بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-280-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٥٧

وعلى عدم أفضليّة الأئمة الأثني عشر سلام الله عليهم أجمعين على أولي العزم من الرّسل من حيث كونهم جامعين لمرتبة النبوّة والولاية المطلقة كما توهّمه من لا خبرة له مع أنّ المذهب على خلافه ، وقد كثر فيه الأخبار والآثار بحيث بلغت أعلى مرتبة التواتر.

ولعمري ، إنّ هذا التوهّم جهل بمراتبهم ومقاماتهم ( صلوات الله عليهم ) كيف! وإنّ تفاوت الأنبياء في الفضل من حيث إختلاف سبقتهم في قبول الولاية وإنّ أفضليّة الخليل من حيث سبقته في الايمان بهم ، وإفتخاره بكونه من شيعتهم ، ومسألته من الله تبارك وتعالى أن يجعله من شيعة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

مضافا إلى وحدتهم مع الرسول المختار ( صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين الأبرار ) في النورانية والذات (٢) وكونهم علّة لخلق جميع الموجودات العلويّة والسفليّة من دون إستثناء ، وان كنّا مع ذلك جاهلين بمقامهم ( صلوات الله عليهم ) ، إذ الاحاطة به وتحديده لا يمكن إلاّ لله تبارك وتعالى ورسوله المختار ( صلوات الله عليه وآله ) من دون إستثناء ، وغاية معرفتنا في حقهم الاعتراف بالعجز عن معرفتهم ( أرواحنا لهم الفداء ).

وعلى نفي المعراج الجسماني ومنع شقّ القمر من حيث استلزامها للخرق والالتئام في الفلك الكلّي والجزئي ، من غير حاجة إلى الجواب بأنّ البرهان على

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ج ٤ / ١٨٧ ـ ح ٤٤٥٢.

(٢) كما في الزيارة الجامعة الكبيرة : أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي وان أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض. والاخبار الشريفة على هذه المعاني كثيرة وانظر أصول الكافي كتاب الحجة وكذا المجلّد ٢٥ من بحار الأنوار.

١٨١

الامتناع انّما هو بالنّسبة إلى فلك الافلاك المحيط عليها لا بالنّسبة إلى مطلق الفلك ، وكذا الجواب عن جميع الشكوك والشّبهات الحادثة في النّفس أو المدوّنة في الكتب المخالفة لضرورة الشرع.

(٤١) قوله قدس‌سره : ( لكن هذا لا يتأتى في العقل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٧ )

أقول : بل لا يتأتّى في مطلق العقل القطعي ، ضرورة إمتناع حصول القطع بالمتنافيين. ومن هنا يظهر أنّ الاستدلال بالاستقراء في المقام غير محتاج اليه ، فلا بدّ في جميع موارد حكم العقل القطعي ، القول بامتناع

حكم الشارع على خلافه وان كل ما ورد على خلافه ـ بظاهره النوعي بالمعنى الذي عرفته سابقا ـ فمؤوّل أو مطروح.

في مقالة الاخباري بعدم وجوب إمتثال الحكم الشرعي المعلوم بالعقل

(٤٢) قوله قدس‌سره : ( فان قلت : إنّ نظر هؤلاء ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٨ )

أقول : قد عرفت ـ في مطاوي كلماتنا السابقة ـ : أنّه لا يمكن أخذ العلم بالحكم الشرعي في ثبوت نفس الحكم المعلوم سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا ، كما أنّ العلم بالحكم الشرعي بقول مطلق مأخوذ في وجوب الاطاعة والإمتثال في حكم العقل ، بمعنى كونه مأخوذا في موضوع الحكم المسطور ، فإذا كان العلم مأخوذا في موضوع وجوب الأمتثال ، فيمكن التفصيل بين خصوصياته وأسبابه ، والحكم بأنّ الحكم الشرعي المعلوم بالمقدّمات العقليّة البسيطة المحضة أو المركبّة المنضمّة بالمقدّمات النقلية لا يجب إطاعته.

والدّليل على وقوع التفصيل المذكور ما ذكره في « الكتاب » من الأخبار

١٨٢

الواردة وغيرها ممّا يقتضي بظاهره حصر وجوب الإمتثال بما علم ثبوته من الشارع بتوسّط السماع ولو بالواسطة ، فيكون هذا دليلا آخر على عدم حجيّة حكم العقل غير ما تقدّم سابقا : من استلزامه تفويت الواقع ونقض الغرض من تشريع الاحكام وإرسال الرسّل وإنزال الكتب.

والفرق بينه وبين السّابق ـ بعد الاشتراك في عدم إعتبار العقل في الجملة على الوجهين ـ كون الأوّل مبنيّا على عدم حصول القطع بالحكم الشرعي من حكم العقل من حيث الغائه في نظر الشارع. والثاني مبنيّا على عدم وجوب إمتثال الحكم الشرعي المعلوم بالعقل وإنّ كان ثابتا في نظر الشّارع.

(٤٣) قوله قدس‌سره : ( ووجه الاستشكال ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الذي يتوجّه على معاشر الأخباريّين بناء على الوجه المزبور ليس خصوص مطالبة وجه الاستشكال فيما لو تعارض العقل الفطري والنّقل ، بل يطالبون ـ بناء عليه ـ بوجه الحكم بحجيّة العقل البديهي والفطري ، بل مطلق العقل القطعي عند عدم التعارض بناء على ما عرفت إستظهاره من الأمين الاسترابادي.

فالذي يدفع به الاشكال المذكور ، يدفع به الاشكال الذي ذكرناه أيضا ؛ حيث إنّه ليس في شيء ممّا دل على حجيّة العقل من الآثار ما يقتضي بإختصاصها بالعقل الفطري فيحكم بالحجّية عند عدم التعارض مطلقا ، كما يستشكل في حكم تعارض العقل الفطري مع النقل من حيث عدم ما يقتضي هناك تقديم أحدهما على فرض تصوّر التعارض وإن توجّه عليهم : بأنّه لا بدّ من الاشكال بناء عليه في تعارض مطلق العقل والنّقل هذا. ويطلب ما رواه من النّقل المتواتر في باب العقل

١٨٣

والجهل من « أصول الكافي » (١).

(٤٤) قوله قدس‌سره : ( ما لفظه : إنّ المعلوم هو أنّه يجب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٠ )

أقول : لما كان ظاهر اللّفظ المحكي المذكور كما هو واضح إعتبار العلم وأخذه بالنّسبة إلى نفس الحكم الشرعي الالزامي المنقسم إلى قسمين ، وغيره المنقسم إلى الثلاثة ، لا بالنّسبة إلى وجوب الأمتثال ، وكان ذلك أمرا غير معقول من حيث لزوم الدّور الواضح على هذا التقدير ، فحمله قدس‌سره على الإحتمال الذي ذكره في وجه المنع من قبل الأخباريّين ، بحمل الوجوب في كلامه على الوجوب المنجزّ الفعلي الذي لا تحقّق له إلاّ بملاحظة حكم العقل بوجوب الإمتثال هذا.

ولكن قد ياباه قوله : « أو لا يجب » (٢) إذ حمله على المعنى المزبور ممّا لا معنى له. اللهم إلاّ أن يريد التنويع بالنّسبة إلى وجوب الإمتثال ، وعدم الإمتثال لا التعميم بالنّسبة إلى جميع الأحكام الخمسة ، وإنّ ثبوت جميعها تابع للعلم الحاصل من النّقل ، مع أنّ فيه ما فيه.

ومن هنا قد يحمل على ظاهره ، ولزومه لأمر باطل عندنا لا يوجب التصرف في ظاهر كلام الأخباريّين ؛ إذ ليس هذا المحظور أعظم من محظور نفي حجيّة العقل في الجملة في كلام غير واحد منهم بحيث لا يمكن حمله على ما أفاده وفرض تعارض القطعين في كلامهم ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الكافي : ج ١ / ١١ و ١٦ ، الحديث ١٢ و ٣ من كتاب العقل والجهل.

(٢) شرح الوافية للسيّد صدر الدّين الرضوي القمي ( مخطوط ) : ٢١٥.

١٨٤

(٤٥) قوله قدس‌سره : ( قلت : أوّلا نمنع ... الى آخره ). ( ج ١ / ٦٠ )

في أنّ الحاكم بوجوب الاطاعة هو العقل لا الشرع

أقول : حاصل ما ذكره في الجواب الأوّل : هو أنّ الحاكم بوجوب إمتثال أحكام الشارع ليس إلاّ العقل ؛ ضرورة إمتناع كون وجوبه شرعيّا للزوم التّسلسل الظاهر. وما ورد في ذلك ممّا يظهر منه إيجاب الشارع له فانّما هو إرشاديّ صرف ، ورد لتأكيد العقل كما هو واضح.

والعلم وإن كان مأخوذا في وجوب الإمتثال في حكم العقل على تقدير تسليمه ، إلاّ أنّه يستقلّ بعدم الفرق بين خصوصياته وأنّ المدار على مطلق الانكشاف العلمي من غير تفصيل. فاذن لا يعقل الفرق.

أمّا أوّلا : فلأنّه ليس الحاكم في المسألة الشارع حتّى يفصّل في حكمه.

وأمّا ثانيا : فلأنّه مناف للحكم القطعي بعدم الفرق للعقل ، فلا بدّ من أن يلتزم بعدم وقوع التفصيل في الشرعيّات وأنّ ما يتوهّم دلالته فمؤوّل على تقدير ظهوره.

ومن هنا قال ـ في ذيل الجواب الثاني بعد تسليم الظهور ـ : إنّه لا فائدة مهمّة في هذه المسألة ، أي : في التكلّم في ظهور الأخبار المتقدّمة وعدم ظهورها في مدخليّة توسط الأخذ من الحجّة في وجوب الاطاعة.

(٤٦) قوله قدس‌سره : ( ودعوى : استفادة ذلك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٠ )

أقول : المستفاد من الأخبار المذكورة وأمثالها سوقها في المنع عن الرجوع إلى العقل في التوقيفيّات التي لا سبيل للعقل اليها ، فيكون المراد منها العقول

١٨٥

الناقصة الظنيّة لا محالة ، ويشهد له ما دلّ على خطأ العقول ؛ فانّ القضّية محمولة على الغلبة ولا تستقيم إلاّ بالنسبة إلى العقول الظّنيّة كما هو واضح.

وعلى فرض الظّهور في الاطلاق لا مناص من حملها على ما ذكرنا بالنّظر إلى ما عرفت مضافا إلى تعارضها على هذا التّقدير لما دلّ على بيان حال العقل وأنّه رسول من الله تبارك وتعالى وأنّه على تقدير الظهور ينفي حكومة العقل مطلقا ، مع أنّ ظاهرهم الالتزام بحجيته عند عدم التعارض في الجملة على ما عرفت سابقا.

(٤٧) قوله قدس‌سره : ( وأمّا نفي الثواب على التصدّق ... الى آخره. ( ج ١ / ٦١ )

أقول : لما كان مدلول الرّواية نفي الثواب الظاهر في إنتفاء الحكم في مورد الحكم القطعي البديهي ـ وهو حكمه بحسن الإحسان ولو لم يكن فطريّا ، ـ فلا بدّ من التصرف فيه على مذهب الأخباري أيضا.

حيث أنّهم تسالموا على حجّيته مع عدم المعارض على ما عرفت ، إمّا بحمله على التّصدق الغير المقرون بالتقرّب. وإمّا بالحمل على الحبط بمعنى بطلان التصدّق كالحجّ من حيث كون الولاية شرطا في صحّة الاعمال لا بمعناه المعروف كما يترائى من العبارة في بادىء النظر ، أو على غير ذلك من الوجوه هذا كلّه على تقدير ظهور الرواية في نفي الثواب أصلا ورأسا.

ويمكن حملها بملاحظة ما ورد في أعمال خير المخالف من كون أجرها للمؤمن ؛ نظرا إلى صدورها من طينته المخلوطة بطينة المخالف على نفي الثواب بالنسبة الى العامل فقط ، فعلى هذا لا يلزم هناك الإلتزام بالحبط هذا.

ولبعض أفاضل المتأخّرين هنا كلام في معنى الرّواية ينبغي ايراده :

١٨٦

قال قدس‌سره في « فصوله » ـ في الجواب عن الاستدلال بالرّواية على نفي الملازمة ـ :

« وأمّا عن الخامس : فبأنّ المتبادر من أعماله ، الأعمال المذكورة سابقا من الصّوم والصلاة والصّدقة والحجّ لظهور الاضافة في العهد. وظاهر أن ليس للعقل مدخل في ذلك ، مع أنّ المدار ليس على مشاهدة الدّلالة والحضور عند وقوعها ، بل على الاطلاع عليها ولو بما يكشف عنها كالخبر والاجماع ، ولا ريب أنّ العقل أيضا كذلك فانّه إذا كشف عن الواقع كشف عن وقوع دلالة الوليّ اليه فاذا عمل به من حيث كونه دالا اليه كان عمله بدلالته على أنّ نفي الثواب لا يستلزم نفي العقاب ويكفي ثبوته في إثبات حقيقة الوجوب والتحريم » (١). إنتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه أنظار غير مخفيّة على المتأمّل سيّما في نفي حكم العقل عن الامور المذكورة في الرّواية حتى التصدّق بجميع المال مع كونه إحسانا محضا ، ضرورة أنّه لا ينافيه قصد التّقرب عند دفع المال هذا.

وله كلام آخر في معنى الرّواية في مسألة عبادة الجاهل في باب التقليد حيث قال ما هذا لفظه :

« واعلم ، أنّه قد يستدلّ على الاشتراط بصحيحة زرارة المتقدّمة في الأدلّة العقليّة حيث تضمّنت أنّ من لم يوال وليّ الله ولم تكن جميع أعماله بدلالته اليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولم يكن من أهل الإيمان.

__________________

(١) الفصول : ٤٣٤.

١٨٧

ووجه الاستدلال : أنّ العامل الّذي أخذ أحكامه بغير الطرق الشرعيّة ليس عمله بدلالة وليّ الله ، لأنّه إنّما يدلّ إلى الأخذ بالطّرق المعتبرة فلا يستحق الثواب على ما أفاده الرّواية وهو يستلزم الفساد.

والجواب : أنّ هذه الرواية غير واضحة الدلالة على المراد ، لأنّه إنّما نفى استحقاق الثواب في حقّ من لم يوال وليّ الله ولم يكن عمله بدلالته اليه ، وهو لا يقتضي نفي الثواب في الموالي الذي لا يكون عمله بدلالته اليه ، إذ الظاهر من اللفظ إعتبار الأمرين معا في الشرطية.

لا يقال : يكفي في ترتيب الحكم المذكور عدم الموالات ، فلو لا استقلال العمل بغير دلالته عليه بذلك لكان اعتباره في الشرطية لغوا.

لأنّا نقول : ينافي إعتبار الاستقلال حكمه عليه‌السلام بعدم الإيمان ، فانّ الاجماع قائم على إيمان الموالي الذي عمل بغير دلالته لا سيّما مع الغفلة » (١).

إلى أن قال :

« ويمكن أيضا جعل الحكم الأوّل مترتّبا على كلّ من الأمرين على الاستقلال. والثاني مترتبا على الأوّل خاصّة ، فيدل على نقيض المدّعى. لكنّه بعيد عن ظاهر اللّفظ جدّا » (٢).

إلى أن قال :

« سلّمنا لكن نقول ليس في نفي استحقاق الثواب دلالة على نفي صحّة العمل

__________________

(١) الفصول : ٤٣٤.

( ٢ و ٢ و ٣ ) الفصول : ٤٣٥.

١٨٨

بمعنى اسقاط القضاء كما هو محلّ البحث ، ولا عدم ترتّبه تفصيلا » (١).

إلى أن قال :

« ويمكن أن يجاب أيضا : بأنّ الطرق الغير المعتبرة معتبرة في حقّ الغافل المعتقد بكونها طرقا معتبرة لامتناع كونه حينئذ مكلّفا بغير ذلك » (٢). إنتهى ما أردنا نقله من كلامه.

وفيه ابحاث يطول المقام بذكرها فلعلّها غير مخفيّة على المتأمّل سيّما في جعل الاعتقاد بالاعتبار مؤثرا في الإعتبار وإن كان هذا الكلام غير متعلّق بالمقام ، وجعل نفي استحقاق الثواب غير ملازم لنفي الصّحة مع أنّك قد عرفت سابقا : أنّ الصحة الشرعيّة ملازمة لإستحقاق الثواب.

(٤٨) قوله قدس‌سره : ( لكنّا إذا علمنا أجمالا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ العلم بصدور الاحكام عن الحجة مطلقا أو فيما يعمّ به البلوي لا ينافي ما سيذكره قدس‌سره : من دعوى العلم بكون كثير من الاحكام مخزونا عند أهله ؛ لأنّ الصدور عن الحجّة لا يستلزم البلوغ إلى الناس فلعلّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أودعه عند الوصيّ والوصيّ عند الأوصياء والبلوغ إلى الناس في الجملة لا يستلزم البلوغ الينا.

ثمّ إنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع وإن كان ظاهرا في تبليغ الواجبات والمحرّمات إلاّ أنّه يعلم بعد التّأمّل أنّ ذكرها من باب الاهتمام وقطع العذر ، مضافا

__________________

(١) الفصول : ٤٣٥.

(٢) الفصول : ٤٣٥.

١٨٩

إلى أنّ المدعى يتم على التخصيص أيضا ؛ لأنّا نفرض حكم العقل على وجه الالزام.

(٤٩) قوله قدس‌سره : ( وأوضح من ذلك كلّه ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٣ )

أقول : مضمون الرّواية وان كانت معاضدة بما تواتر في باب العمل بالقياس إلاّ أنّ سندها ضعيف (١) ، فلو لا ضعف السّند لكانت دليلا على عدم حجيّة الأولوية الظنيّة كالقياس المستنبط العلّة على وجه الظّن. هذا وسيجيىء بعض الكلام فيما يتعلّق بالمقام بعد هذا إنشاء الله.

(٥٠) قوله قدس‌سره : ( وقد أشرنا هاهنا وفي أوّل المسألة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٦٤ )

أقول : قد يناقش فيما أفاده بعدم الاشارة إلى هذا المطلب في أوّل المسألة والأمر في ذلك سهل. والّذي يدلّ على صدق ما أفاده قدس‌سره ـ من عدم جواز الخوض ... إلى آخره ـ : ما ذكره المحقّق القمّي قدس‌سره في أجوبة مسائله : ( من أنّه سأل

__________________

(١) لم يعلم الوجه في ضعفها فقد رواها المشائخ الثلاثة والكليني بالخصوص رواها بطريقين إلى محمّد بن أبي عمير ، أحدهما : عن علي عن أبيه. والآخر : محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان.

والإشكال في الطريق الأوّل بإبراهيم بن هاشم رضوان الله تعالى عليه لعدم وجدان التوثيق الصريح له في كلماتهم لا يخلو من جفاء كيف! والطائفة بأسرها عيال عليه.

وأمّا بالنسبة إلى الطريق الثاني فيمكن الإشكال فيه من جهة عدم التوثيق الصريح لجماعة من مشائخ الكليني ـ بما فيهم محمّد بن إسماعيل ـ في كلمات الرجاليين تارة وأخرى من جهة تمييز الرجل والأمر سهل وتفصيله موكول إلى أبحاثنا الرجاليّة. وكيف كان فإن طرق هذا الخبر الشريف متعدّدة وبعضها في غاية الصحّة بل صحيح أعلائي كما في الطريق الأوّل عند الكليني أعلى الله تعالى مقامه الشريف.

١٩٠

عنه بعض معاصريه ـ من الحكماء المتبحّرين (١) في الحكمة الالهيّة والطبيعيّة في طيّ مسائله عنه قدس‌سره ـ عن الواجب في ركعات الاحتياط من أنّه تسبيح أو فاتحة الكتاب؟ وأنّه كان عمله في برهة من الزّمان على التسبيح من جهة فتوى مشايخه في الحكمة بتعيين التسبيح من باب الإحتياط ، حيث أنّ ركعات الاحتياط بدل عن الأخيرتين ) (٢).

وأنت إذا تأمّلت في هذا علمت أنّ مشايخه مع إدّعاء فقاهتهم لم يراجعوا كتب الفقهاء أصلا ، ولم ينظروا إلى ما ورد في الأخبار من تعيين فاتحة الكتاب فقد شاهدنا من مزاول الحكمة أعظم من هذا.

(٥١) قوله قدس‌سره : ( لعدم حصول الظّن له منها ). ( ج ١ / ٦٤ )

أقول : هذا فيما كان مبنى إعتباره عند المستدل على الظّن الشخصي ، كما إذا قيل بحجيّة الأخبار بشرط حصول الظّن أو بحجيّة الاصول اللّفظيّة بهذا الشرط ، كما ذهب اليه جمع فيما سيأتي الاشارة اليه في باب حجيّة الأخبار والظّواهر إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) هو المولى علي النوري المازندراني الإصفهاني المتوفى سنة ١٢٤٦ ه‍ عاش عمرا طويلا وشارف على المائة وتخرّج عليه المئات من الطلبة في العلوم العقليّة وأدرك الكثير من أكابر الطائفة وكانت بينه وبين المحقق القمي قدس‌سره مراودات ، تظهر عمق الصلة بينهما من ملاحظة الإستفتاء الوارد من ناحيته إلى الميرزا أعلى الله تعالى مقامه وجواب الميرزا إليه ولو لا طوله وتفصيله لنقلناه هنا برمّته.

(٢) أنظر جامع الشتات : ج ٢ / ٧٥٠.

١٩١
١٩٢

التنبيه الثالث :

قطع القطّاع

(٥٢) قوله قدس‌سره : ( قد أشتهر في السنة المعاصرين ... أنتهى ) (١). ( ج ١ / ٦٥ )

__________________

(١) قال السيد عبد الحسين اللاري رضوان الله تعالى عليه :

الكلام في قطع القطّاع تارة في تشخيص معناه وموضوعه ، وأخرى في تشخيص حكمه.

أمّا المرحلة الأولى :

فمعنى قطع القطّاع ليس خصوص قطع كثير القطع وسريع القطع ـ كما يوهمه ظاهر التعبير بصيغة المبالغة ـ بل المراد منه : هو قطع من حصل قطعه من الأسباب الغير العادّية المفيدة للقطع عادة ولو كان القاطع بطيء القطع في الغاية وقليل الاعتقاد بالنهاية ، بل ولو كان حصول ذلك القطع له غير مسبوق بمثله ، وعلى ذلك : فوجه تسميته بقطع القطّاع مع عدم إناطة حصوله من كثير القطع وسريعه هو غلبة حصوله منهما لا دوام حصوله منهما ، ومجرّد غلبة إنطباق الإسم على المسمّى كاف في صحّة التسمية.

وأمّا تفسير الشكّاك بكثير الشك على ما يقتضيه العرف فإنّما هو من جهة كونه من الموضوعات المستنبطة بالنسبة إلى حكم خاص مضافا إلى أنّ تفسيره بذلك إنّما هو في الأخبار ، بخلاف القطّاع ؛ فإنه في المقام من الموضوعات المصطلح عليها في عرف متأخّر المتأخرين بالنسبة إلى حكم يقتضيه دليل ذلك الحكم.

ثم إن قطع القطّاع بالمعنى المذكور ممّا كثر إبتلاء العوام ، بل الخواصّ به ، ومن أمثلته دعوى

١٩٣

__________________

الأخباريّة قطعيّة صدور جميع ما في الكتب الأربعة وصحّة جميع ما فيها ، وإنكار الفلاسفة المعراج الجسماني والمعاد الجسماني ، وقطع بعض العوام بصحّة كل ما يراه في المنام وإن كان خلاف قول الإمام عليه‌السلام ، وقطع أكثر الجهّال بحكم شيء ، أو دخول الهلال بمجرّد قول المنجّم أو الفوّال أو أصناف الدراويش من أهل الضلال إلى غير ذلك ممّن حصل قطعه من الأسباب التي لا تفيد لمعتدلي السليقة ومستقيم الطبع من متعارف الناس سوى الظنّ أو الشك أو الوهم.

ومن ذلك قطع بعض من نراه يدّعي الإجتهاد ، بل وأعلميّة نفسه من جميع أهل عصره والحال أن اعوجاج سليقته بالنسبة لمتعارف الناس بمثابة لم يوثق بحسّيّاته فضلا عن حدسيّاته ، وما هو إلاّ مرض ـ أعاذنا الله منه ـ نظير مرض البابيّة والصوفيّة والكشفيّة والشيخيّة والعرفانيّة والدرويشيّة ممّن أدّت أمراضهم الدنيّة الدنيويّة إلى دعوى الكشف والكفش والعرفان والزربان قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

إلى أن قال :

وأمّا المرحلة الثانية فحكم قطع القطّاع بالمعنى المذكور هو عدم العبرة به وعدم ترتيب آثار القطع عليه لكن لا بمعنى السلب بانتفاء المحمول ـ كما يوهمه ظاهر السلب ـ حتى يستلزم التفصيل في أسباب القطع على القول بطريقيّته وينافي ما قدّمناه من عدم التفصيل في أسبابه على الطريقيّة ، بل بمعنى السلب بانتفاء الموضوع ليكون نفي الحكم عنه مستندا إلى نفي الموضوع وإلى كون قطع القطّاع خيال قطع وصورة قطع ، لا قطع واقعي حتى تشمله أحكام الموضوع الواقعي.

فمعنى عدم العبرة بقطع القطّاع ـ وهو القطع الحاصل من الأسباب الغير العاديّة ـ وهو عدم كونه قطعا في الواقع وإن تخيّله القطّاع قطعا ؛ نظرا إلى أنّ الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة لا الزعميّة.

١٩٤

__________________

ولو سلّمنا كونه قطعا وأنّ معنى عدم حجّيته : السالبة بانتفاء المحمول ، فمعنى عدم حجّيته : هو عدم طريقيّته وكاشفيّته وموصليّته إلى الواقع ، وعدم ترتيب شيء من أحكامه الشرعيّة عليه ليرجع فيه إمّا إلى أحكامه العقليّة من البراءة أو الإشتغال في ذلك المقطوع به ، وإمّا إلى حكم ما يقتضيه السبب المحصّل له في طباع متعارف الناس.

فإن حصل قطعه الخارج عن العادة من الأسباب المفيدة لمتعارف الناس الوهم ، فحكمه حكم الوهم ، أو الشك فحكمه حكم الشك ، أو الظن فحكمه حكم الظن وذلك لأن الأحكام المجعولة في حق القاطع مترتّبة بحكم ما تقرّر في مباحث الألفاظ من وضعها للمعاني الواقعيّة على الموضوع الواقعي الغير الشامل لما يتخيّل كونه قطعا والحال أنه وهم أو شك أو ظنّ في طباع متعارف الناس.

ووجه عدم حجّيّة قطع القطاع :

أما على تقدير كونه بمعنى السالبة بانتفاء الموضوع فوجهه واضح.

وأما على التقدير الآخر فلأنّ الطريقيّة والكاشفيّة والموصليّة إلى الواقع التي هي معنى الحجّيّة العقليّة المنجعلة إنّما هي من آثار قطع غير القطّاع ، أعني : القطع الحاصل من الأسباب العاديّة ، وأمّا قطع القطّاع الحاصل من الأسباب الغير العاديّة فليس فيه شيء من آثار الطريقيّة والكاشفيّة والموصليّة إلى الواقع.

والحاصل : ان قطع القطاع بالمعنى المذكور لا عبرة به لا في حق نفسه ولا في حقّ غيره وإن كان قد يسقط في حقّه بدليل العقل ، عقوبة ترتيبه الأحكام على قطعه الخارج عن العادة لو فرض كونه جاهلا في الحكم وقاصرا عن تحصيله كما قد يسقط في حق الغير وجوب ردعه من باب الإرشاد لو فرض كونه جاهلا في الموضوع وغافلا عن خروج قطعه عن العادة بعد علمه بحكم الخروج وعدم تقصيره في مقدمات الغفلة.

أمّا عدم اعتباره في حق الغير مطلقا وفي حق نفسه بالنسبة إلى الأحكام التي يكون القطع

١٩٥

أقول : لا يخفى عليك أنّ الغاء قطع القطاع بأيّ معنى اراده القائل به ـ سواء

__________________

موضوعا لها ـ كقبول شهادته وفتواه ونحو ذلك ـ فواضح ، لكن لا لما في المتن : من أن أدلّة اعتبار القطع في هذه المقامات لا يشمل هذا قطعا لانصرافها إلى غيره ، بل لما عرفت : من انتفاء موضوع القطع الواقعي فيه فضلا عن انتفاء حكمه.

وأمّا عدم اعتباره في حق نفسه بالنسبة إلى الأحكام التي يكون القطع طريقا إليها فلأنه وإن كان من قبيل التكليف بما لا يطاق ضرورة أن القاطع ما دام قاطعا يرى مقطوعه نفس الواقع ، وما عداه خلاف الواقع ومع ذلك كيف يحكم عليه بالرجوع إلى ما دلّ على عدم الوجوب عند عدم العلم؟

إلاّ انك خبير بان سقوط تكليفه [ من ] الشارع بنفي الآثار المترتبة على قطعه ما دام قاطعا من جهة الملازمة العقليّة الثابتة بينهما لا يوجب اعتبار الشارع قطعه وإمضاء ما يترتب على قطعه.

نعم غاية ما يوجب هو أنه معذور في ترتيب أحكام القطع على قطعه الغير المتزلزل بردع الرادع وإرشاد المرشد إذا لم يكن مقصّرا في مقدمات تحصيله.

والحاصل : انه لا عبرة بقطع القطاع سواء كان قطعه بسيطا : بأن كان عالما بالموضوع أعني بخروج قطعه عن العادة ، وبالحكم أعني بعدم حجّيّة ما خرج عن العادة أم كان مركبا : بأن لم يعلم بشيء منهما ، أو علم بالموضوع دون الحكم أو العكس.

غاية ما في الباب أنه معذور عند التركيب فتسقط عنه عقوبة ترتيبه الأحكام على قطعه الخارج عن العادة لو فرض كونه جاهلا في الحكم وقاصرا عن تحصيله ، كما يسقط عن الغير وجوب ردعه من باب الإرشاد لو فرض كونه جاهلا في الموضوع وغافلا عن خروج قطعه عن العادة بعد علمه بحكم الخارج وعدم تقصيره في مقدمات الغفلة ، خلافا للمصنّف في اعتباره قطع القطّاع مطلقا وللفصول [ ص ٣٤٣ ] في تفصيله بين قطعه المركّب فيعتبر والبسيط فلا يعتبر ... » إنتهى.

أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ١ / ٧١ ـ ٧٦.

١٩٦

كان صحيحا أو سقيما ـ إنّما هو بالنّسبة إلى ما لم يتعارف حصول القطع منه ، وإلاّ فلو فرض حصول القطع له بشيء ممّا تعارف حصول القطع منه ، أي : ممّا كان سببا له عادة ، فلا إشكال في خروج هذا الفرض عن محلّ كلامه كما هو واضح.

فالحيثيّة ملحوظة في الغاء القطع كما هو الشأن في كثير الشك والظّن ، فانّ عدم إعتبارهما والغائهما انّما هو فيما كان الشاك والظّان خارجا عن المتعارف ، وبالنّسبة اليه خاصّة ، فانّ كثرة الشك بالنّسبة إلى فعل من أفعال الصلاة أو ركعة منها لا تستلزم كثرته بالنّسبة إلى غيرهما وكذا حصول الظّن ممّا لا يفيده عادة أحيانا لا يوجب الغائه إذا حصل ممّا يفيده عادة.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ المراد بعدم اعتبار الشك ـ في كثير الشك سواء كان بالنّسبة إلى الأفعال أو الرّكعات ـ إنّما هو بالنّسبة إلى ما يترتب شرعا على الشك في باب الصلاة ممّا يوجب الكلفة على المكلّف سواء كان في الأفعال أو الركعات وان كان على طبق الأصل لا مطلقا ، مثلا الشك قبل الفراغ وقبل الدخول في الغير موجب في حكم الشارع للاتيان بالمشكوك ، وبعده موجب في حكمه بعدم الالتفات إلى الشك ، فإذا كان كثير الشك في المحلّ فلا اعتبار بشكّه ، وإذا كان كثير الشك بعد المحلّ فلا يلتفت إلى شكّه أيضا كما إذا لم يكن كثير الشك وكذا في الركعات سواء كان في الشكوك المبطلة والصّحيحة فاذا كان كثرة الشك فيما يوجب البطلان ، فلا إعتبار بشكه ، وكذا إذا كان كثرة الشك فيما يوجب الصّحة مع لزوم التدارك يبني على ما ينفعه من دون تدارك وهكذا.

وأمّا عدم الإعتبار بكثرة الظّن فالمراد به فيما يترتّب حكم مخالف للأصل

١٩٧

على وصف الظّن لا على سببه ، كما هو واضح ، وإلاّ لم يكن كثير الظّن كما في باب الصلاة.

فمعنى الغائه : الأخذ بحكم الشك ، والمعاملة معه معاملته كما هو الشأن في الغاء الظّن وعدم إعتباره مطلقا من غير فرق بين أن يكون الحكم في مورد الشّك البطلان كما في الثنائية والثّلاثية والأوليين من الرباعيّة أو الصّحة مع التدارك كما في الأخيرتين من الرّباعية وبين أن يكون البناء على عدم وجود المشكوك ، كالشك قبل الدخول في غير المشكوك ، أو البناء على وجود المشكوك كالشك بعد الدّخول في غيره. والدليل على الإلغاء في الظّن الحاصل ممّا لا يفيده عادة الانصراف المدّعى في الدليل الذي أخذه في موضوع الحكم.

وأمّا الغاء القطع فيما إذا حصل ممّا لا يفيده عادة وعدم إعتباره ، فهل المراد منه بالنّسبة إلى الحكم التكليفي للقاطع ، فيما كان القطع طريقا ـ كما إستظهره شيخنا الاستاذ العلاّمة قدس‌سره من كلام فقيه عصره كاشف الغطاء ( طيّب الله رمسه ) من حيث أنّه اردف الحكم بالغائه بالغاء كثرة الشك والظّن المفروض وجود الحكم الواقعي في موردهما وإن ترتب حكم ظاهريّ عليهما أيضا فتدبّر ـ أو فيما كان القطع موضوعا؟

أمّا بالنّسبة إلى قطع القاطع في حقّه كما ربّما يدّعى بالنّسبة إلى الثنائية والثلاثية والأوليين حسبما عرفت الكلام فيه ، أو بالنّسبة إلى غيره ، كما في قطع المجتهد بالنّسبة إلى العامي مثلا ، أو بالنّسبة إلى الحكم الوضعي للقاطع بعد تبيّن الأمر وإنكشاف الحال بعد العمل بالنّسبة إلى القطع الطّريقي أو الموضوعي ، أو بالنّسبة إلى الحكم التكليفي أو الموضوعي لغير القاطع بالنّسبة إلى القطع الطّريقي

١٩٨

أو الموضوعي فيما إذا التفت إلى حال القاطع وكون قطعه حاصلا ممّا لا يفيده عادة.

والمراد من الغائه بالنّسبة إلى القطع الطريقي في حقّ القاطع بالنّسبة إلى حكمه التكليفي قبل الانكشاف ـ على تقدير امكانه وتعقّله ـ معاملة القاطع مع قطعه معاملة غيره ممّن لم يحصل له القطع من سبب قطعه ، لا العمل بخلاف قطعه.

ضرورة أنّ منشأ قطعه قد يكون معتبرا في الشرع وقد لا يكون معتبرا ويكون مؤدّاه على طبق الأصل وبالنّسبة إلى القطع الموضوعي هو عدم ترتيب الحكم الذي أخذ العلم في موضوعه فيعامل معاملة غير القاطع كما هو واضح.

وبالنّسبة إلى حكمه الوضعي هو الاعادة والقضاء بعد انكشاف الخطأ أو بعد الالتفات إلى كونه قطّاعا بعد العمل ، ولو لم ينكشف الخطأ كما في القطع الموضوعي هذا.

والمراد من الغائه بالنّسبة إلى غير القاطع هو التّسبيب لعدم عمله بقطعه فيما إذا علم بخطأه أو مطلقا ، كما في القطع الموضوعي في حق القطاع ، إمّا بازالة قطعه وتنزيله إلى الشك بتنبيهه إلى حال سببه وكونه مريضا ، أو بردعه عن العمل به مع وجوده ، كما في القطع الموضوعي أو الطريقي بأن يقال له : إن الشارع لا يريد منك الواقع. فيما لو كان غافلا عن علمه بامتناع عدم ارادة الواقع منه ، حيث إنّ الردّع على الوجه المذكور يمتنع صدوره عن الحكيم تعالى في حقّ العالم ، ولو كان جهلا مركّبا ويمكن صدوره عن غيره بالشرط المزبور ، والفرق بينهما في كمال الوضوح ، أو بغير ذلك ، هذا.

ثمّ إنّ الغائه بالنّسبة إلى الحكم التكليفي في حقّ القاطع في القطع الطريقي

١٩٩

بالمعنى الذي عرفته فهو غير معقول ، لما عرفت مرارا : من لزوم التناقض وكون العمل بمقتضى العلم غير قابل لتعلّق الخطاب الشرعي به في القطع الطريقي حتى يمكن رفعه.

إذ الخطاب الواقعي متعلّق بالفرض بنفس المعلوم من غير مدخليّة للعلم ، ولا يعقل هنا خطاب آخر متعلّق بالعلم من حيث كونه طريقا إلى المعلوم ، كما في الظّن ولا خطاب آخر ولو كان ظاهريّا على طبق المعلوم ، لارتفاع موضوع الحكم الظاهري بالعلم حسبما عرفته مفصلا.

وأمّا الغاؤه بالنّسبة إلى الحكم التكليفي في حقّه في القطع الموضوعي فهو معقول ، بل لا يبعد المصير اليه على ما عرفته في كثير الظّن من جهة الانصراف المدّعى في كلام شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره.

وأمّا الغاؤه في حقّ القاطع بالنّسبة إلى حكمه الوضعي بالنّسبة إلى القطع الطّريقي بعد إنكشاف الخطأ فهو حق لا محيص عنه ، إلاّ أنّه لا فرق في ذلك بين القطّاع وغيره على ما حقّق مفصّلا في مسألة الإجزاء.

وأمّا الغاؤه في حقّه بالنّسبة إلى حكمه الوضعيّ بالنّسبة إلى القطع الموضوعي بعد تبيّن كونه قطّاعا بعد العمل من دون إنكشاف الخطأ فهو حقّ ، إلاّ أنّه لا مدخل للتّبيّن بعد العمل فيه كما لا يخفى. وبعد إنكشاف الخطأ يشكل الفرق بينه وبين غيره إلاّ إذا فرض الاغماض عن الواقع وإن استصوبه شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره.

وأمّا الغاؤه بالنّسبة إلى غير القاطع بالمعنى الذي عرفته فلا اشكال في امكانه ووقوعه في الشرعيّات في الجملة إلاّ أنّه لا فرق في ذلك بين القطّاع وغيره

٢٠٠