________

(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٧٧.

٣١٧

الكتاب ، وكذا ينبغي أن لا يعتبر من السّنة إلاّ ما نقل إلينا على وجه اليقين من المتواتر أو المحفوف بقرينة القطع ، وحينئذ فلا يتمّ ما قرر في الاحتجاج لظهور عدم وفاء المقطوع به منهما بالأحكام وإن كان استنباط الحكم منهما على سبيل الظّن فلا بدّ إذا من الرّجوع إلى مطلق الظن.

قلت : لا ريب أنّ السّنة المقطوع بها أقلّ قليل وما يدلّ على الرّجوع إلى السّنة في زماننا يفيد أكثر من ذلك للقطع بوجوب رجوعنا اليوم في تفاصيل الأحكام إلى الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة في الجملة بإجماع الفرقة واتّفاق القائل بحجيّة مطلق الظّن والظّن الخاصّ ، فلا وجه للقول بالاقتصار على السّنة المقطوعة وبذلك يتم التّقريب المذكور » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه (٢).

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٣ / ٣٧٨.

(٢) قال المحقق الجليل السيّد علي القزويني قدس‌سره :

« قضيّة كلامه : انقسام السنّة إلى ما هو قطعي وما هو ظنّي ، وكلاهما يجب الرجوع إليهما ولكن على وجه الترتيب لا مطلقا.

وهذا الإنقسام ـ كما ترى ـ لا يتمشّى في الكتاب ؛ لأنّ الظاهر أن القطعيّة والظنّيّة هنا تعتبران بالنّسبة إلى السند والصدور ، بدليل :

أن مورد الدليل الذي هو محلّ البحث إنّما هو خبر الواحد الغير العلمي قبالا للأخبار العلميّة ؛ لتواتر أو احتفاف قرائن ، وظنّيّة السند بالقياس إلى الكتاب غير متصوّر وحينئذ فإدراجه في الدليل ممّا لا جدوى فيه.

٣١٨

__________________

والعمدة من مورد الدليل هو السنّة ؛ لأن المقصود إنتاجه لوجوب العمل بالسنّة الظنّيّة وحينئذ فيرد عليه :

أنه إمّا يرجع إلى دليل الإنسداد المنتج لحجّيّة مطلق الظن ولو في الجملة ، أو لا يرجع إلى محصّل أصلا ؛ لانّ السنّة :

إن أريد بها معناها المصطلح عليه ـ وهو قول المعصوم أو فعله أو تقريره ـ فالدليل راجع إلى دليل الإنسداد لاشتراط الرجوع إلى السنّة الظنّيّة والعمل بها بعدم إمكان العلم ، فيفيد وجوب العمل بكلّ ما يظنّ صدور بيانه من الحكم الواقعي من المعصوم بقول أو فعل أو تقرير ، وهذا لا يختص بالخبر المصطلح ، بل لو ظنّ من جهة الشهرة أو الإجماع المنقول أن الحكم المشهور ، أو معقد الإجماع صدر بيانه من المعصوم بقول أو فعل أو تقرير وجب الأخذ به وكذلك الإستقراء والأولويّة الظنّيّة إذا ظنّ من جهتهما صدور الحكم من المعصوم بإحدى الجهات.

نعم ، قد لا يظنّ بهما ذلك بل يظنّ بالحكم الواقعي من غير ظنّ بصدور بيانه منه ، وإن كان من الأحكام المخزونة عند الإمام ؛ إذ لا يلزم في كل ما هو مخزون عنده أن يكون ممّا صدر بيانه منه ؛ فإنّ كثيرا من الأحكام الواقعيّة لم يصدر بيانها من الأئمّة عليهم‌السلام لمصلحة مقتضية لإخفائها ، أو تأخير بيانها إلى وقته المعلوم.

وإن أريد بها حكاية قوله أو فعله أو تقريره ـ كما هو الإصطلاح في الخبر والحديث ـ فإن كان الغرض من الرجوع إليها الأخذ بالمحكي المتضمّن للحكم الشرعي ، فيرجع إلى التقرير الأوّل فيرد عليه ما عرفت

٣١٩

وهو كما ترى وإن كان مشتبه المراد ؛ حيث إنّه قد يظهر منه : أنّ محلّ البحث في حجيّة ظواهر الكتاب والسّنة ، وهي لا تعلّق لها بما نحن فيه.

وقد يظهر منه : كون محلّ بحثه في كشف الأخبار الظّنية وحكايتها من حيث إسناد الرّاوي عن السّنة الواقعيّة وأنّ ما يحكيه المخبر عن المعصوم عليه‌السلام من السّنة يجب الاعتماد عليه والعمل به من حيث كشفه ظنّا عن السّنة بالنّظر إلى الحكاية الظّنية كما هو المقصود بالبحث في المقام ، إلاّ أنّه بعد التّأمّل في أطراف كلماته ومجموعها يظهر ممّا أفاده : تعلّق قصده بإثبات حجيّة الظّن الخبري من حيث السّنة :

إمّا من جهة كونه من الظّنون المخصوصة من حيث قيام الإجماع من القائل بحجيّة الظّن الخاص والظّن المطلق على حجيّته كما هو ظاهر بعض كلماته ، وإن كان التمسّك بمثل الإجماع المذكور كما ترى.

وإمّا من جهة إجراء دليل الانسداد في التّكليف المتعلّق بالمسألة الأصوليّة.

أعني : وجوب العمل بالسّنة بتقريب : أنّه بعد الفراغ عن ثبوته وانسداد طريق العلم

__________________

وإن كان الغرض إيجاب الرجوع إليها في نفسها مع قطع النظر عن المحكي ، فهو ممّا لا محصّل له ولا تصلح مقسما للقطعيّة والظنّيّة ، ولا معنى لوجوب الرجوع إلى الحكاية القطعيّة والحكاية الظنّيّة المجرّدة عن القول والفعل والتقرير المفيد للحكم ». انتهى.

انظر تعليقة على معالم الأصول للسيّد علي القزويني قدس‌سره : ج ٥ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

٣٢٠