بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

الدّلالة المذكورة في محلّه وظهور التّعليل في تبعيّة الحكم المعلول له من حيث كونه من آثاره.

فالتّرجيح ليس من جهة المنطوق والمفهوم ؛ حتّى يرد النّقض بالمنفصلين ، بل من جهة الاتّصال والوجود في كلام واحد ؛ ضرورة عدم استقرار ظهور صدر الكلام حتّى يفرغ المتكلّم منه ، مضافا إلى كون العموم مستندا إلى التّعليل الآبي عن التّخصيص ، المقتضي لحمل المعلول على ما يقتضيه التّعليل عموما وخصوصا ، فيحكم بملاحظة ما ذكر : أنّ الغرض من التّعليق ليس الدّلالة على الانتفاء عند الانتفاء بل مطلب آخر ، فليس هناك في الحقيقة خاصّ يعارض العموم.

فإن شئت قلت : إن التّعليل الجاري في صورة انتفاء الوصف أو الشّرط قرينة على أنّ الغرض من التّعليق على أحدهما الدّلالة على شيء آخر غير المفهوم.

وممّا ذكرنا كلّه تبيّن استقامة ما أفاده قدس‌سره في الجواب عن السؤال بقوله : ( لأنّا نقول ما ذكر أخيرا ... إلى آخره ) (١) وهو المراد أيضا من قول الشّيخ في « العدّة » : من ترك دليل الخطاب أي : مفهوم المخالفة لدليل ؛ فإنّ غرضه من التّرك : الحكم بخلوّ الجملة عن المفهوم وكون الغرض من التّعليق أمرا آخر.

(٨٧) قوله قدس‌سره : ( كما في قول القائل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ المثال المذكور كما يكون مخصّصا يكون معمّما أيضا ؛ فإنّه يتعدّى بحكم التّعليل عن المورد إلى كلّ ما يكون حامضا.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٥٩.

١٦١

ثمّ إنّ قوله قدس‌سره : ( فيكون عدم التّقييد في الرّمّان ... إلى آخره ) (١) مشتبه المراد ؛ إذ الموجود في النسخة السابقة قبل التّغيير قوله : ( لعلّة الحموضة فيه ) (٢) والمراد منه : أنّه لمّا أريد تعليل الحكم بالحموضة ، فلذا ترك التّقييد من حيث حصول الغرض منه بالتّعليل مع شيء زائد وهو الدّلالة على علّيّة الحكم ، وهذا المعنى كما ترى لا يؤدّى بتلك العبارة. وفي النّسخ المصححة قوله : ( لغلبة الحموضة فيه ) (٣) بدل ذلك القول. وقد سمعت عن شيخنا الأستاذ العلاّمة كون العبارة الأصليّة هذه ، وأبدلت بالعبارة السّابقة من جهة التّشابه اللّفظي وقلة معرفة الكاتب. والمراد منه : أنّ التّقييد مستنعن عنه ؛ لوجود الحموضة في أكثر أفراد الرّمان ؛ حيث إنّه يوجب انصرافه إلى الأفراد الحامضة. فكأنّه قال : لا تأكل الرّمّان الحامض ، وهو كما ترى لا محصّل له.

(٨٨) قوله قدس‌سره : ( وهذا الإيراد مبنيّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٠ )

إعتراضات على حمل التبيّن على المعنى الأعمّ

أقول : ابتناء الإيراد على ما أفاده أمر ظاهر ؛ إذ على تقدير إرادة الأعمّ من العلم والاطمئنان من لفظ التّبين الواقع في الجزاء المقابل للجهالة وتسليم حصول الاطمئنان من إخبار العادل بخلاف خبر الفاسق ، لا يكون هناك تعارض أصلا ؛ إذ

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٦٠.

(٢) أنظر هامش : ج ١ / ٢٦٠ من فرائد الأصول.

(٣) نفس المصدر : ٢٦٠ في المتن.

١٦٢

التّعليل ينطبق على ما كان العمل به في معرض الوقوع في النّدم المنتفي مع حصول الاطمئنان بالفرض ؛ لأنّ الواجب بالآية ـ على هذا التّقدير ـ تحصيل الاطمئنان في مورد إخبار الفاسق ؛ من حيث إنّ العمل بدونه في معرض الوقوع في مخالفة الواقع ، فلا يعقل التّعارض حينئذ بين المفهوم وعموم التّعليل.

لكنّه يرد عليه ـ مضافا إلى مخالفة هذا المعنى لظاهر لفظ التّبيّن ـ :

أوّلا : بأنّ إرادة هذا المعنى يلغو الاستدلال بالمفهوم ؛ حيث إنّ الآية بمنطوقها تدلّ حينئذ على حجيّة خبر العادل ، بناء على إرادة الوجوب الشرطي حسبما عرفت : من أنّه لا بد من ابتناء الاستدلال عليها.

وثانيا : بأنّ إرادتها توجب إثبات حجيّة مرتبة خاصّة من مطلق الظن ، وهو الظن الاطمئناني ، من غير نظر إلى خبر العادل ، فيخرج عن محلّ النّزاع. كما أنّه على تقدير إرادة الأعمّ من مطلق الظّن يثبت حجيّة مطلق الظّن كما زعمه في « القوانين » حتّى مع التّمكّن من تحصيل العلم بالواقع. ولا أظنّ أحدا يلتزم بذلك ، وإن كان ربّما يجري في لسان المحقّق القميّ قدس‌سره في « القوانين » ، لكنّه ليس مذهبه كما يظهر من كلماته في الفقه.

نعم ، بعض مشايخنا (١) في « شرحه على الشّرائع » نفى البعد عن الاعتماد على الظّن الاطمئناني حتّى مع التّمكن من تحصيل العلم متخيّلا : أنّه من مصاديق العلم عرفا ، وهو ـ كما ترى ـ زعم لا وجه له ، مضافا إلى اختصاصه بما تعلّق

__________________

(١) الفقيه البطل الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر ، انظر الجواهر : ج ٥ / ٣٣٥ ط دار المؤرخ العربي.

١٦٣

الحكم بالعلم في الشّرعيات لا بالمعلوم كما هو ظاهر.

وثالثا : بعدم إمكان إرادته ؛ من حيث لزوم إرادته خروج المورد من الآية بناء على كونه إخبار الوليد بالارتداد ، أو مطلق الإخبار بالارتداد ؛ ضرورة عدم حجيّة مطلق الظّن الاطمئناني بالارتداد ؛ وتقييده في المورد بما إذا حصل من شهادة العدلين كما ترى ؛ ضرورة أنّ الآية لا تتحمّل هذا النّحو من التّقييد بحيث يبقى على إطلاقها مطلقا ، أو في غير موارد اعتبار شهادة العدلين كما لا يخفى.

فتعيّن إذن إرادة المعنى الأخصّ وهو : التّبيّن العلمي ، وإلى ما ذكرنا أشار إليه بقوله قدس‌سره : ( ولكنّك خبير بأنّ الاستدلال بالمفهوم ... إلى آخره ) (١) نعم ، كلامه في المقام خال عن الإشارة إلى الإيراد الأخير ، وسيشير إليه بعد ذلك.

(٨٩) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ المحكيّ عن بعض ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦١ )

إطلاق الجهالة على السفاهة خلاف الظاهر

أقول : إطلاق الجهالة على السّفاهة وإن كان صحيحا إلاّ أنّه خلاف الظّاهر. والاستدلال له بقوله تعالى : ( فَتُصْبِحُوا ) (٢) الآية ، فاسد جدّا ؛ إذ النّدامة مترتّبة على فعل ما يجوز عند العقلاء ، ومن المعلوم أنّ العمل بخبر الفاسق من دون تبيّن وتفتيش من أمره غير مجوّز عند العقلاء بعد الالتفات إلى عدم ما يردعه عن الكذب ، وإن حصل منه الظّن في ابتداء الأمر كالتّقريب له بقوله : ( ولو كان المراد

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٦١.

(٢) الحجرات : ٦.

١٦٤

الغلط في الاعتقاد ... إلى آخره ) (١) فإنّ الظّاهر من قوله : ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) الآية. وإن كان التعليل بما يكون قبحه مركوزا عند العقلاء ، فلا يقبل التّخصيص ، فحجيّة الأمارات الغير العلميّة في الأحكام والموضوعات ربّما ينافيه ، إلاّ أنّ دليل الحجيّة من جهة كشفه عن تدارك مفسدة مخالفة الواقع على ما عرفت تفصيل القول فيه ترفع القبح العقلي.

نعم ، ما يكون اعتباره في مورد العجز عن تحصيل الواقع ، لا يدلّ التّعليل على المنع عنه ؛ من حيث اختصاصه بصورة التّمكن عن تحصيل العلم بالواقع ، وإن كان التّمثيل لذلك بالفتوى محلّ مناقشة غير مخفيّة ، بل المعلول وهو وجوب التّبيّن ظاهر ، بل نصّ بعد حمل التّبيّن على المعنى الأخصّ في اختصاص الحكم بصورة إمكان تحصيل العلم بالواقع.

نعم ، على القول بحمله على المعنى الأعمّ ، يعمّ صورة عدم الإمكان.

لكنّك قد عرفت فساده.

ومنه يظهر النّظر فيما أفاده بقوله قدس‌سره : ( فالأولى لمن يريد التّفصّي عن هذا الإيراد ... إلى آخره ) (٢) ولذا أمر بالتّأمّل فيه هذا.

وقد يناقش في التّعليل من جهة أخرى ، وهي : أنّ إصابة القوم بجهالة إنّما هي في بعض موارد العمل بخبر الفاسق ، لا في جميع موارده.

ولكنّك خبير بأنّ اختصاص التعليل ببعض موارد العمل بخبر الفاسق لا يدفع

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٦١.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٦٢.

١٦٥

الإيراد عن المفهوم ؛ فإنّ الآية تدلّ ـ بعموم التّعليل ـ : على أنّ كلّما كان العمل به ، في معرض الإصابة لا يجوز العمل به من غير فرق بين خبر الفاسق والعادل وغيرهما.

نعم ، لو جعل الاختصاص حكمة لوجوب التّبين لم يكن مانعا عن الأخذ بالمفهوم. لكنّه بعيد في الغاية ، مضافا إلى بعد الفرق على تقدير الحكمة ، والتّقريب أيضا بعد فرض وجودها في خبر العادل ، فتدبّر.

(٩٠) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أنّ المراد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٣ )

أقول : المراد ممّا أفاده قدس‌سره هو إبطال توهّم كون النّسبة المنطقيّة عموما من وجه ؛ من حيث كون المفهوم أخصّ مطلقا بحسب النّسبة المنطقية من الآيات النّاهية ؛ وإن كان الوجه في تقديم المفهوم كونه حاكما على الآيات النّاهية أو واردا عليها على الوجهين اللّذين تقدّمت الإشارة إليهما. فالمراد من تعيين التّخصيص في كلامه قدس‌سره هو الخروج عن مقتضى الآيات النّاهية بواسطة المفهوم ، فتدبّر.

(٩١) قوله قدس‌سره : ( وربّما يتوهّم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٣ )

مطلق الخارج عن العام لا يوجب انقلاب النسبة

أقول : لا يخفى عليك أنّ التّمثيل بالبيّنة وأمثالها ـ ممّا يعمل به في الموضوعات ـ مبنيّ على شمول المفهوم للموضوعات. كما أنّ الاختصاص من الجهة الأولى مبنيّ على اختصاص الآيات النّاهية بأسرها بصورة التّمكن من تحصيل العلم ، وعدم نصوصيّة الآية من هذه الجهة بحيث يمكن تخصيصها بصورة العجز عن تحصيل العلم ، فيكون للمفهوم على الوجهين جهة عموم لا يشملها

١٦٦

الآيات النّاهية ، وهي : الشّمول لصورة الانسداد والبيّنة العادلة. مع أنّ الآيات النّاهية لا يشملها.

فالّذي يتوهّم : أن يكون خروجه موجبا لانقلاب النّسبة ، لا بدّ أن يكون من قبيل البيّنة ممّا يشمله المفهوم ، وإلاّ فمطلق الخارج عن تحت الآيات النّاهية لا يوجب انقلاب النّسبة ، كما هو واضح.

وإن كانت دعوى اختصاص جميع الآيات النّاهية بصورة العلم في حيّز المنع ، كدعوى عدم نصوصيّة الآية بالنّسبة إلى صورة التّمكن من العلم ؛ حيث إنّك عرفت : أنّ الأمر بالتّبين المنفي مفهوما إنّما هو فيما لو تمكّن من تحصيل العلم ، هذا.

مع أنّ كون النّسبة عموما من وجه ، بالبيان الّذي توهّمه المتوهّم لا يجدي في المقام أصلا بعد ما عرفت : من كون تقديم دليل حجيّة غير العلم على الآيات النّاهية من باب الحكومة ، أو الورود.

فإن شئت قلت : إنّه لا معنى لملاحظة النّسبة بينهما بعد فرض كون التّقدّم من جانب دليل الحجيّة بحسب الرّتبة ، كما هو واضح.

(٩٢) قوله قدس‌سره : ( ويندفع الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٣ )

أقول : اندفاع الأوّل ظاهر ممّا أفاده قدس‌سره ، وممّا ذكرنا في تقريب التّوهّم ؛ حيث إنّ دعوى اختصاص مدلول الآية بصورة الانسداد ـ مضافا إلى أنّ تسليم حجيّة الخبر عند الانسداد يكفي المستدلّ الباني على إثبات حجيّة الخبر في الجملة ، في قبال النّفي المطلق ـ ممّا لا معنى لها أصلا.

١٦٧

(٩٣) قوله قدس‌سره : ( والثّاني : بأنّ خروج ما خرج ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٣ )

لا معنى لتخصيص العام بالخاص الأخص وجعله موردا للإفتراق

أقول : ما أفاده قدس‌سره أمر واضح لا سترة فيه أصلا ، وإن خالف فيه بعض الأصوليّين من المتأخّرين ؛ حيث إنّ تخصيص العام بالخاص الأخص أوّلا فيما إذا ورد هناك عام وورد خاصّ ، أحدهما أخصّ من الآخر وجعله مادّة لافتراق الخاص الأعمّ لا معنى له ، بعد فرض كون النّسبة بينهما وبين العام نسبة العموم والخصوص ؛ إذ التّرجيح والتّقديم في العلاج ، وقلب النّسبة ممّا لا يساعده العرف أصلا.

فإن شئت قلت : إنّ النّسبة بين الخاص الأعمّ والعام ، إمّا يلاحظ قبل تخصيصه بالخاصّ الأخصّ ، أو بعده. فإن لو حظت قبل التّخصيص وبملاحظة الوضع للعموم ، فلا ريب أنّ النّسبة هي العموم والخصوص بهذه الملاحظة بالفرض. وإن لو حظت بعد التّخصيص بالخاصّ الأخصّ ، وما أريد من العامّ والخاص الأعمّ ، فلا شبهة أنّ التّخصيص لا يعيّن المراد من العام. وإنّما هو قرينة صارفة عن العموم ، لا معيّنة لإرادة تمام الباقي إلاّ بضميمة عدم التّخصيص وعدم خروج فرد آخر ، ومن المعلوم أنّه لا يعمل بالأصل عند قيام الدّليل على التّخصيص.

نعم ، لو كان الخاصّ الأخصّ من المخصّص المتّصل كالتّخصيص بالشّرط ، والغاية ، والوصف ، ونحوها حكم بانقلاب النّسبة بين العام المخصّص به ، والخاص الأعمّ المنفصل ؛ من حيث كونه قرينة صارفة ومعيّنة. وهذا بخلاف المخصّص المنفصل. هذا ، وتفصيل القول في ذلك يطلب من محلّه.

١٦٨

ولعلّنا نتكلّم فيه زائدا على هذا في طيّ التّعليقة عند عنوانه في الجزء الرّابع من « الكتاب ».

(٩٤) قوله قدس‌سره : ( أمّا أوّلا : فلأنّ دخوله ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٤ )

أقول : حيث إنّ نقل الإجماع على المنع عن العمل بخبر العادل من النّاقلين خبر عادل ، ومن هنا بني حجيّته على حجيّة خبر الواحد ، حسبما عرفت تفصيل القول فيه ، فلو كان مشمولا للمفهوم كان بعمومه شاملا لنفسه ، ويلزم منه عدم حجيّته. وهو ما أفاده : من كون دخوله مستلزما لخروجه ، ومن حجيته عدم حجيّته ، فيمتنع شمول الآية له ؛ ضرورة أنّ ما يستلزم وجوده عدمه محال.

وما قيل : من عدم شمول نقل الإجماع على المنع لنفسه ـ كما عن بعض مشايخ شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره ـ فيظهر وجه فساده ، مضافا إلى ما ذكره في « الكتاب » : من أنّ عدم الشّمول مستند إلى قصور اللّفظ ، لا للفرق من حيث المناط ، ممّا ستسمعه في دفع الإيراد الّذي يتلو هذا الإيراد.

(٩٥) قوله : ( وأمّا ثانيا : ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٥ )

أقول : المراد من الإجماع على تقدير إمكان الشّمول ذاتا هو الاتّفاق من الجميع على تخطئة المدّعي في دعوى الإجماع ؛ حيث إنّ المنكر لحجيّة خبر الواحد يسلّم كون المسألة خلافيّة ، لا الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام ؛ حيث إنّ المسألة ليست شرعيّة ، حتّى يكشف اتّفاقهم عن رأي المعصوم.

مضافا إلى منع تسليم المنكر ؛ لكون المسألة خلافيّة ؛ نظرا إلى دعوى جميع المنكرين الإجماع على عدم الحجيّة في المقام. فلعلّه الوجه في أمره بالتّأمّل ، أو الوجه السّابق الرّاجع إلى عدم كشف هذا الاتّفاق عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، فتأمّل.

١٦٩

(٩٦) قوله قدس‌سره : ( وقد أجاب بعض من لا تحصيل له ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٥ )

أقول : لا يخفى عليك ، أنّ الجواب المذكور في كمال الوضوح من الفساد ، بل لا يظنّ تصوّره من قائله :

أمّا أوّلا ؛ فلأنّ حجيّة الإجماع المنقول على زعم المورد مدلول الآية ، فكيف يقال : إنّ ظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار والإجماع المنقول مظنون الاعتبار؟

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ الظّن إن لم يعلم اعتباره ، فكيف يعارض مقطوع الاعتبار؟

وإن علم اعتباره ، فأين مظنون الاعتبار؟ وبالجملة : الجواب المذكور ساقط جدّا.

(٩٧) قوله قدس‌سره : ( ومنها : أنّ الآية لا تشمل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٥ )

في انه لا معنى لإنصراف النبأ إلى الإخبار عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة (١)

أقول : لا يخفى عليك ، أنّ ظاهر هذا الإيراد ، أنّ الإخبار عن الإمام عليه‌السلام بواسطة ، أو بوسائط من مصاديق الإخبار عن الإمام عليه‌السلام ، إلاّ أنّ النّبأ منصرف إلى غيره. وهو : الإخبار بلا واسطة عن الإمام عليه‌السلام ، فلا يشمل الآية الأخبار المرويّة عن الحجج عليهم‌السلام في أمثال زماننا فلا تنفعنا ، وإن نفعت من وصل إليه المرويّ

__________________

(١) انظر تعليقة السيّد علي القزويني قدس‌سره على المعالم : ج ٥ / ٢٢٧ وتعليقة السيّد عبد الحسين اللاّري على الفرائد : ج ١ / ٣٣٦ ، والكفاية : ص ٢٩٧ ، وفوائد الأصول : ج ٣ / ١٧٧ ، ونهاية الدراية : ج ٣ / ٢١٨ ، ومقالات الأصول : ج ٢ / ٩٣ ، ونتائج الأفكار : ج ٣ / ٢٣٨ ، ومصباح الأصول : ج ٤٧ / ٢٠٨ وبحوث في علم الأصول : ج ٤ / ٣٦٣ ، وتنقيح الأصول : ج ٣ / ١٧٤ ، ومنتقى الأصول : ج ٤ / ٢٧٠.

١٧٠

عنهم عليهم‌السلام بلا واسطة ممّن عاصرهم أو قارب عصرهم عليهم‌السلام.

وهذا الإيراد ـ كما ترى ـ في كمال الضّعف والسّقوط ؛ إذ على تقدير تسليم الصّدق لا وجه للانصراف أصلا. وإن اعتبر الانصراف بالنّسبة إلى خبر الواسطة لا الإمام عليه‌السلام ، فأوضح فسادا ، فإنّه لا وجه للانصراف إلى غيره بعد فرض العلم بالصّدق.

نعم ، وجود خبر الإمام عليه‌السلام أو غيره ممّن يكون واسطة بين من أخبرنا والإمام عليه‌السلام ـ فيما فرض تعدّد الوسائط ـ غير معلوم. لكنّه لا دخل له بالانصراف المدّعى في كلام المورد. فالجواب عن الإيراد المذكور لا يتوقّف على فرض تعدّد الأخبار بتعدّد الوسائط ؛ حتّى يتوجّه عليه الإشكال المذكور في « الكتاب ».

نعم ، هو إشكال مستقلّ لا تعلّق له بالإيراد المذكور أصلا. وحاصله : أنّ الحجّة في الأحكام هي السّنة. ولو كان الخبر راجعا إلى الحكاية عنها كان معنى حجيّة الحكم بصدور السّنة وترتيب آثارها على المخبر عنه ، ولو لم يكن خبرا عنها ، بل كان خبرا عن قول الإمام عليه‌السلام وخبره وإن كان متعلّقه خبر المعصوم عليه‌السلام لم يكن معنى لحجيّته ؛ لعدم وجود السّنّة لا على وجه التّحقيق ولا على وجه التّنزيل. اللهمّ إلا أن يقال : إنّ الوجود التّنزيلي لخبر من يخبر عن المعصوم عليه‌السلام ، عين الوجود التنزيلي لخبره عليه‌السلام ، فتأمّل.

(٩٨) قوله قدس‌سره : ( ولكن قد يشكل الأمر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٧ )

أقول : الإشكال في المقام من وجهين :

أحدهما : من حيث شمول الآية لخبر من يخبرنا عن الواسطة ـ كخبر الشّيخ في مثال « الكتاب » ـ ؛ نظرا إلى أنّ معنى حجيّة الخبر ووجوب تصديقه هو ترتيب

١٧١

ما كان مترتّبا على المخبر به على تقدير ثبوته من المحمولات الشّرعيّة الواقعيّة النّفس الأمريّة في مرحلة الظّاهر ، كما هو معنى حجيّة غيره من الأمارات المعتبرة. ومن المعلوم أنّ المراد من الأثر الشّرعي للمخبر به غير ما ثبت بنفس الآية ؛ إذ لا معنى لإرادة الأعمّ منه ، والمفروض أنّه لا يترتّب شرعا على خبر الواسطة الّذي أخبرنا العادل به ، إلاّ وجوب التّصديق المجعول بنفس الآية.

ثانيهما : من حيث شمولها لخبر الواسطة ؛ نظرا إلى أنّ طريق إثباته نفس الآية. فكيف يشمله؟ حيث إنّ الموضوع لا بدّ أن يكون مفروغ الثّبوت مع قطع النّظر عن المحمول ، وإذا فرض ثبوته بالمحمول المتأخر عنه فلا يمكن شموله له. وهذا معنى ما في « الكتاب » من الإشكال.

والوجه الأوّل راجع إلى عدم إمكان صيرورة الآية واسطة لإثبات خبر الواسطة. والوجه الثّاني راجع إلى عدم إمكان شمول الآية لخبر الواسطة بعد فرض ثبوته بالآية ، والغضّ عن الإشكال الأوّل. وقد أشرنا إلى الإشكال الأوّل ودفعه مع التّأمل فيه. ولا فرق في توجّه الإشكال المذكور بين كون المنقول خبر واحد ، أو المتواتر.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ثبوت المخبر به من اللّوازم العادية لخبر المتواتر فالحكم الشّرعي المترتّب عليه مترتّب على متعلّق خبر من يخبرنا بالتّواتر بالواسطة ، فالمخبر به وإن لم يكن له حكم شرعيّ من دون واسطة ، إلاّ أنّ له حكما شرعيّا مع الواسطة ، ولا فرق في حجيّة الأمارات الشّرعيّة بين أقسام الأحكام المترتّبة على مواردها ، وليست كالأصول. حتّى يقال فيها بالتّفصيل والفرق ، فتأمّل.

١٧٢

وما يقال ـ في دفع الإشكال عن المقام وغيره ـ : من أنّ وجوب نقل الأخبار أو رجحانه على اختلاف الموارد من الأحكام الشّرعيّة المترتّبة على الخبر إذا تعلّق بالأمور الشّرعية بالمعنى الأعمّ الثّابت في حالات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وغزواتهم في قبال الأمور العادية فلا يتوقّف شمول الآية لخبر من يخبرنا عن الخبر على جعل الأثر الشّرعي المتوقّف عليه حجيّة الخبر وشمول الآية أعمّ من الأثر الثّابت بنفس الآية المستحيل بحكم العقل ، كما ترى.

(٩٩) قوله قدس‌سره : ( ولكن يضعّف هذا الإشكال أوّلا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٦٨ )

أقول : وجه الانتقاض بالنّسبة إلى الإقرار بالإقرار واضح ؛ حيث إنّ الّذي يفيد ويترتب عليه الحكم الشّرعي وإلزام المقرّ بمقتضاه ، هو الإقرار بالحقّ. والمفروض أنّ طريق وجوده والحكم بثبوته هو نفس الإقرار به. فلا بدّ أن يجعل شمول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) (١) للإقرار بالإقرار الثّابت وجدانا ، مثبتا للإقرار بالحقّ المشكوك وجوده ، فيجعل بعد الثّبوت موضوعا لأدلّة الإقرار.

بل قد يقال : بأنّ المقام أولى بالثّبوت ؛ حيث إنّ الحكم فيه مترتّب على نفس الخبر من غير اعتبار أمر آخر. وفي باب الإقرار مترتّب على الإقرار على النّفس

__________________

(١) كتب الإستدلال الفقهيّة ، عنها وسائل الشيعة : ج ٢٣ / ١٨٤ باب صحة الإقرار من البالغ العاقل ولزومه له ـ ح ٢ وانظر التنقيح الرائع : ج ٣ / ٤٨٥ ، وغوالي اللئالي : ج ١ / ٢٢٣ ـ ح ١٠٤ وج ٢ / ٢٥٧ ـ ح ٥ وج ٣ / ٤٤٢ ـ ح ٥ ـ والحظ جواهر الكلام : ج ٣٥ / ٣ ، والقواعد الفقهيّة للسيّد المحقق الفقيه البجنوردي : ج ٣ / ٤٥ وكيف كان فإن في صحّة كونه حديثا إشكالا واضحا.

١٧٣

لا مجرّد الإقرار ، والإقرار بالإقرار ليس إقرارا بالحقّ ؛ حتّى يكون إقرارا على النّفس ، وجعله إقرارا على النّفس ـ من حيث كونه طريقا للإقرار بالحقّ ـ دوريّ.

اللهمّ إلاّ أن يقال : بكونه إقرارا على النّفس عرفا ؛ حيث إنّ الإقرار على الإقرار في حكم العرف وعندهم اعتراف بما يضرّ النّفس الإنساني. بل قد يقال : بكون نفس الإقرار المذكور طريقا لإثبات الحقّ عرفا ، كالإقرار بالحقّ من غير توسيط مطلب آخر.

ومن هنا يفرّق بين الإقرار بالملكيّة السّابقة للمدّعي والبيّنة عليها ؛ حيث إنّ الإقرار بنفسه موجب لقلب الدّعوى ، بخلاف البيّنة على الملكيّة السّابقة ، مع كون متعلّقها أمرا واحدا بالفرض وإن كان هذا القول فاسدا عند التّأمل ، والفرق صحيحا ، فالنّقض لا محيص عنه ، بل هذا النّقض وارد على الإشكال الأوّل الّذي عرفته منّا ، كما هو واضح عند أدنى تأمّل ، هذا.

وأمّا وجه الانتقاض بالنّسبة إلى إخبار العادل بعدالة مخبر ـ بعد البناء على شمول الآية للتّعديلات والإخبار بالعدالة كما هو المسلّم بينهم ـ فهو : أنّ الحكم في المفهوم شرطا كان أو وصفا متعلّق على بناء العادل. فكما أنّ الآية لا تصير واسطة لإثبات النّبأ في المشكوك بمعنى عدم إثباتها حجيّته ووجوب تصديقه على ما عرفت ، كذلك لا تصير واسطة لإثبات الحكم فيما ثبت عدالة مخبره بنفس الآية ، حذوا بحذو ؛ لاتحاد المناط ، ووحدة جهة المنع والامتناع.

١٧٤

(١٠٠) قوله قدس‌سره : ( وعدم قبول الشّهادة ... إلى آخره ). (١) ( ج ١ / ٢٦٨ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره دفع لتوهّم ما يرد على النّقض ؛ من حيث إنّه إذا أمكن صيرورة شمول حكم العام لبعض الأفراد واسطة لإثبات فرد آخر منه ، يتعلّق به حكم العموم ، فما المانع من إثبات شهادة الفرع شهادة الأصل؟ فيحكم بها بمقتضى أدلّة اعتبار الشّهادة مع أنّهم لم يلتزموا به.

وحاصل وجه الدّفع ـ مضافا إلى الالتزام به في الجملة عندهم ، كما إذا تعذّر حضور الأصل من جهة مرض أو مانع آخر ـ : أنّ المانع من القبول في المثال والفرض هو استفادة اعتبار إقامة الشّهادة على الحقّ عند الحاكم وفي محضره من دليل اعتبار الشّهادة في صورة الإمكان.

(١٠١) قوله قدس‌سره : ( وثانيا : بالحلّ ... إلى آخره ) (٢). ( ج ١ / ٢٦٨ )

أقول : حاصل ما أفاده قدس‌سره ـ وإن كانت العبارة قاصرة عن بيانه في أوّل النّظر ـ : هو أنّ الممتنع على تقدير التّسليم هو شمول حكم العام لما صار من الأفراد شموله للفرد المفروغ عن فرديّته واسطة لثبوته ـ كما في المثال المذكور ؛ حيث إنّه بعد حمل صادق أو كاذب على كلّ خبريّ يوجد عنوان الخبريّة ، ويحدث لنفس هذه القضيّة ، فيمتنع تعلّق المحمول على نفسها ، لا لما صار الشّمول لبعض الأفراد واسطة لإثباته ، كما في المقام ؛ ضرورة أنّ وجود خبر المفيد مثلا في نفس الأمر لا يتوقّف على إخبار الشّيخ قدس‌سره عنه ، فضلا عن أن يتوقّف على اعتباره.

__________________

(١) أنظر هامش فرائد الاصول : ج ١ / ٢٦٨ رقم (١).

(٢) انظر هامش رقم (٢) من : ج ١ / ٢٦٨.

١٧٥

والفرق بين الأمرين لا يكاد أن يخفى ، هذا.

والحقّ أن يحرّر المقام بتقديم الجواب الثّالث على الثّاني وتبديل عنوانهما وجعل كلّ منهما جوابا حلّيّا ؛ ضرورة أنّ الجواب لا يخرج عن النّقض والحلّ.

ويجاب ثانيا : بمنع امتناع الشّمول حتّى فيما كان واسطة للثّبوت سواء جعلت القضيّة حقيقيّة شاملة للأفراد الخارجيّة والفرضيّة ، أو عرفيّة شاملة لجميع ما يتحقّق في الخارج ، من أفراد الموضوع في الماضي والحال ، أو الاستقبال بالنّسبة إلى زمان التكلّم بالقضيّة ، والتّرتيب بحسب الوجود فضلا عن مجرّد التّأخر ، لا يمنع من الشّمول قطعا. فإذا فرض وجود عنوان الخبريّة بعد الحمل في المثال المذكور ، فأيّ مانع من شمول المحمول؟ وليس إلاّ مجرّد التّرتيب في الوجود ، وهو لا يمنع بعد فرض تحقّق المحمول بكلّ ما يتصف بعنوان الخبريّة ولو بعد زمان التكلّم.

وإن كان المنع راجعا إلى منع وجود أصل الفرد والعنوان من توسيط الشّمول ، فهو إشكال آخر ، لا تعلّق له بالإشكال المذكور ، مضافا إلى مخالفته للحسّ والوجدان ، كما هو المشاهد في المثال المذكور. ومن هنا ذكر في « الكتاب » : ( بل لا قصور في العبارة ) (١) وإن كان قوله قدس‌سره : ( فهو مثل ما لو أخبر زيد ... إلى آخره ) (٢) بعد نفي القصور متعلّقا بما ذكره قبل التّرقّي من تسليم القصور.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٢٦٩.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٧٠.

١٧٦

ويجاب ثالثا : بالفرق بين قسمي الواسطة على التّسليم والمماشات والإغماض عن الجواب الثّاني ، بما نبّه عليه قدس‌سره.

(١٠٢) قوله قدس‌سره : ( ويجعل المراد من القبول ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ جعل المفهوم قضيّة مهملة ربّما ينافي القول بالمفهوم المبتني على السّببيّة التّامة للتّعليق على الشّرط أو الوصف ، إلاّ بالبيان الّذي تجيء الإشارة إليه في الكتاب على تأمّل في تماميّته ، كما ستقف عليه.

ثمّ إنّ ابتناء منع الإجماع والأولويّة على ما ذكر من جعل المفهوم قضيّة مهملة ؛ حيث إنّه لم يقل أحد باعتبار الانضمام في حجيّة خبر العدل في الأحكام ، مبنيّ على تسليم الإجماع والأولويّة على تقدير حجيّة خبر العدل في الموضوعات بعنوان الإطلاق ، ولا يشترط كما هو الحقّ. وإلاّ فلا يتوقّف على جعل القضيّة مهملة في الموضوعات ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ فساد الإيراد المذكور المبنيّ على تخيّل كون الفحص عن المعارض في معنى التبين في الخبر والفحص عن صدقه وكذبه ، أوضح من أن يبيّن ؛ ضرورة ثبوت الفرق بينهما ، بكون الأوّل دليلا على الحجيّة والثّاني منافيا لها.

(١٠٣) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أنّ غاية الأمر لزوم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧١ )

أقول : ما أفاده من البيان هو المشهور بينهم في الاستدلال بالآية الشّريفة لحجيّة خبر العدل في الأحكام والموضوعات معا.

وقد يناقش فيه : بأنّ المفهوم مدلول التزامي للمنطوق تابع له إطلاقا وتقييدا ، وليس له لفظ بخصوصه ؛ حتى يرتكب التّقييد فيه بالنّسبة إلى بعض أفراد موضوعه ومورده ، هذا.

١٧٧

مضافا إلى أنّ مبنى المفهوم على استفادة العليّة التّامّة من التّعليق والجمع بين استفادة حكم الخبر في الموضوعات والأحكام مع العمل بالإطلاق في الثّاني دون الأوّل يلزم حمل القضيّة على المهملة والمطلقة ، فلا يجامع استفادة العليّة التّامّة من التّعليق مع الغضّ عن عدم إمكان الجمع بينهما.

والقول : بأنّ كلاّ من خبري العدل لا يجب التّبيّن فيه في الموضوعات لا ينفع في دفع الإشكال ؛ فإنّه وإن لم يجب التّبيّن فيه إلاّ أنّه لا يجب قبوله وترتيب الأثر عليه بمجرّده.

وبالجملة : فرق بين جعل الخبر تمام السّبب وجزئه ، فتأمّل. ومن هنا حكم بعض أفاضل من قارب عصرنا بكونه تكلّفا فاحشا (١).

(١٠٤) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أنّ ظهور اللّفظي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٢ )

منافات ما ذكره هنا لما في تنبيهات دليل الإنسداد

أقول : ما أفاده قدس‌سره : أوّلا : من جواز التمسّك بظواهر الألفاظ في أصول الفقه كمنعه من جواز التّمسّك بالظّن مطلقا ، من غير فرق بين الظّواهر وغيرها في أصول الدّين ممّا لا إشكال فيه ، وستقف على تفصيل القول في المنع الّذي أفاده.

وأمّا ما أفاده ثانيا بقوله : ( والظّن الّذي لا يتمسّك به في الأصول مطلقا هو مطلق الظّن ، لا الظّن الخاص ) (٢). فربّما يناقش فيه ـ بما يأتي في « الكتاب » في

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٢٧٥.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٢٧٣.

١٧٨

التّنبيه الأوّل من تنبيهات دليل الانسداد ـ : من عدم الفرق في النّتيجة ، حتّى على تقدير كونها التبعيض في الاحتياط ، فضلا عن الحجيّة بين الظّن في المسألة الأصوليّة العمليّة والفقهيّة ، خلافا لمن خصّها بالأولى ولمن خصّها بالثّانية ، فإذن لا يلائم المنع المذكور ما أفاده هناك من التعميم ، وجعل نفي التّمسّك راجعا إلى الإطلاق شطط من الكلام ؛ ضرورة ثبوت منع التّمسك بهذا العنوان في الظّن الخاصّ أيضا.

(١٠٥) قوله قدس‌سره : ( لأنّ المراد الفاسق ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٣ )

أقول : لا يخفى عليك ، أنّ كون المراد الفاسق الواقعي ، لا ينتج دلالة الآية على وجوب التّبين في مشكوك الفسق ؛ ضرورة أنّ الدّليل الدّال على إثبات الحكم لموضوع واقعي ، لا دلالة فيه على الحكم في مورد الشّك في وجود الموضوع ، وإن كان الحكم بعدم الحجيّة في مشكوك الفسق والعدالة صوابا ، إلاّ أنّه ليس من جهة دلالة الآية ، بل من جهة أنّ الأصل عدم الحجيّة ، هذا.

مضافا إلى أنّ العلم بانتفاء الفسق في نفس الأمر لا يلازم كون المخبر معصوما ؛ فإنّ الطّفل أوّل بلوغه قبل اشتغاله بالمعصية لا يكون فاسقا يقينا ، وإن لم يكن عادلا.

(١٠٦) قوله قدس‌سره : ( وأمّا احتمال فسقه بهذا الخبر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٤ )

أقول : الأولى في وجه عدم الاعتناء بهذا الاحتمال أن يقال : إنّ احتمال الكذب منفيّ بحكم الشّارع بعدم وجوب التّبين في خبر العادل وحجيّته ؛ ضرورة أنّ معنى حجيّته عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه.

١٧٩

(١٠٧) قوله قدس‌سره : ( ولكن لا يخفى : أنّ حمل التّبيّن على تحصيل مطلق الظّن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٧٦ )

أقول : قد عرفت توضيح الكلام في الاستدراك ، وأنّه حقّ لا محيص عنه ، فإنّ حمل التّبين على الظّني ، أو خصوص الاطمئناني منه ـ مضافا إلى أنّ لازمه القول بحجّيّة مطلق الظن ، أو الاطمئناني في الموضوعات الّتي منها مورد الآية والأحكام مع أنّه لم يقل أحد به لا في مورد الآية ولا في غيره من الموضوعات ـ يوجب القول بحجيّة الظن أو مرتبة منه ، مع التّمكّن من تحصيل العلم ، ولو من جهة إطلاق الآية ، وهو كما ترى.

والقول : بتقييده بصورة العجز عن تحصيل العلم في خصوص الأحكام وبما إذا حصل من شهادة العدلين في الموضوعات ، كما ترى.

* * *

١٨٠