بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

١
٢

٣

٤

* حجية الاجماع المنقول

* حجية الشهرة الفتوائية

* حجية الخبر الواحد

* أدلة حجّيّة مطلق الظّنّ

* تنبيهات دليل الإنسداد

٥

* في حجّية الخبر الواحد

ـ أدلّة المانعين

ـ أدلة المجوّزين

١ ـ الكتاب

٢ ـ السنّة

٣ ـ الإجماع

٤ ـ دليل العقل

* في أدلّة حجّيّة مطلق الظن

١ ـ وجوب دفع الضرر المظنون

٢ ـ قبح ترجيح المرجوح

٣ ـ دليل سيّد الرياض

٤ ـ دليل الإنسداد ومقدّماته الأربعة

٦

* تنبيهات دليل الإنسداد :

التنبيه الأوّل : عدم الفرق في الإمتثال الظنّي بالحكم الواقعي أو الظاهري

٧
٨

* في حجّيّة الإجماع المنقول

(١) قوله قدس‌سره : ( ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ١٧٩ )

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الطهراني أعلى الله تعالى مقامه الشريف :

« لا يجوز التعويل على الإجماع المنقول بالخبر الواحد ، بل ولو تواتر نقله ؛ لعدم شمول أدّلة حجّيّة الخبر له ـ على فرض ثبوت اعتباره ـ وعدم صلوحه للكشف عن الواقع ؛ حيث إن حجّيّتها تتوقف على أمور فعدم ثبوت واحد منها يكفي في عدم ثبوت النتيجة.

منها : استلزام إتفاق الكل أو البعض المدعي لقول الإمام عليه‌السلام.

ومنها : إرادة الحاكي للإجماع هذا المعنى المستلزم لقوله عليه‌السلام.

ومنها : شمول أدلة حجّيّة الخبر له على تقدير حجّيّته.

وكل من هذه المقدّمات ممنوعة ، بل الدليل قائم على فساده ».

إلى أن قال :

« وحيث إن الغرض من وضع هذا الحديث إنّما هو عزل خليفة الله ونصب من أرادوا من أعداء الله وعجزوا من إثبات مرامهم حتى بهذا الكلام المصنوع فربّما آل الأمر إلى التخصيص بأهل المدينة ، مع أن هذا لا يكاد إثباته.

وكيف كان : فليس في الأدلة لفظ الإجماع ، وعلى تقديره فليس له حقيقة شرعيّة ولا ماهيّة مخترعة ، فلا حاجة إلى تعريفه.

٩

أقول : لا يخفى عليك أنّ نقل الإجماع ـ كنقل السّنة ـ : قد يكون بالمتواتر وقد يكون بالآحاد. وعلى الثّاني : قد يكون بالواحد المحفوف بما يوجب القطع بصدقه بالمعنى الأعمّ من المقرون والمعتضد ، وقد يكون بالواحد الظّني.

والكلام إنّما هو في القسم الأخير. وأمّا الأوّلان ؛ فلا معنى للتكلّم فيهما بعد الفراغ عن إفادة الإجماع للقطع بالسّند أو بالدّليل الظّني المعتبر عند الكلّ.

نعم ، قد يقع الكلام ـ كما عن الشّيخ البهائي في هامش (١) « الزّبدة » ـ في

__________________

إلى أن قال :

ولا يخفى أنه لم يتفق لأحد إلى الآن في شيء من المسائل أن يطلع على قول الإمام عليه‌السلام على الجملة ، من غير أن يعرفه بعينه ؛ فإنّ هذا أوّلا : يتوقّف على حضوره عليه‌السلام وإدراكه ، ولا يتحقّق في زمان الغيبة الكبرى قطعا ، فجميع ما وقع من دعوى الإجماع من أوّل الغيبة الكبرى إلى الآن باطل.

وثانيا : مع عدم معرفته بعينه ولم يتفق هذا في شيء من الموارد ، ولو فرض أن راويا روى عن شخصين ، أحدهما الإمام عليه‌السلام من غير أن يعرفه فاتّفقا في الجواب ، فلا يسمّيه إجماعا ، بل هذا أيضا داخل في السنّة عندهم ، كما إذا سمع منه عليه‌السلام خاصّة مع معرفته له بعينه.

وبالجملة : فمقتضى هذه الطريقة عدم تحقق الإجماع في شيء من الأزمنة.

قال في المعالم : الحق إمتناع الإطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل .. ».

إلى أن قال المجدّد الطهراني قدس‌سره القدوسي :

« فظهر أن جميع ما صدر من دعوى الإجماع في جميع الأعصار بناء على التضمّن فاسد لا يعبأ به .. ». إنتهى. محجة العلماء : ج ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣.

(١) زبدة الاصول : ٩٠ تحقيق فارس حسون.

١٠

أصل تحقّق التّواتر في المقام ؛ من حيث إنّ المعتبر في التّواتر باتّفاقهم رجوع المخبرين إلى الحسّ فيما يخبرون عنه ؛ بمعنى كون المخبر به أمرا حسّيّا ، والمخبر عن الإجماع لا يرجع إلى الحسّ ؛ من حيث إنّ مبنى الإجماع على اتّفاق آراء المجمعين في المسألة المجمع عليها ، وتحصيلها موقوف على الاستنباط وإعمال القوّة النّظرية.

وهي كما ترى شبهة واضحة الدّفع ؛ فإنّ فهم المطالب والآراء من العبارات الواضحة ، يرجع إلى الإحساس جدّا. والمعتبر في التّواتر ، ليس أمرا ينافي ذلك إن كان ظاهر الحسّ في باديء النّظر ، ربّما ينافيه ، لكن التّأمّل الصّادق يشهد : بأنّ المراد منه : ما يشمل المقام قطعا. نعم ، قد يكون مبنى النّقل على استنباط الآراء بإعمال المقدّمات الاجتهاديّة كما ستقف عليه ، لكنّه لا دخل له بمنع إمكان التّواتر في نقل الإجماع.

دخول البحث عن الاجماع في المسائل الأصولية

وممّا ذكرنا في تحرير محلّ البحث ومرجع النّزاع يظهر : دخول المسألة في المسائل الأصوليّة ـ التي يبحث فيها عن عوارض الأدلّة بعد الفراغ عن ثبوت دليليّتها كما هو أحد الوجهين بل القولين ـ فيكون المسائل الباحثة فيها عن حجيّة الأدلّة كحجيّة الكتاب والإجماع داخلة في المباديء التّصديقيّة ؛ ضرورة أنّ مرجع الكلام في المسألة إلى البحث عن ثبوت ما فرغ عن حجّيّته بنقل الواحد كما ثبت بالتّواتر ، لا في أصل حجيّة الإجماع ، فمرجع البحث في المسألة إلى البحث عن عوارض الإجماع المفروغ حجيّته من حيث كونه كاشفا عن السّنة ، كما عليه

١١

الخاصّة ، أو من حيث كونه عنوانا مستقلاّ وفي قبال سائر الأدلّة ، كما عليه العامة. فتدبّر.

تاريخ الإجماع في كتب أصحابنا الاصوليين

ثمّ إنّه لم يوجد عنوان للمسألة في كلام أكثر المتقدّمين ، بل لم نر التّمسك بنقل الإجماع في كتبهم الفقهيّة الاستدلالية ، وإنّما عنونها المتأخّرون واستدلّ غير واحد منهم به في المسائل الفقهية.

وأوّل من عنون المسألة واختار حجيّته العلاّمة قدس‌سره في محكي « النّهاية » (١) ، من غير أن ينقل القول بها من أحد ممّن سبقه ، وإن كان ظاهر ذيل كلامه التردّد فيها ، بل الميل إلى عدم الحجيّة. حيث قال : ( إنّ الظهور في المسألة للمعترض من الجانبين » (٢).

وأمّا المحقّق ـ الّذي يكون لسان المتقدّمين ـ فعباراته أصولا وفروعا تنادي : بأنّه لا يقول بحجيّته. وقد صرّح في مواضع كثيرة : بأنّ الإجماع إنّما يكون حجّة على من عرفه ووقف عليه خاصّة.

بل قال بعض أعلام المحقّقين من المتأخّرين : « إنّه لو قيل ـ بعد التّأمّل وإمعان النّظر فيما ذكرنا ـ إنّ الأصحاب متّفقون على عدم حجيّته على الوجه المتعارف في الأعصار المتأخّرة لكان قولا حقّا ودعوى صادقا » (٣).

__________________

(١) نهاية الأصول إلى علم الأصول : ج ٣ / ١٣١ و ٢١٦ تحقيق الشيخ البهادري رحمه‌الله.

(٢) نهاية الوصول إلى علم الأصول : ج ٣ / ٢١٦ تحقيق الشيخ البهادري رحمه‌الله.

(٣) الشيخ المحقق والفاضل الفقيه المدقق أسد الله التستري المتوفى سنة ١٢٣٧ ه‍ ـ صهر

١٢

فمراد شيخنا الأستاذ العلاّمة من لفظ ( الكثير ) (١) كثير المتعرّضين للمسألة (٢).

وصريح غير واحد ، منهم : الفاضل النّراقي في « المناهج » : عدم حجيّته (٣).

مقتضى التحقيق عدم حجّيّة نقل الإجماع

ولمّا كان مبنى القول بحجّيّته شمول دليل حجيّة خبر الواحد له من حيث كونه من أفراده ـ كما ستقف عليه ـ فلا محالة يتفرّع على حجيّة خبر الواحد. كما أنّ مبنى القول بعدم حجيّة الأصل بضميمة عدم شمول ما قضى بحجيّة الخبر من حيث الخصوص له ، فالنّزاع في المسألة على تقدير ثبوت حجيّة خبر الواحد في الجملة لا مطلقا ؛ إذ لم يتوهّم القول بحجيّته ممّن نفى حجيّة خبر الواحد مطلقا.

نعم ، لا يتوقّف التكلّم في المسألة على إثبات تلك المسألة وحصول الفراغ منها ، بل يكفي تقدير الثّبوت ؛ ضرورة أنّ التّكلّم في الشّرطيّة لا يتوقّف على الفراغ عن وجود الشّرط ، كما أنّ صدقها الواقعي لا يتوقّف على صدقه ؛ فيصحّ التكلّم في المسألة ممّن ذهب إلى عدم حجيّة الخبر كما لا يخفى هذا.

__________________

الشيخ الأكبر على ابنته ـ في كتابه كشف القناع عن وجوه حجّيّة الإجماع.

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ١٧٩.

(٢) كصاحب المعالم في المعالم : ١٨٠ ، وصاحب الفصول فيه : ٢٥٨ والمحقق القمي في القوانين : ج ١ / ٣٨٤.

(٣) مناهج الأحكام في الأصول : ١٩٩ عند قوله : منهاج : اختلفوا في الإجماع المنقول بخبر الواحد ... إلى آخره.

١٣

والّذي يقتضيه النّظر ـ وفاقا لشيخنا قدس‌سره وغير واحد ـ عدم حجيّة نقل الإجماع من حيث الخصوص ؛ لعدم ما يقتضيها ممّا يكون تامّا عندنا. وإن كان بعض ما استدلّوا به على حجيّة الخبر من حيث الخصوص ـ على تقدير تماميّته ـ قاضيا بحجيّته أيضا ، إلاّ أنّ أكثر ما أقاموه على حجيّته ممّا يكون تامّا لا يقضي بحجيّة الإجماع المنقول ، وبعض ما لا يكون تامّا لا يقتضيها أيضا ـ على تقدير التّماميّة ـ واقتضاء ما لا يكون تامّا حتّى في مسألة حجيّة الخبر ، لا يفيد شيئا إلاّ في المسألة الفرضيّة.

توضيح ذلك : أنّهم استدلّوا لحجيّة خبر الواحد من حيث الخصوص في الجملة ـ بالأدلّة الأربعة : الإجماع بقسميه قولا وعملا والعقل والسّنة الثّابتة بالأخبار المتواترة ـ التي ستمرّ عليك ـ والكتاب.

أمّا الأوّل : فانتفاؤه في المقام أوضح من أن يحتاج إلى البيان ؛ ضرورة اعتراف المثبتين : بكون المسألة خلافيّة وأنّه لم يعهد دعوى الإجماع في المسائل الفرعيّة في أزمنة الأئمة عليهم‌السلام حتّى يدّعى الإجماع عملا على العمل بها.

أمّا الثّاني : فلأنّ القاضي منه بحجيّة الخبر من حيث الخصوص هو الانسداد الّذي ادّعوه في خصوص موارد الأخبار من حيث العلم الإجمالي بصدور أكثرها من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام لا ما يقتضي حجيّة الظن مطلقا عند التّحقيق ، كقبح ترجيح المرجوح على الرّاجح ، أو وجوب دفع الضّرر المظنون ، ونحوهما ، وإن ذكره غير واحد لإثبات حجيّة الخبر من حيث الخصوص ، ومن المعلوم انتفاؤه في المقام أيضا.

١٤

ودعوى : العلم الإجمالي بمطابقة أكثر الإجماعات المنقولة للواقع ، كما ترى.

وأمّا الثّالث : فاختصاصه بالرّوايات المتعارفة المنتهية إلى الأئمّة عليهم‌السلام المقابلة لنقل الإجماعات أوضح من أن يحتاج إلى البيان كما ستقف عليه في محلّه.

وأمّا الرابع : وهو الكتاب فأكثر الآيات التي استدلوا بها على حجيّة الخبر كآية النّفر (١) ، والسّؤال (٢) ، والكتمان (٣) ، وإن اقتضت : اعتبار نقل الإجماع أيضا ، إلاّ أنّ دلالتها في كمال الضّعف ، والاستدلال بها في غاية الوهن والسّقوط.

ومن هنا لم يقع الاستدلال بها في كلام الأكثرين ، فلم يبق ممّا يصلح للاستدلال به في المقام إلاّ آية النّبأ الّتي هي العمدة عندهم في مسألة حجيّة الخبر عند القائلين بها ، وإن كانت دلالتها ضعيفة عندنا ، كما ستقف عليه عن قريب والدّليل عند القائلين بالحجيّة في المقام وهي لا يقتضي حجيّة نقل الإجماع إلاّ في بعض أقسامه الغير الموجود فيما بأيدينا كما ستقف عليه.

(٢) قوله قدس‌سره : ( وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الأمر الأوّل راجع إلى بيان مقدار مدلول ما دلّ على حجيّة الخبر ، والثّاني راجع إلى بيان حال نقل الإجماع ، وأنّه من أفراد الكليّة

__________________

(١) التوبة : ١٢٢.

(٢) الانبياء : ٧.

(٣) البقرة : ١٥٩.

١٥

المستفادة من أدلّة حجيّة الخبر أم لا؟ فالتكلّم في الأوّل راجع إلى التّكلم في الكبرى ، وفي الثّاني إلى التكلم في الصّغرى.

وقد عرفت حال غير آية النبأ ممّا يستدلّ به على حجيّة الخبر ، وأنّه لا يستفاد منه كليّة ينفع المقام أصلا ، بل لا يستفاد منه حجيّة مطلق الخبر الحسّي فضلا عن الحدسي. فقوله قدس‌سره : ( لا تدلّ إلاّ على حجيّة الأخبار عن حسّ ) (١) إنّما هو بالنّظر إلى مجموع ما أقاموه على حجيّة الخبر الّتي منها آية النبأ أو مبنيّ على الإهمال لا الإطلاق.

(٣) قوله قدس‌سره : ( اللهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ المناط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨٠ )

أقول : مجرّد جعل المناط نقل الكاشف مضافا إلى ما أفاده شيخنا قدس‌سره من المقتضي وأنّ الحاصل عليه حجيّة مطلق الظّن بالحكم الصّادر من الإمام عليه‌السلام ، بل مطلق الظّن بالحكم الشّرعي على التّحقيق ؛ من حيث إنّ الأخذ بالحكم الصّادر عن الإمام عليه‌السلام إنّما هو من حيث كونه حكما شرعيّا إلهيّا ؛ ضرورة أنّ الصدور عن الإمام عليه‌السلام ليس له موضوعيّة قطعا لا يجدي ، إذا احتمل دخل الحسّ فيما يرجع إليه النّاقل ، بناء على إرادة النّاقل الإجماع الدّخولي ، كما عليه القدماء حسبما ستقف عليه ؛ ضرورة أنّه لا يمكن الاطلاع عليه عن حسّ لأحد من علمائنا الحاكين للإجماع كما تقف عليه ، فتدبّر.

ومنه يظهر : فساد التّقريب بحجيّة النّقل بالمعنى ، كما أنّه يظهر ممّا ذكرنا :

__________________

(١) و (٢) فرائد الاصول : ج ١ / ١٨٠.

١٦

النّظر فيما أفاده قدس‌سره بقوله : ( كما عمل بفتاوى عليّ بن بابويه ) (١) فإنّ عمل الفقهاء بها عند إعواز النّصوص ليس من جهة بنائهم على الكليّة المذكورة والمناط الّذي ادّعي ـ وإلاّ وجب عليهم العمل بمطلق الظّن في الحكم الشّرعي ـ بل من جهة ما رأوا من رجوع فتاواه إلى النّقل بالمعنى دائما ، كما يظهر من تصريح العاملين بها فكيف يظنّ كون الجهة استفادة المناط المذكور من الأخبار المتواترة الّتي استدلّوا بها على حجيّة الخبر في الجملة؟

والظّاهر أنّ مراده قدس‌سره من قوله : ( كما عمل بفتاوى عليّ بن بابويه ) ليس التّقريب للمناط المتوهّم ، بل لأصل العمل بفتوى الفقيه في الجملة من غير استناد إلى المناط المذكور.

(٤) قوله قدس‌سره : ( وهي إنّما تدلّ على وجوب قبول خبر العادل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨١ )

في منع دلالة آية النبأ على حجيّة الإجماع المنقول

أقول : دلالتها على ما ذكر ـ بحيث كان هو المدلول لها ليس إلاّ ، سواء كان مبناها على مفهوم الشرط أو الوصف بالتّقريب الّذي يأتي بيانه في مسألة حجيّة الأخبار ـ مبنيّة على نفي الواسطة بين الفاسق والعادل ، وإن لم يكن المدّعى موقوفا عليه ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره : من أنّ المنفي بالآية على تقدير المفهوم الاعتناء باحتمال تعمّد الكذب في خبر العادل ، والتّوقف في العمل به من الجهة المذكورة ، لا الاعتناء

١٧

بجميع الاحتمالات حتّى احتمال السّهو والخطأ والتّوقّف من جهتها ، حتّى يرجع إلى تنزيل خبره منزل خبر المعصوم ، ومعاملة المعصوم مع العادل أمر واضح لا سترة فيه بعد أدنى تأمّل في الآية.

وتعليل وجوب التّبين في خبر الفاسق فيها وإن كان أمرا معقولا في نفسه لا يحيله عقل ، بل وقع في الشّرعيّات ، كما في الرّجوع إلى المفتي ونحوه ممّا يجب البناء فيه على تصويب المخبر في اعتقاده.

ثمّ إنّ منشأ الظّهور الّذي أفاده قدس‌سره بقوله : « والظّاهر منه ... إلى آخره » (١) الراجع إلى الوجهين ـ أحدهما : دلالة الآية عليه ؛ من حيث إناطة الحكم فيها بالفسق والعدالة حين الإخبار ولو على مفهوم الشّرط كما هو المسلّم عندهم ؛ إذ لم يحتمل أحد اعتبار العدالة في جميع موارد اعتباره ؛ اعتبار حين التحمّل. ثانيهما : دلالة التعليل المذكور فيها عليه ـ ممّا لا يرتاب فيه.

إمّا لدلالة الآية على كفاية وجود فسق المخبر حين خبره في الرّد وإن كان عدلا حين التحمل والعمل وكفاية عدالته حين الإخبار ، وإن كان فاسقا حين التحمّل والعمل. فهي من جهة تعليق الحكم على المشتق الظّاهر في تلبّسه بالمبدأ حين الإخبار والنّبأ.

مضافا إلى كونه أمرا مسلّما مفروغا عنه عندهم ـ على ما عرفت الإشارة إليه : من كونه اتّفاقيّا في جميع موارد اعتبار العدالة إلاّ في باب الإفتاء ؛ حيث إنّ

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٨١ وفي الكتاب : « الظاهر منها ... ».

١٨

المعتبر فيه العدالة حين العمل ، لا حين الإفتاء ، وإن اشترك مع غيره في عدم الاعتبار حين التّحمّل والتّرجيح والاستنباط ـ وإلى دلالة الأخبار عليه كالواردة في كتب بني فضال (١).

وغيرها فتأمّل (٢).

وأمّا استلزام ذلك لظهور الآية فيما أفاده فهو ظاهر ؛ حيث إنّ الخطأ في الاعتقاد ينشأ غالبا من التّحمّل وصيرورة الفاسق حين التّحمّل عادلا لا حين الإخبار لا يرفع خطأه في حدسه واعتقاده ، فلا فرق بين الفاسق والعادل حين الإخبار من جهة احتمال الخطأ في الاعتقاد حين التّحمل.

وإنّما الفرق بينهما من حيث مزيد احتمال التّعمّد في الكذب في الأوّل دون الثّاني ؛ حيث إنّه مرجوح في الثّاني دون الأوّل.

نعم ، ما أفاده مبنيّ على دلالة الآية على اعتبار العدالة من حيث الطّريقيّة مع قطع النّظر عن التعليل وإلاّ لم يكن وجها آخر في قبال التّعليل كما لا يخفى.

__________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٨٧ ، عنه الوسائل : ج ٢٧ / ١٠٢ ـ ح ٧٩ باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي الحديث عن أبي محمد الحسن بن علي عليهم‌السلام : انه سئل عن كتب بني فضال. فقال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا.

(٢) وجه التأمل : ( ان الأخبار الواردة إنما دلّت على عدم قدح انحرافهم في العمل بما رووا وحال الإستقامة ، وأما عدم اعتبار العدالة حين التحمّل وكفاية مجرد العدالة حين الإخبار فلا بد أن يستفاد من إطلاقها وليس لها إطلاق بعد فرض ورودها في الأشخاص الغير المختلفين حالتي التحمل والاخبار من حيث العدالة والفسق فتدبر ). منه دام ظلّه العالي.

١٩

وأمّا دلالة التّعليل فهي من جهة استقلال العقل بقبح التّعليل بالعلة المشتركة ، الرّاجع إلى نفي العليّة عن العلّة بعد فرض اشتراكهما في احتمال الخطأ من جهة الحدس والاعتقاد.

وهذا كما ترى لا ينافي تطرّق احتمال التّعبّد في خبر العادل أيضا حتّى يقال : بعدم الفرق بينه وبين خبر الفاسق من هذه الجهة. فمرجع ما ذكر عند التأمّل إلى دلالة الآية بالنّظر إلى التّعليل على عدم حجيّة خبر الواحد رأسا ، عادلا كان المخبر أو فاسقا كما سيأتي بيانه مشروحا عند البحث عن حجيّة خبر الواحد.

والكلام في المسألة على ما عرفت على تقدير دلالة الآية على حجيّة خبر العادل ، فإنّ الفرق بينه وبين خبر الفاسق إنّما هو في مرتبة الاحتمال وكونه ضعيفا في خبر العادل ـ بالنّظر إلى ملكة العدالة الرّادعة عن التّعمّد في الكذب ـ دون خبر الفاسق ، فيجب التّبيّن وتحصيل الاطمئنان من الخارج.

(٥) قوله قدس‌سره : ( فإن قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٨١ )

أقول : حاصل ما أفاده قدس‌سره من السّؤال : أنّ الاستدلال بالآية في المقام إنّما هو بعد البناء على دلالتها على حجيّة خبر العادل الّتي يرجع إلى البناء على صدقه فيما يخبر عنه وكون خبره مطابقا للواقع.

ولازم هذا المعنى ـ كما ترى ـ عدم الاعتناء بجميع الاحتمالات المتطرّقة في خبره الملازمة على تقدير المطابقة لعدم مطابقة الخبر للواقع هذا. مضافا إلى إطلاق عدم وجوب التّبين في جانب المفهوم.

٢٠