بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

٢ ـ آية النفر (*)

(١٠٨) قوله قدس‌سره : ( أحدهما : أنّ لفظة لعلّ بعد انسلاخها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٧ )

كيفية الإستدلال بآية النّفر لحكم الخبر (١)

__________________

(*) ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، « التوبة : ١٢٢ ».

(١) قال المؤسس الطهراني أعلى الله مقامه الشريف :

« الآية صريحة في البعث على تبليغ النبوّة والتوحيد إلى البلاد النائية ونشر أعلام الهداية في كل صقع وناحية بإقامة الحجج والبراهين لإرشاد الجاهلين وهداية الضالين كما ينبئ عنه جعل التفقّه في الدين غاية للنّفر ، أي : الهجرة عن الأوطان ؛ فإن التفقّه عبارة عن تحصيل الحذاقة والعلم بدقائق الدين التي لا يطلع عليها كلّ واحد ، والدين هو الإسلام كما هو صريح القرآن.

والإنذار عبارة عن التحذير عن المعاد حتى انه صار عبارة أخرى ـ في القرآن ـ عن النبوّة قال تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) [ الرعد : ٧ ] وقال تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) [ الشعراء : ٢١٤ ] إلى غير هذه من الآيات.

فإنذار غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبارة عن قيامه مقامه وخلافته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : العلماء ورثة الأنبياء وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أرحم خلفائي. قيل : من خلفاءك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذين يأتون بعدي

١٨١

__________________

ـ ويروون سنتي وأحاديثي. وأحاديث « من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها » قد تقدّمت.

وجعل الحذر أيضا غاية للإنذار دليل على ان المقصود تبليغ الدعوة على وجه يحصل العلم للناس بثبوت المعاد. فالحذر هنا كالخشية في قوله تعالى : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) طه : ٤٤.

فالمعنى بحسب القواعد اللفظيّة الحث على حضور الناس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإطلاع على ما جاء به والتوسط في التبليغ إلى من لم يحضر ولم يطّلع ، والجهاد أيضا من أنحاء التبليغ والترويج فإن القتال إنّما هو لقهر الناس الجاحدين والمارقين على التدّين بالدين فإذا نفر الناس من البلاد النائيّة كان الجهاد مع الكفار أيضا ثمرة أخرى للنّفر والإجتماع عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعل هذا هو وجه المناسبة مع آيات الجهاد والله تعالى أعلم بمعنى كلامه.

فالإنذار عبارة عن التخويف ، وإيجاد سبب الخوف ليس بمجرّد الإخبار ، بل إنّما هو بإقامة البيّنة المفيدة للعلم ، كما ان المخبر به أيضا لا بد ان يكون ممّا يخاف منه ويحذر منه ، لا مثل الاحكام الفرعيّة ، فالتمسك بوجوب إنذار المتفقّه في الدين على حجّية الخبر من أعجب الأمور ؛ حيث إنّ كلمة « لو لا » تدل على ان الحكم إرشاد وموعظة ، لا تأسيس ، وليس إلاّ لأنّ ترويج الدين وإرشاد الضالّين ممّا يستقلّ به العقل ؛ ضرورة انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستحيل أن يكون مباشرا لإنذار جميع الناس فلا معنى للدين العام لجميع المكلفين إلاّ إلزام جماعة من كل فرقة بالتوسّط في التبليغ ، مع ان الإنذار لا يصدق على الإخبار بالفروع خصوصا في الوضعيّات والمستحبّات والمكروهات والتفقّه مما لا يتوقّف عليه تحمّل الرواية وإنّما

١٨٢

__________________

يتوقف عليه التمكّن من إرشاد الجاهل وهداية الضال.

وأعجب منه التمسك بإطلاقه وعدم اعتبار إفادة خبرهم العلم ؛ ضرورة ان نفس الإنذار لا يتحقق إلاّ بإفادة العلم أو الاحتمال الذي لا يندفع باصل كقبح العقاب بلا بيان الذي لا يدفع الخوف في احتمال ضرر دنيوي.

وأقبح من هذا ما نسجته العامّة أيضا من أن لفظ « لعلّ » بعد انسلاخه من معنى الترجّي ظاهر في كون مدخوله محبوبا للمتكلّم ، ولا معنى لندب الحذر فثبت وجوبه ؛ فإن هذه اللفظة ليست موضوعة إلاّ للدلالة على ان ما بعدها محتمل الوقوع.

إما للشك والجهل وإمّا لكونه على وجوه مختلفة لا يمكن الحكم فيه بالوقوع على الإطلاق وأمّا خصوص الترجّي فلا ، قال :

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه

وحيث ان الانذار ليس علّة تامة للحذر فلا بد أن تذكر الغاية بعد كلمة « لعلّ » فلا دلالة إلاّ على انّ الإنذار إنّما هو لحصول هذه الغاية وهو : إهتداء الناس المحتمل ترتّبه على التبليغ.

وأمّا الإستدلال بوجوب الاخبار على تقدير الثبوت على التعبّد بالقبول فهو أوضح فسادا ؛ فإنه يمكن أن يحصل به منفردا أو مع انضمام الوثوق والعلم ، فهذا هو المنشأ للوجوب ، كما أن وجوب أداء الشهادة لا يستلزم كون شهادة العادل الواحد علة تامّة للحجّيّة ، بل شهادة العدلين أيضا قد ترد بالجرح وبالمعارضة مع المساوي والأقوى ، وفي المقام كلمات لا تصلح لأن نتعرّض لها بالإبطال لوضوح فسادها. إنتهى. محجة العلماء : ج ١ / ٢٦١.

١٨٣

__________________

وانتقده المحقق الإصفهاني قدس‌سره قائلا :

ومن غريب الكلام ما عن بعضهم من قصر التفقّه في الدين على العلم بدقائق الدين ممّا يتعلق بأسرار المبدء والمعاد وتبليغ الدعوة والنبوّة وأشباه ذلك مما يطلب فيه العلم دون الأحكام الشرعيّة العمليّة. وفي أخبار الأئمة عليهم‌السلام شواهد كثيرة على صدق التفقّه على تعلّم الحلال والحرام فليراجع.

مع أن صريح الآية إنذار النافرين للمتخلّفين أو بالعكس ، لا تبليغ الدعوة إلى عامة الناس ونشر أعلام الهداية في البلاد النائية كما توهّمه هذا المتوهّم فافهم واستقم » انتهى.

أنظر نهاية الدراية : ج ٣ / ٢٣٨.

* * *

* وذكر الميرزا النائيني قدس‌سره :

« أن التفقه في الحلال والحرام وإن كان مما يحتاج إلى إعمال النّظر والدقّة إلاّ ان التفقّه في الصدر الأوّل لم يكن بحاجة إلى أكثر من إثبات الصدور واختلاف محقّق التفقّه باختلاف الأزمنة لا يوجب اختلافا في مفهومه وعليه : فكما يصدق الفقيه على العارف بالأحكام الشرعية بإعمال النظر والفكر كذلك يصدق على العارف بها من دون ذلك حقيقة.

كما ان لفظ « الإنذار » وان كان ينصرف إلى ذكر عوالم البرزخ والنار وأمثالها كما هو شأن الوعّاظ إلاّ انه انصراف بدوي لا يوجب اختصاص اللفظ به. وعليه : فالإنذار في الآية أعم منه ومن الإنذار التبعي الضمني الملازم لبيان الواجبات والمحرّمات.

ثم إن قوله تعالى : ( لِيَتَفَقَّهُوا ... ) ظاهر في العموم الإستغراقي وأن الإنذار إنما يكون

١٨٤

أقول : أمّا انسلاخ كلمة « لعلّ » عن معنى التّرجّي ، وكونها بمعنى الطّلب في المقام من حيث استحالة التّرجي في حقّه تعالى ، فأمر ظاهر لا سترة فيه أصلا ، فيحمل على الوجوب ؛ من حيث إنّ المستفاد عرفا بعد حمل القضيّة على الطلب والإنشاء هو الوجوب.

وأمّا ما ذكره من الوجهين لصرف الطّلب إلى الوجوب ، فقد يناقش في الأوّل منهما ـ كما في هامش « المعالم » لبعض المدقّقين (١) ، وتبعه جمع من أفاضل المتأخّرين (٢) ـ :

__________________

بتفقّه كل واحد منهم راجع إلى قومه الذي لا يحصل العلم من قوله غالبا.

كما ان كلمة « لعلّ » تستعمل دائما في القدر المشترك الجامع سواء وقعت في كلام الممكن أو الواجب ، وأن ظاهر الحذر هو التحرّز الخارجي لا الخوف النفساني الذي لا وعاء له إلاّ النفس.

وبهذه المقدمات يظهر دلالة الآية المباركة على حجّيّة كلّ من فتوى المجتهد وإخبار الرّاوي من دون اختصاص باحدهما ».

وللتفصيل أنظر فوائد الاصول : ج ٣ / ١٨٥. وأجود التقريرات : ج ٣ / ١٩٢ ولاحظ ردّ المحقق العراقي على الميرزا النائيني قدس‌سره في نهاية الافكار : ج ٣ / ١٢٩.

وللإطلاع على رأي المحقق الخراساني انظر حاشية الفرائد ( درر الفوائد ) ص ١١٧ والكفاية ص ٢٩٨.

(١) حاشية سلطان العلماء على معالم الدين : ٢٧٢.

(٢) منهم صاحب الفصول في فصوله : ٢٧٣.

١٨٥

بأنّ مادّة الحذر لا ينافي الطّلب الغير الإلزامي ؛ إذ كثيرا ما يكون في المكروهات مفسدة يطلب الحذر منها. نعم ، الثّاني منهما موجّه ؛ إذ من الإجماع المركّب من القولين ـ أي : الوجوب على تقدير حجيّته ، والحرمة على تقدير عدمها ـ يثبت التّلازم بين رجحان الحذر عقيب الإنذار ، ووجوبه.

فإن شئت قلت : حكم الطّريق لا يخلو من أمرين : الوجوب ولو تخييرا والحرمة ، هذا. وقد ذكر المحقّق القمّي قدس‌سره في « القوانين » وجها آخر لإثبات كون الحذر في المقام واجبا لخّصه بعض أفاضل من قارب عصرنا بطوله (١).

وهو : « أنّ ندبيّة الحذر من العمل بخبر الواحد غير معقول ؛ لأنّ خبر الواحد قد يشتمل على إيجاب شيء ، أو تحريمه ، ولا يعقل ندبيّة العمل بالواجب ، أو الحرام. نعم ، قد يتصوّر ندبيّة العمل بالواجب في الواجب التّخييري ، لكن لا يكون التّخيير إلاّ بين أمرين ، وليس الأمر الآخر هنا إلاّ العمل بالأصل ؛ إذ الكلام في حجيّة الخبر الواحد حيث لا معارض له بالخصوص. وحينئذ فإمّا أن يعتبر التّخيير بين الأخذ والعمل بكلّ منهما ، أو بين مفادهما.

والأوّل تخيير في المسألة الأصوليّة سواء اعتبر التّخيير بينهما على الإطلاق ، أو في خصوصيّات الموارد. أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثّاني ؛ فلأنّ التّخيير فيه من جزئيات التّخيير في الأوّل وفروعه ، والمفهوم من الآية على ما بني عليه

__________________

(١) هو صاحب الفصول قدس‌سره.

١٨٦

الأوّل هو التّخيير في المسألة الفقهيّة دون الأصوليّة ؛ على أنّ مرجع ذلك إلى التّخيير بين اعتقاد الوجوب وعدمه ، ولا معنى لجواز اعتقاد الوجوب ، ومع ذلك فلا تعارض بين الاعتقادين حتّى يستلزم التّخيير أرجحيّة أحدهما ؛ فإنّ الاعتقاد بجواز العمل بالأصل قبل العثور على الدّليل لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد بعد العثور عليه ولا سبيل إلى منع الوجوب وإثبات الجواز مع الاستحباب ويرتفع التّنافي ، وبعد بقاء التّكليف بالأحكام وجواز الاستنباط من خبر الواحد يلزم وجوب العمل به من باب المقدّمة ، ولا يجدي في صحّة التّخيير ؛ كون الاستنباط حينئذ من الأصل ؛ إذ العمل بالأصل إنّما يصحّ عند تعذّر معرفة الحكم بغيره.

والثّاني تخيير في المسألة الفقهيّة وهو يؤدّي إلى اجتماع المتنافيين ؛ فإنّ جواز الواجب أو استحبابه غير معقول ، وجعله من باب التّخيير بين العمل بالخبرين المتعارضين أو فتوى المجتهدين غير مستقيم ؛ لأنّ ذلك تخيير عند الاضطرار ، بخلاف المقام فإنّ الآية واردة في حق الحاضرين المتمكنين من معرفة الأحكام ، إلاّ أنّ التخيير هناك إرشاد لطريق العمل ، لا لمعرفة أنّ أحدهما هو الحكم الشّرعي بالخصوص ». انتهى ملخّصا (١).

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٢٧٣.

١٨٧

إيراد الفصول على المحقق القمّي

وأورد عليه الفاضل الملخّص بعد نقله ، بقوله :

« وفيه نظر ؛ لأنّ المفهوم من التّحذير إنّما هو العمل على حسب إنذارهم من فعل أو ترك دون الإتيان به على الجهة الّتي اشتمل إنذارهم عليها ؛ إذ التّحقيق : أنّ نيّة الوجه غير معتبرة ، وقد وقع نظير ذلك في السّنن عند من يتسامح في أدلّتها ؛ إذ كثيرا ما يدل الخبر على وجوب فعل ، أو ترك ، وهم يعملون به على وجه الاستحباب ؛ نظرا إلى قصوره عن إفادة الوجوب.

لا يقال : الإخبار بوجوب شيء ، أو تحريمه يستلزم الإخبار بجواز الإتيان به بنيّة الوجوب أو تركه بنيّة التّحريم. فإذا كان مفاد الآية استحباب العمل بخبرهم مطلقا لزم المحذور المذكور ، وكذا لو فرض تصريح المخبر بذلك.

لأنّا نقول : الإخبار بالجواز لا يعدّ إنذارا ، فيخرج عن مورد الآية. ولو عمّ الحكم إليه بالإجماع المركب يمكن التّمسك به من أوّل الأمر ، ولم يحتج إلى التّطويل المذكور.

ثمّ ما ذكره : من عدم مساعدة التّأويل المذكور على التّخيير بين العمل بالأصل والخبر الواحد ، واضح الاندفاع ؛ لأنّ المستفاد من الآية جواز العمل بخبر الواحد ، فحمله على الوجوب التّخييري لا يقتضي إلاّ التّخيير بين العمل بخبر

١٨٨

الواحد ومعادله لا التّخيير في مؤدّاهما ، مع أنّه أيضا غير مستقيم ، كما عرفت.

ولقد كان له أن يتمسّك أيضا : بأنّ خبر الواحد قد يقتضي الوجوب التّعيني فلا يعقل أن يجب على التّخيير العمل بالواجب التعيني.

وما ذكره : من أنّ التّخيير في المسألة الأصوليّة راجع إلى التّخيير بين اعتقاد الوجوب وعدمه غير مستقيم ، بل راجع إلى التّخيير في البناء على حجيّة كلّ من الدّليلين.

وأما ما ذكره : من أنّ التّخيير هنا في مقام الاختيار ، والتّخيير بين الخبرين المتعارضين والفتاوى المتعارضة تخيير عند الاضطرار ، فإن أراد أنّ التّخيير في الصّورتين ، إنّما يثبت حال الاضطرار ، فهو لا ينافي التّنظير. وإن أراد أنّ التّخيير بين الدّليلين لا يكون إلاّ عند الاضطرار ، فهو في محلّ المنع.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ ما ذكره من أنّ الاستحباب يجمع مع الوجوب التّخييري قد أوضحنا فساده في بعض مباحث النّهي » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وأنت خبير بأنّ ما أفاده المحقّق القمّي قدس‌سره في المقام ، وإن لم يخل عن أنظار ، إلاّ أن ما أفاده هذا الفاضل من النّظر في كلامه لا يخلو عن أنظار أيضا غير مخفيّة على المتأمّل ، يطول المقام بذكرها.

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٧٣.

١٨٩

(١٠٩) قوله قدس‌سره : ( كما في قولك : تب لعلّك تفلح ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٧ )

أقول : تمام الأمثلة المذكورة لما لا يكون متعلّقا للتّكليف ؛ ضرورة أنّ الفلاح ودخول الجنّة وتذكّر الغير وخشيته ، ليس ممّا يقبل لتعلّق التّكليف. وهذا لا ينافي لزوم ما يكون سببا لها ، وتعلّق التّكليف به ، فإن كانت الغاية ممّا يتعلّق التكليف به ، فيجب بوجوب ذيها ، وإلاّ فيجب تحصيلها بفعل ما يكون سببا لها ، هذا وقد يقال : إنّ وجوب النّفر ، والإنذار مستلزم لوجوبها ؛ من حيث إنّ وجوب الشّيء يستلزم وجوب ما يجب له ، كما حقّق في بحث مقدّمة الواجب. وعلى هذا القول يلزم كون الغاية ممّا يقبل تعلّق التّكليف مطلقا فتدبّر.

(١١٠) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : المراد بالنّفر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٨ )

أقول : المراد أنّه كما يترتب التّفقّه والبصيرة في الدّين قهرا على الجهاد كذا يترتب الإنذار والإخبار عند رجوعهم إلى المدينة قهرا بحكم العادة عليه ، كما يشاهد من المسافرين إلى غير الجهاد من الأسفار ؛ فإنّهم لا يزالون يخبرون عمّا وقع في أسفارهم فاللاّم ليس للغاية ، بل للعاقبة. فالإخبار ليس واجبا ، حتّى يلزم من وجوبه وعدم قبوله لغويّته.

(١١١) قوله قدس‌سره : ( قلت : أوّلا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٨ )

أقول : المراد أنّه بعد الفراغ عن ظهور الآية في إيجاب النّفر للتّفقّه والإنذار من حيث ظهور اللاّم في الغاية ، وأنّ الأمر بالنّفر من جهة ليس هناك قرينة للمعتبرة

١٩٠

صارفة عن هذا الظّهور ؛ فإنّ ظهور السّياق ـ على تقدير تسليمه ـ ليس من الظّهورات اللّفظية ، حتّى يزاحم ظهور اللّفظ. فضلا عن أن يصير متقدّما عليه ، وقرينة صارفة له.

(١١٢) قوله قدس‌سره : ( وثانيا : لو سلّمنا ) ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٩ )

أقول : ليس المراد أنّ مدلول الآية أمران وشيئان ، بل المراد : أنّ الغرض من الآية ومفادها بعد الإغماض ، بيان كيفيّة الخروج إلى الجهاد المفروغ وجوبه المعلوم من الخارج ، وأنّه يجب على النّافرين إلى الجهاد أن يخرج من كلّ فرقة طائفة ؛ لتحصيل التّفقه والإنذار ، حتّى يحصل الغرض من الجهاد وتعلّم الأحكام معا ؛ حيث إنّه واجب كفائيّ ، هذا.

وقد يناقش فيما ذكره من التّقريب لهذا الجواب : بأنّ تعيين الكيفيّة الخاصّة لمجرّد الجهاد من جهة الدّلالة على كونه واجبا كفائيّا وأنّ تخليّة المدينة خلاف الحكمة والانتظام ، وإلاّ عورض : بأنّ التّعلّم كالجهاد يحصل الغرض المقصود منه بفعل الكلّ والبعض معا ، فأيّ داع لتعيين البعض؟ فما هو الجواب هو الجواب.

(١١٣) قوله قدس‌سره : ( وثالثا : أنّه قد فسّر الآية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الاستعانة بالرّواية على إثبات دلالة الآية على حجيّة الخبر ـ مضافا إلى أولها إلى التّمسّك بالسّنة والمفروض التّمسك بالكتاب ـ

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : لو سلّم.

١٩١

محلّ مناقشة ؛ لما عرفت مرارا : من عدم جواز التّمسك منعا وإثباتا في مسألة حجيّة خبر الواحد بخبر الواحد المجرّد ، مع أنّه معارض بما سيذكره من الأخبار الكثيرة الدّالة على خلافه ، وبأنّه لا دليل على اعتبار التّفسير المذكور على تقدير حجيّة خبر الواحد مطلقا ؛ حيث إنّه غير مرويّ عن الأئمّة عليهم‌السلام.

(١١٤) قوله قدس‌سره : ( فليس في هذه الآية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٨٢ )

أقول : المراد من التّخصيص ما عرفت مرارا : من أنّه مجرّد رفع اليد وترك العمل بما دلّ على حرمة العمل بغير العلم ، لا معناه الظّاهر المقابل للورود والحكومة.

ثمّ إنّ المراد من قوله قدس‌سره : ( ولذا استشهد الإمام عليه‌السلام ... إلى آخره ). (١) ليس الاستشهاد باستشهاد الإمام عليه‌السلام على إرادة ما ذكره من الآية الشّريفة ، حتّى يمنع منه بكون الأخبار المذكورة أخبار آحاد لا يعتبر في المقام على تقدير تسليم كونها من الآحاد ، بل الغرض ظهور المعنى المذكور من نفس الآية ، مع قطع النّظر عن كلّ شيء ، وكون استشهاد الإمام عليه‌السلام منطبقا عليه ، فتدبّر.

(١١٥) قوله قدس‌سره : ( الثّاني : أنّ التّفقّه الواجب ليس ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٨٢ )

أقول : حاصل ما أفاده : أنّ الغرض من الآية وأمثالها تعلّم الأحكام الدّينيّة الثّابتة من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتي بلّغها من الله إلى المكلّفين على النّافرين ، والإنذار

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٨٢.

١٩٢

والإخبار بها بعد العلم وإيصالها إلى المتخلّفين الجاهلين ، بحيث يبلغ الحقّ النّفس الأمري ويصل إلى كلّ أحد ، فيصير النّاس كلّهم عالمين بما بلغه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يقتضيه إيجاب التّبليغ على الشّاهد ، فالنّافر مكلّف بتكليفين :

أحدهما : تعلّم ما جاء به من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثانيهما : تبليغ ما تعلّمه إلى غيره.

والمتخلّف مكلّف بقول ما بلغه من الأحكام الدّينيّة ، فإن علم بأنّ متعلّق إخباره أمر ثابت من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجب قبوله ، وإن لم يعلم به لم يجب عليه القبول ، لا من جهة تعلّق الحكم بالمعلوم ، بل من جهة الشّك في موضوع الخطاب الموجب للشّك في تعلّق الخطاب الإلزامي ؛ فيرجع إلى الأصل كما هو الشّأن في سائر الموارد بل يحكم في المقام وأشباهه ـ من موارد الشّك في وجود الطّريق الشّرعيّ أو طريقيّة الموجود ـ بالحرمة ؛ نظرا إلى أنّها مقتضى الأصل الأوّلي في مشكوك الحجيّة في جميع الموارد.

فينحصر مورد وجوب الحذر في الكتاب بما إذا علم المنذر « بالفتح » صدق المنذر « بالكسر » في إنذاره ، ليس من جهة أنّه مدلول لفظيّ للآية ، بل من جهة دلالة العقل عليه في جميع الخطابات والتّكاليف المتعلّقة بالواقع ؛ من حيث إنّ مدلول الخطاب فيها تابع لوجود موضوعه في نفس الأمر ، إلاّ أنّ تنجزّه على المكلّف وفعليّته في حقّه في حكم العقل مشروط بتبيّنه ؛ ضرورة استحالة العلم بالمحمول ، مع الشّك في وجود الموضوع.

١٩٣

فالمقصود من الآية ليس إنشاء الحكم الظّاهري في مسألة خبر الواحد وإعطاء مسألة أصوليّة يبحث عنها ، بل إنشاء تكليف على العالم بالأحكام الواقعيّة ، يترتّب على إطاعته رفع الجهل عن المكلّفين.

(١١٦) قوله قدس‌سره : ( ثمّ الفرق ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٨٤ )

أقول : قد عرفت الفرق بينهما.

وأنّ الأوّل : راجع إلى كون الآية في مقام الإهمال وإثبات وجوب القبول في الجملة ، من غير أن يكون لها إطلاق يقتضي إيجاب العمل عند الشّك في الصّدق والكذب حتّى يدلّ على المرام وإن احتمل أن يكون المراد الواقعي منها ذلك ، إلاّ أنّها لا تدلّ عليه وساكتة عنه.

وأنّ الثّاني : راجع إلى كونها ناطقة باختصاص مدلولها بما يقتضي في حكم العقل عدم إيجاب العمل إلاّ في صورة العلم بالصّدق ، لا أن يكون مدلولها اللّفظي ذلك كما يتوهّم من العبارة في باديء النّظر ، فالبيان والاشتراط بالعلم على الوجه الثّاني ليس ممّا نطقت به نفس الآية. نعم ، هي ناطقة بأمر يلزمه في حكم العقل عدم تنجّز التكليف عند الشّك في الصّدق.

١٩٤

(١١٧) قوله قدس‌سره : ( الثّالث : لو سلّمنا دلالة الآية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٨٤ )

المراد بالإنذار في الآية

أقول : لا خفاء في أنّ الظّاهر من الإنذار ليس مجرّد الإخبار بالشّيء ، أو بالحكم الشّرعي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام بل هو مقابل البشارة ، فالتّخويف مأخوذ في مفهومه.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى وضوحه ـ : قوله تعالى : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) فإنّه لا معنى لطلب الحذر بقول عقيب الإخبار بقول مطلقا ، فلا بدّ أن يكون هناك مقتضى للحذر ، وليس إلاّ أن يكون هناك تخويف موجب للخوف الدّاعي على العمل ، هذا. مضافا إلى أنّ محلّ البحث في المسألة ليس مختصّا بما تضمّن الخبر حكما إلزاميّا يتوهّم صدق الإنذار من مجرّد تعلّمه ، فتدبّر.

كما أنّه لا خفاء حسبما عرفت في صدر المسألة في أنّ محلّ النّزاع ومورد البحث في مسألة حجيّة خبر الواحد إنّما هو الحكم بصدق الرّاوي فيما يحكيه عن المعصوم عليه‌السلام من السّنة بأقسامها والبناء على حجيّة خبره في النّسبة من غير أن يكون له تعلّق بمدلول السّنة المحكيّة ومراد المعصوم عليه‌السلام منها وعنوان صدورها.

نعم ، قد يجب التخويف على الواعظ للعالم بالأحكام والآمر بالمعروف

__________________

(١) التوبة : ١٢٢.

١٩٥

والنّاهي عن المنكر ، أو على المرشد للجاهل فيما يتوقّف تأثير الوعظ والأمر والنّهي والإرشاد ولو ظنّا على التّخويف ، من باب اللّطف. كما أنّه قد يتضمّن الإعلام بالحكم الشّرعي الإلزامي فيما يجب إطاعته على المستمع ، التّخويف من باب اللّطف ، كالإفتاء بالوجوب والتّحريم في حقّ العامي الّذي يجب عليه العمل بقول المجتهد ورأيه ، فتعيّن حمل الآية عليه ؛ فإنّه يشهد له ـ مضافا إلى ما عرفت : [ من ] (١) الأمر بالإنذار والحذر ـ الأمر بالتّفقّه ؛ فإنّه وإن أطلق على مجرّد تحمّل الخبر فيما كان المتحمّل من أهل العلم ـ وإن لم يكن محلّ البحث في المسألة فيما كان كذلك بل أعمّ منه ـ إلاّ أنّ الظّاهر منه تحصيل الفهم والبصيرة والعلم بالأحكام الدّينيّة.

فإن شئت قلت : إنّه كما لا يصدق على مجرّد نقل الأصوات والأقوال المسموعة عن المعصوم عليه‌السلام ـ ولو كان الناقل من العوام ، بل العجمي الّذي لا يعرف لسان المعصوم أصلا كما هو محلّ البحث في المقام ـ الإنذار ، وعلى العمل عليه حسب اجتهاد المنقول إليه ـ ولو كان مفاد النّقل حكما غير إلزامي في اجتهاده ـ الحذر ، كذلك لا يصدق على مجرّد تحمّل الرّواية ، التفقّه في الدّين ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قيل في دفع الإيراد المذكور : من أنّا نفرض

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

١٩٦

الرّاوي من العلماء وأهل النّظر وملكة الاستنباط ، فإذا وجب قبول روايته وجب قبول رواية غيره بالإجماع المركّب ؛ ضرورة كون الرّاوي مجتهدا وعاميّا لا يفرّق بينهما فيما هو المقصود بالبحث في المقام ؛ فإنّ الرّاوي من حيث كونه ناقلا حاكيا لا يصدق عليه الفقيه ، ومن حيث كونه فقيها لا يجب متابعته إلاّ على مقلّديه ، كما هو واضح.

ومن هنا يظهر : أنّه لا مجال لدعوى الإجماع المركّب ، أو تنقيح المناط في المقام ؛ حيث إنّا لا نسلّم دلالة الآية على حجيّة نقل الفقيه ، ولو قصد به الإنذار فيما كانت الرّواية بزعمه دالّة على الحكم الإلزامي المتضمّن للخوف ، حتّى يلحق نقل العامي به.

نعم ، ما ذكر من البيان مناف لرواية « العلل » (١) الواردة في بيان حكمة وجوب الحجّ المذكورة في « الكتاب » (٢).

بل ربّما يقال : إنّه مناف لسائر الأخبار المذكورة فيه ممّا استدلّ فيه بالآية لوجوب النّفر إلى معرفة الإمام اللاّحق بعد مضيّ الإمام السّابق ، لكن الأمر من

__________________

(١) انظر عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ / ١٢٦ ضمن الحديث الأوّل من الباب ٣٤ وهو طويل جدّا ، وعلل الشرائع : ج ١ / ٣١٧ ، من الباب ١٨٢ عنها الوسائل : ج ٢٧ / ٩٦ ، الباب الثامن من أبواب صفات القاضي ـ ح ٦٥ وفي رواية الفضل عن الإمام الرضا عليه‌السلام إشكال واضح لاختلاف الطبقة.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

١٩٧

جهة رواية « العلل » بل وغيرها بعد كونها أخبار آحاد ، سهل. مضافا إلى ما يقال : من أنّ الإخبار بالإمامة متضمّن للإنذار ، وإلى أنّ الآية بملاحظتها لا بدّ أن ينزل بصورة إفادة الخبر العلم ، فيخرج عن محلّ الكلام ، هذا.

كلام المحقق صاحب الفصول

وممّا ذكرنا كله يظهر : ما في كلام المحقّق القمّي قدس‌سره في « القوانين » في هذا المقام ، وما في كلام بعض أفاضل من قارب عصرنا ؛ حيث إنّه ذكر عند الإشكال في دلالة الآية ما هذا لفظه :

« مع أنّ دلالتها ممنوعة من جهة أخرى أيضا ، وهي : أنّه لا خفاء في أنّ مجرّد الإخبار عن أمر مخوف لا يسمّى إنذارا ما لم يقصد منه التّخويف ، وهذا خلاف طريقة أهل الرّواية ، فإن الّذي يظهر منهم : أنّهم يعنون في رواياتهم مجرّد النّقل والحكاية ـ لا إلزام المجتهد العمل بما يروونه ، بل الأمر في ذلك محال إلى نظره وترجيحه ، ولهذا ترى أنّهم كثيرا ما يروون الرّواية ولا يعملون بها ، وأمّا حيث يقصدون الإلزام فهو في الحقيقة من باب الإفتاء ».

إلى أن قال :

« فإن قلت : فعلى هذا يتعيّن القول بأنّ المراد من الإنذار بطريق الفتوى ».

١٩٨

إلى أن قال :

« قلت : الإنذار بطريق الرّواية قد كان متداولا في العصر الأوّل ومعتبرا ، كما سيأتي التنبيه عليه في بعض المباحث الآتية. وقضيّة الإطلاق تعميم الحكم إليه أيضا. نعم ، يتّجه أن يقال : إذا ثبت بالآية جواز العمل بالخبر عند قصد الإنذار ، ثبت مع عدمه ؛ لعدم قائل بالفرق ».

ثمّ ذكر على الآية إشكالات أخر ، وقال في عدادها ما هذا لفظه :

« ومنها : أنّ المراد بالإنذار ، الإنذار بطريق الفتوى دون الرّواية بقرينة ذكر الفقه. واعتبار قول الواحد فيها خارج عن محلّ البحث. والجواب : أنّ الإنذار يعمّ الإنذار بطريق الفتوى والرّواية ، وتقييده بالأوّل خروج عن الظّاهر من غير دليل ، وليس في لفظ التّفقه دلالة عليه ».

إلى أن قال :

« وقد يقال : لا مدخل للتّفقّه ، أعني : معرفة الحكم في قبول الرّواية ، وإنّما يعتبر ذلك في قبول الفتوى ، فاعتباره في قبول الإنذار دليل على أنّ المراد به الفتوى خاصّة. وجوابه : أنّ التّفقّه لم يعتبر في الآية شرطا ؛ لقبول الإنذار بل جعل غاية للنّفر كالإنذار ، ولا يلزم من جعل أمرين غاية لشيء أن يكون أحدهما معتبرا في الآخر ، ولهذا لا يعتبر في التّفقّه الإنذار. مع أنّ فرض الإنذار بطريق الرّواية مع

١٩٩

عدم التّفقه بعيد جدّا ، والآية واردة على الغالب » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس‌سره.

وفيه أبحاث وأنظار ـ سيّما في الجواب الّذي ذكره قدس‌سره عن قوله : ( وقد يقال : ... إلى آخره ) ـ غير مخفيّة على المتأمّل ، ولو لا مخافة الإطالة والخروج عن وضع التّعليقة لأشرت إلى جميعها ، هذا. مع أنّ كلامه كما ترى صدرا وذيلا ، سؤالا وجوابا لا يخلو عن تشويش واضطراب.

ثمّ إنّ هنا إشكالات ومناقشات على الآية ، مثل : أنّها لا تشمل الإخبار بغير الحكم الإلزامي ، وأنّ غاية مدلولها الظّن بحجيّة الخبر وهي مسألة أصوليّة ، وأنّها خطاب بالمشافهين فلا يشمل المعدومين ، إلى غير ذلك ممّا هو واضح الاندفاع والفساد.

فإنّ الأوّل فاسد ؛ لقيام الإجماع على عدم الفرق ، مضافا إلى ما قيل : من أنّ الحكم الغير الإلزامي أولى بالثّبوت بخبر الواحد ؛ من حيث إنّه يتسامح فيه ، بخلاف الحكم الإلزامي.

والثّاني فاسد بما عرفت ـ في طيّ دفع الإيرادات الفاسدة عن آية النّبأ ـ : من عدم الفرق في حجيّة الظّن مطلقا ، سيّما ظواهر الألفاظ ، بين المسألة الفقهيّة

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٢٧٤.

٢٠٠