بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

وبالجملة ما ذكره ( دام ظلّه العالي ) راجع إلى ما ذكرنا سابقا ، كما أنّ قوله : « وليس هذا تقييدا في دليل تلك العبادة ... إلى آخره » (١) يرجع اليه أيضا من حيث أنّ الشك المفروض إنّما يرجع إلى الشك في أخذ الشارع خصوصيّة في كيفيّة الاطاعة لا في أصل المأمور به ، ومن المعلوم أنّ هذا الشك لا يرجع في رفعه إلى اطلاق العبادة ؛ ضرورة أنّه انّما ينفع لنفي الخصوصيات التي يشك في أخذها في المأمور به.

وأمّا الخصوصيات المعتبرة في الاطاعة فلا ؛ إذ هي متأخّرة عن الأمر فكيف يمكن نفي الشك عنها به؟ وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا.

وأمّا الرجوع إلى اطلاق ما دلّ على وجوب اطاعة الله في أوامره ، فلا يجوز أيضا على ما عرفت ؛ لأنّه مسوق لبيان أصل وجوب الاطاعة ، أي : المهملة. لا لبيان كيفيّتها كما لا يخفى ، مع أنّ للاطاعة الواجبة به معنى تجري في التوصّليات أيضا فلا معنى للتمسّك به في المقام هذا.

نعم ، لا اشكال كما عرفت سابقا في أنّه على تقدير الشك فيما يحصل به الاطاعة ودورانه بين ما يحصل به الاطاعة يقينا وما يشكّ في حصول الاطاعة به لا بدّ من الأخذ بالطريق اليقيني ، ففي المقام : لو أراد المكلف الاحتياط في العبادة على هذا الفرض لا بدّ من أن يأتي أوّلا بما هو مقتضى الظّن الخاص من الاجتهاد أو التقليد متميّزا عن غيره ، ثمّ يأتي بالمحتمل الآخر بقصد القربة المطلقة على تقدير إيراث حسن الاحتياط عقلا وشرعا التقرب المسوّغ لقصده في العمل

__________________

(١) نفس المصدر.

٢٤١

المأتي به بعنوان الاحتياط ، إذ المفروض عدم وجوبه عليه ظاهرا بعد الرّجوع إلى الظّن المعتبر في تعيين المكلّف به ، لو سلّم كون الوجوب الظّاهري المسبّب عن الاحتياط مسوّغا لقصده.

ومنه يندفع توهّم : أنّ هذا النحو من الاحتياط مخالف للاحتياط لاستلزامه الاخلال بقصد الوجه في المحتمل المأتي به أخيرا ، لأنّ المفروض احتمال وجوبه أيضا.

توضيح الاندفاع : أنّ قصد الوجه لا يجوز ، بل لا يمكن على وجه إلاّ بعد احراز الوجه ، إمّا واقعا أو ظاهرا. والمفروض انتفاؤهما في المقام فكيف يقصد الوجوب في إتيان المحتمل الآخر؟ مع أنّه تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة.

وبالجملة : القول باشتراط قصد الوجه في صحّة العمل حتّى في الفرض وأمثاله ، مستلزم للقول بعدم مشروعيّة الإحتياط في الشريعة في غير مورد الحكم بلزومه راسا ؛ لأنّ المفروض عدم إمكان احرازه ، فهو نظير القول [ بال ] شرطيّة المطلقة للطهارة للصلاة مثلا ، فانّ لازمه القول بعدم مشروعيّة الصلاة لفاقد الطهورين. وهذا ممّا يرغب أهل العلم عنه ولم يلتزم به أحد ممّن قال بشرطيّة قصد الوجه إلاّ أبو المكارم في بعض كلماته.

لا يقال : هب أنّه لا يتمكّن من قصد الوجوب ، لعدم ثبوته واقعا ولا ظاهرا لكنّه يتمكّن من قصد الاستحباب ، فليأت به على هذا الوجه بناء على القول بشرطيّة قصد الوجه إذ القول المذكور لا يختص بالواجبات.

لأنّا نقول : قصد الإستحباب كقصد الوجوب يحتاج إلى ثبوته واقعا أو ظاهرا والمفروض عدم ثبوته على الوجه الأوّل. وأمّا على الوجه الثاني فهو غير

٢٤٢

ثابت أيضا لما ستقف عليه في الجزء الثاني (١) : من أنّ رجحان الإحتياط وأوامره ، لا يثبتان الاستحباب الشرعي.

وممّا ذكرنا كلّه تعرف المراد من قوله ( دام ظلّه ) : « وحينئذ فلا ينبغي بل لا يجوز ترك الاحتياط ... إلى آخره » (٢) أي : بعد فرض الشك المقتضي لعدم جواز الإحتياط والغاء الظّن ، لا يجوز للمكلّف إن اراد التكرار والاحتياط أن يترك الاحتياط اللاّزم عليه ، بمقتضى الدّوران المفروض ، وعدم تركه يحصل بان يحصّل الواقع أوّلا بظنّه المعتبر ثمّ الإتيان بالمحتمل الآخر قربة إلى الله تعالى على ما عرفت.

فلا تنافي بين كلامه هذا وما ذكره سابقا من إستظهار جواز سلوك الإحتياط ؛ لأنّ كلامه هذا إنّما هو مفروض على تقدير الدوران كما عرفته منّا ، وان كان بين ما ذكرنا وما أفاده فرق لا يخفى على المتأمّل ؛ حيث أنّ المفروض في كلامه الشك في إعتبار الخصوصيّة شرعا والمفروض في كلامنا الشك في إعتبار الخصوصيّة عند العقلاء فتدبّر.

هذا كلّه على تقدير القول بلزوم قصد الوجه وشرطيّته في صحّة العمل.

وأمّا على القول بكفاية قصد القربة ـ كما هو الحقّ حتى في صورة العلم بالوجه فضلا عن صورة الظّن به ـ فطريق سلوكه على التقدير المفروض هو أن يأتي أوّلا بما قام الظّن المعتبر على وجوبه ، قاصدا فيه التقرب بخصوصه ، ثمّ يأتي

__________________

(١) أنظر فرائد الأصول : ج ٢ / ١٠١ ، وبحر الفوائد : ج ٢ / ٤٩.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٧٥.

٢٤٣

بالمحتمل الآخر لاحتمال كونه واجبا مقرّبا أو يأتي بقصد القربة من حيث الإحتياط على اشكال عرفت الإشارة اليه ، وستعرف تفصيل القول فيه.

فما يظهر من الأستاذ العلاّمة قدس‌سره ـ : من تخصيص الحكم بالقول بلزوم قصد الوجه الذي يظهر منه عدم ثمرة على القول بعدم لزومه ـ ممّا لا وجه له ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما يستدلّ لعدم جواز الإحتياط للمجتهد بما دلّ على إعتبار الظنون الخاصّة كذلك قد يستدل لعدم جوازه في حقّ العامي بما دلّ على وجوب التقليد عليه من الآيات والأخبار ، والجواب عنه هو الجواب عنه فراجع ، هذا كلّه فيما لو توقف الإحتياط على التكرار.

وأمّا لو لم يتوقّف فظاهرهم عدم الفرق بينه وبين الصّورة السّابقة وأكثر الأدلّة المتقدّمة فيها يجري فيه أيضا.

ومنه يظهر أنّ ما ذكره الأستاذ العلاّمة قدس‌سره بقوله في حكم الفرض « فالظاهر أنّ تقديمه على الاحتياط ... إلى آخره » (١) منظور فيه.

هذا كلّه في الإكتفاء بالإحتياط في مقابل الظّن الخاصّ.

في جواز الاكتفاء بالاحتياط في مقابل الظّن المطلق

وأمّا الإكتفاء به في مقابل الظّن المطلق فيما يتوقّف على التكرار ، فممّا لا إشكال فيه بناء على ما عرفت منّا ، بل لو بنينا على عدم جوازه في مقابل العلم

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٧٤.

٢٤٤

التفصيلي والظّن الخاصّ لم يكن إشكال في جواز الإكتفاء به في الفرض ؛ لأنّ جميع ما أقاموا على حجّية الظن المطلق من الأدلّة العقليّة على ما عرفت مفصّلا لم تثبت إلاّ جواز العمل بالظنّ في مقابل الإحتياط اللاّزم أو الجائز لا وجوبه وحرمة الأخذ بالإحتياط.

نعم ، مقتضى جملة من الأدلّة المتقدّمة في الفرضين السّابقين عدم جوازه في المقام ايضا ، لكنّك قد عرفت ما فيها ، هذا كلّه فيما يتوقّف على التكرار. وأمّا فيما لا يتوقّف فالأمر أوضح وان كان الظّاهر منهم عدم الفرق كما عرفت.

وبمثل ما ذكرنا فليحرّر المقام لا بمثل ما حرّره الأستاذ العلاّمة قدس‌سره ، فانّه لا يخلو عن مناقشات غير ما عرفت الإشارة اليه في طيّ كلماتنا السّابقة من حيث إختلال نظم التحرير.

فانّ الأولى تقديم حكم الظّن الخاصّ ، مضافا إلى أنّ ما حرّر به المقام ربّما يستظهر منه تقديم الظّن المطلق بحسب المرتبة على الظّن الخاصّ ؛ فانّه قد استشكل أوّلا في جواز تقديم الاحتياط على الظّن المطلق فيما يتوقّف على التكرار ، واستظهر جوازه في الفرض في الظّن الخاصّ ، بل اولويّته على الأخذ بالظّن بقوله : « وإن توقّف الإحتياط على التكرار ، فالظاهر جوازه ، بل أولويته على الأخذ بالظّن ... الى آخره » (١).

وإن أمكن دفع هذا : بأنّ ما ذكره مبني على قضيّة القاعدة الأوليّة مع الغضّ عما يوجب تقديم الظّن الخاصّ ويشهد له قوله بعد القول المذكور : « إلاّ أنّ شبهة

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٧٥.

٢٤٥

أعتبار نيّة الوجه ... » الى آخره (١).

فانّه يظهر منه أولويّة الظّن الخاصّ على الظن المطلق ، حيث أنّه التزم بجواز الاحتياط في مقابل الظن المطلق حتى على القول باعتبار نيّة الوجه ولم يلتزم بمثله في المقام والله العالم.

كفاية العلم الإجمالي في تنجّز التكليف

(٥٧) قوله : ( فنقول أنّ للعلم الاجمالي صورا كثيرة لأنّ الاجمال الطارىء .. إلى آخره ). ( ج ١ / ٧٧ )

الكلام في تصوير الصور للعلم الأجمالي وبيان أنّ الأقسام

في الشبهة الحكميّة تسعة وفي الموضوعيّة ثلاثة

أقول : لا يخفى عليك أنّ الأولى في تصوير الصّور أن يقال : إنّ الاجمال الطارئ إمّا أن يكون من جهة الحكم الكلّي الصّادر من الشارع فتسمّى الشّبهة بالشبهة الحكمية ، أو من جهة ما يصدق عليه متعلّق الحكم أو الحكم الجزئي مع تبيين نفس الحكم الكلّي فتسمّى الشبهة بالشّبهة الموضوعيّة.

وعلى الأوّل لا يخلو : امّا أن يكون الدّوران والاشتباه من جهة أصل الخطاب الصّادر من الشارع كما لو شكّ في أنّ هذا الموضوع الكلّي تعلّق به الوجوب أو الحرمة. أو من جهة ما تعلّق به الخطاب من الأمر الكلّي مع تبيّن نفس

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٧٥.

٢٤٦

الخطاب كما لو لم يعلم أنّ الخطاب الوجوبي في يوم الجمعة تعلّق بالظّهر أو الجمعة أو في موارد الدوران بين القصر والاتمام من جهة الشبهة الحكمية تعلّق بالقصر أو التمام إلى غير ذلك من الأمثلة ، أو من جهة الخطاب والمتعلّق جميعا كما لو علم أنّ أحد الخطابين تعلّق بأحد الموضوعين الكليّين.

ثمّ سبب الاشتباه في كلّ من الصّور الثلاثة : إمّا أن يكون عدم الدليل أو إجماله وإهماله أو تعارض الدّليلين في بيان الخطاب أو متعلّقه ، فهذه تسعة أقسام لا تزيد عنها القسمة بالحصر العقلي إلاّ بفرض تقسيم لبعض هذه الأقسام حسبما ستقف عليه ، لكنّه لا ينافي حصر الذي ذكرنا بالاعتبار المذكور ، كما لا يخفى. ويسمّى جميعها بالشبهة الحكميّة ؛ حيث أنّ الحكم ليس مجرّد الوجوب أو التحريم أو الخطاب الصّادر الدال على أحدهما كما ربّما يتوهّمه من لا خبرة له ، بل هما مع اعتبار تعلّقهما بفعل المكلّف فباشتباه كلّ منهما يشتبه الحكم الشرعي الكلّي.

فالحكم إنّما يتبيّن بعد تبيّن الخطاب والمتعلّق جميعا ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه عند من له أدنى خبرة بتعاريف القوم للحكم من العامّة والخاصّة.

ثمّ إنّ لكلّ من هذه الأقسام الثلاثة أسما يختصّ به ، فالأوّل يسمّى بالشك في التكليف ؛ حيث أنّ المراد منه في اصطلاحهم ـ حسبما ستقف على تفصيل القول فيه انشاء الله تعالى في الجزء الثاني من التعليقة ـ إشتباه نوع التكليف وان علم جنسه. والثاني بالشّك في المكلّف به. والثالث : بالشك فيهما معا باعتبارين.

وعلى الثاني أيضا : يجري أصل الأقسام الثلاثة إلاّ أنّه لا بدّ من أن يعتبر التقسيم بالنّسبة إلى الخطاب والموضوع الجزئيّين إلاّ أنّ سبب الاشتباه في جميعها

٢٤٧

أمر واحد وهو اشتباه الامور الخارجيّة وما يعرض المكلّف من النسيان والسهو.

نعم ، لا اشكال في جريان الاسامي المذكورة أخيرا فيها أيضا ؛ حيث أنّ الشك في التكليف أو المكلّف به أو هما معا ليست مختصة بالشّبهة الحكميّة ، بل يجري في الشبهة الموضوعيّة أيضا ، بلا اشكال وتأمّل ، فالأقسام للشبهة الموضوعيّة ثلاثة.

نعم ، المستفاد من كلامه ( دام ظلّه العالي ) : إختصاص الشبهة الموضوعيّة بتقسيم لا يجري في الشبهة الحكميّة ، وهو : أنّ ما كان الاشتباه فيه من جهة متعلّق الخطاب ، قد يكون الاشتباه فيه من جهة إشتباه المكلّف به ، وقد يكون من جهة أشتباه المكلّف. وطرفا الشبهة في الأخير قد يكونان في مكلّف واحد ، وقد يكونان في مكلّفين من حيث أنّ الخطاب كما يكون له تعلّق بالمكلّف به كذلك يكون له تعلّق بالمكلّف أيضا ، والشبهة التي تقوم حقيقتها بالاحتمالين إذا كانا في مكلّف واحد وان رجعت إلى الشك في المكلّف به أو الشك في التكليف حسب اختلاف الصّور إلاّ أنّ هذا رجوع وتعلّق ثانوي لا أوّلي كما لا يخفى ، هذا.

ولكن يمكن الخدشة فيما ذكره ( دام ظلّه ) بجريان هذا التّقسيم في الشّبهة الحكميّة أيضا ، فانّه قد يكون الشك في الحكم الشرعي الكلّي من جهة الشّك في تعلّقه بأيّ نوع من المكلّفين كما أنّه لم يعلم تعلّقه بالنّساء أو الرّجال وبالمسافر أو الحاضر وبالراكب أو الماشي إلى غير ذلك فانّ هذا ممّا لا ينبغي إنكاره.

اللهم إلاّ أن يقال : أن التقسيم انّما هو باعتبار الوقوع ولم يقع في الشبهة الحكميّة تسبّب الشك من اشتباه المكلّف بالخطاب فتأمّل.

ثمّ انّك بعد الإحاطة خبرا بما ذكرنا في بيان المرام وتحقيق المقام تعرف

٢٤٨

وجه أولويّة ما ذكرنا ممّا ذكره الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) في تحرير القسمة ، فانّ ما ذكره أوّلا بقوله : « وإمّا من جهة متعلّق الحكم مع تبيّن نفس الحكم » (١) لا يستقيم على ما ذكرنا ، وكانّه سهو من قلمه الشريف أو مبنيّ على المسامحة في الاطلاق أو على إرادة المحمول من الحكم من غير ملاحظة تعلّقه بالموضوع ؛ فانّ ما ذكرنا من التحقيق رشحة من رشحات تحقيقاته وذرّة من ذرّات فيوضاته أدام الله إفضاله وأظلاله ، فلا تحسبنّه غير خبير بهذه المطالب الواضحة كيف! وهو مبتكر في الفنّ بما لم يسبقه فيه سابق.

ثمّ انّ المراد من الاشتباه في الخطاب الذي ذكره في طيّ كلماته ( دام ظلّه ) أعمّ ممّا ذكرنا من الأقسام وشرحنا القول فيه ، فانّه وان كان ظاهر الاشتباه في الخطاب هو خصوص القسم الثاني من الأقسام المتقدّمة ، إلاّ أن المراد منه في المقام ليس ظاهره كما لا يخفى.

ثمّ انّه بقي في المقام خبايا في زوايا لعلّك تقف عليها في الجزء الثاني من التعليقة.

(٥٨) قوله : ( إلاّ أنّه قد وقع في الشرع ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٧٩ )

أقول : المراد من الوقوع في الشرع ليس المراد هو الوقوع واقعا وباعتقادنا بالنّسبة إلى جميع ما ذكره من الموارد ، كيف! وكثير ممّا يذكره مبنيّ على فتوى بعض الأصحاب المخالف للمشهور ، بل المراد هو الوقوع ولو باعتقاد الغير ، فتأمّل هذا.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج / ٧٧١.

٢٤٩

وفي نسختي المصحّحة بدل قوله المذكور : « إلاّ أنّ في الشرع موارد يوهم خلاف ذلك » وهو كما ترى أبعد من المناقشة.

(٥٩) قوله : ( فانّ اطلاقه يشمل ما لو علمنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٧٩ )

أقول : القولان في المسألة قد لا يكون أحدهما موافقا للاصل كما إذا اختلفت الأمّة على الوجوب والتحريم ولم يكن أحدهما على طبق الاستصحاب ـ بناء على جعل المراد من الأصل ما يشمله أو الوجوب والكراهة أو الحرمة والاستحباب ـ ، وقد يكون أحدهما موافقا للاصل كما إذا اختلفت الأمّة في الوجوب والاستحباب أو الحرمة والكراهة ، بناء على ما عليه بعض أفاضل من تأخّر : من كون قضيّة الأصل هو الحكم بالاستحباب في الأوّل والكراهة في الثاني أو في الوجوب أو الحرمة والاباحة بناء على شمول كلامهم لهذا الفرض.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّه يمكن فرض موافقة الأصل لأحد القولين بحيث لا يلزم منه مخالفة التزاميّة أيضا فالحكم في الصّورة الأولى بالرّجوع إلى أصالة الاباحة حسبما يقتضيه اطلاق كلمتهم ، حكم بما يعلم تفصيلا أنّه ليس حكم الله في الواقعة.

(٦٠) قوله : ( مع أنّ القائل بجواز الأرتكاب لم يظهر من كلامه .. إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٠ )

أقول : عموم كلام المجوّز ممّا لا اشكال فيه ، انّما الكلام فيما ذكره مثالا للمقام ؛ حيث أنّه قد يقال بخروجه عن مورد كلام المجوّزين ؛ فانّه فيما لم يكن مقتضى الأصل في المشتبهين الحرمة ، كما أنّ الأستاذ العلاّمة قدس‌سره حكم بامكانه واحتماله من المجوّزين في الجزء الثاني من « الكتاب » إلاّ أنّه استظهر عدم الفرق

٢٥٠

منهم فيما سيجيىء في الجزء الثاني من « الكتاب » والتمثيل مبنيّ عليه وان كان المختار عندنا الفرق وجريان الأصلين فيما كان مقتضاهما الحكم الالزامي على القول بعدم جريان الأصول في الشبهة المحصورة على ما ستقف عليه في محلّه وعلى الفرق ، فالمثال غير عزيز والمناقشة فيه ممّا لا ينبغي.

(٦١) قوله : ( ومنها ما لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨١ )

في بيان كون العلم التفصيلي في كلّ من أطراف الشبهة

في الأمثلة المذكورة موضوعا للحكم

أقول : هذا بناء على مذهب المشهور من اعتبار الاقرار بعد الاقرار ، فيلزم المقرّ بالمثل أو القيمة جمعا بين مقتضى الإقرارين ؛ فانّ مقتضى اعمال الإقرار الأوّل أخذ نفس المقرّ به ومقتضى اعمال الإقرار الثاني هو الالزام بالمثل أو القيمة من حيث أنّ المقرّ قد اتلفه على المقرّ له ثانيا وأمّا بناء على مذهب الشيخ رحمه‌الله من لغويّة الاقرار ثانيا من حيث أنّ مقتضاه تملّك نفس المقرّ به للمقرّ له ثانيا ، واعماله بالنّسبة اليه غير ممكن من حيث تعيّنه للاقرار الأوّل ، والانتقال بالمثل أو القيمة فرع اعتبار الإقرار الثاني وهو غير ممكن فلا دخل له بالفرض أصلا كما لا يخفى.

(٦٢) قوله : ( على وجه يقضي فيه بالتحالف .. إلى آخره ). ( ج ١ / ٨١ )

أقول : بأن لا يكون لأحدهما بيّنة دون الآخر وأقدم كلّ منهما على الحلف ولم ينكل عنه أو كان لكلّ منهما بيّنة مع التساوي بناء على ثبوت الترجيح في البيّنات مطلقا أو بخصوص المرجحات المنصوصة بالشرط المذكور أو لا معه مطلقا بناء على عدم ثبوت الترجيح كذلك على ما هو راي بعض الأصحاب لكن مع الشرط المذكور.

٢٥١

(٦٣) قوله : ( أحدها كون العلم التفصيلي في كلّ من أطراف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٢ )

أقول : لا يخفى عليك وجه رفع الاشكال بهذا الوجه ؛ فانّه بعد الالتزام بكون العلم التفصيلي مأخوذا في موضوع الحكم ، يكون العلم الأجمالي من أوّل الأمر لغوا ، فلا يعقل أن يؤثر في حصول العلم التفصيلي ، فإذا بنى أنّ النجس هو البول المعلوم بوليّته تفصيلا ، فالمشتبهان طاهران في الواقع فإذا استعملهما المكلّف يعلم بأنّه استعمل الطاهران الواقعيّان ، وان علم بعد استعمالهما انّه استعمل البول ، وهكذا الكلام في مسألة الميتة ومسألة الحدث ؛ فانّه إذا جعل المانع من الصّلاة هو الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من الامام أو المأموم ، فالإمام والمأموم متطهّران في الفرض واقعا ، فإذن يعلم المأموم أنّه قد صلّى مع عدم المانع واقعا.

(٦٤) قوله : ( الثاني : أنّ الحكم الظاهري ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٢ )

في أنّ الحكم الظاهري في حق كل أحد نافذ واقعا في حقّ الآخر

مع ما يتعلق بالمقام

أقول : فإذن يكون المانع في مسألة الصّلاة مع علم المأموم بحدوث الحدث منه أو من امامه محتملا ومشكوكا بالشك البدوي ؛ فإنّ المفروض عدم مانعيّة حدث الإمام بحسب الواقع عن الاقتداء وانّما المانع الحدث المعلوم له ، فاحد طرفي العلم لا أثر له ، فالمأموم من جهة الإمام يعلم باحراز الشرط ، فانّ المفروض كفاية الطهارة الظاهريّة في حقه في صحة صلاة المأموم واقعا ، فالحكم الظاهري

٢٥٢

وان لم يكن [ له ](١) واقعية بالنّسبة إلى المحكوم له ؛ لفرض كونه ظاهريّا بالنسبة اليه إلاّ أنّه واقعي بالنّسبة إلى غيره ، بمعنى ترتّب حكم في الواقع في حقّه على الحكم الظّاهري الثابت للمحكوم له.

وهكذا الكلام في غير المثال ، كما في مثال التداعي في الدّار ؛ فانّه إذا قيل بكفاية الملكية الظاهريّة في حقّ أحد في تملك غيره الملك الظاهري له واقعا بمعنى ترتّبه واقعا على الملكيّة الظاهرية ، وفرض عدم العلم بعلم أحد المتداعيين بكذب دعويه ، بل علم استناد كلّ منهما إلى اعتقاد حصل له من القرائن بصحّة دعويه أو إلى بيّنة أو إقرار أو اليد بناء على حجيّتها بالنّسبة إلى ذيها أيضا ، وكذا الإقرار بالنّسبة إلى المقرّ له ، بناء على تعميم الحكم الظّاهري لما يشمل القسم الأوّل يعلم من انتقل اليه النصفان من المتداعيين ، بانّه قد ملك الدار واقعا فيقطع بجواز تصرّفه فيه كذلك وهذا مذهب بعض الأصحاب في أبواب المعاملات وان كان ضعيفا عندنا.

ولكنّه لا يخفى عليك أنّ هذا التوجيه لا يجري بالنّسبة إلى جميع موارد النقض كما في مسألة الاختلاف في الثمن أو المثمن ومسألة الاختلاف في تلف الدّرهم في باب الوديعة إذا فرض علم كلّ منهما بأنّ التالف من مال صاحبه.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٢٥٣

(٦٥) قوله : ( الثالث : أن يلتزم بتقييد الأحكام المذكورة ). ( ج ١ / ٨٣ )

[ في الالتزام بتقييد الأحكام المذكورة في الأمثلة المزبورة بما إذا

لم يفض إلى العلم التفصيلي بالمخالفة مع ما يتعلق به ]

أقول : الدليل على هذا التقييد ـ بعد استقلال العقل بقبح اسقاط الشيء ـ العلم التفصيلي من الاعتبار ممّا لا اشكال فيه.

ثمّ ، إنّه لمّا كان هذا الوجه غير جار بالنّسبة إلى جملة من الموارد كمسألة الاختلاف في الثمن أو المثمن ومسألة الاختلاف في الوديعة ، فاراد أن يجيب منها بوجه آخر.

فأجاب من الأوّل : بانه من باب التقاص أو انفساخ العقد بالتحالف وإن كان في الحكم بالتقاص في المقام ونظائره اشكال يطلب من محلّه ، وكذلك الحكم بالانفساخ من جهة التحالف وان كان الجواب من الاشكال المتوهّم في الفرض مندفعا على فرض صحّتهما.

وعن الثاني : بأنّه من باب المصالحة القهريّة بين المتداعيين.

ثمّ إنّه بقى هنا أمران ينبغي التنبيه عليهما :

الأوّل : أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) من الوجوه للتفصّي عن لزوم الاشكال بالنّسبة إلى الموارد التي ذكرها فانّما هي مبنيّة على فرض الالتزام بما ذكره في الموارد على ما عليه جماعة وإلاّ فالتحقيق عدم جواز الالتزام بما ذكروه في كثير منها كما في الفروع الثلاثة الأول.

٢٥٤

الثاني : أنّه قد يتفصى عن لزوم الاشكال ـ بالنّسبة إلى جملة من الموارد المذكورة ـ بأنّ المخالفة المعلوم بالتفصيل فيها انّما هو من حيث حكم الحاكم كما في الفرع السّابق ونحوه وهي ممّا لا ضير فيها ؛ فانّ تكليف الحاكم انّما هو الحكم بما يقتضيه الأمارات والموازين في حقّ المتداعين مع عدم العلم التفصيلي بمخالفة أحد الموازين بخصوصه للواقع وان علم أنّ حكمه في الواقعة في حقّهما مخالف لما هو الثابت في نفس الأمر ، هذا.

وهذا الوجه يستفاد من بعض كلمات الأستاذ العلاّمة قدس‌سره أيضا في غير المقام إلاّ أنّه كما ترى بمكان من الضّعف والسقوط ؛ فانّ تقرير الاشكال في هذه الموارد ليس من حيث مخالفة حكم الحاكم حتى يجاب بما ذكر ، بل من الحيثيّة الأخرى كما لا يخفى على من راجع اليها ، وتأمّل فيها.

(٦٦) قوله : ( أحدهما : من حيث الالتزام ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٣ )

في بيان أنّ المخالفة تكون عن ثلاثة أقسام

أقول : المخالفة قد تكون بحسب الالتزام فقط بمعنى عدم التدين بحكم يعلم كونه حكم الواقعة سواء لم يتديّن بخلافه أو تديّن به ، كالالتزام بإباحة ما تردّد أمره بين الوجوب والحرمة مع فرض الانفكاك عن المخالفة العمليّة القطعيّة ، كما إذا علم مثلا بوجوب أحد من الفعل والترك عليه توصّلا في زمان شخصيّ لا يقبل لإيقاع الفعل وتركه فيه ، وقد يكون بحسب العمل فقط كشرب أحد الإنائين اللّذين يعلم بحرمة أحدهما مع التزامه بها وقد يكون بحسب العمل والالتزام معا.

والثّاني لا دخل له بمحلّ النزاع كما أنّه لا دخل له بمسألة العلم الاجمالي ؛

٢٥٥

فانّه موجود في جميع موارد صدور المعصية عن المسلمين مع العلم التفصيلي بالوجوب والحرمة مع عدم التزامهم بما يوجب كفرهم كمن شرب الخمر مستحلا لها.

فالكلام انّما هو في القسم الأوّل والثّالث سواء كانا في الشبهة الحكميّة أو الشبهة الموضوعيّة بأقسامهما هذا.

ولكن لا يخفى أنّ الالتزام بإباحة ما تردّد أمره بين الوجوب والتحريم خارج عن مفروض البحث ، فانّ الكلام على ما عرفته فيما لم يحصل من العلم الاجمالي العلم التفصيلي وهو هنا حاصل. ومن هنا ذكره شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره مثالا في ذلك المقام.

ومن هنا قد يتوهّم التّدافع بين كلاميه ، اللهم إلاّ أن يمنع كون الالتزام بالإباحة في مرحلة الظّاهر ممّا يعلم تفصيلا مخالفته لحكم الإمام وإن هو إلاّ نظير التخيير الظاهري فتدبّر هذا ، وستقف على بعض الكلام فيه.

(٦٧) قوله : ( مع عدم كون أحدهما المعيّن تعبّديّا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٤ )

في ذكر الاقسام وبيان ان أيّها داخلة في المخالفة الالتزامية

أقول : لمّا كان المقصود البحث عن القسم الأوّل فلا جرم أخذ قيدا في الحكم المعلوم بالأجمال حتى ينفك المخالفة الالتزامية عن المخالفة العمليّة.

فنحن نقول أيضا ـ تحريرا لما هو المقصود بالبحث في المقام ـ : أنّ الوجوب والتحريم اللّذين تعلّق العلم بأحدهما : إمّا أن يكونا تعبّديّين ، أو يكونا توصّليين ، أو يكون أحدهما المعيّن تعبديّا والآخر توصّليا ، أو يكون أحدهما

٢٥٦

لا على التعيين في نظرنا تعبديّا والآخر توصليّا.

فان كانا من القسم الأوّل فلا اشكال في خروجه عن محلّ البحث ودخوله في المخالفة العمليّة.

وان كانا من القسم الثّاني وكان الزمان واحدا فلا اشكال في دخوله في محلّ البحث لامتناع خلو المكلّف عن الفعل الموافق لإحتمال الوجوب والترك الموافق لاحتمال الحرمة ، فعلى كلّ من التقديرين قد أتى بما يكون موافقا لأحد الاحتمالين وإن كان اتيانه بعنوان الاباحة ؛ لأنّ المفروض كون كلّ منهما توصليا.

وان كانا من القسم الرابع فلا اشكال في دخوله في محلّ البحث بعد إتحاد الزمان ؛ فانّ مع إختيار أحد من الفعل والتّرك بعنوان الاباحة كما هو محلّ الفرض يحتمل الموافقة بحسب العمل للحكم المعلوم بالإجمال ولا يقطع بمخالفته بحسب العمل ؛ لاحتمال كون حكم الواقعة توصّليا ساقطا بما أقدم اليه من الفعل أو الترك.

وبالجملة : دخول هذا القسم في محلّ البحث أمر ظاهر لا سترة فيه انشاء الله تعالى ، وان لم يكن في الوضوح كالقسم الثاني.

وإنّما الاشكال في القسم الثالث ، فظاهر الأستاذ العلاّمة قدس‌سره خروجه عن محل البحث ودخوله في المخالفة العمليّة كما هو ظاهره في الجزء الثاني من « الكتاب » أيضا ، إلاّ أنّه قد يتأمّل فيه : بأنّ هذا القول باطلاقه ممّا لا معنى له ؛ فانّه قد يختار المكلّف الاتيان بما يكون موافقا للحكم التوصّلي على تقدير ثبوته ، فلا يقطع بالمخالفة من حيث العمل أيضا.

نعم ، لو إختار بعد الالتزام بالاباحة ما يكون موردا للحكم التعبدي يقطع بالمخالفة من حيث العمل كما هو واضح ، هذا.

٢٥٧

ولكن يمكن التفصّي عن الاشكال المذكور : بأنّ أخذ القيد المذكور ليس لإخراجه عن محلّ البحث على كلّ تقدير حتى تورد عليه بما ذكره بل لبيان أنّه ليس داخلا فيه على كلّ تقدير ؛ حيث أنّ المقصود بيان ما يكون داخلا فيه كذلك وبهذا قد صرّح ( دام ظلّه ) في مجلس البحث.

ولكنك خبير بانّ استفادته من العبارة في غاية الاشكال والله العالم ، اللهم إلاّ أن يقال : أنّ تجويز المخالفة الالتزاميّة فيما كان أحدهما المعيّن تعبّديّا تجويز للمخالفة العمليّة القطعيّة كما هو واضح.

ويقبح على الشارع تجويزها على ما ستعرف. وهذا وان كان واضحا ويندفع بها الايراد إلاّ أنّه قد يستشكل استفادته من ظاهر « الكتاب » ، فتأمّل ...

ثمّ انّ الوجه فيما ذكرنا من التقييد بالزمان الواحد يظهر بعد هذا ، إلاّ أنّه غير مفروض « الكتاب » كما لا يخفى.

(٦٨) قوله : ( فانّ المخالفة هنا من حيث العمل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٤ )

أقول : لم يرد بذلك نفي ثبوت المخالفة من حيث الالتزام ، بل المراد إثبات المخالفة من حيث العمل في قبال القسم الأوّل ، أي : المخالفة الالتزاميّة المحضة كما هو واضح لمن له أدنى دراية.

٢٥٨

(٦٩) قوله : ( أو بين حكمين لموضوعين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٨٤ )

في بيان كون طهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضأ غفلة بمايع مردّد

مثالا للاشتباه والتردّد بين حكمين لموضوعين

أقول : ما ذكره مثالا للفرض ممّا لا شبهة فيه ؛ فإنّ موضوع الطّهارة من الخبث ظاهر البدن والجسم ، وموضوع الحدث النّفس ، كما أنّ الطّهارة المعنويّة والخباثة الظّاهريّة على عكس ذلك ؛ فإنّ الأوّل من الحالات والأمور المعنويّة القائمة بالنّفس كالحدث ؛ حيث إنّه من الحالات الرّذيلة القائمة بالنّفس.

فالمكلّف يعلم ـ بعد التّوضي بالمائع المردّد بين الماء والبول غفلة ـ بعروض أمرين مردّدين له : إمّا الطّهارة المعنويّة والظّاهريّة على تقدير كون المائع ماء ، وإمّا الخباثة المعنويّة والظّاهريّة على تقدير كونه بولا فالالتزام بظاهري من الأوليين ، وواقعيّ من الأخيرين ، مستلزم للمخالفة القطعيّة الالتزاميّة بالنّسبة إلى حكم أحد الموضوعين ؛ فإنّ الظّاهري من كلّ منهما ملازم للواقعي منه وكذا العكس.

فالتّفكيك بينهما مستلزم للقطع بالمخالفة من حيث التّلازم الثّابت بينهما بالفرض إلاّ أنّه لا قطع هنا بحسب العمل ؛ لأنّ كلاّ من الحكمين اللّذين التزم بهما موافق لأحد احتمالي المائع.

هذا كلّه بناء على القول بكون الطّهارتين وما يقابلهما من المجعولات الشّرعية وإلاّ فلا بدّ من أن يلاحظ بالنّسبة إلى منشأ انتزاعهما من الأحكام التكليفيّة بناء على القول بكونهما من الأمور الاعتباريّة ، أو ما يترتّب عليهما من

٢٥٩

الأحكام الشّرعيّة على القول بكونهما من الأمور الخارجيّة الواقعيّة التي لا دخل لجعل الشّارع فيها كسائر الموضوعات الخارجيّة.

وأيّا ما كان لا بدّ من أن يراعى في البيان ما ذكرنا لا ما ذكره الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) فإنّ ظاهر كلامه ـ كما هو ظاهر لكلّ من له أدنى دراية ـ كون الالتزام بطهارة البدن والحدث مخالفة من حيث الالتزام.

مع أنّ الأمر ليس كذلك كما عرفت ؛ فإنّها نفس ما يلتزم بها في مرحلة الظّاهر المخالف لما هو الثّابت في الواقع قطعا لا من الأمر الواقعي الّذي التزم بخلافه ، فإنّه وإن كان قد يدفع الإشكال عن كلامه : بأن المقصود منه هو التّمثيل للحكمين الثّابتين لموضوعين من حيث تعدّد الموضوع لا من حيث كون الحكمين من الملتزم به أو من الملتزم بخلافه إلاّ أنّه كما ترى هذا.

مع أنّه قد يناقش في مثال الحكمين لموضوعين : بأنّه مثال في غير مورد العلم الإجمالي بالتّكليف الإلزامي كما هو المفروض فليس مثالا للمقام وإن كان مثالا للمخالفة الالتزاميّة بقول مطلق. نعم ، قد يفرض في مورد المثال المذكور العلم الإجمالي بالتكليف ، لكنّه بعيد ، وعلى فرض التحقّق خارج عن محلّ كلامه قدس‌سره فتأمّل.

ثمّ إنّ الوجه للتّقييد بالغفلة ممّا لا يكاد يخفى على من له أدنى دراية ؛ فإن التّوضي مع الالتفات بأمر المائع وتردّده بين الماء والبول وكذا الغسل به مع الالتفات إليه فاسد جزما وإن كان في الواقع ماء ؛ لانتفاء قصد القربة جزما ، وأصالة عدم كونه بولا لا ينفع في كونه ماء على تقدير الجريان إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت. فحينئذ يتعارض الأصل من الجانبين وإلا فأصالة عدم كونه ماء

٢٦٠