بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يوم القيامة.

ومن أمعن النظر فيما سبق من الأخبار وغيرها علم أن رد عمر على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلوكه مسلك الجفاء ، وخلعه جلباب الحياء لم يكن مخصوصا بما أقدم عليه في مرضه (ص) ، ومنعه عن الوصية لم يكن (١) بدعا منه ، بل كان ذلك عادة له ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصفح عنه وعن غيره من المنافقين وغيرهم خوفا على الإسلام وإشفاقا من أن ينفضوا عنه لو قابلهم بمقتضى خشونتهم ، وكافاهم بسوء صنيعهم (٢).

__________________

(١) في ( ك‍ ) نسخة : ولم يكن ـ بالواو ـ.

(٢) إن تجاسر الرجل وتعديه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه لم يكن إلا استمرارا لسوء أدبه معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد شتى ومواضع مختلفة في أيام حياته صلوات الله عليه وآله.

منها : ما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ ـ ٢٧ بسنده عن ابن مسيب ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ليلا فدعاني فخرجت إليه ، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج ، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه ، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : أطعمنا بسرا ، فجاء بعذق فوضعه ، فأكلوا ، ثم دعا بماء فشرب ، فقال : ليسألن عن هذا يوم القيامة. قال : وأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر نحو وجه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ثم قال : يا رسول الله! إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟!. قال : نعم ... الحديث.

وذكره العسقلاني في الإصابة ٧ ـ ١٣١ القسم الأول ، وقال : أورده البغوي ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ٥ ـ ٨١ ، وابن جرير في تفسيره ٣٠ ـ ١٨٥ ، وعلي بن سلطان في مرقاته ٤ ـ ٣٩٧ ، وقال : رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان.

ومنها : ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد باب وقت العشاء وتأخيرها بسنده عن أبي شهاب ، عن عروة بن الزبير : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قالت : اعتم رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء ـ وهي التي تدعى العتمة ـ فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حتى قال عمر بن الخطاب : نام النساء والصبيان. فخرج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال لأهل المسجد حين خرج عليهم .. وساق الحديث إلى أن قال : قال ابن شهاب وذكر لي : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قال : ما كان لكم أن تنزوا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم على الصلاة ، وذلك حين صاح عمر بن الخطاب.

وقد علق عليهما وعلى التي ظهرت منه في حال مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفيروزآبادي ـ رحمه‌الله

٥٨١

وقد تبين من تفاسيرهم وصحاحهم أن عمر (١) كان داخلا فيمن أريد بقوله تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (٢) فيكون من الذين قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) (٣) ، وقد علم ـ أيضا مما سبق ـ أن الصحابة ـ إلا الأصفياء منهم ـ لم يقدروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق قدره ، ولذلك مال طائفة إلى قول عمر وطائفة إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسووا بينه وبين عمر ، وجعلوه كواحد من المجتهدين والقائلين برأيهم ما شاءوا فجوزوا رد ما قضى به والإنكار لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الطعن الثاني :

التخلف عن جيش أسامة.

ولا خلاف في أن عمر بن الخطاب كان من الجيش ، وقد لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتخلف عنه.

وقد سبق في مطاعن أبي بكر ما فيه كفاية في هذا المعنى ، ولا يجري هاهنا ما سبق من الأجوبة الباطلة في منع الدخول في الجيش ، فتوجه الطعن على عمر أظهر.

الطعن الثالث :

أنه بلغ في الجهل إلى حيث لم يعلم بأن كل نفس ( ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) ، وأنه يجوز الموت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه أسوة الأنبياء في ذلك ، فقال : والله

__________________

ـ في السبعة من السلف : ١٠٤ ـ ١٠٥.

(١) في (س) : أنه.

(٢) آل عمران : ١٥٩.

(٣) الحج : ١١.

٥٨٢

ما مات حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم! ، فقال له أبو بكر : أما سمعت قول الله عز وجل : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٢) قال : فلما سمعت ذلك أيقنت بوفاته ، وسقطت إلى الأرض ، وعلمت أنه قد مات (٣).

أقول : ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في النهاية (٤) حيث قال : أسن الماء يأسن فهو آسن : إذا تغيرت ريحه ، ومنه حديث العباس في موت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، قال لعمر : خل بيننا وبين صاحبنا ، فإنه يأسن كما يأسن الناس .. أي يتغير (٥) ، وذلك أن عمر كان قد قال : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يمت ولكنه صعق كما صعق موسى ومنعهم عن دفنه.

وأجاب عنه قاضي القضاة (٦) بأنه قد روي عن عمر أنه قال : كيف (٧)

__________________

(١) الزمر : ٣٠.

(٢) آل عمران : ١٤٤.

(٣) ويؤيده ما جاء في طبقات ابن سعد ٢ ـ ٥٤ ـ القسم الثاني ـ [٢٦٧] بسنده عن عائشة ، قالت : لما توفي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم استأذن عمر والمغيرة بن شعبة فدخلا عليه ، فكشفا الثوب عن وجهه ، فقال عمر : وا غشيا! ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ثم قاما فلما انتهيا إلى الباب قال المغيرة : يا عمر! مات والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عمر : كذبت ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. إلى أن قال : ثم جاء أبو بكر ـ وعمر يخطب الناس ـ فقال له أبو بكر : اسكت! ، فسكت ، فصعد أبو بكر : فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ : « إنك ميت وإنهم ميتون » ، ثم قرأ : « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم » ... حتى فرغ من الآية ـ إلى أن قال ـ : فقال عمر : هذا في كتاب الله؟. قال : نعم .. الحديث.

ورواه بطريق آخر باختلاف في اللفظ. وأورده البخاري في صحيحه في باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاته ، وفيه : قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها.

(٤) النهاية ١ ـ ٤٩ ـ ٥٠ ، وجاء بنصه في لسان العرب ١٣ ـ ١٦ و ١٨.

(٥) في (س) : يغير.

(٦) المغني ٢٠ ـ ٩ ـ القسم الثاني ـ ، ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٢ ـ ١٩٥ فما بعدها بتفاوت يسير ، وجاء في الشافي ٤ ـ ١٧٣ ـ ١٧٦.

(٧) في المصدر : روى عنه : كيف.

٥٨٣

يموت وقد قال الله تعالى (١) : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٢) ، وقال (٣) : ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) (٤) فلذلك نفى موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه حمل الآية على أنه (٥) خبر عن ذلك في حال حياته حتى قال له أبو بكر : إن الله وعد بذلك وسيفعله ، وتلا عليه (٦) فأيقن عند ذلك بموته ، وإنما ظن أن موته متأخر (٧) عن ذلك الوقت ، لا أنه منع من موته.

ثم قال : فإن قيل : فلم قال لأبي بكر ـ عند سماع الآية ـ : كأني لم أسمعها ، ووصف نفسه بأنه أيقن بالوفاة.

قلنا : (٨) : لما كان الوجه في ظنه ما أزال الشبهة أبو بكر (٩) فيه جاز أن يتيقن.

ثم سأل (١٠) نفسه عن سبب يقينه في ما لا يعلم إلا بالمشاهدة ، وأجاب بأن قرينة الحال عند سماع الخبر أفادته اليقين (١١) ، ولو لم يكن في ذلك إلا خبر أبي بكر وادعاؤه لذلك والناس مجتمعون لحصل (١٢) اليقين.

وقوله : كأني لم أسمع بهذه الآية ولم أقرأها (١٣) .. تنبيه على ذهابه عن

__________________

(١) لا توجد في المغني : تعالى.

(٢) الصف : ٩.

(٣) في المصدر : قال تعالى.

(٤) النور : ٥٥.

(٥) في المغني : لأنه على أنها. أقول : وعليه في الكلام سقط.

(٦) في المغني : وتلا عليه ما تلا.

(٧) في المصدر : يتأخر.

(٨) في المغني : قيل له.

(٩) في المصدر : ـ بتقديم وتأخير ـ : ما أزال أبو بكر الشبهة.

(١٠) سؤال القاضي في المغني ٢٠ ـ ١٠ ـ القسم الثاني ـ.

(١١) في المصدر : وأجاب لأن الحال حال سماع الخبر ، بدلا من : بأن .. اليقين.

(١٢) في المغني : مجمعون يحصل.

(١٣) في المصدر : كأني لم أقرأ هذه الآية أو لم أسمعها.

٥٨٤

الاستدلال بها ، لا أنه على (١) الحقيقة لم يقرأها و (٢) لم يسمعها ، ولا يجب فيمن ذهب عن بعض (٣) أحكام الكتاب أن يكون (٤) لا يعرف القرآن ، لأن ذلك لو دل لوجب (٥) أن لا يحفظ القرآن إلا من يعرف جميع أحكامه (٦).

وأجاب بنحو ذلك الرازي في نهاية العقول (٧) ، وبمثله أجاب صاحب المقاصد (٨).

وأجاب السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي (٩) عن جواب القاضي بأنه : ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يكون على سبيل الإنكار لموته (ص) على كل حال ، والاعتقاد لأن (١٠) الموت لا يجوز عليه (١١) أو يكون منكرا لموته في تلك الحال من حيث لم يظهر دينه على الدين كله .. وما أشبه ذلك مما قال صاحب الكتاب أنها كانت شبهة في تأخر موته عن تلك الحال.

فإن كان الوجه الأول ، فهو مما لا يجوز خلاف العقلاء فيه (١٢) ، والعلم بجواز الموت على سائر البشر لا يشك فيه عاقل ، والعلم من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه

__________________

(١) جاءت : في ، بدلا من : على ، في المصدر.

(٢) في المغني : أو ، بدلا من : الواو.

(٣) في المصدر : عنه ـ مع الضمير ـ.

(٤) لا توجد : يكون ، في المغني.

(٥) في مطبوع البحار : أو وجب ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) لا توجد : إلا من يعرف جميع أحكامه ، في المغني.

(٧) نهاية العقول : مخطوط.

(٨) انظر : شرح المقاصد ٥ ـ ٢٨١ ، وقد ذكر متن المقاصد ثم أخذ بشرحه في الصفحة التالية.

(٩) الشافي ٤ ـ ١٧٦ ـ ١٧٧.

(١٠) في المصدر : بأن ، وهو الظاهر.

(١١) في الشافي زيادة : على كل وجه.

(١٢) في المصدر : في مثله.

٥٨٥

سيموت كما فات (١) من قبله ضروري ، ولا (٢) يحتاج في مثل هذا إلى الآيات التي تلاها أبو بكر من قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٣) وما أشبهه.

وإن كان خلافه على الوجه الثاني ، فأول ما فيه أن هذا الخلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر من قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٤) لأنه لم ينكر على هذا جواز الموت ، وإنما خالف في تقدمه وإن كان يجب أن يقول وأي (٥) حجة في هذه الآيات على من جوز عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموت في المستقبل وأنكره في هذه الحال.

وبعد ، فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق؟ ومن أين زعم أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم؟ وكيف حمل معنى قوله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٦) ، وقوله تعالى : ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (٧) ، على أن ذلك لا يكون في المستقبل و (٨) بعد الوفاة ، وكيف لم يخطر هذا إلا لعمر وحده؟ ومعلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة وقلة التأمل والبصيرة ، وكيف لم يوقن بموته لما رأى عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته وما ركبهم من الحزن والكآبة لفقده؟ وهلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلى موقف ومعرف ، وقد كان يجب ـ إن كانت هذه شبهة ـ أن يقول في حال مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد رأى جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه الوفاة ، حتى يقول أسامة بن زيد ـ معتذرا من تباطئه عن

__________________

(١) جاءت في الشافي : مات ، بدلا من : فات ، وهو الظاهر.

(٢) في المصدر : وليس ، بدلا من : ولا.

(٣) الزمر : ٣٠.

(٤) الزمر : ٣٠.

(٥) في المصدر : وقد كان يجب أن يقول له وأي ..

(٦) الصف : ٩.

(٧) النور : ٥٥. ولم تجئ في المصدر : يعبدونني لا يشركون بي شيئا.

(٨) لا توجد الواو في الشافي.

٥٨٦

الخروج في الجيش الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرر ويردد الأمر (١) بتنفيذه ـ : لم أكن لأسأل عنك الركب؟ ما هذا الجزع والهلع وقد أمنكم الله من موته .. بكذا ، ومن وجه .. كذا (٢) ، وليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها ـ على ما ظنه ـ صاحب الكتاب ، انتهى كلامه قدس الله روحه.

وأقول (٣) : وأعجب من قول عمر قول من يتوجه لتوجيه كلامه! وأي أمر أفحش من إنكار مثل هذا الأمر عن مثل عمر ـ مع اطلاعه على مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ حدث إلى أوان اشتداده ، وانتهاء حاله إلى حيث انتهى ـ وكانت ابنته زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن ممرضاته ، وقد رجع عن جيش أسامة بعد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بالخروج في الخارجين (٤) خوفا من أن يحضره الوفاة فينقل الأمر إلى من لا يطيب نفسه به ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بين للناس في مجالس عديدة دنو أجله وحضور موته ، وأوصى للأنصار وأمر الناس باستيفاء حقوقهم كما هو دأب من حضره الموت ، كما روي مفصلا في صحيح البخاري (٥) وصحيح مسلم (٦) وصحيح الترمذي (٧) وكتاب جامع الأصول (٨) وكامل ابن الأثير (٩) وغيرها (١٠) من كتب السير والأخبار.

__________________

(١) في الشافي زيادة : حينئذ.

(٢) جاءت العبارة في المصدر هكذا : من كذا وكذا من وجه كذا.

(٣) في ( ك‍ ) : أقول ، ـ بلا واو ـ.

(٤) في (س) : بالخارجين.

(٥) صحيح البخاري ٥ ـ ٢٢٧ باب الوصايا والمغازي ، باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاته ، وكتاب فضائل القرآن باب الوصاة بكتاب الله عز وجل.

(٦) صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي به ، حديث ١٦٣٤.

(٧) سنن الترمذي في الوصايا حديث ٢١٢٠.

(٨) جامع الأصول ١١ ـ ٦٣٤ ، حديث ٩٢٥٥ وما بعده.

(٩) الكامل لابن الأثير ٢ ـ ٢١٥ ـ ٢١٨.

(١٠) وجاء في سنن النسائي ٦ ـ ٢٤٠ في الوصايا وغيرها.

٥٨٧

وقد روى مسلم (١) في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما (٢) ـ بين مكة والمدينة ـ فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر (٣) ، ثم قال : أما بعد ، ألا (٤) أيها الناس! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به .. فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي .. (٥).

وقد روي متواترا من الطريقين قوله لعلي عليه‌السلام : ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين (٦).

وروى في جامع الأصول ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : علي ولي كل مؤمن بعدي (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ ـ ١٨٧٣ ، حديث ٢٤٠٨.

(٢) في (س) : ضما ، ولا معنى لها ، لاحظ عنها معجم البلدان ٢ ـ ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، ومراصد الاطلاع ١ ـ ٤٨٢.

(٣) في (س) : وذكرتم ، بدل : وذكر.

(٤) وضع في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل على : ألا.

(٥) وقريب منه ما رواه الترمذي في سننه كتاب العلم باب ١٦ برقم ٢٦٧٨ ، وكتاب المناقب باب ٧٧ برقم ٣٧٩٠ بعدة طرق ، وأبو داود في سننه ، كتاب السنة باب لزوم السنة برقم ٤٦٠٧ ، وأحمد في مسنده ٤ ـ ١٢٦ ـ ١٢٧ ، وابن ماجة في المقدمة : ٤٢.

(٦) نذكر جملة من المصادر ـ مثالا هنا ـ لكون الحديث متواترا عند الفريقين ، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ، والكنجي في الكفاية : ٧٠ ، والخطيب في تاريخ بغداد ٨ ـ ٣٤٠ و ١٣ ـ ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وجاء في جمع الجوامع ـ كما في الترتيب ـ ٦ ـ ٣٩٢ ، ومناقب الخوارزمي : ٥٢ و ٥٨ ، وكنز العمال ٦ ـ ٧٢ ، ٨٨ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، والاستيعاب ٣ ـ ٥٣ ، وتاريخ ابن كثير ٧ ـ ٣٠٦ ، وتاريخ ابن عساكر ٥ ـ ٤١. ولا يختلف اثنان من الخاصة في صحة الحديث وتواتره ولا حاجة لذكر مصادره.

(٧) جامع الأصول ٨ ـ ٦٥٢ ، حديث ٦٤٩٢. وأخرجه الترمذي في المناقب برقم ٣٧١٣.

٥٨٨

وقد رووا في المفتريات : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (١).

وقد كان كثير مما ذكر مما (٢) خطب به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رءوس الأشهاد ، فهل يجوز عاقل أن لا يقرع شيء من ذلك سمع عمر ـ مع شدة ملازمته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ومن شك في مثل ذلك هل يجوز من شم رائحة من العقل أن يفوض إليه أمر بهيمة فضلا عن أن يفوض إليه أمر جميع المسلمين ، ويرجع إليه في جميع أحكام الدين.

وأما اعتذار ابن أبي الحديد (٣) بأنه لم ينكر ذلك عمر (٤) على وجه الاعتقاد ، بل على الاستصلاح ، وللخوف من ثوران الفتنة قبل مجيء أبي بكر ، فلما جاء أبو بكر قوي به جأشه (٥) فسكت عن هذا (٦) الدعوى ، لأنه قد أمن بحضوره من خطب يحدث أو فساد يتجدد.

فيرد عليه :

أولا : أنه لو كان إنكاره ذلك إيقاعا للشبهة في قلوب الناس حتى يحضر أبو بكر لسكت عن دعواه عند حضوره.

وقد روى ابن الأثير في الكامل (٧) أن أبا بكر أمره بالسكوت فأبى ، وأقبل أبو بكر على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر.

وثانيا : أنه لو كان الأمر كما ذكر لاقتصر على إنكار واحد بعد حضور أبي

__________________

(١) يراجع الموضوعات لابن الجوزي وغيره. وناقشه شيخنا المفيد طاب ثراه في الإفصاح المطبوع مع عدة رسائل : ١٣٨ ـ ١٤٢ ، سندا ودلالة ، ولعله أقل وأحقر من هذا الاهتمام.

(٢) لا توجد في (س) : ذكر مما.

(٣) في شرحه على نهج البلاغة ٢ ـ ٤٢ ـ ٤٣ ، وهو نقل بالمعنى.

(٤) في (س) : عمر ذلك ـ بتقديم وتأخير ـ.

(٥) قال في القاموس ٢ ـ ٢٦٤ : الجأش : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع ، ونفس الإنسان .. وجاش إليه ـ كمنع ـ : أقبل ، ونفسه : ارتفعت من حزن أو فزع.

(٦) كذا ، والظاهر : هذه.

(٧) الكامل ٢ ـ ٣٢٤ [ ٢ ـ ٢١٩ ـ بيروت ـ ].

٥٨٩

بكر ، وقد اعترف ابن أبي الحديد (١) بتكرر الإنكار بعد الحضور أيضا.

وثالثا : أنه قال ابن أبي الحديد (٢) : روى جميع أرباب السيرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما توفي كان (٣) أبو بكر في منزله بالسنح (٤) ، فقام عمر بن الخطاب فقال : ما مات رسول الله (ص) ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف (٥) بموته ، ولا أسمع رجلا يقول : مات رسول الله (ص) إلا ضربته بسيفي ، فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : بأبي وأمي طبت حيا وميتا ، والله لا يذيقك الله الموتتين أبدا ، ثم خرج والناس حول عمر وهو يقول لهم : إنه لم يمت ، ويحلف ، فقال له : أيها الحالف! على رسلك (٦) ، ثم قال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ، قال الله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٧) ، وقال : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٨) ، قال عمر : فو الله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض ، وقد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات (٩).

__________________

(١) في شرحه على النهج ٢ ـ ٤٠.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ ـ ٤٠ ـ ٤١.

(٣) في (س) : كان تؤتي كان.

(٤) جاء في حاشية ( ك‍ ) : قال الجزري : وفي حديث أبي بكر كان منزله بالسنح ـ هي بضم السين والنون ، وقيل بسكونها ـ : موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحرث من الخزرج. ( منه رحمه‌الله ).

انظر : النهاية ٢ ـ ٤٠٧ وفيها : الحارث بن الخزرج. ولاحظ القاموس ١ ـ ٢٢٩.

(٥) قال في القاموس ٣ ـ ١٤٢ و ١٤٣ : أرجف القوم : تهيئوا للحرب ، والرعد : ترددت هدهدته في السحاب.

(٦) على رسلك يقال لمن يتأنى ويعمل الشيء على هنيئة ، قاله في لسان العرب ١١ ـ ٣٨٢ ، وغيره.

(٧) الزمر : ٣٠.

(٨) آل عمران : ١٤٤.

(٩) كما صرح بذلك ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ٢ ـ ٤٠ ـ ٤١ ، وقريب منه في صفحة :٤٣ من نفس المجلد.

٥٩٠

وقد روى البخاري (١) في صحيحه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] مات وأبو بكر بالسنح ، قال : قال إسماعيل : تعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله (ص). قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء أبو بكر فكشف عن وجه (٢) رسول الله (ص) فقبله ، وقال : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ، والذي نفسي بيده لا يذيقك (٣) الله الموتتين أبدا ، ثم خرج فقال : أيها الحالف! على رسلك ، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ، وقال : ألا من كان يعبد محمدا ... الخبر (٤).

فقوله : في رواية عائشة : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك .. صريح في نفي ما (٥) ذكره ، إذ ظاهر أنه حكاية كلام عمر بعد تلك الواقعة مؤكدا بالحلف عليه ، بل لا يرتاب ذو فطنة في أن قوله : فو الله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض وعلمت أن رسول الله قد مات .. مما قاله عمر بعد ذلك اليوم وحكاية لما جرى فيه ، فلو كان للمصلحة لا على وجه الاعتقاد لبين (٦) ذلك للناس بعد مجيء أبي بكر ، أو بعد ذلك اليوم وزوال الخوف ، ولم ينقل أحد من نقلة الأخبار ذلك ، بل رووا ما يدل على خلافه.

قال المفيد قدس الله روحه في المجالس (٧) : روي عن (٨) محمد بن إسحاق ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ ـ ٢٢ ـ ٢٣ في فضائل أصحاب النبي (ص) ، وفي الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه ، وفي كتاب المغازي باب مرض النبي (ص).

(٢) لا يوجد في الجامع : وجه.

(٣) في نسخة جاءت في جامع الأصول : لأيذيقنك.

(٤) وأورده في جامع الأصول ٤ ـ ٨٥ ـ ٨٧ ، حديث ٢٠٧٤.

(٥) لا توجد : ما ، في (س).

(٦) في (س) : تبين.

(٧) كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد : ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٨) لا توجد في (س) : عن.

٥٩١

عن الزهري (١) ، عن أنس أنه لما بويع أبو بكر في السقيفة ـ وكان الغد ـ جلس أبو بكر على المنبر ، فقام عمر فتكلم (٢) قبل أبي بكر ، فحمد الله عز وجل (٣) وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس! إني (٤) كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأي ، وما وجدتها في كتاب الله ، ولا كانت لعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن قد كنت أرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستدبر (٥) أمرنا حتى يكون آخرنا موتا.

قال : وروى عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته و (٦) ما معه غيري ، وهو يحدث نفسه ويضرب قدميه بدرته إذ التفت إلي ، فقال : يا ابن عباس! هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟. قال : قلت : لا أدري ، أنت أعلم يا أمير المؤمنين ، قال : فإنه والله ما حملني على ذلك إلا أني (٧) كنت أقرأ هذه الآية : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٨) ، فكنت (٩) أظن أنه سيبقى بعد أمته حتى يشهد عليها بآخر (١٠) أعمالها ، فإنه الذي حملني على أن قلت ما قلت.

والظاهر أنه جعل المخاطب بقوله تعالى : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً .. ) (١١)

__________________

(١) قد تقرأ في (س) : الزهيري ، وهو غلط.

(٢) في المصدر زيادة : من ، قبل : قبل.

(٣) لا توجد : عز وجل في ( ك‍ ) ولا المصدر.

(٤) في العيون : قد كنت ، بدلا من : إني كنت.

(٥) في المصدر : سيدبر.

(٦) لا توجد الواو في المصدر.

(٧) في المصدر : أنني.

(٨) البقرة : ١٤٣.

(٩) في المصدر : وكنت.

(١٠) في العيون : تأخر.

(١١) البقرة : ١٤٣.

٥٩٢

جميع الأمة ، فيلزم على ما فهم من دلالة الشهادة على البقاء وتأخر الموت أن يعتقد تأخر موت كل واحد من الأمة عن الناس ، فكان عليه أن لا يذعن بموت أحد من الأمة ، ولو سامحنا في كون المراد بعض الأمة لانهدم أساس إنكاره ، إذ لا شك في تأخر موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بعض أمته ، وأنه قد مات قبله كثير من أمته ، ولو كان المراد بـ ( البعض ) الصحابة لزمه أن لا يذعن بموت أحد منهم ، ولم يتعين ذلك البعض بوجه آخر حتى يزعم تأخر موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم.

وبالجملة ، سوء الفهم وسخافة الرأي في مثل هذا الاستنباط مما لا يريب فيه عاقل ، والظاهر أن هذا الاعتلال مما تفطن به بعد حال الإنكار فدفع به بزعمه شناعة إنكاره.

ثم إنه أجاب شارح المقاصد (١) بوجه آخر ، وهو : أن ذلك الاشتباه كان لتشوش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جليات الأحوال.

وحكى شارح كشف الحق (٢) عن بعضهم أنه قال : كان هذا الحال من غلبة المحبة ، وشدة المصيبة ، وإن قلبه كان لا يأذن له أن يحكم بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. وهذا أمر كان قد عم جميع المؤمنين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى جن بعضهم ، وأغمي على بعضهم من كثرة الهم ، واختبل بعضهم ، فغلب عمر شدة حال المصيبة ، فخرج عن حال العلم والمعرفة وتكلم بعدم موته وأنه ذهب إلى مناجاة ربه .. وأمثال هذا لا يكون طعنا.

ويرد عليه أنه من الضروريات العادية أن من عظمت عليه المصيبة وجلت الرزية بفقد حبيبه حتى اشتبهت عليه الأمور الضرورية لا يترك تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، ولا يسرع إلى السقيفة لعقد البيعة والطمع في الخلافة

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ ـ ٢٨٢.

(٢) المراد به : الفضل بن روزبهان المعروف بخواجه مولانا ، وخواجة الخنجي ، وكتابه هو : إبطال المنهج الباطل في الرد على ابن المطهر الحلي ، ولا نعرف له نسخة خطية أو مطبوعة ، سوى ما جاء في إحقاق الحق ، ولم نجد هذه العبارة هناك.

٥٩٣

والإمارة؟! ولم لم يتكلم في ذلك المجلس من شدة الحزن والوجد ما ينافي غرضه ولا يلائم في (١) تدبيره الميشوم ، ولم يأت في أمر الرئاسة وغصب الخلافة بهجر ولا هذيان ، ولم يتخلل من الزمان ما يسع (٢) لاندمال الجرح ونسيان المصيبة؟ وكيف لم يأذن قلبه في الحكم بموته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنه لم يضق صدره بأن يقول في وجهه الكريم : إنه ليهجر ، ويمنعه من إحضار ما طلب ، ويقول : حسبنا كتاب الله ، الذي هو في قوة قوله : لا حاجة لنا بعد موتك إلى كتاب تكتبه لنا!! ومن بلغ به الحب إلى حيث يخرجه من حد العقل لا يجبه حبيبه بمثل هذا القول الشنيع ، ولا يرفع صوته في الرد عليه ، ومنازعة المنازعين من حد العقل (٣) إلى حد يخرجه الحبيب وإياهم عن البيت ويقول : اعزبوا عني ولا ينبغي التنازع عندي (٤) ، ولا ينكر ذلك إلا متعنت لم يشم رائحة الإنصاف ، وما ذكره من جنون بعض الصحابة ، وإغماء بعضهم ، وخبل الآخرين فشيء لم نسمعه إلى الآن ، نعم ، لو عد ما أتوا به من ترك جسده المطهر والمسارعة إلى السقيفة طمعا في الرئاسة وشوقا إلى الإمارة من فنون الجنون وضروب الخبل لكان له وجه.

الطعن الرابع :

أنه حرم (٥) المتعتين ، متعة الحج ومتعة النساء.

ولم يكن له أن يشرع في الأحكام وينسخ ما أمر به سيد الأنام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويجعل اتباع نفسه أولى من اتباع من لا ينطق عن الهوى ، وتفصيل القول

__________________

(١) لا توجد في (س) : في.

(٢) في (س) : لا يسع.

(٣) من حد العقل ، لا توجد في (س).

(٤) ما في (س) تقرأ : الشارع عني. ولا معنى لها.

(٥) في (س) : حرمة.

٥٩٤

في ذلك (١) : أن متعة النساء (٢) لا خلاف بين الأمة قاطبة في أصل شرعيتها وإن اختلفوا في نسخها ودوام حكمها (٣) ، وفيها نزلت قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٤) على أكثر التفاسير وأصحها (٥).

__________________

(١) أقول : لا حاجة لبسط القول في المتعة بعد ما أغرق البحث فيها محققو أصحابنا ولا سيما الأواخر منهم نظير : سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين ، وسيدنا السيد المحسن الأمين ، وشيخنا الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، وأفرد فيها الأستاذ توفيق الفكيكي كتابا وغيرهم ، وسبقهم شيخنا المفيد في عدة رسائل ، وكذا سيدنا المرتضى وغيرهم من أعلامنا طاب ثراهم. وقد أدوا فيها حق المقال.

وانظر الغدير ٦ ـ ٢٢٨ وما بعدها وغيرها.

(٢) متعة النساء ، أو النكاح ، أو الزواج الموقت باختصار هو عقد مؤجل بوقت معين بمهر معين بشرائط قررتها الشريعة الإسلامية.

(٣) قد عد شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ٢٢٠ ـ ٢٢٢ : أكثر من عشرين مجوزا من الصحابة والتابعين ، وفي ٣ ـ ٣٣٣ : قالوا بالإباحة مع وقوفهم على نهي عمر. وذكر القرطبي في تفسيره ٥ ـ ١٣٣ ، وابن حجر في فتح الباري ٩ ـ ١٤٢ ، وغيرها : أن أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) نذكر جملة من تفاسير العامة التي ذكر فيها نزول هذه الآية في المتعة ، منها : تفسير أبي حيان ٣ ـ ٢١٨ عن جمع من الصحابة والتابعين ، وتفسير الطبري ٥ ـ ٩ عن ابن عباس وأبي بن كعب والحكم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وشعبة وأبي ثابت ، وتفسير البغوي ١ ـ ٤٢٣ عن جمع ، وتفسير الزمخشري ١ ـ ٣٦٠ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ١٣٠ وفيه : قال الجمهور : إنها في المتعة ، وأحكام القرآن للجصاص ٢ ـ ١٧٨ حكاه عن عدة ، وأحكام القرآن للقاضي ١ ـ ١٦٢ رواه عن جمع ، وتفسير الخازن ١ ـ ٣٥٧ عن قوم ، وتفسير البيضاوي ١ ـ ٢٦٩ ، وتفسير ابن كثير ١ ـ ٤٧٤ عن جمع من الصحابة والتابعين ، وتفسير السيوطي ٢ ـ ١٤٠ رواه عن جمع من الصحابة والتابعين بطريق الطبراني وعبد الرزاق والبيهقي وابن جرير وعبد بن حميد وأبي داود وابن الأنباري [ الدر المنثور ٢ ـ ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ] ، وتفسير أبي السعود ٣ ـ ٢٥١.

ونذكر جملة من مصادرهم غير التفاسير مثالا : شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ـ ١٨١ ، والجامع الكبير للسيوطي ٨ ـ ٢٩٣ و ٢٩٥ ، ومسند أحمد بن حنبل ٣ ـ ٣٥٦ ، و ٤ ـ ٤٣٦ ، والموطأ لمالك ٢ ـ ٣٠ ، والفائق للزمخشري ١ ـ ٣٣١ ، وتاريخ ابن خلكان ١ ـ ٣٥٩ ، والمحاضرات للراغب الأصفهاني ٢ ـ ٩٤ ، وفتح الباري لابن حجر ٩ ـ ١٤١ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩٣. وأورد جملة أخرى منها العلامة المجلسي ( ره ) في المتن. وفي هذا كفاية لمن ألقى التعصب وراء ظهره

٥٩٥

وقد أجمع أهل البيت عليهم‌السلام على دوام شرعيتها ، كما ورد في الأخبار المتواترة (١).

وقال الفخر الرازي في التفسير (٢) : اتفقت الأمة على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ، قال : و (٣) روي عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله طول العزبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء (٤).

وقد صرح بهذا الاتفاق كثير من فقهاء الإسلام.

وروى مسلم في صحيحه (٥) ، وابن الأثير في جامع الأصول (٦) ، عن قيس ، قال : سمعت عبد الله (٧) يقول : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ]

__________________

ونصب الإنصاف بين عينيه وألقى السمع وهو شهيد.

(١) انظر : الكافي ٢ ـ ٤٤ ، التهذيب ٢ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ٢ ـ ٢٩ ، من لا يحضره الفقيه ٣ ـ ١٤٩ ، الخصال ١ ـ ٧٥ ، ١٠٦ ، ٣٩٦ ، الاحتجاج ٢ ـ ٣٠٦ ، ٣١١ ، قرب الإسناد : ٢١ ، ٧٧ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، تحف العقول : ٣٥٥ ، معاني الأخبار : ٢٢٥ ، فقه الرضا (ع): ٣٠ ، المحاسن : ٣٣٠ ، السرائر : ٤٨٣ ، تفسير علي بن إبراهيم ١ ـ ١٣٦ ، ٢ ـ ٢٠٧ ، تفسير العياشي ١ ـ ٢٣٣ و ٢٣٤ ، المقنع للصدوق والهداية ، والانتصار للسيد المرتضى ، والمراسم لابن يعلى سلار الديلمي ، والمبسوط والنهاية للشيخ الطوسي ، والتحرير للعلامة الحلي ٢ ـ ٢٧ ، وشرح اللمعة الدمشقية ٢ ـ ٨٢ ـ حجرية ـ ، والحدائق الناضرة ٦ ـ ١٥٢ ، وجواهر الكلام ٥ ـ ١٦٥ ، ورسالة المتعة للشيخ المفيد ـ ١ ـ ، وغيرها كثير.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ ـ ٤٩ [ ٣ ـ ٢٠٠ ] ، وفيه : اتفقوا ، بدلا من : اتفقت الأمة.

(٣) لا توجد في المصدر : قال و.

(٤) وقد ذكر فيه روايتين عن ابن عباس وعمران بحلية المتعة ، فراجع.

(٥) صحيح مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة برقم ١٤٠٤ بطرق عديدة ، وأورده البخاري في صحيحه ٨ ـ ٢٠٧ في تفسير سورة المائدة ، وفي النكاح باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام ، وباب ما يكره من التبتل والخصاء.

(٦) جامع الأصول ١٠ ـ ٤٤٤ حديث ٨٩٨٦.

(٧) في المصدرين : عبد الله بن مسعود.

٥٩٦

ليس لنا (١) نساء ، فقلنا : ألا نستخصي (٢)؟! فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن نستمتع (٣) ، فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٤).

وقد روى هذا الخبر في المشكاة (٥) وعده من المتفق عليه.

وروى البخاري (٦) ومسلم (٧) في صحيحهما ، وابن الأثير في جامع الأصول (٨) ، عن سلمة بن الأكوع وعن جابر (٩) ، قالا : خرج (١٠) علينا منادي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] فقال : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قد أذن لكم أن تستمتعوا (١١) فاستمتعوا .. يعني متعة النساء.

وعنهما : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] أتانا فأذن لنا في المتعة.

__________________

(١) جاءت : معنا ، بدلا من : لنا ، في المصدرين.

(٢) في مطبوع البحار : ألا نستحضي. وفي جامع الأصول : لا نختصي. قال في الصحاح ٦ ـ ٢٣٢٨ : وخصيت الفحل خصاء ـ ممدودا ـ : إذا سللت خصيته. وكذا في القاموس المحيط ٤ ـ ٣٢٤ ، ومجمع البحرين ١ ـ ١٢٤.

(٣) الكلمة مشوشة في المطبوع من البحار.

(٤) المائدة : ٨٧. ورواه في مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٤٢٠ ، وبطريق آخر في صفحة : ٤٣٢ ، وسنن البيهقي باب نكاح المتعة المجلد السابع بأربع طرق ، وشرح معاني الآثار كتاب النكاح باب نكاح المتعة ، ومسند الشافي : ٩٤ قال : ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالمسمى. وانظر صفحة :٢١٦ أيضا.

(٥) مشكاة المصابيح : ٣ ـ ٢٧٣.

(٦) صحيح البخاري ٩ ـ ١٤٨ و ١٤٩ في النكاح باب نهي النبي (ص) عن نكاح المتعة!!.

(٧) صحيح مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة برقم ١٤٠٥ بطريقين.

(٨) جامع الأصول ١١ ـ ٤٤٥ حديث ٨٩٨٨. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ٤ ـ ٤٧ و ٥١. وجاء في شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة باختلاف في اللفظ.

(٩) في المصادر : جابر بن عبد الله.

(١٠) في المصدر : كنا في جيش فخرج.

(١١) في ( ك‍ ) : تتمتعوا ، ولا توجد في المصادر : فاستمتعوا.

٥٩٧

وروى مسلم (١) في صحيحه عن عطاء ، قال : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر (٢).

وروى مسلم (٣) ـ أيضا ـ وذكره في جامع الأصول (٤) ، عن أبي الزبير ، قال :سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر وعمر (٥) حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (٦).

وعن أبي نضرة (٧) قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت ، فقال : إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٣٩٥.

(٢) وأورده أبو داود في مسنده المجلد السادس عشر باب الصداق مختصرا ، ورواه أحمد في مسنده ٣ ـ ٣٨٠ ، وذكره المتقي في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٤. وقال : أخرجه عبد الرزاق ، وقريب منه ما جاء في مسند أحمد بن حنبل ٣ ـ ٣٠٤ عن جابر ، وفي آخره : حتى نهانا عمر.

(٣) صحيح مسلم ١ ـ ٣٩٥ كتاب النكاح باب نكاح المتعة حديث ١٤٠٥.

(٤) جامع الأصول ١١ ـ ٤٥١ حديث ٨٩٩٣.

(٥) لا توجد : وعمر ، في جامع الأصول.

(٦) ورواه البيهقي في سننه المجلد السابع باب ما يجوز أن يكون مهرا بطريقين ، وذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب ١٠ ـ ٣٧١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٤ ، وقال في آخره : وكنا نعتد من المستمتع منهن بحيضة ، قال : أخرجه عبد الرزاق. وجاء عن أبي سعيد الخدري ـ كما في مسند أحمد بن حنبل ٣ ـ ٢٢ ـ أنه قال : كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالثوب. وقريب منه ما أخرجه الطبري عن جابر كما في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ ، وانظر : عمدة القارئ للعيني ٨ ـ ٣١٠ ، وبداية المجتهد ٢ ـ ٥٨ ، وغيرها.

(٧) صحيح مسلم ١ ـ ٣٩٥ كتاب الحج باب التقصير في العمرة ، وانظر : مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٥٢ و ٣ ـ ٣٢٥ و ٣٥٦ ، ٣٦٣ قد رواه بطرق ، وسنن البيهقي ٧ ـ ٢٠٦ ، وشرح معاني الآثار للطحاوي كتاب المناسك : ٤٠١ ، وكنز العمال ٥ ـ ٢١ و ٨ ـ ٢٩٣ ـ ٢٩٤ قال : أخرجه ابن جرير ، وأحكام القرآن للجصاص ٢ ـ ١٧٨ ، وتفسير الرازي ٣ ـ ٢٦ ، والدر المنثور ١ ـ ٢١٦ ، ومسند الطيالسي :٢٤٧.

٥٩٨

الله عليه [ وآله ] ، ثم نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما (١).

وروى مسلم (٢) ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله فـ ( أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) كما أمركم الله عز وجل واثبوا [ أبتوا ] نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة (٣).

__________________

(١) ويؤيده ما ذكره الطحاوي في شرح معاني الآثار في كتاب النكاح باب نكاح المتعة عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب ـ وهو يعرض بابن عباس يعيب عليه قوله في المتعة ـ ، فقال ابن عباس : يسأل أمه إن كان صادقا. فسألها ، فقالت : صدق ابن عباس قد كان ذلك. فقال ابن عباس : لو شئت لسميت رجالا من قريش ولدوا فيها ( يعني في المتعة ). وقريب منه ما في محاضرات الراغب ٢ ـ ٩٤ ، وكتاب العلم لابن عمر ٢ ـ ١٩٦ ، ومختصره : ٢٢٦.

وقال ابن عبد البر في العقد الفريد ٢ ـ ١٣٩ : قال ابن عباس : أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير.

ويقرب منه ما جاء في صحيح مسلم أيضا ١ ـ ٣٥٤ بطريقين عن مسلم القري وعبد الرحمن ، وروى في مسند أبي داود الطيالسي : ٢٢٧ عن مسلم القري ، قال : دخلنا على أسماء بنت أبي بكر ، فسألناها عن متعة النساء؟. فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص). وما رواه ابن جرير ـ على ما ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ و ٢٩٤ ، وما أورده ابن حجر العسقلاني في الإصابة ٣ ـ القسم الأول ـ : ١١٤ و ١٣٣ ، ٨ ـ القسم الأول ـ : ١٣٣ ، ولاحظ : مسند الشافعي : ١٣٢ ـ.

وروى ابن القيم في زاد المعاد ١ ـ ٢١٩ ، عن أيوب ، قال عروة لابن عباس : ألا تتقي الله! ترخص في المتعة؟. فقال ابن عباس : سل أمك يا عرية؟. فقال عروة : أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا. فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، نحدثكم عن النبي (ص) وتحدثون عن أبي بكر وعمر!.

(٢) صحيح مسلم ١ ـ ٤٦٧ كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة.

(٣) نقله البيهقي في سننه ٧ ـ ٢٠٦ ، فقال : أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام ، وفيه :عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن متعة النساء ، فقال : حرام ، أما إن عمر بن الخطاب لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة.

وفي مسند أبي داود الطيالسي : ٢٤٧ ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال عمر : فلا أوتى

٥٩٩

وروى الترمذي في صحيحه (١) ـ على ما حكاه الشهيد الثاني (٢) ، والعلامة (٣) رحمهما الله ـ أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء؟. فقال : هي حلال. فقال : إن أباك قد نهى عنها. فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها ، وضعها (٤) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، أنترك السنة ونتبع قول أبي؟! (٥).

وروى شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، قال : سألته عن هذه الآية : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) ... (٦) أمنسوخة هي؟. فقال : لا ، ثم قال الحكم : قال علي

__________________

برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا رجمته.

تجد قوله برجم المستمتع في المصادر التالية : سنن البيهقي ٥ ـ ٢١ ، كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ ، أحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٣٤٢ و ٣٤٥ ، و ٢ ـ ١٧٨ ، تفسير الرازي ٣ ـ ٢٦ ، الدر المنثور ١ ـ ٢١٦ ، وغيرها. قال الأميني ـ ; ـ في غديره : ٦ ـ ٢١١ : لما لم يكن رجم المتمتع بالنساء مشروعا ولم يحكم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناك. قال الجصاص بعد ذكر الحديث : فذكر عمر الرجم في المتعة جائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها. فتدبر وتبصر.

(١) صحيح الترمذي ٣ ـ ١٨٤ [ ١ ـ ١٧٥ ] ولكن اللفظ فيه : متعة الحج. وجاء في زاد المعاد لابن القيم ـ ١٩٤ ، وفي هامش شرح المواهب للزرقاني ٢ ـ ٢٥٢.

(٢) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ٥ ـ ٢٨٣.

(٣) كشف الحق ( نهج الحق وكشف الصدق ) : ٢٨٣.

(٤) كذا ، وفي المصادر : سنها ، وفي نسخة : صنعها.

(٥) جاء بنصه في مسند أحمد بن حنبل بطرق صحيحة عندهم ٢ ـ ٩٥ و ١٠٤ ، و ٤ ـ ٤٣٦. وقد روى مثله في تفسير القرطبي ٢ ـ ٣٦٥ نقلا عن الدارقطني. وجاء قول ابن عمر بعبارات مختلفة في موارد متعددة ، منها ما ذكره البيهقي في سننه ٥ ـ ٢١ : أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر. وجاء فيه أيضا : أفرسول الله أحق أن تتبعوا سننه أم عمر. نقله في مجمع الزوائد ١ ـ ١٨٥ أيضا.

قال الراغب الأصفهاني في محاضراته ٢ ـ ٩٤ : قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة؟. قال : بعمر بن الخطاب. قال : كيف وعمر كان أشد الناس فيها؟. قال : لأن الخبر الصحيح أنه صعد المنبر ، فقال : إن الله ورسوله قد أحلا لكم متعتين ، وإني محرمهما عليكم وأعاقب عليهما ، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.

وانظر : مسند أحمد بن حنبل ٢ ـ ٩٥ ، ولاحظ تكرار السؤال عن ابن عمر في متعة النساء ومتعة الحج وجوابه فيهما.

(٦) النساء : ٢٤.

٦٠٠