بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

إلاّ في بعض الصّور.

توضيح ذلك على سبيل الإيجاز : أنّه قد يقطع المكلّف بحكم أو موضوع لا يقطع غيره بخطأه في قطعه فحينئذ لا يحدث في حقّه تكليف أصلا ، حتى التكليف الغير الالزامي ، إلاّ فيما كان القطع موضوعا في حقّه وقلنا بانصراف دليله إلى القطع المتعارف ؛ فانّه يمكن فيه القول بحسن الرّدع فيه فيما كان غيره ملتفتا إلى حاله ، ولو قيل بحدوث التكليف في بعض الموارد في القطع الطريقي لم يفرّق فيه بين القطّاع وغيره.

وقد يقطع بشيء موضوعا أو حكما يقطع غيره بخطأه فيه ، فان كان في الاحكام فلا دليل على لزوم الرّدع ولو بازالة قطعه إلاّ فيما يجرى فيه دليل لزوم إرشاد الجاهل ؛ حيث أنّ المراد منه أعمّ من الجاهل المركّب أو البسيط ، إلاّ أنّه لا فرق في ذلك بين القطاع وغيره. ولو قيل بلزوم الرّدع من جهة دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على تسريته بالنّسبة إلى الاحكام وعدم تخصيصه بالموضوعات التي يعرف المأمور والمنهي حكمها ـ وإن كان هذا القول ضعيفا ـ فلا فرق أيضا بين القطاع وغيره.

وان كان في الموضوعات فان كان الموضوع المعلوم للغير ، ممّا يجب حفظه على غير القاطع بحيث يجب عليه المنع من ايجاده بأيّ وجه أمكن كما في الدّماء مثلا ، فيجب الرّدع فيه قطعا إلاّ أنّه لا فرق فيه بين القطّاع وغيره. وإن لم يقم دليل على وجوب حفظه كذلك ، فلا يجب الرّدع بالنّسبة اليه إلاّ أنّه لا فرق فيه بين القطّاع وغيره كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام في المقام وتفصيله وشرح الكلام في تميز الموارد يطلب

٢٠١

من الفقه وقد خرجنا بطول الكلام عن وضع التعليقة إلاّ أنّه لتشريح المطلب لم يكن بدّمنه ونرجو أن يكشف به القناع عن وجه ما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره.

(٥٣) قوله ( قدس‌سره اللطيف ) : « ثمّ إنّ بعض المعاصرين وجّه الحكم ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٧ )

في مقالة صاحب الفصول رحمه‌الله فيما يتعلّق بقطع القطّاع

أقول : الأولى نقل كلامه الشريف بالفاظه ثمّ بيان مرامه وما يتوجّه عليه قال قدس‌سره في مسألة الملازمة بين العقل والشرع ـ بعد نقل كلام المحقق القمّي قدس‌سره في الجواب عن الاستدلال بالآية الشريفة : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ ... )(١) الآية ، على عدم التلازم بين حكم العقل والشرع بما ذكره في القوانين ـ ما هذا لفظه :

« وهذا الجواب عندي غير مستقيم على اطلاقه ، وذلك ؛ لأنّ استلزام الحكم العقلي للحكم الشرعي واقعيّا كان أو ظاهريّا مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعيّ عنده من جواز تعويله عليه ، ولهذا يصحّ عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده : لا تعوّل في معرفة أوامري وتكاليفي على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدّي اليه حدسك ، بل إقتصر في ذلك على ما يصل منّي اليك بطريق المشافهة أو المراسلة أو نحو ذلك.

ومن هذا الباب ما افتى به بعض المحقّقين (٢) : من أنّ القطّاع الذي يكثر

__________________

(١) الإسراء : ١٥.

(٢) المراد به هو الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس‌سره.

٢٠٢

قطعه بالأمارات التي لا توجب القطع عادة يرجع إلى المتعارف ولا يعوّل على قطعه الخارج منه (١).

فانّ هذا انّما يصحّ إذا علم القطّاع أو إحتمل أن يكون حجيّة قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا فيرجع إلى ما ذكرناه : من اشتراط حجيّة القطع بعدم المنع ، لكن العقل قد يستقلّ في بعض الموارد بعدم ورود منع شرعيّ ، لمنافاته لحكمة فعليّة قطعيّة ، وقد لا يستقل بذلك لكن حينئذ يستقلّ بحجيّة القطع في الظاهر ما لم يثبت المنع » (٢). إنتهى كلامه المتعلّق بالمقام.

أقول في شرح مرامه : إنّه لمّا بني قدس‌سره ـ كما يفصح عنه كلامه في غير موضع من كتابه حتى كلامه الذي عرفته هنا ـ على كون القطع حجّة في حكم العقل وأنّه ممّا يجب متابعته ويحسن بالحسن الالزامي عند العقل ، فيكون حجيّته من منشآت العقل فيستكشف من حكم العقل بحجيّته حكم الشرع بها بالنظر إلى قاعدة التلازم.

كما أنّه بنى في مسألة التلازم ـ كما يفصح عنه كلامه في المقام أيضا ـ على عدم كون التلازم بين الحكمين دائميّا وفي جميع موارد حكم العقل بالحكم الانشائي ، نظرا إلى أنّ التّكليف الشرعي كما أنه قد يتبع جهة المكلّف به ، كذلك قد يتبع جهة التكليف ، ولا يلزم حسن الفعل عقلا وقوع التكليف على طبقه شرعا ، كما أنّه لا يلازم قبحه العقلي وقوع التكليف الشرعي على طبقه فإذن لا تلازم بين حسن العمل بالقطع عقلا ووجوب العمل به شرعا ، فقد يكون في ايجاب الشارع

__________________

(١) انظر المقصد العاشر من المقام الثاني من الفن الثاني من كشف الغطاء : ج ١ / ٣٠٨ ط بوستان كتاب.

(٢) الفصول : ٣٤٣.

٢٠٣

للعمل به جهة لمنعه ، بل قد يكون هناك جهة تقتضي منع الشارع عن العمل به خارجة عن نفس العمل.

وهذا كما ترى لا ينافي كون حكم العقل بحجيّته من الحكم الضروري الفطري ، فانّ حجيّته في حكم العقل غير حجّيته في حكم الشّارع ، والضروري إنّما هي حجيّته العقليّة لا الشرعيّة ، فلا ينافي ما ذكره قدس‌سره هنا لما ذكره في موضع آخر من كلامه في تلك المسألة في الجواب الحلّي عن الوجه الثاني للقول بالتفصيل في حجيّة حكم العقل بين الضّروري والنظري ، حيث قال ـ بعد جملة كلام له ما هذا لفظه ـ : « فإنّ حجيّة العلم والإنكشاف ضروريّة فطريّة وليست نظريّة حتّى يتطرّق القدح إلى كلّية كبراه بما ذكر » (١). إنتهى كلامه رفع في الخلد مقامه. فتأمّل.

فغرضه قدس‌سره ممّا ذكره : إمكان منع الشّارع من العمل بالقطع بجهة من الجهات بالإمكان الذّاتي في القطّاع وغيره بحسب نفس الأمر ، إلاّ أنّ توجيه هذا المنع إلى القطاع إنّما يصحّ فيما إذا كان ملتفتا إلى القضيّة التي ذكرناها ، قاطعا بالمنع في حقّ القطّاع أو محتملا ومجوّزا لوروده في حقّه. وإن كان يحكم بحجيّة القطع عند الاحتمال ظاهرا ما لم يثبت المنع فلا تنافي وتناقض بين تصحيح النّهي في صورة الاحتمال والحكم بحجيّة القطع في مرحلة الظاهر ، فتأمّل هذا.

ثمّ إنّ مراده من إستقلال العقل بالحجيّة الظّاهريّة ووجهه ما ذكره قبل ذلك عند الكلام في تحقيق ما اختاره في مسألة التّلازم حيث قال : « ولنا على المقام الثّاني : إنّ احتمال كون التكليف أو حسنه مشروطا ببلوغه بطريق سمعيّ مع إمكان

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٣٤٦.

٢٠٤

دعوى كونه مقطوع العدم في بعض الموارد ممّا لا يعتدّ به العقل في إهمال ما أدركه من الجهات القطعيّة بظهور أنّ الإحتمال لا يعارض اليقين لا سيّما إذا كان بعيدا.

وليس في السّمع ما يدلّ على هذا الاشتراط لما سنبيّنه : من بطلان ما تمسّك به الخصم وعدم قيام دليل صالح له سواه ، ويدلّ عليه ظاهر قوله تعالى : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ )(١) وغير ذلك ممّا يأتي.

ومن هنا يتضح أنّه لو جهل العقل جهات التكليف وأدرك جهات الفعل ، حكم في الظّاهر بثبوت التكليف ، عملا بعموم الآيات وما في معناها من الأخبار.

ولأنّ قضيّة جهات الفعل وقوع التكليف ، على حسبها إن لم يعارضها مانع ، ولا يكفي إحتماله ؛ إذ المحتمل لا يصلح في نظر العقل لمعارضته المقطوع به.

وقريب منه : ما لو أدرك العقل بعض جهات الفعل المقتضية لحسنه أو قبحه وشكّ في وجود جهة قد تعارض تلك الجهة فانّه يحكم بثبوت التكليف على حسبها ولا يعتدّ بإحتمال الجهة المعارضة. إمّا لإصالة عدمها أو لحكم العقل بقبح الفعل والترك والحال هذه ، حكما واقعيّا وإن كان مبناه على الظاهر ، ولهذا يستحق الذّم عليه في حكمه ، وإن أنكشف بعده وجود الجهة المعارضة فيه ؛ فانّ ارتكاب القبيح الظاهري قبل انكشاف الخلاف قبيح واقعي كالحرام الظاهري.

ألا ترى أنّ من علم بوجود السمّ في أحد الانائين فتجرّى على تناول أحدهما من غير ضرورة مبيحة أنّه يستحق الذّم بذلك عقلا وإن تبيّن بعد ذلك أنّ

__________________

(١) الأنعام : ١٥٢.

٢٠٥

الذي تناوله لا سمّ فيه؟ ) (١). إنتهى ما أردنا نقله من كلامه.

فتبيّن منه : أنّ مراده من حكم العقل بالحجّية ظاهرا مع إحتمال المنع الشرعي حكم العقل بالحجّية بالنظر إلى ظاهر الآيات والأخبار ، فتأمّل أو بالنظر إلى أصالة العدم التي هي حجة عقلا ، فتأمّل.

فالتسمية بالظّاهرية على أحد الوجهين بمعناها المعروف أو بالنظر إلى عدم صلاحيّة مزاحمة الجهات الواقعيّة المجهولة عند العقل وإن كانت محتملة للجهات المعلومة الظّاهرة الواضحة ؛ نظرا إلى أنّ معروض الحسن والقبح العقليّين ، العناوين المعلومة لا الواقعيّة النفس الأمريّة حسبما عرفت تفصيل القول فيه.

وهذا وإن كان منافيا لما حكاه الأستاذ العلاّمة قدس‌سره عنه في مسألة التجرّي إلاّ أنّه وجيه بالنظر إلى ما عرفته من شيخنا قدس‌سره ، ومنّا في تحقيق المقام في تلك المسألة ، فالتسمية بالظاهريّة على هذا الوجه ليست مبتنية على معناها المعروف كما لا يخفى إلاّ بتكلّف : أنّ حكم العقل على هذا الوجه أيضا في موضع الجهل بالواقع وإحتمال المنع الواقعي المانع على تقدير العلم به. فتدبّر.

هذا بعض الكلام في توضيح مرامه قدس‌سره في هذا المقام ومن التأمّل فيه يظهر لك عدم توجّه كثير ممّا يورد عليه ممّا عرفت الإشارة اليه وغيره حتى ايراد التناقض بين قوله : « فانّ هذا انّما يصح ... إلى آخره ». وبين قوله : « لكن حينئذ يستقلّ العقل ... ». إلى آخره ، فتأمل.

__________________

(١) الفصول : ٣٤٠.

٢٠٦

في بيان ما يتوجّه في هذا المقام على صاحب الفصول

نعم ، يتوجه عليه امور :

أحدها : عدم إمكان تعلّق الجعل بالقطع عقلا وشرعا بحيث يكون هناك غير المعلوم قضيّة أخرى عقليّة أو شرعيّة يكون القطع موضوعا لها حسبما هو معنى جعل القطع حجّة على ما عرفته مرارا من أوّل المقصد إلى هنا في القطع الطريقي حسبما هو معنى الجعل في الظّن وإلى هذا أشار شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره بقوله : « وأنت خبير ... إلى آخره » (١). ومن هنا ذكره في قبال من ذهب إلى الإجزاء في حقّ الجاهل المركب في مسألة الإجزاء أنّه لا يتصور هناك أمر في حقّ الجاهل حتّى يقال : أنّ سلوكه وإمتثاله يقتضي الإجزاء حسبما قيل في سلوك الظّن المعتبر.

ثانيها : أنّ جهات التكليف راجعة عند التحقيق إلى جهات المكلّف به حسبما حقّقناه في مسألة الملازمة.

ثالثها : أنّ الحكم باستقلال العقل في الحكم بالحجيّة ظاهرا بالنظر إلى ظواهر الآيات والأخبار أو بالنظر إلى أصالة العدم ممّا لا معنى له ، فانّ إحتمال المنع إن كان مانعا من استقلال العقل ، فلا يجدي حكم الشارع بعدمه في مرحلة الظّاهر في حكم العقل ، حيث أنّه ليس من الأحكام الشرعيّة المجعولة. وإن لم يكن مانعا كما هو مقتضى ما ذكره أخيرا فلا معنى للتمسك بالوجهين كما لا يخفى ، فتدبّر.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٦٧.

٢٠٧

رابعها : أنّ المثال الذي ذكره تقريبا لصحّة تعلق المنع بالعمل بالقطع أجنبي عمّا نحن فيه. فانّ المنع فيه يرجع إلى المنع عن الخوض في المقدمات لا إلى المنع عن العمل بالقطع كما لا يخفى.

وهذا هو المراد ممّا أورده عليه شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره اللّطيف في « الكتاب » بقوله : « والعجب أنّ المعاصر مثّل ... إلى آخره » (١).

فمراده قدس‌سره : التمثيل لمورد صحّة النّهي لا لقطع القطّاع ، حتى يتوجه عليه : بأنّ المعاصر ذكر هذا الكلام تقريبا لصحّة تعلّق النهي عن العمل بالقطع لا لقطع القطّاع ، فتأمّل هذا.

خامسها : أنّ ما ذكره ـ في تقريب كلام بعض المحقّقين في قطع القطّاع مبنيا على ما أفاده قدس‌سره في حكم القطع ـ لا محصّل له ، فان غاية ما هناك بالنظر إلى ما أفاده في حكم القطع إمكان تعلّق المنع من الشارع بالعمل بقطع القطّاع لا وقوعه ، ضرورة أنّ الامكان الذاتي لا يلزم الوقوع وإلاّ خرج عن كونه ممكنا ، غاية الأمر إحتمال تعلق المنع ، وهو غير قادح في إستقلال العقل بالحكم واستكشاف حكم الشارع بالحجيّة عن حكم العقل بها على ما بني عليه الأمر.

والقول : بأنّه إذا بني على كون القطع كالظّن في كون إعتباره جعليّا لا ذاتيا ـ يستلزم الحكم بعدم إعتباره حتّى يعلم به كالظّن فلا يحكم باعتباره إلاّ مع العلم بالمنع ـ فاسد جدّا.

إذ مبنى ما ذكره على الإغماض عمّا يقتضيه التحقيق ـ : من عدم امكان

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٦٧.

٢٠٨

تعلّق الجعل بالقطع وكون سلوكه والعمل به حسنا عقلا ما لم يثبت المنع الشرعي ـ حسبما هو قضيّة كلام الفاضل المتقدم ذكره ـ فما أفاده قدس‌سره يصحّح المنع الشرعي من العمل بقطع القطّاع على تقدير ثبوته.

وأمّا الحكم بالثبوت فيتوقّف على قيام دليل عليه ، فالشأن إثبات ذلك في المقام حتّى يوجّه به كلام بعض المحقّقين في الحكم بعدم إعتبار قطع القطّاع في القطع الطريقي.

وأمّا توجيهه بالنظر إلى إعتقاد القطّاع بكون اعتبار القطع في حقّه مشروطا بعدم كونه قطاعا أو محتملا لذلك ففاسد جدّا ، فانّ الكلام في حكم المسألة بحسب نفس الأمر ومن حيث هي لا بالنّظر إلى إعتقاد القطّاع. وإلاّ فلا يصحّ إبتناء المسألة على ما أفاده في حكم القطع بقول مطلق.

إذ مرجع ما ذكره إلى أنّ قطع القطّاع لا إعتبار به ؛ لأنّه يعلم بأنّ قطعه ليس حجّة في حقّه فلا معنى للابتناء المذكور. كما هو واضح. مضافا إلى أنّ ما ذكر ليس قابلا لأن يدوّن في الكتب ويجعل من مسائل العلم ، ويتكلّم فيه الفقيه أو الاصولي كما لا يخفى.

مع أنّ الوجه في صورة إحتمال المنع لا بدّ أن يكون مع الاغماض عمّا بني عليه الأمر : من إستقلال العقل في الحكم بالحجيّة مع إحتمال المنع وأنّ العقل يوقف القطّاع عن العمل بقطعه مع إحتمال المنع الشرعي.

فالاولى أن يوجّه كلام بعض المحقّقين ـ بناء على ما أفاده من إمكان المنع عن العمل بالقطع ـ : بأنّ المستفاد ممّا ورد في باب القياس والعقول الظنّية وأنّ

٢٠٩

الدين لا يصاب بها ، المنع عن عمل القطّاع بقطعه ، حيث أنّه كثير الخطأ كالعقول الناقصة الظنّية على تقدير تسليم كثرة الخطأ في قطع القطّاع وإن منع منها ؛ نظرا إلى أنّ حصول القطع ممّا لم يتعارف حصوله منه لا يلازم الخطأ كثيرا وغالبا ، فلا بدّ من التماس دليل آخر على المنع وإلاّ فلا يكفي مجرّد الامكان.

* * *

٢١٠

التنبيه الرابع :

الكلام في اعتبار العلم الإجمالي

(٥٤) قوله قدس‌سره : ( الرّابع : أنّ المعلوم إجمالا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ لحوق الإجمال والتفصيل للعلم واتّصافه بهما ليس لحوقا وإتصافا أوّليّا وإنّما هو بالنظر إلى المعلوم ومتعلّقه وبالواسطة والعرض ؛ فانّ العلم بأي معنى كان وبأيّ قول فيه لا يتّصف بالاجمال ، فان كان المعلوم مفصّلا ومتشخّصا ومتميزا عمّا عداه بحيث يقبل الاشارة الحسيّة ، فيتّصف العلم بالنظر اليه بالتفصيلي وإلاّ فبالاجمالي. والتوصيف على وجه النّسبة ممّا يدلّ على ما ذكرنا كما لا يخفى. وإن جعل الوجه في الاتصاف أمر آخر ـ كما ذكره بعض أهل المعقول ـ فهو أيضا راجع إلى متعلّقه لا إلى العلم أوّلا وبالذات.

ثمّ إنّ المراد من إثبات التكليف بالعلم ليس جعله واسطة في الاثبات حسبما يتوهّم في بادي النظر حتى ينافي ما ذكره قدس‌سره مرارا بتوضيح منّا : من عدم كون العلم وسطا في العلم الطّريقي ، بل المراد ترتيب الآثار على المعلوم عند العلم والالتزام به ولزوم اطاعته عقلا وشرعا.

كما أنّه المراد من التنجز على المكلّف عند العلم وفعليّة الخطابات

٢١١

والأحكام النفس الأمريّة الواقعيّة المتعلّقة للعلم والظنّ والجهل ، فالشانيّة والفعليّة تعرضان للاحكام الشرعيّة باعتبار حكم العقل بالمعذوريّة عند المخالفة عند عدم الطريق المعتبر اليها وحكمه بعدم المعذوريّة عند وجود الطريق اليها أو تقصير الجاهل في تحصيلها مع المخالفة ولو لم يكن هناك طريق اليها وإلاّ فليس للشارع حكمان وإنشاءان يتصف أحدهما بالواقعي والآخر بالفعلي والمنجز كما هو واضح ، بل ذلك أمر مستحيل ؛ ضرورة أستحالة أخذ العلم في المعلوم سواء كان شانيّا أو فعليّا كما لا يخفى.

(٥٥) قوله قدس‌سره : ( فالمقصود في المقام الأوّل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٧٠ )

أقول : كون المقصود بالبحث إثبات تأثير العلم الإجمالي في تنجز الخطابات في الجملة في مقابل عدم التأثير رأسا ، لا ينافي وقوع الكلام في تأثيره في التنجّز على كلّ تقدير ـ الذي يلزمه وجوب الموافقة القطعية والإحتياط الكلّي لمناسبة يقتضيها المقام استطرادا ـ كما أن التّلازم بينهما في حكم العقل عندنا ـ على ما ستقف عليه في محلّه مع قطع النظر عن الشرع ـ لا ينافي الخلاف فيه وعدم تعلّق الغرض في المقام لا باثبات القضيّة الجزئية والمهملة.

(٥٦) قوله قدس‌سره : ( فنقول : مقتضى القاعدة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٧١ )

فيما يتعلّق بجواز الاقتصار بالعلم الاجمالي في الامتثال

وترتّب مقاماته الثلاثة

أقول : لا يخفى عليك أنّ الكلام في المقام من حيث حصول الإمتثال بالعلم الإجمالي والاحتياط مع التمكّن من العلم التفصيلي أو الظنّ المعتبر لا يفرّق فيه

٢١٢

بين التوصّلي والتعبّدي إلاّ أن يتوسّع في لفظ الإمتثال ويجعل المراد منه مجرّد رفع الخطاب كما هو الظّاهر لا معنى الظّاهر منه عند الإطلاق ، فخروج التوصليات عن محلّ البحث والكلام إنّما هو من حيث أنّ البحث في المقام راجع إلى البحث في حصول الاطاعة ، فيمنع من كفاية العلم الإجمالي على تقدير المنع فيما يكون الاطاعة معتبرة في السقوط كما في التعبدي ، لا فيما يكون السقوط فيه مترتّبا على مجرّد الحصول ووجود متعلّق الخطاب بأي نحو كان حتّى في ضمن الحرام كما في التوصّلي.

ومن هنا ادّعي الاجماع على خروجه عن محلّ الكلام ، فالأمر في التوصّلي من حيث حصول الاطاعة وآثارها كالأمر في التعبدي ، غاية الأمر عدم توقّف سقوط الخطاب في التوصّلي على الاطاعة.

ثمّ ، لا يخفى عليك أنّ المقامات الثلاثة مترتّبة ؛ ضرورة أنّ الكلام في جواز الاكتفاء بالإمتثال الإجمالي في مقابل الظنّ الخاص إنّما هو بعد البناء على عدم الجواز مع التمكن من الإمتثال العلميّ التفصيلي ، كما أنّ الكلام في الجواز مع التمكّن عن الظنّ المطلق إنّما هو بعد البناء على عدمه مع التمكّن من الظنّ الخاص.

كما أنّ التكلّم فيما لا يتوقف على التكرار في كل من المقامات الثلاثة إنّما هو بعد البناء على المنع فيما يتوقّف على المنع فيما يتوقّف على التكرار ، بناء على ما أفاده شيخنا الاستاذ العلاّمة من كونه أولى بالمنع ممّا لا يتوقّف الإحتياط فيه على تكرار العمل.

ثمّ إنّ البحث في المقام لما كان في حصول الاطاعة والإمتثال بسلوك

٢١٣

سبيل الإحتياط وإحراز الواقع به مع التمكن من سلوك غيره من الطّرق المعتبرة وتحصيل الواقع على طبقها ، لا فيما لا يتمكّن منه ؛ فانّه ليس محلا للكلام قطعا ؛ لاتّفاقهم على الجواز إلاّ ما يحكى عن الحلّي في بعض الموارد على ما أشار اليه قدس‌سره ، فالمرجع في المسألة حكم العقل وبناء العقلاء الكاشف عنه.

وحيث أنّ حكم العقل بكفاية الإمتثال الإجمالي في الشرعيات ـ في محل البحث قياسا لها بالإمتثال في الأوامر الصّادرة من الموالي إلى العبيد في العرفيّات ـ إنّما هو فيما لم يرد من الشرع منع عنه كاشف عن إختيار الشّارع في إطاعة أحكامه وجها خاصّا مغايرا لما يسلكه العبيد في اطاعة أوامر الموالي ، فلا بدّ من أن يتكلّم أوّلا فيما يحكم به العقل في المقام من حيث حكمه في باب اطاعة أمر المولى بقول مطلق ثمّ نتكلّم في أنّ للشّارع طريقا خاصّا مخترعا في باب الاطاعة أم لا.

الكلام فيما يحكم به العقل في باب إطاعة مطلق الأوامر

الموجّهة من الموالي إلى العبيد

فنقول : لا ينبغي الإرتياب في حصول الإطاعة عقلا وعند العقلاء بإتيان شيئين يعلم بكون أحدهما مطلوبا للمولى إذا كان الداعي إمتثال الأمر المتوجّه إلى العبيد مع التمكن من تشخيص المأمور به وتمييزه عن غيره ولو بالسؤال عن المولى من غير فرق في ذلك بين موارد اشتباه الحكم أو الموضوع ، وبين توقف الاطاعة الاجماليّة على التكرار وايجاد فعلين أو أفعال ـ كما عرفته من المثال ـ أو عدم توقّفها على ذلك كما في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهة

٢١٤

الحكميّة أو الموضوعيّة إذا أتى بالأكثر إحتياطا مع التمكن من معرفة المأمور به بالعلم التفصيلي.

وهذا هو المراد بالقاعدة في قوله المتقدّم : « فنقول مقتضى القاعدة ... » إلى آخره (١).

نعم ، لو كان العقل واقفا في ذلك ، حكم حكما قطعيّا بعدم الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي وان احتمل الإكتفاء به عند الشارع.

نعم ، لو ثبت الإكتفاء به عند الشّارع لم يكن منافيا لحكم العقل كما هو واضح ، فهو نظير حكم العقل بعدم جواز سلوك الظّن مع التمكن من العلم إلاّ إذا قام الدليل على إعتباره شرعا ، فاذا جاز الإكتفاء بالإحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي ، فالإكتفاء به مع التمكن من الظّن التفصيلي سواء كان ظنّا خاصّا أو مطلقا أولى بالجواز كما هو واضح.

وتوهّم : منع الأولويّة بدعوى دلالة دليل حجيّة الظّن على المنع من سلوك غيره ـ وهذا بخلاف العلم التّفصيلي ؛ فانّ إعتباره ليس بجعل جاعل حتّى يمنع دليل جعله من سلوك غيره ـ فاسد جدا لما ستقف عليه مفصّلا من فساد [ ال ] دعوى المذكورة بما لا مزيد عليه.

ثمّ إنّه إذا استقلّ العقل بحصول الاطاعة بالإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي في اطاعة مطلق الأوامر المتوجّهة من الموالى إلى العبيد فلا محالة يحكم بجواز سلوك هذا الطريق في الشرعيات أيضا ، إلاّ إذا علم بخلافه من

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٧١.

٢١٥

الشارع وأنّ طريقه في باب إطاعة أحكامه غير ما يسلكونه العبيد في إطاعة أحكام مواليهم ، ومجرّد إحتمال ذلك لا يصلح مانعا عن حكم العقل بالإكتفاء.

والقول : بصلاحيّته لذلك ـ نظرا إلى أنّ الإكتفاء به مع الإحتمال المذكور عدول عن الطريق اليقيني في باب الإمتثال إلى الطريق الإحتمالي والشكّي وهو غير جائز بحكم العقل المستقلّ ، ومن هنا نحكم بعدم جواز سلوك الظّن بإحتمال حجيّته عند الشّارع وبعدم سلوك غير الظّن عند انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة بإحتمال حجيّته وإعتباره شرعا ، كما ستقف على تفصيل القول فيه ـ فاسد جدّا.

فانّ الرّادع عن حكم العقل بسلوك الطريق العقلائي في الشرعيات ، ثبوت منع الشارع عند العقل لا مجرّد إحتماله فليس في الإكتفاء بالطريق العقلي عدول عن الإمتثال اليقيني إلى الإحتمالى ، بل عدم الإكتفاء به عدول عن سلوك الطريق العقلي بمجرّد الإحتمال.

ومن هنا تعرف فساد قياس المقام بما ذكر من حكم العقل في باب الظّن المحتمل حجيّته وفي باب دليل الانسداد في حكم ما إحتمل حجيّته ممّا لا يفيد الظّن إذا لم تبلغ مرتبة الظن ، فانّ ما ذكر فيهما صحيح ، لكن لا دخل لهما بالمقام كما عرفت هذا. وسيجيىء بعض الكلام في ذلك عند التكلّم فيما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في تأسيس الأصل ، هذا ما تقتضيه القاعدة بالنظر إلى حكم العقل والعقلاء في باب الاطاعة.

٢١٦

في وجوه المنع من الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي

فهل ورد في الشرع ما يقتضي خلافه؟ كما نسب إلى الأكثر ، بل المشهور ـ حتّى مع التمكّن من الظن التفصيلي في الجملة ـ أم لا؟ كما هو الحقّ ، وعليه بعض المحقّقين ـ حتى مع التمكّن من العلم التفصيلي ـ أو يفصّل بين العلم التفصيلي مطلقا وغيره كذلك ، أو يفصّل في العلم التفصيلي بين ما يتوقف على التكرار وغيره فيقال في الثاني : بالجواز ، أو يفصّل في الظن بين الخاصّ والمطلق فيلحق الأوّل بالعلم مطلقا أو في الجملة ، أو يفصل في الظّن المطلق بين ما يتوقف على التكرار وغيره فيلحق الأوّل بالعلم ، أو يفصّل بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة؟ وجوه :

أدلّة عدم جواز الإكتفاء بالعلم الإجمالي

يستدلّ للأوّل بوجوه ـ : مضافا إلى الأصل بالبيان الذي ستقف عليه ـ :

أحدها : إستظهار الإجماع على المنع من الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي فيما يتوقف على التكرار كما إستظهره شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في « الكتاب ».

ثانيها : الاجماع المدّعى ـ في كلام السيّد الجليل الرضي قدس‌سره في محكي ( الذكرى ) (١) و ( الروض ) (٢) ـ على المنع مع التمكّن من العلم التفصيلي مطلقا حتى فيما لا يتوقّف على التكرار وتقرير أخيه الاجل السيّد المرتضى ( طيب الله رمسه )

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٩ ط ق وج ٤ / ٣٢٥ آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) روض الجنان : ٣٩٨ ط ق.

٢١٧

وفي [ ال ] مسائل الرّسية (١) من الرّسّي وتقرير السيّد الاجل علم الهدى للسائل أيضا ، فعلى ذلك يظهر الإعتماد بالنّقل المذكور من شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في « الكتاب ». وفي دلالة المحكي عنهما على حكم المقام ، تأمّل ظاهر كما ستقف عليه.

وفي كلام بعض السادة المتأخرين على ما هو ببالي (٢) ، بل يظهر منه دعوى الاتفاق على البطلان حتى مع التمكّن من الظّن التفصيلي فضلا عن العلم هذا.

قال الشهيدان في محكي « الذكرى » و « الرّوض » ـ في مسألة الجاهل بالقصر في السّفر ـ : إنّ السيّد الرضي سأل أخاه المرتضى رحمه‌الله فقال : إنّ الإجماع واقع على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية والجهل باعداد الركعات جهل باحكامها فلا تكون مجزية. فأجاب المرتضى عنه بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور. قال ـ في محكي « الرّوض » بعد نقل ذلك ـ : « حاصل هذا الجواب يرجع إلى النص الدال على عذره ، والقول به متعيّن ». إنتهى المحكي عنه.

وقال : شيخنا الأجل في « الجواهر » ـ بعد نقل الكلام المذكور ـ ما حاصله :

« إنّ الظاهر من جواب السيّد أنّ الأحكام الشرعيّة تختلف بإختلاف الأشخاص والأحوال فيجوز أن يكون حكم الجاهل بالقصر وجوب الإتمام عليه وإن كان مقصّرا غير معذور في ترك العلم ، وحينئذ فهو آت بالمأمور به فيكون

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ج ٢ / ٣٨٣.

(٢) لم نعثر عليه.

٢١٨

مجزيا ، ولا بأس بترتيب الشارع حكما على فعل أو ترك للمكلّف عاص به ، كما في مسألة الضد التي مبناها على أنّ الشارع أراد الصّلاة من المكلّف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق مثل إزالة النجاسة فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلّم والتفقّه المأمور بهما كتابا وسنّة إلاّ أنّه لو صلّى بعد عصيانه في ذلك صحّت صلاته للدليل » (١). إنتهى الملخّص عنه.

وقد تبع في ذلك المحقّق الأردبيلي قدس‌سره في « شرح الإرشاد » (٢) وقد عرفت حكاية مثل ذلك عن الرسّي قدس‌سره.

قال العلاّمة قدس‌سره في محكي « المختلف » ما هذا لفظه : « قال في المسائل الرسّية حيث قال له السّائل : ما الوجه فيما يفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عمّن صلّى من المقصّرين صلاة المتمّم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك مع علمنا بأنّ الجهل باعداد الركعات لا يصحّ معه العلم بتفاصيل أحكامها ووجوهها ، إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع الجهل بالجملة التي هي كالأصل ، والإجماع على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية وما لا يجزي من الصّلاة يجب قضاؤه فكيف يجوز الفتوى بسقوط القضاء عمّن صلّى صلاة لا تجزي؟ فأجاب رحمه‌الله بأن الجهل وإن لم يعذر صاحبه ، بل هو مذموم جاز أن يتغير معه الحكم الشرعي ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل » (٣). إنتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) الجواهر : ج ١٤ / ٣٤٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان : ج ٣ / ٤٣٣.

(٣) رسائل المرتضى : ج ٢ / ٣٨٣ ، عنه مختلف الشيعة : ج ٣ / ١١٤.

٢١٩

ثالثها : كون الإكتفاء به فيما يتوقّف على التكرار مع وجود الطريق المعتبر ولو كان هو الظّن المطلق ، خلاف الاجماع العملي والسّيرة المستمرة بين المتشرّعة.

رابعها : ما دل من الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة والاجماع على وجوب تحصيل العلم بالأحكام الشرعيّة وكونه فريضة من الفرائض ، فانّه يدلّ على عدم جواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي في الشبهة الحكميّة مطلقا مع التمكّن من الإمتثال العلمي ، بل مع التمكّن من الإمتثال الظّني المعتبر في الجملة في وجه ، فانّ المستفاد منها وإن لم يكن حجيّة العلم ـ وجعله في حكم الشارع طريقا إلى الواقع كما توهّمه بعض من لا خبرة له ـ إلاّ أنّه يستفاد منها وجوب تحصيله على القادر بذلك وعدم جواز الإكتفاء بغيره.

خامسها : ما دلّ على إعتبار قصد الوجه في العبادات أو معرفته مع وجود الطّريق المعتبر إلى الوجه وفي الإكتفاء بالإحتياط الغاء لهما حتى فيما لا يتوقّف على التكرار.

سادسها : أنّ المحتاط بتكرار العبادة ، يعدّ لاعبا بأمر المولى عند العقلاء مع وجود الطريق اليها ولا يعدّ ممتثلا سيّما فيما توقّف الإحتياط على تكرار العمل كثيرا كما هو ظاهر. ذكره شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في الجزء الثّاني من « الكتاب » (١).

سابعها : أنّ ما دلّ على وجوب العمل بالأمارة بالوجوب التعييني كما هو

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ٢ / ٤٠٩.

٢٢٠