بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

العمل بالظن مع التّمكن من تحصيل العلم ، أشبه شيء بالأكل من القفا.

مع أنّ قضيّة التّحقيق عنده وعند غيره من الأصحاب عدم جريان الأصول عند التمكن من تحصيل العلم لفظيّة كانت أو عمليّة ؛ لأنّ جواز العمل بالأصول مطلقا مشروط بالفحص عمّا يقتضي خلافها. ولا يرد ذلك علينا ، حيث إنّا أثبتنا أيضا جهتين للحرمة في العمل بالظّن سابقا تبعا لشيخنا ( دام ظلّه ) ؛ لعدم اختصاص محلّ الكلام في السّابق بما يتمكّن المكلّف من تحصيل العلم به. وهذا بخلاف ما أفاده ( دام ظلّه ) في المقام ، فإنّه مفروض الاختصاص بصورة التّمكّن من تحصيل العلم.

اللهمّ إلاّ أن يقال ـ في دفع الإشكال ـ : إنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) مبنيّ على ما ذكره الخصم من فرض الدّوران بين وجوب تحصيل العلم بخصوصه أو التّخيير بينه وبين العمل بالظّن ، ويمكن على هذا الفرض القول بجريان الأصول أيضا في صورة التّمكن من تحصيل العلم ؛ لأنّ المانع منه الدّليل الدّال على وجوب تحصيل العلم ، فإذا قلنا بعدم ثبوت هذا الدّليل فلا مانع من الرجوع إلى الأصول أيضا. والقول بأنّ منع الدّليل إنّما هو بالنّسبة إلى العمل بالظّن لا الأصل كما ترى.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ فرض الشّك في وجوب تحصيل العلم معيّنا يوجب الشّك في اعتبار الأصول أيضا فلا يكون التمسّك بها للحكم بعدم جواز العمل بالظّن أولى من التمسّك بقاعدة الاشتغال ، بل المتعيّن التمسّك بها هذا.

الأولى إختيار أجوبة أخرى بدلا عما ذكره الاستاذ في المقام

فكان الأولى : أن يذكر الأستاذ العلامة في مقام ما ذكره من الجواب الثّاني أجوبة أخر :

٤٠١

أحدها : منع الدّوران ، لا من جهة القول بأنّ المسألة عقليّة ولا يعقل الدّوران في حكم العقل ، بل إمّا يستقلّ بوجوب تحصيل خصوص العلم تحصيلا للبراءة اليقينيّة أو يستقلّ بالتخيير بينه وبين العمل بالظّن ؛ بناء على ما ربّما يتوهّم : من أنّ الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينيّة مبنيّ على القول باستقلال العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل وهو في محلّ المنع ، بل من جهة استقلاله بحرمة العمل بالظّن من باب التّشريع على ما عرفت تفصيل القول فيه غير مرّة.

ولعلّه لم يذكره الأستاذ العلاّمة من جهة ذكره في الجواب من الوجوه السّابقة عليه ، فاستغنى عن ذكره في الجواب عن هذا الوجه بذكره ثمّة من جهة معلوميّة الأمر فتدبّر.

ثانيها : منع الدّوران بملاحظة الأدلّة النقليّة الدّالة على وجوب تحصيل العلم بالحكم الشّرعي مهما أمكن من الكتاب والسّنة والإجماع ، ودلالة كلّ منها على ذلك ليست محلاّ للإنكار ؛ لأنّها بلغت من الوضوح والظّهور ظهور الشّمس في وسط السّماء هذا. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الكلام في قضيّة الأصل الأوّلي مع قطع النّظر عن الدّليل الوارد فتأمّل.

ثالثها : أنّه على فرض تسليم الدّوران لا معنى لابتناء حكم المسألة على القولين في مسألة دوران الأمر في المكلّف به بين التّعيين والتّخيير ؛ لأنّ الحقّ في مسألتنا هذه هو الحكم بالتّعيين وإن قلنا في تلك المسألة بالتّخيير ؛ لأنّ مرجع الشّك في المسألة إلى الشّك في طريق الإطاعة ، والعقل مستقلّ بوجوب الأخذ بالقدر المتيقّن في باب الإطاعة.

وهذا الوجه وجه مستقلّ لا دخل له بأحد الوجوه المتقدّمة في كلامنا وكلام

٤٠٢

الأستاذ العلاّمة دامت إفاداته.

(١٥٨) قوله قدس‌سره : ( فحينئذ يكون العمل بالظّن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٠ )

أقول : ما أفاده واضح لا غبار فيه أصلا ولا يتوهّم : أنّ النّهي عن العمل بالظّن مبنيّ على القول باقتضاء الأمر بالشّيء النّهي عن ضدّه الخاصّ ؛ ضرورة أنّ العمل بالظّن الّذي لم يثبت اعتباره نقض لليقين بغير اليقين بل بالشّك بالمعنى الأعمّ كما هو واضح.

(١٥٩) قوله قدس‌سره : ( فالعمل بالظّن قد يجتمع فيه جهتان للحرمة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ المراد من الأصل ليس الأصل بقول مطلق بل الأصل في الجملة ، وهو الأصل المثبت للتكليف ، كاستصحاب التّكليف الإلزامي.

وأمّا الأصل بقول مطلق ، فلا يكون تطبيق العمل على الظّن في مقابله ملازما لطرحه ؛ فإنّه إذا ظنّ بالتّكليف الإلزامي في مورد أصالة التّخيير أو أصالة الإباحة لا يكون مجرّد تطبيق العمل عليه طرحا لهما كما لا يخفى.

(١٦٠) قوله : وقوله : ( رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٢ )

في تقريب دلالة الحديث على التشريعيّة

أقول : وجه دلالته على الحرمة التّشريعيّة ما عرفت : من كون المراد منه القضاء المتعارف الذي يقضي به القاضي مع بنائه على استحقاقه للحكومة

٤٠٣

الشّرعيّة. وأمّا قوله عليه‌السلام : ( رجل قضى بالحقّ ) (١) المشير إلى الجهة الثّانية : فلأنّ المراد من الحقّ هو الحكم الصّادر من الشّارع سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا. فالمراد أنّه يجب ترك العمل بالظّن من حيث كونه في معرض تفويت الحقّ ؛ ضرورة أنّ المراد منه ليس مجرّد الأخبار فكأنّه قال : يجب ترك العمل بالظّن لأنّه ليس بحقّ ولا يغني منه ، وإن كان فيه نوع من الإرشاد ولا ينافي ذلك ما نحن بصدده فتأمّل.

وأمّا قوله عليه‌السلام : ( من أفتى النّاس بغير علم ) (٢) وإن كان له ظهور في الحرمة التّشريعيّة أيضا ، باعتبار لفظ الإفتاء إلاّ أنّه لا بدّ من صرفه عن ظاهره بقرينة قوله :

( كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ) (٣) حيث إنّه لا صلاح في العمل بغير العلم بعنوان التّشريع أصلا ، بل هو فساد محض. وقد أثبت أكثريّة الفساد في الرّواية لا كليّته فلا بدّ من أن يحمل على بيان الحرمة من الجهة الثّانية ، أي : طرح الحقّ الواقعي أو الظّاهري هذا.

وقد يستشكل في البيان المذكور من جهتين :

أحدهما : أنّ الإفتاء للناس بغير العلم لا ينفك عن التّشريع فتدبّر.

ثانيهما : أنّ أكثرية الفساد ـ على تقدير حملها على ما إذا عمل بغير العلم من غير استناد ـ إنّما هو على تقدير كون مخالفة الظن للأصل أكثر من موافقته. اللهمّ

__________________

(١) الكافي : ج ٧ / ٤٠٧ باب « أصناف القضاة » ـ ح ١ ، عنه وسائل الشيعة : ج ٢٧ / ٢٢ باب ٤ من أبواب صفات القاضي ـ ح ٦ ، وقد أورده الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب وقد مرّت الإشارة إلى تخريجها قريبا فراجع ذيل التعليقة رقم ١٤٦.

(٢) مستدرك الوسائل : ج ١٧ / ٢٤٨ ب ٤ « من أبواب صفات القاضي » ـ ح ١٤.

(٣) المصدر السابق بعينه.

٤٠٤

إلاّ أن يحمل الأكثريّة على الأكثريّة بحسب الكيف. ولكن حملها عليها ليس بأولى من إبقاء الرّواية على ظاهرها ، مع القول بوجود نفع في الإفتاء بغير العلم من حيث التّديّن إمّا من جهة الدّنيا أو الآخرة فيما إذا اهتدى العوام المقلّدين من جهة إفتاءه إلى الحقّ الواقعي بناء على وجود خاصيّة قهريّة في إهداء النّاس إلى الحقّ فتدبّر.

(١٦١) قوله : ( وأمّا إذا قلنا باشتراط عدم كون الظّن على خلافها (١) ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الحكم بإرتفاع الحرمة التّشريعيّة ـ على الفرض

__________________

(١) قال المحقق الطهراني أعلى الله تعلى مقامه الشريف :

وفيه : أن اعتبار عدم الظن على الخلاف في الأصول العمليّة لا منشأ لتوهّمه وإنّما يتوهّم هذا بالنسبة إلى الأصول اللفظيّة وهو توهّم سخيف لا يعبأ به كما أن الإكتفاء بالإمتثال الظنّي ممّا لا يتوهّمه جاهل.

والحاصل : أن هذا الكلام فساده أوضح من أن يبيّن ولو تمّ لم ينفع في ثبوت التكليف بالظن على التقدير الآخر ، مع أن المدّعى هو الحجّيّة ، ومقتضاها ثبوت التكليف على تقدير كونه مظنونا ، وأين هذا من عدم وجوب دفع الضرر المحتمل ؛ فإنه مما ينفع حيث كان المظنون عدم التكليف فتفطن ، مع أن التديّن لا مجوّز له على كلّ تقدير فإن سقوط الأصل عن الإعتبار لقيام الظنّ على خلافه لا يوجب جواز التديّن بما لم يثبت انه من الدّين ، فهذا توهّم سخيف لا يكاد يرجع إلى محصّل.

والحق : ما حققناه من أن حجّيّة العلم بالذات وأن غيره إنّما ينزّل منزلته ولا حقيقة للإعتبار إلاّ ذلك ، فلا بد لاعتبار غيره من الأمارات والأصول من دليل يدلّ على التنزيل المذكور ... إلى آخره.

محجة العلماء : ج ١ / ٥٦.

٤٠٥

الّذي ذكره ( دام ظلّه ) في كلّ من صورتي انسداد باب العلم في المسألة وانفتاحه ـ في غاية الإشكال ؛ لأنّ لازم الانسداد في مسألة مع عدم شمول دليل الأصل لما يكون الظّن قائما على خلافه ، ليس هو التّديّن بمقتضى الظّن تعيينا أو تخييرا بينه وبين الأخذ بالأصل على أبعد الوجهين ، بل التوقف في مقام الظّاهر وعدم الحكم بشيء ، لا بمقتضى الأصل ولا بمقتضى الظّن على خلافه ، والرّجوع إلى التّخيير العقلي في مقام العمل من حيث إنّه لا مندوحة للمكلّف من الفعل والتّرك ، لا بمعنى أنّه ينشئ العقل للمكلّف حكما وهو التّخيير ، ولم يقم دليل على عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الظّاهري إذا لم يحتج إليه. نعم ، لو كان محتاجا إليه كما إذا كان التكليف تعبّديا لم يكن مناص عن البناء على الحكم الظّاهري.

وبالجملة : الذي قام عليه الدّليل ونطق به السّنة والإجماع عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الواقعي. وأمّا عدم جواز خلوّها عن الحكم الظّاهري إذا لم يتوقف العمل عليه ، فلم يقم به دليل أصلا كما اعترف به ( دام ظلّه ) في الجزء الثّاني من « الكتاب » (١) وغيره من أفاضل المتأخّرين.

وإن كان المراد من الانسداد : هو الانسداد الغالبي الّذي جعله المتأخّرون دليلا على حجيّة مطلق الظّن ، ففيه ـ مع أنّه مخالف لظاهر كلام الأستاذ العلاّمة جدّا ـ : أنّ سقوط الأصول من الاعتبار على هذا التّقدير ليس من جهة قيام الظّن على خلافها بل من جهة العلم الإجمالي فتأمّل. مضافا إلى أنّ إنتاج مقدّمات برهان الانسداد لحجيّة الظّن ليس مسلّما عند الأستاذ العلاّمة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٨٥.

٤٠٦

والقول : بكون ما ذكره مبنيّا على مذاق القوم ، كما ترى ، هذا بالنّسبة إلى فرض الانسداد.

وأمّا ما ذكره ( دام ظلّه ) على تقدير التّمكّن من تحصيل العلم في المسألة ، ففيه : أنّ حكم العقل بوجوب العمل بالظّن على هذا التّقدير إنّما هو من جهة حكمه بوجوب دفع الضّرر المظنون دون الموهوم ، ومن المعلوم أنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون إنّما هو من باب مجرّد الاحتياط والإرشاد ولا يحكم بحجيّة الظّن وجواز التّديّن به قطعا هذا كلّه. مضافا إلى أنّ عدم اعتبار الأصول في الفرض إنّما هو من جهة التمكّن من تحصيل العلم لا من جهة قيام الظّن على الخلاف ، فلا معنى لابتناء منع اعتبارها على هذا القول فتأمّل هذا.

وقد يورد على ما أفاده ( دام ظلّه ) أيضا : بأنّ حكم العقل بوجوب تحصيل العلم من جهة عدم استقلاله بوجوب دفع الضّرر الموهوم لا يوجب الحكم بجواز الأخذ بالظّن مع وجود الأدلّة النّقلية الدّالة على وجوب تحصيل العلم هذا.

ولكنّك خبير بفساد هذا الإيراد ؛ لأنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) ليس مبنيّا على ما اختاره في أصل المسألة بل مبنيّ على مذاق الفاضل القمّي الذّاهب إلى أنّه لا دليل على وجوب تحصيل العلم في الصّدر الأوّل أيضا الحامل لما دلّ على النّهي عن اتباع الظّن على الظّن في الأصول ، ولذا بنى على أصالة حجيّة الظّن هذا كلّه. مضافا إلى أنّ الكلام في قضيّة الأصل الأوّلي ، مع قطع النّظر عن الدّليل الوارد حتّى ما يقتضي وجوب تحصيل العلم مع التّمكّن فتأمّل (١).

__________________

(١) الوجه في التأمّل : أن التمسّك بالأدلّة النقليّة إنّما هو لتأسيس الأصل الأوّلي حسبما عرفت ،

٤٠٧

فالحريّ أن يحرّر المقام مع الغضّ عمّا ذكرنا بقوله : ( ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحرمة ... إلى آخره ) (١) مع العطف على ذلك بقولنا : ( وقلنا بوجوب دفع الضّرر المحتمل ) ثم العطف على قوله : ( وأمّا إذا قلنا ... إلى آخره ) (٢) قولنا : ( ولم نقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل ) فلقائل هذا.

ولكن في نسختي الموجودة عندي المصحّحة في مجلس الدّرس ، إسقاط كلمة ( أمّا ) من قوله : ( أمّا مع عدم تيسّر العلم ... إلى آخره ) (٣) وكلمة « فلأنّ » من قوله : ( أمّا مع التمكّن من العلم في المسألة فلأنّ عدم جواز ... إلى آخره ) (٤) وإلحاق كلمة ( فاء ) بكلمة ( عدم جواز ) وعلى هذه النّسخة ، تكون الجملة مستقلّة مستأنفة لا يتوجّه عليها الإشكال المتقدّم كما لا يخفى.

(١٦٢) قوله قدس‌سره : ( وقد أطالوا الكلام في النّقض والإبرام ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٣ )

أقول : مثل أنّها واردة في أصول الدّين وأنّ مرجع التمسّك بها إلى التمسّك بالظّن ، وأنّها قاتلة لأنفسها (٥) إلى غير ذلك ، من أراد الوقوف عليها فليراجع « القوانين » (٦).

__________________

هذا من التمسّك بالدّليل الوارد. ( منه دام ظلّه العالي ).

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ١٣٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر : ج ١ / ١٣٣.

(٥) يريد انه يلزم من وجودها عدمها.

(٦) قوانين الاصول : ج ١ / ٣٩٨ وانظر : ج ٢ / ١٠٩.

٤٠٨

وإن كان الجواب عن الإشكالات المذكورة وغيرها واضحا عند من كان من أهل النّظر ؛ فإنّ ورود بعضها في الأصول مع عموم الباقي غير مانع ، مع أنّ فيما ورد في الأصول دلالة واضحة : على أنّ وجه المنع عن الظّن في الأصول عنوان الظّن من حيث كونه ظنّا من غير مدخليّة للمورد فتدبّر.

كما أنّ ظنّيتها بحسب الدّلالة مع الاتّفاق على اعتبار الظّواهر لا يمنع من التمسّك بها كما هو واضح كوضوح عدم شمولها لأنفسها هذا. مضافا إلى قطعيّتها من حيث اعتضاد بعضها ببعض.

(١٦٣) قوله قدس‌سره : ( فيكفي في ذلك الأدلة الواقعيّة ). ( ج ١ / ١٣٣ )

أقول : قد يناقش فيما أفاده قدس‌سره : بأنّ المانع من الاقتصار بالظّن وسلوكه مع التّمكّن من تحصيل العلم بالواقع هو ما قضى بوجوب تحصيل العلم من الأدلّة الشّرعيّة أو حكم العقل بلزومه إرشادا من جهة استقلاله في الحكم بلزوم دفع الضّرر المحتمل الأخروي فيما كان الحكم المحتمل إلزاميّا. وأين هذا من دلالة الأدلّة المثبتة للأحكام الواقعيّة في موضوعاتها؟

بل قد يقال : بامتناع دلالتها على ذلك. اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من كفايتها : دخلها في ذلك من حيث إنّها توجب حدوث موضوع حكم العقل فتأمّل.

(١٦٤) قوله قدس‌سره : ( والظّاهر أنّ مضمون الآيات ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٤ )

أقول : قد يناقش : بأنّ ما أفاده ( طيّب الله رمسه الشّريف ) مناف لما أفاده بقوله : ( وقد أشير في الكتاب والسّنة إلى الجهتين ) كما لا يخفى. اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من الإشارة ما يجامع الدلالة على خلافه فتأمّل هذا.

٤٠٩

[ الظنون المعتبرة ]

(١٦٥) قوله : ( منها الأمارات المعمولة في استنباط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٥ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ظاهر هذا الكلام وإن كان اختصاص النّزاع في مسألة حجيّة الظّن في باب الألفاظ بما يعمل منه في استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة ، والفرق بينه وبين غيره من الظّنون المتعلّقة بالألفاظ ، إلاّ أنّ من المعلوم عدم كون ذلك مرادا لظهور عدم الفرق بين القسمين ، إلاّ أنّه لمّا لم يتعلّق غرض الأصولي بالبحث عن غير الأمارات المتعلّقة باستنباط الأحكام من الكتاب والسنة خصّ عنوان المسألة والتعبير به : من جهة الإشارة إلى عدم تعلّق غرض الأصولي من حيث هو أصولي بالبحث عن ألفاظ غير الكتاب والسّنة كما هو ظاهر ، لا من جهة الإشارة إلى ثبوت الفرق بين القسمين. كيف! وهو ممّا يعلم فساده كما يشهد به ملاحظة كتب الفريقين.

(١٦٦) قوله : ( وكغلبة استعمال المطلق في الفرد الشّائع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٥ )

في بيان ما خرج عن تحت الأصل

أقول : لا يخفى عليك أن مرجع التمسّك بغلبة الاستعمال والقرائن المقاميّة أيضا إلى التّمسّك بأصالة عدم القرينة الصّارفة عن ظاهر اللّفظ ، إلاّ أنّه ( دام ظلّه ) أراد بذكره الإشارة إلى أنّ ظهور اللفظ في معنى بحيث لو أراد غيره من دون نصب قرينة مع تعلّق الغرض بإفهامه عدّ ذلك قبيحا منه ، لا ينحصر سببه في الوضع بل قد يكون غيره ، وهذا قد يكون الإطلاق وترك التّقييد ، ويسمّى الظّهور المستفاد منه :

٤١٠

بالتّبادر والظّهور الإطلاقي.

وقد يكون كثرة الاستعمال الّتي هي بنفسها من القرائن الصّارفة في الجملة ؛ فإنّ لاستعمال اللّفظ في خلاف ما وضع له مراتب عديدة ؛ فإنّه قد يبلغ من الكثرة بحيث توجب هجر المعنى الأصلي فيجب الوضع التّعيني ، وقد تبلغ إلى قريب منه ، فيوجب ظهور المعنى المجازي من اللفظ عند الإطلاق بواسطة كثرة الاستعمال ، وقد تبلغ إلى مرتبة أدنى من المرتبة الثّانية ، فيوجب إجمال اللفظ ويرفع الظّهور عنه بالنّسبة إلى المعنى الحقيقي من دون أن يصير موجبا لظهوره في المعنى المجازي ، وقد لا يبلغ إلى شيء من ذلك ، وقد يكون اقتران اللفظ بما يوجب ظهوره في خلاف ما وضع له من القرائن ، وهذا قد يكون جزئيّة بحسب المقامات الخاصّة فلا تدخل تحت ضابطة ، وقد تكون نوعيّة كالقرائن المقاميّة الّتي يعتمد عليها أهل اللّسان.

(١٦٧) قوله : ( بالعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مرجع القسم الأوّل إلى الظّن بالإرادة الناشئ من أصالة عدم القرينة الصّارفة عند الشّك في قيامها ، مع القطع بإحراز الظّهور بأحد الأسباب المتقدّمة. ومرجع القسم الثّاني إلى الظّن بأصل الظّهور المسبّب من أحد الأسباب المتقدّمة.

(١٦٨) قوله : ( والشّك في الأوّل مسبّب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الشّك في الأوّل في هذا البيان والثّاني بحسب أصل التّقسيم ، ليس مسبّبا دائما عن الأوضاع اللغوية والعرفيّة ، بل قد يكون مسبّبا من أمور أخر على ما عرفت الإشارة إليها. اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من الوضع

٤١١

المعنى الأعم الثّابت في المجازات أيضا هذا.

ولكنّك خبير : بأن هذا التّوجيه على فرض صحّته لا يدفع الإشكال مطلقا ؛ لبقائه بالنّسبة إلى الشّك المسبّب عن الظهور العقلي الّذي أثبتوه لجملة من الألفاظ كالقضايا المشتملة على المفهوم ، مثل القضيّة الشرطيّة والوصفيّة بناء على القول بظهورهما في الانتفاء عند الانتفاء من جهة لزوم اللغويّة ، بل بناء على إثبات المفهوم لهما بتبادر السّببيّة التّامّة الغير المستندة إلى الوضع.

ونظيره ظهور المطلقات في الإطلاق على ما ذهب إليه السّلطان وبعض المحققين وشيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) ، لا على ما ذهب إليه المشهور القائلون بكون الانتشار مأخوذا في الموضوع له فتأمّل.

(١٦٩) قوله : ( فمرجع كلا الخلافين إلى المنع الصّغروي ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٣٧ )

أقول : لمّا كان مورد الحكم بالجواز من جهة ؛ الإجماع وغيره ـ الظّواهر المعتبرة عند أهل العرف واللّسان في استكشاف مراداتهم عند التكلّم والتّحاور ، لا مطلق ظواهر ألفاظ الكتاب والسّنة ؛ فلذا كان مرجع كلا الخلافين إلى المنع الصّغروي بمعنى كون المانع يمنع من كون مثل الظّاهر في محلّ النّزاع ممّا يستخرج به المراد عند أهل اللّسان إذا وجد في كلماتهم ، فيقول الأخباريّون : إنّه إذا ورد طومار من المولى العرفي إلى عبيده وفيه تكاليف مع إعلامه العبيد بأني ما أردت تفهيمكم بنفس ما في الطّومار بل بضميمة بيان الفلاني ، لم يكن ريب في عدم بناء العبيد على استخراج مرادات المولى من نفس الخطابات في الطّومار. لو بنوا عليه لاستحقّوا الذّم عند أهل العرف ، ويكون الكتاب العزيز بالنّسبة إلى غير الأئمّة من قبيل الطّومار المذكور.

٤١٢

ويقول الفاضل المحقّق القمّي ـ المخالف في الموضع الثّاني ـ : « أنّ بناء العرف ليس على التمسّك بالظواهر في حقّ غير المقصود بالإفهام في محاوراتهم ، ولا يجوز عندهم أن يستخرج من لا يكون مقصودا بالخطاب مراد المتكلّم في ظاهر خطابه هذا » (١).

والتّحقيق : أنّ مورد الحكم بالجواز لو كان نفس ظواهر الكلام ، كان مرجع خلاف الأخباريّين إلى المنع الصّغروي بمقتضى الوجه الثّاني لهم الّذي يذكره الأستاذ العلاّمة ، بل بمقتضى بعض ما لم يذكره ممّا يستفاد من مطاوي كلماتهم. أمّا خلاف المحقّق القمّي فهو راجع إلى المنع الصّغروي أيضا على هذا التّقدير بالنّظر إلى ما وجّه به كلامه شيخنا الأستاذ العلاّمة كما هو ظاهر.

* * *

__________________

(١) قوانين الاصول : ج ١ / ٤٥٠.

٤١٣
٤١٤

في حجية ظواهر الكتاب

(١٧٠) قوله : ( والجواب عن الاستدلال بها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٤٢ )

في الجواب عن الاستدلال بالاخبار لمنع حجيّة ظواهر الكتاب

أقول : لا يخفى عليك أنّ المستفاد من كلامه في الجواب عن هذا الوجه وجوه :

أحدها : منع صدق التفسير المنهيّ عنه في الأخبار المتقدّمة على العمل بمقتضى ظاهر الكتاب والحكم من جهته بشيء بعد الفحص عمّا يوجب صرفه من الآيات الأخر والرّوايات الواردة من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ؛ لأن التّفسير ـ كما صرّح به جمع من أهل اللّغة ويشهد له التّبادر ـ هو كشف الغطاء. ومن المعلوم أنّ مجرّد حمل اللّفظ على ما يقتضيه ظاهره بعد الفحص عن صارفه في مظانّ وجوده ، لا يصدق عليه كشف الغطاء ، بل يسمّى ترجمة وفرق ظاهر بين التّفسير والتّرجمة ، بل أقول : إنّ مجرّد حمل اللّفظ على ظاهره من دون فحص أيضا عن القرينة الصارفة لا يسمى تفسيرا. وإن لم يكن جائزا من جهة أخرى.

ولكنّك خبير بأنّ هذا الجواب لا يتمّ بالنّسبة إلى الأخبار الغير المشتملة على لفظ التّفسير كالرّواية الثانية ومرسلة شبيب بن أنس وغيرهما ممّا لم يذكره

٤١٥

الأستاذ العلاّمة من الأخبار الغير المشتملة على لفظ التّفسير.

ولكن يمكن الجواب عنها : إمّا بأنّ قضيّة إمعان النظر فيها هو إرادة معنى ينطبق على التّفسير ؛ فإنّه كما يصحّ سلب التّفسير عن العمل بالظّواهر كذلك يصحّ سلب « قوله : من قال في القرآن بغير علم ... ) (١) الحديث ، عنه ؛ لأنّ الظاهر من القول في القرآن هو كشف المراد عنه بغير ما يفهم به المراد أهل العرف ، أو بالضّعف سندا كما في بعض ، أو الإرسال في بعض آخر ، أو إعراض الأصحاب عنها مع تسليم صحّة سندها فتأمّل.

ثانيها : تسليم صدق التّفسير على مطلق حمل اللّفظ على معناه ولو بما يقتضيه ظاهره العرفي ، إلاّ أنّ المنهيّ عنه في الأخبار ليس مطلق التّفسير بل التفسير الخاصّ ، بقرينة وجود لفظ الرأي فيها المقيّد للتّفسير.

والتّفسير بالرّأي لا يصدق على حمل اللّفظ على معناه بمقتضى ظاهره بعد الفحص عمّا يوجب صرفه في مظانّ وجوده ؛ فإنّ الظّاهر أنّ المراد بالرّأي : إمّا الاعتبار العقلي الرّاجع إلى الاستحسان ، فيكون المراد من التّفسير بالرأي إذا حمل اللّفظ على خلاف ظاهره فيما كان له ظاهر ، أو أحد احتماليه فيما لم يكن له ظاهر بحسب رجحانه في نظره القاصر ، كما يرشد إلى ذلك ما رواه شيخنا عن مولانا الرّضا عليه‌السلام وبعد ملاحظة كون أكثر الأخبار المتقدّمة أيضا واردة في ردّ المخالفين.

وأمّا حمل اللّفظ على ظاهره ، من دون الرّجوع إلى ما يوجب صرفه ـ سيّما الأخبار الصّادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام ـ على أبعد الاحتمالين بالنّظر إلى قضيّة لفظ

__________________

(١) التوحيد للشيخ الصدوق : ٩١.

٤١٦

الرّأي ، وإن كان يشهد له ما ذكره شيخنا الأستاذ العلاّمة من الأمور الثّلاثة هذا.

ولكن التّحقيق أن يقال : إنّ المستفاد من الأخبار : تحريم أمرين :

أحدهما : تفسير القرآن بالرّأي.

ثانيهما : العمل بظواهره الابتدائيّة من دون تأمّل وفحص عمّا يصرفها من الآيات والأخبار ، لا أن يكون المحرّم أحدهما ويجعل الثّاني من محتملي ما ورد في باب التّفسير مع كمال بعده كما هو واضح.

ثمّ إن الوجه في تخصيص الكتاب بالحكمين المزبورين في الأخبار مع تحريم الأمرين بلا شبهة في السّنة تعارف التّفسير بالرّأي والعمل بالظّواهر من دون فحص وتأمّل في خصوص الكتاب فتأمّل.

ثمّ إنّ هذا الجواب أيضا لا يتمشّى بالنّسبة إلى جميع الأخبار المانعة ؛ لما قد عرفت من عدم اشتمال كلّها على لفظ التّفسير فتدبّر ، بل لا يتمشّى بالنّسبة إلى جميع ما يكون مشتملة عليه أيضا ؛ لعدم اشتمالها بأسرها على لفظ الرّأي ، وليس تعارض أيضا بين ما يكون مشتملا على لفظ الرّأي وبين ما لا يكون مشتملا عليه حتّى يحمل الثّاني على الأوّل كما لا يخفى.

ولكن يمكن الجواب عمّا لا يكون مشتملا عليه ببعض ما ذكرنا سابقا في الجواب عمّا لم يكن مشتملا على لفظ التّفسير مع إمكان أن يدّعى القطع باتّحاد المراد من الأخبار بأسرها فتدبّر.

ثالثها : النّقض بظواهر السّنة الّتي اتّفق الأخباريون على حجيّتها ، بيانه :

أنّه قد علّل في جملة من الأخبار المتقدمة المنع من تفسير القرآن بوجود

٤١٧

المحكم والمتشابه والخاصّ والعام والنّاسخ والمنسوخ فيه ، وهذا يدلّ ـ بضميمة ما دلّ على مساوات السّنة للقرآن في الاشتمال على المذكورات ـ على عدم جواز العمل بظواهر السّنة أيضا فافهم.

رابعها : معارضة الأخبار المذكورة بأكثر منها ممّا يدلّ على جواز التمسّك بظواهر القرآن كظواهر السّنة وإن كانت الكثرة غير مجدية لتواتر الأخبار من الطّرفين فلا يمكن التّرجيح بحسب السّند بل يتعيّن التّرجيح بحسب الدّلالة أو غيرها ، نعم ، ربّما يكون الأكثريّة موجبة لقوّة الدّلالة فتدبّر.

في ذكر الاخبار المعارضة للإخبار المتقدّمة

وهذه الأخبار على أقسام كلّ قسم بلغ حدّ التّواتر.

أحدها : ما دلّ على جواز التّمسك بالقرآن من النّبوي المشهور (١) وغيره. ولكنّك خبير بأنّ الاستدلال بها لا يجوز ، بناء على ما سيصرّح به الأستاذ العلاّمة في ردّ تفسير الثّاني من عدم ظهور هذه الأخبار في جواز التّمسك بظواهر القرآن ؛ فإنّ المراد منها وجوب التّمسك به في مقابل طرحه ، ولا إطلاق له لجواز الأخذ بظاهره.

وبعبارة أخرى : قد وردت هذه الأخبار لبيان وجوب إطاعة العترة الطّاهرة وكتاب العزيز وحرمة معصيتهما ، ولم يرد لبيان اعتبار الظّن في تحصيل المراد منهما وإن كان فيما أفاده تأمّل ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) هو حديث الثقلين المتواتر لدى الفريقين أنظر المجلد الأوّل والثاني والثالث من موسوعة نفحات الأزهار ـ القيّمة ـ للعلاّمة الحجة آية الله الأستاذ السيّد علي الميلاني ( دام ظلّه ).

٤١٨

ثانيها : ما دلّ على وجوب عرض الأخبار المتعارضة بل ومطلق الأخبار على الكتاب والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه ، وهذا القسم نصّ في جواز التّمسك بظواهر القرآن فإنّ حمله على صورة موافقة الخبر لنصّ القرآن فاسد جدّا ـ لكونه حملا على فرد نادر إن لم يكن على معدوم ، فكيف يجامع مع ورود الأخبار المتواترة؟ كفساد حملها على العمل به بعد التّفسير ، بل هو أفسد.

فإن شئت قلت : إنّ كلّ ما سمّي موافقا للقرآن بحكم العرف فله موضوعيّة بالنّسبة إلى هذه الأخبار. ومن المعلوم أنّ صدق الموافقة لا يتوقّف على كون الخبر موافقا بحسب المضمون لنصّ الكتاب ، بل يشمل ما إذا كان موافقا لظاهره قطعا من دون أن يرد خبر آخر ـ في بيان المراد ـ من الأئمة عليهم‌السلام.

ثالثها : ما دلّ على عرض الشّروط على الكتاب وأنّ ما خالفه فهو فاسد. وهذا القسم أيضا مثل سابقه في الدلالة على المدّعى.

رابعها : ما دلّ من الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام على جواز التمسك بظاهر القرآن قولا وتقريرا وفعلا ؛ بمعنى تمسّكهم بظاهر القرآن في مقام الاستدلال وكلّ واحد من هذه الثّلاثة كثير جدّا ودلالته على المدّعى ممّا لا يعتريه ريب جزما.

نعم ، في بعضها إشكال ، لا من حيث الدلالة على المدعى بل من حيثيّة أخرى مثل الرّواية الأولى ؛ فإنّ وجود الباء في الآية لا تدلّ على كون المراد التّبعيض فإنّ غاية ما هناك ذهاب الكوفيّين إلى مجيء الباء للتبعيض في قبال سيبويه المنكر له ، وأمّا ظهورها فيه فلم يثبت من أهل العربيّة. فاستدلال الإمام عليه‌السلام على وجوب المسح ببعض الرّأس لمكان الباء لا ينطبق على قواعد الاستدلال هذا.

٤١٩

ولكن ذكر العلاّمة قدس‌سره ـ في « المنتهى » في دفع الإشكال ـ : إنّ الباء إذا كان داخلا على المفعول كان ظاهرا في التبعيض ، كقوله تعالى : ( يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ )(١) ونحوه (٢). وهو على تقدير ثبوته يدفع الإشكال جزما.

في أن رواية اسماعيل لا تدل على عدم حجية ظاهر الكتاب

ومثل الرّواية الثّالثة ؛ فإنّ قول الإمام عليه‌السلام لإسماعيل : ( فإذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم ) (٣) كان بعد تفسير الإمام عليه‌السلام الآية بقوله : ( يصدّق الله ويصدّق المؤمنين ) (٤).

ولكن فيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الإمام عليه‌السلام ذمّ إسماعيل بعدم تصديقه لمن قال من المؤمنين له : بأنّ الرّجل الّذي ائتمنته شارب للخمر وليس بأمين. ومن المعلوم أنّ المذمّة لا تتوجّه على إسماعيل إلاّ على تقدير اعتبار ظواهر الكتاب. والتّفسير حين المذمّة لا يدلّ على عدم جواز التمسّك بالظّواهر كما هو واضح هذا. مع أنّ قوله عليه‌السلام : ( يقول : يصدّق الله ويصدّق المؤمنين ) لا يكون تفسيرا للآية كما هو واضح.

ومثل تمسّكه في رواية عبد الأعلى (٥) بالآية ـ على وجوب المسح على

__________________

(١) الدهر : ٦.

(٢) منتهى المطلب : ج ٢ / ٤٠.

(٣) الكافي : ج ٥ / ٢٩٩ باب « آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة » ـ ح ١ ، عنه الوسائل : ج ١٩ / ٨٢ باب « كراهة إئتمان شارب الخمر » ـ ح ١. وفيه بدل [ المسلمون ] ، [ المؤمنون ].

(٤) نفس المصدر.

(٥) الكافي : ج ٣ / ٣٣ باب « الجبائر والقروح والجراحات » ـ ح ٤ ، عنه الوسائل : ج ١ / ٤٦٤ باب « ٣٩ من أبواب الوضوء » ـ ح ٥.

٤٢٠