بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

فرعيّ في البحث عن المسألة الأصوليّة ، فتدبّر.

ولعلّه يساعدنا التّوفيق ونتكلّم في توضيح القول فيما يتعلّق بهذا الباب في مطاوي كلماتنا الآتية ، إن شاء الله تعالى.

وإذا أحطت بوجوه المسألة علمت : أنّ الحق هو الوجه الثّاني الّذي نسب إلى المشهور ، ومن هنا قال ثاني الشّهيدين : إنّ مخالفة الأصحاب مشكل وموافقتهم من غير دليل أشكل (١).

وممّا ذكرنا في أمر الشّهرة يعلم الكلام في عدم الخلاف ، وأوهن منه عدم ظهور الخلاف ؛ فإنّه قد قيل بحجيّتهما ، مثل الشّهيد قدس‌سره متمسّكا بالوجه الأوّل الّذي عرفت منه في الشّهرة ، ويظهر من غيره من أهل الظّنون الخاصّة في بعض الموارد ، إلاّ أنّه لا وجه لها إلاّ بعض ما عرفت ضعفه.

ثمّ إنّه لم يعلم معنى محصّل لما أفاده الشّهيد من التّعميم بقوله المتقدّم (٢) ؛ سواء كان اشتهارا في الرّواية ، أو في الفتوى ، فإنّ حجيّة الشّهرة في الرّواية ممّا لا يتوهّمه أحد ، فراجع إلى كلامه لعلّك تظفر على حقيقة مرامه (*).

__________________

(١) لم نجده فيما بايدينا من كتب الشهيد الثاني قدس‌سره ووجدناه في عبارة لسبطه السيد السند في مدارك الأحكام : ج ٤ / ٩٥.

(٢) ذكرى الشيعة : ج ١ / ٥١.

(*) إنتهى الجزء الأوّل من بحر الفوائد بحسب تجزئتنا للكتاب وآخر دعوانا ـ بعد الصلاة على محمّد وآله ـ أن الحمد لله ربّ العالمين.

١٢١
١٢٢

* في حجّية الخبر الواحد

أدلّة المانعين

أدلة المجوّزين

١ ـ الكتاب

آية النبأ

آية النفر

آية الكتمان

آية السؤال

آية الأذن

٢ ـ السنّة

٣ ـ الإجماع

٤ ـ دليل العقل

١٢٣
١٢٤

* في حجية الخبر الواحد

(٦١) قوله قدس‌سره : ( ومن جملة الظّنون الخارجة بالخصوص ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٣٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ المراد بخبر الواحد في كلماتهم بقول مطلق ما يقابل المتواتر المفيد للعلم بالمخبر به من كثرة المخبرين ، فيعمّ جميع الأخبار الغير المفيدة للعلم ذاتا من الأقسام الأربعة المعروفة وغيرها ، بل المستفيض وغيره ، فيعمّ ما يفيد العلم من جهة القرينة الخارجيّة ، كما أنّه يشمل ما يطابق القرائن الأربع ، أعني : الأدلّة الأربعة ، وإن كان محلّ البحث والكلام غير ما يفيد العلم ، بل غير ما اقترن بإحدى القرائن الأربع ، وإن لم يوجب الاقتران العلم ، حسبما تقف على تفصيل القول فيه.

فما يستفاد من كلام غير واحد : من أنّ البحث في مطلق ما لا يفيد العلم من خبر الواحد وإن وافق الكتاب والسّنة ، كما ترى.

ويكفيك في هذا تخصيص الشّيخ في « العدّة » النّزاع في المسألة بغير صورة وجود إحدى القرائن الأربع (١). كما أنّ المراد منه في المقام : خصوص ما يحكي السّنة من النّبويّة والإماميّة بأقسامها الثّلاثة ، وإن كان المراد منه بقول مطلق ما

__________________

(١) انظر عدّة الأصول : ج ١ / ١٤٣.

١٢٥

يقابل المتواتر ، وإن لم يكن حاكيا عن السّنة.

ثمّ إنّ القول بالحجيّة في الجملة في محلّ البحث في قبال القول بالنّفي والإنكار مطلقا ، وإن كان إجماعيّا على ما سيأتي بيانه ، إلاّ أنّ من المعلوم أنّه لا يجدي إلاّ فيما اتّفق جميع الفرق على حجيّته ، من أقسام الخبر ، بمعنى كونه ثابتا على جميع الأقوال ، ومن هنا يستدلّ بهذا الإجماع على بطلان القول بالإنكار مطلقا فتدبّر.

(٦٢) قوله قدس‌سره : ( اعلم أنّ إثبات الحكم الشّرعي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٣٧ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره : من توقّف إثبات الحكم الشّرعي بالأخبار الحاكية للسّنة القوليّة ، على إحراز أمور ثلاثة (١) : الصّدور ووجهه وعنوانه ـ والمراد من القول الصّادر ، وتوقّف تشخيص المراد في الغالب أوّلا : على تشخيص الأوضاع بالمعنى

__________________

(١) قال السيّد المحقق اللاري قدس‌سره :

« وربّما قيل على أربع ، رابعها : دفع الموانع والمعارضات الذي يكفلها باب التعادل والتراجيح. ولكن يدفعه : أن المقتضي لإثبات الحكم الشرعي إنّما هو موقوف على المقدّمات الثلاث خاصّة ، والموقوف على المقدّمة الرابعة إنما هو دفع المانع ». انظر تعليقة السيّد عبد الحسين اللاّري على فرائد الأصول : ج ١ / ٣٠٤.

* وقال سيّد العروة أعلى الله تعالى مقامه :

« بل ما يبحث عنه في هذا الباب خصوص المقدّمة الأولى ، والثلاثة الباقية ليس التكلّم فيها مخصوصا بخبر الواحد غير العلمي ، بل يجري في الخبر المتواتر لفظا والمحفوف بالقرائن العلميّة ، بل يجري في الكتاب العزيز أيضا بالنسبة إلى غير التقيّة فإنّها غير محتملة فيه ». حاشية فرائد الأصول : ج ١ / ٤٢٢.

١٢٦

الأعمّ من الأوضاع الشّخصيّة الموجودة في الحقائق والنّوعيّة الترخيصيّة الموجودة في المجازات ، وثانيا : على تشخيص إرادة مقتضاها أو غيرها ، وأنّ هذه الأمور لو لم يكن قطعيّا فلا بدّ من إحرازها بالطريق الظّني المعتبر ، وإن عقدت مسألة حجيّة أخبار الآحاد لإثبات الصّدور بها لا وجهه ، وتشخيص المراد بعد الفراغ عن الصّدور ؛ فإنّ التكلّم فيهما خارج عن مسألتنا هذه ، وإن كان الأوّل ثابتا بالأصل العقلائي المسلّم الثّابت في كلام كلّ متكلّم ، وعليه اتّفاق العلماء في جميع الأبواب من الأقارير وغيرها والثّاني أيضا ثابتا بقسميه في الجملة ، على ما عرفت تفصيل القول فيه ـ ممّا لا إشكال فيه أصلا.

كما أنّه لا إشكال في أنّ إثبات الحكم بالأخبار الحاكية للسّنة الفعليّة أو التّقريريّة يتوقّف على إحراز الصّدور في القسمين ، وعنوان الفعل في القسم الأوّل ووجه التّقرير وعنوان ما أتي به في محضر الإمام عليه‌السلام في القسم الثّاني ، ولا أصل لإحراز الأوّل في الأوّل ولإحراز الأمرين في الثّاني ، كما هو واضح.

نعم ، التّكلم من حيث الصّدور فيما يحكى عن أحدهما داخل في مسألتنا هذه ، فمرجع الكلام في المسألة إلى أنّه هل يثبت السّنة بقول مطلق بخبر الواحد ، أو لا يثبت إلاّ بما يفيد العلم بالصّدور من تواتر أو قرينة؟

والغرض ممّا أفاده قدس‌سره بيان جهة البحث وتحرير محلّ الكلام في المسألة والإشارة إلى حكم الجهة الخارجة في الجملة.

نعم ، قد يناقش فيما أفاده قدس‌سره اللّطيف : بأنّ إثبات الحكم الشّرعي بالأخبار المرويّة عن الحجج المعصومين عليهم‌السلام الحاكية للسّنة كما يتوقّف على إحراز الأمور

١٢٧

الثّلاثة المنحلّة إلى الأربعة ، كذلك يتوقّف على إحراز عدم المعارض ولو بالأصل فيما شك فيه وكان جاريا ، أو معالجته بأحد أسباب العلاج فيما كان المعارض موجودا ، هذا.

ولكن يمكن الذّبّ عن المناقشة المذكورة : بأنّ الغرض ليس بيان جميع ما يتوقّف عليه إثبات الحكم الشّرعي ولو من جهة دفع المانع عمّا اقتضاه الدّليل الشّرعي ، بل بيان ما يتوقّف عليه دلالة الدّليل بالنّظر إلى أصل اقتضائه للحكم الشّرعي ، فتدبّر.

(٦٣) قوله قدس‌سره : ( ومن هنا يتّضح ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٣٩ )

دخول المسألة في مسائل العلم

أقول : اتّضاح دخول المسألة في مسائل العلم من جهة ما أفاده في تحرير جهة البحث في المسألة وكونها راجعة إلى البحث عن الحكم بثبوت السّنة المفروغ عن حجيّتها بتوسّط إخبار الواحد بها ، لا عن حجيّة السّنة ـ حتّى تبتني دخولها في مسائل العلم على كون موضوع العلم ذوات الأدلّة على ما زعمه بعض الأفاضل ممّن قارب عصرنا (١) ، فالبحث عن حجيّتها بحث عن عوارضها ؛ إذ على القول بكون الموضوع : الأدلّة الأربعة بعنوان دليليّتها على ما زعمه المحقّق القمّي قدس‌سره (٢) يكون البحث عن حجّيّتها بحثا عن المباديء التّصديقيّة ، كالبحث عن حجّيّة

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ١٢.

(٢) قوانين الاصول : ج ١ / ٩.

١٢٨

الكتاب والإجماع وحكم العقل ـ ولا عن حجيّة خبر الواحد من حيث هو حتّى يخرج عن المسائل على كلّ تقدير ، وعن المباديء على بعض التّقادير أيضا ، ولمّا كان البحث عن ثبوت السّنة المفروغ اعتبارها بحثا عن عوارضها ومحمولاتها بعد الفراغ عنها ، فلا محالة يدخل في مسائل العلم.

وتوهّم : (١) أنّ البحث في المسألة يرجع إلى البحث عن وجود السّنة فيدخل في المباديء على كلّ تقدير ، فاسد ؛ فإنّ الخبر ليس واسطة للثّبوت حتّى يتوهّم ما ذكر ، بل واسطة للإثبات في مرحلة الظّاهر ؛ ضرورة أنّ وجود السّنة واقعا لا يتوقّف على الإخبار بها ، فضلا عن حجيّته ، فتدبّر.

(٦٤) قوله قدس‌سره : ( ثمّ اعلم أنّ أصل وجوب العمل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٣٩ )

تتمة الكلام في تحرير محلّ النزاع

أقول : هذا الكلام منه قدس‌سره أيضا يرجع إلى تحرير محلّ الكلام في المسألة. فنقول : إنّه لا كلام في أنّ ما في الكتب في الجملة مرجع العلماء في الأحكام على اختلاف مذاهبم في العمل بأخبار الآحاد ؛ فإنّ المنكرين لحجّيّتها يرجعون إليها ويعملون بجملة منها ؛ لدعوى التّواتر ، أو الاحتفاف بالقرينة.

__________________

(١) انظر الإشكال الذي أورده في كفاية الأصول : ٨ ـ ٩ وكذا في ص ٢٩٣ ط آل البيت عليهم‌السلام وتوجيه الميرزا النائيني قدس‌سره لكلام الشيخ بما فيه من محاولة الدفاع عنه في فوائد الأصول : ج ٣ / ١٥٧ وأيضا : أجود التقريرات : ج ٣ / ١٧٧ وقد تنظّر في كلام الميرزا النائيني تلميذه الفقيه السيّد عبد الله الشيرازي انظر عمدة الوسائل : ج ١ / ١١٢ ـ ١١٣.

قلت : ولاحظ مقالات الأصول : ج ٢ / ٨٠.

١٢٩

والقائلين بحجّيّتها من حيث الخصوص على اختلاف مذاهبهم ، يرجع كلّ فريق منهم إلى ما يراه جامعا للشّرائط.

والقائلين بالظّن المطلق يرجعون إلى ما يحصل الظّن منه بالحكم الشّرعي ، أو ما يظنّ حجّيّته ، أو كليهما على اختلاف مذاهبهم في نتيجة دليل الانسداد. وقد عرفت : أنّ الإجماع بل الضّرورة على هذا الأمر المجمل ، مضافا إلى عدم رجوعه إلى المعنى الاصطلاحي لا يفيد شيئا.

كما أنّه لا كلام في فساد دعوى قطعية جميعه كما عن غير واحد من متأخّري الأخباريّين ، أو جلّه كما عن بعضهم ، كما أنّه لا كلام في صحّة دعوى قطعيّة بعضها بالتّواتر ، أو الاحتفاف بالقرينة.

نعم ، هنا كلام بين السّيد وأتباعه ، والمشهور في قطعيّة كثير منها ، لكنّه خارج عن البحث في المسألة.

* * *

١٣٠

* حجة المانعين

(٦٥) قوله قدس‌سره : ( أمّا حجّة المانعين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه لو بنى على الاستدلال للمنع بالآيات النّاهية لجاز الاستدلال له بالعقل ، بل بالأدلّة الأربعة الدّالة على حكم ما شك في اعتباره ، ولا يخصّص بخصوص الآيات النّاهية.

وبعبارة أخرى : لو بنى في المقام على الاستدلال بما دلّ على المنع عن خصوص الأخبار الغير المعلومة لم يجز الاستدلال بالكتاب ، وإلاّ لم يجز ترك الاستدلال بغيره ممّا دلّ على حكم الأخبار من حيث دخولها في موضوع غير العلم ؛ إذ ملخّص الاستدلال بالآيات يرجع إلى إثبات الأصل في المسألة ، ولا كلام لأحد في أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم الحجيّة ، فمرجع الاستدلال إلى أنّ الأصل في المسألة مع المانع.

كما أنّ مرجع الاستدلال بالتّعليل في آية النّبأ كما عن أمين الإسلام الشّيخ الأجل الطّبرسي (١) إلى ذلك أيضا ؛ إذ مفاد التّعليل وجوب التّبين إرشادا في كلّ ما لا يؤمن مخالفته للواقع ، فهو وجوب إرشاديّ عقليّ ثابت في كلّ ما يكون العمل به

__________________

(١) انظر مجمع البيان : ج ٩ / ١٩٧ ط دار الفكر بيروت.

١٣١

وسلوكه في معرض مخالفة الواقع ، وهو أحد وجوه حرمة العمل بغير العلم ، قد تقدّم تفصيل القول فيه عند الكلام في تأسيس الأصل في مسألة الظّن.

(٦٦) قوله قدس‌سره : ( وأمّا السّنة فهي أخبار كثيرة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٢ )

في بيان حال الأخبار المتمسك بها

أقول : لا يخفى عليك أنّ استدلال المانعين بالأخبار المذكورة في « الكتاب » وغيرها ، مبنيّ على خروج ما وافق الكتاب أو السّنة النّبويّة القطعيّة وإن لم يوجب الموافقة العلم بصدور الخبر عن محلّ النّزاع ؛ ضرورة أنّ موافقتهما لا يوجب العلم بصدور الخبر فضلا عن موافقة أحدهما ؛ إذ وجودهما لا يلازم صدور الخبر على طبقهما أصلا ، على ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا.

نعم ، مقتضى الخبر الأوّل : قصر الحجّة من الأخبار على خصوص معلوم الصّدور ، لكنّه معارض بسائر الأخبار.

ثمّ لا يخفى عليك : أنّ الاستدلال في المسألة بالأخبار منعا وإثباتا لا يجوز إلاّ بما يكون قطعي الصّدور بأحد أسبابه : من التّواتر اللّفظي ، أو المعنوي ، أو الإجمالي الرّاجع إلى الثّاني باعتبار ، أو الاحتفاف بالقرينة ، أو التّعاضد بما يوجب العلم بصدوره فيما فرض ذلك.

ودعوى : جواز استدلال المانع بأخبار الآحاد الدّالة على المنع في المسألة من باب الإلزام وإسكات الخصم ، مع أنّه لا يعدّ دليلا وطريقا إلى المطلوب ، فاسدة جدّا ، كما ستقف على وجه الفساد في الجواب عن الاستدلال بالإجماع المدّعى في كلام السيّد قدس‌سره على المنع.

١٣٢

ولمّا لم يكن في المقام من الأخبار الّتي استدلّ بها على المنع ما تواتر لفظا ، فلا بدّ أن يؤخذ بالقدر الثّابت المتيقّن من جميعها المدلول عليه بتمامها ، أو القدر المتواتر منها لو زيدت عددا من أوّل حدّ التّواتر ، فإنّها كما ترى مختلفة المضمون من جهات.

فإنّ الخبر المرويّ (١) في « البحار » عن « بصائر الدّرجات » يعارض سائر ما في الباب ؛ من حيث جعل المدار في الأخذ والطّرح العلم بالصّدور وعدمه في رواية « البصائر » ، وفي السّائر موافقة الكتاب ، أو هو مع السّنة وإن لم يحصل معها العلم بالصّدور على ما عرفت ، والجمع بينهما وإن أمكن بتقييد الموافقة بما لو حصل منها العلم بالصّدور ـ فتدبّر ـ إلاّ أنّه لا معنى له ؛ بعد كون رواية « البصائر » من أخبار الآحاد المانعة من العمل بنفسها ، فإنّها لا يعلم أنّها قول الإمام عليه‌السلام (٢).

وسائر الأخبار يختلف من جهات شتّى :

منها : ذكر السّنّة في بعضها جمعا من جهة العطف بالواو ، أو تخييرا من جهة العطف بأو ، وعدم ذكرها في كثير منها.

ومنها : جعل المدار في الأخذ والطّرح ، الموافقة وعدمها كما في جملة منها ، وجعل المدار الموافقة والمخالفة في بعضها.

ومنها : الحكم ببطلان ما لم يوجد فيه مناط القبول كما في بعضها ، والحكم

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٥٢٤ ـ ح ٢٦ ، عنه البحار : ج ٢ / ٢٤١ ـ ح ٣٣ وليس في الرواية إشارة إلى الطرح وإنما فيها الأمر بالتزام المعلوم وردّ ما لم يعلم انه قولهم ، اليهم والمراد بالردّ هنا هو العرض عليهم صلوات الله تعالى عليهم كما هو ظاهر والله أعلم.

(٢) وهو كما ترى.

١٣٣

بعدم جواز تصديق ما لم يوجد فيه المناط ، كما في بعضها الآخر.

ومنها : التّصريح بتعميم الرّاوي من حيث كونه برّا ، أو فاجرا ، أو ثقة أو غير ثقة ، كما في بعضها ، والإطلاق من هذه الجهة في الباقي.

ومنها : التّعرّض لحكم صورة اشتباه الأمر من حيث الموافقة وعدمها والوقوف عنده ، وإرجاع الأمر إلى الأئمّة عليهم‌السلام كما في بعضها ، والسّكوت عنه كما في الباقي.

ومنها : جعل المدار في الأخذ موافقة الكتاب ، أو هي مع موافقة السّنة النّبويّة كما في أكثرها ، أو هما مع موافقة السّنة الإماميّة الثّابتة عنهم عليهم‌السلام كما في بعضها.

ومنها : تعليل المناط المذكور فيها بوجود الأخبار المكذوبة في بعضها كما في صحيحة (١) هشام ، وعدم ذكر التّعليل والسّكوت عنه في الباقي.

ومنها : التّرتيب بين العرض على الكتاب والسّنة في بعضها وعدمه في الباقي.

ومنها : اختصاص العرض بصورة الاختلاف الظّاهرة في التّعارض في بعضها ، وعدم الاختصاص في الباقي ، إلى غير ذلك من الاختلافات.

ولو كانت الأخبار الواردة في الباب كلّها قطعيّة بحسب السّند ، أو معتبرة من حيث السّند ، أو بعضها قطعي الصّدور وبعضها معتبرا سندا كان الخطب في اختلافها

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢ / ٢٥٠ ـ ح ٦٢.

١٣٤

وتعارضها سهلا ؛ لأنّا كنّا نأخذ بالأعمّ فيما لا تعارض بينه وبين الأخصّ وبالعكس ، فيما كان الأمر بالعكس ، وفي مورد التّعارض الحقيقي وعدم إمكان الجمع بوجه من الوجوه الصحيحة نحكم فيه بحكم التّعارض المقرّر في محلّه ، فعلى التّقدير المذكور يحمل إطلاق طرح ما لا يوافق الكتاب على ما دلّ على العرض على السّنّة ، ولم يحمل إطلاقه على ما دلّ على طرح ما يخالف ؛ لعدم التّعارض بينهما.

وكذلك يحكم بأنّ المراد من العطف بالواو في العرض على الكتاب والسّنة هو كفاية موافقة أحدهما بقرينة كلمة « أو » في بعض الأخبار ، وهكذا.

ولمّا لم يكن كذلك ، بل غاية ما في الباب العلم بصدورها في الجملة ، ولو بالنّسبة إلى بعضها ، فلا بدّ من الأخذ بمضمونها بالنّسبة إلى المورد الّذي يراد من الجميع يقينا وهو الجامع للقيود والخصوصيات المذكورة فيها ، إلاّ ما يعلم عدم إرادته ، كاعتبار موافقة الكتاب والسّنة معا ، مثلا.

فإذا كان مورد التّعارض متيقّن الإرادة منها ؛ وإن كان حمل جميعها عليه بعيدا في النّظر ، فلا يحكم بإرادة غيره ؛ إذ لا طريق إليه بعد البناء على عدم حجيّة خبر الواحد ، وكذا إذا كان المتيقّن منها الأخبار الواردة في الأصول مثلا ، وإن كان إرادته بالخصوص بعيدا عن جميع الأخبار ، فلا دليل لنا على إرادة الأخبار الواردة المتكفّلة لحكم الفروع.

وبالجملة : العلاج بجميع أقسامه بين المتعارضين ، أو المتعارضات ، فرع اعتبارها وحجيّتها ، وإلاّ لم يكن معنى لإعمال قاعدة العلاج كما هو ظاهر ،

١٣٥

وليكن هذا في ذكر منك لعلّه ينفعك فيما بعد عند الكلام في الجواب عن الاستدلال بالأخبار.

(٦٧) قوله قدس‌سره : ( وجه الاستدلال بها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٥ )

الموضوع في أخبار العرض هو ما لم يعلم بصدوره عنهم عليهم‌السلام

أقول : لا يخفى عليك أنّ من الواضحات الّتي لا يرتاب فيها كون الموضوع في أخبار العرض ما لم يعلم صدوره عنهم عليهم‌السلام ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى امتناع جعل المدار في الأخذ بما علم صدوره موافقة شيء آخر ـ : نفس تلك الأخبار سؤالا وجوابا ؛ إذ الحكم بعدم التّصديق ، أو الطّرح ، أو البطلان وغيرها من العناوين المذكورة في الأخبار ، إنّما هو فيما لم يعلم بصدقه.

وبعبارة أخرى : ما ذكر من الأخبار إنّما وردت لبيان الحكم الظّاهري فيما لم يعلم صدقه ، وإعطاء الميزان الظّاهري لتميز ما صدر عمّا لم يصدر ، والسّؤال إنّما هو عن هذا المعنى كما يعلم بأدنى تأمّل في تلك الأخبار ، وإن كان التّعليل في بعضها مثل قوله عليه‌السلام : ( فإنّا إن حدّثنا ، حدّثنا بما وافق القرآن ) (١) والكلّيّة المذكورة في جملة منها ، ناطقة بعدم صدور غير الموافق ، أو المخالف إن لم يحمل الكليّة على الحكم الظّاهري بمعنى البناء على بطلان كلّ حديث لا يوافق القرآن ، وكونه زخرفا في مرحلة الظّاهر ؛ إذ لا ينافي جعل المورد والموضوع في أخبار العرض ، ما لم يعلم صدوره ، مع إخبارهم عليهم‌السلام بعدم صدور غير المخالف ، غاية ما هناك ـ

__________________

(١) رجال الكشي : ص ٤٩٠ ـ ح ٤٠١ ، عنه بحار الأنوار : ج ٢ / ٢٤٩.

١٣٦

على تقدير لزوم الكذب في هذا الخبر ـ : أنّه لا بدّ من حمل القضيّة على ما لا يلزم منه الكذب ، ولو بجعل القضيّة ظاهريّة وبمعنى الإنشاء.

كما أنّ من الواضحات الّتي لا يشك فيها عدم جواز حمل الأخبار المذكورة على ما تباين الكتاب والسّنة كلّيّة بحيث يتعذّر الجمع بينهما ، إذن الخبر الّذي يباين الكتاب أو السّنة النبويّة بالصّراحة ـ مع ندرته المنافية لكثرة الأخبار ـ معلوم الحكم عند السّائلين ، وأنّه ممّا لا يجوز تصديقه ، فلا يسأل عنه أصلا ، فلا بدّ من حمل المخالفة ، أو عدم الموافقة ، على معنى يساعد عليه الأخبار. فلا يجوز حمل تلك الأخبار على ما يباين الكتاب والسّنة كلّيّة ، كما توهّم.

(٦٨) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ عدم ذكر الإجماع ودليل العقل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٥ )

رجوع الإجماع ودليل العقل إلى السنّة

أقول : رجوع الإجماع إلى السّنة بمعنى كون الموافق له موافقا للسّنة على طريقة الإماميّة ، أمر واضح لا سترة فيه أصلا ، كما عرفت تفصيل القول فيه في مسألة نقل الإجماع.

وأمّا رجوع العقل إليهما مع كونه دليلا مستقلاّ وكاشفا عن حكم الشّارع في قبال الكتاب والسّنة على القول بلزوم تأكيد العقل بالنقل ، من باب اللّطف ، كما اختاره غير واحد ؛ فإنّما هو من جهة التّلازم بينه وبين الكتاب والسّنة ، وإن لم يكن كاشفا عنهما ابتداء كالإجماع ، وأمّا على القول بعدم اللّزوم ، وإن اتّفق كثيرا ما توافقهما ، فيشكل الأمر فيه جدّا. بل قد يشكل الحكم برجوعه إليهما على التّقدير

١٣٧

الأوّل أيضا ، فضلا عن هذا التّقدير ، ووجه الإشكال على التّقديرين ظاهر.

(٦٩) قوله قدس‌سره : ( وهو ظاهر المحكيّ عن الطبرسي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٦ )

أقول : الوجه فيما أفاده من الاستظهار ـ مع أنّ كلامه نصّ في التّعميم بالنّظر إلى الاستثناء ـ إمّا لأجل أنّ النّسبة إلى الإماميّة غير دعوى الإجماع في المسألة ، غاية الأمر كونها ظاهرة في دعوى الإجماع. وإمّا لأنّ استثناء الظّنون الموضوعيّة توجب وهن إرادة العموم من المستثنى منه ، واحتمال إرادة خصوص الظنّ في الموضوعات منه وضعف احتمال إرادة الأعم من الظّنون الموضوعيّة والحكميّة ، فلا يمكن دعوى صراحة كلامه في دعوى الإجماع على حرمة العمل بالخبر الواحد في الأحكام ، كما هو محلّ البحث والكلام ، كدعوى صراحة كلام السيّد قدس‌سره ، فيه غاية ما هناك ظهور كلامه في دعوى الإجماع على الإطلاق.

(٧٠) قوله قدس‌سره : ( والجواب : أمّا عن الآيات ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٦ )

أقول : الحكم بكون العمل بما دلّ على حجيّة خبر الواحد في قبال الآيات النّاهية من باب تخصيص تلك الآيات به ، لا يخلو عن مسامحة ظاهرة ، لمن راجع ما أفاده قدس‌سره في وجه حرمة العمل بغير العلم ، وما ذكرنا هناك فهو إمّا مسامحة في لفظ التّخصيص باستعماله في غير ظاهره من الورود والحكومة ، أو مبنيّ على تسامح القوم وتساهلهم وعدم فرقهم بين الأقسام المذكورة.

(٧١) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : ما من واقعة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٧ )

أقول : لمّا أجاب عمّا دلّ على طرح ما يخالف الكتاب والسّنة بكونه أخصّ من المدّعى ، وأنّه لا يدلّ على عدم حجيّة كل خبر ، حتّى ما دلّ على حكم لم يدلّ

١٣٨

عليه آية وسنّة ، توجّه عليه السّؤال المذكور ؛ نظرا إلى زعم دلالة الكتاب والسّنة على حكم كلّ واقعة من الوقائع ولو على وجه العموم ، أو الإطلاق.

مضافا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في حجّة الوداع : ( معاشر النّاس ... ) (١) ـ الحديث ـ الظّاهر في بيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم كلّ واقعة ، فإذا لم يكن الخبر الوارد في المسألة موافقا لهما فلا محالة يكون مخالفا لهما ، فلا واسطة بين غير الموافق والمخالف ، كما ذكر في الجواب ، غاية ما هناك أنّه لا بدّ من أن يخرج منها بما يثبت قطعا من الحجج الطّاهرين عليهم‌السلام ، إذا لم يكن موافقا لهما وتخصيصهما به ، فيبقى ما يشك في وروده عنهم عليهم‌السلام ممّا لا يكون موافقا تحت عموم تلك الأخبار ، كما هو المدّعى فينطبق هذه الطّائفة على المدّعى أيضا.

فالأولى تحرير السؤال بما حرّرنا ، لا بما حرّره قدس‌سره ، فإنّه لا يخلو عن غموض وتعقيد ، وإن كان الظّاهر عطف قوله : ( وكثير ) على عمومات الكتاب ، أي : الضّمير المجرور ، فلا بدّ إذن من إلحاق لفظ السّنة بقوله : ( مخالفة للكتاب ) وعلى تقدير العطف على الأخبار ، لا بدّ من إسقاط لفظة ( من عمومات ).

ثمّ لا يخفى عليك : أنّ الجواب بما ذكره قدس‌سره : من انفراد كلّ طائفة بالجواب ، مبنيّ على تسليم تواتره ، أو قطعيّته من غير جهة التّواتر ، وإلاّ فلا معنى للجواب على ما ذكر ، كما أنّه مبنيّ على عدم جعل المخالف بمعنى غير الموافق ، أو لا يوافق بمعنى المخالف.

__________________

(١) انظر احتجاج الطبرسي : ج ١ / ٧٣ ، والتحصين : ٥٥٠ ، واليقين : ٣٤٨ ، والصراط المستقيم : ٣٠٢.

١٣٩

(٧٢) قوله قدس‌سره : ( قلت أوّلا : انّه لا يعدّ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٤٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ نظم التّحرير يقتضي جعل الجواب الثّاني بدل هذا الجواب ، وجعله الجواب الثّاني الرّاجع إلى تسليم استفادة حكم كلّ واقعة عن عمومات الكتاب والسّنة.

ثمّ إنّ حاصل هذا الجواب يرجع إلى عدم صدق المخالف على الخبر المخصّص للعموم ، سيّما مثل هذه العمومات القريبة من عمومات الأصول ؛ من حيث وسعة عمومها وشيوعها ، وكثرة أفرادها من حيث ضعف الظّهور والدّلالة فيها ، ولو كان من جهة كثرة الخارج منها ، كما أنّه لا يصدق عليه الموافق قطعا فيكون أمرا بين الأمرين ، فتكون هذه الطّائفة أخصّ من المدّعى.

والشّاهد على ما ذكر ـ مضافا إلى ظهور اللّفظ في نفسه ـ لزوم الخروج عن أخبار العرض بالمخصّصات الثّابتة القطعيّة الصّدور من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، لعمومات الكتاب والسّنة ، كما التزم به السائل في تقريب السؤال ، وليس المحذور الوارد عليه لزوم تخصيص الأكثر بل هو مع شيء آخر ، وهو لزوم التّخصيص ، مع أنّ النّاظر في تلك الأخبار يقطع بإبائها عن التّخصيص.

ولا ينافي ذلك كون مورد أخبار العرض ، حسبما عرفت في تقريب الاستدلال ما لم يعلم صدوره ؛ فإنّ عرضه على الكتاب والسّنة في تلك الأخبار من جهة دلالتها على قصر الوارد منهم عليهم‌السلام على ما يوافق الكتاب والسّنة ، وإلاّ لم يكن معنى لجعل موافقتهما وعدمها ميزانين للحكم بالصدور والعدم.

كما أنّه لا ينافي ما ذكر في تقريب الاستدلال من عدم جواز إرادة خصوص التّباين الكلّي من المخالفة ؛ فإنّ عدم إرادة خصوص التّباين الكلّي من المخالفة ،

١٤٠