بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ووصفه ووصف أخلاقه ، ووصل أطنابه من ظاهر علم وباطن حكم (١) ، ذي حلاوة ومرارة ، فمن طهر (٢) باطنه رأى عجائب مناظره في موارده ومصادره ، ومن فطن لما بطن (٣) رأى مكنون الفطن (٤) وعجائب الأمثال والسنن ، فظاهره أنيق (٥) ، وباطنه عميق ، ولا تفنى (٦) غرائبه ، ولا تنقضي عجائبه ، فيه مفاتيح الكلام ، ومصابيح الظلام ، لا يفتح الخيرات إلا بمفاتحه ، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابيحه ، فيه تفصيل وتوصيل ، وبيان الاسمين الأعلين اللذين جمعا فاجتمعا ، لا يصلحان إلا معا ، يسميان فيفترقان ، ويوصلان فيجتمعان ، تمامهما في تمام أحدهما ، حواليها (٧) نجوم ، وعلى نجومها نجوم ، ليحمي حماه ، ويرعى مرعاه ، وفي القرآن تبيانه وبيانه (٨) وحدوده وأركانه ، ومواضع مقاديره ، ووزن ميزانه ، ميزان العدل ، وحكم الفصل ، إن دعاة (٩) الدين فرقوا بين الشك واليقين ، وجاءوا بالحق ، بنوا للإسلام (١٠) بنيانا فأسسوا له أساسا وأركانا ، وجاءوا على ذلك شهودا بعلامات وأمارات ، فيها كفي المكتفي ، وشفاء المشتفي (١١) ، يحمون (١٢) حماه ، ويرعون مرعاه ، ويصونون مصونه ، ويفجرون عيونه ، بحب الله وبره وتعظيم أمره وذكره بما يحب أن يذكر به ، يتواصلون بالولاية ، ويتنازعون بحسن الرعاية ،

__________________

(١) في المصدر : حلم ، وهي نسخة في ( ك‍ ).

(٢) في كشف المحجة : ظهر.

(٣) هنا زيادة في المصدر وهي : لما فطر.

(٤) في ( ك‍ ) نسخة : مكتوم الفتن.

(٥) الأنيق : المعجب ، كما ذكره في مجمع البحرين ٥ ـ ١٣٦.

(٦) ولا تغني : نسخة جاءت في ( ك‍ ).

(٧) نسخة في ( ك‍ ) : عليهما.

(٨) لا يوجد في المصدر : وبيانه.

(٩) في كشف المحجة : رعاة.

(١٠) في المصدر : الإسلام.

(١١) في المصدر : المستشفي.

(١٢) في طبعة ( ك‍ ) : يحومون.

٤١

ويتساقون (١) بكأس روية ، ويتلاقون بحسن التحية ، وأخلاق سنية ، قوام علماء أمناء (٢) ، لا يسوق (٣) فيهم الريبة ، ولا تشرع (٤) فيهم الغيبة ، فمن استبطن من ذلك شيئا استبطن خلقا سنيا (٥) ، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه ، واجتنب من يرديه ، ويدخل مدخل كرامة ، وينال سبيل سلامة ، تبصرة لمن بصره ، وطاعة لمن يهديه (٦) إلى أفضل الدلالة ، وكشفا لغطاء (٧) الجهالة المضلة المهلكة ، ومن أراد بعد هذا فليظهر بالهدى (٨) دينه ، فإن الهدى لا تغلق أبوابه (٩) ، وقد فتحت أسبابه ببرهان وبيان ، لامرئ (١٠) استنصح وقبل نصيحة من نصح بخضوع وحسن خشوع ، فليقبل امرؤ بقبولها ، وليحذر قارعة قبل حلولها ، والسلام ..

توضيح : إلى المقربين في الأظلة .. أي الذين قربوا إلى الله أو (١١) إلينا في عالم الظلال وعالم الأرواح قبل حلولها الأجساد ، وفي بعض النسخ : المقرين .. أي أقروا بإمامتنا في عالم الأرواح عند الميثاق.

قوله عليه‌السلام : المنشئين .. وفي بعض النسخ : المنشرين .. أي الذين

__________________

(١) نسخة : يتناسقون ، ونسخة أخرى : يتراشفون ، جاءتا في ( ك‍ ) ، وسيتعرض لهما المصنف ـ في بيانه طاب ثراه.

(٢) في المصدر : علماء وأوصياء.

(٣) نسخة في ( ك‍ ) : يسوغ.

(٤) نسخة في ( ك‍ ) : لا تسرع.

(٥) في كشف المحجة : سيئا.

(٦) في المصدر : لمن أطاع يهديه.

(٧) في كشف المحجة : وكشف غطاء ..

(٨) في المصدر : بالمهدي.

(٩) في المصدر : فإن المهدي لا يغلق بابه ..

(١٠) كذا ، وفي كشف المحجة : لأمر.

(١١) خ. ل : و، بدلا من : أو.

٤٢

ينشرهم الله ويبعثهم وينشئهم بعد موتهم في الرجعة ، أي هذا كتاب إلى المقربين ، و ( تحية ) حال ، أو خبر ثان ، أو خبر مبتدإ محذوف يفسره قوله : سلام عليكم ، أو ( سلام ) مبتدأ و ( تحية ) خبره ، وفي الأخير بعد.

وقوله عليه‌السلام : كلمة الله .. مبتدأ ، وقوله : مع اتباعه .. خبره ، والضمير راجع إلى الروح أو النور ، أو الضمير راجع إلى المؤمن بقرينة المقام ، وكلمة ( الله ) مفعول المصدر ، ويؤيده أن في بعض النسخ : مع اتباع .. فيكون حال [ كذا ] عن الضمير المجرور.

والحاصل ، أن نور البصيرة ـ وهي الولاية ومعرفة الأئمة (ع) ـ يصير سببا لتعلق روح الإيمان ، وبروح الإيمان يحصل ويكمل التوحيد الخالص المقبول ، والنور هو الذي مثل الله تعالى به نوره في القرآن المجيد في آية النور (١) ، والسبب الذي بأيدي الشيعة أيضا الولاية التي هي سبب التقرب إلى الله والنجاة من عقابه ، أو حججها وبراهينها ، أو علومهم ومعارفهم التي علموها مواليهم ، والأحكام (٢) والشرائع خاصة ، فإنها الوسيلة إلى التقرب إليه تعالى وإلى حججه عليهم‌السلام ، ويؤيده ما في بعض النسخ وهو قوله : إتيان الواجبات .. وفي بعضها : إتيان واجبتان [ كذا ] [ واجبتين ] ـ أي الكتاب وأهل البيت عليهم‌السلام ـ وإنما أتي بصيغة المفرد أولا وثانيا لارتباطهما بل اتحادهما حقيقة ، و ( نعمة ) بدل أو عطف بيان للسبب ، أو خبر الضمير الراجع إليه.

قوله عليه‌السلام : أن لن يحل عقده .. لعل المراد عقد الإمامة .. أي ليس للناس أن يحلوا عقدا وبيعة عقده الله تعالى لي في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي بعض النسخ : عقده الأهواء .. أي لا يحل ما عقده الله تعالى لأحد آراء الناس وأهوائهم.

__________________

(١) النور : ٣٥.

(٢) في (س) : بالأحكام.

٤٣

وقوله عليه‌السلام : كما قد وقع .. لعله إشارة إلى الصلح والرضا بالحكمين ، أو إلى بعض غزوات الصفين (١) ، فعلى الأول سير الجنود إشارة إلى قتال الخوارج ، وعلى الثاني إلى ما أراد عليه‌السلام من الرجوع إلى قتال معاوية.

والحراب : مصدر كالمحاربة ، وجمع حربة (٢) ، وفيها هنا تجوز ، ويمكن أن يقرأ بالضم والتشديد جمع حارب ، وفي بعض النسخ : أحزاب .. أي أحزاب الشرك الذين حاربوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والأرف ، كغرف جمع : أرفة ـ بالضم ـ ، وهي الحد بين الأرضين ، وأرف على الأرض تأريفا جعل لها حدودا وقسمها (٣).

ونص الشيء : أظهره (٤).

وفي بعض النسخ : رصا ـ بالراء ـ من قولهم : رص البناء رصا : إذا لصق بعضه ببعض (٥).

قوله عليه‌السلام : حيهم (٦) .. أي يرث حيهم (٧).

والمراد بالاسمين الأعلين : كلمتا التوحيد ، أو القرآن وأهل البيت عليهم‌السلام ، والمراد بالنجوم أولا الأئمة ، وثانيا الدلائل الدالة على إمامتهم.

قوله عليه‌السلام : ليحيى حماه .. الضمير راجع إلى الإسلام ، وحماه ما حرمه الله فيه ، ومرعاه ما أحله ، وميزان العدل بيان للميزان ، وحكم الفصل الحكم الذي يفصل بين الحق والباطل ، ويقال : كفيك من رجل ـ مثلثة حسبك (٨).

__________________

(١) كذا ، ولعله من باب إضافة المظروف إلى ظرفه ، أي غزوات من الصفين.

(٢) كما جاء في القاموس ١ ـ ٥٣ ، ولسان العرب ١ ـ ٣٠٣ ، وغيرهما.

(٣) قاله في لسان العرب ٩ ـ ٤ ، والقاموس ٣ ـ ١١٧.

(٤) ذكره في تاج العروس ٤ ـ ٤٤٠ ، والقاموس ٢ ـ ٣١٩ ، وغيرهما.

(٥) صرح به في الصحاح ٣ ـ ١٠٤١ ، ولسان العرب ٧ ـ ٤٠.

(٦) في (س) : حبهم.

(٧) في (س) : حبهم.

(٨) كما جاء في القاموس ٤ ـ ٣٨٣ ، وتاج العروس ١٠ ـ ٣١٦ وغيرهما.

٤٤

وقوله : يحب (١) الله .. إما متعلق بيفجرون ، أو به وبما قبله على التنازع ، أو بقوله : يتواصلون.

قوله : ويتساقون .. تفاعل من السقي. وفي بعض النسخ : يتناسقون .. أي يتتابعون (٢) ، وفي بعضها : يتراشفون من قولهم رشف الماء : مصه (٣).

أقول : وكانت النسخ التي عندنا سقيمة فصححناها على ما تيسر من اجتماعها ، وعسى أن تيسر نسخة أخرى أقرب إلى الصحة ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في (س) : بجب ، والظاهر بحب ـ بالحاء المهملة ـ.

(٢) قال في القاموس ٣ ـ ٢٨٥ : وناسق بينهما : تابع ، وتناسقت الأشياء وانتسقت وتنسقت بعضها إلى بعض بمعنى. وقال في النهاية ٥ ـ ٤٨ : ناسق بمعنى تابع.

(٣) صرح بذلك في القاموس ٣ ـ ١٤٤ ، ولسان العرب ٩ ـ ١١٩.

٤٥
٤٦

[١٧] باب

احتجاج الحسين عليه‌السلام على عمر وهو على المنبر

١ ـ ج (١) : روي أن عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكر في خطبته أنه ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فقال له الحسين عليه‌السلام من ناحية المسجد : انزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا منبر (٢) أبيك. فقال له عمر : فمنبر أبيك لعمري يا حسين! لا منبر أبي ، من علمك هذا (٣)؟ أبوك (٤) علي بن أبي طالب؟.

فقال له الحسين : إن أطع أبي فيما أمرني فلعمري إنه لهاد وأنا مهتد به ، وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله (ص) نزل بها جبرئيل عليه‌السلام من عند الله تعالى لا ينكرها أحد إلا جاحد بالكتاب ، قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم ، وويل للمنكرين حقنا أهل البيت (ع) ، ما ذا يلقاهم به محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من إدامة الغضب وشدة العذاب؟!.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ ـ ٢٩٢ [ طبعة النجف ٢ ـ ١٣ ـ ١٥ ] تحت عنوان : احتجاج الحسين بن علي عليهما‌السلام على عمر ..

(٢) في (س) : إلى منبر .. وهو الظاهر.

(٣) إلى هنا ورد في تاريخ ابن عساكر ٤ ـ ٣٢١ ، وفيه : من أمرك بهذا. وحكاه عنه في الغدير ٧ ـ ١٢٦.

(٤) لا توجد : أبوك ، في (س).

٤٧

فقال (١) عمر : يا حسين! من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله! أمرنا الناس فتأمرنا ، ولو أمروا أباك لأطعنا. فقال له الحسين (ع) : يا ابن الخطاب! فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمرك على الناس بلا حجة من نبي ولا رضى من آل محمد؟! فرضاكم كان لمحمد عليه وآله السلام رضى ، أو رضى أهله كان له سخطا؟! أما والله لو أن للسان مقالا يطول تصديقه ، وفعلا يعينه المؤمنون لما تخطيت رقاب آل محمد (ص) ، ترقى منبرهم وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم ، لا تعرف معجمه ، ولا تدري تأويله إلا سماع الآذان ، المخطئ والمصيب (٢) عندك سواء ، فجزاك الله جزاك ، وسألك عما أحدثت سؤالا حفيا.

قال : فنزل عمر مغضبا ومشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فاستأذن عليه فأذن له ، فدخل فقال (٣) : يا أبا الحسن! ما لقيت من (٤) ابنك الحسين؟! يجهرنا بصوت في مسجد رسول الله (ص) ويحرض علي الطغام وأهل المدينة؟!.

فقال له الحسن عليه‌السلام : مثل (٥) الحسين ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحث (٦) بمن لا حكم له ، أو يقول بالطغام على أهل دينه ، أما والله ما نلت ما نلت (٧) إلا بالطغام ، فلعن الله من حرض الطغام!.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : مهلا يا أبا محمد! فإنك لن تكون قريب الغضب ، ولا لئيم الحسب ، ولا فيك عروق من السودان ، اسمع كلامي ، ولا

__________________

(١) في ( ك‍ ) : فقال له.

(٢) وضع على كلمة : المصيب في المطبوع من البحار رمز نسخة بدل ، وهي موجودة في المصدر.

(٣) في ( ك‍ ) : فقال له.

(٤) في الاحتجاج : ما لقيت اليوم من ..

(٥) في المصدر : على مثل ..

(٦) في الاحتجاج : يشخب ، بدلا من : يستحث.

(٧) لا توجد : ما نلت ، الثانية في المصدر. وفي ( ك‍ ) : تحت ( ما ) الأولى .. أي نافية ، وتحت ( ما ) الثانية .. أي موصولة.

٤٨

تعجل بالكلام. فقال له عمر : يا أبا الحسن! إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : هما أقرب نسبا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبيهما (١) أما فأرضهما ـ يا ابن الخطاب ـ بحقهما يرض عنك من بعدهما. قال : وما رضاهما يا أبا الحسن؟ قال : رضاهما الرجعة عن الخطيئة ، والتقية عن المعصية بالتوبة. فقال له عمر : أدب ـ يا أبا الحسن ـ ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء (٢) في الأرض. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا أؤدب أهل المعاصي على معاصيهم ، ومن أخاف عليه الزلة والهلكة ، فأما من ولده (٣) رسول الله (ص) لا يحل (٤) أدبه ، فإنه ينتقل (٥) إلى أدب خير له منه ، أما فأرضهما يا ابن الخطاب!.

قال : فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، فقال له عبد الرحمن (٦) : يا أبا حفص! ما صنعت وقد (٧) طالت بكما الحجة؟. فقال له عمر : و هل حجة مع ابن أبي طالب وشبليه؟!. فقال له عثمان : يا ابن الخطاب! هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف. فقال له عمر : ما أعد (٨) ما صرت إليه فخرا فخرت به ، أبحمقك (٩)؟. فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم جذبه ورده ، ثم قال (١٠) : يا ابن الخطاب! كأنك تنكر ما أقول. فدخل بينهما عبد الرحمن بن عوف

__________________

(١) في الاحتجاج : من أن يهما ، بدلا من : من أبيهما.

(٢) في ( ك‍ ) نسخة : الحكام.

(٣) في الاحتجاج : والده ..

(٤) في المصدر : ونحله أدبه ، وفي نسخة في ( ك‍ ) : لا يخل ..

(٥) في الاحتجاج : لا ينتقل.

(٦) في ( ك‍ ) : عبد الرحمن بن عوف.

(٧) في المصدر : فقد.

(٨) في ( ك‍ ) : أعذ.

(٩) لا توجد همزة الاستفهام في المصدر.

(١٠) في الاحتجاج : نبذ به ، ورده ثم قال له ..

٤٩

وفرق بينهما ، وافترق القوم (١).

بيان :

قوله عليه‌السلام : إلا سماع الآذان .. أي لا تعرف معنى الكتاب إلا بما تسمعه الآذان من الناس ، وفي بعض النسخ : الفعلان ـ بصيغة الغيبة ـ أي لا يمكن معرفة الكتاب وتأويله إلا (٢) بالسماع ممن ينتهي عمله إلى الوحي الإلهي.

والحفاوة والحفاية (٣) والإحفاء : الاستقصاء في السؤال (٤).

والتحريض على القتال : الحث (٥) والترغيب والتحريض عليه.

والطغام : الأراذل (٦).

قوله : ليهمان .. أي يقصدان أمرا لا يحصل إلا بالخلافة ، فأجاب عليه‌السلام بأن الخلافة غير بعيد منهما ، فإن أباهما خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما أقرب نسبا به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه.

قوله عليه‌السلام : فإنه ينتقل .. أي يترقى بنفسه في الآداب الحسنة من غير تأديب ، ويحتمل الاستفهام الإنكاري ، ويؤيده أن في بعض النسخ : ويحك! أأؤدبه؟! فإنه ينتقل ..

والسمن .. كناية عن وفور المال والشرف ، كما أن العجف .. كناية عن

__________________

(١) وتجد نظائر هذه الاحتجاجات من ريحانتي رسول الله وسيدي شباب أهل الجنة سلام الله عليهما كثيرة. انظر كتب العامة : الرياض النضرة ١ ـ ١٣٩ ، الصواعق المحرقة : ١٠٨ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤ ، كنز العمال ٣ ـ ١٣٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ ـ ١٧ ، وغيرها.

(٢) في (س) : أي ، بدلا من : إلا.

(٣) وقال في القاموس ٤ ـ ٣١٨ : وحفي به ـ كرضي ـ حفاوة ويكسر وحفاية ـ بالكسر ـ وتحفاية فهو حاف وحفي ـ كغني ـ وتحفى ، واحتفى : بالغ في إكرامه وأظهر السرور والفرح ، وأكثر السؤال عن حاله.

(٤) كما في مجمع البحرين ١ ـ ١٠٤ ، والنهاية ١ ـ ٤١٠ ، وغيرهما.

(٥) قاله في القاموس ٢ ـ ٣٢٧ ، وانظر : الصحاح ٣ ـ ١٠٧٠.

(٦) ذكره في النهاية ٣ ـ ١٢٨ ، والصحاح ٥ ـ ١٩٧٥ ، وغيرهما.

٥٠

عدمهما وقلتهما.

٢ ـ كشف (١) : عن زيد بن علي ، عن أبيه ، أن الحسين بن علي عليهما‌السلام أتى عمر بن الخطاب ـ وهو على المنبر يوم الجمعة ـ فقال له : انزل عن منبر أبي. فبكى عمر ، ثم قال : صدقت يا بني ، منبر أبيك لا منبر أبي! فقال علي عليه‌السلام : ما هو والله عن رأيي. فقال : صدقت! والله ما اتهمتك (٢) يا أبا الحسن ، ثم نزل عن المنبر فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر فخطب الناس ـ وهو جالس على المنبر معه (٣) ـ ، ثم قال : أيها الناس! سمعت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : احفظوني في عترتي وذريتي ، فمن حفظني فيهم حفظه الله ، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم. ثلاثا.

٣ ـ ما (٤) : ـ ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى الضرير ، عن محمد بن زكريا المكي ، عن كثير بن طارق ، عن زيد .. مثله.

__________________

(١) كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ ـ ٥٥٢ [ المطبعة العلمية قم : ١ ـ ٤١٦ ].

(٢) في المصدر : ما أتهمك .. ونظير ما في المتن في أمالي الشيخ.

(٣) في ( ك‍ ) : وهو جالس معه على المنبر .. وهي موافقة لما في الأمالي.

(٤) أمالي الشيخ الطوسي ٢ ـ ٣١٣ ـ ٣١٤ ، وحكاه عنه في معالم الزلفى ٥٩.

أقول : ما في الأمالي عين ما في الكشف متنا لا إسنادا ، وفيه : عن كثير ، عن زيد بن علي ، عن أبيه .. وما قبل كثير لم نجده هناك ، فراجع.

٥١
٥٢

[١٨] باب

في ذكر ما كان من حيرة الناس بعد وفاة

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغصب الخلافة

وظهور جهل الغاصبين وكفرهم

ورجوعهم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام

وقد أوردنا كثيرا من ذلك في أبواب الاحتجاج (١) ، ونورد هاهنا أمثالها بأسانيد أخرى لمناسبتها لهذا الكتاب أيضا ، ولكونها مشتملة على تغييرات وزيادات.

١ ـ إرشاد القلوب (٢) : بحذف الإسناد مرفوعا إلى سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال : كان من البلاء العظيم الذي ابتلى الله عز وجل به قريشا بعد نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله ليعرفها أنفسها ويجرح (٣) شهادتها على ما ادعته على رسول الله

__________________

(١) في مطبوع البحار : الاحتجات ، ولعله : الاحتجاجات.

انظر : بحار الأنوار ، المجلد العاشر ، في احتجاجاتهم عليهم‌السلام في فروع ومسائل مختلفة.

(٢) إرشاد القلوب ٢ ـ ٩٢ ـ ١٠٨ [ ٢ ـ ٢٩٩ ـ ٣١٥ ] في كلامه مع الجاثليق. وقد ذكرنا أكثر الاختلافات بين المصدر والمتن مع عدم تثبتنا من صحة هذه الطبعة لكثرة ما فيها من أغلاط.

(٣) في المصدر : وتخرج ..

٥٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ، ودحض حجتها ، وكشف غطاء (١) ما أسرت في قلوبها ، وأخرجت ضغائنها لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين وأزالتهم عن إمامتهم ، وميراث كتاب الله فيهم ، ما عظمت خطيئته ، وشملت فضيحته ، ووضحت هداية الله فيه لأهل (٢) دعوته وورثة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنارت (٣) به قلوب أوليائهم ، وغمرهم نفعه وأصابهم بركاته : أن (٤) ملك الروم لما بلغه وفاة (٥) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبر أمته واختلافهم في الاختيار عليهم ، وتركهم سبيل هدايتهم ، وادعائهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لم يوص إلى أحد بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإهماله إياهم يختاروا (٦) لأنفسهم ، وتوليتهم الأمر بعده الأباعد من قومه ، وصرف ذلك عن أهل بيته وورثته وقرابته (٧) ، دعا علماء بلده واستفتاهم (٨) فناظرهم في الأمر الذي ادعته قريش بعد نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجابوه بجوابات من حججهم على أنه (٩) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأل أهل مدينته أن يوجههم إلى المدينة لمناظرتهم والاحتجاج عليهم ، فأمر الجاثليق أن يختار من أصحابه وأساقفته ، فاختار منهم مائة رجل ، فخرجوا يقدمهم جاثليق لهم قد أقرت العلماء له جميعا بالفضل والعلم ، متبحرا (١٠) في علمه يخرج الكلام من تأويله ، ويرد كل فرع

__________________

(١) لا توجد في المصدر : وكشف غطاء.

(٢) لا توجد : لأهل ، في المصدر.

(٣) في المصدر : وأثارت.

(٤) زيادة في المصدر قبل كلمة أن ، وهي : وعمهم نفعه وأضاء به برهانه أن ..

(٥) في إرشاد القلوب : خبر وفاة ..

(٦) في إرشاد القلوب : حتى يختاروا.

(٧) في المصدر : وذريته وأقربائه.

(٨) في إرشاد القلوب ونسخة جاءت على ( ك‍ ) : وأساقفتهم.

(٩) في ( ك‍ ) : أمة.

(١٠) في ( ك‍ ) : متجرئا.

٥٤

إلى أصله ، ليس بالخرق (١) ولا بالنزق (٢) ولا بالبليد والرعديد (٣) ، ولا النكل (٤) ولا الفشل ينصت لمن يتكلم ، ويجيب إذا سئل ، ويصبر إذا منع ، فقدم المدينة بمن معه من خيار (٥) أصحابه حتى نزل القوم عن رواحلهم ، فسأل أهل المدينة عمن أوصى إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قام مقامه فدلوه على أبي بكر ، فأتوا مسجد رسول الله ، فدخلوا ، على أبي بكر وهو في حشدة (٦) من قريش فيهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وعثمان بن عفان وأنا في القوم (٧) ، فوقفوا عليه فقال زعيم القوم : السلام عليكم .. فردوا عليه‌السلام ، فقال : أرشدونا إلى القائم مقام نبيكم فإنا قوم من الروم ، وإنا على دين المسيح عيسى ابن مريم عليهما‌السلام ، فقدمنا (٨) لما بلغنا وفاة نبيكم واختلافكم نسأل (٩) عن صحة نبوته ونسترشد لديننا ، ونتعرف (١٠) دينكم ، فإن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه وسلمنا وقبلنا الرشد منكم طوعا وأجبناكم إلى دعوة نبيكم (ص) ، وإن يكن على

__________________

(١) الحمق وضعف العقل ، كذا جاء في حاشية ( ك‍ ).

أقول : قال في النهاية ٢ ـ ١٦ : الخرق ـ بالضم ـ : الجهل والحمق.

(٢) جاء في ( ك‍ ) كذا : نزق ـ كفرح وضرب ـ : طاش وحف عند الغضب. قاموس.

انظر : القاموس ٣ ـ ٢٨٥. وفي المصدر : البزق. قال في القاموس ٣ ـ ٢١٣ : بزق : بسق ، والأرض : بذرها ، والشمس : بزغت.

(٣) فسره في حاشية ( ك‍ ) ب : الجبان ، قاله في القاموس ١ ـ ٢٩٥. وفي المصدر : الرعيد.

(٤) نكل عن العدو وعن اليمين ينكل ـ بالضم ـ : أي جبن ، والناكل : الجبان الضعيف. صحاح.

كذا جاء في حاشية ( ك‍ ). انظر : الصحاح ٥ ـ ١٨٣٥.

(٥) في المصدر : أخبار قومه ـ بالباء الموحدة ـ ، والظاهر : أخيار ، أو أحبار.

(٦) في حاشية ( ك‍ ) عبارة وهي : عندي حشد من الناس : أي جماعة. صحاح.

انظر : صحاح اللغة ٢ ـ ٢٤٦٥ ، وفيه : حسك. كما في الإرشاد. قال في القاموس ٣ ـ ٢٩٨ : الحسك : الحقد والعداوة ، وحسك : غضب.

(٧) في إرشاد القلوب : وباقي القوم ، بدلا من : وأنا في القوم.

(٨) في المصدر : قدمنا.

(٩) في (س) : لنسأل.

(١٠) في المصدر : نتعرض.

٥٥

خلاف ما جاءت به الرسل وجاء به عيسى عليه‌السلام رجعنا إلى دين المسيح فإن عنده من عهد رأينا فيه أنبياءه (١) ورسله دلالة ونورا واضحا ، فأيكم صاحب الأمر بعد نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

فقال عمر بن الخطاب : هذا صاحبنا (٢) وولي الأمر بعد نبينا.

قال الجاثليق : هو هذا الشيخ؟!.

فقال (٣) : نعم.

فقال : يا شيخ (٤)! أنت القائم الوصي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته؟ وأنت العالم المستغني بعلمك مما علمك (٥) نبيك من أمر الأمة وما تحتاج إليه؟. قال أبو بكر : لا ، ما أنا بوصي.

قال له : فما أنت؟! قال عمر : هذا خليفة رسول الله.

قال النصراني : أنت خليفة رسول الله استخلفك في أمته؟.

قال أبو بكر : لا.

قال : فما هذا الاسم الذي ابتدعتموه وادعيتموه بعد نبيكم؟!. فإنا قد قرأنا كتب الأنبياء صلوات الله عليهم فوجدنا الخلافة لا تصلح إلا لنبي من أنبياء الله ، لأن الله تعالى جعل آدم خليفة في الأرض فرض طاعته على أهل السماء والأرض ، ونوه (٦) باسم داود عليه‌السلام فقال : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) (٧)

__________________

(١) في المصدر : ربنا في أنبيائه. وهي نسخة في مطبوع البحار.

(٢) في إرشاد القلوب زيادة : هذا صاحب أمر نبينا بعده قالوا : هذا صاحبنا.

(٣) في المصدر : فقالوا.

(٤) في المصدر : أيها الشيخ ..

(٥) لا توجد في المصدر : مما علمك.

(٦) نوهه وبه : دعاه ورفعه ، قاله في القاموس ٤ ـ ٢٩٤.

(٧) سورة ص : ٢٦.

٥٦

كيف تسميتم (١) بهذا الاسم؟ ومن سماك به؟ أنبيك سماك به؟.

قال : لا ، ولكن تراضوا الناس فولوني واستخلفوني.

فقال : أنت خليفة قومك لا نبيك (٢) ، وقد قلت إن النبي لم يوص إليك ، وقد وجدنا في كتب من (٣) سنن الأنبياء ، أن الله لم يبعث نبيا إلا وله وصي يوصي إليه (٤) ، ويحتاج الناس كلهم إلى علمه وهو مستغن عنهم ، وقد زعمت أنه لم يوص كما أوصت الأنبياء ، وادعيت أشياء لست بأهلها ، وما أراكم إلا وقد دفعتم نبوة محمد وقد أبطلتم سنن الأنبياء في قومهم.

قال : فالتفت (٥) الجاثليق إلى أصحابه وقال : إن هؤلاء يقولون إن محمدا لم يأتهم بالنبوة وإنما كان أمره بالغلبة ، ولو كان نبيا لأوصى كما أوصت الأنبياء ، وخلف فيهم كما خلفت الأنبياء من الميراث والعلم ، ولسنا نجد عند القوم أثر ذلك ، ثم التفت كالأسد ، فقال : يا شيخ! أما أنت فقد أقررت أن محمدا (٦) لم يوص إليك ولا استخلفك وإنما تراضوا الناس بك ، ولو رضي الله عز وجل برضى (٧) الخلق واتباعهم لهواهم واختيارهم لأنفسهم ما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وآتاهم الكتاب والحكمة ليبينوا للناس ما يأتون ويذرون وما فيه يختلفون : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٨) فقد دفعتم النبيين عن رسالاتهم ، واستغنيتم بالجهل من اختيار الناس عن اختيار الله عز وجل الرسل للعباد ، واختيار الرسل لأمتهم ، ونراكم تعظمون بذلك الفرية على الله عز

__________________

(١) في المصدر : فكيف تسميت ..

(٢) في المصدر : لا خليفة نبيك.

(٣) لا توجد : كتب من ، في المصدر.

(٤) في إرشاد القلوب : يوصي به اليوم.

(٥) في المصدر : ثم التفت.

(٦) في المصدر : محمدا النبي.

(٧) في إرشاد القلوب : لرضى.

(٨) النساء : ١٦٥.

٥٧

وجل وعلى نبيكم ، ولا ترضون إلا أن تتسموا بعد ذلك بالخلافة ، وهذا لا يحل إلا لنبي أو وصي نبي ، وإنما تصح الحجة لكم بتأكيدكم النبوة لنبيكم وأخذكم بسنن الأنبياء في هداهم ، وقد تغلبتم فلا بد لنا أن نحتج عليكم فيما ادعيتم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه ، ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم ، أصواب ما فعلتم بإيمان أم كفرتم بجهل (١)؟.

ثم قال : يا شيخ! أجب.

قال : : فالتفت أبو بكر إلى أبي عبيدة ليجيب عنه ، فلم يحر جوابا ، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه فقال : بناء القوم على غير أساس ولا أرى لهم حجة ، أفهمتم؟.

قالوا : بلى.

ثم قال لأبي بكر : يا شيخ! أسألك؟.

قال : سل.

قال : أخبرني عني وعنك ما (٢) أنت عند الله ، وما أنا عند الله (٣)؟.

قال : أما أنا فعند نفسي مؤمن ، وما أدري ما أنا عند الله فيما بعد ، وأما أنت فعندي كافر ، وما (٤) أدري ما أنت عند الله؟.

قال الجاثليق : أما أنت فقد منيت نفسك الكفر بعد الإيمان ، وجهلت مقامك في إيمانك ، أمحق أنت فيه أم مبطل ، وأما أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر ، فما أحسن حالي وأسوأ (٥) حالك عند نفسك ، إذ كنت لا توقن بما لك عند الله ، فقد شهدت لي بالفوز والنجاة ، وشهدت لنفسك بالهلاك والكفر.

__________________

(١) في المصدر : بإيمان أو بجهل وكفرتم ..

(٢) في ( ك‍ ) : وما.

(٣) لا توجد : عند الله .. في المصدر.

(٤) في ( ك‍ ) : ولا ، بدلا من : وما ، وفي المصدر : ولا أدري ما أدري قال : ..

(٥) في المصدر : ما أسوأ ..

٥٨

ثم التفت إلى أصحابه فقال : طيبوا نفسا (١) فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر ، ثم التفت إلى أبي بكر فقال : يا شيخ! أين مكانك الساعة من الجنة إذا ادعيت الإيمان ، وأين مكاني من النار؟!.

قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر وأبو [ أبي ] عبيدة مرة أخرى ليجيبا عنه ، فلم ينطق أحدهما (٢).

قال : ثم قال : ما أدري أين مكاني وما حالي عند الله؟.

قال الجاثليق : يا هذا! أخبرني كيف استجزت لنفسك أن تجلس في هذا المجلس وأنت محتاج إلى علم غيرك؟ فهل في أمة محمد (٣) من هو أعلم منك؟.

قال : نعم.

قال : ما أعلمك وإياهم إلا وقد حملوك أمرا عظيما ، وسفهوا بتقديمهم إياك على من هو أعلم منك ، فإن كان الذي هو أعلم منك يعجز عما سألتك كعجزك فأنت وهو واحد في دعواكم ، فأرى نبيكم إن كان نبيا فقد ضيع علم الله عز وجل وعهده وميثاقه الذي أخذه على النبيين من قبله في إقامة الأوصياء لأمتهم حيث لم يقم وصيا ليتفرغوا (٤) إليه فيما (٥) تتنازعون (٦) في أمر دينكم ، فدلوني على هذا الذي هو أعلم منكم ، فعساه في العلم أكثر منك في (٧) محاورة وجواب وبيان وما يحتاج إليه من أثر النبوة وسنن الأنبياء ، ولقد ظلمك القوم وظلموا أنفسهم فيك.

قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فلما رأيت ما نزل بالقوم من البهت والحيرة والذل

__________________

(١) في المصدر : أنفسكم.

(٢) في إرشاد القلوب : أحد منهما قال إنه قال : ..

(٣) في المصدر : نبيكم ، بدلا من : محمد.

(٤) في ( ك‍ ) : لتفزعوا.

(٥) في المصدر : لأمتهم ليفزعوا إليهم فيما ..

(٦) في المصدر : يتنازعون. وهي نسخة في مطبوع البحار.

(٧) في إرشاد القلوب : في العلم أقل منكم في ..

٥٩

والصغار ، وما حل بدين محمد (ص) ، وما نزل بالقوم من الحزن ، نهضت ـ لا أعقل أين أضع قدمي ـ إلى باب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فدققت عليه الباب ، فخرج وهو (١) يقول : ما دهاك يا سلمان؟!. قال : قلت : هلك دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وهلك الإسلام بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وظهر أهل الكفر على دينه وأصحابه بالحجة ، فأدرك ـ يا أمير المؤمنين! ـ دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والقوم قد ورد عليهم ما لا طاقة لهم به ولا بد ولا حيلة ، وأنت اليوم مفرج كربها ، وكاشف بلواها ، وصاحب ميسمها (٣) وتاجها ، ومصباح ظلمها ، ومفتاح مبهمها.

قال : فقال علي عليه‌السلام و (٤) ما ذاك؟.

قال : قلت : قد قدم قوم من ملك الروم في مائة رجل من أشراف الناس من قومهم (٥) يقدمهم جاثليق لهم (٦) لم أر مثله ، يورد الكلام على معانيه ، ويصرفه على تأويله (٧) ، ويؤكد حجته ويحكم ابتداءه ، لم أسمع مثل حجته ولا سرعة جوابه من كنوز علمه ، فأتى أبا بكر ـ وهو في جماعة ـ فسأله عن مقامه ووصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبطل دعواه (٨) بالخلافة ، وغلبهم بادعائهم تخليفهم مقامه ، فأورد على أبي بكر مسألة أخرجه بها عن إيمانه ، وألزمه الكفر والشك في دينه ، فعلتهم لذلك (٩) ذلة وخضوع وحيرة ، فأدرك ـ يا أمير المؤمنين ـ دين محمد ،

__________________

(١) لا توجد : وهو ، في (س).

(٢) في المصدر : هلك دين الله و ..

(٣) الميسم ـ بكسر الميم ـ : أثر الحسن ، قاله في القاموس ٤ ـ ١٨٦.

(٤) وضع في مطبوع البحار على حرف الواو رمز نسخة بدل.

(٥) في المصدر : من أشراف قومهم.

(٦) لا توجد : لهم ، في المصدر.

(٧) في (س) : على ما تأويله.

(٨) في إرشاد القلوب : دعواهم.

(٩) في المصدر : في ذلك.

٦٠