بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

* ثالث أدلّة المجوّزين الإجماع

(١٤٥) قوله قدس‌سره : ( وأمّا الإجماع فتقريره من وجوه ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١١ )

التقرير الأوّل للإجماع

أقول : لا يخفى عليك : أنّ المراد من الإجماع أعمّ من القولي والعملي (١) من

__________________

(١) قال الميرزا النائيني قدس‌سره :

« أمّا الإجماع القولي : فهو عبارة عن اتّفاق أرباب الفتوى على الفتوى بحكم فرعي أو أصولي.

وطريق إحراز ذلك : إنّما يكون من تتّبع أقوالهم في كتبهم ورسائلهم.

وأمّا الإجماع العملي : فهو عبارة عن عمل المجتهدين في المسألة الأصوليّة بحيث يستندون إليها في مقام الإستنباط ويعتمدون عليها في مقام الفتوى كإجماعهم على التمسك بالإستصحاب في أبواب الفقه سواء أجمعوا على الفتوى بحجّيّته أيضا ، أو كان مجرّد الإجماع على الإستناد اليه في مقام الإستنباط ، غايته انه في صورة الإجماع على الفتوى يجتمع الإجماع القولي والعملي.

٢٤١

العلماء والمسلمين والمتشرّعة أو العقلاء بالبيان الّذي ستقف عليه ، وإدخال غير الأخير ، أي : الإجماع من العقلاء في الإجماع ممّا لا شبهة فيه ، وأمّا إدخال الأخير فقد يتأمّل فيه : من حيث كونه كاشفا عن حكم العقل ابتداء وبالذّات ، وإن كشف عن حكم الشّرع أيضا من جهة الملازمة الثّابتة بينهما.

ثمّ إنّ تحصيل الإجماع القولي في مقابل المنكرين من تتبّع الفتاوى الّذي هو مرجع الوجه الأوّل من الوجهين ، ليس المراد به تتبّع الفتاوى في خصوص المسألة الأصوليّة ، أعني حجيّة خبر الواحد. كيف! وكثير منهم لم يعنونوا المسألة ، بل أعمّ منه ومن تتبّع فتاواهم في موارد الاستنباط في الفروع المبنيّة على التّمسك بالخبر المجرّد.

كما أنّ المراد من كشفه عن وجود نص معتبر : كشفه عمّا كان معتبرا عند الكلّ ؛ بمعنى القطع باعتباره عند الشّارع من غير أن يكون مبنيّا على مسألة حجيّة خبر الواحد. فلا يقال : إنّ الكشف على الوجه الثّاني يؤول إلى التّمسك بخبر الواحد في مسألة حجيّة خبر الواحد فلا يفيد في المقام ، وإنّما يفيد في مسألة أخرى بعد الفراغ عن حجيّة خبر الواحد في الجملة ، فتدبّر.

__________________

فالإجماع العملي لا يكون إلاّ في المسائل الأصوليّة التي تقع في طريق الإستنباط ولا معنى للإجماع العملي في المسائل الفرعيّة ؛ لاشتراك المجتهد في العمل بها مع غيره ». فوائد الأصول : ج ٣ / ١٩١.

٢٤٢

ثمّ إنّ الوجه في عدم قدح خلاف المنكرين في الإجماع على هذا الوجه والوجه الثّاني من جهة كونه لشبهة حصلت لهم على ما حكي عن العلاّمة قدس‌سره في الاعتذار عن دعوى الإجماع مع مخالفتهم ، سيجيء بيانه مفصّلا عن قريب تبعا لشيخنا قدس‌سره.

(١٤٦) قوله قدس‌سره : ( والثّاني : تتبّع الإجماعات المنقولة في ذلك. فمنها : ما [ حكي ] عن الشّيخ قدس‌سره ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١١ )

المراد من معقد إجماع الشيخ في المقام

أقول : التّمسك بالإجماعات المنقولة في المقام ، إمّا من جهة تواترها أو احتفافها بالقرينة الموجبة للقطع بصدقها ، كما ستعرف من « الكتاب ».

ثمّ لا يخفى عليك : أنّ الإجماع المدّعى في كلام الشّيخ ـ الّذي استدلّ به على حجيّة ما اختاره من خبر الواحد المجرّد المرويّ عن الحجّة في قبال المرويّ عن الصّحابة إذا كان راويه سديدا في نقله ، ضابطا غير مطعون في روايته ، وكان طريقه من أصحابنا ، وإن لم يكن عدلا ـ وإن كان إجماعا عمليّا من العلماء في مقام الاستنباط والاستدلال بالخبر في الأحكام الشّرعيّة ، إلاّ أن عنوان عملهم به في كلّ خبر عملوا به بزعمه ، هو الجامع لما ذكره من الشّروط ، فاستدلّ به على حجيّة الخبر المذكور ، وإن كان اعتبار الأمور المذكورة عنده من حيث كونها

٢٤٣

طريقا إلى وثاقة الرّاوي ، فالعبرة بها حقيقة لا باجتماعها.

ألا ترى أنّه ادّعى الإجماع في مطاوي كلماته المحكيّة في « الكتاب » على كون العدالة شرطا في العمل بالخبر ، ومع ذلك لم يأخذها في عنوان مختاره ، بل صرّح فيها بحجيّة خبر من كان ثقة في نقله صحيح الحديث وإن كان فاسقا بجوارحه ، بل فاسد الاعتقاد؟

فاعتبار العدالة عنده لا بدّ أن يكون من حيث الطّريقيّة إلى الوثاقة ، لا الموضوعيّة ، وإلاّ لم يجامع تصريحه بحجيّة خبر جماعة من الثّقات الّذين لم يكونوا على الحقّ أو عدلوا عنه معتذرا بكونهم ثقاتا وبأنّ الإجماع منعقد على العمل بأخبارهم ، بل ادّعى في مطاوي كلماته ورود الأخبار بذلك أيضا.

فالعنوان الّذي انعقد الإجماع عليه في زعمه واعتقاده ـ بحيث يكون دائرا مداره من غير أن يكون لغيره مدخل فيه إلاّ من حيث الكشف ـ هو الوثوق والاطمئنان بصدق الرّاوي في نقله ، فمورد الإجماع العملي من أخبار هذه الكتب ما كان مشتملا على العنوان المذكور فليس لوجوده في الكتب المتداولة مدخل للحجيّة ولا لخروجه عنها منع.

فالعلّة عندهم كون الرّاوي ثقة في نقله ، فأينما وجد هذا العنوان يحكم بحجيّته وإن لم يكن نقله في الكتب المعروفة. وأينما لم يوجد لم يحكم بحجيّته ، وإن كان ثابتا في الكتب الدّائرة من غير فرق بين عدالة الرّاوي وعدمها.

٢٤٤

نعم ، اعتبار خبر المخالف عنده مشروط بعدم المعارضة لخبر الإمامي ، كما هو ظاهر بعض ما عرفت من الأخبار أيضا ، فنزل إجماعهم على حرمة العمل بأخبار الآحاد ـ على تقدير تسليمه ـ على ما كان رواية من المخالفين فيما رووا خلافه.

ولك أن تقول : بأنّ هذا لا ينافي قوله بحجيّة خبر الثّقة على الإطلاق ؛ ضرورة أنّه لا يحصل الوثوق بعد فرض معارضة خبر المخالف بخبر الإمامي. نعم ، ظاهر جوابه عن سؤال الفرق بين ما يرويه المخالف والشّيعة : هو اعتبار كون الرّاوي إماميّا ، لكنّ التّأمّل فيما ذكره من التّفصيل بعد ذلك ، يقتضي ذهابه إلى عدم الفرق مع وثاقة الّراوي ، فتدبّر.

فالإجماع العملي سواء كان من العلماء من حيث إنّهم من أهل الرّأي والنّظر أو المسلمين من حيث إنّهم من أهل التّدين بدين الإسلام وإن لم يكن بنفسه ناطقا بالعنوان الّذي وقع عليه الّذي هو الموضوع للحكم الشّرعي حقيقة ، إلاّ أنّ المستكشف عند الشّيخ من تتبّع موارد استدلالاتهم وعملهم بمعونة القرائن ، كون العنوان في المأخوذ من الأخبار وثاقة الرّاوي ، كما أنّ الوجه في المطروح من الأخبار كونه عن غير ثقة ، فليكن هذا على ذكر منك لعلّه ينفعك فيما سيتلى عليك.

٢٤٥

(١٤٧) قوله قدس‌سره : ( ثمّ أورد على نفسه بأنّ العمل بخبر الواحد يوجب كون الحقّ في جهتين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١٥ )

نقل عبارة الشيخ في العدّة

أقول : الأولى نقل عبارة « العدّة » في الإيراد والجواب بعينها ثمّ التّكلم في بيان مراده قدس‌سره قال في « العدّة » :

« فإن قال قائل (١) : هذا القول يؤدّي إلى أن يكون الحقّ في جهتين مختلفتين ، والمعلوم من حال أئمّتكم وشيوخكم خلاف ذلك. قيل له : المعلوم من ذلك : أنّه لا يكون الحقّ في جهتهم إذا كان ذلك صادرا من خبرين مختلفين ؛ فقد بيّنا : أنّ المعلوم خلافه.

والّذي يكشف أيضا : أنّ من منع العمل بخبر الواحد يقول : إنّ هنا أخبارا كثيرة لا ترجيح لبعضها على بعض ، والإنسان فيها مخيّر ، فلو أنّ اثنين اختار كلّ واحد منهما العمل بواحد من الخبرين يكونان مختلفين وقولهما حقّ ، على مذهب هذا القائل. فكيف يدّعي أنّ المعلوم خلاف ذلك؟

ويبيّن ذلك أيضا : أنّه قد روي عن الصّادق عليه‌السلام أنّه سئل عن اختلاف

__________________

(١) في المصدر : فإن قيل ... إلى آخره.

٢٤٦

أصحابه في المواقيت وغير ذلك فقال : « أنا خالفت بينهم » (١) فترك الإنكار لاختلافهم ، ثمّ أضاف الاختلاف إلى أنّه أمرهم به ، فلو لا أنّه كان جائزا لما جاز ذلك عنه عليه‌السلام » (٢) انتهى كلامه بألفاظه.

وأنت خبير بأنّ فرض التّخيير على القول بعدم حجيّة خبر الواحد ، إنّما يتصوّر بالنّسبة إلى الأصول اللّفظيّة الجارية في المتعارضين القطعيّين بحسب الصّدور ، لا التّخيير الّذي يقول به القائل بحجيّة خبر الواحد بين المتعارضين من حيث الحكم بالصّدور. وهذا وإن كان على خلاف التّحقيق الّذي ستقف عليه في محله ، إلاّ أنّه لا بدّ من تنزيل كلام الشّيخ عليه بعد فرض قطعيّة المتعارضين من حيث الصّدور.

والقول : بأنّ مراده التّخيير بين المتعارضين الظّنيّين بحسب الصّدور تعبّدا ـ على القول بعدم حجّيّة خبر الواحد نظير التّخيير بين الاحتمالين ـ كما ترى.

ثمّ إنّ تصوير كون الحقّ في جهتين في المتعارضين إنّما هو بحسب الحكم الظّاهري ، ومنع ذلك بالنّسبة إلى جهة مخالفتهم في الاعتقاد وجهتهم إنّما هو من

__________________

(١) لم نعثر على هذا الخبر بهذا اللفظ إلاّ في العدّة مرسلا كما ترى ، نعم ، ورد ما يقرب منه في المضمون انظر الكافي الشريف : ج ١ / ٦٥ باب « اختلاف الحديث » ـ ح ٥ ، عنه الوسائل ج ٤ / ١٣٧ ـ الباب ٧ من أبواب المواقيت ـ ح ٣.

(٢) عدة الأصول : ج ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٢٤٧

جهة عدم احتمال الحجيّة في جهتهم في قبال جهة الإماميّة حتّى يتصوّر الحكم الظّاهري وإلقاء الخلاف من الإمام عليه‌السلام بين أصحابه من جهة اقتضاء المصلحة لا ينافي كون وظيفته عليه‌السلام بيان الحكم الواقعي لأصحابه ورفع الجهل عنهم لا تثبيتهم على الجهل ، وبيان الحكم الظّاهري المقرّر في حقّ الجاهل.

(١٤٨) قوله قدس‌سره : ( ونحن لم نعتمد على مجرّد نقلهم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١٥ )

أقول : مراده قدس‌سره : أنّه لو كان المتمسّك في حجّيّة خبر الواحد كونه راوية (١) للأحكام أو كون الشّخص المعيّن راويا ومخبرا ، لتوجّه الاعتراض : بأنّ رواة هذه الرّوايات رووا ما كان مخالفا لمذهب الحقّ من المنكرات ، وليس الأمر كذلك ، بل لم يقل بذلك أحد ، بل التّمسّك بالإجماع العملي الصّادر منهم بالنّسبة إلى أكثر الرّوايات من الثّقات الكاشف عن كون عنوان الحجيّة عندهم وثاقة الرّاوي من غير فرق في ذلك بين روايته لأخبار الجبر والتّشبيه ونحوهما وعدم روايته لها.

وهذا المعنى وإن كان بعيدا في باديء النّظر إلاّ أنّه يتعيّن حمل كلامه عليه بقرينة قوله : بعد ذلك « وإن عوّلتم على عملهم دون روايتهم فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الّذين ذكرناهم وذلك ... إلى آخره » (٢).

ثمّ إنّه لمّا أجاب قدس‌سره عن الاعتراض ـ بأنّ رواة هذه الرّوايات رووا أخبار

__________________

(١) في المتن « رواية » والصحيح ما أثبتناه.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٣١٦.

٢٤٨

الجبر والتّشبيه ونحوهما ـ : بأنّ الرّواية لا تدلّ على اعتقاد الرّاوي بمضمون الخبر ، أورد سؤال كون أكثر رواة هذه الرّوايات الّتي في الفروع يعتقدون للاعتقادات (١) الفاسدة المخالفة للاعتقاد الصحيح ، فكيف يعتبر في عنوان حجيّة الخبر كونه واردا من طرق أصحابنا القائلين بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ثمّ يستدلّ على ذلك بالإجماع العملي المتحقّق بالنّسبة إلى خبر هؤلاء أيضا؟

مضافا إلى منافات ذلك لما أجمعوا عليه : من اعتبار العدالة عند القائل بحجيّة خبر الواحد المجرّد عن القرينة ، فلا بدّ أن يجعل عنوان عملهم الاحتفاف بالقرينة عندهم وفي زعمهم أو التّواتر كذلك ، وإلاّ لم يمكن الجمع بينه وبين اتّفاق القائلين بحجيّة الخبر على اشتراط العدالة.

وأنت خبير بأنّ الجواب عن هذا السؤال منحصر بمنع الاتّفاق على اشتراط العدالة أو منع اشتراطها بعنوان الموضوعيّة ، بل بالمعنى الأعمّ منها ومن الطريقيّة إلى الوثوق والاطمئنان بصدق الرّاوي وصدور الرّواية ، فلا ينافي التّمسّك بعملهم على حجيّة الخبر المجرّد مع وجوده في خبر الفاسق وتسليم اتّفاقهم على اعتبار العدالة بالمعنى المذكور ، أو منع كون رواة المعمول بها من الأخبار فاسدة العقيدة ، وإن رووا أخبار الجبر والتشبيه وغيرهما ممّا يخالف الاعتقاد الصّحيح ، وما ذكره الشّيخ قدس‌سره من الجواب لا بدّ أن يرجع إلى ما ذكرنا ، وإن كانت عبارته قاصرة في

__________________

(١) كذا والصحيح : الإعتقادات.

٢٤٩

إفادة المرام في الجملة.

(١٤٩) قوله قدس‌سره : ( وأمّا ما يرويه قوم من المقلّدة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١٦ )

أقول : المراد من المقلّد للحقّ في كلامه ، من علم بالحقّ استنادا إلى ما لا يجوز الاستناد إليه في مقام الاستناد. ومراده من كونه مخطئا ، الخطأ في ترك النّظر وتحصيل البرهان والدّليل ؛ من حيث إنّ النّظر واجب نفسي مستقل في زعمه من غير أن يكون شرطا للإيمان كما يظهر من العلاّمة قدس‌سره فيما سيجيء من كلامه. أو واجبا غيريّا بحيث يسقط بعد حصول المعرفة ولو من التّقليد ، كما ستقف على تفصيل القول فيه ، فالفرق بينه وبين من كان عالما بالحقّ من الدّليل الإجمالي الّذي لا يقدر على شرحه وبيانه بقانون علم الميزان واضح لا يكاد يخفى.

والدّليل على وجوب النّظر والاستدلال مستقلاّ عنده : هو ما دلّ من الآيات والأخبار الكثيرة على وجوبه والذّم على تركه الظّاهر في وجوبه كذلك. والدّليل على العفو عنده على ما يستفاد من كلامه في غير هذا الموضع ، عدم قطع الأئمّة عليهم‌السلام وأصحابهم (١) والعلماء ، معاشرتهم مع هؤلاء وعدم معاملتهم معهم معاملة الفسّاق فضلا عن الكفّار ، وإلاّ لما تركوا أمرهم بتحصيل النّظر وقطع موالاتهم معهم.

وهذا وإن كان منظورا فيه ـ مضافا إلى ما يقال عليه : من كون العفو منافيا

__________________

(١) في المتن « وأصحابه » والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٠

للّطف الواجب على الحكيم تعالى بالوعد للطّاعة والوعيد على المعصية حسبما عرفت بعض الكلام فيه في أوّل التّعليقة في مسألة التّجري بالنّية إشكالا وجوابا ـ إلاّ أنّه على تقدير تسليمه لا ينافي اعتبار العدالة في الرّاوي ؛ ضرورة أنّ ترك هذا الواجب على تقدير ثبوت العفو كالصّغيرة المكفّرة باجتناب الكبيرة.

(١٥٠) قوله قدس‌سره : ( وحاصل أحدهما : كفاية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١٧ )

أقول : هذا كلامه :

« وأمّا الفرق الّذين أشار إليهم من الواقفيّة والفطحيّة وغير ذلك فعن ذلك جوابان :

أحدهما : أنّ ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به ، إذا كانوا ثقاتا في النّقل وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد إذا علم من اعتقادهم تمسّكهم بالدّين وتحرّيهم من الكذب ووضع الأحاديث. وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمّة عليهم‌السلام من نحو عبد الله بن بكير وسماعة بن مهران (١) ونحو بني فضال من المتأخّرين عنهم وبني سماعة ومن شاكلهم ، فإذا علمنا أنّ هؤلاء الّذين أشرنا إليهم كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف ونحو ذلك وكانوا ثقاتا في النّقل فما يكون طريقة هؤلاء جاز العمل به.

والجواب الثّاني : أنّ جميع ما يرويه هؤلاء إن اختصّوا بروايته لا يعمل به ،

__________________

(١) في كونه واقفيّا تأمل.

٢٥١

وإنّما يعمل به إذا أضاف إلى روايتهم رواية من هو على الطريقة المستقيمة والاعتقاد الصحيح » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال بعد جملة كلام له في ضمن أوراق ما هذا لفظه :

« وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الرّاوي معتقدا للحقّ ، مستبصرا ، ثقة في دينه ، منحرفا عن الكذب ، غير متّهم فيما يرويه. فأمّا إذا كان مخالفا للاعتقاد في أصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمّة عليهم‌السلام نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطراح خبره ، وإن لم يكن هناك ما توجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضا العمل به ؛ لما روي عن الصّادق عليه‌السلام أنّه قال : ( إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما يروى عنّا فانظروا إلى ما رووا عن عليّ عليه‌السلام فاعملوا به ) (٢).

ولأجل ما قلنا عمل الطّائفة بما رواه « حفص بن غياث » و « غياث بن

__________________

(١) عدة الاصول : ج ١ / ١٣٤.

(٢) عدّة الأصول : ج ١ / ١٤٩ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٢ / ٢٥٣ ، وأنظر جامع أحاديث الشيعة : ج ١ / ٢٢٣ ـ ح ٣٢١.

٢٥٢

كلوب » و « نوح بن درّاج » (١) و « السّكوني » وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا (٢).

إلى أن قال :

( وأمّا إذا كان الرّاوي من فرق الشّيعة مثل الفطحيّة والواقفيّة والنّاووسيّة وغيرهم ، نظر فيما يروونه ، فإن كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الوثوق بهم ، وجب العمل به ) (٣).

إلى أن قال : « فإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا نعرف من الطّائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به ، إذا كان منحرفا في روايته ، موثقا في أمانته وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد. ولأجل ما قلناه عملت الطّائفة بأخبار الفطحيّة ، مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفيّة مثل سماعة بن مهران (٤) » (٥).

إلى أن قال :

« وأمّا من كان مخطئا في بعض الأعمال وفاسقا بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته ؛ فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره فيجوز العمل به ؛ لأنّ العدالة المطلوبة في

__________________

(١) لم يكن من العامة قطعا فيكون قد صدر ذلك سهوا من قلمه الشريف.

(٢) نفس المصدر : ج ١ / ١٤٩.

(٣) نفس المصدر : ج ١ / ١٥٠ ، وفي المصدر : من جهة الموثوقين بهم.

(٤) مرّ التأمّل في صحّة نسبة الوقف إليه.

(٥) المصدر السابق : ج ١ / ١٥٠.

٢٥٣

الرّواية حاصلة فيه ، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته ، وليس المانع من قبول خبره ، ولأجل ذلك قبلت الطّائفة أخبار جماعة هذه صفتهم » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو كما ترى ، صريح في إناطة الاعتبار بالوثاقة ، بل صريحه كون المراد بالعدالة في الرّواية غيرها في باب الشّهادة.

(١٥١) قوله قدس‌سره : ( قيل لهم القرائن الّتي تقترن بالخبر وتدل على صحّته ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٣١٨ )

أقول : الموجود في بعض نسخ « العدّة » الموجود عندي كما في « الكتاب » من جهة تعداد القرائن ، والظّاهر أنّه غلط من النّاسخ ، فإنّ التّواتر ليس في قبال السّنة ، فلا بدّ أن يذكر بدله العقل ، فإنّما يذكره بعد ذلك في عداد القرائن الأدلّة الأربعة وهو المعروف منه ، وحكاه عنه شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في غير موضع. فالمتعيّن كونه غلطا قال قدس‌سره في « العدّة » عند ذكر القرائن وشرحها ـ ما هذا لفظه :

« والقرائن الّتي تدلّ على صحّة الخبر وتوجب العلم ، أربعة أشياء : الأوّل منها : أن تكون موافقة لأدلّة العقل وما اقتضاه ؛ لأنّ الأشياء في العقل إذا كانت على الحظر أو الإباحة على مذهب قوم فمتى ورد الخبر متضمّنا للحظر أو الإباحة

__________________

(١) المصدر السابق : ج ١ / ١٥٢ ، وفيما ذكره من نصّ العدّة يختلف مع النسخة المطبوعة المحقّقة إختلافا يسيرا.

٢٥٤

ولا يكون هناك ما يدلّ على خلافه وجب أن يكون ذلك دليلا على صحّة متضمّنه عند من اختار ذلك » (١).

إلى أن قال :

« ومنها : أن يكون الخبر مطابقا لنصّ الكتاب ، إمّا خصوصه أو عمومه أو دليله أو فحواه ، فإنّ جميع ذلك دليل على صحّة متضمّنه » (٢).

إلى أن قال :

« ومنها : أن يكون الخبر موافقا للسّنة المقطوع بها من جهة التّواتر ) (٣).

إلى أن قال :

« ومنها : أن يكون موافقا لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة فإنّه متى كان كذلك دلّ أيضا على صحّة متضمّنه » (٤). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) المصدر السابق : ج ١ / ١٤٣.

(٢) المصدر السابق : ج ١ / ١٤٤.

(٣) المصدر السابق : ج ١ / ١٤٥.

(٤) المصدر السابق : ج ١ / ١٤٥.

٢٥٥

إشارة الشيخ إلى دليل الإنسداد

(١٥٢) قوله قدس‌سره : ( حتّى أنّه أشار في جملة كلامه إلى دليل الانسداد ). ( ج ١ / ٣١٩ )

أقول : أشار إلى ذلك بقوله : ( ومن قال عند ذلك : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن ... إلى آخره ) (١). فإنّ مراده ممّا يقتضيه العقل ، الحكم بمقتضى البراءة في موارد وجود الخبر الغير العلمي ؛ ضرورة كون الرّجوع إليه مستلزما لترك أكثر الأخبار الواردة عن الشّرع بالعلم الإجمالي المتضمّنة للأحكام الشّرعيّة الفرعيّة ، فتركه موجب لترك أكثر الأحكام المعلومة إجمالا فيرجع هذا إلى دليل الانسداد الذي أقاموه على حجيّة خبر الغير العلمي بالخصوص.

وهذا وإن كان منظورا فيه عندنا ـ كما ستقف على شرح القول فيه فيما سيتلى عليك من الأدلّة العقليّة الّتي أقاموها على حجيّة الأخبار المجرّدة من حيث الخصوص ـ إلاّ أنّ غرضه استدلاله على المطلب بجميع الطّرق والوجوه وعدم اقتصاره على بعضها ، لا تماميّة الوجوه المذكورة كما هو واضح.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٣١٨.

٢٥٦

(١٥٣) قول : صاحب « المعالم » قدس‌سره : ( وما فهمه « المحقّق » من كلام الشيخ ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٢٠ )

اشتباه صاحب المعالم في فهم مذهب الشيخ والمحقّق قدس‌سرهما

أقول : عدم كون « العدّة » عند صاحب « المعالم » عند كتابة هذا الموضع من الواضحات الّتي لا يرتاب فيها ، وإلاّ لم يحتمل في حقّه الوقوع في هذا الوهم البيّن الفساد من عدم مخالفته للسيّد في المذهب في مسألة حجيّة أخبار الآحاد واقتصاره على المتواترات والآحاد المحفوفة ؛ لأنّ كلام الشّيخ مناد بالصّراحة في مواضع ـ ممّا عرفت وما لم تعرف ـ بأعلى صوته بذهابه إلى حجيّة خبر الواحد المجرّد ، بل أخذ التّجرّد عن القرائن على ما عرفت في عنوان مختاره.

إنّما الكلام في أنّه كيف اشتبه عليه الأمر من ملاحظة كلام المحقّق ووقع في وهمين فاسدين بل أوهام فاسدة؟

أحدها : عدم مخالفة الشيخ قدس‌سره للسيّد في المذهب.

ثانيها : أنّ المحقّق فهم أيضا موافقتهما فيما ذهبا إليه في مسألة حجيّة الأخبار.

ثالثها : أنّ المحقّق موافق لهما في مسألة حجيّة خبر الواحد مع أنّ ما حكاه

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٩٨.

٢٥٧

عن « المعارج » لا دلالة له على شيء من الأوهام المذكورة ، بل صريحه عند التّأمّل خلاف ما سبق إلى ذهن صاحب « المعالم » ؛ فإنّه قدس‌سره أراد بما ذكره في « المعارج » جعل الشّيخ موافقا له فيما ذهب إليه من التّفصيل في حجيّة أخبار الآحاد بما ذكره في « المعتبر » بعد نقل الأقوال في المسألة ، كما استفاده شيخنا قدس‌سره لا جعله من المنكرين لحجيّة خبر الواحد على الإطلاق وموافقا للسيّد في المذهب ، وإن كان ما أفاده في بيان مراد الشّيخ قدس‌سره محلّ نظر ومناقشة ، كما ستقف عليه ، لكنّه لا دخل له بما زعمه في « المعالم » ، فالأولى نقل عبارة « المعتبر » حتّى يظهر من ملاحظتها صدق ما عرفت في بيان مراده ممّا ذكره في « المعارج » قال قدس‌سره : ما هذا لفظه :

« مسألة : أفرط « الحشويّة » في العمل بخبر الواحد ؛ حتّى انقادوا لكلّ خبر ، وما فطنوا ما تحته من التّناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستكثر بعدي القالة عليّ ) (١). وقول الصّادق عليه‌السلام : « إنّ لكلّ رجل منّا من يكذب عليه » (٢) واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقال : كلّ سليم السّند يعمل به. وما علم أنّ الكاذب والفاسق قد يصدق ، ولم يتنبّه أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ؛ إذ ما مصنّف إلاّ ويعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل. وأفرط آخرون في

__________________

(١) لم نعثر عليه في الجوامع الحديثيّة نعم ، ذكره المحقق في المعتبر : ج ١ / ٢٩ والموجود في الكافي الشريف : ج ١ / ٦٢ باب « اختلاف الحديث » ـ ح ١ : « قد كثرت علىّ الكذابة ».

(٢) المعتبر : ج ١ / ٢٩.

٢٥٨

طرف ردّ الخبر حتّى أحال استعماله عقلا ، واقتصر آخرون فلم ير العقل مانعا لكن الشّرع لم يأذن به. وكلّ هذه الأقوال منحرفة عن السّنن ، والتّوسّط أصوب ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته ، عمل به وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ يجب اطّراحه » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهذا الكلام كما ترى ، ينادي بأعلى صوته ببطلان قول السيّد الّذي نقله أخيرا ، وأنّ التوسّط الّذي اختاره غيره ، وأنّ كلامه في الخبر المجرّد الّذي أحال قوم استعماله ، وأنّ ما اختاره هنا موافق لما نزل عليه كلام الشّيخ في « المعارج » هذا.

ولكن ذكر في الاستدلال على ما اختاره ما ربّما يظهر منه : عدم قوله بحجيّة خبر الواحد المجرّد ؛ فإنّه بعد ذكر الوجوه الكثيرة لعدم حجيّة المطروح والشّاذ قال ، ما هذا لفظه :

« وأمّا أنّه مع عدم الظّفر بالطّاعن والمخالف لمضمونه يعمل به ؛ فلأنّ مع عدم الوقوف على الطّاعن يتيقّن أنّه حقّ ؛ لاستحالة تمالي الأصحاب على القول بالباطل وخفاء الحقّ بينهم. وأمّا مع القرائن ؛ فلأنّها حجّة بانفرادها فتكون دالّة على صدق مضمون الحديث ، ويراد بالاحتجاج به التّأكيد ، ولا يقال لو لم يكن خبر الواحد حجّة لما نقل. لأنّا ننقض ذلك بنقل خبر من عرف فسقه وكفره ، ومن

__________________

(١) المعتبر : ج ١ / ٢٩.

٢٥٩

قذف بوضع الأخبار ورمي بالغلوّ ، والأخبار الّتي استدلّوا بها في المباحث العلميّة كالتّوحيد والعدل. والجواب في الكلّ واحد » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

وأنت خبير بظهوره غاية الظّهور في ذهابه إلى عدم حجيّة خبر المجرّد سيّما بملاحظة السّؤال والجواب المذكورين في ذيل كلامه ، بل كلامه قبل ذلك في مقام الاستدلال على عدم حجيّة المطروح والشّاذ أيضا ، ظاهر في ذلك ، حيث قال :

« ولا يقال : الإماميّة عاملة بالأخبار وعملها حجّة. لأنّا نمنع ذلك ، فإنّ أكثرهم يردّ الخبر بأنّه واحد وبأنّه شاذّ ؛ فلو لا استنادهم مع الاختيار على وجه يقتضي العمل بها ، لكان عملهم اقتراحا ، وهذا لا يظنّ بالفرقة النّاجية » (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهذا كما ترى ظاهر في إنكاره للعمل بالخبر الواحد المجرّد رأسا ، ولا ندري كيف يجامع هذا الإنكار الشّديد قوله سابقا : « إذ ما من مصنّف إلاّ ويعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ».؟!

وكيف لا يكون إنكار عمل الطّائفة بخبر الواحد رأسا طعنا وقدحا في المذهب ، ويكون إنكارهم للعمل بخبر غير السّليم طعنا فيهم وقدحا في المذهب؟ فتأمّل لعلّك تقف على وجه التّوفيق بين كلماته قدس‌سره وإن كانت في غاية الاضطراب ،

__________________

(١) نفس المصدر ج ١ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) نفس المصدر : ج ١ / ٣٠.

٢٦٠