بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

الظّاهري على خلافها لاختلاف الموضوع فيهما.

لأنّ الموضوع للحكم الواقعي نفس الشّيء بلحاظ التّجرد ، وللحكم الظّاهري الشّيء بلحاظ الظّن أو الجهل بالحكم الواقعي. بل قد عرفت : عدم التضادّ بين الحرمة الواقعيّة والوجوب الفعلي في الصّلاة في الدّار المغصوبة في الجملة.

فكيف بالحكم الواقعي والظّاهري على خلافه؟

هذا ملخّص ما استفدناه من إفادة شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) ـ وهو مطلب مسلّم بين الأصحاب لم يخالف فيه أحد قد عرفت بعض الكلام فيه في أوّل التّعليقة وستقف على تفصيل القول فيه في طيّ أجزاء التّعليقة إن شاء الله تعالى ـ إلاّ أنّه مع ذلك كلّه لا يحصل اليقين للنّفس بذلك ولا تدفع عنه شبهة :

أنّه إذا كان نفس الطّلب الوجوبي مضادّا للطّلب التّحريمي فكيف يجوز اجتماعهما؟ مع كون أحدهما واقعيّا والآخر فعليّا أو ظاهريّا ؛ لأنّ اتصاف الفعل بالوجوب والتّحريم يستحيل عقلا سواء كانا واقعيّين أو فعليّين أو مختلفين ؛ لأنّ فعليّة الحكم وشأنيّته إنّما هما من شؤونه ومراتبه بملاحظة حكم العقل بكونه ممّا يستحقّ مخالفة العقاب ولا يستحقّه ، فالحكم الفعلي هو شأنيّ ذاتا وبحسب الحقيقة ، وإلاّ فليسا إنشاءين من الشّارع مختلفي الموضوع.

نعم ، لو رجع الحكم الواقعي إلى الطّلب المشروط أو كان صرف الشّأنيّة بمعنى وجود المصلحة المقتضية لجعل الحكم أو منع التّضادّ بين الأحكام بحسب أنفسها ـ وإنّما هو باعتبار تعلّقها بالمكلّف ولزوم امتثالها عليه ـ صحّ اجتماعه مع الحكم الفعلي على خلافه.

ولكنّها كما ترى والله العالم. هذا ما يقال في توجيه الإشكال في اجتماع

٣٦١

الحكم الواقعي والفعلي على خلافه ودفعه.

وأمّا اجتماع الحكم الواقعي مع الحكم الظّاهري على خلافه ، فله وجه قد عرفت الإشارة إليه بقولنا : ( لاختلاف الموضوع فيهما ) وستقف على شرح القول فيه وما يتوجّه عليه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

(١٤٠) قوله قدس‌سره : ( وتلخّص من جميع ما ذكرنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٣ )

أقول : قد عرفت : أنّ محلّ البحث في كلماته هو التعبّد بالخبر إلاّ أنّ مقتضى دليله الثّاني إلحاق غيره من مطلق الأمارات بل الأصول الحكميّة والموضوعيّة به في الجملة ؛ ضرورة أنّ تفويت الواقع اللاّزم من جعل الحكم الظّاهري في الجملة لا يختصّ بموارد الأمارات.

نعم ، في مورد الاحتياط والتّخيير العقلي لا يتصوّر تفويت الواقع من جعل الحكم الظّاهري ؛ لأنّ مرجع الأوّل إلى إحراز الواقع المحتمل أو المقطوع والثّاني إلى الأخذ باحتمال الواقع فيما لا يمكن إحرازه. فكيف يتصوّر تفويت الواقع فيه من جعل الشّارع؟

والّذي يدفع به الإشكال ـ عن جعل الحكم الظّاهري في موارد الأصول فيما يتوجّه عليه ـ هو الوجه الثّاني ؛ لعدم ملاحظة الطّريقيّة في الأصول وإلاّ لم يكن أصلا. نعم ، فيما لم يكن هناك إلاّ مجرّد رفع المؤاخذة والعقاب عقلا كما في موارد البراءة العقليّة ، لا يلزم هناك ملاحظة مصلحة كما هو واضح.

٣٦٢

(١٤١) قوله : ( ثمّ إنّه ربّما ينسب إلى بعض ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٣ )

نقل كلام بعض العامة في وجوه التعبّد بالخبر

أقول : ذلك البعض من العامّة كالعقال وابن الشّريح (١) وأبي الحسين

__________________

(١) كذا والصحيح في الأوّل : القفّال وفي الثاني : ابن سريج.

* أما القفّال فهو : أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشيّ الشافعيّ القفّال الكبير إمام وقته بما وراء النهر وصاحب التصانيف.

وله مصنّفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنّف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب في أصول الفقه وله « شرح الرسالة » وعنه انتشر فقه الشافعيّ بما وراء النّهر.

أرّخ الحاكم وفاته في آخر سنة خمس وستين وثلاثمائة بالشاش وكانت ولادته [ على ما ورّخه السمعاني ] في سنة إحدى وتسعين ومائتين.

ثم إن عندهم قفّالا آخر لا ينبغي الخلط بينهما.

وهو : أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزيّ الخراساني شيخ الشافعيّة المعروف بالقفّال الصغير المتوفى سنة ٤١٧ ه‍.

قال الشيخ محي الدين النواوي في [ تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٨٢ ] :

إذا ذكر القفّال الشاشي فالمراد هو [ القفّال الكبير ] وإذا قيل : القفّال المروزي فهو القفّال الصغير الذي كان بعد الأربعمائة.

قال : ثم إن الشاشي يتكرّر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام ، وأمّا المروزيّ فيتكرّر في الفقهيّات.

أنظر سير أعلام النبلاء : ج ١٢ / ٣٧٣.

* وأما ابن سريج :

فهو فقيه العراقين أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي الشافعي المولود سنة

٣٦٣

البصري (١) ومستندهم على ما حكي وجهان :

أحدهما : أنّ ترك العمل بخبر الواحد مظنّة للضّرر ، ودفع الضّرر المظنون واجب عقلا.

ثانيهما : أنّه لو لم يجب العمل بخبر الواحد للزم خلوّ أكثر الوقائع عن الحكم. واللاّزم قبيح ، فكذا المقدّم. والقبيح محال على الحكيم تعالى هذا. والعنوان في كلامهم وإن كان خصوص خبر الواحد إلاّ أنّ قضيّة دليلهم التّعميم كما لا يخفى.

ويرد على الأوّل : أنّه إن أراد إثبات ذلك حيث يعلم بقاء التّكليف وانسداد باب العلم وغيرهما من مقدّمات دليل الانسداد ، فهو حسن على ما عليه المشهور

__________________

بضع وأربعين ومائتين.

قال أبو اسحاق في طبقات الفقهاء : « كان يقال لابن سريج : الباز الأشهب ، ولي القضاء بشيراز وكان يفضّل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني ».

وبه إنتشر مذهب الشافعي ببغداد وتخرّج به الأصحاب.

ومات ابن سريج في سنة ٣٠٣ ه‍.

أنظر سير أعلام النبلاء : ج ١١ / ٢٤٥.

(١) أبو الحسين البصري وهو شيخ المعتزلة :

أبو الحسين محمد بن علي بن الطيّب البصري صاحب التصانيف الكلاميّة على مذاهب المعتزلة ، سكن بغداد ودرس بها الكلام إلى حين وفاته.

كان فصيحا بليغا عذب العبارة يتوقّد ذكاء وله إطلاع كبير. مات ببغداد في يوم الثلاثاء الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأربعمائة.

له كتاب « المعتمد في أصول الفقه » وكتاب « تصفّح الأدلّة » إلى غير ذلك. إنتهي.

أنظر تاريخ بغداد : ج ٣ / ٣٩ برقم ١٤١٢ وكذا « سير أعلام النبلاء » ج ١٣ / ٣٨٢.

٣٦٤

من إنتاجها حجيّة الظّن بحكم العقل إلاّ أنّه خروج عن محلّ البحث ، فإنّ الكلام إنّما هو في صورة الانفتاح ، مضافا إلى أنّ قضيّته ليس وجوب الجعل على الشّارع كما ستقف عليه ، وإن أراد إثبات ذلك مطلقا ففساده غنّي عن البيان هذا.

وأمّا الجواب عن الثاني : فيظهر بإمعان النّظر فيما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة.

(١٤٢) قوله : ( فإن أريد وجوب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام منه دام ظلّه مبنيّ على ما هو المعروف من إفادة مقدّمات الانسداد لحجيّة مطلق الظّن أو الظّن في الجملة ، لا على ما سيبني عليه من عدم إفادة مقدّمات الانسداد لحجيّة الظّن مطلقا.

(١٤٣) قوله : ( إذ لا يعلم العقل بوجود مصلحة في أمارة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٤ )

أقول : قد يمنع وجوب الجعل على الشّارع على هذا الفرض أيضا ؛ إذ غاية ما هناك صلاحيّة الأمارة حينئذ لتعلّق الجعل بها من الشّارع. وأمّا وجوبه عليه مع فرض إمكان تحصيل الواقع ـ كما هو المفروض ـ فلا دليل يقضي به هذا.

ولكنّك خبير بضعف ذلك ؛ إذ الأفعال في حقّه تعالى إمّا واجب الوجود أو ممتنع الوجود وليس ما يكون في حقّه جائزا أو ممكنا بالنّظر إلى الحكمة الإلهيّة ، كما برهن عليه في محلّه وإن كان الممكن بالذّات في حقّه تعالى فوق حدّ الإحصاء.

(١٤٤) قوله : ( اللهمّ إلاّ أن يكون ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يورد عليه :

٣٦٥

بأنّه إن أريد من الجرح ما يوجب الاختلال الذي يستقلّ العقل بقبح جعل الحكيم ما يؤدّي إليه ـ كما ربّما يستظهر من العبارة ـ

ففيه : أنّه مع هذا الفرض يستقلّ بحجيّة الظّن مطلقا أو في الجملة ؛ إذ هذا رجوع في الحقيقة إلى فرض الانسداد. وحكم العقل بحجيّة الظن ليس مختصّا بزمان الغيبة ، بل يدور مدار وجود مقدّمات برهان الانسداد متى كان ، فلا يحكم في هذا الفرض أيضا بوجوب الجعل على الشّارع بل يستقلّ العقل بالحكم بحجيّة الظّن.

وإن أريد ما نفاه الشّارع بالعمومات النّافية للحرج ممّا لم يصل إلى المرتبة الموجبة لاختلال النّظم ـ بناء على ما هو المحقّق عندنا تبعا للمحقّقين ـ من كون نفي هذا النّحو من الحرج بالشّرع ، ولذا وقع كثيرا ـ لا بالعقل ـ كما ربّما يتوهّم من حيث كون جعل الحكم الموجب له خلاف اللّطف.

ففيه : أنّ المنفي بأدلّة نفي الحرج ـ كما سيأتي التّصريح منه عليه في طي مقدّمات الانسداد ـ وجوب تحصيل العلم. وأمّا وجوب العمل بالظّن ، فلا يستفاد منه. بل لا بدّ فيه من الرّجوع إلى العقل ؛ لأنّه المرجع في طريق الإطاعة فيستقلّ بحجيّة الظّن على فرض تماميّة مقدّمات الانسداد فلا دخل للشّرع فيه أصلا.

وبالجملة : حال زمان الانفتاح مع الفرض المذكور حال زمان الانسداد في وجوب الرّجوع إلى العقل لا الشّرع بل المرجع مطلقا في باب طريق الإطاعة العقل لا الشّرع.

ولو نوقش فيما ذكرنا : بأنّ العقل إنّما يحكم في باب الطّريق فيما إذا لم يحتمل أقربيّة بعض الأمارات عند الشّارع وإلاّ فيتوقّف عن الحكم ـ يجاب عنه ـ

٣٦٦

بعد الغضّ عن عدم اعتناء العقل باحتمال الأقربيّة عند الشّارع لبعض الأمارات الموجبة لاختصاصها بالجعل الشّرعي كما ستقف عليه إن شاء الله ـ : بأنّ المناقشة المذكورة واردة بالنّسبة إلى زمان الانسداد أيضا.

والحاصل : أنّا كلّما نتأمّل لا نعقل فرقا على التّقدير المفروض بين زماني حضور الإمام عليه‌السلام وغيبته.

٣٦٧
٣٦٨

في وقوع التعبّد بالظّن

(١٤٥) قوله : ( دلّ على أنّ ما ليس بإذن من الله تعالى ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٥ )

في الآيات الدالّة على أن الأصل حرمة العمل بالظن

أقول : قد يورد على ما أفاده : بأنّ الآية إنّما تدلّ على أنّ ما ليس بإذن من الله تعالى واقعا فهو افتراء. لا أنّ ما لم يعلم الإذن فيه من الله تعالى مع احتمال الإذن فهو افتراء. والمدّعى إنّما هو الثّاني ، والّذي يدلّ عليه الآية هو الأوّل. وعدم التّعرض لحكم الفرض في الآية إنّما هو من جهة ثبوت عدم الإذن الواقعي لهم ، فلا تدلّ على كونه داخلا في الافتراء.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من قوله تعالى : ( لَكُمْ )(١) ـ : هو العلم بصدور الإذن وبلوغه إلى المخاطبين ، لا مجرّد الإذن الواقعي ، وإلاّ تحقّق هناك واسطة بين الأمرين فتأمّل هذا.

ودعوى : أنّ الافتراء هو الكذب عن عمد فلا يتحقّق إلاّ مع العلم بعدم الإذن ولا يكتفي عدم العلم بالإذن فاسدة ؛ فإنّ المراد منه ـ بقرينة المقابلة في المقام ـ : هو المعنى الثّاني فتأمّل.

__________________

(١) يونس : ٥٩.

٣٦٩

هذا كلّه مضافا إلى ما يقال : من أنّ نسبة شيء إلى الغير بحسب القول مع الشّك في ثبوته قبيح وحرام كالكذب ، وهذا بخلاف مجرّد العمل بشيء ، ولكنّك خبير بفساد الإيراد الثّاني.

(١٤٦) قوله : ( ومن السّنة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

أقول : الحديث ما روي عن مولانا الصّادق عليه‌السلام من أنّه قال : « القضاة أربعة ثلاثة في النّار وواحدة (١) في الجنّة ، رجل قضى بجور وهو يعلم به ، فهو في النّار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم أنّه قضى بجور ، فهو في النّار ، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم ، فهو في النّار ، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم ، فهو في الجنّة ) (٢).

وقد يورد على الاستدلال به : بأنّ الحديث الشّريف لا يدلّ على حرمة العمل بغير العلم من حيث التّشريع والتّدين ، بل الظّاهر منه : أنّ مجرّد العمل بغير العلم حرام ذاتا وإن صادف الواقع هذا. وفيه ما لا يخفى.

وقد يناقش أيضا : بأنّ المراد من الحديث الشّريف : من لا يكون وظيفته القضاء من جهة عدم أهليّته لذلك من حيث فقدانه للملكة العلميّة ، كما أنّه قد يناقش في جميع ما ظاهره النّهي عن القول بغير العلم ـ من الآيات والأخبار أو العمل بغير العلم ـ : بأنّ المراد : هو النّهي الإرشادي من حيث كونهما في معرض خلاف الواقع

__________________

(١) كذا والصحيح : واحد.

(٢) الكافي : ج ٧ / ٤٠٧ باب « أصناف القضاة » ـ ح ١ ، والتهذيب : ج ٦ / ٢١٨ باب « من اليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين » ـ ح ٥١٣ / ٥ ، والفقيه : ج ٣ / ٤ باب « أصناف القضاة ووجوه الحكم » ـ ح ٣٢٢١ / ١ ، عنها الوسائل : ج ٢٧ / ٢٢ الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ـ ح ٦.

٣٧٠

كما أنّه يحمل الأمر بوجوب تحصيل العلم كتابا وسنّة على الإرشاد ؛ من حيث تحصيل الواقع لا الوجوب النّفسي كما زعمه بعض الأصحاب فتدبّر.

(١٤٧) قوله : ( ومن الإجماع ما ادّعاه الفريد البهبهاني ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

في الإجماع والعقل الدالّين على الأصل

أقول : لا يخفى عليك أنّ المقصود ليس التّمسك بالإجماع المنقول في المقام حتّى يورد عليه بوجوه من الإيرادات أو وجهين ، بل الإجماع المنقول الّذي نعلم بصدقه من جهة القرائن الخارجيّة والاعتضاد بنقل سائر الأعلام ، فيخرج عن التمسّك بنقل الإجماع بخبر الواحد الغير العلمي.

وأمّا التمسّك بالكتاب والسّنة فإنّما هو بعد ثبوت اعتبارهما من حيث التضافر والتّعاضد الموجب لحصول القطع فإنّ ما لم يذكره الأستاذ العلاّمة من الآيات والأخبار كثير جدّا أو من حيث كونها من الظنون الخاصّة الّتي قام الدّليل القطعي على اعتبارها ، فلا يقال : إنّ مرجع الاستدلال إلى التمسّك بغير العلم على منع التعبّد بغير العلم ، وهو محال ظاهر.

(١٤٨) قوله قدّه : ( ومن العقل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

أقول : قد يجعل الدّليل في المقام حكم العقل بلزوم دفع الضّرر المحتمل ، حيث إنّه لا يحصل من الاقتصار بالظّن القطع بالواقع.

ويورد عليه : بالمنع من حكم العقل بلزوم دفع الضّرر المحتمل ، وإنّما المسلّم حكمه بلزوم دفع الضرر المظنون ومن هنا يجعل الأصل الأوّلي جواز

٣٧١

العمل بالظّن وحجيّته. ويستفاد هذا كلّه من المحقّق القمّي قدس‌سره في « القوانين » (١).

وفيه ـ مضافا إلى استقلال العقل بلزوم دفع الضّرر المحتمل الأخروي ـ : أنّ الدّليل على وجوب تحصيل العلم في الشرعيات وعدم جواز الاقتصار بالظّن في مقام التّمكن ليس منحصرا في حكم العقل ، بل الأدلّة الشّرعيّة صريحة في ذلك.

ولعلّنا نتكلّم في ذلك فيما سيتلى عليك بعض الكلام زائدا على ذلك إن شاء الله تعالى.

(١٤٩) قوله : ( ولو كان عن جهل مع التّقصير ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يورد عليه : بأنّه لا فرق في المسألة بين الجاهل القاصر والمقصّر ؛ لأنّ من يدّعي كون الأصل حرمة العمل بالظن ـ كما هو قضيّة دليله أيضا من العقل والنّقل ـ لا يفرق بين الجاهلين ، فإنّ من اجتهد في تحصيل الدّليل على اعتبار ظنّ وبذل وسعه في طلبه ولم يقف عليه ، يحرم عليه العمل به متديّنا بمقتضاه ؛ لأنّ حرمة التشريع تابعة لتحقّق موضوعه أينما كان ، ولا فرق في تحقّق التشريع ـ إذا كان العمل عن استناد إلى المولى ـ بين الجهلين كما هو ظاهر هذا.

ولكن قد يذبّ عن الإيراد : بأنّ المراد من الجهل هنا ليس هو الجهل البسيط كي يتوجّه عليه ما ذكر ، بل الجهل المركّب. ومن المعلوم أنّه لا يتصوّر في حقّ الجاهل القاصر بهذا المعنى التشريع. نعم ، يمكن تحقّقه في حقّ المقصّر كما ربّما نشاهد في حقّ العوام الذين يهديهم العالمون إلى سواء الطريق مع ذلك يسلكون ما

__________________

(١) قوانين الأصول : ج ١ / ٤٤٧.

٣٧٢

اعتقدوه بالتّقليد من آبائهم وأستاذهم غير معتنين إلى قول العالم الّذي يرشدهم إلى الحقّ معرضين عنه ، وهذا أمر واضح لمن شاهد طريقة العوام المتعصّبين ، بل كثيرا ما يعلم ذلك من نفسه في عالم الجهالة.

والّذي يدلّ على إرادة ما ذكرنا قوله : « عن جهل » فإن تكلّف الجاهل البسيط ليس ناشئا عن جهله ومستندا إليه ، مضافا إلى أنّ إرادة الجهل البسيط ينطبق على قوله : « بما لا يعلم بوروده من المولى ». فلا معنى إذن لقوله : « ولو كان عن جهل ». فتعيّن إرادة الجهل المركّب وإن كانت إرادته من قوله : « بما لا يعلم » غير خالية عن التكلّف كما لا يخفى. وببالي أنّ شيخنا ( دام ظلّه العالي ) يذبّ عن الإيراد المذكور في مجلس البحث بما عرفت.

(١٥٠) قوله : ( نعم ، قد يتوهّم متوهّم : أنّ الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد وقع في هذا الوهم جماعة ممّن لا يحسن التّصريح باسمهم ، وهو في كمال الضّعف والسّقوط ؛ فإنّ الاحتياط رافع لموضوع التّشريع وضدّ له ، فكيف يمكن أن يصير من أفراده؟ فالعمل بالظّن إذا كان على وجه الاحتياط لا يعقل أن يكون تشريعا.

(١٥١) قوله : ( والحاصل أنّ المحرّم هو العمل بغير العلم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٦ )

في ان حرمة العمل بغير علم تشريعيّة لا ذاتيّة

أقول : لا يخفى عليك أنّه أراد ( دام ظلّه ) بذلك الكلام : بيان الحرمة الثّابتة لغير العلم ما لم يقم دليل على ورود التعبّد به من الشّارع ، ردّا على ما ربّما توهّم من كلام جماعة : من كون حرمة العمل بالظّن ذاتيّة كسائر المحرّمات الذاتيّة فيلزمه

٣٧٣

عدم تحقّق الاحتياط فيه موضوعا كما هو ظاهر ؛ فإنّ العمل بما لم يكن حجّة واقعا إذا كان محرّم العمل من حيث هو كان احتمال عدم الحجيّة موجبا لاحتمال التّحريم الذاتي الرّافع لموضوع الاحتياط بالفعل كما هو ظاهر.

ونقول توضيحا : أنّ العمل بما لم يعلم ورود التعبّد به من الشّارع يقع على أنحاء :

أحدها : ما إذا كان على وجه التّديّن والاستناد إلى الشّارع سواء كان على خلاف الأصل أو الدّليل الموجود في المسألة ممّا يجب الأخذ به من الشّارع أو موجبا لطرح الواقع الأوّلي احتمالا أولا.

ثانيها : ما إذا كان على وجه الاحتياط واحتمال اعتباره عند الشّارع مع عدم إيجابه لطرح الواقع الأوّلي أو الثّانوي قطعا أو احتمالا.

ثالثها : ما إذا كان لا على وجه التّدين بمقتضاه ، ولا على وجه الاحتياط مع عدم إيجابه لطرح أحد الواقعين على أحد الوجهين.

رابعها : ما إذا كان على أحد الوجهين الأخيرين مع إيجاب الأخذ به طرح أحد الحكمين على أحد الوجهين. هذا كلّه بناء على القول بوجود الاحتياط موضوعا بدون القيد المذكور ، بناء على كون المراد منه العمل بالشّيء لاحتمال كونه مطلوبا واقعا.

وأمّا بناء على القول بعدم تحقّقه بدونه موضوعا ـ نظرا إلى كونه ممّا يستقلّ به العقل فيما كان المورد خاليا عن احتمال المضرّة فضلا عن القطع به ـ فلا معنى لرفع الاحتياط في القسم الأخير.

٣٧٤

ثمّ إنّه لمّا لم يقم برهان ودليل عندنا على حرمة العمل بما ليس بحجّة ذاتا حتّى في الظّنون الّتي ثبت عدم حجيتها بالدّليل القطعي كالقياس وأشباهه بل كان مقتضى الدّليل خلافه ، وكان العقل مستقلاّ على سبيل البداهة بقبح التشريع وحرمته ـ فضلا عن تطابق الأدلّة النّقليّة عليه ـ وكان متحقّقا في صورة الشّك أيضا ـ على ما هو قضيّة التّحقيق تبعا للمحقّقين وإن خالف فيه بعض حسبما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ـ كما أنّه يستقلّ بحسن الاحتياط أينما يتحقّق تعيّن الحكم بحرمة العمل بما لم يرد التعبّد به من الشّارع ولو بلسان العقل على الوجه الأوّل ، كما أنّه تعيّن القول برجحان العمل به على الوجه الثّاني وجواز العمل به على الوجه الثّالث.

وأمّا العمل عليه على الوجه الرّابع فلا إشكال في عدم جواز العمل به ، سواء كان موجبا لطرح الواقع الأوّلي على سبيل الاحتمال ـ كما إذا عمل به مع التمكن من تحصيل الواقع على سبيل اليقين ـ أو الواقع الثّانوي على سبيل اليقين أو الاحتمال ـ كما إذا عمل بالظّن المشكوك الاعتبار مع عدم الفحص عن وجود الأصل أو الدليل في المسألة المخالفين للظّن بحسب المفاد بناء على أنّه لا يجب الاستناد إلى الأصل أو الدّليل في صورة التوافق على ما هو التّحقيق ، فالعمل بغير العلم قد يكون راجحا وقد يكون مرجوحا من جهة وقد يكون مرجوحا من جهتين وقد يكون متساويا.

إنّما الكلام والإشكال في أنّه هل يستحقّ العقاب على العمل بالظّن حينئذ فيما لم يكن عدم جواز العمل به من جهة مجرّد احتمال ترتّب خلاف الواقع عليه؟ فإنّه لا إشكال في أنّ عدم جواز العمل به حينئذ إنّما هو من باب حكم العقل من

٣٧٥

جهة محض الإرشاد ، فلا يترتّب على مخالفته عقاب غير ما يترتّب على مخالفة الواقع على تقدير المصادفة.

فالّذي يظهر من كلام الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) : هو استحقاق العقاب عليه فيما لو كان العمل به على خلاف ما يجب التعبّد به من الشّارع من الأصل العملي أو اللّفظي أو الدّليل.

ولكنّه محلّ نظر لو كان المراد منه ما هو ظاهره من ترتّب العقاب على نفس العمل بالظّن ؛ فإنّ الحرمة من هذه الجهة حرمة تبعيّة لا تورث استحقاق العقوبة والمؤاخذة. والقول : بأنّ العمل بالظّن عين مخالفة دليل العمل بالأصل أو الدّليل ـ لا أن يكون مستلزما له ـ كما ترى.

ولكن من المعلوم أنّ المراد منه ليس ما يتراءى منه في باديء النّظر ، بل المراد : استحقاق العقاب من جهة العمل بالظّن ، لو لم يكن على العمل به بل على ترك ما كان مسبّبا منه من الأصل أو الدّليل. فالمقصود وجود جهة استحقاق العقوبة في العمل بالظّن في بعض الأحيان من غير جهة التّشريع والتديّن.

ثمّ إنّ هذا كلّه مبنيّ على القول باستحقاق العقوبة على مخالفة الحكم الظّاهري من حيث هو ـ من غير جهة التّجري ـ كما هو ظاهر كلام الأستاذ العلاّمة هنا وفاقا لجمع.

وأمّا على القول : بأنّ استحقاق العقوبة عليها مبنيّ على القول بحرمة التّجري ـ كما هو صريح كلام الأستاذ ( دام ظلّه ) في آخر الجزء الثّاني من « الكتاب » في بيان حكم الجاهل ـ فلا معنى للقول باستحقاق العقاب على نفس مخالفة الأصل والدّليل مع عدم القول بحرمة التّجري الّذي هو عنوان مستقلّ.

٣٧٦

نعم ، لا إشكال في استحقاقه العقوبة على مخالفة الواقع الأوّلي الذي فرض ثبوت الطريق إليه زائدا على عقاب التّشريع حتّى فيما لم يكن الدّليل المعتبر أيضا موافقا له ، كما هو واضح لوجود البيان المصحح للعقاب على مخالفة الواقع.

في التفصيل بين الأمارات والأصول

وهاهنا قول بالتفصيل بين الأمارات والأصول المعتبرة ليس ببعيد وهو : أنّه إن كان اعتبار الأمارة من باب مجرّد الكاشفيّة والأقربيّة إلى الواقع ـ كما هو حال الظّن الذي يستقلّ العقل بحجيّته في زمان الانسداد ـ فلا يترتّب على مخالفته من حيث هي عقوبة ؛ لرجوع الأمر بالعمل به حينئذ إلى مجرّد الإرشاد ، كما هو ظاهر.

وإن كان اعتبارها لا من الجهة المذكورة بل من جهة وجود المصلحة في سلوكها أو كان من الأصول الّتي تكون عريّة عن جهة الطّريقيّة ، فيترتّب استحقاق العقاب على مخالفته ؛ لأنّ مخالفة أمر الشّارع وحكمه الإلزامي إذا لم يكن مبنيّا على الإرشاد تورث استحقاق العقوبة أيّا ما كان ، واقعيّا كان أو ظاهريّا فتأمّل. ولعلّك تقف على زيادة بيان لهذا في طيّ كلماتنا الآتية إن شاء الله تعالى.

(١٥٢) قوله : ( في تسمية هذا عملا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٧ )

في أن المعتبر في العمل الإستناد

أقول : لا يخفى عليك وجه التّسامح في الإطلاق المذكور وكونه مبنيّا على التّوسعة ؛ فإنّ الظّاهر من العمل بالظّن : هو الاستناد إليه والتّدين به ، لا مجرّد العمل المطابق له وإن لم يكن عن استناد إليه. وهو المراد من جميع ما ورد في باب العمل بغير العلم والظّن إثباتا ونفيا ، حتّى ما ورد في باب القياس والعقول الظّنيّة وما ورد

٣٧٧

في باب التّقليد أصولا وفروعا جوازا ومنعا وهكذا ما ورد في حكم سائر الأمارات والأصول في الأحكام والموضوعات كما هو واضح.

(١٥٣) قوله : ( وفيه : أنّ الأصل وإن كان ذلك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ١٢٧ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه ربّما يستظهر من هذا الكلام : تسليم الأستاذ العلاّمة جريان أصالة العدم هنا وكونها ممّا يستغنى عنه لكفاية مجرّد الشّك في الحجيّة في الحكم بعدمها من غير افتقار إلى إحراز عدمها بأصالة العدم.

ولكن التّحقيق خلاف ذلك ؛ فإنّ الأصل لا يجري في المقام وأمثاله ـ ممّا كان الحكم فيه مترتّبا على نفس الشّك أو عنوان صادق عليه ولو في الجملة ـ كما لا يجري فيما كان الحكم مترتّبا في الشّرع على المعلوم أو المظنون أو عنوان صادق عليهما كما سمعنا منه ( دام ظلّه ) غير مرّة في مجلس البحث وغيره. وقد اعترف بأنّ العبارة في المقام تحتاج إلى زيادة توضيح.

تمهيد عام النّفع

وتحقيق القول في المقام وتوضيحه بحيث يرفع الغبار عن وجه المرام يتوقّف على تمهيد مقدّمة دقيقة شريفة عامّة النّفع وهي مشتملة على أمور :

أنحاء تعلق الحكم بالموضوع

الأوّل : أنّ تعلّق الحكم بالموضوع بحسب جعل الجاعل لا يخلو عن أنحاء أربعة : فإنّه إمّا أن يترتّب على وجود الشّيء أو عدمه الواقعيين من غير مدخليّة العلم والجهل في تعلّق الحكم بها ـ كما هو الشّأن في أكثر الأحكام الشّرعيّة ـ وقد يترتّب الحكم على شيء بوصف العلم به بمعنى كونه جزءا للموضوع واقعا لا في

٣٧٨

ظاهر الدليل ، مع انكشاف خلافه.

ويلحق به الحكم المترتّب على نفس صفة العلم ، ومثله الحكم المترتّب على المظنون بالمعنى الّذي عرفته ، وقد يترتّب الحكم على شيء بوصف الجهل به بمعنى كونه جزءا للموضوع ، وقد يترتّب على عنوان صادق في صورة العلم بشيء والشّك فيه ، بمعنى كون وجوده منطبقا على العلم بهذا الشّيء والشّك فيه في الجملة.

فإن كان تعلّقه على النّحو الأوّل فلا إشكال في عدم جواز الحكم بثبوته إلاّ بعد إحراز موضوعه ولو بالأصل ، وإن كان معنى جريانه في الموضوع هو الالتزام بحكمه ؛ لأنّه بعد فرض كون الحكم من محمولات نفس الواقع لا يكون معنى لإثباته من دون إحراز موضوعه ولو بالطريق الظّاهري على ما هو الشّأن بالنّسبة إلى جميع المحمولات بالنّسبة إلى موضوعاتها ، فالالتزام بأحكام الحياة الواقعيّة مثلا ممّا لا معنى له بعد فرض عدم إحراز الحياة ولو بالطّريق الظّاهري.

نقل شبهة صعبة

نعم ، هنا شبهة قد أصعبت حلّها على كثير ، بل لم أقف على من حلّها وهي :

أنّ الحكم المترتّب على الموضوع الواقعي إن أريد إثباته بالاستصحاب فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه مع الشّك في موضوعه ؛ لعدم تحقق الاستصحاب موضوعا مع الشك في بقاء الموضوع. وأمّا أصل الحكم بثبوت حكم شيء في الظّاهر مع الشّك فيه ، فممّا لم يقم برهان على استحالته بل الأمر في كثير من القواعد الشّرعيّة كأصالة الطّهارة والحليّة ونحوهما مبنيّ على ذلك.

٣٧٩

ولكن كان الأستاذ العلاّمة ـ في سالف الزّمان على ما هو ببالي ـ ملتزما بالتّصرف في القضايا الواردة في الشّريعة الظّاهرة في جعل الحكم مع الشّك في الموضوع ، بأنّ المراد منها : هو البناء على تحقّق موضوع الحكم في الظّاهر ، فمرجع حكم الشّارع بالطهارة والحلّية في الشّبهات الموضوعيّة إلى وجوب البناء على كون المشتبه هو الموضوع المحلّل أو الطّاهر ، فهو جعل للحكم بلسان وجود الموضوع جعلا التزاميّا كما هو الشّأن في استصحاب الموضوع أيضا.

ومن هنا استظهر قدس‌سره ممّا ورد في باب الصّيد والذّباحة من الأخبار الدالة على حرمة الحيوان ـ فيما شك في تحقق تذكيته ـ الإرجاع إلى أصالة عدم التّذكية ، في قبال من زعم : أنّ أصالة الحرمة في الحيوان واللّحوم أصل برأسه.

ولكن التّحقيق : عدم خلوّ ما أفاده عن النّظر ولعلّنا نتكلّم فيه في الجزء الثّالث من التعليقة إن شاء الله تعالى (١). وكيف كان لا إشكال بل لا خلاف في عدم تعقّل ذلك في الاستصحاب.

وإن كان على النحو الثّاني ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب في صورة الشك ؛ للعلم بارتفاع الموضوع يقينا ، فلا مجال لتحقّق الاستصحاب موضوعا. نعم ، هاهنا كلام في جريان الاستصحاب في ما كان أخذ العلم في الموضوع بلحاظ الطريقيّة قد مضى الكلام فيه في أوّل التّعليقة عند الكلام في أحكام العلم فراجع إليه.

ومثله ما لو تعلّق الحكم واقعا على المظنون ؛ فإنّه لا معنى لاستصحابه عند

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٣ / ١٠١.

٣٨٠