الزّواج الموفّق

الشيخ محمّد جواد المروّجي الطبسي

الزّواج الموفّق

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد المروّجي الطبسي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: نور السجّاد
المطبعة: سرور
الطبعة: ٤
ISBN: 964-7163-97-5
الصفحات: ١٧٥

المشورة للزواج

تلخص ممّا سبق أنّ المشورة أمر مهمّ جداً وبظل المشورة تكتمل عقول الرجال وتتبيّن الخفيات ومنها الشور في أمر الزواج. فإن قيل نحن لا ننكر أهميّة المشورة ولكن مع من نستشير ...؟!

قلنا : الروايات في هذا المجال بكثرة. فإنّنا أمرنا بالإستشارة مع الرجال ذوي العقول والرأي ، ومع من إسمه محمد. ونهينا أيضاً من المشورة مع الفاسق الفاجر والجبان والحريص والبخيل وغير الورع فإن مضارّ إستشارتهم أكثر من منفعتها.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من إسمه محمد أو حامد أو محمود أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ خيّر لهم. ١

وقال الصادق عليه‌السلام : إستشر العاقل من الرجال الورع فإنّه لا يأمر إلا بخير وإياك الخلاف فإنّ خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا. ٢

وقال الصادق عليه‌السلام إن المشورة لا يكون إلا بحدودها فمن عرف بحدودها وإلا كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له ؛

فأوّلها : أن يكون الذي يشاوره عاقلاً.

__________________

١. سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٧١٨.

٢. نفس المصدر.

٦١

والثّانية : أن يكون حراً متديّناً.

والثّالثة : أن يكون صديقاً مواخياً.

والرابعة : أن تطلعه على سرّك ، فيكون علمه به ، كعلمك بنفسك ، ثم يستر ذلك ويكتمه. فإنّه إذا كان عاقلاً إنتفعت بمشورته ، وإذا كان حراً متديناً جهد نفسه في النصيحة لك ، وإذا كان صديقاً مواخياً كتم سرّك إذا أطلعته عليه ، وإذا أطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك ، تمت المشورة وكملت النصيحة ... ١

الإستخارة قبل الإستشارة

وليبدأ قبل المشورة بالإستخارة أي طلب الخيرة من الله لأنّه العالم بالأسرار والخفايا. فعن الصادق عليه‌السلام : إذا أراد أحدكم أمراً فلا يشاور فيه أحداً حتى يبدأ فيشاور الله عزّوجل.

فقيل له ما مشاورة الله عزوجل.

قال يستخير الله فيه أولاً ثم يشاور فيه ، فإنّه إذا بدأ بالله أجرى الله تعالى له الخير على لسان من شاء من الخلق. ٢

وعنه عليه‌السلام قال : يقول الله عزوجل من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخيرني. ٣

__________________

١. نفس المصدر.

٢. سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٧١٧.

٣. نفس المصدر ، ص ٤٣٣.

٦٢

وأما طريق الإستخارة فكثيرة وأشار إليها المجلسي وغيره في كتبهم ، ونشير إلى بعضها ونحيل الباقي إلى هذه الكتب.

فمنها ما سئل عن الصادق فقال : إستخر الله عزّوجل في آخر ركعة من صلاة الليل وأنت ساجد مأة مرة ومرة.

قال الراوي : قلت كيف أقول.

قال : تقول أستخير الله برحمته ، أستخير الله برحمته. ١

وعنه أيضاً : أنه يسجد عقيب المكتوبة ويقول اللهمّ خر لي مأة مرة ثم يتوسل بالنبي والأئمة عليهم السلام ويصلّي عليهم ويستشفع بهم وينظر ما يلهمه الله فيفعل فإنّ ذلك من الله تعالى. ٢

* * *

__________________

١. نفس المصدر.

٢. نفس المصدر.

٦٣
٦٤

١١

الخطبة والإختيار

إنّ من موارد المهمّة التي لا بأس بمراعاة ذلك هو الخطبة من ناحية الزّوج والإختيار من ناحية الزّوجة.

فإذا أراد الشّاب الزّواج مع بنت فليخطبها وليظهر الرغبة في الزّواج معها ، كما هو المتعارف في زماننا هذا ، وهكذا في الأزمنة المتقدمة ومنها في عصر الرسالة فإنّ هذه العمليّة أوقع في نفس الزّوجة ولها أن تدرس الموضوع أوّلاً ثم تستخبر وتستشير وفي النهاية تختار أو تردّ من دون أي ضغط وإصرار من قبل الأب أو الأم أو غيرهما.

لأنّ الإسلام قد أبطل الأفكار الجاهلية من سلب إختيار البنت في مسئلة الزّواج بل فسح لها المجال في هذه المسئلة بالذات ولم يضغط عليها على قبول من لا ترغب في الزّواج معه.

٦٥

وقد تكررت هذه المسئلة عند ما خطبوا الزهراء من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان يردّهم إثر ردّ الزهراء هذه الخطبة.

الزهراء تختار علياً

روى الطوسي في الأمالي عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول وذكر حديث تزويج فاطمة عليها‌السلام وأنه طلبها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا علي إنّه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج اليها ، فدخل عليها ، فأخبرها وقال : إنّ علياً قد ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟

فسكتت ولم تولّ وجهها ولم ير فيه رسول الله كراهة ، فقام وهو يقول : الله أكبر سكوتها إقرارها ... ١

إختيار شهر بانويه الحسين عليه‌السلام

ويدلّ عليه أيضاً ما عمله الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في أسرى الفرس من أمرهنّ بالإختيار في الزّواج بأحد من المسلمين كما رواه لنا الطبري في تاريخه أنّه : لمّا ورد سبي فرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً.

فقال له علي عليه‌السلام : إنّ رسول الله قال : أكرموا كريم كلّ قوم.

__________________

١. وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٠٦.

٦٦

فقال عمر : قد سمعته يقول : إذا أتاكم كريم كلّ قوم فأكرموه وإن خالفكم.

فقال علي عليه‌السلام هؤلاء قد ألقوا إليكم السّلام ورغبوا في الإسلام ولا بد من أن يكون لهم فيه ذرّيّة ، وأنا أشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله تعالى.

فقال جميع بني هاشم : قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله.

فقال : اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا إليّ حقهم وقبلته ، وأشهدك أنّي أعتقتهم لوجهك.

فقال المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقنا لك.

فقال عمر : لم نقضت على عزمي في الأعاجم وما الذي رغبك عن رأيي فيهم ، فأعاد عليه ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في إكرام الكرماء.

فقال عمر : قد وهبت الله لك يا أبالحسن ما يخصّني وساير ما لم يوهب لك.

فقال علي عليه‌السلام : أللهمّ اشهد على ما قالوا وعلى عتقي إيّاهم.

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هؤلاء لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن ، فما اخترنه عمل به. فأشار إلى شهر بانويه بنت كسرى فخيرت وخوطبت من وراء الحجاب والجميع حضور ، فقيل لها : من تختارين ، وهل أنت ممن تريدين بعلاً ؟

٦٧

فسكتت. فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام قد أرادت وبقي الإختيار.

فقال عمر : وما علمك بإرادتها البعل ؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أتته كريمة قوم لا وليّ لها وقد خطبت ، يأمر أن يقال لها : أنت راضية بالبعل ؟

فان استحيت وسكتت ، جعلت إذنها صماته وأمر بتزويجها ، وإن قالت : لا لم تكره على ما تختاره. وإنّ شهربانويه أريت الخطاب ، فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي عليه‌السلام فأعيد القول عليها في التخيير ، فأشارت بيدها وقالت بلغتها : هذا ان كنت مخيّرة وجعلت علياً عليه‌السلام وليّها ... ١

* * *

__________________

١. ذرايع البيان ، ج ١ ، ص ٢٤٠.

٦٨



١٢

جواز النظر إلى الخطيبة

ومن الموارد التي يجوز للزوج أن يقدم على ذلك قبل العقد ، هو النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوّجها فمن حقه أن يراها بل يستحب له النظر كما ادعاه الفيض الكاشاني ناقلاً عن الغزالي قائلاً ولذلك استحبّ النظر قبل العقد. ١

ثم نقل عن الغزالي قوله : وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلاّ بعد النظر إحترازاً من الغرور. وقال الأعمش : كل تزويج يقع على غير نظر فآخره همّ وغمّ ومعلوم أنّ النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وإنّما يعرف الجمال والقبح ، والغرور يقع في الجمال والخلق جميعاً فيستحبّ إزالة الغرور في الجمال بالنّظر وفي الخلق بالوصف والإستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح ... ٢

__________________

١. المحجة البيضاء ، ج ٣ ، ص ٨٩.

٢. نفس المصدر.

٦٩

ومّما يدل على جواز النّظر لمن يريد الزّواج بإمرأة ما أفرده لنا الحرّ العاملي في وسائل الشيعة بباب مستقل وقد جمع فيه ثلاثة عشر حديثاً عن علي والباقر والصادق عليهم‌السلام حيث أجازوا النظر إلى وجهها ويديها وشعرها ومحاسنها ، قاعدة وقائمة ، وأن يتأمّلها بغير تلذّذ وإليك بعضها رعاية للإختصار :

الف. روى الكليني بسنده عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عن الرّجل يريد أن يتزوّج المرأة أينظر إليها ؟

قال : نعم ، إنّما يشتريها بأغلي الثّمن. ١

ب. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوّجها. ٢

ج. وعن الحسن بن السرّي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة يتأمّلها ، وينظر إلى خلفها وإلى وجهها ؟

قال : نعم ، لا بأس ينظر الرّجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ينظر إلى خلفها وإلى وجهها. ٣

د. وعن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة وأحبّ أن ينظر إليها.

قال : تحتجز ، ثم لتعقد وليدخل فلينظر.

__________________

١. الكافي ، ج ٥ ، ص ١٦.

٢. نفس المصدر.

٣. نفس المصدر.

٧٠

قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها ؟

قال : نعم.

قلت : فتمشي بين يديه ؟

قال : ما أحبّ أن تفعل.

ه‍. وعن الصادق عليه‌السلام أيضاً قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوّجها. ١

فتحصّل من جميع ما ورد عنهم عليهم‌السلام أنّهم أجازوا للّذي يريد الزّواج أن ينظر إلى الخطيبة بشرط عدم الريبة.

* * *

__________________

١. نفس المصدر.

٧١
٧٢

١٣

حضور أكابر القوم في مجلس الخطبة

ومن أهم موارد السعي للزواج بين الشابين المؤمنين هو الحضور فى مجلس الخطبة ، فهذا العمل من أكابر الاسرة أو من شخصية كبيرة محترمة ، له آثار ونتايج ايجابية حيث يعظم في عين الزّوج والزّوجة ، ويهتم الشاب فيما بعد بالتزامه بشؤون الزّوجية وتطمئنّ الزّوجة بهذا الحضور من نجاح هذا الزّواج في المستقبل. وقد صدر هذا الأمر من الإمامين الهمامين الرضا والهادي عليهما السلام وقبلهما من سيدنا أبي طالب رحمه الله.

١.حضور الامام الرضا عليه‌السلام

حضر الرضا عليه‌السلام لرغبة بعض من دعاه في الحضور في مجلس الخطبة والعقد تبركاً بقدومه ، فخطب عليه‌السلام خطبته المعروفة وعرف الشاب في ذلك المجلس ، بكمال عقله وفضله وصلاحه.

٧٣

قال الطبرسي في المكارم : ويستحب أن تخطب بخطبة الرضا عليه‌السلام تبرّكاً لأنها جامعة في معناها ، وهي :

ألحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه ، وافتتح بالحمد كتابته ، وجعل الحمد أول محل نعمته ، وأخر جزاء أهل طاعته وصلى الله على محمد خير البريّة ، وعلى آله أئمة الرحمة ومعادن الحكمة ، و الحمد لله الذي كان في بيانه الصادق وكتابه الناطق ، أن من أحق الأسباب بالصلة وأولى الامور بالتقدمة ، سبباً أوجب نسباً ، وأمراً أعقب غنى ، فقال جل ثناوه : وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديراً ١ وقال جل ثناوه : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم وإن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ٢ ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية منزلة ولا سنة متبعة ، لكان ما جعل الله فيه من بر القريب وتألف البعيد ، ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع اليه الموفق المصيب ، فأولى الناس بالله من اتّبع أمره ، وأنفذ حكمه ، وأمضى قضاءه ، ورجا جزاءه ، ونحن نسأل الله تعالى أن يعزم لنا ولكم على أوفق الامور.

ثم إنّ فلان ، من قد عرفتم مروءته وعقله وصلاحه ونيته وفضله ، وقد أحبّ شركتكم ، وخطب كريمتكم فلانة ، وبذل لها من الصداق كذا فشفّعوا شافعكم وانكحوا خاطبكم ، في يسر غير عسر ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. ٣

__________________

١. سورة الفرقان ، الآية ، ٥٤.

٢. سورة النور ، الآية ٣٢.

٣. مكارم الاخلاق ، ص ٢٠٦.

٧٤

٢. حضور الإمام الهادي عليه‌السلام

طلب أحد الشباب أو أبيه من الإمام الهادي عليه‌السلام للحضور في مجلس الخطبة ليشفع لهم في زواج الخاطب ، فلبىّ الإمام عليه‌السلام دعوتهم وحضر المجلس معهم وخطب فيهم وطلب منهم أن يزوّجوا إبنتهم بعد أن أشار إلى محاسن ذلك الشاب. وأما الخطبة فرواها الكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبدالعظيم بن عبدالله قال : سمعت أبا الحسن يخطب بهذه الخطبة : ألحمدلله العالم بما هو كائن من قبل أن يدين له من خلقه دائن فاطر السموات والأرض ، مؤلف الأسباب بما جرت به الأقلام ومضت به الأحتام من سابق علمه ومقدر حكمه ، أحمده على نعمه ، وأعوذ به من نقمه ، وأستهدي الله الهدى ، وأعوذ به من الضلالة والرّدى ، من يهده الله فقد اهتدى ، وسلك الطريقة المثلى وغنم الغنيمة العظمى ، ومن يضلّ الله فقد حار عن الهدى وهو إلى الردى.

أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى ، ووليه المرتضى وبعيثه بالهدى ، أرسله على حين فترة من الرسل واختلاف من الملل وانقطاع من السبل ودروس من الحكمة وطموس من أعلام الهدى والبينات ، فبلّغ رسالة ربّه ، وصدع بأمره ، وأدىّ الحق الذي عليه وتوفي فقيداً محموداً صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم إن هذه الامور كلّها بيد الله إلى أسبابها ومقاديرها فأمر الله يجرى إلى قدره وقدره يجرى إلى أجله وأجله يجري إلى كتابه

٧٥

ولكل أجل كتاب يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده امّ الكتاب أمّا بعد فإن الله جل وعزّ جعل الصهر مألفه للقلوب ونسبة المنسوب أوشج به الأرحام وجعله رأفة ورحمة إن في ذلك لآيات للعالمين ؛ وقال في محكم كتابه : وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وقال : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم وإن فلان بن فلان ممّن قد عرفتم منصبه في الحسب ومذهبه في الأدب ، وقد رغب في مشاركتكم وأحبّ مصاهرتكم ، وأتاكم خاطباً فتاتكم فلانه بنت فلان وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا ، العاجل منه كذا والآجل منه كذا ، فشفعّوا شافعنا وأنكحوا خاطبنا وردّوا ردّا جميلاً وقولوا قولاً حسناً ، وأستغفرالله لي ولكم ولجميع المسلمين. ١

٣. حضور أبي طالب في مجلس الخطبة

وعن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوّج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة.

فابتدء أبوطالب بالكلام ، فقال : ألحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع ابراهيم وذريّة اسماعيل ، وأنزلنا حرماً آمناً ، وجعلنا الحكّام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه.

ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممن لا يوزن برجل من

__________________

١. الكافي ، ج ٥ ، ص ٣٧٢.

٧٦

قريش الاّ رجّح به ، ولا يقاس به رجل الاّ عظم عنه ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاً في المال ، فإنّ المال رفد جار وظلّ نزائل ، وله في خديجة رغبة ولقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها والمهر عني في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله وربّ هذا البيت حظ عظيم ودين شايع ورأي كامل.

ثم سكت أبو طالب فتكم عمها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر ، وكان رجلاً من القسّيسين.

فقالت خديجة مبتدئة : يا عماه إنّك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود ، فلست أولى بي من نفسي ، قد زوّجتك يا محمد نفسي مني والمهر على في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك.

فقال أبوطالب : إشهدوا عليها بقولها محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وضمانها المهر في مالها.

فقال بعض قريش يا عجباه المهر على النساء للرجال. فغضب أبو طالب غضباً شديداً وقام على قديمه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه.

فقال : إذا كانوا مثل ابن اخي هذا طلبت الرجال بأغلى الثمن وأعظم المهر ، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوّجوا إلاّ بالمهر الغالى.

ونحر أبوطالب ناقة ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأهله.

٧٧

فقال رجل يقال له أبوعبد الله بن غنم :

هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت

لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوجت من خير البريّة كلها

ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

وبشر به البرّان عيسى بن مريم

وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرّت به الكتاب قدماً بأنه

رسول من البطحاء هاد ومهتد ١

* * *

__________________

١. سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٣٧٩.

٧٨



١٤

قراءة الخطبة قبل العقد

ومن السنن المستحبة الأكيدة قبل العقد ، قرائة خطبة تشتمل على الحثّ على الزوّاج وعلى سنّة النبيّ الكريم. كما ورد عنه أنه قال : كل نكاح لا خطبة فيه ، فهو كاليد الجذّاء ١ والذي يتعهد قراءتها إمّا الزّوج الخاطب وإمّا العاقد وإمّا أحد الجلساء من كبار السن كما خطب حذيفة بن اليمان وكان يومئذ كبير القوم وكان حاضراً في المجلس الذي ادخل فيه سبي الفرس فأمره الإمام بالخطبة قبل العقد على شهربانويه ، فقال عليه‌السلام :اخطب يا حذيفه. فخطب وزوّجت من الحسين عليه‌السلام. ٢ فلاشك ان في قراءة هذه الخطبة بركات ما لا يحصى عدّها.

ومنشأ هذا الإستحباب إمّا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الامام علي عليه‌السلام بقراءة

__________________

١. مستدرك الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٢٠١ ؛ عن دعائم الاسلام ، ج ٢ ، ص ٢٠٣.

٢. نفس المصدر ، ج ١٤ ، ص ٢٠٩.

٧٩

الخطبة أو خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل عقد فاطمة أو خطبة الإمام الرضا عليه‌السلام أو خطبة الجواد عليه‌السلام قبل العقد على ام الفضل إبنة المأمون.

ويستحب أيضاً قراءة خطبة الرضا عليه‌السلام قبل العقد كما ورد ذلك وإليك بعض الخطب الواردة وعليك التأمل فيما ورد :

خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل عقد فاطمة عليها‌السلام

نقل ابن الصباغ المالكي عن الشيخ أبي على ، الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان بسنده عن أنس ، قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي يا أنس أتدري ما جائني به جبرئيل من صاحب العرش جلّ وعلا ؟

قلت بأبي أنت وامي ما جاءك به جبرئيل ؟

قال : قال لي : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تزوّج فاطمة من علي عليه‌السلام فانطلق فادع لي أبابكر وعمر وطلحة والزبير وبعدتهم من الأنصار.

قال : فانطلقت فدعوتهم ، فلما أخذوا مجالسهم ، قال رسول الله :

ألحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه ، الموهوب إليه من عذابه النافذ أمره وأرضه في سماءه ، الذي خلق الخلق بقدرته وميّزهم بأحكامه وأعزّهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إن الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً وحكماً عدلاً وخيراً جامعاً ، وشج بها الأرحام وألزمها الأنام ، فقال عزّ وجلّ :

٨٠