بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

التّكليف بيننا وبينهم يحتاج إلى معرّف يعرّفنا بأنّ تكليفهم على خلاف الظّاهر ، والمعرّف في بعض المواضع قطعيّ مثل الإجماع كما في آية الوضوء. وفي بعضها يجوز أن يكون من الأمارات المفيدة للظّن ، وخبر الواحد من جملتها ، فيجوز أن يكون معرّفا لنا على ذلك ، وإن لم يجز أن يكون صارفا للظّاهر بنفسه. مع جواز ذلك ينتفي القطع بالحكم المستفاد من ظاهره.

وبهذا التّقرير ، لا يرد عليه : أنّ جواز هذا الاحتمال باق على تقدير عموميّة خطاب المشافهة أيضا فلا وجه لتخصيصه بالموجودين ؛ وذلك لأنّ الصّارف على تقدير الاختصاص ، غير الخبر ، والخبر علامة له ، وعلى تقدير العموم نفس الخبر لانتفاء غيره بالنّظر إلينا ، وجواز ذلك أوّل الكلام » (١). انتهى كلامه قدس‌سره.

وقال في تعليقه على قوله : ( ويستوي حينئذ ... إلى آخره ) (٢) ما هذا لفظه :

« لمّا دفع بقوله : ( فيحتمل ما ذكره المورد من أنّ الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب معلوم لا مظنون ) دفع ما أورده ثانيا ـ بعد التّسليم ـ من أنّ المستفاد من ظاهره : ظنّ مخصوص ، فهو من قبيل الشّهادة لا يعدل عنه إلى غيره.

وتوضيح الدّفع :

أنّه إذا ثبت جواز حمل الظّاهر على خلافه عند معارضة الخبر إياه ، صار الظاهر ظنيّا ، ويساوي غيره ممّا يفيد ظنّا في إفادة الظن ، وفي إناطة التّكليف به.

وليس المراد أنّهما يتساويان من جميع الجهات الموجودة. فلا يرد : أنّ هذا ينافي

__________________

(١) حاشية معالم الدين : ٢٣١.

(٢) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٩٤.

٥٠١

ما مرّ : من أن الخبر أرجح منه.

ووجه مساواتهما في ذلك أمران :

أحدهما : ابتناء الفرق والحكم بأنّ الظّن المستفاد من ظاهر الكتاب من قبيل الشّهادة فلا يعدل عنه إلى غيره ممّا يفيد الظّن على كون الخطاب متوجّها إلينا ؛ إذ الصّارف حينئذ الخبر ، وقد منعت ذلك ولكن قد عرفت بحكم المقدّمة الثّانية : أنّ الخطاب ليس متوجّها إلينا ، بل إلى الموجودين في زمانه ويجوز أن يقترن به ما يدلّهم على خلافه قطعا. والخبر حينئذ معرّف لا صارف.

وثانيهما : أنّ الإجماع والضّرورة الدّالين على مشاركتنا لهم في التّكليف بظاهر الكتاب ، كما يقتضيه المقدّمة الثّالثة ، مختصّان بظاهر غير معارض بالخبر الجامع للشّرائط الآتية المفيدة للظّن الرّاجح بأنّ التكليف بخلاف الظن المستفاد من ظاهر الكتاب ؛ لأنّه لا إجماع ولا ضرورة على تلك المشاركة عند المعارضة فينتفي القطع به وينتفي كون الظّن المستفاد منه من قبيل الشّهادة أيضا فليتأمّل » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

نقل كلام سلطان العلماء

وقال المدقّق المحشّي (٢) في تعليقه على قوله : ( فمن الجائز ... إلى آخره ) (٣)

__________________

(١) حاشية المولى صالح المازندراني على المعالم : ٢٣٢.

(٢) المحقق المدقق الأصولي الفقيه السيد الأجل الوزير الحسين بن الميرزا رفيع الدين محمد بن محمود الحسيني الآملي الإصفهاني ، كان عالما محققا مدققا ، صاحب صدارة الأعاظم والعلماء ، جمع إلى الشرف عزّ الجاه ونال من خير الدنيا والآخرة مرتجاه وهو المشتهر

٥٠٢

ما هذا لفظه :

« يمكن أن يقال : دلالته حينئذ على خلاف الظّاهر معلوم ، فيكون الحكم المستفاد من القرآن حينئذ معلوما. والحاصل : أنّه إن لم يقترن بتلك الظّواهر ما يدلّهم على إرادة خلاف الظّاهر ، كان الظّاهر معلوما ، وإن اقترن ما يدلّهم على خلاف الظّاهر ، كان خلاف الظّاهر معلوما ، إلاّ أن يقال مراده : أنّهم كانوا يجوّزون فيما لم يقترن به الصّارف بحسب الظّاهر ، أن يكون هناك صارف مع غفلتهم عنه ، فينتفي القطع بإرادة الظّاهر ؛ لقيام هذا الاحتمال فتأمّل في عبارته (١) ». انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

بخليفة السلطان وسلطان العلماء.

فوض اليه في زمان الشاه عباس الماضي الصفوي أمر الوزارة والصدارة وصارت له مرتبة عظيمة عند السلطان حتى اختاره لمصاهرته فتزوج السيد بنته فرزق أولادا كثرة ، كلهم فضلاء أذكياء.

له تعليقات وحواش على كتب الفقه والأصول ، كلها في نهاية الدقة والمتانة ومن أحسنها وأشهرها : حاشيته على شرح اللمعة وكذلك على المعالم.

كان من تلامذة شيخنا البهائي وكانت عمدة تلمذه عليه وعلى والده السيد محمّد « رضوان الله تعالى عليه ».

توفي عليه الرحمة في أيام شاه عباس الثاني على وزارته في مرجعه من فتح قندهار ، في أشرف مازندران وذلك في سنة ١٠٦٤ ه‍ وحمل الى النجف الأشرف حيث مثواه الأخير « رضوان الله تعالى عليه »

إنتهى ملخصا بتصرف يسير من الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي ج ٢ / ٣٢٠

(٣) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٤) حاشية سلطان العلماء على المعالم : ٣٢٦.

٥٠٣

ومرجع الضّمير في قوله : ( إنّهم كانوا يجوّزون ) ـ المعدومون الموجودون بعد زمن الخطاب لا الموجودون في زمانه ، وهذا وإن كان يأباه كلام المحشّي إلاّ أنّه لا بد من أن يحمل عليه ؛ ضرورة أنّ المجوّز ـ في كلام المصنف ـ من تأخّر عن زمن الخطابات الكتابية فتدبّر.

وقال في تعليقه على قوله : ( فيحتمل الاعتماد في تعريفنا ... إلى آخره ) (١) ما هذا لفظه :

« لا يخفى أنّه على هذا لا حاجة إلى دعوى اختصاص أحكام الكتاب بالموجودين في زمن الخطاب ، وإن كان كلّها من قبيل خطاب المشافهة ؛ إذ على تقدير عموم الخطاب أيضا يكفي أن يقال : مع قيام هذا الاحتمال ينتفي القطع. والأولى جعل هذا جوابا آخر بعد التّنزّل عن ذلك ، فتأمّل » (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

وأنت خبير : بأنّ مراد صاحب « المعالم » ـ تفريع انتفاء مجموع الأمرين. أي : قطعيّة ظواهر الكتاب وكونها من الظّنون الخاصّة على الاحتمال المزبور ، كما يظهر من قوله : ( لابتناء الفرق ... إلى آخره ). وأصل المطلب وإن لم يكن مستقيما إلاّ أنّه لا دخل له بوضوح المراد.

وقال في تعليقه على قوله : ( ولظهور اختصاص الإجماع ... إلى آخره ) (٣)

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٩٤.

(٢) حاشية سلطان العلماء على المعالم : ٣٢٦.

(٣) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٩٤.

٥٠٤

ما هذا لفظه :

« الظّاهر أنّه عطف على قوله لابتناء الفرق ، فيكون دليلا آخر على تساوي ما يستفاد من ظاهر الكتاب وغيره » (١). انتهى كلامه.

وهو موافق لما أفاده الفاضل الطّبرسي في شرح مراده (٢). وقد قيل في بيان المراد : إنّ قوله : ( ولظهور اختصاص الإجماع ... إلى آخره ) ـ دفع لما يتوهّم توجّهه : من التّمسك بالإجماع والضّرورة الدّالين على المشاركة على حجيّة الظّواهر من حيث الخصوص أو على ثبوت الحكم المستفاد منها في حق الموجودين بعد زمن الخطاب من غير نظر إلى ذلك هذا.

ثمّ إنّه يورد على ما أفاده في « المعالم » بوجوه :

أحدها : أنّ مبنى حجيّة الأمارة من باب الظّن المطلق ومن جهة دليل الانسداد ، ليس على انسداد باب العلم والظّن الخاصّ في جميع الأحكام بل في أغلبها بل في كثير منها.

فالاعتراض بقوله : ( لا يقال ... إلى آخره ) ـ غير متوجّه على الاستدلال ؛ ضرورة أن قطعيّة الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب أو كونه مظنونا بالظّن الخاص مع عدم تحمّله لبيان أكثر الأحكام وعدم وفائه بها ، لا يوجبان انفتاح باب العلم في أكثر الأحكام بحيث لا يكون هناك مانع من الرّجوع إلى الأصول في مجاريها ومواردها ـ من جهة رفع العلم الإجمالي الكلّي بإعمال الأدلّة العلميّة أو الظّنية

__________________

(١) حاشية السلطان : ٣٢٦.

(٢) حاشية المولى محمد صالح المازندراني : ٢٣٢.

٥٠٥

بالظن الخاص ـ في تشخيص الأحكام الإلزاميّة الإجماليّة. غاية ما هناك عدم اعتبار الأمارات المطلقة في مورد وجود ظاهر الكتاب على هذا التقدير ؛ لانفتاح باب العلم الشّخصي بالفرض. فلا معنى للرّجوع إلى الظن المطلق المنوط بالانسداد. نعم ، فيما يكون الانسداد حكمة لاعتباره ، حكم باعتباره مطلقا ـ كما ستقف على تفصيل القول فيه ـ هذا.

ويمكن التّفصّي عنه : بأنّ مبنى اعتبار الظّن المطلق وإن لم يكن على انسداد باب العلم والظّن الخاص في جميع الفقه. وبعبارة أخرى : في تمام غير الضّروري من الأحكام الدّينيّة ، إلاّ أنّه قدس‌سره لما قرّر الدّليل على هذا الوجه بحيث يستنتج منه حجيّة الخبر حتّى في مورد وجود ظاهر الكتاب ، فلا محالة يتوجّه عليه السّؤال المذكور. ومن هنا اعتبر فقد السّنة المتواترة والإجماع بقول مطلق وفي جميع الأحكام.

ثانيها : أنّ ظاهره تسليم قطعيّة ظاهر الكتاب في حقّ المشافهين الموجودين في زمن الخطاب والموجودين بعده على تقدير شمول الخطاب لهم ، مع أنّها ممنوعة في حقّ المخاطبين الموجودين في زمن الخطاب فضلا عن غيرهم ؛ ضرورة أنّ قاعدة قبح تأخير القرينة ـ على تقدير تسليمها وعدم المناقشة فيها : بأنّ المصلحة قد تقتضي تأخير القرينة عن وقت الحاجة أيضا ـ إنّما تنفي احتمال تعمّد المتكلّم في ترك نصب القرينة ، لا سائر الاحتمالات الموجبة لزوال القطع بإرادة الظّاهر ، كاحتمال الغفلة والسّهو ولو من المخاطب في الالتفات إلى ما اكتنف به الكلام من القرائن الصّارفة أو احتمال اختفاء القرينة الصّارفة ، الموجودة في زمان الخطاب عنّا على تقدير شمول الخطاب لنا ؛ ضرورة أنّ شمول الخطاب

٥٠٦

لا يوجب نفي احتمال اختفاء القرينة الصّارفة.

ثالثها : أنّه لا معنى في مقام الجواب عن السّؤال للحكم بأنّ أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة حتّى مثل قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(١) الآية وقوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا )(٢) إلى غير ذلك. وقد اعترف في مقام تعريف الخطاب الشّفاهي وبيان المراد منه في مسألة الخطاب الشّفاهي بما ينافي كلامه في المقام.

رابعها : أنّ ابتناء حجيّة ظاهر الكتاب من حيث الخصوص على شمول الخطاب لنا ممنوع ؛ إذ قد عرفت فساده مشروحا. وإنّ إمكان اقتران الظّواهر بالقرائن واختفائها عنّا من جهة العوارض وتجويز ذلك ، لا فرق فيه بين القول بشمول الخطاب لنا وعدمه. كما أنّ عدم الاعتناء بهذا الاحتمال والتّجويز ، لا فرق فيه في حكم العرف والعقلاء والعلماء بين القولين ، فتفريع التّسوية على ذلك ممّا لا معنى له.

خامسها : أنّه لم يعلم معنى محصّل لقوله : ( فيحتمل الاعتماد في تعريفنا لسائر مواضع القرائن على الأمارات مع عدم توجّه الخطاب إلينا ). اللهمّ إلاّ أن يكون مراده الاحتمال المتفرّع على احتمال حجيّة الأمارات فتدبّر.

سادسها : أنّه لم يعلم معنى محصّل لقوله : ( ومع قيام هذا الاحتمال ... إلى آخره ) (٣) إن كان المشار إليه الاحتمال المستفاد من قوله : ( فيحتمل

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) البقرة : ١٧٥.

(٣) المعالم : ١٩٤.

٥٠٧

الاعتماد ) (١) ؛ إذ انتفاء القطعيّة بل الظّن الخاصّ مستند إلى عدم توجّه الخطاب إلينا كما يظهر من قوله : ( لابتناء الفرق على كون الخطاب ... إلى آخره ) (٢).

نعم ، لو كان المشار إليه الاحتمال المستفاد من قوله : ( ومن الجائز أن يقترن ... إلى آخره ) (٣). كان لما ذكره وجه ، بناء على ما زعمه من عدم قيام الدّليل على عدم الاعتناء باحتمال وجود الصّارف في حقّ غير المخاطب.

سابعها : أنّه لا معنى لما ذكره أخيرا بقوله : ( ولظهور اختصاص الإجماع ... إلى آخره ).

أمّا أوّلا : فلأنّ الظّاهر منه على ما استظهره بعض المحشّين كونه دليلا مستقلاّ على عدم حجيّة الظّواهر في حقّنا من حيث الخصوص. فيرد عليه : أنّه إن كان قيام الإجماع على الاشتراك مثبتا لحجيّة الظّواهر في حقّنا من حيث الخصوص ومانعا من الرّجوع إلى الخبر الواحد الّذي في مقابلها ، فلا بدّ من أن يجعل عدمه جزءا للدّليل على المدّعى كما لا يخفى. وإن لم يكن مثبتا لحجيّة الظواهر من حيث الخصوص ، فلا معنى لجعل عدمه دليلا على عدم حجيّتها كذلك.

وأمّا ثانيا : فلأنّه لا وجه لما ذكره من المنع أصلا ، إذ عدم عمل العلماء بالظّواهر عند قيام الخبر على الخلاف ، إنّما هو من جهة ذهابهم إلى حجيّة الخبر من حيث الخصوص ، لا أنّهم يرفعون اليد عنها مع فرض عدم ثبوت الحجيّة كما هو المفروض في كلامه ، هذا كلّه. مع أنّ الّذي يقتضيه التّحقيق في المقام عدم جواز

__________________

(١) نفس المصدر : ١٩٤.

(٢) أيضا نفس المصدر : ١٩٤.

(٣) أيضا نفس المصدر : ١٩٣.

٥٠٨

التمسّك بدليل الاشتراك أصلا ؛ إذ مفاده إثبات الكبرى الكليّة من غير أن يكون له نظر وتعلّق بإثبات الصّغريات ، وأن تكليف الحاضرين أيّ شيء؟

فلا بدّ في الإنتاج من التماس دليل آخر علميّ أو ظنّي خاص أو مطلق يتشخّص به تكليف الحاضرين ، حتّى ينضمّ إلى الكبرى الكلّية المذكورة ، فلا يمكن التّمسك بها لإثبات تكليفنا بالحكم المستفاد من ظاهر الكتاب إلاّ بعد إثبات حجيّة الظّواهر لتشخيص تكليف الحاضرين ، فإثبات حجيّتها بها دور ظاهر.

ودعوى : قيام الإجماع والضّرورة على الاشتراك ـ في خصوص الأحكام المستفادة من ظاهر الكتاب من غير جهة قيامهما على اشتراك جميع المكلّفين في جميع الأحكام ـ كما ترى.

مع أنّ الدّعوى المذكورة على تقدير تماميّتها يضرّ المستدلّ جزما. هذا على تقدير جعل قوله : ( ولظهور اختصاص الإجماع ... إلى آخره ) (١) دليلا مستقلاّ على المدّعى. ولو جعل دفعا لما يتوهّم من الاستدلال به على الحجيّة من حيث الخصوص الناشئ من كلامه : « وثبوت حكمه في حقّ من تأخّر ... إلى آخره » (٢) لم يتوجّه عليه بعض ما أوردناه على التّقدير الأوّل ، وإن كان خلاف ظاهر العبارة على ما عرفت. وإن كان ربّما يؤيّده عدم ظهور المعطوف عليه على التّقدير الأوّل فتأمّل.

__________________

(١) أيضا نفس المصدر.

(٢) المصدر السابق : ١٩٣.

٥٠٩

فتبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ الفرق المستفاد من كلامه معلّلا بما أفاده سواء كان موافقا لما أفاده في « القوانين » أو مخالفا له ، لا محصّل له.

نعم ، الفرق بين الحاضرين في مجلس الخطاب المخاطبين به والغائبين الموجودين أو المعدومين سواء قلنا بشمول الخطاب لهم أو عدم شموله سواء في الخطابات الكتابيّة الّتي اختلفوا في شمولها لغير الحاضرين أو الخطابات النبويّة أو الصّادرة من الأئمة عليهم‌السلام الّتي اتّفقوا على عدم شمولها لغير الحاضرين عدم اعتبار الفحص في العمل بالظواهر في حقّ الحاضرين واعتباره في الجملة في حقّ الغائبين ، مع ثبوت حجيّة الظواهر في حقّهم من حيث الخصوص ؛ ضرورة عدم منافاة الفحص عن المعارض للحجيّة إن لم يكن مثبتا للحجيّة كما لا يخفى.

(١٨٦) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّك قد عرفت أنّ مناط الحجيّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٦٩ )

تحقيق القول في أن الأصل في الاستعمال الحقيقة

أقول : تحقيق القول في المقام بحيث يرتفع به غواشي الأوهام والحجاب عن وجه المرام يقتضي بسطا في الكلام فنقول ـ بعون الملك العلاّم ودلالة أهل الذّكر عليهم الصلاة والسّلام ـ :

أنّه لا إشكال بل لا خلاف من أحد في أنّ الأصل في الاستعمال بعد العلم بالوضع وامتياز المعنى الحقيقي عن المجازي حمل اللفظ على معناه الحقيقي عند الدّوران بينه وبين الحمل على المعنى المجازي في الجملة ؛ فيحكم بكون المعنى الحقيقي : هو المقصود بالإفادة المطلوب إفهامه من اللّفظ إلاّ أن يكون هناك قرينة صارفة قاضية بحمل اللّفظ على المعنى المجازي.

٥١٠

وأنّ الغرض إفادته بمعونة القرينة وهو الّذي عرفت سابقا جريان السّيرة عليه في كلّ عصر وزمان وأنّ عليه مبني المخاطبة ، وهو المدار في التّفهيم بالكلام من لدن زمان آدم عليه‌السلام إلى الآن في كافة اللغات وجميع الاصطلاحات ، ولو لاه بطل حكمة جعل الألفاظ والغرض من تفهيم المرادات والمقاصد بها كما لا يخفى.

نعم ، هنا كلام في أنّ القاعدة المذكورة هل هي من القواعد الوضعيّة ـ المقرّرة من الواضع بتعيينه ووضعه بحيث يكون من مقتضيات الوضع نظير دلالة اللّفظ على تصوّر المعنى فيكون دلالة اللّفظ على الإرادة كتصوّر المعنى من اللّفظ من مقتضيات الوضع ـ أو أنّها من الأغراض المقصودة للواضع من الوضع من غير أن يكون مستندا إلى الوضع بالمعنى الّذي عرفته؟

فالوضع إنّما هو لتصوّر المعنى ، أمّا الحكم بإرادته فإنّما هو شيء آخر يتبع الوضع ؛ إذ بعد دلالة الألفاظ على المعاني يكون استعمالها في مقام البيان والتّفهيم مع شعور المتكلّم وعدم غفلته وذهوله شاهدا على إرادتها ؛ من حيث إنّ الغرض من وضع الألفاظ التّفهيم.

وهذا وإن كان هو الحقّ وعليه المحقّقون إلاّ أنّه كلام آخر لا تعلّق له بما هو المقصود بالبيان من كون الاستعمال دليلا في الجملة بالاتفاق عند الدّوران على إرادة المعنى الحقيقي.

ومثله الكلام في الحمل على إرادة المعنى المجازي عند اقتران اللّفظ بالقرينة العامة الصّارفة والمعيّنة. وقد عرفت الكلام في ذلك كلّه والخلاف عمّن خالف فيه في ظواهر الكتاب أو مطلق الظّواهر بالنسبة إلى غير المخاطب بالكلام أو غير المقصود بالتّفهيم منه.

٥١١

مناط الأصل المزبور

إنّما المقصود بالبحث في المقام : هو أنّ الأصل المذكور هل يناط بنفس وضع اللّفظ ـ من غير اعتبار كشف وظنّ في ذلك ولو نوعا؟ فيكون المناط على التعبّد ، كما ربّما يوهمه كلام من أدرج الأصل المذكور في الاستصحاب وجعله من أقسامه مع قوله باعتباره من باب التعبّد المطلق أو المقيّد.

أو يناط بالكشف والظّهور النّوعي الغير المنفك عن الوضع مطلقا؟ ولو قام هناك ما يوجب الظّن الشّخصي بالخلاف بشرط عدم اعتباره ـ كما يظهر من غير واحد ـ أو بشرط عدم قيام الظّن الشخصي على الخلاف مطلقا ، أو بشرط حصوله من أمارة لم يقم دليل قطعيّ على عدم اعتباره بالخصوص ، كما نسب إلى بعض.

أو يناط بحصول الظّن الشّخصي من نفس اللّفظ ، فلا يصحّ البناء عليه بعد انتفاء المظنّة بالمراد إذا استند إلى ما لم يقم دليل على عدم اعتباره بالخصوص ، كالقياس وشبهه كما اختاره بعض أفاضل المتأخّرين (١) ، أو مطلقا كما اختاره سيّد مشايخنا في محكيّ « المناهل ». أو إذا استند إلى وجود حجّة شرعيّة في المسألة على ما حكاه الأستاذ العلامة قدس‌سره وبعض المحقّقين عن بعض أفاضل المتأخّرين ، كما لا يصحّ البناء عليه إذا حصل الظّن الشّخصي بالمراد من غير جهة نفس اللفظ كفهم الرّاوي ، أو مذهبه ، أو استناد المشهور ، أو فهم الأكثر ، إلى غير ذلك.

أو يناط بحصول الظن الشّخصي بالمراد مطلقا ولو حصل بمعونة الأمور

__________________

(١) المولى المحقق الحاج محمد ابراهيم الكرباسي في إشارات الاصول / مخطوط.

٥١٢

الخارجيّة كما في الأمثلة المذكورة كما عليه بعض المتأخّرين.

أو يناط بالظّهور العرفي من اللّفظ بحيث يحمل عليه عند العرف من جهة دلالته عندهم وحكايته عنه في أنظارهم ولا يعتبر فيه الظّن بالمراد مطلقا مع فرض حكاية اللفظ وظهوره ، كما أنّه لا يضرّه مع الفرض المزبور قيام الظّن الغير المعتبر بأيّ وجه كان على الخلاف ، كما أنّه لا يكفي مجرّد الكشف النّوعي بالنّظر إلى نفس الوضع فهو برزخ بين جميع المراتب فقد يوجد مع الظّن الشّخصي بالخلاف ، وقد لا يوجد مع الشّك في المراد ، بل مع بعض مراتب الظّن مع تأمّل فيه.

وضابطه : أنّ احتمال إرادة خلاف الظّاهر إن كان مستندا إلى ما احتفّ اللّفظ والكلام به من حال أو مقال ـ يصلح أن يكون قرينة قد اعتمد عليه المتكلّم في إرادة خلاف الظّاهر ـ فلا يحمل عليه وإن لم يحصل الظن بإرادة خلاف الظّاهر ، من حيث إجمال اللفظ في الفرض وعدم ظهوره عند العرف وحكايته عن المعنى.

ومن هنا توقّف المشهور ، في بعض مراتب المجاز المشهور والعام المتعقّب بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، والجمل المتعقّبة بالاستثناء إلى غير ذلك ؛ من حيث عدم ظهور اللّفظ ، وإلاّ لم يقم هناك دليل تعبّدي من الشّارع يقضي بوجوب التّوقف عليهم مع ظهور اللّفظ في المعنى.

وإن كان مستندا إلى أمر خارج عن الكلام غير مقترن به ، فيحمل عليه وإن حصل منه الظن بإرادة خلاف الظاهر ، من حيث وجود المناط المزبور وظهور اللّفظ في المراد عند العرف وحكايته عنه ، وإن كان هذا الأمر المنفصل ممّا قام الدّليل على اعتباره ووجوب تصديقه من حيث السّند مع إجمال دلالته كما إذا

٥١٣

ورد في السّنة المتواترة مثلا عام وورد فيها أيضا دليل مجمل مردّد بحسب الدّلالة بين فرد من العام وغيره ، مثل : ( أكرم العلماء ) و ( لا تكرم زيدا ) مع اشتراك زيد بين عالم وجاهل ؛ فإنّه لا إشكال في عدم سراية الإجمال من الدّليل المنفصل إلى بيان العام.

نعم ، هنا كلام في عكس ذلك ، وسراية بيان العام إلى إجمال الدّليل المنفصل ورفع إجماله والحكم في المثال ـ : بأنّ المراد من قوله ( لا تكرم زيدا ) زيد الجاهل. وإلاّ لزم التخصيص ، في العموم من غير دليل على التخصيص كما استقربه شيخنا قدس‌سره في « الكتاب » ـ لا تعلّق له بالمقصود بالبحث في المقام ـ ، وجوه بل أقوال :

أقربها عند جمع من المحقّقين بل الأكثر وعند شيخنا قدّس الله أسرارهم الأخير.

ولمّا كان المرجع في المقام بناء أهل اللّسان والعرف وليس ممّا يرجع فيه إلى التعبّد من الشّارع على ما عرفت مرارا فكلّ فريق وقائل يستند إلى بناء أهل اللّسان والعرف في إثبات ما اختاره من الطّريقة والمسلك. ولا شبهة في كون بنائهم على ما عرفته أخيرا بل قد عرفت : أنّه ممّا اختاره الأكثر باعتقادنا ، بل المشهور.

وأمّا ما يتراءى من التّأمل في الأخذ بالخبر المخالف للمشهور أو طرحه ولو كان صحيحا في كلماتهم ، فليس من جهة مصادمة الشّهرة لدلالة الخبر ، بل من جهة مصادمتها لسنده وصدوره ؛ من حيث عدم دليل عندهم على وجوب تصديق الخبر المخالف للمشهور ؛ من جهة أنّ العمدة في المسألة الإجماع قولا وعملا ،

٥١٤

وليس منعقدا على الخبر المخالف لفتوى المشهور.

وهذا معنى الوهن بالشّهرة ، وإن هو إلاّ مثل جبر ضعف الخبر بالشّهرة ؛ فإنّ مرادهم من ذلك جبر ضعفه من حيث السّند لا جبر ضعفه من حيث الدّلالة كما لا يخفى.

وأمّا التمسّك في المقام بأخبار الاستصحاب كما عن بعض فسيجيء في محلّه وضوح ضعفه.

(١٨٧) قوله قدس‌سره : ( وهذا وإن لم يرجع إلى الاستصحاب المصطلح ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٧٠ )

في أن الاصل المذكور لا ربط له بالاستصحاب

أقول : ما أفاده : من عدم رجوع الأصل المذكور إلى الاستصحاب إلاّ بالتّوجيه أمر واضح لا سترة فيه أصلا ؛ ضرورة أنّ ثبوت الحكم المستفاد من العموم لما يشك في تخصيص العام بالنّسبة إليه مشكوك من أوّل الأمر ، فليس هنا متيقّن سابق بالنّسبة إلى الحكم حتّى يتصوّر فيه الاستصحاب الّذي هو بمعنى الحكم ببقاء ما كان ، كما أنّ العموم بمعنى الظّهور أمر وجدانيّ لا واقعي يتوهّم جريان الاستصحاب فيه فلا مناص من إرجاع استصحاب حكم العموم أو العموم مثلا في كلماتهم ـ على تقدير إرادة المعنى المصطلح الحقيقي ـ إلى استصحاب عدم القرينة على التّخصيص.

وبالجملة : نحن نصدّق من ادّعى الإجماع من الأصوليّين والأخباريّين على كون الأصل المذكور فيما يخبرون به عن حسّ ، أي : كون الأصل المذكور

٥١٥

متّفقا عليه بين الكلّ ، ولا نصدّقهم فيما يخبرون به عن حدس واجتهاد : من كون عنوان الأصل المذكور ، الاستصحاب.

(١٨٨) قوله قدس‌سره : ( وربّما فصّل بعض المعاصرين تفصيلا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٧٠ )

نقل كلام المحقق صاحب هداية المسترشدين في مناط أصالة الحقيقة

أقول : قال قدس‌سره في تعليقه على « المعالم » ـ بعد جملة كلام له في مناط أصالة الحقيقة ونقل الخلاف فيه ـ ما هذا لفظه :

« قلت : والّذي يقتضيه التحقيق في المقام : أن يقال : بالفرق بين ما يكون باعثا على الخروج عن الظّاهر ، بعد حصول الدّلالة بحسب العرف وانصراف اللّفظ إليه في متفاهم النّاس ، وما يكون مانعا من دلالة العبارة بملاحظة العرف وباعثا على عدم انصراف اللّفظ إليه بحسب المتعارف في المخاطبة ، وإن لم يكن ظاهرا في خلافه صارفا إليه عن ظاهره. وقد ينزّل عليه ما حكيناه عن بعض أفاضل المتأخّرين من المنع عن هذا الأصل المذكور إلاّ مع الظن بمقتضاه ، وما حكيناه عن بعض الجماعة من البناء على الأخذ به إلاّ مع قيام الدّليل على خلافه.

ولو فرض إجراؤهم له في غير المحلّ المذكور فهو من الاشتباه في مورده ، كما يتّفق كثيرا في سائر الموارد من نظائره وفي طيّ كلمات الأصحاب شواهد على التّنزيل المذكور ، فيرتفع الخلاف في المعنى.

وكيف كان : ففي الصّورة الأولى : يصحّ الاستناد إلى ظاهر العبارة حتّى يثبت المخرج ، ومجرّد الشّك في حصوله أو الظّن الغير المعتبر لا يكفي فيه ، فلو شك في ورود مخصّص على العام أو ظنّ حصوله من غير طريق شرعي وجب

٥١٦

البناء على العام ، ويدلّ عليه عمل العلماء خلفا عن سلف بالعمومات وسائر الظّواهر على النّحو المذكور ، حتّى يثبت المخرج بطريق شرعي.

كيف! ومن المسلّمات بينهم حجيّة استصحاب العموم حتّى يثبت التّخصيص ، واستصحاب الظّاهر حتّى يثبت التّأويل. ولم يخالف فيه أحد من القائلين بحجيّة الاستصحاب في الأحكام والمنكرين له قد حكوا الإجماع عليه من الكلّ كما سيجيء الإشارة إليه في محلّه إن شاء الله تعالى.

والحاصل : أنّه بعد قيام الحجّة ودلالتها على شيء لا بدّ من الأخذ بمقتضاها والوقوف عليها ، حتّى يقوم حجّة أخرى قاضية بالخروج عن ظاهرها وترك ما يستفاد منها. والظّاهر أنّ ذلك طريقة جارية بالنّسبة إلى التّكاليف الصّادرة في العبادات من المولى لعبده ، والوالد لولده ، والحاكم لرعيّته ، بل وكذا الحال في غير التكاليف من سائر المخاطبات الواقعة بينهم.

وأمّا الثّانية : فلا حجّة فيها للاستناد إلى ظاهر الوضع ؛ إذ الحجّة في المخاطبات العرفيّة إنّما هو ظاهر العبادة على حسب المفهوم في العرف والعادة ، فإذا قام هناك ما يرجّح الحمل على المجاز : بأن يرجّحه على الحقيقة ، بل : بأن يجعل ذلك مساويا للظهور الحاصل في جانب الحقيقة ، لم يحصل التّفاهم العرفي لتعادل الاحتمالين.

وإن كان الظّهور الحاصل في أحدهما وضعيّا وفي الآخر عارضيّا فيلزم التّوقف عن الحكم بأحدهما حتّى ينهض شاهد آخر يرجّح الحمل على أحد الوجهين ؛ إذ ليس انفهام المعنى من اللّفظ مبنيّا على التّعبّد ، وإنّما هو من جهة الظّهور والدّلالة العرفيّة على المراد ، والمفروض انتفاؤها في المقام.

٥١٧

ومن هنا ذهب جماعة إلى التّوقف في المجاز المشهور ، فلا يحمل اللّفظ عندهم على خصوص الحقيقة أو المجاز إلاّ بعد قيام القرينة على إرادة أحد المعنيين. منهم : المصنّف في ظاهر كلامه في « الكتاب » كما سيجيء إن شاء الله تعالى. وقد خالف فيه جماعة فرجّحوا الحمل على الحقيقة ، وآخرون فحملوه مع الإطلاق على المجاز.

والأظهر : بمقتضى ما بيّناه : التّفصيل ، والقول بكلّ من الأقوال المذكورة بحسب اختلاف مراتب الشّهرة ، فإن لم تكن بالغة إلى حدّ يعادل الظّهور الحاصل من ملاحظتها ـ ظهور الحقيقة ـ تعيّن الحمل على الحقيقة. وإلاّ فإن كان معادلا للحقيقة في الرّجحان لزم التّوقف ، فلا يحمل اللّفظ على أحد المعنيين إلاّ لقرينة دالّة عليه. وإن كانت ملاحظة الاشتهار مرجّحة للحمل على المجاز : بأن كان الظّهور الحاصل منها غالبا على الظّهور الحاصل من الوضع ، كان المتعيّن حمله على المجاز.

ويجري ما ذكرناه من التّفصيل بالنّسبة إلى سائر القرائن القائمة في المقام ممّا ينضم إلى ظاهر الكلام. فإنّه قد يقرب المعنى المجازي إلى الفهم ، من غير أن يبلغ به في الظّهور إلى درجة الحقيقة فتعيّن معها الحمل على الحقيقة أيضا ، وإن ضعف فيها الظّهور الحاصل من قبلها ، أو يجعله مساويا لإرادة الحقيقة أو غالبا عليها ، فيتوقّف في الأوّل ولا يحمل اللّفظ على الحقيقة مع عدم كون القرينة صارفة عنها إلى غيرها ، وإن صرفه عن الحمل عليها وجعلت إرادة المجاز مكافئة لإرادتها فدار الأمر بين إرادته وإرادتها وتعيّن حمله على المجاز في الأخير ؛ لبناء المخاطبات على الظّنون الحاصلة من العبارات ـ سواء كانت حاصلة

٥١٨

بملاحظة الأوضاع أو انضمام القرائن على اختلاف مراتبها في الوضوح والخفاء ـ إذ لا يعتبر في القرينة أن يكون مفيدة للقطع بالمراد. فظهر بما قرّرناه : أنّه لا وجه لاعتبار حصول الظّن بالفعل بما هو مقصود المتكلّم في الواقع » (١).

إلى أن قال :

« هذا كلّه مع العلم بوجود الشواهد المفروضة المتقاربة لتأدية العبارة أو العلم بانتفائها أو الظّن بأحد الجانبين أمّا لو لم يعلم بمقارنة القرائن ولا بعدمها ، واحتمل وجودها بحسب الواقع ، ولو لم يحصل ظنّ بأحد الجانبين ، فهل يحكم بأصالة الحمل على ظاهر اللّفظ؟ ـ من دون ظن بالمراد وبما هو مدلول العبارة بحسب الواقع ـ أو لا بدّ من التّوقف ـ لعدم العلم أو الظّن بانفهام المعنى المفروض من العبارة حين التّأدية وبدلالتها عليه بحسب العادة حتّى يستصحب البناء عليه كما في الفرض المتقدّم ـ وجهان : أوجههما الأوّل » (٢). انتهى ما أردنا حكايته من كلامه قدس‌سره.

وهو وإن لم يخل عن بعض المناقشات : مثل إجزاء استصحاب الظّهور ونحوه إلاّ أنّ الغرض من نقله بطوله وبألفاظه تصديق النّاظر فيه ، ما استفاده شيخنا ـ الأستاذ العلاّمة قدس‌سره ـ منه.

__________________

(١) الشيخ محمّد تقي الإصفهاني في هداية المسترشدين : ٤٠ ط ق وج ١ / ٢١٠ ـ ٢١٢.

(٢) هداية المسترشدين في شرح معالم الدين : ٤١ / ط ق وج ١ / ص ٢١٣ ط جماعة المدرسين.

٥١٩
٥٢٠