بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

المرارة بقوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(١) على ما يقتضيه ظاهر الآية ؛ فإنّ السؤال لم يكن عن وجوب المسح على البشرة وعدمه وإنّما هو عن كيفيّة الوضوء ؛ فإنّ الظّاهر من الآية هو نفي الحكم الحرجي وهو : المسح على البشرة في مفروض السؤال لا وجوب المسح على المرارة ؛ فإنّ هذا حكم إثباتيّ لا تدلّ عليه الآية الشّريفة ، وليس وجوب المسح على البشرة منحلاّ إلى تكليفين مترتبين بمقتضى ما دلّ على حكم الوضوء حتّى يبقى أحدهما مع انتفاء الآخر.

واستفادة ذلك ممّا دلّ على وجوب الإتيان بالميسور عند تعذّر المطلوب بتمامه أو تعسّره وحرمة ترك الكلّ عند عدم التّمكن من إدراك الكلّ ونحوهما ليس له دخل بالآية النّافية للحكم العسري. مع أنّ في استفادة الحكم المذكور منها أيضا ما لا يخفى ؛ لأنّ موردها المركّبات الخارجيّة أو الذّهنيّة التي لها مقتضى للثبوت بحكم العرف ، وليس المقام من شيء منهما.

ومنه يعلم النّظر فيما أفاده الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) بقوله : « لكن يعلم عند التّأمل أنّ الموجب للحرج هو اعتبار المباشرة في المسح (٢) فيمسح على الإصبع المغطّى ) (٣).

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) هنا سقط بالإضافة إلى الأصل ففي المطبوع بعد قوله : ( في المسح ) : « فهو الساقط دون أصل المسح فيصير نفي الحرج دليلا على سقوط اعتبار المباشرة في المسح ، فيمسح على الإصبع المغطّى ».

(٣) فرائد الأصول : ج ١ / ١٤٧.

٤٢١

توضيح النّظر : أنّ الآية الدالة على حكم الوضوء لا تدلّ على وجوب الأمرين : أحدهما : أصل المسح. والثّاني : اعتبار مباشرة الماسح للممسوح ، حتّى يقال ببقاء الأوّل بعد ارتفاع الثّاني. بل المستفاد منه : أمر بسيط. وهو وجوب المسح على الرّجل والمفروض تعسّره فالآية النّافية للحكم الحرجي تدلّ على ارتفاع أصل وجوب المسح بعد استظهار حكم المسح ، بل قضيّة القاعدة في الجملة : عدم سقوط التكليف عن أصل الوضوء أيضا في الجملة.

ومنه يعرف التّأمل أيضا في تقريب الاستدلال الّذي ذكره الأستاذ العلاّمة بالآية الشّريفة بقوله : ( فإذا أحال الإمام عليه‌السلام استفادة مثل هذا الحكم إلى الكتاب ... إلى آخر ما ذكره ) (١).

ومن هنا يقرب في النّظر التّصرف في ظاهر قوله عليه‌السلام : ( يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ) (٢).

فإنّ الظّاهر منه وإن كان استفادة تمام كيفيّة الوضوء من الآية الشّريفة بحيث يظهر منه : أنّها لم تكن محتاجة إلى السّؤال بعد وجود الآية النّافية للحكم الحرجي في الكتاب.

لكن ـ بعد ملاحظة ما ذكرنا ـ لا بدّ من أن يقال : بأنّ المراد استفادة نفي وجوب المسح على البشرة من ظاهر الكتاب ، وأنّ قوله عليه‌السلام : ( امسح عليه ) (٣)

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ١٤٧.

(٢) مرّ ذكر المصدر قريبا.

(٣) المصدر السابق.

٤٢٢

إنشاء ابتدائي من الإمام ، لا كونه مبنيّا على ما يستفاد من الآية الشّريفة.

ولكن يمكن أن يقال ـ بعد التّفصّي عن الإشكال المذكور ، بعد التزام كون المراد استفادة تمام كيفيّة الوضوء من الآية ، وأنّ الآية محمولة على ظاهرها ، والقول بجريان القاعدة المستفادة ممّا دلّ على وجوب الإتيان بالميسور من المأمور به في المقام وأمثاله ـ : بأنّه لما كانت القاعدة المذكورة من المركوزات في أذهان جميع العقلاء فالآية بملاحظة تلك القاعدة المركوزة تدلّ على وجوب المسح على المرارة فتأمّل.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو إشكال في الرّواية على ما يقتضيه ظاهرها ولا دخل له بدلالة الرّواية على المدّعى فإنّها لا إشكال فيها على كلّ تقدير كما هو ظاهر.

(١٧١) قوله : ( والظّاهر ولو بحكم أصالة الإطلاق ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٤٨ )

أقول : قد يورد عليه : بأنّ الإطلاق في المطلقات لا يوجب التصرّف في المقيّد بل المتعيّن حمل المطلق على المقيّد.

ولكنّك خبير بفساد هذا الإيراد ؛ لأنّ المقام ليس ممّا يحمل فيه المطلق على المقيّد فإنّه من دوران الأمر في المقيّد بين أن يكون المراد منه ما يوجب قلّة التّقييد وبين أن يكون المراد منه ما يوجب كثرة التّقييد ، ومن المعلوم لزوم حمل المطلق على الأوّل في أمثال المقام. وهذا لا دخل له بالمسألة المفروضة فتأمّل.

ثمّ إنّه ليس في هذا التّقييد منافات لما ندّعيه ؛ فإنّا لا ندّعي عدم الافتقار إلى التّفسير فيما كان المراد خلاف الظّاهر من الكتاب وإنّما الكلام في حجيّة ظواهر الكتاب.

٤٢٣

في علاج تعارض الأخبار المتواترة وكيفيته

ثمّ إنّك بعد ما عرفت التّعارض بين الأخبار وأنّها متواترة من الطّرفين فلا يمكن التّرجيح بينها بحسب السّند فاستمع لما يتلى عليك من الكلام في علاجها فنقول :

إنّه لا ينبغي الرّيب والإشكال في لزوم التّصرف في الأخبار المانعة على فرض تسليم ظهورها في المنع كما هو لازم فرض التّعارض بينها وبين ما دلّ على الجواز ؛ لأنّ الأخبار الدّالة على الجواز نصّ في المدّعى بحيث لا يحتمل إرادة ما ينافي ظاهر الأخبار المجوّزة كما هو ظاهر لمن أعطى حقّ النّظر فيها.

سلّمنا أنّها ليست نصا ، ولكنّها أقوى ظهورا من الأخبار المانعة قطعا فيتعيّن التّصرف فيها أيضا ، وحملها على القول في الكتاب على خلاف ظاهره أو أحد معانيه المحتملة من دون ظهور. سلّمنا عدم أظهريّتها منها ، ولكن من المقرّر عندنا تبعا للمحقّقين لزوم الرّجوع في تعارض الظّاهرين القطعيّين سندا إلى الأصل لا إلى التّخيير.

ومن المعلوم أنّ قضيّة القاعدة ـ المستفادة من أهل اللّسان والعرف ـ هو جواز العمل بظواهر القرآن ، وإن كان قضيّة الأصل الأوّلي حرمة العمل بما وراء العلم مطلقا ـ على ما عرفت تفصيل القول فيه ـ إلاّ أنّه لا يجوز الرجوع إليه ، بعد كون قضيّة القاعدة الثّانويّة ـ في خصوص ظواهر الألفاظ ـ الجواز ، على ما عرفت تفصيل القول فيها.

٤٢٤

(١٧٢) قوله قدس‌سره : ( قلت : هذه شبهة ربّما تورد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٤٩ )

أقول : لمّا كان مدرك وجوب الفحص عن المخصّص والمقيّد وغيرهما من الصّوارف للظّواهر أمورا كالإجماع القولي والعملي والعلم بوجود الصّوارف للظّواهر ونحوها ، ولم يكن مقتضى الأوّلين سقوط الظّواهر عن الظّهور والاعتبار ـ كيف! ومقتضاهما حجيّة الظّواهر ، فإنّ مبنى وجوب الفحص هو التفحّص عمّا أوجب الشّارع العمل به كما أوجب العمل بهذا ؛ لأنّه راجع في الحقيقة إلى الفحص عن المعارض للدّليل الشّرعي وكان مقتضى الثّالث سقوط الظّواهر عن الظّهور ؛ لأنّ العلم الإجمالي كما يرفع موضوع الأصول العمليّة كذلك يرفع مناط اعتبار الأصول اللّفظية أيضا ؛ إذا كان من سنخ ما يرفع اعتبار الأصول العمليّة مثل العلم الإجمالي في الشّبهة المحصورة في الجملة وشبهة الكثير في الكثير الّتي ترجع إلى الشّبهة المحصورة حقيقة أو مطلقا على وجه ستقف عليه إن شاء الله تعالى في طيّ أجزاء التّعليقة ، لا أن يكون مقتضيا لوجوب الفحص تعبّدا ـ فلذا تمسّك به للأخباريين في المنع عن جواز العمل بظواهر الكتاب حتّى بعد الفحص كما هو مقتضى السّؤال.

وبيان الشّبهة وتقريرها بعبارة أوضح وأوفى ممّا في « الكتاب » :

أنّه إمّا أن نقول بتأثير العلم الإجمالي بوجود الصّوارف للظّواهر وإيجابه الإجمال فيها ورفع الظّهور عنها كما يرفع اعتبار الأصول العمليّة في الجملة على ما هو التّحقيق عندنا.

وإمّا أن لا نقول بذلك.

فإن قلنا بتأثيره في ذلك فلا أثر للفحص إذا لم يحصل منه القطع بعدم وجود

٤٢٥

الصّارف ؛ لأنّ مقتضى كون الشّيء من أطراف العلم الإجمالي هو بقاء أثر العلم الإجمالي ما لم يقطع بخروجه عنها.

ومن المعلوم ضرورة أنّ مورد الرّجوع إلى الأصول اللفظيّة هي صورة الشّك في المراد ، وإلاّ لم يكن أصلا وهو خلف ، فلازم هذا الفرض هو التّوقّف وعدم العمل باللّفظ ؛ لعدم ظهور له ـ سواء كان قبل الفحص أو بعد الفحص ـ لأنّ الفحص إنّما يكون مؤثّرا فيما أوجب العلم بخروج الشيء عن أطراف العلم الإجمالي ـ سواء كان في العمل بالأصول العمليّة أو اللفظيّة على ما عرفت الإشارة إليه ـ ولذا لم يقل أحد بجواز التمسّك باللفظ المجمل بالذّات كالمشترك أو بالعرض كما في المتعارضين بالتّعارض العموم من وجه بالنّسبة إلى مورد الاجتماع بعد الفحص عمّا أراده المتكلّم منه ، ولم يذهب أحد إلى جواز التمسّك بالأصول العمليّة في صورة العلم الإجمالي ممّن قال بإيجابه رفع اعتبارها من جهة التّعارض أو غيره بعد الفحص عن المعلوم بالإجمال بالنّسبة إلى أحد أطراف الشّبهة.

ومن هنا تعرف النّظر فيما عليه جماعة من القول بكفاية الظّن الحاصل من الفحص بعدم الصّارف للظّواهر ، للزوم الحرج وتعطيل الأحكام لو بني على وجوب تحصيل العلم بعدم الصّارف.

توضيح النّظر : أنّ مجرّد لزوم الحرج من تحصيل العلم بعدم الصّارف مع كون اللّفظ من أطراف العلم الإجمالي لا يوجب ظهور اللّفظ في المراد والكشف عنه بنفسه الّذي هو المدار في ظواهر الألفاظ. وأمّا الظّن الحاصل من الفحص بعدم الصّارف المستلزم للظّن بالمراد على تقدير تسليم حصوله والغضّ عمّا أورد عليه :

٤٢٦

بأنّ غاية ما يحصل من الفحص الظّن بعدم القرينة فيما بأيدينا لا مطلقا فليس دليل على اعتباره ؛ لأنّه ليس ظنّا مستندا إلى اللّفظ حتّى يدخل في ظواهر الألفاظ المعتبرة من حيث الخصوص ، فإن لم يكن هناك مانع من الرّجوع إلى الأصل براءة أو احتياطا أو غيرهما ، فليرجع إليه بعد التّوقف في مقام الاجتهاد. وإلاّ فيبنى على حجيّة الظّن المذكور من باب الظّن المطلق الثّابت اعتباره بدليل الانسداد.

وهذا خلاف ما يقول به القائلون بالقول المذكور ؛ فإنّ ظاهرهم الالتزام باعتبار الظّن المذكور من حيث دخوله تحت ظواهر الألفاظ الثّابتة اعتبارها من باب الظّن الخاصّ ، مع أنّ قضيّة لزوم الحرج وتعطيل الأحكام ليست تحصيل الظّن بعدم الصّارف ، بل الفحص بمقدار أوجب اليأس عن الوقوف على الصّارف. مع أنّه لا معنى للفرق بين الظّن الحاصل من الفحص وبين الحاصل من غيره من دون فحص بعد ما كان المناط هو حصول الظّن بالمراد ولو من غير اللفظ فتأمّل.

ومنه تبيّن : أنّ القول بلزوم الفحص على تقدير القول بتأثير العلم الإجمالي في الإجمال ممّا لا معنى ولا محصّل له بعد بقاء الإجمال بعد الفحص أيضا ، كما أنّه يعلم منه : أنّ المراد من كون وجوب التّوقف من آثار العلم الإجمالي كونه من آثاره بواسطة إيجابه الإجمال المقتضى للتّوقف ، هذا كله على تقدير القول بتأثير العلم الإجمالي فيما عرفت.

وإن لم نقل بتأثيره فيما ذكر فلا معنى للقول بلزومه ؛ لأنّه إمّا أن يكون المراد من الوجوب الثّابت له : هو الوجوب النّفسي أو الوجوب الغيري.

فإن كان الأوّل ؛ فيرد عليه ـ مضافا إلى أنّه لم يقل أحد بالوجوب النّفسي للفحص ـ : أنّه لم يقم على وجوب ذلك دليل.

٤٢٧

وإن كان المراد : هو الوجوب الغيري لرفع الإجمال. ففيه : أنّ مفروض الكلام على تقدير القول بعدم تأثير العلم الإجمالي في إجمال الأصول اللفظيّة كما هو مقتضى قول جماعة بالنّسبة إلى العلم الإجمالي القائم على خلاف الأصول العمليّة ، فلا معنى للوجوب الغيري على هذا القول كما هو ظاهر.

ثمّ إنّه لا فرق على تقدير القول الأوّل بين وقوف المجتهد على عدّة من الصّوارف بعد الفحص وبين عدم وقوفه عليها ؛ لأنّ مجرّد الوقوف على الصّوارف بالنّسبة إلى غير المورد الذي يريد فيه التمسّك بالأصل لا يجدي في شيء.

ثمّ إنّ نظير هذا الإشكال ـ الوارد على المتمسّك لوجوب الفحص في العمل بالأصول اللّفظيّة بالعلم الإجمالي بوجود الصّوارف ـ يرد على المتمسّك على وجوب الفحص في العمل بالأصول العمليّة بالعلم الإجمالي بوجود الأحكام من الحليّة والحرمة والوجوب والاستحباب والكراهة ؛ إذ العمل بها من دون فحص موجب لطرح العلم الإجمالي بحسب العمل ، وتقرير الإشكال يظهر بملاحظة ما عرفت فلا طائل في إطالة الكلام.

ثمّ إنّ ورود هذا النّقض والإشكال لمّا لم يكن مختصّا بمن تمسّك بالعلم الإجمالي لوجوب الفحص ، بل هو إشكال يرد على كلّ أحد ممّن قال بانسداد باب العلم في أمثال زماننا ، سواء تمسّك للمطلب المذكور بالعلم الإجمالي أم لا ؛ لأنّ العلم الإجمالي حاصل لنا في أمثال زماننا ـ بل في زمان الحضور في الجملة ـ بوجود الصّوارف للظّواهر وبوجود الأحكام في الشّريعة بل في كلّ شريعة على خلاف الأصول بقول مطلق ، ولم يكن لهذا الإشكال دخل بالأخباري ولا بالأصولي ، فإنّما هو إشكال نشأ ممّا عرفت من غير دخل له بخصوص ظواهر

٤٢٨

الكتاب ، بل يرد على ظواهر السّنة أيضا ، فلا مناص عن دفع هذا الإشكال على كلّ من يرى التّأثير للعلم الإجمالي في الإجمال كما هو الظّاهر المتفق عليه بينهم وإن اختلفوا في تأثيره بالنّسبة إلى الأصول العمليّة.

وأمّا الجواب عن استدلال الأخباريّين ، فيكفي فيه النّقض بظواهر السّنة إن لم يدّعوا انفتاح باب العلم ، كما يظهر من بعض غفلتهم ممّن أولع في الطّعن على رؤساء المذهب وأساطين علماء الشّيعة ، فبالحريّ أن نذكر جملة ممّا تفصّوا به عن الإشكال المذكور لتعرّض الأستاذ العلاّمة لبعضها فنقول :

إنّ ما ذكر للتفصّي عنه وجوه :

الأوّل : ما عرفت تضعيفه في تقرير الإشكال : من أنّ الظّن بعدم وجود الصّارف الحاصل من الفحص كالعلم بعدم الصّارف بمقتضى ما دلّ على نفي الحرج ولزوم حفظ الأحكام وهو ظن خاصّ في تعيين الصّارف ، وقد عرفت الإشارة إلى ضعفه ، وأن الظّن المذكور لا يوجب إعادة الظهور للكلام المجمل ، لذا لم يقل أحد بعود الظّهور فيما كان اللفظ مجملا بالذّات أو بالعرض كما في العامّين من وجه ، مع الظّن بإرادة أحد المعاني من اللّفظ بعد الفحص التّام هذا. ويأتي الإشارة إلى ذلك في كلام الأستاذ العلاّمة أيضا في توجيه كلام المحقّق القمّي (١) فتدبّر.

نعم ، لا إشكال في نفع الظّن المذكور بالنّسبة إلى ما لم ينط اعتباره بالظّن والظّهور كالأصول العمليّة ، كما أنّ الأمر في الأصول اللّفظيّة على هذا النّمط ـ على

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ١٦٠.

٤٢٩

تقدير القول بكون اعتبارها من باب التّعبّد ـ كما يظهر من مطاوي كلمات بعض من تأخّر حسبما ستقف على تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى.

ولكنّه ضعيف في الغاية ، هذا كلّه على تقدير إفادة الفحص للظّن بالمراد من اللّفظ وإلاّ فعدم الاعتماد عليه أوضح.

الثّاني : ما ذكره الأستاذ العلاّمة ـ فيما سيأتي من كلامه ـ في طيّ تقرير الدّليل على حجيّة أخبار الآحاد : من منع حصول العلم الإجمالي والإجمال بالنّسبة إلى جميع العمومات والإطلاقات ونحوهما ، وإنّما هو مختصّ بعمومات وإطلاقات خاصّة. وفيه ما ستقف عليه من ضعفه أيضا.

الثّالث : ما ذكره دام ظلّه في المقام وحاصله : تسليم أنّه لا يجوز الرّجوع إلى الأصل بعد العلم الإجمالي ما لم يقطع بخروج مورده عن أطراف العلم ، ولكنّه في المقام حاصل ، ولا يوجب حصول القطع بالمراد حتّى يمنع من جريان الأصل.

وتوضيح ذلك : أنّ العلم الإجمالي بوجود الصّوارف إن كان متعلقا بجميع الكتب المدوّنة في جميع الأخبار من الموجودة بأيدينا وغيرها ، كان الأمر كما ذكر من عدم الجدوى في الفحص في جواز التّمسك بالظّواهر لبقاء الإجمال ؛ إذ غاية الأمر القطع بعدم الصّوارف فيما بأيدينا من الكتب ، وهو لا يجدي لعدم اختصاص المعلوم بالإجمال بها.

وإن كان متعلّقا بخصوص ما بأيدينا من الكتب فلا إشكال في وجود الجدوى في الفحص ؛ لأنّه بالفحص يحصل القطع بخروج الظّاهر عن أطراف العلم الإجمالي ويجري الأصل بالنّسبة إلى الصّوارف الّتي يحتمل وجودها في غيرها بالشّك البدوي الغير المانع من الرّجوع إلى الأصل ، فهذا نظير ما لو علم الشّخص

٤٣٠

بوقوع قطرة من البول مثلا في أحد من الإناءات ، ثمّ حصل له العلم من الفحص أو غيره ، بعدم وقوعها في إناء خاصّ ، لكنّه يحتمل نجاسته بواسطة احتمال وقوع نجاسة أخرى غير النجاسة المعلومة إجمالا ؛ فإنّ أحدا لا يتوهّم ـ على هذا التّقدير ـ : عدم جواز الرّجوع إلى أصالة الطّهارة من جهة هذا الاحتمال ، فهو مع كونه شاكّا متردّدا في النّجاسة يرجع إلى الأصل ، لكنّ المشكوك ليس النّجاسة المتيقّنة.

فمنه يعلم أنّه لا يشترط تحصيل القطع بعدم الصّارف في الواقع ولا الظّن بذلك ، بل يكفي العلم بعدم الصّارف فيما بأيدينا وإن كان الشّك باقيا بالنّسبة إلى أصل وجود الصّارف في الواقع.

ومرجع هذا الجواب ـ كما ترى ـ إلى تخصيص دائرة المعلوم بالإجمال بما يقدر على الوقوف عليه بعد الفحص عنه فيما بأيدينا.

والوجه فيه : أنّ العلم بمصروفيّة الظّواهر عن ظاهرها وكون المراد منها خلاف ما يقتضيه أوضاعها اللّغوية أو العرفيّة ـ إنّما حصل من الرّجوع إلى الكتب الموجودة والوقوف فيها على تلك الصّوارف على سبيل الإجمال ، فعلم من ذلك : عدم بقاء الظّواهر على ظهورها إجمالا. وأمّا سائر الكتب فلم نقف عليها حتّى نعلم بكونها مشتملة على أشياء لم يشتمل عليها هذه الكتب ممّا ورد من الشّارع ، بل الظّاهر اشتمال ما بأيدينا على ما روي فيها ممّا يجب التّعبّد به ، واحتمال خلافه ممّا لا يعتنى به في رفع اليد عن العمل بالأصول اللّفظية ، والعلم الإجمالي بالصّوارف ليس نظير العلم الإجمالي بوجود الأحكام في الشّريعة على خلاف الأصول العمليّة حتّى يقال : بأنّ العلم الضّروري : بأنّ كلّ نبيّ وصاحب دين ، له

٤٣١

أحكام ـ حاصل لكلّ أحد قبل الوقوف على الكتب ، فلا معنى لدعوى اختصاص الأحكام المعلومة إجمالا بما في الكتب الموجودة من الأحكام بحيث يقدر على الوقوف عليها بعد الفحص والتفتيش عنها.

ومن هنا أورد الأستاذ العلاّمة في مطاوي كلماته على التفصّي عن الإشكال الوارد على الرّجوع إلى الأصول العمليّة بعد الفحص ـ بما عرفت : من دعوى اختصاص المعلوم بالإجمال بما بأيدينا ـ : بأن الدّعوى المذكورة ممّا لا معنى له ؛ لأنّ العلم حاصل بطريق الضّرورة بوجود الأحكام لكلّ نبيّ قبل الوقوف على الكتب ؛ لأنّ هذا العلم ليس مختصّا بالخواص المتتبّعين في كتب الأخبار الآثار الواردة من الأئمة الأطهار ( سلام الله عليهم ) وإن تفصّى ( دام ظلّه ) عن الإشكال المذكور بالوجه المزبور بالنّسبة إلى الأصول العمليّة في بعض كلماته الآخر.

نعم ، لو اندرس « نعوذ بالله » أكثر ما بأيدينا من الكتب ، كان لو ورد الإشكال المذكور وجه وجيه ، لكنّه ممّا لم يقع قطّ إن شاء الله تعالى ، هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظلّه ) في المقام.

ولكنّك خبير بأنّه لا يخلو عن تأمّل ، ولذا أورد عليه بما ستقف عليه في مطاوي كلماته : بأنّ الدّعوى المذكورة ضعيفة جدّا بل ذكر ( دام ظلّه ) ـ في موضع من كلامه ستقف عليه عن قريب ـ : أنّ دعوى قلّة ما بأيدينا من الصّوارف وما وقفنا عليه بالنّسبة إلى ما لم نقف عليه ليس ببعيد كلّ البعد بل هي قريبة جدّا فتدبّر.

الرّابع : ما قد يخطر ببالي القاصر في دفع الإشكال من المقامين : من أنّ دعوى اختصاص المعلوم بالإجمال من الأحكام على خلاف الأصول العمليّة

٤٣٢

والصّوارف على خلاف الأصول اللّفظيّة بما في أيدينا وإن كانت ضعيفة كما ضعّفها الأستاذ العلاّمة إلاّ أنّا ندّعي دوران الأمر في أصل المعلوم بالإجمال بين الزّائد على خلاف ما نقف عليه بعد الفحص فيما بأيدينا وبينه ، ومن المعلوم : أنّ قضيّة القاعدة العقليّة والشّرعيّة في دوران الأمر بين الزّائد والنّاقص ـ سيّما فيما لم يكونا ارتباطيّين ـ هو البناء على النّاقص.

ولذا لا يمكن لأحد أن يلتزم بالاحتياط عن إناء علم بعدم وقوع القدر المتيقّن من قطرات الدّم فيه واحتمل نجاسته بواسطة احتمال الزيادة فيما لو علم بوقوع قطرات من الدّم في جملة من الإناءات كالعشرة مثلا ولم يعلم أنّها عشر قطرات أو أزيد ، ثمّ قطع من الخارج بعدم وقوع شيء من المقدار المتيقّن في إناء منها ، واحتمل نجاسته بواسطة احتمال الزّيادة في مقدار المعلوم بالإجمال ، بل المتعيّن إذن الرّجوع إلى الأصل.

نعم ، الفرق بين نفي الزّائد بالأصل في الشّبهة الحكميّة وبينه في الشّبهة الموضوعيّة : افتقار الرّجوع إلى الأصل في الشّبهة الحكميّة بالفحص عن مقدار المعلوم بالإجمال ، كما هو الشّأن في جميع الأصول الجارية فيها ، وعدم افتقار الرّجوع إلى الأصل لنفي الزّائد في الشّبهة الموضوعيّة إلى الفحص عن مقدار المعلوم بالإجمال ، كما هو قضيّة القاعدة في جميع الأصول الجارية فيها ويمكن إستفادة هذا الوجه من مطاوي كلماته ( دام ظلّه العالي ) هذا.

ولعلّنا نتكلّم في هذا زيادة على ما عرفت بعد هذا إن شاء الله تعالى.

(١٧٣) قوله : ( وفيه مواقع للنّظر والتأمّل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٥٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مواقع النّظر في كلامه كثيرة إلاّ أنّا نذكر جملة منها :

٤٣٣

أحدها : أنّ جعل مقتضى المقدّمة الثّانية عدم العمل بالظّواهر معلّلا بقوله : ( لأنّ ما صار متشابها ... إلى آخره ) (١) ممّا لا معنى له ؛ لأنّ فرض الكلام في الظّواهر ، لا يجامع التّعليل بعدم حصول الظّن بالمراد ؛ لأنّ الكلام في مفروض البحث ـ بعد حصول الظّهور ـ على أنّ أداء المقصود بالبيان المذكور ، لا يخلو عن شيء ؛ لأنّ مقصوده : أنّ المتشابه أعمّ من المجمل والظّاهر. فالمجمل منه لا يحصل منه الظّن بالمراد ، والظّاهر منه مندرج تحت أصالة حرمة العمل بغير العلم. ومن المعلوم أنّ هذا المقصود لا يستفاد من العبارة المذكورة.

ثانيها : أنّ دعوى مساواة المحكم للنّص ، ممّا لا شاهد لها ؛ لأنّ الظّاهر ، بل المعلوم شمول المحكم للظّاهر أيضا كما بيّن في محلّه.

ثالثها : أنّ التمسّك بالأخبار المانعة عن التّفسير ممّا لا معنى له في المقام على ما عرفت تفصيل القول فيه.

رابعها : أنّ الخروج من مقتضى المقدّمة الأولى ، بواسطة الأصل الأوّلي ممّا لا معنى له ، بل المتعيّن العكس ؛ لأنّ بناء أهل اللّسان على العمل بظواهر الألفاظ بضميمة ما دلّ بطريق القطع على اتّحاد طريق التّفهيم عند الشارع والعرف رافع لموضوع الأصل الأوّلي كما هو ظاهر.

خامسها : أنّ التمسّك بما دلّ من الآيات على حرمة العمل بالظّن مع كونها من ظواهر الكتاب ممّا لا معنى له ـ لهذا المستدلّ الّذي يمنع من التمسّك بظواهر

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٥٢ وهو من كلام السيّد صدر الدّين الرضوي القمي في شرح الوافية المخطوط انظر : ص ١٤٠ ـ ١٤٦ من المخطوطة.

٤٣٤

الكتاب ـ إذ الآيات النّاهية عن العمل بما وراء العلم ليست قطعيّة الدّلالة ؛ لاحتمال كون المراد النّهي عن اتّباع الظّن في خصوص أصول الدّين كما ذكره المحقّق القمي قدس‌سره وغيره. اللهم إلاّ أن يكون التّمسك به من باب الإلزام أو بدعوى قطعيّتها عنده أو بدعوى ورود التّفسير لها فتدبّر.

سادسها : أنّ جعل المستند في جواز العمل بظواهر السّنة عمل الصّحابة فارقا به بينها وبين ظواهر السّنة ممّا لا معنى له ؛ لأنّا نعلم أنّ عمل أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام بظواهر السّنة ، لم يكن لأجل دليل خاصّ تعبّدي وصل إليهم من أئمّتهم بل هو من جهة ما هو المركوز في أنفسهم من العمل بظواهر كلّ كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب إذا لم يكن له طريق مخترع في باب التّفهيم هذا. مع أنّك قد عرفت سابقا أنّ أصحاب الأئمّة كانوا عاملين بظواهر الكتاب أيضا بحيث لا مجال لإنكاره.

سابعها : أنّ مجرّد احتمال كون الظّاهر من المتشابه لا يقتضي رفع اليد عنه ، مع كون مقتضى المقدّمة الأولى جواز العمل بالظّواهر ما لم يقم دليل على خلافه. هذا ما أورد عليه الأستاذ العلاّمة في « الكتاب ».

ولكنّك خبير بأنّ الظّاهر من كلام السّيد دعوى العلم بعدم صدق المحكم على الظّاهر ، لا الشّك فيه حتّى يرد عليه ما ذكره. ودعوى العلم بمساواة المحكم للنّص لا معنى لها إلاّ ما عرفت. ولا يمكن حمله على كون صدقه على النّص متيقّنا وعلى الظّاهر مشكوكا ؛ إذ معلوميّة المساواة للنّص غير معلوميّة الصّدق على الظّاهر ، والمنفي في كلامه : هو عدم الشّمول للظّاهر ، لا عدم العلم به كما هو ظاهر.

٤٣٥

(١٧٤) قوله : قدس‌سره : ( أو أنّها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابهات ). ( ج ١ / ١٥٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ العبارة لا تخلو عن إجمال وإغلاق ، وإن كان الجاهل ربّما يدّعي وضوحها ؛ فإنّ أقصى ما يمكن أن يوجّه به العبارة أن يقال ـ بعد جعل الواو بمعنى أو ـ أي : بعد احتمال كون ما يحكم بكونه محكما باعتقادنا ، من المتشابه باعتقادهم بناء على ما استفاده الأستاذ العلاّمة من عبارة السيّد الصّدر المتقدّمة.

ولكنّك خبير : بأنّ هذا لا يوجب منع صدق الظّاهر على الظّواهر كما هو المدّعى.

والقول : بأنّ المراد من منع كونها من الظّواهر : منع كونها من الظّواهر المعتبرة ، وكون المراد من الواو هو معناه الظّاهر ، وكونه إشارة إلى تعدّد وجه المنع من كونه من الظّواهر المعتبرة عند أهل اللّسان ، كما ترى هذا.

في الوجوه التي هي محصّل ما حكي عن الاخباريين في وجه المنع

ثمّ إنّ المحصّل ممّا حكي عن الأخباريّين في وجه المنع وجوه :

أحدها : الأصل الأوّلي وكون ظواهر السّنة خارجة بالإجماع أو غيره.

ثانيها : منع كونها من الظّواهر ، إمّا من جهة العلم الإجمالي باختلال الظّواهر أو من جهة كون القرآن منزّلا على وجه خاصّ كما عرفته من السيد الصّدر.

ثالثها : الأخبار المانعة عن تفسير القرآن.

رابعها : الأخبار الحاصرة لعلم القرآن عند أهل الذّكر المفسّر بالأئمّة.

٤٣٦

خامسها : احتمال كون الظواهر من المتشابه الّذي ورد المنع من العمل به إلى غير ذلك ممّا يستنبطه العارف من مطاوي كلماتهم.

والجواب عنها ظاهر بعد الرّجوع إلى ما أفاده الأستاذ العلاّمة وإلى ما ذكرنا.

وأمّا المجتهدون فاستدلّوا للجواز أيضا بوجوه ، بعضها مذكور في « الكتاب » وبعضها غير مذكور :

أحدها : الإجماع قولا وعملا ولا يقدح فيه مخالفة جماعة من الأخباريّين.

ثانيها : الأخبار الواردة من الأئمة عليهم‌السلام المنقسمة إلى الأقسام الكثيرة الدّالة على حجيّة ظواهر الكتاب بالوجوه المتعددة الّتي عرفت الإشارة إليها.

ثالثها : الأخبار الواردة من الأئمّة عليهم‌السلام الآمرة بالتّدبّر في القرآن وما ورد من تثليث أمير المؤمنين عليه‌السلام القرآن في احتجاجه على الزّنديق ، وجعله عليه‌السلام من أحد أقسامه ما يعرفه العالم والجاهل.

رابعها : امتناع الخطاب بما قصد خلاف ظاهره ؛ لاستلزامه التّكليف بما لا يطاق أو الإغراء بالجهل.

خامسها : أنّا نعلم أنّ نزول القرآن على وجه نزول غيره من الخطابات الصادرة من الله تعالى ولم يجعله من قبيل اللّغز والمعمّى حتّى لا يعرفه أهل اللّسان.

سادسها : لزوم المحال من توقّف حجيّة ظواهر القرآن على ورود التفسير.

بيان ذلك : أنّ أصل إثبات الدّين والنّبوة يتوقّف على كون كتاب العزيز حجّة على

٤٣٧

الأنام من دون تفسير ؛ فإنّ من أظهر وجوه معجزات نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن. وأقوى وجوه إعجازه بلاغته (١) ، وهي موافقة : الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهي لا يعرف إلاّ بمعرفة المعاني ، فلو توقف معرفة المعاني على تفسير النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزم الدّور ؛ إذ لا يصدّق النّبيّ في ذلك إلاّ بعد ثبوت نبوّته.

والقول : بعدم توقّف الإعجاز على البلاغة المتوقّفة على معرفة المراد والمعنى لحصول ذلك في الكتاب بملاحظة الأسلوب ـ كما هو المشاهد بالوجدان ـ فاسد جدّا ؛ لأنّ حصول الإعجاز بملاحظة الأسلوب ، لا ينفي عدم حصوله بدون معرفة المعاني من جهة البلاغة الّتي اتّفقوا على كونها من أظهر وجوه إعجاز القرآن ، هذا حاصل ما أفاده بعض الأفاضل (٢) ـ ممّن أدركنا عصره ـ متابعا غيره (٣) في ذلك.

وإن أردت الوقوف على شرح هذا الوجه فراجع إلى ما أفاده قدس‌سره.

سابعها : الآيات الدّالة على ذلك :

كقوله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )(٤) وقوله تعالى : ( لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ )(٥) وقوله تعالى : ( هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ )(٦) و ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ )(٧)

__________________

(١) وفيه من النظر ما لا يخفى.

(٢) صاحب الفصول.

(٣) المحقق القمي في القوانين.

(٤) النساء : ٨٢.

(٥) ص : ٢٩.

(٦) آل عمران : ١٣٨.

(٧) ص : ٨٧.

٤٣٨

( هُدىً وَرَحْمَةً ) (١) ( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ )(٢) إلى غير ذلك.

ووجه الاستدلال : أنّ هذه الآيات ونظائرها بعد ملاحظة سياقها توجب حصول القطع بإرادة بيان حجيّة القرآن بنفسه ولو في الجملة ، فهذه الدّلالة قطعيّة فلا يلزم الدّور.

ثمّ إنّه وإن أمكنت المناقشة في بعض هذه الوجوه إلاّ أنّه لا إشكال في تماميّة بعضها ، ففيه غنى وكفاية ومع ذلك لا طائل في إطالة الكلام في ذلك بعد وضوح المرام.

ثمّ إنّ هنا أمرين ينبغي الإشارة إليهما :

أحدهما : أنّ شيخنا الأستاذ العلاّمة لم يشر إلى خلاف جماعة من الأخباريين في حجيّة نصوص القرآن في المقام لخروجه عن محلّ الكلام ؛ لأنّه في حجيّة الظّواهر لا النّصوص ، إلاّ أنّه كان ينبغي التّعرض له في صدر « الكتاب » عند التّعرض لحكم القطع ، ولعلّه لم يتعرّض له لكمال وهن القول به ودليله لأنّه ليس إلاّ إطلاق بعض الأخبار الّذي يتعيّن صرفه في قبال الأدلّة الأربعة.

ثانيهما : أنّه لا إشكال بل لا خلاف عندنا في وجوب الأخذ بما ورد من الرّوايات في تفسير القرآن ، وترك العمل بظاهره وإن لم يعلم كونه تفسيرا للباطن. وأمّا إذا علم كونه تفسيرا للباطن ، فلا يجوز ترك العمل بالظّاهر ، كما هو واضح. فإن

__________________

(١) لقمان : ٣.

(٢) الحج : ٧٢.

٤٣٩

علم أحد الأمرين فلا إشكال ، وأمّا إن لم يعلم ذلك فهل قضيّة الأصل الحمل على المعنى الأوّل أو الثّاني؟ وجهان. أوجههما عند بعض أفاضل من تأخّر : الوجه الأوّل (١). ولا يخلو عن وجه ، والله العالم.

(١٧٥) قوله قدس‌سره : ( الأوّل : أنّه ربّما يتوهّم أن الخلاف ). ( ج ١ / ١٥٥ )

أقول : المتوهّم الفاضل النّراقي في « المناهج ». ويرد عليه ـ مضافا إلى ما أفاده قدس‌سره في ردّه ـ : أن الانتفاع بالقرآن في باب التّراجيح من أعظم الفوائد ، فكيف يقال : بأن الخلاف في اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى؟

نعم ، الاستدلال بما ورد في باب العبادات على القول بالصّحيحي في ألفاظها ، لا يجوز قطعا من غير فرق في ذلك بين ما ورد في باب الصلاة والزّكاة والخمس والصّيام ـ الّذي ليس له ظهور يتمسّك به حتّى على القول بالأعمّ من حيث وروده في مقام الإهمال أو حكم آخر ـ أو غيرها من أبواب الوضوء والغسل والتّيمّم. إلاّ أن يقال بالتّفصيل في المسألة الأصوليّة وهو فاسد عند الأستاذ العلاّمة القائل بالصّحيح فافهم.

(١٧٦) قوله : ( مثل قوله : إنّما المشركون نجس ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٥٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الحكم بعدم جواز قرب أهل الكتاب متفرّع (٢) على نجاستهم وكفرهم أو مطلق الكافر وإن لم يكن حكما عباديّا إلاّ أنّه ينفع كثيرا في باب العبادات كما ينفع في باب المعاملات بالمعنى الأعم أيضا. ولعلّه المراد

__________________

(١) الفصول : ٢٤٢.

(٢) في الأصل : « متفرّعا » والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٠