بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

سليم عن المعارض. لكنّه لا يثبت البوليّة أيضا حتّى يثبت النّجاسة فحينئذ يرجع إلى إستصحاب طهارة البدن لسلامته عن الأصل الحاكم عليه ، هذا ما يقتضيه جلي النّظر.

وإلاّ فمقتضى عميقه عدم جريان أصالة عدم كونه ماء على التّقدير المذكور.

أمّا أوّلا : فلعدم حالة سابقة في المقام للمائع المردّد حتّى يستصحب كما لا يخفى.

وأمّا ثانيا : فلأنّ فساد الوضوء وعدم حصول الطّهارة ليس من أحكام عدم كونه ماء في الواقع ، بل من أحكام عدم العلم بكونه ماء فالمستصحب لا يترتّب عليه أثر حتّى يجري الاستصحاب بالنّسبة إليه.

اللهمّ إلاّ أن يفرض ثمّة حكم مترتّب على الماء الواقعي ؛ فيحتاج في إثبات عدمه بإجراء الأصل في موضوعه ، وهذا بخلاف صورة الغفلة فإنّ الالتزام فيها بالحدث إنّما هو من جهة استصحابه ـ كالالتزام بالطّهارة ـ لا من جهة القطع به كما في الفرض.

وبالجملة : ثبوت الفرق بين القسمين ممّا لا يكاد يخفى ، كما أنّ خروج صورة الالتفات عن محلّ الفرض ممّا لا يقبل توهّم الإنكار جزما.

٢٦١

(٧٠) قوله : ( أمّا في الشبهة الموضوعيّة فلأنّ الأصل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٤ )

في بيان جواز المخالفة الإلتزاميّة في الشبهة الموضوعيّة

مع ما يتعلق به

أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) هو أنّ طرح الحكم ولو بحسب الالتزام يتوقّف على ثبوته المتوقف على ثبوت موضوعه ؛ فإذا بني على عدم ثبوت موضوعه ـ ولو بمقتضى الأصل ـ لم يكن ثمة طرح أصلا ، حيث إنّ الأصل الجاري في موضوع الحكم حاكم على دليل الحكم ؛ فمخالفة ما دل على لزوم الوفاء بالحلف والنّذر ـ ولو بحسب الالتزام ـ تتوقّف على ثبوت الحلف والنّذر وتعلّقهما بترك ما يريد الإتيان بفعله أو بفعل ما يريد الإتيان بتركه ، فإذا أجري الأصل حكم بعدم تعلّقهما بهما لم يكن هناك طرح جزما ، لأنّ عدم الحكم بواسطة عدم ثبوت موضوعه لا يكون طرحا له ، فالأصل في الشبهة الموضوعيّة حاكم على دليل الحكم ومبيّن له.

وهذا بخلاف الأصل في الشّبهة الحكميّة فإنّ الحكم الذي هو مجراه في عرض الحكمين المعلوم أحدهما وضدّ لهما ، فالأصل فيها مناف لنفس الحكم المعلوم بالإجمال ، ومن هنا صارت الشّبهة الموضوعيّة أولى بالرّجوع إلى الأصل فيها من الشّبهة الحكميّة هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظله ) ويستفاد من إفاداته.

ولكنّك خبير بأنّ للنظر فيه مجالا واسعا لأنّ الأصل في الموضوع إنّما يكون جاريا وحاكما مع عدم العلم الإجمالي بثبوت الموضوع وإلاّ فلا معنى لجريان الأصل على تقدير عدم جواز المخالفة الالتزاميّة للعلم بثبوت الموضوع المستلزم

٢٦٢

للعلم الإجمالي بثبوت المحمول أيضا ، وعلى تقدير جوازه لم يكن فرق بين الشّبهتين.

وبالجملة : ما ذكره ( دام ظلّه ) ممّا لا محصّل له عند التّأمّل كيف! ولو بني على ذلك لم يتحقّق مصداق للمخالفة الالتزاميّة في الشّبهة الموضوعيّة أصلا كما هو واضح لمن له أدنى دراية ؛ فالتحقيق اتّحاد الشبهتين بحسب الحكم وعدم أولويّة إحداهما من الأخرى كيف! ولو كان الأمر كما ذكره من حديث الحكومة لجاز مخالفة العلم الإجمالي بحسب العمل أيضا ، وهو ممّا لا يقول به في الشّبهة الموضوعيّة ، ووجه اللّزوم ظاهر.

ثمّ إنّ ظاهر كلامه وإن كان خروج المورد عن تحت الدّليل بإجراء الأصل حقيقة إلا أنّه لا بدّ من حمله على ما ذكرنا من الخروج على وجه الحكومة فتدبّر ، كما يصرّح به فيما سيجيء من كلامه قدس‌سره هذا.

مع أنّه لا معنى لتحكيم الأصول الموضوعيّة على الأدلّة المثبتة للأحكام في غير المقام أيضا وإن تكرّر ذكره في كلام شيخنا الأستاذ العلاّمة في الأصول والفروع سيّما في « الكتاب » وفي « كتاب الطّهارة » من الفقه ؛ ضرورة أنّ الأصل العملي ليس في مرتبة الدّليل ، ولو كان جاريا في الموضوع ، فلا يمكن أن يكون شارحا ومفسّرا له هذا.

مع أنّ حمل الدّليل على بيان قضيّتين واقعيّة وظاهريّة ممّا لا يمكن كما هو واضح. فالأصول الموضوعيّة لا يعقل حكومتها على الأدلة. نعم ، هي حاكمة على الأصول الحكميّة أو واردة عليها كاستصحاب الطّهارة مثلا بالنسبة إلى قاعدة الاشتغال ؛ فإنّه واردة عليها.

٢٦٣

وأمّا بالنّسبة إلى قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » فلا نسبة بينهما على ما عرفت. نعم ، مقتضى استصحاب الطّهارة تجويز الشّارع للدّخول في الصلاة كالمتيقّن بالطّهارة ظاهرا ، وأين هذا من حكومته على ما دلّ على شرطيّة الطّهارة للصّلاة؟ فافهم.

(٧١) قوله : ( وكذا الكلام في الحكم بطهارة البدن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٥ )

أقول : لا يخفى عليك الوجه فيما ذكره فإنّ الحكم بالطّهارة إنّما هو من جهة أصالة عدم ملاقاة البدن للبول فلا ينافي ما دلّ على أنّ كلّ جسم لاقى نجسا فهو نجس والحكم بالحدث إنّما هو من جهة أصالة عدم التّوضي بالماء فلا ينافي ما دلّ على حصول الطّهارة بالتّوضي بالماء فتدبّر.

(٧٢) قوله : ( وأمّا الشّبهة الحكميّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٥ )

أقول : الّذي يظهر منهم في المقام أقوال ثلاثة :

أحدها : القول بالتّخيير ظاهرا.

ثانيها : تقديم جانب التحريم فيما كان الدّوران بينه وبين الوجوب.

ثالثها : ما اختاره الأستاذ العلاّمة قدس‌سره.

٢٦٤

(٧٣) قوله : ( إلاّ أنّ الحكم الواقعي المعلوم إجمالا لا يترتّب عليه أثر ... إلى آخره. ( ج ١ / ٨٥ )

في بيان حكم المخالفة الإلتزامية في الشبهة الحكميّة

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما أفاده قدس‌سره إنّما هو مع قطع النّظر عمّا دلّ على وجوب تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به على ما جاء به ، كما يرشد إليه قوله قدس‌سره : ( فالحق مع قطع النظر ... إلى آخره ) (١) وغرضه من ذلك نفي اعتبار الالتزام في صحّة العمل بقول مطلق أو وجوبه الذّاتي.

وحاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) ـ من الوجه فيما صار إليه ـ : أنّ الرّجوع إلى الأصل في الشبهة الحكميّة وإن استلزم طرح الحكم المعلوم إجمالا بحسب الالتزام إلا أنّه لم يدلّ عقل ولا نقل على حرمة المخالفة الالتزاميّة.

وإنّما الّذي دلّ العقل والنّقل عليه : هي حرمة معصية الأحكام الشّرعية ووجوب إطاعتها. ومعنى المعصية : هو الإتيان بفعل ما نهى الشّارع عنه أو ترك ما أمر به ، كما أنّ معنى الإطاعة : هو الإتيان بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه والمفروض عدم حصول المخالفة من حيث العمل في الفرض.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٨٥.

٢٦٥

في الفرق بين الإلتزام في الفروع والأصول

وسائر ما يقتضيه التحقيق في المقام

نعم ، الالتزام بالفروع له مطلوبيّة بالتبع ومن باب المقدّمة فيما توقّف العمل عليه ، فإذا فرض حصول ما هو المقصود منه فلا معنى لبقاء وجوبه.

وبالجملة : الالتزام بالفروع ليس كالالتزام بالأصول مطلوبا من حيث الذات حتّى يراعى على أيّ تقدير من غير فرق فيما ذكرنا بين الحكم المعلوم تفصيلا أو إجمالا فإذا فرض إتيان المكلّف بما هو الواجب عليه في الصورة الأولى من غير التزام بالوجوب ، لم يكن عليه شيء إذا كان الوجوب توصّليا حسبما هو محلّ الفرض هذا.

مع أنّه يمكن أن يقال ـ بعد فرض ثبوت دليل على وجوب الالتزام في الفروع نفسا ـ : إنّه لا ينفع في صورة العلم الإجمالي بالحكم لأنّ وجوب الالتزام بالحكم الشّرعي يتوقّف على ثبوت صغراه فطرحه ليس إلاّ بعد ثبوتها ؛ فإذا أجري الأصل بالنّسبة إلى الحكمين المحتملين ولم يلتزم بأحدهما لم يكن هذا النّحو من ترك الالتزام طرحا لما دلّ على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي ؛ لأنّه يتفرّع على ثبوت موضوعه المنفي بحكم الأصل ؛ فأصالة عدم كلّ من الوجوب والحرمة وإن كانت منافية لنفس المعلوم بالإجمال إلاّ أنّها حاكمة على ما دلّ على وجوب الالتزام بالحكم الشّرعي ؛ لكونها ناظرة إلى رفع موضوعه ، فهي بالنسبة إلى هذا الحكم كالأصل في الشّبهة الموضوعيّة مخرجة لمجراها بالحكومة عن تحت دليل التكليف هذا.

٢٦٦

ولكن التحقيق : أنّه لو فرض قيام دليل على وجوب الالتزام بالحكم الشّرعي الفرعي ـ حتّى مع العلم الإجمالي ـ لم يجز الرّجوع إلى الأصل في نفي الحكمين ـ وإن قلنا بجواز الرّجوع إلى الأصل في الشّبهة الموضوعيّة ـ على ما عرفت تفصيلا.

والفرق أنّ الرّجوع إلى الأصل في نفي الحكمين في المقام مستلزم للمخالفة القطعيّة العمليّة بالنّسبة إلى ما دلّ على وجوب الالتزام ؛ لأنّ مخالفة كلّ تكليف بحسب العمل إنّما هو بحسبه فمخالفة وجوب الالتزام بالحكم الشّرعي إنّما هو بترك الالتزام ، كما أنّ مخالفة وجوب الصّلاة بتركها.

وبالجملة : مخالفة كلّ تكليف وجوبيّ إنّما هي بترك ما تعلّق الوجوب به من أفعال القلب أو الجوارح ، وهذا بخلاف الشّبهة الموضوعيّة ؛ فإنّ الرّجوع إلى الأصل فيها بالنّسبة إلى كلّ من المشتبهين ـ ليس مستلزما للمخالفة القطعيّة بحسب العمل على ما عرفت تفصيل القول فيه.

نعم ، لو فرض كون الرّجوع إلى الأصل في الشّبهة الموضوعيّة مستلزما للمخالفة القطعيّة العمليّة ـ كما في كثير من الموارد ـ لم يكن إشكال في عدم جوازه أيضا ، حسبما ستقف عليه ، إلاّ أنّه خروج عن الفرض.

نعم ، بناء على القول بوجوب الالتزام بالأحكام الفرعيّة لم يجز الرّجوع إلى الأصل في الشّبهة الموضوعيّة أيضا ـ بناء على ما عرفت منّا في تحرير المقام ـ إلاّ أنّه لا مساس له بما ذكره الأستاذ العلاّمة قدس‌سره هذا كلّه مع قطع النّظر عما دلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشّارع.

٢٦٧

وأمّا بالنّظر إليه فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في الشّبهتين أيضا ؛ لأنّه إنّما يثبت وجوب الالتزام بما ثبت من الشّرع على نحو ثبوته له ، فإذا علم بكون الحكم الواقعي للواقعة أحد الحكمين الالتزاميّين مثلا فالتزم به في مرحلة الواقع إلاّ أنّه جعل الحكم الظّاهري الإباحة بالنظر إلى ما قضى بها على تقدير قيام الدّليل عليها في الفرض لم يكن مخالفا لذلك الدّليل قطعا ، بل الالتزام بها على هذا التّقدير واجب ؛ لأنّه تصديق للشّارع أيضا ، هذا حاصل ما أفاده في حكم المقام.

وهو كما ترى لا محصّل له بعد التّسالم على وجوب الالتزام في الفروع كالأصول ؛ إذ المجوّز للرّجوع إلى الأصل في المقام في الشبهتين ما ذكر أخيرا ، فلا معنى لطول الكلام على فرض غير مسلّم.

فالحقّ في تحرير المقام أن يقال : أنّ الرجوع إلى الأصل في مورد العلم الإجمالي بالتكليف الإلزامي ـ فيما لم يترتّب عليه مخالفة قطعيّة عمليّة كما في التوصّليين مثلا في قبال القول بوجوب الالتزام بأحد الحكمين ـ لا مانع عنه أصلا من غير فرق بين الشّبهة الموضوعيّة والحكميّة ؛ إذ المانع المتصوّر في المقام ـ فيما فرض من عدم إيجاب الرّجوع إلى الأصل طرح الخطابات الواقعيّة في مقام العمل ـ ليس إلاّ كونه موجبا لطرح دليل وجوب الالتزام والتّدين بما جاء به الشّارع.

إذ المفروض العلم بكون حكم الواقعة في الشرع غير ما اقتضاه الأصل الموضوعي والحكمي ، فلا يجوز الرّجوع إليه ؛ إذ كما يجب الالتزام بما جاء به الشّارع في الأصول والأحكام الاعتقاديّة كذلك يجب الالتزام بما جاء به في الفروع من غير فرق بينهما ؛ لأنّه معنى تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لا يخفى. فمخالفة

٢٦٨

هذا الخطاب الإلزامي سواء كان بتركه أو بجعل الحكم على خلافه حرام عقلا وشرعا بل موجب للكفر ، فالأصل المقتضي لخلافه غير جار قطعا هذا.

وهو كما ترى لا يصلح مانعا ؛ إذ الثّابت به كما هو الشّأن في جميع ما يثبت الحكم للموضوعات وجوب الالتزام بكلّ ما ثبت من الشّارع على نحو ثبوته منه سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا. ففيما دار أمره بين الوجوب والحرمة إذا التزم بالإباحة فإن التزم بكون الحكم في مرحلة الواقع هي الإباحة فقد خالف دليل وجوب الالتزام.

وإن التزم بكون الحكم الظّاهري هي الإباحة مع الالتزام بكون الحكم الواقعي أحد الحكمين الإلزاميين فليس فيه مخالفة لذلك الدّليل قطعا. بل الالتزام بالإباحة الظّاهريّة واجب بالنظر إلى دليل وجوب الالتزام ، ضرورة عدم إمكان الفرق في وجوب تصديق الرّسول بين الأحكام الواقعيّة والظّاهريّة.

في عدم كون الإلتزام بالإباحة الظّاهرية مخالفا للحكم الواقعي للشارع

فيما دار أمره بين الإلزاميّين

فإن قلت : بعد العلم بكون الحكم في الواقعة أحد الحكمين الإلزاميّين يعلم بنفي الإباحة في حكم الشّارع فيحصل من العلم الإجمالي بثبوت أحد الحكمين العلم التفصيلي بعدم الإباحة ، فكيف يبنى على الإباحة؟ ويقال بعدم مخالفتها لحكم الشّارع الثّابت في الواقعة.

قلت : ثبوت أحد الحكمين الإلزاميّين إنّما يلازم عدم الإباحة في مرحلة

٢٦٩

الواقع لا في مرحلة الظّاهر ؛ إذ التّلازم بينهما إن كان من جهة التّنافي بين ثبوت أحد الحكمين في الواقع والإباحة بحسب الظّاهر. ففيه : أنّ المسلّم عندهم عدم التّنافي بين الحكمين المذكورين وإلاّ كان ثبوت الحكم الظّاهري مشروطا بعدم مخالفته للواقع وهو محال ؛ إذ بعد العلم بالحكم الواقعي لا يعقل وجود الحكم الظّاهري فكيف يعقل في ثبوته موافقته له أو كونه إخبارا عن مجرّد المعذوريّة؟ وهو كما ترى بمكان من الضّعف والسّقوط بحيث لا يرتاب في فساده جاهل.

وأيّ فرق بين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثلا : ( كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر ) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو ريحه ) (٢)؟ وكذا أيّ فرق بين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام ) (٣) وبين

__________________

(١) الكافي : ج ٣ / ١ / ح ٢ و ٣ نشر دار الكتب الاسلامية وفيه : « الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر » ، عنه التهذيب ج ١ / ٢١٥ ـ ح ٦١٩ ، والوسائل : ج ١ / ١٣٤ ، أبواب الماء المطلق باب (١) انه طاهر مطهر ... ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١ / ١٣٥ الباب الأوّل من أبواب الماء المطلق باب عدم نجاسة ماء البئر بمجرد ... ح ٩ أورده من « المعتبر » للمحقق الحلّي وكذا أورده الفاضل العجلي في السرائر وقبلهما الشيخ في الخلاف : ج ١ / ١٧٣ والرواية عامية. انظر تلخيص الحبير ج ١ / ١٠٠ ، وفتح العزيز : ج ١ / ١٠٠ ، ومواهب الجليل : ج ١ / ٩٩ ، وسنن الدار قطني : ج ١ / ٢٨ ، والسنن الكبرى : ج ١ / ٢٥٩ ، وأنظر المصنف لعبد الرزاق : ج ١ / ٨٠ ـ ح ٢٤٦ ، إلى غير ذلك. وعليه فمن العجيب دعوى فاضل السرائر الإتفاق على روايته انظر السرائر : ج ١ / ٦٢.

(٣) الكافي : ج ٥ / ٣١٣ باب النوادر ـ باختلاف يسير.

٢٧٠

قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ )(١) وبين قوله عليه‌السلام : ( لا تنقض اليقين بالشّك ) (٢) وبين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تنقض الوضوء الخفقة والخفقتان ) (٣)؟ وهكذا.

نعم ، ثبوت المعنى المذكور لا غبار فيه بالنسبة إلى موارد خصوص البراءة العقلية وأين هذا من إطلاق القول برجوع الحكم الظّاهري بقول مطلق ـ بالنسبة إلى مفاد الأمارات والأصول ـ إلى المعذوريّة في مخالفة الواقع لو اتّفقت؟

وهذا الّذي تسالموا عليه وإن كان محلاّ للتأمّل عندنا وقابلا للنقض والإبرام إلاّ أنّه من الواضحات عند القوم هذا.

وإن كان من جهة رجوع حكم الشّارع بالإباحة إلى ترخيص الشّارع وتجويزه لمعصية التكليف المعلوم بالإجمال.

ففيه : المنع من ذلك إذ هو المفروض ، هذا كلّه.

مضافا إلى عدم الفرق عند التحقيق بين الإباحة الظّاهريّة والتّخيير الظّاهري الّذي التزم به الخصم فرارا عن المخالفة الالتزامية ، ضرورة مغايرة التّخيير ـ ولو كان ظاهريّا ـ للتعيين ـ ولو كان واقعيّا.

وبعبارة أخرى : كون الحكم الظّاهري أحد الحكمين تخييرا يغاير كون الحكم الواقعي أحدهما المعيّن عند الله تعالى. نعم ، المختار لا يعلم مخالفته للواقع

__________________

(١) المائدة / ٤.

(٢) التهذيب : ج ١ / ٨ ـ ح ١١ ، عنه الوسائل : ج ١ / ٢٤٥ ، الباب الأوّل من « أبواب نواقض الوضوء » ـ ح ١.

(٣) المصدر السابق واللفظ هنا منقول بالمعنى.

٢٧١

لاحتمال موافقته له ، لكنّه غير التّخيير ، والكلام إنّما هو فيه لا في المختار كما هو ظاهر هذا.

وإن كان من جهة عدم مساعدة أدلّة البراءة والإباحة لإثبات الإباحة الظّاهريّة ـ فيما علم بثبوت أحد الحكمين الإلزاميّين لانصراف أدلّتها اللفظيّة إلى غيره وعدم قيام الإجماع عليها في الفرض وعدم استقلال العقل بها فيه ، فهو كلام آخر غير مانعيّة مخالفة الالتزاميّة وطرح قول الشّارع ، مضافا إلى أنّه لا يلزم منه الالتزام بأحد الحكمين أيضا ، إذ كما أنّه لا دليل على الإباحة في المقام على ما فرض كذلك لا دليل على الالتزام في مرحلة الظّاهر بأحد الحكمين.

إذ الدّليل عليه : إن كان ما دلّ على وجوب تصديق الشّارع في أحكامه والتّدين والالتزام على نحو ثبوته فقد عرفت : أنّه لا معنى له ، إذ كما لا يمكن منعه عن الحكم المغاير في مرحلة الظّاهر في موضع البحث كذلك لا يمكن إثباته للحكم المغاير بل المحتمل موافقته له في مرحلة الظّاهر.

وإن كان من جهة الاحتياط في إدراك الواقع ورعاية وجوب الالتزام. ففيه :

أنّ الاحتياط بالنّسبة إلى دليل وجوب الالتزام لا يقتضي الالتزام بمحتمل الإلزام بل لا يمكن اقتضاؤه لذلك كما هو الظّاهر ؛ لأنّه تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة.

فإن شئت قلت : إنّ هذا الحكم لا يقبل الاحتياط قطعا. نعم ، بعد قيام الدّليل على ثبوت التخيير في مرحلة الظّاهر يجب الالتزام به كذلك من جهة العلم بثبوته لا من جهة الاحتمال.

وإن كان ما دلّ على وجوب التخيير بين المتعارضين ولو بالفحوى من حيث إنّ رعاية الشّارع للحكم الواقعي في المقام أولى من رعايته للحكم

٢٧٢

الظّاهري. وبعبارة أخرى : العلم بأنّ حكم الواقعة أحد الحكمين أقوى من دلالة المتعارضين على نفي الثّالث.

فيرد عليه : أنّه لم يعلم مناط حكم الشّارع بالتخيير بين الخبرين المتعارضين حتّى يتعدّى منهما إلى الاحتمالين كما ستقف عليه ومنه يظهر النّظر في قوله قدس‌سره : ـ فيما سيجيء « ويمكن استفادة المطلب من فحوى أخبار التخيير ... إلى آخره » (١) فاللاّزم على تقدير عدم مساعدة دليل الإباحة التّوقف عن الحكم ظاهرا والالتزام بثبوت أحد الحكمين واقعا ولا دليل على وجوب الالتزام بحكم ظاهري في كلّ واقعة معيّنا وإن كان ثابتا في نفس الأمر إذا لم يتوقّف العمل عليه كما هو المفروض هذا.

فإن شئت قلت : إنّ ما دلّ على وجوب الالتزام فإنّما يدلّ على كبرى كليّة لا يمكن أخذ النّتيجة منه بالنّسبة إلى الخصوصيات إلاّ بعد ضمّ صغرى وجدانية أو برهانيّة ، فإذا أردنا إثبات الالتزام بخصوص الوجوب مثلا فلا ينفع فيه مجرّد ما دلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشّارع ، بل لا بدّ من إثبات كونه حكم الله تعالى وممّا جاء به الشّارع ، وكذلك إذا أردنا الالتزام بكون حكم الواقعة أحد الحكمين تخييرا أو الواجب أحد الشيئين تخييرا.

فإن أردنا الالتزام بكون الحكم الواقعي للواقعة التّخيير ، فلا بدّ من إثبات كون الحكم الواقعي التّخيير. وإن أردنا الالتزام بالتخيير الظّاهري فلا بدّ من إثبات كون الحكم الظّاهري ذلك من الخارج ، فعلى كلّ تقدير لا ينفع في ذلك مجرّد

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٩٢ وفيه : « يمكن استفادة الحكم ... إلى آخره ».

٢٧٣

وجود دليل الالتزام هذا.

وبعبارة أوضح : إثبات وجوب التخيير بين الحكمين أو الأخذ بمحتمل الحكم بما دلّ على وجوب الالتزام بالأحكام الشّرعية غير معقول ؛ إذ مرجعه إلى التّمسك بالدليل على الحكم مع الشّك في موضوعه. والتّمسك بالاحتياط لذلك ـ مع أنّه لا دليل عليه ـ غير معقول أيضا ؛ إذ الاحتياط ينافي الالتزام ، مضافا إلى أنّ مورده في غير دوران الأمر بين المحذورين حسبما عرفت مفصّلا.

وبعبارة أخصر : إن أراد القائل بالتخيير من الحكم الّذي يلزم من الرّجوع إلى الأصل مخالفته من حيث الالتزام الحكم الواقعي فيمنع لزوم مخالفته ؛ إذ الأصل لا ينفي الحكم بحسب الواقع كيف! ولا يعقل ذلك.

وإن أراد الحكم الظّاهري أعني التخيير فالرّجوع إلى الأصل وإن استلزم نفيه إلاّ أنه يمنع عن كونه حكما ظاهر بالواقعة إلاّ بعد قيام الدّليل عليه ، فإثباته بما ذكر دور ظاهر هذا.

وإلى ما ذكرنا أشار بقوله قدس‌سره : « وأمّا دليل وجوب الالتزام بما جاء به الشارع ... إلى آخره » (١) هذا.

وقد يتوهّم : أنّ مراده قدس‌سره من الالتزام قصد الحكم والوجوب مثلا على ما يوهمه قوله : « إلا أنّه فعله لا لداعي الوجوب » (٢) وهو كما ترى بمكان من الضّعف ؛ إذ المراد منه الفعل من دون التزام بالوجوب فتدبّر ، كضعف توهم : كون المراد من

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٨٨ وفيه : « بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... إلى آخره ».

(٢) نفس المصدر : ج ١ / ٨٦.

٢٧٤

الالتزام ـ في كلامه ـ تحصيل الاعتقاد بالأحكام الشرعيّة ، هذا بعض الكلام في مدرك القول بالإباحة والتّخيير.

وأمّا وجه القول بلزوم البناء على خصوص احتمال الحرمة فستقف على تفصيل القول فيه في الجزء الثّاني.

(٧٤) قوله ( دام ظلّه ) : ( ويمكن أن يقرّر دليل الجواز بوجه آخر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٧ )

أقول : هذا مسلك آخر في الحكم بعدم التّخيير ـ غير ما عرفت سابقا ـ فإنّه كان مبنيّا على حكم العقل بجواز المخالفة الالتزاميّة وترك التّخيير ، وهذا مبني على عدم الدّليل عليه على تقدير ، واستحالة قيامه عليه على تقدير آخر.

وتوضيح ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّه إذا وجب الالتزام فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون بأحدهما المعيّن واقعا المعلوم عند الله بعنوانه التّعيّني ، وإمّا أن يكون بأحدهما الغير المعيّن واقعا أيضا وإمّا أن يكون بأحدهما المخيّر فيه أي بكلّ منهما بالوجوب التّخييري.

والأوّل ـ مضافا إلى عدم قيام دليل عليه وعدم التزام الخصم به أيضا ـ تكليف بالمحال ؛ فإنّه لا يتمكّن من امتثال هذا الخطاب على سبيل القطع وإن تمكن منه على سبيل الاحتمال فتأمّل (١).

والثّاني : تكليف قبيح بل محال كما هو واضح ، ضرورة عدم إمكان الإنشاء

__________________

(١) وجه التأمّل : أن عدم التمكّن من الإمتثال على سبيل العلم لا يوجب عدم القدرة رأسا ، المسقط للتكليف قطعا « منه دام ظلّه ».

٢٧٥

مع كون متعلّقه مبهما.

والثالث غير ممكن على تقدير ، وغير واقع على تقدير آخر ؛ فإنّ المقصود من هذا الأمر التّخييري إمّا أن يكون مجرّد الإتيان والتّرك اللّذين لا يخلو المكلّف عنهما ، وإمّا أن يكون اختيار أحدهما ملتزما بحكمه.

فإن كان المقصود الأوّل ، ففيه : أنّ طلبه محال من حيث استلزامه لطلب الحاصل ـ سواء ادّعي استفادته من نفس الأمر الموجود واقعا ـ مع أنّه محال من وجه آخر ، أو من أمر آخر. وإن أريد الثّاني : فإمّا يدّعى استفادته من الأمر الواقعي الموجود في الواقعة بالفرض أو من الخارج.

فإن ادّعي استفادته من الأمر الواقعي ، ففيه : أنّ إرادة الوجوب التّخييري منه ممّا لا يمكن ، لا لمجرّد لزوم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، بل من جهة أنّ الوجوب التّخييري المبحوث عنه في المقام ليس تخييرا واقعيّا وإلاّ لزم الخلف مع محذور آخر ؛ من حيث لزوم اجتماع الوجوب التّخييري والتّعيني واقعا في الشّيء الواحد من جميع الجهات بل هو تخيير ظاهري. ومن المعلوم ضرورة أنّه لا يمكن إنشاء حكمين أحدهما واقعي والآخر ظاهريّ بإنشاء واحد كما هو قضيّة الفرض ؛ لما بينهما من التّرتب وهو ظاهر هذا.

مضافا إلى عدم إمكان استفادة وجوب الالتزام بالأحكام ممّا دلّ على ثبوتها كعدم إمكان استفادة وجوب إطاعة الأحكام من نفس أدلّة الأحكام ، ضرورة تأخّر موضوع وجوب الالتزام والإطاعة عن دليل المثبت للحكم.

وإن كان المدّعى استفادته من الخارج ، ففيه : أنّه إن كان ما دلّ على وجوب الالتزام بالأحكام فقد عرفت تفصيل القول فيه.

٢٧٦

وإن كان غيره ، ففيه : أنّه وإن أمكن قيام دليل عليه لأنّه أمر متصور معقول على ما عرفت إلاّ أنّه ليس لنا دليل يدلّ على هذا لا من العقل ولا من النّقل ، أمّا من الثّاني فظاهر ، وأمّا الأوّل فلما عرفت تفصيل القول فيه.

هذا محصّل ما يستفاد من كلامه في توضيح المرام وبيان ما هو المقصود في المقام ، وبمثله لا بدّ من أن يحرّر الكلام لا بمثل ما حرّره الأستاذ العلاّمة قدس‌سره فإنّه لا يخلو عن مناقشة ؛ فإنّه يرد على ما استدركه بقوله ـ : « إلاّ أن يقال : إنّ المدّعي للخطاب التّخييري ... إلى آخره » (١) ـ : أنّ هذا المدّعى من القائل بالتّخيير ممّا لا يعقل ، فإنّ مفروض البحث في دوران الأمر بين الوجوب والتّحريم التّوصّليّين. فكيف يمكن للقائل بوجوب التّخيير القول بلزوم قصد التعبّد بالنّسبة إلى ما يختاره؟

فالمتعيّن أن يقال ـ بدل ما ذكر ـ : إلاّ أن يقال : إنّ المدّعي للخطاب التّخييري إنّما يدّعي ثبوته بمعنى دلالته على وجوب الالتزام بأحد الحكمين ظاهرا وإن لم يقصد التّقرب في مقام الإتيان أصلا ، فإنّ هذا هو محطّ نظر من يدّعي التّخيير في المقام ليس إلاّ. اللهمّ إلا أن يراد من التّعبد : الالتزام ، كما هو الظّاهر عند التّأمّل هذا.

ولكن وجدت في بعض النّسخ بدل ما عرفت من الاستدراك : ( إلاّ أن يلتزم بأنّ الخطاب المدّعى ثبوته ليس الغرض منه ما هو حاصل بدونه ، بل المقصود صدور واحد من الفعل أو التّرك مع الالتزام بحكم لا على وجه عدم المبالات ). انتهى.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٨٨.

٢٧٧

وهذا كما ترى في غاية الجودة هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ إرادة الالتزام بأحدهما المعيّن عند الله الثّابت للواقعة على نحو ثبوته لها ، ليس محالا ؛ إذ هو أمر ممكن بل لا بدّ من القول به على ما عرفت وإن كان القائل بالتّخيير لا يقول به إلاّ أنّ الكلام في إمكانه ، فتدبّر.

(٧٥) قوله : ( ولكن الظّاهر من جماعة من الأصحاب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٩ )

بيان منع ظهور الكلمات في نفي ما بنينا عليه في المسئلة

أقول : لا إشكال في ظهور كلماتهم في باب الإجماع المركّب بل صراحتها ـ كما هو واضح لمن راجع إليها ـ في عدم جواز الرّجوع إلى قول يستلزم منه المخالفة الالتزاميّة للحكم المعلوم صدوره من الإمام وليس كلامهم مسوقا لبيان حكم المخالفة العمليّة أصلا ، إلاّ أنّ ظهورها في نفي ما بنينا عليه في محلّ المنع.

فنقول : إنّ مقتضى القاعدة ـ في هذا الباب ـ أنّه لو كان القولان على الوجوب والاستحباب أو الحرمة والكراهة لم يكن إشكال في وجوب الالتزام بالرّجحان القدر المشترك في الأوّل بحسب الظّاهر والمرجوحيّة في الثّاني كذلك ، لأنّه معلوم تفصيلا ولا يجوز الالتزام بغيرهما ولو بحسب الظّاهر.

وإن كانا على الوجوب والحرمة أو الوجوب والكراهة أو الحرمة والاستحباب أو الكراهة والاستحباب لم يكن إشكال في جواز الالتزام بالترخيص المطلق في جميع الصّور المذكورة وعدم جواز الالتزام بحكم خاصّ ولو ظاهرا ؛ لعدم الدّليل عليه.

وإن كانا على أحد الأحكام الاقتضائية والإباحة لم يكن إشكال في جواز

٢٧٨

الحكم بالإباحة ، والوجه فيما ذكرنا ظاهر بعد التّأمل فيما قدّمنا لك من الكلام.

(٧٦) قوله : ( نعم ، صرّح غير واحد من المعاصرين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٩ )

أقول : ممّن اختار هذا التّفصيل فاضل عصره صاحب « الفصول » حيث قال ـ بعد جملة كلام له في نقل الأقوال في المسألة ما هذا لفظه ـ :

« والتّحقيق أنّه إن قام دليل من إجماع أو غيره على المنع من التّفصيل مطلقا ولو بحسب الظّاهر أو قام على أحد القولين أو الأقوال ما يكون حجّة باعتبار إفادة الواقع لم يجز التّفصيل وإلاّ جاز.

لنا على المنع في الصّورة الأولى أمّا في القسم الأوّل منهما : فلأنّه إذا قام دليل معتبر على المنع من التّفصيل ـ ولو عند عدم قيام دليل على أحد القولين أو الأقوال أو على الجمع ـ كان التفصيل معلوم البطلان ظاهرا وواقعا ». إلى أن قال :

« ولنا على الجواز في الصّورة الثّانية عدم قيام دليل صالح للمنع ، فيجب اتباع ما يقتضيه الأدلّة التي مفادها الظاهر ، وإن أدّى إلى القول بالتّفصيل وخرق الإجماع ، ولا يقدح العلم الإجمالي ببطلان أحد القولين بحسب الواقع ؛ لأنّ ذلك لا ينافي صحّتهما بحسب الظّاهر ، كما يكشف عنه ثبوت نظائره في الفقه في موارد كثيرة.

كقولنا بصحة الوضوء بالماء القليل الّذي لاقى أحد الثّوبين المشتبه طاهرهما بالمتنجّس وبطلان الصلاة فيه مع أنّ هذا التفصيل باطل بحسب الواقع قطعا ؛ لأنّ الثّوب الملاقى إن كان نجسا بطل الوضوء والصّلاة معا ، وإن كان طاهرا صحّا ـ معا. وكقولنا فيما لو ادّعى الزّوجيّة أحد الزّوجين وأنكر الآخر بأنّه يلزم المدّعي بما عليه من الحقوق والأحكام دون مقابله ». إلى أن قال ـ بعد جملة كلام له ـ :

٢٧٩

« وهذا عند التحقيق من قبيل مسألة واجدي المني في الثّوب المشترك ، حيث يحكم عليهما بالطّهارة لا من قبيل مسألة الإناءين المشتبه طاهرهما بالنّجس ، حيث يحكم فيهما بوجوب التّجنب لليقين الإجمالي » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

ومراد الأستاذ ( دام ظلّه ) من البعض ـ في قوله : « وقاسه بعضهم على العمل بالأصلين المتنافيين في الموضوعات » (٢) ـ هو هذا الفاضل حسبما عرفت القياس من كلامه.

(٧٧) قوله : ( لكن القياس في غير محلّه ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٩ )

أقول : قد عرفت سابقا عدم الفرق في محلّ البحث بين الشّبهة الموضوعيّة والحكميّة أصلا ، فالقياس الّذي ذكره قدس‌سره في محلّه ؛ لوحدة المناط في المقامين.

(٧٨) قوله : ( إذ اللاّزم من منافات الأصول ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٩٠ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام ممّا لا ينبغي صدوره منه ( دام ظلّه العالي ) لأنّ الظّاهر منه جريان الأصول حتّى مع العلم التفصيلي بالحكم الإلزامي فيما لا يلزم منه مخالفة عمليّة وهو كما ترى ؛ لعدم تعقّل جريان الأصل مع العلم التّفصيلي بالحكم كما هو واضح. وتوجيه ما ذكره وإن كان ممكنا بحيث يحكم بكون مراده غير ظاهره إلا أنّه يحتاج إلى تجشّم بعيد في الغاية.

__________________

(١) الفصول : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٨٩.

٢٨٠